الدخول الى جهنم
لتحليل القسم
الاِلَهي بأن يملأها
ـ روى البخاري في
صحيحه ج 2 ص 72
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار ، إلا تحلة القسم .
ورواه أيضاً في ج 7 ص 224
ورواه مسلم ج 8 ص 39 وفيه ( فتمسه النار )
ورواه ابن ماجة ج
1 ص 512 والنسائي ج 4 ص 22 و25 بعدة روايات وفي بعضها : فتمسه النار .. والترمذي ج
2 ص 262 وأحمد ج 2 ص 240 وص 276 وص 473 وص 479 والبيهقي في سننه ج 4 ص 67 وج 7 ص
78 والهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 163 وج 5
--------------------------------------------------------------------------------
( 257 )
ص 287 والهندي في
كنزالعمال ج 3 ص 284 وص 293 وج 4 ص 323 وج 10 ص 216 والسيوطي في الدر المنثور ج 4
ص 280 وفي عدد من رواياته : تمسه النار . وفي عدد آخر : يلج النار وفي أكثرها (
تحلة القسم ) .
ورغم التفاوت في صيغ هذه الروايات إلا
أنها تتفق على أن هذا الوالد الذي تحمل ألم خسارة أولاده الثلاثة يستحق الجنة حتى
لو كان مذنباً ، لكن يجب على هذا المسكين أن يدفع ضريبة يمين الله تعالى ، ويدخل
النار مدة قليلة تحلةً لقسم الله تعالى حتى لا يكون الله حانثاً بقسمه ، ثم له من
الله تعالى وَعْدُ شََرفٍ أن ينقله الى الجنة !!
فما هي قصة هذا القسم ؟ وما ذنب هذا
الوالد وغيره من المساكين الذين أدخلتهم صحاح السنيين في جهنم لا لشيء إلا لتحليل
يمين الله تعالى !
حاولت بعض الروايات أن تجعل القسم قوله
تعالى ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً . ثم ننجي الذين اتقوا ونذر
الظالمين فيها جثياً ) مريم 70 ـ 71 وقالوا إن هذا القضاء الاِلَهي الحتمي هو
القسم وهو عام للجميع .
ولكنه تفسير من الرواة لاَن الصحاح لم ترو
حديثاً يفسر القسم بذلك !
ـ قال البيهقي في
سننه ج 10 ص 64 :
قال أبو عبيد : نرى قوله تحلة القسم يعني
قول الله تبارك وتعالى : وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً ، يقول فلا
يردها إلا بقدر ما يبر الله قسمه فيه . وفيه : أنه أحل للرجل يحلف ليفعلن كذا وكذا
ثم يفعل منه شيئاً دون شيَ ، يبري في يمينه . انتهى .
ولكن تفسيرهم هذا لا يصح :
أولاً ، لما ذكره البيهقي من أنه يفتح
الباب للناس للتلاعب بأيمانهم ، ولا تبقى قيمة ليمين ! فإذا كان الله تعالى يستعمل
الحيلة الشرعية للتحلل من يمينه ويسميها (
--------------------------------------------------------------------------------
( 258 )
تحلة القسم ) فلا
حرج على عباده أن يلعبوا بأيمانهم !!
وثانياً ، لا يوجد في آية الورود قسم ،
بينما ورد في كل روايات الصحاح أن سبب دخول هذا الاَب ( تحلَّةَ القسم ) .
وثالثاً ، إن المؤمنين الذين يردون جهنم
ويشرفون عليها في طريق عبورهم الى الجنة لا تمسهم نارها ، بينما ورد في عدد من صيغ
الحديث التعبير بتمسه النار تحلة القسم .
ورابعاً ، أن الورود المذكور في الآية
أمرٌ عامٌ شاملٌ ، وليس من البلاغة استثناء هذا الوالد من استحقاق الجنة ، مع أن
حال في الورود حال غيره !!
وخامساً ، ورد في صيغة البخاري وغيره
تعبير بالولوج وهو الدخول المحقق في النار ، بينما الورود أعم من الدخول في النار
والاِشراف عليها عند المرور على الصراط .
ـ قال في تفسير
التبيان ج 7 ص 143
واختلفوا في كيفية ورودهم اليها فقال قوم
وهو الصحيح : إن ورودهم هو وصولهم إليها وإشرافهم عليها من غير دخول منهم فيها ،
لاَن الورود في اللغة هو الوصول إلى المكان ، وأصله ورود الماء وهو خلاف الصدور
عنه . ويقال : ورد الخبر بكذا تشبيهاً بذلك .
ويدل على أن الورود هو الوصول إلى الشيء
من غير دخول فيه قوله تعالى : ولما ورد ماء مدين ، وأراد وصل اليه . وقال زهير :
فـلـما وردنَ
الـماء زرقاً جـمـامـَه * وضـعـنَ عِـصـِيَّ الـحاضـرِ المتخيمِ
وقال قتادة وعبدالله بن مسعود : ورودهم
إليها هو ممرهم عليها .
وقال عكرمة : يردها الكافر دون المؤمن ،
فخص الآية بالكافرين .
وقال قوم شذاذ : ورودهم إليها دخولهم فيها
ولو تحلة القسم . روي ذلك عن ابن عباس وكان من دعائه : اللهم أزحني من النار
سالماً وأدخلني الجنة غانماً . وهذا
--------------------------------------------------------------------------------
( 259 )
الوجه بعيد ، لاَن
الله قال : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ، فبين تعالى أن من
سبقت له الحسنى من الله يكون بعيداً من النار ، فيكف يكون مبعداً منها مع أنه
يدخلها وذلك متناقض . فإذاً المعني بورودهم : إشرافهم عليها ووصولهم إليها. انتهى
.
وعلى هذا يتعين أن يكون المقصود بتحلة
القسم في هذه الاَحاديث المزعومة : قسمه تعالى بأن يملأ جهنم من الجنة والناس في
قوله تعالى : ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم
ربك ولذلك خلقهم ، وتمت كلمة ربك لاَملاَن جهنم من الجنة والناس أجمعين. هود 118 ـ
119 ويكون معنى الحديث : أن هذا الوالد يستحق الجنة ، ولكن بما أن الله تعالى أقسم
أن يملأ النار ، وليس عنده ما يكفي لملئها ، فإن على هذا الوالد المسكين أن يدفع
الضريبة من جلده !!
إن منطق هذا الحديث يصور الله تعالى كأنه
حاكم دنيوي بنى سجناً وأقسم أن يملأه من المجرمين ، وعندما وجد أن السجن كبيرٌ لم
يمتليَ بالمجرمين الموجودين، أمر شرطته أن يقبضوا على الناس من الشارع ويضعوهم في
السجن حتى يملاَوه ويفي حضرة الحاكم بيمينه ، ولا يكون كاذباً !
وهو تصورٌ نجده عن الله تعالى في التوراة
ولا نجده في القرآن . . الاَمر الذي يجعلنا نطمئن بأن فكرة إدخال الناس إلى النار
لتحلة القسم فكرة توراتية أخذها المسلمون من اليهود ففي تفسير كنز الدقائق ج 2 ص
47 ، جاء في رد مقولات اليهود التي منها ( أنه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده
إلا تحلة القسم ) !!
ولكن أين هذا المنطق من قوانين الحق
والعدل الاِلَهي التي أقام الله تعالى عليها الكون والحياة ، وأنزلها في كتابه
وأوحى بها إلى رسوله صلى الله عليه وآله فخضع لها العلماء والفلاسفة والمفكرون !