الفصل الثالث عشر
شفاعة القرآن ،
والكعبة ، والحجاج ، والزوار
وأصناف أخرى من
الناس . . .
وردت في مصادر الفريقين أحاديث عن شفاعة
القرآن ، وصرح بعضها بأن القرآن يتجسد يوم القيامة على صورة إنسان وملك نوراني ،
ويتكلم مع أهل المحشر .
وقد ورد في أحاديث البعث والقيامة والحساب
والجنة والنار ، من طرق الجميع مايدل على تجسد القرآن ، وتجسد بعض الاَعمال،
والاَمور والاَمكنة والاَزمنة . .
وقد كان هذا الاَمر صعب التصديق بل صعب
التصور في العصور السابقة ، أما في عصر الذرة والجينات فقد عرف الناس حقائق مدهشة
من خلق الله تعالى وقوانينه ، وصار الاِيمان بضبط أعمال الاِنسان وتجسدها في هذه
الدنيا أمراً معقولاً فضلاً عن عالم الآخرة !
--------------------------------------------------------------------------------
( 466 )
شفاعة القرآن
ـ في نهج البلاغة
ج 2 ص 91
واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا
يغش ، والهادي الذي لا يضل ، والمحدث الذي لا يكذب .
وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه
بزيادة أو نقصان : زيادة في هدى أو نقصان في عمى .
واعلموا أنه ليس على أحدٍ بعد القرآن من
فاقة ، ولا لاَحد قبل القرآن من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على
لاَوائكم ، فإن فيه شفاء من أكبر الداء ، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال .
فاسألوا الله به ، وتوجهوا إليه بحبه ،
ولا تسألوا به خلقه ، إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله .
واعلموا أنه شافع مشفع ، وقائل مصدق ، وإنه
من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه ،
فإنه ينادي مناد يوم القيامة : ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله ، غير
حَرَثَةِ القرآن ، فكونوا من حرثته وأتباعه ، واستدلوه على ربكم ، واستنصحوه على
أنفسكم ، واتهموا عليه آراءكم ، واستغشوا فيه أهواءكم . العملَ العملِ ، ثم
النهاية النهاية . انتهى .
ـ وفي الكافي ج 2
ص 596 ـ كتاب فضل القرآن
علي بن محمد ، عن علي بن العباس ، عن
الحسين بن عبد الرحمن ، عن سفيان الحريري ، عن أبيه ، عن سعد الخفاف ، عن أبي جعفر
عليه السلام قال : يا سعد تعلموا القرآن ، فإن القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن
صورة نظر إليها الخلق ، والناس صفوف عشرون ومائة ألف صف ، ثمانون ألف صف أمة محمد
صلى الله عليه وآله وأربعون ألف صف من سائر الاَمم ، فيأتي على صف المسلمين في
صورة رجل فيسلَّم ، فينظرون إليه ثم يقولون : لا إلَه إلا الله الحليم الكريم ، إن
هذا الرجل من المسلمين نعرفه بنعته
--------------------------------------------------------------------------------
( 467 )
وصفته ، غير أنه
كان أشد اجتهاداً منا في القرآن ، فمن هناك أعطي من البهاء والجمال والنور ما لم
نعطه ، ثم يجاوز حتى يأتي على صف الشهداء ، فينظرون إليه ثم يقولون : لا إلَه إلا
الله الرب الرحيم ، إن هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسمته وصفته ، غير أنه من شهداء
البحر ، فمن هناك أعطي من البهاء والفضل ما لم نعطه ، قال : فيتجاوز حتى يأتي على
صف شهداء البحر في صورة شهيد ، فينظر إليه شهداء البحر فيكثر تعجبهم يقولون : إن
هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته وصفته ، غير أن الجزيره التي أصيب فيها كانت أعظم
هولاً من الجزيرة التي أصبنا فيها ، فمن هناك أعطي من البهاء والجمال والنور ما لم
نعطه ، ثم يجاوز حتى يأتي صف النبيين والمرسلين في صورة نبي مرسل ، فينظر النبيون
والمرسلون إليه ، فيشتد لذلك تعجبهم ويقولون : لا إلَه إلا الله الحليم الكريم ،
إن هذا النبي مرسل نعرفه بسمته وصفته ، غير أنه أعطي فضلاً كثيراً ، قال :
فيجتمعون فيأتون رسول الله صلى الله عليه وآله فيسألونه ويقولون : يا محمد من هذا؟
فيقول لهم : أو ما تعرفونه ؟ فيقولون ما نعرفه ، هذا ممن لم يغضب الله عليه ،
فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا حجة الله على خلقه .
فيسلم ثم يجاوز
حتى يأتي على صف الملائكة في سورة ملك مقرب ، فتنظر إليه الملائكة فيشتد تعجبهم ،
ويكبر ذلك عليهم لما رأوا من فضله ، ويقولون : تعالى ربنا وتقدس إن هذا العبد من
الملائكه نعرفه بسمته وصفته ، غير أنه كان أقرب الملائكة إلى الله عز وجل ، مقاماً
، فمن هناك ألبس من النور والجمال ما لم نلبس ، ثم يجاوز حتى ينتهي إلى رب العزة
تبارك وتعالى ، فيخر تحت العرش ، فيناديه تبارك وتعالى : ياحجتي في الاَرض وكلامي
الصادق الناطق ، إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ، فيرفع رأسه ، فيقول الله تبارك
وتعالى : كيف رأيت عبادي ؟ فيقول : يا رب منهم من صانني وحافظ علي ولم يضيع شيئاً
، ومنهم من ضيعني واستخف بحقي وكذب بي وأنا حجتك على جميع خلقك ، فيقول الله تبارك
وتعالى : وعزتي وجلالي ، وارتفاع مكاني لاَثيبن عليك اليوم أحسن الثواب ،
ولاَعاقبن عليك اليوم أليم العقاب .( ورواه في وسائل الشيعة ج 4 ص 213 )
--------------------------------------------------------------------------------
( 468 )
ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي
، عن السكوني ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وآله : أيها الناس إنكم في دار هدنة ، وأنتم على ظهر سفر ، والسير بكم
سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد ، ويقربان كل بعيد ،
ويأتيان بكل موعود ، فأعدوا الجهاز لبعد المجاز .
قال : فقام المقداد بن الاَسود فقال : يا
رسول الله وما دار الهدنة ؟ قال : دار بلاغ وانقطاع ، فإذا التبست عليكم الفتن
كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع ، وماحلٌ مصدق ، ومن جعله
أمامه قادة إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدل على خير
سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل ، وله ظهر وبطن ،
فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا
تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ، ومنار الحكمة ، ودليل على
المعرفة لمن عرف الصفة . . فَلْيجُلْ جَالٍ بصره ، وليبلغ الصفة نظره ، ينج من عطب
، ويتخلص من نشب ، فإن التفكر حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات
بالنور ، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص . انتهى .
ورواه في وسائل الشيعة ج 4 ص 218 وفي
تفسير نور الثقلين ج 4 ص 13
* *
ـ وفي صحيح مسلم ج
2 ص 197
عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : إقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لاَصحابه
. إقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران ، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما
غمامتان أو كأنهما غيايتان ، أو كأنهما فرقان من طير ، صوافُّ تحاجان عن أصحابهما
. إقرأوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا يستطيعها البطلة . قال
معاوية بلغني أن البطلة السحرة . انتهى . ورواه أحمد في ج 5 ص 248 ـ 249
--------------------------------------------------------------------------------
( 469 )
ـ وفي مستدرك
الحاكم ج 1 ص 554
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : الصيام والقرآن يشفعان للعبد ، يقول الصيام رب
إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم
بالليل فيشفعان . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه . انتهى . ورواه أحمد في
مسنده ج 2 ص 174 وقال عنه في مجمع الزوائد ج 10 ص 380 : رواه أحمد وإسناده حسن على
شعف في ابن لهيعة وقد وثق . وقال في عنه الدر المنثور ج 1 ص 182 : وأخرج أحمد وابن
أبي الدنيا في كتاب الجوع والطبراني والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو . ورواه
الديلمي في فردوس الاَخبار ج 2 ص 568 ح3631 وكنز العمال ج 8 ص 444
ـ وفي مستدرك
الحاكم ج 1 ص 568
عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله : إعملوا بالقرآن ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ،
واقتدوا به ولا تكفروا بشيء منه ، وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله وإلى أولي
الاَمر من بعدي كيما يخبروكم .
وآمنوا بالتوراة والاِنجيل والزبور ، وما
أوتي النبيون من ربهم .
وليسعكم القرآن وما فيه من البيان ، فإنه
شافع مشفع وماحل مصدق . ألا ولكل آية نور يوم القيامة ، وإني أعطيت سورة البقرة من
الذكر الاَول ، وأعطيت طه وطواسين والحواميم من ألواح موسى ، وأعطيت فاتحة الكتاب
من تحت العرش . هذا حديث صحيح الاِسناد ولم يخرجاه . وروى نحوه في ج 3 ص 578 ورواه
في كنز العمال ج 1 ص 190
ـ وفي مسند أحمد ج
5 ص 348
عن عبدالله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى
الله عليه وآله قال : إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل
الشاحب ، فيقول له هل : تعرفني ؟ فيقول ما أعرفك ! فيقول له : هل تعرفني ؟ فيقول
ما أعرفك ! فيقول : أنا صاحبك القرآن الذي
--------------------------------------------------------------------------------
( 470 )
أظمأتك في الهواجر
، وأسهرت ليلك ، وإن كل تاجر من وراء تجارته ، وإنك اليوم من وراء كل تجارة ،
فيعطى الملك بيمينه ، والخلد بشماله ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، ويكسي والداه
حلتين ، لا يقوم لهما أهل الدنيا ، فيقولان بم كسينا هذه ؟ فيقال بأخذ ولدكما
القرآن ! ثم يقال له : إقرأ واصعد في درجة الجنة وغرفها ، فهو في صعود ما دام يقرأ
هذاً كان أو ترتيلاً . وروى نحوه في الدر المنثور ج 6 ص 277 :عن ابن أبي شيبة وابن
الضريس عن مجاهد
ـ وفي الدر
المنثور ج 3 ص 56
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد ، وابن
الضريس ، ومحمد بن نصر ، والطبراني عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن شافع مشفع
وماحل مصدق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعل خلفه ساقه إلى النار . انتهى
. وروى نحوه في كنز العمال ج 1 ص 552 ونحوه في ج 1 ص 516 و ص 519 و ج 2 ص 292 عن
ابن مسعود وكذا في فردوس الاَخبار ج 3 ص 281 ح 4710 وفي المعجم الكبير للطبراني ج
9 ص 132
ـ وفي كنز العمال
ج 14 ص 390
عن فردوس الاَخبار عن أبي هريرة : الشفعاء
خمسة : القرآن ، والرحم ، والاَمانة ، ونبيكم ، وأهل بيته .
ـ وفي سنن الدارمي
ج 2 ص 430
عن أبي هريرة يقول : إقرؤوا القرآن ، فإنه
نعم الشفيع يوم القيامة ، إنه يقول يوم القيامة : يا رب حلِّه حليةَ الكرامة ،
فيحلى حلية الكرامة ، يا رب أكسه كسوة الكرامة ، فيكسى كسوة الكرامة ، يا رب ألبسه
تاج الكرامة ، يا رب إرض عنه ، فليس بعد رضاك شيء .
عن ابن عمر قال : يجيَ القرآن يشفع لصاحبه
يقول : يا رب لكل عامل عمالة من عمله ، وإني كنت أمنعه اللذة والنوم فأكرمه ،
فيقال : أبسط يمينك فيملاَ من رضوان
--------------------------------------------------------------------------------
( 471 )
الله ، ثم يقال
أبسط شمالك فيملاَ من رضوان الله ، ويكسى كسوة الكرامة ، ويحلى حلية الكرامة ،
ويلبس تاج الكرامة .
عن أبي صالح قال : القرآن يشفع لصاحبه
فيكسى حلة الكرامة ، ثم يقول : رب زده ، فيكسى تاج الكرامه ، قال فيقول رب زده
فآته فآته ، يقول : رضائي .
قال أبو محمد :
قال وهيب بن الورد : إجعل قراءتك القرآن علماً ولا تجعله عملاً .
ـ وفي سنن الدارمي
ج 2 ص 433
عن ابن مسعود كان يقول : يجيءالقرآن يوم
القيامة فيشفع لصاحبه ، فيكون له قائداً إلى الجنة ، ويشهد عليه ، ويكون سائقاً به
إلى النار .
ـ وفي الدر
المنثور ج 1 ص 18
وأخرج أبو عبيد وأحمد وحميد بن زنجويه في
فضائل القرآن ومسلم وابن الضريس وابن حبان والطبري وأبوذر الهروي في فضائله
والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول : إقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لاَصحابه . انتهى .
ورواه الطبراني في
المعجم الكبير ج 8 ص 118
* *
ـ وقد بالغ بعضهم في شفاعة القرآن حتى
جعلها أعظم من شفاعة النبي صلى الله عليه وآله ! قال السبكي في طبقات الشافعيه ج 6
ص 301 نقلاً عن إحياء الدين للغزالي : ما من شفيع أعظم عند الله منزلة من القرآن !