قصة
ما قبل الخلق
بدأت
هذه القصه قبل بضعة بلايين من السنين قبل
عصرنا هذا عندما أخذ واحد من مخلوقات الله
سبحانه وتعالى الذى أعطاه الله الكثير من
القدرات ، أخذه الغرور لدرجة أنه ظن أنه
بإمكانه أن يدير الكون حوله كما يديره الله.
ولكن هذا التحدى من إبليس لربه وخالقه لم يعكس
إلا الإفتراء وسوء الفهم الذى نتج من غرور
إبليس بنفسه وبقدراته التى لم يحصل عليها
بنفسه ولكن منحها الله له فإبليس من جهله لم
يتخيل أن الله وحده هو القادر على أن يدير هذا
الكون وأنه لا يمكن لأحد غيره أن يكون الها
مثله . لقد كان غرور إبليس مع جهله وكبريائه
السبب فى إعتقاده أن بإمكانه أن يحكم كونا وأن
يكون الها مع الله وأن يدير هذا الكون بدون
فقر أو مرض أو تعاسه أو شقاء أو حروب أو فوضى
أو عذاب أو دمار .
ورفضت معظم المخلوقات إدعاء إبليس ولكن وافقت معه قلة قليله من الذين غلبهم الغرور ولكن هذه القلة كانت تعد بالبلايين ، وهكذا نشأ خصام عظيم فى الملأ الأعلى كما يخبرنا الله فى سورة ص آيه 69
وكان
تحدى المتمردون لسلطة الله المطلقه هو تحدى
بدون أساس ولذلك كان رد الله عليهم حاسما
عادلا وفعالا .
فبعد
أن أعطى الله هؤلاء المتمردين الفرصه
ليعترفوا بخطأهم ويسلموا له قرر أن ينفى كل
المتمردين الذين رفضوا هذا العرض الى كوكب
بعيد يسمى الأرض وأن يعطيهم فرصة أخيره
للتوبه والنجاه .
لو
إدعى أى مخلوق أن بإمكانه أن يقود طائره فإن
أحسن إختبار لهذا الإدعاء أن نعطيه طائرة
ونطلب منه أن يطير بها . وهذا تماما ما قرر
الله أن يفعله ليرد على إدعاء إبليس أن
بإمكانه أن يدير الكون كإله مثل الله , لذا قرر
الله أن ينصبه خليفة على
واحد من أصغر الكواكب فى الكون ، كوكب
الأرض كما تعلمنا الآيات 30 من سورة البقره و6
من سورة يس .
أما
هؤلاء المتمردين الذين وقفوا بجانب إبليس فقد
أعطاهم الله فرصه أخرى ليتغلبوا على كبريائهم
وغرورهم ويؤمنوا بأن الله وحده له كل الأمر
وأنه لا شريك له وأنه لا اله الا هو وحده لا
شريك له .
ولقد
أدركت الغالبية العظمى من المتردين خطأها
فتابوا واصلحوا وقلة منهم فقط
تقدر بحوالى 150 بليون فشلوا فى أن يستغلوا
باب التوبة والرحمة الذى فتحه لهم الله جل
جلاله كما تعملنا الآيه 72
من سورة الأحزاب .
ولقد
أدى الخصام فى الملأ الأعلى الى تقسيم
مخلوقات الله الى عدة أنواع:
1.
الملائكة :وهم المخلوقات التى لم تشك
ولو للحظة واحده فى قدرات الله جل جلاله .فهم
يعرفون معرفة اليقين أن الله وحده يملك كل
القدرات والخواص والصفات ليكون الها لهذا
الكون . ولهذه المخلوقات
تنتمى الغالبيه العظمى بأعداد لا يمكن حصرها
، حتى الملائكة أنفسهم لا يعلمون عددهم لأن
الله وحده هو الذى يعلم عدد جنوده كما تعلمنا
الآيه 31 من سورة المدثر .
2.
الحيوانات : على الرغم من أن الملائكة
إقترحت أن يعاقب المتمردون وقائدهم إبليس بأن
يطردوا من الكون الإلهى شر طرده ( اقرآ الايه 30
من سورة البقره ) فإن أرحم الراحمين أراد أن
يعطى هؤلاء المتمردون الفرصه لكى يعترفوا
بجريمتهم ويتوبوا ويرجعوا الى عبادة الله
وحده .ولقد ارتضت هذه الأغلبيه أن تأتى الى
هذا العالم بعد أن تغلبت على كبريائها
وغرورها لتؤدى أى شئ يطلبه منها الله لتكفر عن
الخطأ الذى إرتكبته .ومكافأة لهم على خضوعهم
لله وقبول ما يأمرهم به فقد غفر الله لهم
ووعدهم جناته ( الأنعام : 38 )، فعلى سبيل
المثال فإن الحصان والكلب والشجر والشمس
والقمر والنجوم والأطفال المعوقين أو
المتخلفين عقليا يمثلون هذه الأغلبيه التى
أحسنت إستعمال ذكائها فإعترفت بخطأها وتابت
الى الله سبحانه
وتعالى
سورة الحج
سورة
الرحمن
فالحصان
لا كبرياء ولا غرور له فهو يخدم صاحبه الإنسان
سواء كان هذا الإنسان غنى أو فقير طويل أو
قصير عجوز أو صغير خفيف أو ثقيل .والكلب أيضا
لا كبرياء له فهو يهز ذيله فرحا بصاحبه سواء
كان صاحبه غنيا أو فقيرا . والشمس تشرق كل صباح
فى الوقت الذى حدده لها الله والقمر يتبعها ،
كل فى فلك يسبحون بدون أى إنحراف .حتى جسم
الإنسان ، هذا اللباس المؤقت الذى نعيش فيه
إنما ينتمى الى هذه الأرض والتى منها خلق
واليها يعود ولله سبحانه يخضع هذا الجسد حتى
لو كان صاحبه كافرا فالقلب والكليه والرئه
وكل أعضاء الجسم الأخرى تؤدى وظائفها تماما
كم حددها لها الله بدون أى تحكم منا فيها
.
3.
الإنسان : ولكن البشر والجن كانوا أشد
المتمردين فسادا ورفضوا أن يعترفوا بخطإهم
وأصروا على إعطاء إبليس الفرصه ليثبت لهم أنه
يمكن أن يكون الها وكانت النتيجة أن هذه
المخلوقات من الجن والإنس والتى فشلت فى أن
تتخلص من غرورها وتقتل كبريائها وترجع الى
الله ،انقسمت الى مجموعتين ، المجموعه الأولى
تكونت من المخلوقات التى لم تكن مقتنعه كلية
بما قاله إبليس وهذه المجموعه كونت الإنس
وبالرغم من أنهم شكوا فى صحة ما ادعاه إبليس
إلا أنهم فشلوا فى أن يرجعوا كلية الى الله
ويسلموا له تسليما خالصا ويشهدوا أن له وحده
الحكم والملك .ولقد كان غرورهم بأنفسهم
وكبريائهم وراء فشلهم فى أن يستغلوا الفرصه
ليتوبوا ويرجعوا الى حكم الله وحده عندما فتح
الله للجميع باب التوبه والمغفره ( الأحزاب
72 ) .إن الهوى والغرور والكبرياء هو الذى
يقف بين معظم البشر وبين دخولهم فى رحمة الله (
الفرقان :43) ولذلك كان الأمر الربانى فى سورة
البقره آيه 54 ( إقتلوا أنفسكم .......) بمعنى
إقتلوا غروركم وكبريائكم وهواكم .
4.
الجن : أما النصف الآخر من المتمردين
الفاسدين فقد مالوا كل الميل الى إبليس وظهرت
مدى ضخامة غرورهم بأنفسهم وكبريائهم
، وصنفهم الله ليصبحوا جنا .وتتضح الخطة
الإلهيه فى أن يجعل مع الإنسان
قرين من الجن منذ لحظة مولده وحتى لحظة موته .
وهذا القرين يمثل إبليس فى كل أفكاره
ومعتقداته ويدعوا الإنسان اليها
( ق: 23 ، 27 ) .ولقد
أعطيت فرصه متساويه للإنس والجن ليعترفوا
بخطأهم ويقتلوا كبريائهم وغرورهم فيتوبوا
ويصلحوا ويرجعوا الى الله سبحانه وتعالى .وكلما
ولد إنسان ولد معه جان ليكون قرينه ويعلمنا
القرآن أن الجن هم نسل الشيطان وقبيله (
الأعراف :27 ) ( الكهف : 50 ) وعندما يولد الجان
يصبح قرينا للإنسان ويظل معه ملازما له حتى
موته وبعدها يصبح الجن حرا ليعيش حياته لمدة
طويله قد تصل الى القرون . ويجب أن نذكر القارئ
أن كل من الإنس والجن مطالبون بأن يعبدوا الله
وحده كما تعلمنا الآيه 56 من سورة الذاريات .
ولقد
أوضح لنا الخصام فى الملأ الأعلى أن الله
سبحانه وتعالى لم يسلب حريتنا كما تخبرنا
الايه 69 من سورة ص ، وكما أوضحنا أعلاه فإن كل
المخلوقات قد أعطيت حرية
الإختيار .
ولا
شك أن تمرد هذه الأقليه من مخلوقات الله
سبحانه وتعالى كانت وسيلة لتأكيد أن عباد
الله المؤمنين يعبدونه عن تقدير لعظمته
وجلاله . ولولا حدوث هذا التمرد والخصام فى
الملأ الأعلى لما عرفنا أن الله سبحانه
وتعالى قد من على كل مخلوقاته بهدية من أثمن
الهدايا وهى الحريه الكامله فى الإختيار .
هو
الرحمن الرحيم
فى
عالمنا الذى نعيش فيه يتوقع كل صاحب شركه أن
يكون كل عماله وموظفيه مخلصين له ولشركته وأن
يعملوا كل ما فى وسعهم لنجاح الشركه .ولو ثبت
أن أى من عمال الشركه وموظفيها غير مخلص
للشركه ولا يعمل على
نجاحها لتم فصله فورا .
وفى
حالة الجن والإنس الذين إختاروا إبليس بدلا
من أن يختاروا خالقهم الله سبحانه وتعالى
ورفضوا أن يعترفوا بخطأهم ويتوبوا ويصلحوا
فإن الملائكة توقعوا أن الله سيطردهم شر طرده
من مملكته ويحرمهم من رحمته ( البقره :30 )
ولكن
رحمته وسعت كل شئ وهو الرحمن الرحيم فقد قرر
سبحانه أن يمنحنا فرصة آخرى لكى
نعترف بخطأنا ونتوب ونعود اليه . وليعطينا
الفرصه الكامله لنستفيد من رحمته ووعده
بالمغفره لمن يعود اليه خلق الله سبحانه
وتعالى الموت كما تعلمنا الآيات 1 - 2 من سورة
الملك .
وشملت
الخطه الإلهيه إحضار كل المتمردين فى الملأ
الأعلى الى حياة آخرى حيث لا يوجد أى ذكرى
لهذا الخصام . وفى تلك الحياة ستعرض على الإنس
والجن كل من رسالات الله ورسالة الشيطان
ويختاروا هم بمحض إرادتهم ما يشاءون منهما .
وبناءا على هذا الإختيار سيكون قبولهم فى ملك
الله جل جلاله ورحمته وجناته أو نفيهم مع
إبليس فى نار جهنم خالدين فيها
إبليس
ومملكته المؤقته
وليؤكد
الله مدى تفاهة المملكة التى قرر أن يعطيها
لإبليس فقد خلق سبحانه بلايين من المجرات
الفلكيه والتى تحتوى على ملايين البلايين من
النجوم والكواكب فى داخل عالم واسع يمتد طوله
الى بلايين من السنين الضوئيه ، ولتقريب معنى
السنه الضوئيه فإن الشمس تبعد عن الأرض
بمسافة 93،000،000 ميل وهذه المسافه يقطعها الضوء
فى ثمانى دقائق فقط ،
ولو أننا سافرنا فى الفضاء بنفس هذه السرعه
لوصلنا الى حافة مجرتنا المسماه milky
way بعد فترة تقدر
من خمسين الى سبعين ألف سنه من السنين العاديه
، ولكى نصل الى أقرب مجره من المجرات
القريبه الى مجرتنا فلسوف نستغرق 2 مليون سنه
وذلك بسرعة الضوء. ويجب أن نعلم أن عدد
المجرات فى عالمنا الذى به كوكب الأرض
وحده يزيد بكثير عن 2،000،000،000 مجره والأرض
لا يمكن رؤيتها إلا بصعوبة شديده وذلك بسب صغر
حجمها لو نظرنا اليها بأقوى المناظير من طرف
المجره التى ننتمى اليها ، فهل يمكنك أن تتخيل
لو نظرنا اليها من طرف عالمنا الذى يحتوى على
بلايين المجرت ؟!!!! . لقد خلق الله سبحانه
وتعالى ستة أكوان آخرى حول عالمنا الذى يحتوى
على كوكبنا الذى نعيش فيه .انظر سورة (البقره
:29) وسورة ( الملك : 4 ) ثم أخبر الله إبليس أن هذا
المكان الصغير للغايه الموجود داخل أصغر
الأكوان السبعه والذي يسمى الأرض سيكون
مملكته المؤقته .
وكانت
الخطة الإلهيه أن يوضع الإنس والجن فى أصغر
الأكوان الذى لا يحتوى وجود الله فيه كما
تعلمنا الآيه 143 من سورة الأعراف .وبذلك يمكن
لإبليس أن يحكم هذه المملكه المتناهية فى
الصغر فى أصغر الأكوان التى لا تحتمل وجود
الله فيها أو القرب منها كل هذا بعلم الله
وموافقته ، ويجب أن نذكر
القارئ أن عدد المتمردين
فى هذا الخصام الذين تابوا وعادوا الى
الله كان اكبر بكثير مما قد يتحمله كوكب الأرض
حتى الحيوانات فاقت بعددها كل عدد البشر على
الأرض .لذلك كان من
الضرورى أن توضع هذه المخلوقات الآخرى والتى
إعترفت بخطأها وتابت هم بلايين البلايين من
المخلوقات فى
الأكوان والفضاء الذى يحيط بالأرض .
آدم
وحوء
تعلمنا
الآيه 11 من سورة الأعراف أن الملائكة بتوجيه
وأمر من الله سبحانه وتعالى
قد صوروا جسم آدم وشكلوا خلقه من الأرض .
وكانت هذه الخليقة هى الأولى لجسم
أول إنسان يوضع على الأرض . ولهذا الجسد
قرر الله سبحانه وتعالى أن يكون آدم الروح هو
أول البشر الذى يوضع به . وعندما أخبر الله
الملائكة أنهم سيقومون بخدمة الإنسان
خلال هذا الإختبار فى فترة وجود البشر على
الأرض عن طريق حمايتهم وتصريف الرياح وتوزيع
الأمطار والأرزاق وغيرها من الخدمات كان
إبليس الوحيد من ضمن الملائكه الذى رفض هذا
الأمر الربانى كما تعلمنا الآيات 34 من سورة
البقره ، 31 من سورة الحجر ، 74 من سورة ص .
ثم
خلقت حواء من آدم ولها خصص الله الروح البشريه
الثانيه، وفى أثناء بقاء جسدى آدم وحواء على
الأرض كانت روحهما تسكن الجنه. وكانت الخطه
الإلهيه أن يبقى آدم وحواء فى الجنه طالما
تمسكوا بقانون
الله سبحانه وتعالى وفى اللحظة التى وافق
فيها آدم وحواء مع إبليس أكدا أن الإنسان خطاء
بطبيعته وفى الحال وضعا أنفسهما فى مملكة
الشيطان المؤقتة على كوكب الأرض ( الأعراف 20 ،
طه :121 ).
إبليس
: الأب لكل الجن
ولقد
إقتضى الإختبار الربانى للإنس والجن أن يولد
لإبليس جن مقابل كل مولود من
البشر .وكما ذكرنا من قبل فإن فى كل مره
يولد إنسان فإنه يولد جان لإبليس وقبيله
ليكون قرينا ملازما للإنسان . وبإستمرار
يتعرض الإنسان لحوار دائم مع هذا القرين
والذى يمثل إبليس وأفكاره فى محاولة مستمره
لإقناع الإنسان بوجهة نظر إبليس . وهذا القرين
يعيش مع هذا الجسد من لحظة مولده وحتى لحظة
موته . وكل محاولات القرين تدور حول إقناع
الإنسان بأن الله وحده ليس كافيا ليدير أموره
. وفى يوم الحساب سيكون القرين شاهدا على
الإنسان كما تعلمنا الآيات 38 من سورة الزخرف
والآيات 27 و 37 من سورة ق .
ويجب ان نعلم أن بعض هؤلاء القرناء سوف
يقتنعون بوجهة نظر الإنسان المؤمن
ويسلموا لله وحده مع الإنسان . ولم يترك
الله البشر بدون أى مساعدة أو توجيه فى هذا
الإختبار . فكل إنسان يولد على فطرة أن الله
واحد ولا اله سواه وهو رب هذا الكون وحاكمه (
الأعراف :172 و 173 ) ولم يعطى الجان هذا العلم
بالفطره ولكن أعطاهم الله عمرا طويلا وقدرات
غير عاديه تمكنهم من دراسة كل العلامات فى هذا
الكون التى تدل على وجود خالق واحد ورب واحد.
ولأن الجان لم يعطوا الفطرة التى أعطيت للبشر
فأنهم يميلون الى الشرك بالله أكثر من
التوحيد به .
وبالإضافه
الى الفطره التى خلقها الله فى البشر
ليعرفوه ويعبدوه وحده فإنه ارسل الى البشر
رسلا منهم لتساعدهم فى معرفة طريق الصواب
ليتوبوا ويرجعوا اليه ويصلحوا .
وربما بعد أن فهمنا كل هذه المنح التى من الله بها علينا ليوجهنا الى السبيل الصواب ربما نفهم لماذا كان الشرك بالله هو الذنب الوحيد الذى لن يغفره الله إذا ظل عليه الإنسان حتى موته معتقدا أن هناك فى هذا الكون من يستطيع أن يساعده غير الله سبحانه وتعالى