الفصل الأول: هل صُلب المسيح حقاً؟
إن عقيدة الفداء، أي موت المسيح على الصليب من أجل خلاص الجنس البشري، هي عقيدة جوهرية في صُلب الديانة المسيحيّة. فمبدأ الخلاص قائم في أصله على هذا العمل الفدائي، وهو عمل لم يخطط له البشر، أو يرسم معالمه الناس، إنما هو من صنع الله، وليس للإنسان أي فضل في ذلك.
ولكن موت المسيح على الصليب وبالتالي قيامته في اليوم الثالث من بين الأموات، قضيّة اختلف عليها المسلمون والمسيحيّون منذ نشأة الإسلام، في مطلع القرن السابع الميلادي حتى عصرنا الحاضر. فالمسلمون ينكرون إنكاراً قاطعاً أن المسيح قد صُلب أو حتى مات موتاً طبيعياً (مع العلم أن لفيفاً من العلماء المسلمين يميلون إلى القول إن المسيح قد مات موتاً طبيعيّاً ثم رفعه الله إلى السماء). بينما يصرّ المسيحيّون عن قناعة لا شك فيها أن المسيح قد مات مصلوباً من أجل فداء الإنسان الخاطئ.
إن المسلمين يستهدفون من إنكارهم صلب المسيح إنكار مبدأ الفداء بل حاجة الإنسان إلى مخلص. بينما يرى المسيحيّون أنه لا خلاص من غير سفك دم، أي من غير عمل الكفارة الذي اتخذ شكله النهائي والأبدي على الصليب في شخص المسيح. فالكتاب المقدس في إشارته إلى صلب المسيح يقول: "بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ" (الرسالة إلى العبرانيين 9: 22).
وهو أمر يستنكره المسلمون أشدّ الاستنكار اعتقاداً منهم أنّ التوبة والأعمال الصالحة كافية لخلاص الإنسان من خطاياه، وأنّ الغفران يرتبط ارتباطاً وثيقاً برحمة الله وإرادته ولا علاقة له بعمل المسيح الفدائي على الصليب [1] . كذلك لا يؤمن المسلمون بضرورة وجود وسيط بين الله والناس لأن الإنسان، كما يدّعون يولد بريئاً وأنّ ما يرتكبه من آثام هي أخطاء متولدة عن ضعف الطبيعة البشرية ونقصانها وليس بفعل الطبيعة الساقطة التي ورثها عن آدم. وأودُّ هنا أن أُحيل القارئ إلى كتيّب قيّم بعنوان: "طبيعة الإنسان الساقطة في الإسلام والمسيحية"[2] عمد فيه المؤلف إلى تفنيد هذه الادعاءات تفنيداً جازماً مستعيناً بالمصادر الإسلامية والمسيحيّة على السّواء.
ولن أحاول هنا أن أعرض بالتفصيل المطول إلى الأسباب القاطعة التي ولّدت قناعة لا يشوبها الشك في إيمان المسيحيين بموت المسيح على الصليب وقيامته في اليوم الثالث، إنما سأُلمح إليها بشيء من الإجمال لأن دراسة مسهبة لمثل هذه الأسباب تقتضي كتاباً وليس كتيّباً.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
وهو مات
لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا
لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام (2كورنثوس15:5)
يحتفل العالم المسيحي في هذا الوقت من كل عام بذكرى الفصح المجيد, ذكرى موت وقيامة السيد المسيح. فإذا بنا نرى فرصة لتبادل الهدايا, ولبس الثياب الجميلة, وأكل الأطايب... وإذا بالبعض الآخر يرى فرصة لتسويق بضاعته وتنشيط تجارته ... وإذا بآخرين يحتفلون بالمسرحيات والافلام والغناء والرقص, بل وبالسكر والقمار, الى ما هنالك من مُتَع الجسد والدنيويات ... وبالرغم من كل هذا يعلّقون الصليب على اعناقهم وعلى ابواب بيوتهم وفي سياراتهم, لكنهم للأسف الشديد, لا يدركون حقيقة هذه الذكرى ولا يلمسون معنى صليب المسيح وانتصاره على الموت.
فالمسيح لم يصلب لكي نستمر في حياتنا الخاطئة, ولم يمت لنزداد في الغوص العميق في بحر الملذّات الدنيوية الفاسدة, والمطامع المادية الزائلة.
لا يعني الصليب تعصّباً أعمى لهذا الدين او تلك الطائفة, بالمظهر الخارجي, بينما يفرغ القلب من محبة المسيح وروحه الصالح.
لا يعني الصليب انتماء لهذه المجموعة او تلك, فنتذكّره في المناسبات, وبدون مفهومه الصحيح.
فالذين لا يعرفون معنى صليب المسيح, يسميهم الانجيل بالهالكين الجاهلين, وأما الذين اختبروا قوة المسيح وغفرانه, فيقول الانجيل عنهم أنّ كلمة الصليب عندهم هم المخلّصين فهي قوة الله وحكمة الله. (1كورنثوس18:1و24)
فالمسيح المدعو كلمة الله, جاء من قلب الله وذاته متجسّدا, لكي يحمل خطايا البشر في جسده, على الصليب, ليدينها ويمحوها؛ ولكي يغفرها لكل من يؤمن به حقاً وفعلاً, لا كلاماً وادّعاءً ؛ ولكي يمنح كل مؤمن به الحياة الابدية (يوحنا 16:3؛ 40:6و47)
لم يُصلب المسيح لأنه كان ضعيفاً, حاشا, إذ قال لبطرس:" أتظن أني لا استطيع الآن ان اطلب الى ابي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة ؟" (متى 53:26)
لم يُصلب المسيح لأن اليهود او الرومان كانوا اصحاب السلطة, فقد قال المسيح لبيلاطس الروماني : "لم يكن لك عليّ سلطان البتة لو لم تكن قد اعطيت من فوق ؛ لذلك الذي أسلمني اليك له خطية أعظم." (يوحنا 11:19) وإذ جاء اليهود ليمسكوا يسوع , قال لهم : "من تطلبون؟" فأجابوه: "يسوع الناصري!" فقال لهم يسوع: "أنا هو" فلما قال لهم إني أنا هو, رجعوا الى الوراء وسقطوا على الارض. (يوحنا4:18-6)
بل لقد كانت ارادة الله أن يأتي في المسيح ويتحمّل عقاب خطايا البشر على الصليب, لكي يحرّرهم من الخطيئة ويخلّصهم من الشيطان ومن جهنّم. وقد قال المسيح بفمه الطاهر في يوحنا 15:10و17و18 " أنا أضع نفسي عن الخراف... أنا اضع نفسي لآخذها أيضاً, ليس أحد يأخذها مني, بل أضعها أنا من ذاتي, لي سلطان ان أضعها, ولي سلطان أن آخذها أيضاً... "
فالله بيّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة, مات المسيح لأجلنا (رومية8:5)
أي أنّ الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه, غير حاسب لهم خطاياهم (2كورنثوس19:5)
لم ينتحر المسيح في الصليب عندما أسلم نفسه, حاشا, لأن اليائس والبائس هو الذي ينتحر, أما المسيح فبحُبٍ وبأس, "أسلم لأجل خطايانا واُقيم لأجل تبريرنا" (رومية 25:4)
هل رأيت محبة الله التي تجلّت في المسيح المصلوب عنك وعني؟
هل رأيت قوة الله التي تجلّت في قيامة المسيح المنتصر على الموت والشيطان؟
هل دخلت محبة الله وقوة الله الى قلبك وروحك وحياتك؟
هل صار يعني لك الصليب والقبر الفارغ أمراً جديداً عظيماً ؟
http://www.thegrace.com/issue13/a_mawd.htm
نعم
…وما صلبوة وما قتلوة ؟!نعم هذا حقيقي إلى حد كبير.
فالرومان كانوا يستعمرون اليهود في ذلك الوقت، فلم يكن لليهود سلطة تنفيذ حكم الإعدام، ولو فعلوا لكانوا أعدموا المسيح رجما بالحجارة حسب شريعتهم، وليس بالصلب الذي كان أسلوب الرومان في تنفيذ أحكام الإعدام. والإنجيل يقول:جاء (اليهود) بالمسيح من عند قيافا إلى دار الولاية (الرومانية) فخرج بيلاطس إليهم وقال لهم .. خذوه انتم واحكموا عليه حسب ناموسكم (شريعتكم) فقال له اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحدا- ليتم قول المسيح الذي قاله مشيرا إلى أية ميتة كان مزمعا أن يموت- قال له بيلاطس (الوالي الروماني) أ أنت إذا ملك. أجاب المسيح: أنت تقول أنى ملك، لهذا ولدت أنا ولهذا أتيت إلى العالم لأشهد للحق، كل من هو من الحق يسمع صوتي .. فقال له بيلاطس ألست تعلم أن لي سلطانا أن أصلبك وسلطانا أن أطلقك أجاب المسيح: لم يكن لك على سلطان البتة لو لم تكن قد أعطيت من فوق. حينئذ أسلمه إليهم ليصلب." (يوحنا18: 28-32 ، 37، 19: 10 ، 11 ، 16)
اذن فالرومان هم الذين نفذوا حُكم الصلب فى المسيح وليس اليهود.