قضــية الشفـاعة في القرآن والسنة بين النفي والإثبات

الفهرس

الموضوع

الصفحة

مدخل

3

أدلة ثبوت الشفاعة من القرآن

4

القرآن وتحديد شخص الشفيع

5

أدلتهم في نفي الشفاعة من القرآن

5

رأي الإمام الأكبر الشيخ المراغي ( شيخ الأزهر )

8

رأي الإمام الأكبر الشيخ محمد عبده ( شيخ الأزهر )

9

أدلة ثبوت الشفاعة من السنة النبوية

10

أدلة ثبوت الشفاعة للنبي (ص) من السنة النبوية

10

لماذا أنكروا الشفاعة رغم ثبوتها في السنة النبوية ؟!!

11

­­- الأسباب عند لواء محمد شبل

11

- الاسباب عند عبد الفتاح عساكر

12

- الأسباب عند د. أحمد صبحى منصور

13

الشفاعة والمنطق

13

لذلك قالوا في الشفاعة !

14

مدخل..

[ " شفاعة الرسول (ص) عقيدة من عقائد أهل السنة .. فيقول ابن حزم رحمه الله إن شفاعة رسول الله (ص) في أهل الكبائر من أمته حق* ، فيخرجون من النار ويدخلون الجنة (المحلي ، المسألة رقم 33 ج1 ص16) .

-         فبشفاعة النبي (ص) الله يخفف عنهم هول الموقف يوم الحساب .

-         وبشفاعته (ص) يدخل الجنة بعض المؤمنين بغير حساب .

-   وبشفاعته (ص) وبشفاعة الملائكة والشهداء والصالحين يخرج الله تعالى بعض المذنبين من الموجودين في النار ويدخلهم الجنة .

-         وبشفاعته (ص) ينجو قوم من النار وهم مستحقون لها .

-          وبشفاعته (ص) تزداد الدرجات لأهلها ( أهل الجنة ) وهذه لا ينكرها المعتزلة .(انظر صحيح مسلم بشرح النووي ،ج3 ص 36:34 ) " [.

(د. أحمد عبد الرحمن جريدة الشعب 3/9/1999م  ص13 تحت عنوان الشفاعة في القرآن الكريم) .

ويقول د. أحمد كريمة (الأستاذ بجامعة الأزهر ) ؛  " إن الشفاعة تنقسم إلي خمسة أفرع :

-         الشفاعة العظمى ..وهي الشفاعة لأهل الحشر يوم القيامة ،

-         وشفاعة إدخال الجنة لأناس بغير حساب ،

-         وشفاعة لعدم دخول النار ، وأخرى للخروج منها ،

-         وأخيرة لزيادة الدرجات في الجنة ، " .

(جريدة الجيل العدد (43) السنة الأولى 21/8/1999م ص11 تحت عنوان شفاعة الرسول (ص))

وقال د. أحمد عمر هاشم ** : إن للنبي أكثر من خمس شفاعات على رأسها ،

-         الشفاعة العظمى .

-         وشفاعته لأهل الكبائر .

-         وشفاعته لأبناء المشركين في النار*** .

-         وشفاعته لتخفيف العذاب في جهنم في بعض الأوقات .

-         والشفاعة لرفع الدرجات في الجنة ".

(مجلة المصور العدد (3899) 2 يوليو 99 ص 25)

ويرى الماتريدي أن الشفاعة تكون لأهل الكبائر بحسب الروايات الواردة في ذلك .

(حقيقة الخلاف بين المتكلمين د. على عبد الفتاح المغربي ص84 مكتبة وهبة للنشر عابدين طبعة أولى 94 رقم الإيداع 5982 / 94 -I.S.B.N 977-225-054-3  )

ما سبق جعلنا نبحث الموضوع في القرآن والسنة النبوية ، وقد أدهشتنا نتائج البحث .

أدلة ثبوت الشفاعة من القرآن ..

".. ولا يشفعون إلا لمن ارتضى .. " . ( الأنبياء 28)

".. من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " . ( البقرة 255 )

"يقول د. عبد المهدي عبد القادر ( من علماء الأزهر ): " فهذا يثبت وقوع الشفاعة وأنها حق وواقع، ومن أنكرها فقد أنكر هذا القدر من القرآن الكريم ".

(مجلة الأزهر (هدية المجلة ) الرد على د. مصطفى محمود في إنكار الشفاعة جامعة الأزهر ربيع الآخر 1420هـ مطابع روزاليوسف الجديدة)

وفي الآيات : " .. فما تنفعهم شفاعة الشافعين .." . ( المدثر 48:38 )

يقول د. عبد المهدي : وهذه الآيات تثبت أن هناك شفاعة لشافعين ، إلا أن الكفار محرومون منها ، فهي تثبت في أساسها وجود الشفاعة ، فمن أنكر الشفاعة أنكر هذه الآيات ".انظر أيضاً (الأعراف 53 ) ، ( الشعراء 91 : 102 ) .

ويستطرد فضيلته : ومع هذه الآيات آيات كثيرة تثبت كلها الشفاعة ، وأنها بإذن الله ، وأنها ليست للكافرين .                      (المصدر السابق ص33)

نفس الآيات استشهد بها د. عبد العظيم المطعني( الأستاذ بجامعة الأزهر ) في إثبات الشفاعة .

(كتاب الشفاعة - محاولة لفهم الخلاف القديم بين المؤيدين والمعارضين د. مصطفى محمود دار أخبار اليوم قطاع الثقافة كتاب اليوم عدد يوليو 1999م ص 49 رقم الإيداع 9447/99 
الترقيم الدولي  
  I.S.B.N 977-08-0841-5)

وفي ثبوت الشفاعة في القرآن جاء أيضاً ؛

[ " ما من شفيع إلا من بعد إذنه " ( يونس 3)

" يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن " (طه 109 )

" ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له " ( سبأ 23 ) ]

(المصدر السابق ص 71)

القرآن وتحديد شخص الشفيع ..

لم يحدد القرآن شخص الشفيع صراحة وإنما جاء في تفسير بعض الآيات أنه النبي (ص) والمسيح عيسى ابن مريم .

ففي تفسير "عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً* ". ( الإسراء 79 )

قال أبو هريرة : سُئل النبي عنها فقال : هي الشفاعة .(أخرجه الترمذي وحسنه ، وأخرجه ابن أبى عاصم).

( هدية مجلة الأزهر الرد على د. مصطفى محمود في إنكار الشفاعة  - ربيع الآخر 1420هـ ص37)

وفي تفسير " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه إسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين " (آل عمران 45 ).

قال الإمامان الجلالان : ( وجيها ) ذا جاه ( في الآخرة ) بالشفاعة والدرجات العلا ( ومن المقربين ) لله تعالى .                (انظر تفسير الجلالين ( آل عمران : 45 )) 

ومع ذلك هناك من ينفي الشفاعة نفياً مطلقا مثل : " فرقة المعتزلة ، وفرقة الخوارج ، وبعض المفكرين المعاصرين مثل د. مصطفى محمود واللواء محمد شبل والكاتب عبد الفتاح عساكر ود. أحمد صبحي منصور أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ‍‍‌‍‍‍‍!! "

( جريدة الجيل مصدر سابق . وكتاب الشفاعة ل د. مصطفى محمود مصدر سابق ومقالة د. أحمد عمر هاشم بالأهرام 26/11/2000م ص 18)

أدلتهم في نفي الشفاعة - من القرآن ..

لواء محمد شبل :  ]لو تحدثنا عن الشفاعة من وجهة نظر القرآن فإن هناك آيات عديدة تنفي مفهوم الشفاعة نفياً مطلقاً مثل ؛ 

" ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع " .( السجدة 4 )

" يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة.." ( البقرة 254 ).

وقوله تعالي : " قل لله الشفاعة جميعاً " ( الزمر 44 ).[                (جريدة الجيل مصدر سابق)

د. مصطفى محمود : [ والقرآن يقول : " لله الشفاعة جميعا " ( الزمر 44 ).

وهو بذلك يجمع سلطة الشفاعة جمعية واحدة ويجعلها لله وحده ..   

والقرآن يقول في آية شديدة القطع والوضوح ؛

" له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولى ولا يشرك في حكمه أحداً " ( الكهف 26 )

القرآن يقول في قطعية واضحة .. أن الله لا يشرك في حكمه أحداً .. ويقول في قرآنه :

" وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلي ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع "(الأنعام 51) وكل هذا نفي صريح للشفاعة يوم الحساب .

ثم يتكرر نفس المعنى في آية أخرى (ومازال الكلام لـ د. مصطفى محمود  ) في سورة السجدة الآية (4). " الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ."فأضاف في هذه الآية حرف " من " ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع " وهو نفى قطعي لأي نوع من ولي أو شفيع  

(كتاب الشفاعة ص20 ، 21 مصدر سابق)

كما أورد د. مصطفى محمود آيات أخرى في نفي الشفاعة ؛

[ "يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله " (الانفطار 19)

" ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً " (النساء 123)

ويعلق على الآية الأولي قائلاً : لا تملك أي نفس لأي نفس .. مهما علا مقام هذه النفس التي تشفع ومهما بلغت درجتها .. لا تملك من أمر الله شيئاً .

ويعلق على الآية الثانية ويقول : والجزاء في هذا اليوم على قدر العمل والعفو والصفح حق لله تعالى وحده فلله الشفاعة جميعاً ولا يشاركه في هذا الحق مخلوق .." ]

(المصدر السابق ص 36 ، 37)

وبين إثبات الشفاعة في القرآن ونفيها يقول د. مصطفى محمود :

" ولكن القرآن لا يفتح لنا باباً إلا ويسده .."               (المصدر السابق ص 65)

وفي موضع آخر يقول :

" وما زلنا ندور في حلقة مفرغة تبدأ من الحق وتنتهي إلي الحق "

(المصدر السابق ص 66)

ويعلق أ.د.  عبد المهدي عبد القادر ( الأزهر ) على هذا الكلام ويقول :

[ " واضح أنه يقيم التناقض بين القرآن والقرآن ويقول القرآن لا يفتح باباً إلا ويسده ، ما هذا ، هذا معناه تناقض ، وهو لا يليق "

أما حديثك عن القرآن (والكلام مازال لـ د. عبد المهدي ) فالله هو الذي يحاسبك عليه ، تقول عن القرآن : تحصيل حاصل وتقول عنه : ندور في حلقة مفرغة . واعتقد لو قيلت لك كلمة من هاتين لما قبلت .. " ]              (هدية مجلة الأزهر ص 56 ، 58 مصدر سابق )

وفي موضع آخر يقول د. مصطفى محمود :

" والموقف من الشفاعة التي وردت في القرآن* هو لون من ابتلاء الله ومكره الخفى لاختبار درجة الإيمان ودرجة التوحيد والتنزيه التي بلغها عبده المسلم "

(كتاب الشفاعة ص 51 ، 106 مصدر سابق)

رد من د. عبد العظيم المطعني ( الأستاذ بالأزهر ) على د. مصطفى محمود :

[" وردت في القرآن آيات تفيد نفي الشفاعة وآيات أخرى تنص على إثباتها " ، ووردت أحاديث نبوية كثيرة تثبت الشفاعة ولا تنفيها .. وهذا الاختلاف الظاهري حمل بعض الفرق الإسلامية قديماً كالمعتزلة وبعض المفسرين حديثاً على القول بنفي الشفاعة في الآخرة مطلقاً..

ويضيف بعض الباحثين أموراً يراها مؤيدة لجانب النفي على الإثبات فيقول أن إثبات الشفاعة في الآخرة مخالف للقرآن وأنها لو حدثت لكانت نوعاً من المحاباة والظلم والمحسوبية ..

وهذه أمور نهى الله عنها في الدنيا فكيف يسمح بوقوعها في الآخرة حيث لا تجزي كل نفس إلا بما عملت .

والنظرة المتأملة تقول بغير ذلك فليست الشفاعة في الآخرة منفية نفياً مطلقاً كما أنها ليست واقعة وقوعاً مطلقاً ..

وورود بعض العبارات بين النفي والإثبات في القرآن والحديث ظاهرة واردة كثيرة الوقوع .. ولعلماء الأمة رضي الله عنهم مسالك عديدة في فهم المنهج ومحامل يحملون عليها النصوص الشرعية التي بينها تعارض في الظاهر ..

أما الأخذ بجانب وإغفال الآخر فيوقع أصحابه في الخطأ ويفتح أبواب للخلاف ، الإسلام برئ منها .

ما ورد فيها نفي الشفاعة نفياً مطلقاً هي آية واحدة في قوله تعالى في سورة البقرة الآية 254 " يا أيها الذين أمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة .." ثم ذكر فضيلته آيات نفي الشفاعة نفياً مقيداً مثل :  

" فما تنفعهم شفاعة الشافعين " ( المدثر 48 )

" ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع " ( غافر 18 ) وقال : والنفي في الحالين ( الآيتين السابقتين ) هو نفي الشفاعة عن أهل الكفر والظلم فهو نفي مسبب وكذلك الشرك " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "

أما النفي المطلق في الآية 254 من سورة البقرة فمعناه عدم إمكان وقوع الشفاعة أصلاً لأنه لا أحد مأذون فيها .

أما الآيات التي ورد فيها جواز الشفاعة في الآخرة :

".. من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " . ( البقرة 255 )

" يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن " (طه 109 )

وهي آيات لا تنفي الشفاعة أصلاً وإنما تربطها بالإذن للشافع والمشفوع فيه " ] أنتهى كلام د. المطعني                               (المصدر السابق ص 47 : 50)

ولما كان كلام د. المطعني لا يعطى جديداً فيما أثير حول نفي الشفاعة في القرآن وإثباتها .. عقب د. مصطفى محمود قائلاً " ولا شك أن رد د. المطعنى على حق لسبب آخر مهم ..هو أن موضوع الشفاعة وتفاصيل ما سيجري فيها في الآخرة وأسرارها وحسابها هي أمور غيبية لا يستطيع أحد أن يقطع بما سيحدث فيها تفصيلاً .

والقطع في هذه المسائل مستحيل والتعصب فيها إلي جانب دون الآخر هو تطاول بغير علم خاصة إذا جاء القرآن بنفي الشفاعة في بعض آياته وجاء بجوازها في آيات أخرى ..

والحكمة القرآنية في هذا التعتيم* في قضية الشفاعة .. أن الله أراد لنا أن نعيش على حذر عظيم وعلى خوف عظيم طول الوقت من هذا اليوم .. "        (المصدر السابق ص 50 ، 51)

ولم يفت د. مصطفى محمود أن يورد آراء علماء كبار أئمة في هذه القضية :-

رأي الإمام الأكبر الشيخ المراغي ( شيخ الأزهر ) :

[ " جاء في تفسير الشيخ المراغي الجزء الأول .. هناك مسألة كثر فيها خوض الناس وأطالوا الجدل والأخذ والرد وهي مسألة الشفاعة العظمى ..شفاعة النبي (صلعم) لأمته يوم القيامة .. ويقول الشيخ الإمام فيها : جاء في القرآن الكريم آيات تفيد نفيها مطلقاً ومن ذلك قوله تعالى في وصف يوم القيامة : " لا بيع فيه ولا خله ولا شفاعة " ( البقرة 254)

وآيات تفيد ثبوتها وتشترط إذنه سبحانه ومن ذلك قوله : " يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه "

وقوله: " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " ( الأنبياء 28)

من أجل هذا أفترق العلماء فرقتين .. أولاهما تثبت الشفاعة والثانية تنفيها مطلقاً ..

وإذن فليس في القرآن نص قاطع في ثبوتها ..

ولكن جاء في السنة الصحيحة ما يؤيد وقوعها كقوله (ص) : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".

ويقول الإمام المراغي : إن الشفاعة المعروفة في دنيانا لا تكون إلا بترك الحاكم لما حكم به ونسخ ما عزم عليه لأجل الشفيع .

والحاكم العادل لا يقبل الشفاعة بهذا المعنى ويقبلها الحاكم المستبد فيعدل عن حكمه بما يعلم أنه ظلم وأن العدل بخلاف ما حكم .. ومثل هذا محال في الآخرة على المولي جل وعلا لأن إرادته بحسب علمه الأزلي لا تغيير فيها ولا تبديل .. ويكون معنى هذا أن ما ورد في الأحاديث يكون من " المتشابه "** الذي يرى فيه السلف وجوب التفويض فيما لا نعلم وننزه الله عن الشفاعة التي نرى أمثالها في الحياة الدنيا ..

وغاية ما نستطيع أن نقول : أنها مزية يختص بها الله من يشاء من عباده عبر عنها بلفظ شفاعة ولا ندرك حقيقتها "] ( انتهى كلام الشيخ المراغي )

(المصدر السابق ص 79 : 81)

وما قاله الشيخ المراغي يؤيد د. مصطفى محمود وجبهة نافين الشفاعة بالمعنى المذكور في مدخل المبحث .

رأي الأستاذ الإمام محمد عبده ( شيخ الأزهر ) :

[" وفي تفسير المنار للشيخ رشيد رضا نقرأ آراء الشيخ محمد عبده وفلسفته وفيه يقول الشيخ:ما الذئاب الضارية بآفتك بالغنم من فتك الشفاعات في إفساد الحكومات والدول فإن الحكومة التي تروج فيها الشفاعات يعتمد التابعون لها على الشفاعة في كل ما يطلبون لا على الحق والعدل ويسري ذلك من الدولة إلي الأمة فيكون الفساد عاماً .

وقد نشأنا في بلاد هذه حال أهلها يعتقد الجماهير فيها أنه لا سبيل إلي قضاء مصلحة في الحكومة إلا بالشفاعة  والرشوة .

ويقول الشيخ الإمام : وهذا مما يستحيل على الله عز وجل فأفعال الله تابعة لحكمته وعلمه وسائر صفاته الأزلية القديمة التي يستحيل أن يطرأ عليها تغيير أو تبديل ..وهذه الشفاعة التي يتعلق بها السفهاء قد نفاها الله تعالى في الكثير من آياته ..

" يا أيها الذين أمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة .." ( البقرة 254 ).وهم الكافرون بنعم الله عليهم إذ لم يضعوها في مواضعها وبخلوا بها على مستحقيها .. وليس الكافرون هنا منكروا الألوهية ..وإنما أهل الشح والبخل "] ( انتهى كلام الأستاذ الإمام )                                  (المصدر السابق ص 81 : 83)

وهذا أيضاً إمام أكبر يؤيد ما قاله د. مصطفى محمود في موضوع الشفاعة .

أدلة ثبوت الشفاعة من السنة النبوية ..

[ 1. حديث عثمان بن عفان قال : قال رسول الله (ص) : " يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء " . ( أخرجه بن ماجة في الزهد باب ذكر الشفاعة 2 / 1443 رقم 4313)

2. حديث أبي سعيد الخدري وهو حديث طويل وفيه يقول الله عز وجل :

“ شفعت الملائكة ، ويشفع النبيون ، ويشفع المؤمنون ، ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط ، قد عادوا حمما ، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له : " نهر الحياة " .

وقد أخرجه مسلم في كتاب الإيمان رقم 302 وهو عند البخاري رقم 7439 ومعنى "حمماً" فحماً ، إنهم أناس قالوا : لا إله إلا الله لكنهم لم يعملوا خيراً .يعذبون في جهنم لكن لا يخلدون فيها بل يخرجهم الله بعقيدة التوحيد ”]

(الرد على د. مصطفى محمود في إنكار الشفاعة عبد المهدي بن عبد القادر بن عبد الهادي استاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بالأزهر ص 28 ، 29 دار الاعتصام- رقم الإيداع 8416/99)

أدلة ثبوت الشفاعة للنبي (ص) من السنة النبوية ..

[ 1- أخرج البخاري في الرقاق رقم 6565 أن النبي (ص) يخرج أناس من النار بشفاعته ويدخلهم الجنة ، حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن .وفي هذا الحديث أيضاً آدم والأنبياء يعتذرون للناس عن الشفاعة بسبب خطاياهم ويحيلون الناس إلي النبي محمد (ص). وفيه أيضاً بيان أنه (ص) يشفع للبشر لبدء الحساب . وأول من يحاسب أمته فيشفع لها أيضاً ( صلعم ) ففيه إثبات الشفاعة العظمى ، وشفاعته لأمته (ص) ..

2- وعن عمران بن حصين (رض) عن النبي (ص) قال يخرج قوم من النار بشفاعة محمد (ص) فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين (أخرجه البخاري رقم 6566 )

3- أنا أول الناس يشفع في الجنة .. ( أخرجه مسلم 1/188 رقم 330 )

4- شفاعتي يوم القيامة حق، فمن لم يؤمن بها لم يكن من أهلها .. (حديث صحيح متواتر أخرجه بن منيع عن بضعة عشر صحابياً )

5- لكل نبي دعوة مستجابة ، فتعجل كل نبي دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً (أخرجه مسلم 1/189 رقم 338 ، البخاري 13/447 رقم 7474 )

- أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً طهوراً ، ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلي قومه خاصة ، وبعثت إلي الناس عامة (أخرجه البخاري في التيمم الباب الأول منه 1/435 رقم 335 )]                (المصدر السابق ص 31 ، 34 ، 35 )

ملحوظة : الحديثان ( 5 ، 6 ) يحصران الشفاعة في النبي وحده وينفيانها عن الأنبياء والملائكة بل عن المسيح رغم قول القرآن بوجاهته في الآخرة بالشفاعة والقرب من الله ( ارجع للشواهد مصادر 1، 10، 23 )

لماذا أنكروا الشفاعة رغم ثبوتها في السنة النبوية ؟‍‍‍‍‍‍!

o       الأسباب عند لواء محمد شبل :

1- هناك آيات عديدة تنفي مفهوم الشفاعة نفياً مطلقاً مثل : " ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع " . " وانفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة " وقوله : " قل لله الشفاعة جميعا ".

2- نقد حديث : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " . وقوله (ص) حسب الحديث المنسوب إليه  " أتاني آت من عند ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة فهى نائلة من مات لا يشرك بالله أحداً " حيث أن القرآن جاء فيه " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ". وهو ما ينص على تكفير الصغائر لا الكبائر فكيف يمنح الحديث أو (الخبر ) الشفاعة لأهل الكبائر.

أضف إلي ذلك أن العقل يتعارض مع مفهوم ومنطوق الحديث الثاني الذي استند إليه هؤلاء ، إذ كيف يخبر ربنا سيدنا محمد ويقول له إيه رأيك .. اعذروني أنا مضطر لهذا التعبير فأنا أشك أن النبي (ص) قال هذا الكلام .

3- فضلا عن أن القرآن ( قطعي الثبوت ) نص على لسان النبي نفسه :

" قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " (الأحقاف 9)

" قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير " (الأعراف 188 ) وهو ما يعني أن الرسول لا يعرف مصيره ولا مصير أحد في الآخرة "]

(جريدة الجيل ص 11 - مصدر سابق)

] أضف إلي الآيتين السابقتين حديث رواه البخاري ومسلم عن النبي (ص) يقول:

" لن يدخل أحداً عمله الجنة ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل . وفي رواية " إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة " .

ويعلق صالح الورداني* على الحديث قائلاً : "الحديث يشكك في نجاته (ص) ودخوله الجنة هو أيضاً " وفي موضع آخر يقول : "فإذا كان رسول الله يشك في دخوله الجنة فكيف يؤمن هؤلاء (يقصد منتظري الشفاعة أو الصحابة ) بدخولها"

(دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين صالح الورداني ص 280 ، 281 تريدنكو للطباعة والنشر ص.ب 5316/14 بيروت الطبعة الأولى 1997م .انظر أيضاً كتاب الخدعة ص116 نفس الناشر السابق والمؤلف الطبعة الثالثة 1997م)

لذلك يروي أبو بكر عن نفسه : " والله لو وضعت قدما في الجنة وقدما خارجها ما أمنت مكر الله "   ( الطبري والسيرة لأبن هشام وكنز العمال )

(الخدعة صالح الورداني ص117 مصدر سابق)

وقد علق صالح الورداني على الحديث بقوله :

" وهذا أبو بكر أيضاً يشك في دخوله الجنة "                    (المصدر السابق)

o       الأسباب عند الكاتب الإسلامي عبد الفتاح عساكر ..

يقول : [ أنا أسأل عن قولهم في حديث : " يشفع يوم القيامة ثلاثة ، الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء " . الذي رواه ابن ماجة في السنن ، والذي يصطدم بشدة مع حديث على نفس درجة السند وهو حديث ( الإحالة ) الشهير الذي رواه البخاري وفيه أن البشر يسألون الشفاعة من الأنبياء فيحيلونهم إلي النبي محمد .. 

أضف إلى هذا وذاك حديثاً ثالثاً أكثر تصادماً مع ثبوت الشفاعة للنبي وحده** أو نفيها عن الجميع، روى الترمذي : " إن من أمتي من يشفع في الجماعة الكثيرة العدد حتى يدخلوا الجنة"

وقد فتحت هذه المرويات الباب واسعا أمام المتصوفة لإدعاء قيام شيوخهم بقسط من الشفاعة لأتباعهم أيضاً ..

وبعيداً عن التعارض الواضح بين هذه الأحاديث ما أثبته القرآن نفسه للنبي والمؤمنين يوم القيامة .. " فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ( البقرة 38 ) ]

(جريدة الجيل ص11 - مصدر سابق)

  • الأسباب عند د. أحمد صبحي منصور (أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر) :

[ استند د. أحمد صبحي على ثلاثة أسس قرآنية رأى أنها تصل بدعوى ثبوت الشفاعة إلي لا شئ من الصحة أو حتى المعقولية :

الأول : أن القرآن أكد أن النبي لا يعلم الغيب ولا ينبغي له أن يتكلم عن الساعة وما يحدث فيها ، لأن الله وحده عنده هذا العلم ولا يمكن للنبي أن يتوسط لدى الله في حساب عباده لأنه لن يستطيع أن ينفع أحد من أصحابه ، كما أن أصحابه لن يغنوا عنه شيئا وذلك كله استنادا إلي صفة العدل الإلهي ، ..

الأساس الثاني : الآيات القرآنية المحكمة والمتشابهة التي تناولت ذكر الشفاعة تصب جميعها في اتجاه نفيها وليس العكس فمن آيات المحكم " يا أيها الذين أمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة .." ( البقرة 254 ).

ومن المتشابه (البقرة 255 ).

الأساس الثالث : وصف القرآن مشاهد عديدة ليوم القيامة منها كيف أن النبي (ص) يتعرض للسؤال والشهادة ، وكيف أنه يدافع عن نفسه أمام ربه بأنه بلغ الرسالة وأدى ما عليه ولا حديث عن الشفاعة ]                        (المصدر السابق ص11)

الشفاعة والمنطق ..

بعد العرض السابق لموضوع الشفاعة والذي لم نخرج منه بنتيجة .. هل هناك شفاعة أخروية أم لا ؟ بعد كل ذلك نرى واحداً مثل الشيخ خالد الجندي يقول :

" إن امتحانات الثانوية العامة بها لجان رأفة فهل يكون البشر أرأف من الله ؟ .. "

ما معنى كلمة "العفو "* ؟ العفو هو رفع العقاب بعد تقريره ، وربنا عفو ولا لأ ؟ فلو قلتم أن الله عفو إذن فالله من صفاته أن يرفع العقاب بعد تقريره .إذن بيد الله عز وجل أن يقبل شفاعة الشافعين فيخرج العاصى إلي النعيم ،.."             (المصدر السابق)

ويبدو أن الشيخ تذكر صفة "العفو" ولم يتذكر صفة "العدل" فكما أنه عفو هو أيضاً عادل وصفات الله لا تنفصل ولا تتغلب منها صفة على صفة لذلك قال داؤد النبي في الزبور أحكام الرب أحكام عادلة كلها (مز 19: 19 ) وقال يرسل رحمته وحقه أي عدله (مز 57 : 3 ) ، وقال أيضاً الرحمة والحق التقيا (مز 85 : 10 ) فأين حق الله؟ أين عدله؟ ..

ومن ناحية أخرى أليس الأنبياء من البشر ( أولاد آدم ) والحديث يقول : " كل ابن آدم خطاؤون .

( اللواء الإسلامي 9/6/1983 م ( أخرجه أحمد وأبن ماجة والدارمي والحاكم في صحيحه والترمذي وقال: " القرآن يؤكد المعنى") انظر أيضاً شطحات مصطفى محمود د. عبد المتعال الجبري دار الإعتصام ص 68 ، 69 رقم الإيداع 5580/1976 الترقيم الدولي  (I.S.B.N ) - 0-59 7065)

ويقول : " فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي أدم فنسيت ذريته وخطئ آدم فخطئت ذريته "رواه الترمذي في صحيحه وقال حسن صحيح ، وابن سعد وأبو يعلي والحاكم وأبو مردويه .

(انظر الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية للشيخ العلامة محمد المدني صححه وعلق عليه محمود أمين النواوي ص30 حديث رقم (50) ، ص 70 حديث رقم (231) المكتبة الأزهرية للتراث . والحديث في الصحيحين انظر شرح ابن حجر للحديث 3330 من احايث البخاري باب خلق ادم وذريته)

ويؤكد نفس المعنى النص القرآني " النفس أمارة بالسوء "(يوسف 53)

إذن فالجميع اخطأوا وتحت الحكم والسؤال . فكيف يشفع خاطئ في خاطئ .. أو مذنب في مذنب فاقد الشىء لا يعطيه !

والدليل على ذلك أن البشر جميعا بما فيهم أنبياء الله يقدمون أضحية دموية على مر العصور للتكفير عن خطاياهم إعترافا منهم بأنهم خطاة معرضون للسؤال والعقاب ( أنظر مبحث الكفارة بالفداء ومعنى الشفاعة في الأديان الثلاثة ) .

لذلك قالوا في الشفاعة ..

" الحاكم العادل لا يقبل الشفاعة بهذا المعنى "

(كتاب الشفاعة د . مصطفى محمود ص 79 وما بعدها قالها الإمام الأكبر الشيخ المراغي )

" لو حدثت لكانت نوعاً من المحاباة والظلم والمحسوبية "

(المصدر السابق ص 47 وما بعدها - قالها بعض الباحثين وذكرها د. المطعني)

 

"الشفاعة هي فوضى الوسائط التي نعرفها في الدنيا ولا وجود لها في الآخرة "

(المصدر السابق ص103 وما بعدها - قالها د. مصطفى محمود)

 

" إن الشفاعة تؤدي إلي انتشار سوء الأخلاق .. إذن فهي لا تتفق مع المنطق العقلي "

(جريدة الجيل مصدر سابق قالها لواء محمد شبل)

 

وأقوال أخرى يمكن الرجوع إليها في كتاب الشفاعة لـ د . مصطفى محمود ومجلة الجيل العدد 43 أغسطس 99 م .

                                                               انتهى…

* حيث جاء في الحديث الصحيح : (شفاعتى لأهل الكبائر من أمتي )

** رئيس جامعة الأزهر وأستاذ علم الحديث وعضو مجمع البحوث الإسلامية .

*** أي أن الله أدخل أبناء المشركين النار والنبي (ص) يشفع فيهم ليخرجوا منها رحمةً بهم .

* يقول الإمام السيوطي : وكان فقهاء الحنابلة أي من أتبع فقه أحمد بن حنبل قد فسروا المقام المحمود للرسول (ص) بأن الله تعالي (يقعده على عرشه ) جريدة الأهرام 15/12/2000 - ص11 مقال الأستاذ سامي خشبة . أنظر أيضا جريدة القاهرة العدد 8 6 يونيو 2000 ص 24

* يقصد نفياً وإثباتاً

* نعتقد أنه أختار كلمة ( تعتيم ) بدلا من كلمة أخرى قد توقعه في موقف أكثر حرجاً .

** ما صعب تفسيره.

* كان مرشداً لشباب الجماعات الإسلامية ثم أعتنق مذهب الشيعة الأثني عشرية .

** أحاديث ثبوت الشفاعة للنبي وحده ذكرت من قبل تحت عنوان أدلة ثبوت الشفاعة للنبي (ص) من السنة النبوية .

* اسم من أسماء الله الحسنى  .

الصفحة الرئيسية