الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (سورة الروم 30: 1-5)
زعم قوم من المفسرين أن هذه الآيات نبوة صريحة بالمستقبل دالة على صحة رسالة محمد وقالوا أن الآية الأولى منها تدل على انكسار الروم في سورية أمام الفرس في ملك خسروبرويز ولما بلغ خبر انتصار الفرس على الروم فرح المشركون وقالوا أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون فقد ظهر إخواننا على إخوانكم فلنظهرن عليكم فعند ذلك نزلت الآية التالية وهم من بعد غلبنهم سيغلبون في بضع سنين وروي أن أبا بكر عقد مراهنة بينه وبين أبي بن خلف أن هذه الآية ستتم في ظرف ثلاث سنين لكنه لما علم من محمد أن كلمة بضع المشار إليها في الآية هي كناية عن عدد قليل يترواح بين الثلاثة والتسعة بجل الشروط المتفق عليها من حيث المدة وقالوا أن الروم غلبت بعد سبع سنين وربح أبو بكر المراهنة وقبض قيمتها من ورثة أبي الذي كانت أدركته الوفاة وقتئذ هذا ما حكوه لتأييد نبوة القرآن المتعلقة بالروم وفارس والآن اسمح لي أيها القارئ العزيز أن نتبين صحة هذه الحكاية مع التسليم بأن الآية المشار إليها كتبت قبل واقعة الحرب وظهور النتيجة وأنها باقية على ما كانت عليه,

نعلم من التاريخ أن فارس هزمت الروم في أرض سورية في السنة السادسة قبل الهجرة الموافقة لسنة 615 ميلادية وإذ تمت هذه الحادثة وغلبت الروم في أدنى الأرض بلغ هذا الخبر إلى مكة في أيام قليلة قال البيضاوي في تفسيره ما معناه أن تلك النبوة تمت يوم انتصر الروم على فارس وكان ذلك في يوم الحديبية, ونعلم أن معاهدة الحديبية تمت في ذي القعدة من السنة السادسة بعد الهجرة الموافقة شهر مارس سنة 628 ميلادية فإن صح تفسير البيضاوي وكانت غلبة الروم في السنة الثانية عشرة بعد انهزامهم خلافاً لما جاء في القرآن من أن بين الحادثتين بضع سنين والبضع لا يزيد عن تسع وعليه فلم تتم النبوة على أن ليس من النوادر البالغة حد الإعجاز أن يخبر أحد أية الدولتين تحرز الغلبة فإن هذا يمكن معرفته بدون تكليف جبريل بأن يأتي بوحي من السماء بل يعرف ذلك بمضاهاة الدولة الواحدة بالأخرى فمن كا نت أكثر رجالاً وأوفى عدة وأعلا همة فهي الغالبة لا محالة حتى وإن غلبت في بادئ الأمر, لهذا لنا الحق أن ندعي بأن محمداً أنبأ بانتصار الروم أخيراً من تلقاء نفسه بمجرد رأيه الثاقب وذكاء فكره إسوة بكثيرين من ذوي الآراء الصائبة وقيل في الأمثال ظن العاقل أصح من يقين الجاهل, عدا ذلك نقول أنه من المحتمل ان يكون أبو بكر راهن صاحبه على انتصار الروم من قبل أن يشاور محمداً فإن صح هذا الاحتمال كان أبو بكر نبياً أيضاً كمحمد لأنه تأكد أن الروم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين حتى أنه عقد مراهنة على هذه النتيجة فتأمل, أما الحقيقة الناصعة فهي أنه لا قول أبي بكر ولا قول محمد من النبوة في شيء بل إنهما كرجلين مدربين بمرور السنين ومحنكين بمشاهدة الوقائع لاحظا أن دولة الفرس كثر فيها الاضطراب والهرج وأخذ منها الضعف والاختلال كل مأخذ بدليل تولية الملوك عليها وسقوطهم في زمن قصير فإنه ما بين موت أنوشروان سنة 587 ميلادية وبين سقوط يزدجرد الثالث سنة 642 ميلادية ملك على الفرس لا أقل من أربعة عشر ملكاً ومات أكثرهم قتلاً بعد تمليكهم بزمن قصير وحدث في السنين الخمس التي ما بين ملك خسروفرويز (سنة 227 ميلادية) وبين تولية يزدجرد أنه قد ملك نحو أحد عشر ملكاً فكل من له مسكة من العقل يحكم لأول وهلة أن دولة كهذه لا تقوى على الروم فليس بعظيم على محمد أن يعرف هذه النتيجة الضرورية على أن محمد لم يعين بالضبط عدد السنين التي تكون الغلبة من بعدها بل أتى بعدد مرن يتمدد وينكمش فقال بضع سنين محتاطاً لنفسه لئلا تمسك عليه غلطة ومع ذلك فأخطأ الحقيقة بالرغم عن احتياطه ولو مددنا بضعاً إلى أقصىحدودها لأن الروم لم يغلبوا فارس قبل مرور عشرة سنين لا تسع بعد انهزامهم على أقل تقدير,

ومما يؤكد لنا أن محمداً كان عالماًبضعف الفرس من قبل أن يطلع على آية الروم بسنين كثيرة ما رواه ابن هشام في سيرة الرسول قال ما معناه عقد محمد وروساء قريش مؤتمراً في مكة قبل الهجرة واجتهد في أن يستميلهم إلى الإقرار بالكلمة الأولى من الشهادتين واطراح الشرك واعداً إياهم بعلو المنزلة على العجم والعرب إلى أن قال يا عم كلمة واحدة تعظونيها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم ,,

ومع هذا كله فإن البيضاوي كفانا مؤونة هذا البحث وأراحنا من المناظرة فيما إذا كانت آية الروم نبوة كما زعموا أم لا وذلك لأنه يروي لنا خبر اختلاف قراءة تلك الآية إذ يقرأها بعضهم هكذا غلبت (مبنياً للمعلوم) عوض غلبت (مبنياً للمجهول) وسيغلبون (مبنياً للمجهول) عوض سيغلبون (مبنياً للمعلوم) فتكون جملة الآية هكذا غَلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غَلبتهم سيُغلبون في بضع سنين فإن صحت هذه القراءة بطلت دعوة الذين يدعون باشتمال هذه الآية على معجزة الإنباء بالمستقبل وكانت حكاية المراهنة التي زعموا أن ابا بكر عقدها مع أبي حديث خرافة لأن أبيا كان قد مات قبل انتصار المسلمين على الروم بل قبل انتصار الروم على الفرس بسنين كثيرة ومن هنا نعلم شطط الحديث ووهنه وهو عندهم مصادر الثقة وقال البيضاوي في تفسيره آية الروم بحسب القراءة الثانية ما معناه أن الروم انتصروا على ريف الشام ثم أن بقية الآية تبشر بانتصار المسلمين عليهم في بضع سنين وبموجب هذا التفسير يلزم أن يكون الحديث الذي اثبتوا به نزول الآية المذكورة قبل تاريخ الهجرة بست سنين غير صحيح لأنها تكون قد نزلت بعد ذلك باثنتي عشرة سنة على الأقل والحاصل أن الاستدلال على كون محمد رسول الله بإنبائه عن حادثة مستقبلة كما يزعمون استدلال باطل, أولاً لأن تاريخ نزول الآية المتضمنة الإنباء بالمستقبل غير معلوم بالضبط, ثانياً لأن قراءتها الصحيحة غير معلومة أيضاً, ثالثاً لا يمكن أن يتبين من معنى الآية المذكورة أن شيئاً من النبوة قد تم

 

ودورة الايام وانهزام المنتصر أمام المهزوم ليس غريباً. وعليه فيمكن أن تصدق هذه النبوة بالفراسة وحدها، ولتحقيقها فرصة من أربع أو خمس فرص.

والتاريخ يقول متى قال النبي صلعم هذا فتجد انه قالها عندما وجد نفسه قوياً بالجيوش والعتاد ومنتصراً على كل الجزيرة العربية فكيف لا يأمل في امتداد نصره الى أبعد من هذا ونحن نجده يقول لأبو بكر (ماذا لو قلت لك اني مسكت الشمس والقمر بيداي) فيرد عليه بقول أغرب (لقد صدقناك فيما أبعد من هذا فهل لا أصدقك في هذه الصغيرة!!!!)

والأكثر من هذا ان بعض أتباع النبي صلعم لم يكونوا فقط يصدقونه ويتبعونه في كل شئ دون سؤال بل نجدهم يأخذون بصاقه ويغسلون بها أوجههم!!!!

طبيعي ان يتوقع النصر مع أتباع مثل هؤلاء!!!!!

الصفحة الرئيسية