7) إمكانية دس الشيطان وحيه في وحي الوساطة .

إمكانية  نسيان النبي لوحيه بفعل الشيطان . ولقد حدث الدس والنسيان لمحمد .

هناك ظاهرة غريبة فريدة يمتاز بها التنزيل القرآني، ولا يقول بها الكتاب المقدس ،إلا وهي إمكانية تدخل الشيطان في تحريف وإفساد الوحي والتنزيل.

" وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" حج 52.

قال القرطبي في تفسيره لآية سورة الحج 52‏. الضمير هنا راجع للشيطان . و "ألقى الشيطان في أمته" أي ألقى الشيطان قراءة وتلاوته النبي ما هو ليس من الوحي بشيء.

 

قال الطبري في تفسيره لهذا الآية: ‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ‏‏ .

إن السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية على رسول, أن الشيطان كان ألقي على لسانه في بعض ما يتلوه مما أنزل الله عليه من القرآن ما لم ينزله الله عليه, فاشتد ذلك على رسول الله واغتم به, فسلاه الله مما به من ذلك بهذه الآيات. ذكر من قال ذلك : عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا: جلس رسول الله في ناد من أندية قريش كثير أهله, فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه,

فأنزل الله عليه: {والنجم إذا هوي ما ضل صاحبكم وما غوى} [النجم: 1-2] فقرأها رسول الله, حتى إذا بلغ: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 19-20] ألقي عليه الشيطان كلمتين: " تلك الغرانقة العلى, وإن شفاعتهن لترجى", فتكلم بها. ثم مضى فقرأ السورة كلها. فسجد في آخر السورة, وسجد القوم جميعا معه, ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه, وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود. فرضوا بما تكلم به وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت وهو الذي يخلق ويرزق, ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده, إذ جعلت لها نصيبا, فنحن معك! قالا: فلما أمسى أتاه جبرائيل عليهما السلام فعرض عليه السورة; فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين! فقال رسول الله: "افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل" فأوحى الله إليه: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك, لتفتري علينا غيره}... [الإسراء: 73] إلى قوله: {ثم لا تجد لك علينا نصيرا}. [الإسراء: 75] .

 

فما زال مغموما مهموما حتى نزلت عليه: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقي الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم}.

قال: فسمع من كان من المهاجرين بأرض الحبشة أن أهل مكة قد أسلموا كلهم, فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا: هم أحب إلينا! فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان.

 

ثنا المعتمر, قال: سمعت داود, عن أبي العالية, قال: قالت قريش لرسول الله : إنما جلساؤك عبد بني فلان ومولى بني فلان, فلو ذكرت آلهتنا بشيء جالسناك, فإنه يأتيك أشراف العرب فإذا رأوا جلساءك أشراف قومك كان أرغب لهم فيك! قال: فألقي الشيطان في أمنيته, فنزلت هذه الآية: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 19-20] قال: فأجرى الشيطان على لسانه. "تلك الغرانيق العلى, وشفاعتهن ترجى, مثلهن لا ينسى". قال: فسجد النبي حين قرأها, وسجد معه المسلمون والمشركون. فلما علم الذي أجري على لسانه, كبر ذلك عليه, فأنزل الله. {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقي الشيطان في أمنيته}... إلى قوله: {والله عليم حكيم} .

عن ابن عباس, قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقي الشيطان في أمنيته} إلى قوله: {والله عليم حكيم} وذلك أن نبي الله بينما هو يصلي, إذ نزلت عليه قصة آلهة العرب, فجعل يتلوها; فسمعه المشركون فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير! فدنوا منه, فبينما هو يتلوها وهو يقول: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 19-20]

ألقى الشيطان: "إن تلك الغرانيق العلى, منها الشفاعة ترتجى". فجعل يتلوها, فنزل جبرائيل عليه السلام فنسخها, ثم قال له: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقي الشيطان في أمنيته}... إلى قوله: {والله عليم حكيم}.

واختلف أهل التأويل في معنى قوله "تمنى" في هذا الموضع, وقد ذكرت قول جماعة ممن قال: ذلك التمني من النبي  ما حدثته نفسه من محبته مقاربة قومه في ذكر آلهتهم ببعض ما يحبون, ومن قال ذلك محبة منه في بعض الأحوال أن لا تذكر بسوء.

عن ابن عباس, قوله: {إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} يقول: إذا حدث ألقي الشيطان في حديثه. راجع تفسير الطبري سورة الحج الآية 52.

وقد حاول بعض المسلمين التشكيك بصحة تلك الحادثة .

وفاتهم ان حديث الغرانيق رواه عدة من حفاظ علماء السنة في مصنفاتهم منهم الطبري في تفسيره وتاريخه وعبد بن حميد، وعبد الرحمن بن ابي حاتم، والبيهقي في الدلائل، والطبراني، وسعيد بن منصور وابن المنذر، وابن مردويه، وابن سعد في الطبقات الكبرى، وغيرهم، وهؤلاء من كبار رجال السنة ومحققيهم،  وقد صححه عدة من أعلام السنة ورجالاتهم له، فقد صححه ابن الحجر والسيوطي ، وأرسل ابن الأثير ذلك في تاريخه إرسال المسلمات، وأورده الطبري بعدة طرق  صحح بعضها من تقدم ذكره، وتفسير الطبري الذي أورد فيه الخبر بعدة طرق يقول فيه ابن تيمية:

( أما التفاسير التي بين أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير والكلبي) .

 ( التفسير الكبير لأبن تميمة ج 2 ص 254 -255ط دار الكتاب العلمية بيروت .

ودقائق التفسير ج 1 ص 117 ط تفسير البغوي ج 2 ص 253)

 ( الدر المنثور ج 4 ص 661- 663 ، تفسير آية 52 من سورة الحج)

يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقام الرد على من أنكر هذا الخبر:  وقد تجرأ ابو بكر بن العربي كعادته، فقال: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها، وهو اطلاق مردود عليه، وكذا قول عياض: هذا قال ابن حجر :

( وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك عن أن لها أصلا، وقد ذكرت ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض.)

 (فتح الباري ج 8 ص 561 ، تفسير آية 52 من سورة الحج).

نقول كثرة الروايات والتشابه بينها يدل على ان للقصة أصلا.

وقد تكون مدسوسة . وانما المشكل الحقيقي والمحرج ما ورد في سورة الحج تبريراً للقصة : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا إذا تمنى( قرأ)  ألقى الشيطان في أمنيته. فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ، والله عليكم حكيم، ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض). الحج 52. فهذه الآية تؤكد ( إلقاء الشيطان في قراءة النبي ما ليس من القران ) الجلالين.

وتؤكد أيضا ان هذا الدس الشيطاني جرى لمحمد ،مثلا في سورة النجم ؛ ومما يزيد الأمر خطورة ان النبي لم ينتبه إليه ولم يشعر به حتى اخبره جبريل .

ان هذا السهو، وهذا التدخل الشيطاني اللاشعوري في الوحي قد حدث لسائر الرسل والأنبياء بحسب الزعم الإسلامي !:  (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ).

فالقضية اخطر من إمكانية ، بل هي واقع سجله القران على جميع  الأنبياء والرسل ! - ما عدا مسيح الله الذي لم يستطع الشيطان طعنه كما جاء في الحديث الصحيح-  وهذا الأذن الرباني الغريب الذي انفرد به القران ونبيه بالسماح للشيطان ، بتحريف الوحي وإفساده أحيانا ، يدعمه سبب اغرب : (ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض). أتسمح فتنة المنافقين بتحريف الوحي ، ولو إلى فترة ؟؟ وهل هذا السماح الذي بعده يحكم الله آياته يزيد في عصمة النبي لافحام الذين في قلوبهم مرض؟؟.

والراسخون في العلم يقولون آمنا ، كل من عند ربنا .

ويزيد الأمر غرابة واستغراباً ان الله أذن في فتنة جميع الأنبياء في الوحي والسيرة آناً بعد آن ( سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنة الله تحويلاً).

أيسمح الله بفتنة أنبيائه لفتنة خلقه ؟! أتلك  هي حقا سنة الله في رسله ؟!.

أخيرا نتساءل قائلين هل تتماشى آية سورة النجم (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى). النجم 3 .

مع آية سورة الحج : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ‏) ‏. الحج 52. ؟؟ .

وهل تتماشى آية سورة الحج 52: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ‏) ‏.  مع آية سورة الحجر 9 ( انا أنزلنا الذكر وانا له لحافظون ؟.

تلك كانت بعض ميزات التنزيل القراني  الذي انفرد بها محمد وقرانه عن كتب الله وأنبياءه أجمعين .

عودة