حادثةٌ خطيرةٌ ، نَتَّفَتها الصحاح

 

ـ روى البخاري في ج 1 ص 32 : تحت عنوان : باب الغضب في الموعظة والتعليم :

 عن أبي بردة عن أبي موسى قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس سلوني عما شئتم ! قال رجل : من أبي ؟ قال أبوك حذافة ! فقام آخر فقال : من أبي يا رسول الله ؟ فقال أبوك سالم مولى شيبة ! فلما رأى عمر ما في وجهه قال : يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل !

 باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث :

 عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فقام عبدالله بن حذافة فقال من أبي ؟ فقال أبوك حذافة ، ثم أكثر أن يقول سلوني ! فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله رباً وبالاِسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، فسكت ! انتهى .

 عندما تقرأ هذا النص تحس أنه ليس طبيعياً ! فهو يقول : أكثروا عليه السؤال فغضب . . ثم قال : سلوني عما شئتم . . ثم أكثر أن يقول سلوني . . فسألوه هل هم أولاد شرعيون أو أولاد زنا !! فبرَّأ صحابياً وفضح آخر على رؤوس الأشهاد ، وشهد بأنه ابن زنا ! ! ثم أصرَّ عليهم : سلوني سلوني سلوني . . ! ! فقام عمر وأعلن التوبة فهدأ الموقف وسكت النبي صلى الله عليه وآله !!

 فما هي القصة ، وما سبب هذا الغضب والتحدي والفضح النبوي ! والتوبة العمرية ؟!

 الذي يساعد الباحث هنا أن القصة وإن قطَّعتها الصحاح ، لكنها روتها هي وغيرها

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 277 )

بأكثر من عشرين نصاً . . فيمكن للباحث أن يجمع منها خيوطاً كثيرة .

 يقول مسلم في صحيحه لم يكن غضب النبي صلى الله عليه وآله لسؤال كما قال البخاري ! بل بلغه عن أصحابه شيء كريه ! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن يسألوه ( عن أنسابهم ) وتحداهم فخافوا وبكوا ، فقام عمر وتاب ! !

 

ـ قال مسلم في صحيحه ج 7 ص 92

 عن أنس بن مالك قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيَ فخطب فقال : عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً . قال فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه !! قال غطَّوا رؤسهم ولهم خنين ! قال فقام عمر فقال : رضينا بالله رباً وبالاِسلام ديناً وبمحمد نبياً ! قال فقام ذاك الرجل فقال : من أبي ؟ قال أبوك فلان، فنزلت : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ! انتهى .

وروى مسلم جزء منها أيضاً في ج 3 ص 167

 فالمسألة إذن غضبٌ نبويّ لما بلغه عن ( أصحابه ) وخطبةٌ نارية . . وتحدٍّ نبوي لهم في أنسابهم . . وأشد يوم مر عليهم مع نبيهم . . وبكاء الصحابة المعنيين خوفاً من إطاعة الرسول وسؤاله عن نسبهم .. والفضيحة . . وإعلان عمر توبته وتوبتهم . . ! !

 وهكذا تبدأ خيوط الحادثة بالتجمع . . ويمكنك بعد ذلك أن تجمع من خيوطها من نفس البخاري !

 

ـ قال البخارى في ج 1 ص 136

 عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر ، فقام على المنبر فذكر الساعة فذكر أن فيها أموراً عظاماً ، ثم قال : من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي هذا ! ! فأكثر الناس في البكاء وأكثر أن يقول سلوني !

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 278 )

فقام عبدالله بن حذافة السهمي فقال : من أبي ؟ قال أبوك حذافة !

 ثم أكثر أن يقول سلوني ! ! فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله رباً وبالاِسلام ديناً وبمحمد نبياً ! فسكت ، ثم قال : عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط فلم أر كالخير والشر !

 

ـ وقال البخاري في ج 7 ص 157

 عن أنس رضي الله عنه سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه المسألة فغضب فصعد المنبر فقال : لا تسألوني اليوم عن شيء ينته لكم ، فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا كل رجل لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي ! فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه ، فقال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : حذافة ثم أنشأ عمر فقال : رضينا بالله رباً وبالاِسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً نعوذ بالله من الفتن . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط ! إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط . وروى نحوه أيضاً في ج 8 ص 94

 

ـ وقال البخاري في ج 8 ص 143

 عن الزهري أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ، وذكر أن بين يديها أموراً عظاماً ثم قال : من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه ، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا ! قال أنس فأكثر الناس البكاء ! وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول سلوني!! فقال أنس فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال النار ! ! ! فقام عبدالله بن حذافة فقال : من أبي يا رسول الله؟ قال أبوك حذافة . قال ثم أكثر أن يقول سلوني سلوني !! فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله رباً وبالاِسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً . قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك ! ثم قال رسول الله : أولى،

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 279 )

والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط وأنا أصلي ، فلم أر كاليوم في الخير والشر !

 

ـ وقال البخاري في ج 4 ص 73

 عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر رضي الله عنه يقول :

قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم . . . ! حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه .

 

ـ وقال أبو داود ج 1 ص 542

 عن أبى قتادة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كيف تصوم ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله ، فما رأى ذلك عمر قال : رضينا بالله رباً وبالاِسلام ديناً وبمحمد نبياً نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله ، فلم يزل عمر يرددها . . حتى سكن غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى .

 

ـ وقال في مجمع الزوائد ج 1 ص 161

 عن أبي فراس رجل من أسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم : سلوني عما شئتم ؟ فقال رجل : يا رسول الله من أبي ؟ قال : أبوك فلان الذي تدعي إليه ، وسأله رجل : في الجنة أنا ؟ قال : في الجنة . وسأله رجل : في الجنة أنا ؟ قال : في النار ! ! ! فقال عمر : رضينا بالله رباً . رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح .

 

ـ وقال في مجمع الزوائد ج 7 ص 188 وص 390

 وعن أنس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان ! فخطب الناس فقال : لا تسألوني عن شيء اليوم إلا أخبرتكم به ، ونحن نرى أن جبريل معه ! قلت

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 280 )

فذكر الحديث إلى أن قال فقال عمر : يا رسول الله إنا كنا حديثي عهد بجاهلية فلا تبد علينا سوآتنا فاعف عفا الله عنك ! رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح .

 

ـ وفي مجمع الزوائد ج 9 ص 170

 وأتاه العباس فقال : يا رسول الله إني انتهيت إلى قومٍ يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا لاَنهم يبغضونا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو قد فعلوها ؟ ! والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتى يحبكم ، أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي، ولا يرجوها بنو عبد المطلب !

 

ـ وفي مجمع الزوائد ج 9 ص 258

 وجلس على المنبر ساعة وقال : أيها الناس مالي أوذى في أهلي ؟ ! فوالله إن شفاعتي لتنال حي حا ، وحكم ، وصدا ، وسلهب ، يوم القيامة !

 

ـ وفي مجمع الزوائد ج 8 ص 214

 عقد الهيثمي باباً في عدة صفحات بعنوان : باب في كرامة أصله صلى الله عليه وسلم . وأورد فيه أحاديث عن طهارة آباء النبي وأمهاته صلى الله عليه وعليهم ، ونقل حوادث خطيرة أهان فيها القرشيون أسرة النبي صلى الله عليه وآله في حياته ، وهم تحت قيادته في المدينة ، وهم مسلمون مهاجرون ، أو طلقاء منَّ عليهم بالعفو بالاَمس في فتح مكة ! فغضب النبي صلى الله عليه وآله وأجابهم بشدة !

 الحادثة الاَولى :

 عن عبد الله بن عمر قال إنا لقعودٌ بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم : هذه ابنة محمد ، فقال رجل من القوم : إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن ! فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب ، ثم قام على القوم فقال : ما بال أقوال تبلغني عن أقوام ! إن الله عز وجل خلق السموات سبعاً

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 281 )

فاختار العليا منها فسكنها وأسكن سمواته من شاء من خلقه ، وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم ، واختار من بني آدم العرب ، واختار من العرب مضر ، واختار من مضر قريشاً ، واختار من قريش بني هاشم ، واختارني من بني هاشم ، فأنا من خيار إلى خيار ، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم ، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم .

 والثانية :

 عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب قال : أتى ناس من الاَنصار النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نسمع من قومك حتى يقول القائل منهم إنما مثل محمد نخلة نبتت في الكبا ( قال حسين الكبا الكناسة ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب ـ قال فما سمعناه ينتمي قبلها ـ ألا أن الله عز وجل خلق خلقه ثم فرقهم فرقتين ، فجعلني في خير الفريقين ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً ، فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً . . . رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .

 والثالثة :

 عن ابن عباس قال توفي ابنٌ لصفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت عليه وصاحت ، فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : يا عمة ما يبكيك ؟ قالت توفي ابني ، قال : يا عمة من توفي له ولدٌ في الاِسلام فصبر ، بنى الله له بيتاً في الجنة . فسكتت ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلها عمر بن الخطاب فقال : يا صفية قد سمعت صراخك ، إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغني عنك من الله شيئاً ! فبكت فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكرمها ويحبها ، فقال : يا عمة أتبكين وقد قلت لك ماقلت ؟! قالت : ليس ذاك أبكاني يا رسول الله ، استقبلني عمر بن الخطاب فقال إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغني عنك من الله شيئاً ! قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 282 )

وقال : يا بلال هجِّر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة ، فصعد المنبر صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع !! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة !

فقال عمر : فتزوجت أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما لما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ، أحببت أن يكون لي منه سببٌ ونسب .

ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت على نفر من قريش فإذا هم يتفاخرون ويذكرون أمر الجاهلية فقلت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقالوا : إن الشجرة لتنبت في الكبا ( المزبلة ) قال فمررت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ! فقال يا بلال هجر بالصلاة فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال أنسبوني ، قالوا أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، قال أجل أنا محمد بن عبد الله ، وأنا رسول الله ، فما بال أقوام يبتذلون أصلي !! فوالله لاَنا أفضلهم أصلاً وخيرهم موضعاً !

 قال فلما سمعت الاَنصار بذلك قالت قوموا فخذوا السلاح ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أغضب ، قال فأخذوا السلاح ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم لا ترى منهم إلا الحدق ، حتى أحاطوا بالناس فجعلوهم في مثل الحرة ، حتى تضايقت بهم أبواب المسجد والسكك !! ثم قاموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله لا تأمرنا بأحد إلا أبَّرنا عترته . فلما رأى النفر من قريش ذلك قاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذروا وتنصلوا !! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الناس دثارٌ والاَنصار شعار ، فأثنى عليهم وقال خيراً . انتهى .

 

ـ وقال في الدر المنثور ج 2 ص 335

 وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمار وجهه ، حتى جلس على المنبر فقام إليه

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 283 )

رجل فقال : أين آبائي ؟ قال في النار ! فقام آخر فقال من أبي ؟ فقال أبوك حذافة ، فقام عمر بن الخطاب فقال : رضينا بالله رباً وبالاِسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً ، إنا يا رسول الله حديثُ عهدٍ بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا !! فسكن غضبه ، ونزلت هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم .

 

ـ وقال في الدر المنثور ج 4 ص 309

 وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن قول الله : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ؟ قال : كان رجال من المهاجرين في أنسابهم شيء فقالوا يوماً والله لوددنا أن الله أنزل قرآناً في نسبنا ، فأنزل الله ما قرأت .

 ثم قال لي : إن صاحبكم هذا يعني علي بن أبي طالب إن ولي زهد ، ولكني أخشى عجب نفسه أن يذهب به . قلت : يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت ، والله ما نقول إنه غيَّر ولا بدل ولا أسخط رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام صحبته ! فقال : يابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزاً! انتهى .

 وراجع أيضاً : سنن ابن ماجة ج 1 ص 546 ، ومسند أحمد ج 3 ص 162 وص 177 وج 5 ص 296 و303 ، وسنن البيهقي ج 4 ص 286 ، ومصنف عبد الرزاق ج 11 ص 379 ، وكنز العمال ج 4 ص 443 وج 13 ص 453

 

 

* *

 

 من مجموع هذه النصوص يصل الباحث إلى نتائج قطعية متعددة ، نذكر منها :

 أولاً ـ أن القرشيين لم يتركوا حساسيتهم من بني هاشم حتى بعد فتح مكة وإعلان إسلامهم ! غاية الاَمر أنهم استثنوا منهم شخص النبي صلى الله عليه وآله !

 بل من حق الباحث أن يشك في هذا أيضاً ، فالطلقاء أسلموا مهزومين تحت

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 284 )

السيف ! ولم يكونوا يستطيعون أن يتفوهوا بحرف على شخص النبي صلى الله عليه وآله ، وإلا كفروا وعرضوا أنفسهم لسيوف الاَنصار !

 ثانياً ـ أن القرشيين كانوا في حياة النبي صلى الله عليه وآله وفي عاصمته ، وتحت لواء نبوته ، وتحت سيوف الاَنصار . . شرسين على أسرته وعشيرته صلى الله عليه وآله ، وكانت ألسنتهم بذيئة على أصل النبي صلى الله عليه وآله وعشيرته ، حتى ضجَّ من ذلك الاَنصار ، وجاؤوا يشكون إلى النبي صلى الله عليه وآله بذاءة قريش بحقه ، طالبين منه معالجة هذه الاَلسنة المنافقة ، أو إصدار أمر بتقتيلهم . وقد قال الهيثمي عن حديث شكوى الاَنصار : رجاله رجال الصحيح !!

 ثالثاً ـ أن الحوادث التي تكلم فيها القرشيون على أسرة النبي صلى الله عليه وآله متعددة ، فقد نقلت كتب الحديث منها أكثر من عشرة حوادث ، ولا بد أن ما لم تنقله أكثر وأعظم ! !

 رابعاً ـ أن النبي صلى الله عليه وآله كانت حساسيته من هذا الموضوع عالية جداً ، وكان رده دائماً شديداً ، فهو يتعامل معه على أنه موضوع ديني وليس موضوعاً شخصياً ، لاَن عدم الاِيمان بأسرته الطاهرة ، يساوق عدم الاِيمان به صلى الله عليه وآله

 خامساً ـ أن إحدى الحوادث كانت كبيرة بذاتها ، أو بالتراكم ، فغضب الله تعالى لغضب نبيه صلى الله عليه وآله ، وأمره بالرد على القرشيين ( المسلمين الصحابة ) وإتمام الحجة عليهم ، وأنزل عليه جبرئيل ليكون إلى جانبه يوجهه ويجيبه عن أنساب القرشيين ، وعن مستقبلهم في الجنة أو في النار ! ! !.

 سادساً ـ أن النبي صلى الله عليه وآله أحضرهم في المسجد وأمر الاَنصار بمحاصرتهم بالسلاح ، وخطب خطبةً نبويةً نارية بليغة عاصفة ، صبَّ فيها الغضب الاِلَهي والنبوي على القرشيين ، وتحداهم في أنسابهم وأعمالهم ونواياهم ! فلفُّوا رؤوسهم ! واستغشوا ثيابهم ! وعلا خنينهم وبكاؤهم ! وكان ذلك أشد يوم عليهم !!!

 فتدارك الموقف زعيمهم وتقدم وبرك على قدمي النبي صلى الله عليه وآله ! وقبلها ! وبكى له ! ليعفو عنهم ! ولا يفضح أنسابهم ! وعشائرهم ! ولا يصدر عليهم حكمه بالقتل ، أو

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 285 )

بالحرمان من الحقوق المدنية حتى أداء الشهادة ! ! فسكت النبي صلى الله عليه وآله ولم يقل لهم كلمة قبول أو عفو ! وهدأت عاصفة الاِنتقام النبوي في الدنيا ! !

 سابعاً ـ إنها قضيةٌ ضخمةٌ في الحساب العقائدي والفقهي والسياسي ، تستحق الدراسة ووضع النقاط على الحروف . . ولكن الخلافة القرشية تعرف كيف تتخلص منها ، فتعتم عليها إن استطاعت ، أو تحولها إلى مجد لقريش ، ولا تسمح لبني هاشم أن يستفيدوا منها !

 ومن أجل هذا كانت براعة الخليفة عمر في طريقة روايتها ، ثم كانت براعة الرواة ومصنفي الصحاح في تجزئتها وتقطيع أوصالها وتغييب حقيقتها !

 وهذه هي مهمة جيل ما بعد الاَنبياء !!

 أما عبد الله بن الزبير الزهري ، فقد كان عنده عقدةٌ من بني هاشم مع أنهم أخوال أبيه ! وقد اشتهر عنه أنه لم يكن يطيق ذكرهم ، وأنه ترك حتى ذكر النبي صلى الله عليه وآله والصلاة عليه في خطبة الجمعة حتى لا تشمخ أنوف بني هاشم بزعمه !

 والظاهر أن القرشيين ربَّوه على كره بني هاشم منذ كان غلاماً ، وأن له مشاركة في قصة الغضب النبوي !

 ـ فقد روى عنه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 8 ص 215 افتراء عجيباً على النبي في ذم أهل بيته صلى الله عليه وآله حيث حول كلام قريش الذي غضب منه النبي صلى الله عليه وآله وغضب منه الله تعالى من فوق عرشه كما رأيت . . الى حديث مسند عن النبي صلى الله عليه وآله !!

 ـ قال الهيثمي : وعن عبد الله ابن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثلي ومثل أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في مزبلة . رواه الطبراني وهو منكر ، والظاهر أنه من قول الزبير إن صح عنه ، فإن فيه ابن لهيعة ومن لم أعرفه .

 وعن ابن الزبير أن قريشاً قالت : إن مثل محمد مثل نخلة في كبوة . رواه البزار بإسناد حسن ، وهذا الظن به .

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 286 )

 

 

براعة البخاري في تضييع القضية

 المحدث العادي ـ فضلاً عن البخاري ـ يعرف أن هذا الحديث قصةٌ واحدةٌ كما ذكر صاحب فتح الباري ، أو اثنتان في الاَكثر . . وهنا تظهر براعة البخاري في اختراع العناوين لجعل قطعة الحديث تحتها ، أو عقد باب مناسب لتغطية حقيقة الحديث !

ففي ج 1 ص 31

 عقد له باباً باسم : باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره . فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ !

وفي ص 32

 جعله من نوع تأدب التلميذ بين يدي معلمه فسمى الباب : باب من برك على ركبتيه عند الاِمام أو المحدث !

وفي ص 136

 وضع جزءً منه تحت عنوان : باب وقت الظهر عند الزوال ! بحجة أن خطبة النبي صلى الله عليه وآله النارية القاصعة كانت عند الزوال !

وفي ج 4 ص 73

 جعل جزءً منه تحت عنوان : ما جاء في قول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه . . بحجة أن الراوي قال : قام فينا النبي (ص) مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم !

وفي ج 7 ص 157

 عقد له باباً باسم : باب التعوذ من الفتن ! وكأن الموضوع كان حديثاً هادئاً عاماً لكل الاَمة عن الفتن الآتية ، وأن عمر قال : رضينا بالله رباً وبمحمد رسولاً . . . نعوذ بالله من الفتن !

وفي ج 8 ص 142

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 287 )

 عقد له باباً باسم : باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى : لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . . !

 وكان ينبغي له أن يسمي الباب : باب وجوب امتثال أمر النبي إذا أمر بالسؤال ، وأن لا يربط الآية به ، ولا يحشرها في هذا الموضوع أصلاً كما فعلت قريش ، لاَن موضوع الآية كراهة السؤال ، وموضوع الحديث أمر النبي صلى الله عليه وآله المكرر المشدد لقريش أن يسألوه !

 اللهم إلا يقصد البخاري بكراهة السؤال : كراهة إلحاح المعلم على تلاميذه بقوله سلوني ! فيكون الخطأ حينئذٍ من النبي صلى الله عليه وآله لاَنه ألحَّ عليهم بالسؤال ! ويكون موقف عمر تصحيحاً لخطأ النبي صلى الله عليه وآله كما هي عادته المشكورة ! !

 

 

ماذا قال كبار الشراح ؟

 

 لا خبر عند شراح الصحاح بالقضية ، فلا رأوا شيئاً ولا سمعوا ولا قرؤوا ، ولا شموا رائحة شيء يستوجب التساؤل والبحث !!

 

ـ قال ابن حجر في فتح الباري :

 قوله سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء . . كان منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذلك من المسائل ، كما سيأتي في حديث ابن عباس في تفسير المائدة !

 ـ قوله قال رجل : هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء ، القرشي السهمي ، كما سماه في حديث أنس الآتي .

 ـ قوله فقام آخر : هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة ، سماه بن عبد البر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح ، وأغفله في الاِستيعاب ولم يظفر به أحد من الشارحين ، ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة ، وهو صحابي بلا مرية ، لقوله فقال من أبي يا رسول الله ؟ ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلاً من بني عبد الدار قال من أبي ؟ قال سعد : نسبه إلى غير أبيه ، بخلاف ابن

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 288 )

حذافة! وسيأتي مزيد لهذا في تفسير سورة المائدة .

 ـ قوله فلما رأى عمر . . هو بن الخطاب . . ما في وجهه ، أي من الغضب ، قال : يا رسول الله إنا نتوب إلى الله ، أي مما يوجب غضبك ، وفي حديث أنس الآتي بعد أن عمر برك على ركبتيه ، فقال : رضينا بالله رباً وبالاِسلام ديناً وبمحمد نبياً ، والجمع بينهما ظاهر ، بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ ، ودل على اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة .

 ـ تنبيه : قصر المصنف الغضب على الموعظة والتعليم دون الحكم لاَن الحاكم مأمورٌ أن لا يقضي وهو غضبان ، والفرق أن الواعظ من شأنه أن يكون في صورة الغضبان ، لاَن مقامه يقتضي تكلف الاِنزعاج لاَنه في صورة المنذر !!

 وكذا المعلم إذا أنكر على من يتعلم منه سوء فهم ونحوه ، لاَنه قد يكون أدعى للقبول منه ، وليس ذلك لازماً في حق كل أحد ، بل يختلف باختلاف أحوال المتعلمين . وأما الحاكم فهو بخلاف ذلك كما يأتي في بابه .

 فإن قيل : فقد قضى عليه الصلاة والسلام في حال غضبه حيث قال : أبوك فلان !

 فالجواب : أن يقال أولاً ، ليس هذا من باب الحكم ! ! وعلى تقديره فيقال هذا من خصوصياته لمحل العصمة ، فاستوى غضبه ورضاه ، ومجرد غضبه من الشيَ دالٌّ على تحريمه أو كراهته ، بخلاف غيره صلى الله عليه وسلم .

 ـ قوله باب من برك : هو بفتح الموحدة والراء المخففة يقال : برك البعير إذا استناخ ، واستعمل في الآدمي مجازاً .

 قوله خرج ، فقام عبد الله بن حذافة : فيه حذف يظهر من الرواية الاَخرى ، والتقدير خرج فسئل فأكثروا عليه ، فغضب ! ! فقال سلوني ، فقام عبد الله .

 قوله فقال رضينا بالله رباً . . قال ابن بطال : فهم عمر منه أن تلك الاَسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك ، فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك ! فقال رضينا بالله

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 289 )

رباً الخ . فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فسكت !

 ـ قوله وقال سلوني : في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال : لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم .

 وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم : فخرج ذات يوم حتى صعد المنبر ، وبين في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك ، وأنه بعد أن صلى الظهر ، ولفظه : خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ، ثم قال : من أحب ( ! ) أن يسأل عن شيَ فليسأل عنه ، فذكر نحوه .

 ـ قوله فقام رجل فقال يا رسول الله من أبي ؟ بين في حديث أنس من رواية الزهري اسمه ، وفي رواية قتادة سبب سؤاله ، قال فقام رجل كان إذا لاحى أي خاصم دعي إلى غير أبيه ، وذكرت اسم السائل الثاني ، وأنه سعد ، وأني نقلته من ترجمة سهيل بن أبي صالح من تمهيد بن عبد البر .

 وزاد في رواية الزهري الآتية بعد حديثين فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال : النار ! ولم أقف على اسم هذا الرجل في شيء من الطرق كأنهم أبهموه عمداً للستر عليه !

 وللطبراني من حديث أبي فراس الاَسلمي نحوه ، وزاد : وسأله رجل في الجنة أنا؟ قال : في الجنة ، ولم أقف على اسم هذا الآخر .

 ونقل بن عبد البر عن رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته : لا يسألني أحد عن شيء إلا أخبرته ، ولو سألني عن أبيه ، فقام عبد الله بن حذافة ، وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه ، وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره ، وفيه فقام سعد مولى شيبة فقال من : أنا يا رسول الله ؟ قال أنت سعد بن سالم مولى شيبة . وفيه فقام رجل من بني أسد فقال : أين أنا ؟ قال : في النار !! فذكر قصة عمر ، قال فنزلت : يا أيها الذي آمنوا لا تسألوا عن أشياء . . الآية .

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 290 )

 ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيلٍ وقال ، وكثرة السؤال ( ؟ !) وبهذه الزيادة يتضح أن هذه القصة سبب نزول : لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ، فإن المساءة في حق هذا جاءت صريحة بخلافها في حق عبد الله بن حذافة ، فإنها بطريق الجواز أي لو قدر أنه في نفس الاَمر لم يكن لاَبيه ، فبين أباه الحقيقي لافتضحت أمه ، كما صرحت بذلك أمه حين عاتبته على هذا السؤال ، كما تقدم في كتاب الفتن .

 قوله : فلما رأى عمر ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب . . بين في حديث أنس أن الصحابة كلهم فهموا ذلك ، ففي رواية هشام فإذا كل رجل لافاً رأسه في ثوبه يبكي ، وزاد في رواية سعيد بن بشير : وظنوا أن ذلك بين يدي أمر قد حضر ! وفي رواية موسى بن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة : فغطوا رؤوسهم ولهم حنين . . زاد مسلم من هذا الوجه : فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كان أشد منه !

 قوله : فقال إنا نتوب إلى الله عز وجل . . زاد في رواية الزهري : فبرك عمر على ركبته فقال رضينا بالله رباً وبالاِسلام ديناً وبمحمد رسولاً .وفي رواية قتادة من الزيادة نعوذ بالله من شر الفتن . وفي مرسل السدي عند الطبري في نحو هذه القصة : فقام إليه عمر فقبل رجله وقال رضينا بالله رباً فذكر مثله ، وزاد : وبالقرآن إماماً فاعف عفى الله عنك فلم يزل به ... حتى رضي .

 وفي هذا الحديث غير ما يتعلق بالترجمة مراقبة الصحابة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وشدة إشفاقهم إذا غضب خشية أن يكون لاَمر يعم فيعمهم ، وإدلال عمر عليه وجواز تقبيل رجل الرجل ، وجواز الغضب في الموعظة ، وبروك الطالب بين يدي من يستفيد منه ، وكذا التابع بين يدي المتبوع إذا سأله في حاجة ، ومشروعية التعوذ من الفتن عند وجود شيَ قد يظهر منه قرينة وقوعها ، واستعمال المزاوجة في الدعاء في قوله اعف عفى الله عنك ، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 291 )

معفوٌّ عنه قبل ذلك .

 قال ابن عبد البر : سئل مالك عن معنى النهي عن كثرة السؤال ، فقال : ما أدري أنهى عن الذي أنتم فيه من السؤال عن النوازل ، أو عن مسألة الناس المال .

 قال بن عبد البر : الظاهر الاَول ، وأما الثاني فلا معنى للتفرقة بين كثرته وقلته ، لا حيث يجوز ولا حيث لا يجوز .

 قال : وقيل كانوا يسألون عن الشيء ويلحون فيه إلى أن يحرم . قال : وأكثر العلماء على أن المراد كثرة السؤال عن النوازل والاَغلوطيات والتوليدات ، كذا .

 

ـ وقال النووي في شرح مسلم ج 8 ص 291 في سبب غضب النبي صلى الله عليه وآله كما تصوره أو صوره :

 قوله : رجل أتى النبي فقال كيف تصوم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم . . قال العلماء : سبب غضبه أنه كره مسألته ، لاَنه يحتاج إلى أن يجيبه ويخشى من جوابه مفسدة ، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه ، وكان يقتضي حاله أكثر منه !!

 

ـ وقال في ج 15 ـ 16 ص 111

 قوله : غطوا رؤوسهم ولهم خنين ، هو بالخاء المعجمة هكذا هو في معظم النسخ ولمعظم الرواة ولبعضهم بالحاء المهملة . وممن ذكر الوجهين القاضي وصاحب التحرير وآخرون ، قالوا : ومعناه بالمعجمة صوت البكاء وهو نوع من البكاء دون الاِنتحاب . قالوا وأصل الخنين خروج الصوت من الاَنف كالحنين بالمهملة من الفم . وقال الخليل : هو صوت فيه غنة ، وقال الاَصمعي : إذا تردد بكاؤه فصار في كونه غنة فهو خنين . وقال أبو زيد : الخنين مثل الخنين وهو شديد البكاء .

 قوله : فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول : سلوني برك عمر فقال : رضينا بالله رباً وبالاِسلام ديناً وبمحمد رسولاً . فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال عمر ذلك . قال العلماء : هذا القول منه صلى الله عليه وآله وسلم محمولٌ على أنه أوحي إليه وإلا فلا يعلم كل ما سئل

--------------------------------------------------------------------------------

 

( 292 )

 

عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالى .

 قال القاضي : وظاهر الحديث أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : سلوني إنما كان غضباً كما قال في الرواية الاَخرى سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ، ثم قال للناس : سلوني . وكان اختياره صلى الله عليه وسلم ترك تلك المسائل ، لكن وافقهم في جوابها ، لاَنه لا يمكن رد السؤال ، ولما رآه من حرصهم عليها ! ! والله أعلم .

 وأما بروك عمر رضي الله عنه وقوله : فإنما فعله أدباً وإكراماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشفقةً على المسملمين لئلا يؤذوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهلكوا !!

 ومعنى كلامه : رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم واكتفينا به عن السؤال . ففيه أبلغ كفاية . انتهى .

 وأنت ترى أن ابن حجر والنووي غائبان عن كلام النبي صلى الله عليه وآله ، وأن في كلامهما تهافتاً ونقاط ضعف كثيرة لا نطيل فيها . . وليس كلام غيرهما من الشراح أفضل ، وإن كان فيه مادة مهمة لمن أراد أن يتتبع ملف القضية !

عودة