بداية الطريق

 

عندما قرأنا الخبر الذي نقله لنا أخونا شعرنا بالامتهان والتقصير تجاه الله وقررنا أن نقوم بدور فعال إزاء عملية التبشير هذه وإيقافها بشتى الطرق ، وبعد مداولات شديدة وطويلة استبعدنا العمل المسلح لعدة أسباب منها : أن النظام الأمني في مصر قد تطور عما كان في السبعينات ، كذلك الكثير من القيادات النشطة في الجماعة والتي كانت تتولى عملية تهريب كل من يشعر أنه في خطر قد انتهت ولم يتم تعويضها بنفس الكفاءة ؛ إذ البعض من هذه القيادات قد حكم عليه بالإعدام والآخر بالسجن المؤبد ، ولهذه الأسباب استبعدنا الخيار المسلح وتوجهنا للبحث عن طريقة أخرى للتعامل مع حركة التبشير هذه ، وأخيراً اهتدينا إلى المواجهة الفكرية ، وتعرية الزيف والتزوير في التوراة والإنجيل، ولاقى هذا الاتجاه ترحيباً وحماساً من كل القيادات التي كانت مجتمعة، وبدأنا البحث عمن يقوم بهذا العمل العظيم الذي سوف يعلي كلمة الحق ويذهب كيد الكافرين، لم أكن أتوقع ولو بنسبة ضئيلة جداً أن أكون أنا المرشح لهذا العمل ؛ ليس لعدم كفاءتي ولكن لما يعلمه الجميع عني من كراهية شديدة تجاه المسيحيين ، وبعد فترة صمت مريبة مرت خلالها الدقائق كساعات من ليل الشتاء الطويل انطلق صوت الأمير معلناً الشخصية التي اختارها للقيام بهذا العمل ، وعندما سمعت أنه أنا كدت أفقد وعيي ، وانتابني شعور بالغيظ والتمرد ؛ إذ كيف يطلبون مني مثل هذا الأمر الذي بالطبع سيتطلب قراءة كتب النصارى واليهود ؟ لكن قضى على غيظي وأخمد تمردي صوت خافت من الأمير قائلاً : هذا أمر وما عليك إلا أن تنفذ إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر ، وذكر الآية التي تقول: ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " 36 الأحزاب". حاولت إقناع الأمير بتكليف أحد غيري للقيام بذلك إلا أنه رفض وقال : إنني أشعر بأنك أفضل من يقوم بالعمل هذا ، ولو أنك أتممته جيداً ستكون قد أنجزت مهمتين في وقت واحد الأولى: أنك تكون قد قدمت لنا ولكل مسلم بل ولكل العالم حقيقة كانت وما تزال غامضة عن أذهانهم ، والثانية أنك سوف تجني ثمار هذا العمل الرائع لأنه سوف يتم ترجمته وبيعه في كل أنحاء العالم لأهميته ، وبذا تكسب مبالغ كبيرة بالحلال الطاهر ، دفعني حديثه هذا إلى استعجال نوعية وموضوع البحث هذا ، قال الأمير : إن البحث ينقسم إلى قسمين الأول : إثبات أن نبوة محمد رسول الله ثابتة من التوراة والإنجيل تصديقاً لقوله : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل " 157 الأعراف ، القسم الثاني إثبات أن التوراة والإنجيل المتداولين اليوم ليست هي تلك التي أنزلها الله وإنما تم تحريفها وتزويرها من خلال البحث في الاختلافات والتناقضات الموجودة فيها .

قبلت هذه المهمة على مضض وقلت للأمير إن هذا يتطلب مني أن أشتري توراة وإنجيل وأقرأهما ؟ قال: نعم ولا بد أن تفعل ذلك ، فذهبنا في صبيحة اليوم التالي إلى القاهرة ، وقطعنا شارع الجمهورية نبحث عن مكتبة تبيع هذه الكتب ؛ وجدنا المكتبة ؛ لكن كان من الصعب أن ندخل بملابسنا التقليدية هذه المكتبة ؛ لأنها مثيرة جداً وقد يطلبوا الشرطة اعتقاداً منهم أننا جئنا للتخريب . وجدنا رجلاً يسر بالشارع فسألناه عن اسمه وطلبنا منه أن يشتري الكتاب فوافق ، سلمني الأمير الكتاب وانصرفنا متوجهين إلى منزلي جنوب القاهرة ، كنت خلال السفر الذي استغرق أكثر من ساعتين ونصف أحاول التخلص من الكتاب بأي وسيلة ، فتارة أتركه خلفي ، وتارة أتعمد نسيانه ، وفي كل مرة كان يحضره لي وينبهني إليه ، أخيراً وصلنا إلى منزلي ، وبعد فترة غادر الأمير منزلي إلى مدينته ، من هنا بدأت رحلة المتاعب مع التوراة والإنجيل .

كان أول يوم أخذت فيه الإنجيل هذا صعب جداً علي ، فقد كان لدي انطباع أنه ليس من عند الله وأنه سوف يجلب لي الشياطين بالبيت ولن أقدر أن أصلي ، فوضعته خارج غرفة نومي خوفاً من إزعاج الشياطين ، وطاردني هذا الهاجس أياماً عديدة ؛ حتى أنه كلما سمعت صوتاً بالمنزل اعتقدت أن الله يعاقبني على اقتناء هذا الكتاب ؛ فكنت لأدخله غرفتي أوقات الصلاة حتى تستطيع الملائكة أن تدخل منزلي ، استمر هذا الخوف والقلق فترة من الوقت أدركت بعدها أنني لم اقتن هذا الكتاب بإرادتي بل أنني أنفذ إرادة الله من خلال طاعة الأمير الذي أوصى النبي بطاعته في حديثه : " من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني " أخيراً أدركت أنني إنما أنفذ أمر الأمير الموصى بطاعته من قبل الله وعليه فلا ضير من أن أضع الكتاب في غرفتي والله سيقويني.

كانت كل الوسائل ميسرة لي من قبل الجماعة ، أتقاضى 500 جنيه شهرياً كمصاريف نظير تفرغي لهذا العمل ، كان في كل مرة أحاول تجاهل هذا الأمر يتراءى لي الحديث الذي يقول " من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني فأسارع قائلاً : لا يارب لن أعصيك أبداً واستغفر الله ثلاث مرات ثم أقوم للصلاة . ولم يكن يشغلني أي شيء عن إتمام هذا العمل ، وندي الكثير من المراجع التي تساعدني على إخراجه في أفضل ما يمكن ، ولدي من الخبرة في أمور النصارى الكثير

قررت بيني وبين نفسي أن أبدأ رحلة المتاعب هذه ، لكن ما أقلقني هو أنني لم أكن أدري من أين أو أين أبدأ ، ولم يكن لدي طريق واضح المعالم للتعامل مع شقي البحث هاتين ، مثلاً بخصوص إثبات نبوة محمد ، كنت قد توقعت أنني سأجد نفس الاسم " محمد " قي التوراة والإنجيل وفي أضعف الأحوال قد أجد أحمد أو محمود ، الحقيقة لم أكن أعلم كيف أبدأ ولا من أين أبدأ لم يكن الطريق بالنسبة لي واضح المعالم من حيث كيفية تناول البحث ، أي عن أي اسم في التوراة سأبحث ؟ هل عن محمد ؟ أم محمود ؟ أ م أحمد ؟ أم . . ؟ أم . . . أخيراً التبس علي الأمر فقررت الانتقال للجانب الآخر من البحث ، وهو البحث عن التناقضات والاختلافات التي تثبت أن التوراة والإنجيل ليستا من عند الله ، وعلى نفس المنوال فشلت في تحديد قالب معين أو معيار ثابت على أساسه أقيس كل ما هو في التوراة والإنجيل فإن توافق ؛ صحت التوراة والإنجيل ، وإن اختلفا أكون قد وصلت إلى ما أريده ، ذلك دفعني للشك في قدرتي على إتمام هذا البحث مما أثار حفيظتي وأشعل حماسي فقررت التركيز الشديد للوصول إلى الهدف لأنني لم أعتاد الفشل في كل مهمة كنت أكلف بها طوال حياتي .

كنا نلتقي أنا والأمير مرة في كل شهر نتشاور ونتحاور حول موضوع البحث وفي كل مرة كنت أطلب منه العدول عن قراره وإسناد هذا العمل لأحد غيري وأنا مستعد للتعاون معه ، لكن كان لديه إصرار غريب على أن أقوم أنا بعمل هذا البحث ، صليت ركعتين استخارة لله ، وتملكتني جرأة غير عادية وقررت البدء في قراءة الكتاب لكن بدون نظام أو تحديد أو أي سند يعينني على الوصول للهدف ، بدأت بسفر التكوين ولم أكن أدري ما أبحث عنه ، وجدت أسماء غريبة أقرأها لأول مرة فضقت منها ألقيت بالكتاب بعيدا في أحد أركان غرفتي بطريقة عصبية قائلاً : إن هؤلاء اليهود والنصارى أغبياء كيف يقولون عن كتاب يتكلم بهذه الطريق وهذه الأسماء أنه من عند الله ، إنهم مجانين ، وتوقفت عن القراءة ، وبعد يومين عاودت القراءة ولكن قررت عدم قراءة سفر التكوين لما فيه من أسماء وألفاظ صعبة الفهم ، واسترسلت في القراءة ، أعجبت جداً بما هو مدون في سفري العدد والخروج وأيضاً التثنية ، حيث وجدت الكثير من الأمور التي تتعلق بموسى وفرعون وبني إسرائيل مذكورة بالتفصيل الذي يشبع رغبتي ، أنهيت العهد القديم ( التوراة ) قراءة في شهرين لكن بدون تركيز ، أعدت قراءتها ثانية وكنت أبحث عما ينتمي لمحمد أو أحمد أو محمود بصلة ولم أجد شيئاً ، تطرقت إلى العهد الجديد ( الإنجيل ) وقرأته كاملاً ، لكن لم يقودني لشيء فضقت ذرعاً بهذا البحث وكانت تنتابني شبه عصبية نحو الأمير الذي أمرني بذلك ، وفي آخر زيارة له لي أخبرته أنني لم أجد أي خيط يمكن أن يساعدني على إتمام البحث ، فقد قرأت التوراة والإنجيل ولم أجد شيئاً ، أخبرني الأمير بأن هناك كتاب كنا نتدارسه في الخارج سوف يساعدني كثيراً في بحثي وهو " إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي " ، بحثت عن هذا الكتاب في مكتبتي فوجدته ، وللحقيقة كان هذا الكتاب ذو قيمة عظيمة لنا عندما كنا ندخل في نقاشات مع المسيحيين لإقناعهم بالإسلام ، إذ كان يحتوي على نصوص خاطئة من التوراة والإنجيل كنا بعرضها على المسيحيين يقبلون الإسلام ، وتكرر هذا مع ثلاثة أشخاص ، بدأت أنظم طريقة البحث مستعيناً بعدة كتب بمعاونة الأمير مثل الملل والنحل للشهرستاني ، والفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم وبعض كتب التاريخ والسيرة ، وكلها كانت تهاجم المسيحية ، أخذت كل النصوص التي ذكرها ابن حزم وقال أنها تناقض بعضها البعض ، وبحثت عنها في الكتاب الأصلي فكنت كثيراً ما أجد النصوص إما مذكورة لكن بنصوص مختلفة أو منسوبة لأشخاص مختلفين ، ولا أخفي سراً أنني وجدت كثيراً من النصوص التي بها اختلافات لكن لو أخذنا هذه النصوص كحجة على عدم صحة التوراة فعلينا أن نقبل مثيلاتها في القرآن ويكون القرآن أيضاً من عند غير الله ( قمت فيما بعد بالرد عما كنت أعتقده تناقض واختلاف في بحث تحت عنوان الرد على ابن حزم ) ، كنت أبحث بإخلاص وبمحبة غامرة لله وللرسول ، لم أكن مدفوعاً بفكر عنصري بل كان الدافع هو الانتصار لله ولدينه الحنيف ، وقد لفت انتباه المجموعة الصغيرة التي أنا أميرها اهتمامي بالكتاب المقدس وكانوا دائمي الأسئلة عن سبب ذلك كنت كثيراً ما ألجأ للكذب عليهم لأن ذلك ضرورة فكنت أبرر ذلك بأننا نتقابل مع شباب مسيحيين ندعوهم للإسلام مما يحتم علينا ضرورة معرفة ما يقولون ، بعد أن تعثرت محاولاتي للبحث عن مدخل لهدم التوراة من خلال إيجاد الاختلافات والتناقضات ؛ قررت أن أحاول في الشق الثاني من البحث ، وهو إثبات نبوة محمد من خلال التوراة والإنجيل لتحقيق مصداقية آية سورة الأعراف ، فتشت كثيراً في كتاب رحمة الله الهندي ووجدت ما كنت اصبوا إليه وانتفضت فرحاً بما وجدت ، وشعرت أنني أخيراً قد وجدت ضالتي ، صليت ركعتين شكر لله على أن هداني إلى هذه النصوص ، بدأت في تدوينها بالترتيب كما يلي .

تكوين 17 : 20

تكوين 49 : 10

تثنية 18 : 18-20

تثنية 32 : 21

تثنية 33 : 1-3

أشعياء 42 : 9

أشعياء 54 : 1-3

أشعياء 65 : 1-2

مزمور 45 : 1-3

مزمور 149: 3

دانيال 2 : 31-32

متى 3 : 2

متى 13 : 31

متى 20 : 1

متى 21 : 33

يوحنا 14 : 15

رؤيا 2 : 27

لم تكن تلك هي كل النصوص التي ذكرها رحمة الله الهندي وزعم أنها إثبات لنبوة محمد ، بل كان هناك نصوص أخرى قمت باستبعادها لضعف دلالتها ، كان تعاملي مع هذه النصوص غاية في التدقيق والموضوعية لأن هذا كان شأننا كجماعة مؤمنة فريدة على ظهر الأرض ، فلم نكن نقبل لأي نص من أي فرد بدون دليل ودليل صادق موثوق فيه ، لا أخفي أن هذه النصوص من حيث الظاهر كانت مغرية لأي مسلم لأن يقبلها ؛ لكن بالتدقيق وهذا حال المسلمون الأصوليون قد يفاجأ بعدم صحة الاستنباط المستنتج من الدليل ؛ لذا قمت بتجميع كل الكتب التي رأيت أنها قد تساعدني في بحثي هذا ، وبدأت أرسم مستقبل حياتي بعد نجاحي في هذا البحث ، وكم سأكون قد قدمت خدمة لله وللرسول إضافة إلى الربح المادي الذي ينتظرني والذي بدأت معالمه عندما ذهبت أنا والأمير إلى مكتبة أنصار السنة وعرضنا عليهم فكرة الكتاب التي نالت إعجابهم بل إنهم قد طلبوا مننا فصل واحد فقط من الكتاب وهم سيشترون حقوق طبعه ، كل تلك الأحلام كانت تراودني لكن كان يطغى عليها انتصاري لدين الله.

أخذت أعيد قراءة الكتاب المقدس وأصبحت علاقتي به على أحسن وجه حتى أنني أدمنت قراءته ، وكنت أكتب الدليل تلو الآخر وأحاول أن أثبت بالحجج والبراهين أنه ينطبق على محمد ، كانت المفاجئة غير سارة ، وربما كان سبب ذلك أنني كنت مبالغاً في تدقيقي ليس لغرض المبالغة فقط بل للجزم بصدق نبوة محمد ، فكنت استعين بكتاب ياقوت الحموي ( معجم البلدان ) عندما تعرضت لاسم مدينة تسمى فاران ؛ لأعرف أين تقع وما هو اسمها الحالي ؟ وأحياناً معاجم لغوية مثل لسان العرب ومعاجم عبرية لأعرف ما معنى شيلون ، كنت أريد أن أخرج كتاباً لا ترد فيه كلمة واحدة ، ولا يمكن لأحد أن يطعن أو يحتج عليه ، لكن كانت الرياح قد أتت بما لا تشتهي السفن إذ بدأ الانهيار التدريجي للنصوص واحداً تلو الآخر ، انهار أمامي أول دليل بمعنى أنني لم أوفق في إثبات أن نص التكوين ينطبق على محمد من عدة وجوه لا مجال لذكرها هنا ؛ إذ قد كتبتها في كتيب منفرد تحت عنوان ( الحق المكتوم ) وسجلت في هذا الكتيب كل الأدلة وكيف كنت أستدل بها ، وكيف اكتشفت أنها لا تدل على شخص محمد ، ولذلك لن نتناول التعليق على هذه النصوص هنا.

انتهيت من دراسة كل هذه النصوص ولم أجد فيها ما يدل على ما كنت أبحث عنه ، امتزجت لدي مشاعر الحزن والأسى بالقلق والاضطراب ، لكن لم يتبادر إلى ذهني مجرد التفكير في أن يكون محمداً ليس بنبي ، بل كان تعليقي الذي أواسي به نفسي هو أنني قد فشلت في الربط بين الأدلة وشخص الرسول ، قررت أن أعيد المحاولة ثانية من خلال دراسة كتب أخرى غير إظهار الحق ، كان لدي كتاب اسمه دلا ئل النبوة ، معجم البلدان ، وإعلام الموقعين ، والموسوعة العربية الميسرة ، كنت أحاول بكل جهدي لكي ل أفشل لأن الفشل يعني بالنسبة لي الدمار الكامل لتاريخ حياة مملوءة بالمشقات والضيقات ، فكيف يصبح ذلك سراباً ؟ ولم تكن المحاولة الثانية أفضل من الأولى بل على النقيض منه ذلك ، قد اكتشفت في المرة الثانية أشياء لم أكن أعرفها في المرة الأولى ، ولم تكن أشياء في صالح البحث بل كانت ضده ، كنت بين لحظة وأخرى استرق نظرات أجول بها هنا وهنا متفرساً في الكم الكبير من الكتب والمراجع الإسلامية التي تملأ مكتبتي ، وأجدني أحياناً أخاطب نفسي : هل من المعقول أن تكون كل هذه الكتب خادعة لنا ، وتقدم لنا شخصية وهمية ؟ إن صح ذلك فلا يستحق الله منا أن نعبده ، لكن لم أكن أسترسل في ذلك بل على الفور كنت أردد أستغفر الله العظيم وأنهض متوضئاً لأصلي ركعتين أطرد بهما إبليس .

فجأة وبدون مقدمات وجدت نفسي أهمل التفكير في موضوع البحث وأعاود قراءة الكتاب للمرة الثالثة وفي كل مرة كنت أقرأ فيها الكتاب كنت أجد حلاوة غريبة حتى أنني كنت أخشى على نفسي من سحر هذا الكتاب الذي قد يصيبني نتيجة القراءة المستمرة فيه ، لأننا كنا نقول أن النصارى سحرة ويستمدون سحرهم مما يسمونه التوراة والإنجيل ؛ إذ كان يشدني إليه بطريقة غريبة لا أستطيع مقاومتها .

كان الأمير منتظماً في زيارته لي ، وفي كل مرة كنت أتوقع منه أن يضبق مني لعدم عمل أي شيء ، وتوقعت أن يعفيني من البحث ، لكنه كان في كل مرة أكثر إصراراً من سابقتها على أنني الأفضل لعمل هذا البحث . عاودت القراءة في إنجيل متى وتعثرت من مطلعه في الإصحاح الأول عندما رأيتهم يردون نسب المسيح إلى داود ، فقلت ما هؤلاء إلا مجانين حقاً ، وكنت أتعزى بذلك وأحتفظ ببعض الأمل في أن أجد ما أريد ، سحرني إنجيل متى في إصحاحاته الرابع والخامس والسادس ، ورغم أنني قد قرأته مرتين من قبل إلا أنني في هذه المرة وجدت نفسي وكأني أقرأه للمرة الأولى وشعرت كأن يداً تمتد نحو رأسي لتربت على ذهني ولسان حالها يقول : أما آن الأوان لتفهم ما تقرأ ولا تنشغل بالخطأ والصواب ، وفي نفس الوقت كنت أشعر وكأني أغيب عن الوعي وأحس بقشعريرة خفيفة لا أدري سببها ، وجدت الإنجيل يتكلم عما نفعله مع المسيحيين وكأنه يعيش بيننا ، وجدته يتكلم عن الاضطهاد والتعيير والقتل الذي كنا نحسبه طاعة لله ، قلت غريب أمر هذا الإنجيل كيف علم بما نقوله وما نقوم به إزاء المسيحيين ، قد يكونوا علموا بذلك وقاموا بتدوينه حديثاً ، كنا نفسر محبة المسيحيين وتواضعهم على أنها جبن وخوف منا نحن المسلمون لأنهم قليل مستضعفون ، وكان لا بد أن ينطبق عليهم قوال الله : ضربت عليهم الذلة والمسكنة " لكنني وجدت نصوص تحثهم على المحبة والطاعة والخضوع ومحبة الأعداء ، كيف يمكن لإنسان أن يكتب سبب مذلته بنفسه ؟ وللأمانة كنت كلما قرأت أمر الله للمسيحيين أن يحبوا حتى أعداءهم طافت بذاكرتي معاملتي السيئة لوالدي ووالدتي ، كنت أتفنن في القسوة عليهم ، ولم يكن يهدأ لي بال حتى أرى علامات الألم على وجوههم ، وأتمادى في القسوة حتى أرى ثمارها ، وذات مرة مرضت ودخلت أحد المستشفيات وأجريت لي عملية جراحية خطيرة وأراد والدي أن يراني ليطمئن عليّ فرفضت وقلت إنه كافر لا أريد أن أراه ، كذلك والدتي التي كانت تتعرض لأبشع من ذلك ، حتى كانت ترسل لي الطعام عن طريق طرف آخر حتى لا أرفضه ، وكانت تقف في الشارع أمام شباك غرفتي بالمستشفى ساعات طويلة تلفحها حرارة الشمس الحارقة علها تسترق نظرة أو نظرات لتراني فيها ، كنت كلما تذكرت ذلك سالت عيني بالدموع ، وألعن ذلك اليوم الذي عرفت فيه الله ، وكنت أعزي نفسي بأن أحاول أن أتذكر ما فعله أبو عبيدة ابن الجراح وأبو بكر الصديق بوالديهما ، ومصعب بن عمير بوالدته فيهدأ بالي قليلاً ، انتهيت من إنجيل متى لكن كلماته لم تنتهي من ذاكرتي واستمرت تطاردني ليل نهار كلما هممت بفعل شيء شرير ، وقرأت باقي الأناجيل والرسائل ووجدت فلسفة وبلاغة تفوق ما هي للقرآن ، وحيث أن هذه سابقة للإسلام ب630 سنة فكيف نقول إن القرآن لا يماثله شيء في البلاغة ، وفي إحدى ليالي الشتاء القارس كنت أقرأ أحد السور القرآنية علي أستطيع أن أتخلص مما علق بذهني من كلما إنجيل متى ، كنت أنا وبقية الأخوة نغار أو نحقد على المسيحيين لأنهم كانوا قريبين من الناس ويكسبون محبتهم وودهم بسهولة في الوقت الذي كنا نحن عاجزين عن إقامة مجرد علاقة يتوافر لديها الحد الأدنى من التسامح الذي يمكننا من دعوتهم للإسلام ، وكثيراً من الأحيان ما كان يمثل ذلك لنا عقبة شديدة ؛ إذ أن طريق دعوتنا لا يعطينا أي قدر من التسامح الذي به نقدر أن نبني نوع من العلاقات التي تقربنا منهم ثم اجتذابهم للإسلام ، كانت كل حياتنا عنف وقسوة وإرهاب ، ولا تستغربوا فلم يكن سلوكنا هذا من عند أنفسنا بل إننا لو لم نفعل ذلك فلسنا من الله في شيء ، إذ أن الله قد حدد لنا في القرآن والسنة كيف نعامل الكفار على اختلاف كفرهم ، سواء كانوا أهل كتاب أو مشركين أو متمسلمين ،ففي أهل الكتاب قال : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " هذا بخصوص أهل الكتاب أما بخصوص الكفار من نوعيات أخرى كمسلم لا يصلي أو لا يذكي أو لا يطلق لحيته أو يرتكب أي معصية ولا يتوب عنها فقال : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين " وبخصوص الأهل والأقارب قال : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون " وهناك آية أعم وأشمل تقول : لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليومالآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم . . " ، ولو أضفنا إلى كل تلك الآيات الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم والترمذي عن ابن عمر أن محمد قال : لا تسلموا على أهل الكتاب ولا تردوا عليهم السلام وإن قابلوكم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه " وهناك أضعاف هذه الآيات التي كانت تحكم علاقتنا بالأهل والأصحاب وغير المسلمين ، لم يكن لنا نحن أي دخل أو أي سلطة في تحديد هذه العلاقة ، وببساطة لأن الفكر الإسلامي عامة والقرآن خاصة لا يعطي للمسلم مساحة لاستخدام العقل ، لكن العكس كل من يستخدم عقله للتأمل في آية أو حديث يعد كافراً إذ عليه أن يقبلها كما فسرها محمد وإن لم يقل محمد فيها قولاً فليسكت عنها ويعتبرها من المتشابه الذي لا يجوز الاقتراب منه ومن هنا كان الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري عن ابن عباس : " من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار .

ترى بعد هذا الكم من النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة هل كان بإمكاننا أن نكون مهادنين أو لطفاء أو موادعين لكل من ليس على شاكلتنا ؟ بالطبع لا ؛ ولو حدث فنحن كما يقول القرآن نكون قد ركنّا إلى الذين كفروا " و لا تركنوا للذين كفروا فتمسكم النار " . نتيجة لذلك كله كنت أتفرس والغيظ يملأ قلبي عندما كنت أمر على أي نص في الإنجيل يتحدث عن المحبة والعفو والغفران والتسامح ، حتى أنني كثيراً ما كنت أشعر بالخجل بيني وبين نفسي وأنا أقرأ هذا في الإنجيل الذي نتهمه بالتذوير ، وأقول إذا كانوا هم قد زوروا واكتسبوا محبة الناس بشهادة المسلم والكافر فلماذا نحن الذين لم نزور شيء نفتقد لهذا ؟ بالتأكيد هناك شيء غير مضبوط ، كنت أحاول جاهداً أن أطرد ذاك الشبح من الأفكار الذي بدأ يطاردني وهو ، ماذا لو لم تستطع أن تصل إلى نتيجة في بحثك ؟ لدرجة أنني كلما تطرقت إلى هذا التفكير صرخت بأعلى صوتي قائلاً : استغفر الله العظيم ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله ، وأسارع للصلاة لأتخلص من هذه الهواجس ولسان حالي يقول : كيف لا . لا . . لا . . محمد رسول الله حتى ولو لم أجد ما يؤكد ذلك في التوراة والإنجيل وبمرور الأيام بدأت المشكلة تتفاقم أمامي ، إذ بدلاً من أن أتفكر فيما يثبت صدق نبوة محمد في التوراة والإنجيل ، وجدت نفسي أمام مشكلة جديدة وهي : كيف ألغي تأثير هذا الكلام العذب الذي عرفته من التوراة والإنجيل ، أو كيف أقدر أن أثبت أن ما علمته ليس من عند الله بخصوص التوراة والإنجيل ، إذ أن كل الأفكار المدونة فيهما جيدة ويستحيل أن تكون من صنع بشر ، كيف يقدر البشر أن ينفذوا بهذه الطريقة إلى أعماق المستقبل ويتكلموا منذ ألفي عام عن أمور تحدث الآن ، لو سلمنا بأن هذا من صنع البشر لقلبنا كل الموازين الإلهية إذ نضع الإنسان معادلاً لله في الفهم والحكمة ، ونحن نعلم أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع العليم " وجدت نفسي فجأة أقرأ في سفر المزامير وهو المعروف لدينا بالزبور ، وانتقلت لقراءة سفر الأمثال حتى أنني حفظت آيات من مزمور 143 ، 23 وكنت أرددها في الصلاة ، وكلما سمعني أحد يعجب جداً بها ويطلب مني أن أكتبها له ليدعوا بها ، تكررت محاولاتي في البحث عن أدلة تتعلق بنبوة محمد ، وعدم صحة الكتاب المقدس ، كلها باءت بالفشل لكنها لم تتركني وشأني بل قلقلت الكثير من الأفكار والشكوك بداخلي ، تظاهرت بنسيان تلك الشكوك لكنها كانت أقوى مني لأنني أحب الله أينما كان ، لكن خلفيتي وحبي لديني كانا يمنعاني من مجرد التفكير في أن يكون دين الإسلام ليس هو طريق الله الذي رسمه لنا بدأت حياتي تضطرب وأفكاري لا تهدأ والقلق يملئني ، لم أقدر أن أنام كما كنت من قبل ، ولأول مرة وقفت دقائق معدودة وأنا أصلي الفجر وكنت أقرأ سورة الإسراء فإذا بي أتوقف عن القراءة وأشرد بذهني قائلاً : ترى ماذا سيكون موقفك لو فرضنا أن الإسلام ليس هو الطريق المؤدي إلى الجنة ؟ حاولت الهروب من الإجابة لكن لم أستطع ، لم أكمل الصلاة وانخرطت في بكاء شديد حتى غلبني النعاس فاستلقيت على السجادة حتى أيقظتني والدتي ، ذهبت إلى العمل وأنا شارد الذهن لا أدري إلى أين أسير ولا إلى من أتكلم ، وبعد عودتي للمنزل وجدت نفسي مدفوعاً بقوة للقراءة في الإنجيل فقرأت في إنجيل يوحنا من أول إصحاح حتى الإصحاح العاشر ، وجدت فيه كل ما يمكن أن يقال من بلاغة وفلسفة وتعابير لغوية غاية في الدقة والتناسق خاصة عندما تحدث عن الخراف والراعي والكرمة والكرام والأغصان المثمرة وغير المثمرة التي يجب أن تقطع وتلقى في النار فصرخت بصوت عال قائلاً : يــارب ارحمنــي أنـا عبـدك قل لي أين أنت أرجوك وإلى أي الفئتين تنتمي ، هل أنت عند النصارى أم اليهود أم المسلمين ؟ من فضلك تحنن علي فأنا عبدك على عهدك ووعدك ما استطعت أعترف بفضلك علي ، لا أقدر أن أقف أمامك ، ولا يليق بك أن تقف نداً أمام نفخة نفختها من روحك ، أنت الله الذي يقدر وأنا العبد الذي لا يقدر إلا إن سمحت له ، أنت الله الرحمن الرحيم وأنا عبدك بلا حول ولا قوة ناصيتي بيد: كل أموري لديك ، لقد أحببتك من الصغر ، بذلت نفسي طمعاً في جنتك وحباً فيك ، لم أبالي بسجنٍ ولا بعذاب ولا بكل المسكونة إن وقفت أمام طريقي إليك ، لماذا تعاملني هكذا ، كنت أسير على درب محبتك التي أعلمنا إياها نبيك وها انا أجد نفسي عاجزاً عن أن أستمر على الطريق ، كلاهما يقول أنك إلهه لكن لا أدري أيهم على صواب وأيهم على خطأ ، يا رب هل أقسم لك إني أحبك . كلا فأنت تعلم ، كم تحملت من الصعاب في مسيرتي نحوك ، تركت دراستي ، وأهلي ، وأصدقائي ، تغربت كثيراً وسجنت كثيراً ، وعُذبت كثيراً لأجلك فلماذا لا تتجاوب معي ؟ إن كنت أنت إله المسلمين فاخلع من فكري كل شيء عدا الإسلام وإن كنت أنت إله النصارى فأعطني بصيص من نور أقتدي به ؟كنت لا أنام من الليل إلا سويعات قليلة وكل تفكيري متجه نحو ماذا لو وجدت أن الإسلام ليس طريق الله ؟ بل أن طريق الله هو من خلال التوراة والإنجيل ؟ هل ستسلك مثل ما يسلك النصارى ؟ كنت عندما تطوف بفكري هذه الجملة أشعر بقشعريرة شديدة وكأنني ذكرت شيئاً ألام عليه من الله والناس ، وذات يوم تخلى عن الخوف والشكوك فوجدت نفسي أقول : ماذا تريد ؟ كفاك مهاترات أنت الآن لست كما كنت من قبل ، أمامك طريقان كل منهم يبدوا مستقيماً فلا تضيع الوقت وابحث جاهداً عن طريق الله وليس من المهم أن يكون عند اليهود أو النصارى أو المسلمين ، المهم أن يكون طريق الله ، هذا إن كنت حقاً تبحث عن الله هذا قدرك ولا بد أن تسلم بقدرك ، ثق أنه بقدر إخلاصك سيكون تجاوب الله معك ، إنسي أنك مسلم وابحث من جديد ، ماذا يمنعك ؟ قلت لا شيء يا رب يمنعني ؛ لكن قُد خطواتي أنت واعطني قوة لأن هذه تجربة صعبة وإن لم تعينني عليها فسوق تتخبطني الشياطين وأمكث في الأرض حيران بلا سند ، أرجوك يا رب ساعدني وأعدك يا رب أن اتبعك أينما كنت حتى لو كنت عند النصارى الذين لا أطيق رؤيتهم ، بعد ذلك شعرت بهدوء غريب يسيطر على كل تفكيري وكياني ولأول مرة أجد نفسي أفكر بعقلانية وبلا عصبية ، فقررت الآتي : إن النصارى قد كفروا لسببين الأول : أنهم قالوا إن الله هو المسيح عيسى ابن مريم ، والثاني أنهم يقولون أنه مات على الصليب وقام مكفراً عن خطايا الناس ، ترى ماذا يحدث لو أنني توجهت ببحثي نحو هاتين القضيتين لأتحقق من مدى صحة كل منهما بمفهوم إسلامي ، أي أرى ماذا قال علماء ومفسري الإسلام بخصوص هاتين القضيتين ؟ .

أولاً بدأت أبحث في كتب التاريخ الإسلامي والسيرة والتفسير عن كل ما يتعلق بخصوص المسيح وهل تحققت في المسيح كل صفات الله المذكورة في القرآن ؟ كانت مصادر بحثي هي الكتب الصحيحة الخالية من الوضع والإسرائيليات ، مثل تفسير ابن كثير ، تاريخ الإسلام للذهبي ، البداية والنهاية لابن كثير ،الملل والنحل للشهرستاني ، الفصل في الأهواء والنحل للعلامة ابن حزم المعروف بأبو محمد ، الأسفار المقدسة قبل الإسلام ، النصرانية بين العقل والنقل ،وكانت نتيجة البحث أنني وجدت صفات للمسيح لم يتناولها المسيحيون أنفسهم في كتبهم ، ومن هذه:

1- القدرة على الخلق : قال القرآن في سورة الأنعام آية 102 " ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء " ، وفي سورة الحجر " إن ربك هو الخلاق العظيم " ، وفي سورة الحج " إن الذين تدعون دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له " ، وفي النحل أيضاً "والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون " ، وفي سورة النمل " أم من يخلق كمن لا يخلق

هذه بعض من النصوص التي تقصر وتحصر الخلق إلا لله ، بل إن الله عندما أراد أن يقارن ذاته بالآلهة الأخرى استخدم خاصية الخلق وجعلها ميزة تجعله فوق كل الآلهة ، وكما علمنا فإن المسيح كان يخلق وباعتراف صريح وواضح من القرآن ، ففي سورة آل عمران قال المسيح عن نفسه : إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فتصير طيراً بإذن الله " وقال أيضاً في سورة المائدة : وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني " ، وعندما قرأت ذلك قلت في نفسي : إن الله هو الذي أعطى المسيح هذه القدرة ، ولم يكن يمتلكها من عند ذاته ، لكن عدت لأقول : حتى ولو أن هذا كان بسماح من الله فيكفي أنه الوحيد الذي أعطاه الله ليكون معادلاً له في خاصية من خصائه اللاهوتية ،ولو كانت كرامة لكان محمد أولى بها ، بل إنه قال عن محمد : إنك لا تسمع الصم الدعاء " وهذه أبسط من الخلق إن الله قد منع محمد من مجرد أن يعيد السمع للأصنج وهو خير خلق الله وخاتم رسله ، وتحدى الله الخلق أن يخلقوا مجرد ذبابة وهو ها هنا يعطي المسيح القدرة على خلق الطير ، والمسألة لا تقف عند حجم المخلوق بل هي من حيث المبدأ لأن من يخلق القليل يخلق الكثير وهذا لا يمكن أن يكون للناس من دون الله .

2- عــلم الغيــب : - قال الله عن نفسه في القرآن : " قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله " النمل : 65 ، وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو " الأنعام :59 ، ففي الآية الأولى أسلوب قصر وحصر أي أن علم الغيب مهما كان محصور ومقصور على الله يستحيل أم يشاركه فيه أحد ، والآية الثانية لا نافية للجنس أي جنس المخلوقات التي يمكن أن تدعي علم الغيب إذ أن مفتاح الغيب عند الله وحده ، وقد حكى القرآن عن محمد أنه كان يلوم كل من ينسب إليه علم الغيب فقال : " قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب " الأنعام 50 ، وقال لمعاذ عندما قال له إن شاء الله وشئت : أجعلتني لله نداً والله لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ؟ لكن بخصوص المسيح نجد كل الحواجز تزال والمحذور يباح والغير مستطاع للبشر مستطاع لديه فيقول القرآن : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " آل عمران 49والغريب أن المسيح في كل تلك الصفات يتكلم بضمير المخاطب وكان لا بد وأن يكون الله المتكلم لأنه المانح له هذه كما كان يحدث مع محمد فيقول له قل : ، لكن المسيح تفرد بأن قال عن نفسه ؛ وهذا يعني أن ذلك كان بيده ولم يكتسبه من أحد ، وهناك في كتاب البداية والنهاية لأبن كثير الجزء الثاني صفحة 86 رواية شعرت بالخجل عندما قرأتها إذ وجدت فيها إقرار لا يقبل الشك أن المسيح كان يمتلك قدرة غير عادية على الإخبار بالغيبيات ولطول هذه الرواية أنصح بقراءتها في الشاهد المذكور .

3- يشــفي المـرضى : قال القرآن أن الله وحده هو الشافي مرة على لسان إبراهيم ومرة على لسان محمد فيقول : " وإذا مرضت فهو يشفين " والحديث الصحيح : اللهم لا شفاء إلا شفاءك : وعن المسيح يقول عن نفسه : " وأبرئ ألاكمه والأبرص " آل عمران 49 :

4- يحيــي ويميــت : الله وحده هو صاحب سلطان الحياة والموت ولا يستطيع أحد أن يحيي ويميت فقال القرآن : " وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون " الحجر 33 ، وقال : " إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم " يـس 12 ، وقال " إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير " ق 43 وبخصوص المسيح يحكي القرآن أنه قال : " وأحيي الموتـى بإذن الله " آل عمران 49

ويروي ابن كثير في كتاب البداية والنهاية رواية صحيحة تثبت أن المسيح كان له سلطان أن يميت كما كان له سلطان أن يهب الحياة@ ، والرواية باختصار أن المسيح رأى امرأة تبكي على أبنة لها ماتت منذ زمن طويل فسألها ما يبكيك يا امرأة قالت : ماتت ابنتي وليس لي ولد غيرها ، فقال أرأيت لو أحييتها لك أتريدين ذلك ؟ قالت نعم يا روح الله ، فوقف المسيح على رأس القبر ونادى ثلاث مرات على الصبية ففي الثالثة قامت تنفض عنها التراب وتكلمت مع أمها ، وبعد ذلك طلبت من المسيح أن يعيدها للموت فقال لها عودي كما كنت فانغلق القبر عليها وماتت "

5- القدرة على الرزق : قال القرآن " إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " الذاريات 57 ، وهذا أسلوب توكيد أن الرزق من عند الله وحده ، وقد وبخ الله كل من اعتقد أنه يقدر أن يرزق الناس ، وقد تحقق ذلك بالنسبة للمسيح فقال ابن كثير إن المسيح كان له كرامة أن يرزق من يشاء وتجلى ذلك عندما أطعم الخمسة آلاف نفس بقليل من الخبز والسمك # .

6- ليس كمثله شيء : يقول القرآن عن الله : " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " الشورى 14 وبخصوص المسيح لا جدال أنه ليس كمثله شيء ، فقد خلق من غير رجل ، وهو الوحيد الذي قيل عنه : كلمة الله وروح منه ، وهو الوحيد الذي ليس لإبليس سلطان عليه منذ ولادته ، وهو الوحيد الذي كان يحيطه حجاب من دون سائر البشر ، وهو الوحيد الذي امتلك صفات الله القدرية 7- يقول للشيء كن فيكون : يصف القرآن فيما يعدد من صفات الله قائلاً :" إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " النحل 40 ، وقوله " إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون " هذه صفة فريدة وصف الله بها نفسه أن يقول للشيء كن فيكون وهي ليست كالخلق وقد تحقق ذلك للمسيح في حادثة تحويل الماء إلى خمر كما يقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية $

8- كان عرشه علــى المـاء : يقول القرآن عن عرش الله : " وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا" " هود : 7 قال القرطبي والحدثي أن هذه الآية كانت تنطبق على المسيح الذي تدرع بالجسد وأن الله إنما جعل عرشه على الماء ليس على سبيل الدوام ولكن ليختبر إيمان الناس وقد سار المسيح لتلاميذه ليلاً على سطح بحر طبرية ليختبر إيمانهم ، وقال لهم في هذه الواقعة : يا قليلي الإيمان

9- لــه الحكم والأمــر : قال القرآن عن الله : " إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين " الأنعام 57 وقوله " فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين " الأعراف 87 ، وجاء عن المسيح على لسان محمد فيما يرويه البخاري عن ابن عباس : لا تقوم الساعة حتى ينزل ابن مريم حكماً عدلاً فيقضي بالحق ويمحو الظلم " .

10- يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار : جاء في سورة الأنعام 103 " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير " هذه صفة أخرى من صفات الله التي تحققت للمسيح كما يروي ابن كثير والقرطبي من أن المسيح كان ذات يوم على الجبل فأراد الرومان أن يقبضوا عليه فمرق منهم دون أن يدركوه بينما هو أدركهم وقال بذلك أحمد بن خابط في الفرق بين الفرق #

11- هو الرحمن الرحيم : جاء في سورة البقرة لآية 163 " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " وجاء في سورة مريم آية 93 " إن كل من في السموات والأرض إلا أتي الرحمن عبدا"

ذكر الشهرستاني في كتابه الملل والنحل والأزرقي في دلائل النبوة أن المسيح كان على صورة الرحمن وكان رحيماً متحنناً على شعبه إذ أقام أبنة يايرس من الموت برحمته وترأف كثيراً على المرضى برحمته فخلق عيناً لرجل ولد بلا عين بوضع طين عليها لأن هكذا كانت سنة الله في الخلق منذ الأزل %

يضـرب الأمثال : جاء في القرآن أن من اختصاصات الله أنه وحده هو القادر أن يكلم الناس بأمثال ففي الآية 35 من سورة النور و الآية 25 من سورة إبراهيم " ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون " ، " وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون " ، قال ابن كثير والقرطبي والزمخشري في الكشاف أن الله يستخدم الأمثال لكي يقرب للناس ما يريده حتى يقيم عليهم الحجة ، وقد كان المسيح وسط قومه يفعل ذلك ، والكتاب المقدس في عهده الجديد مليء بالأمثال التي لم يتكلم بها أحد من الأنبياء .

يرسل رسلاً ويعطيهم سلطان ، ويؤيدهم بروحه : فقد جاء في مطلع سورة يس " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون . إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث " ذكر ابن كثير وجميع المفسرون أن هذه القرية هي إنطاكية وهؤلاء الرسل هم رسل المسيح وذكر أسماءهم ، وأنهم كان لديهم سلطان من المسيح ، ترى من البشر كان يملك ذلك ؟

عبادة غيره كفر وشرك : جاء في الآية 29 / 30 من سورة التوبة " قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله تشابهت أقوالهم يضاهئون قول الذين كفروا . . . اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم " قال بن قتيبة أن هذه الآية مشكلة لأن فيها أن عبادة الله والمسيح فرض ولا يعبد من دونهما، لذا فيجب أن يُعرب المسيح كمفعول ثان وليس مضاف حتى لا يوافق أهل الكتاب من تأليه المسيح .

يأتي في ظلل من الغمام جاء في سورة البقرة 210 " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " قال ابن الفضل الحدثي أن المقصود هنا هو المسيح الذي سيأتي يوم القيامة على الغمام وهو المقصود بقوله " وجاء ربك والملك صفاً صفا " # ، الحقيقة أنني وجدت أكثر مما كنت أطلب أو أريد وقد لا يتسع المجال هنا لذكر كل ما توصلت إليه فقد أعددتها في بحث منفصل تحت عنوان " حتمية ألوهية المسيح " ذاك أنني بعد أن انتهيت من البحث ووجدت ما وجدت غيرت العنوان من " لاهوت المسيح " إلى حتمية لاهوت المسيح وختمته بعبارة تقول : إن لم يقل النصارى أن المسيح إله لكان لا بد وأن يكون إله " .

أما بخصوص الشق الثاني وهو موت المسيح كفارة عن الخطاة أو ما يسمى بالموت الكفاري ، وهو ما كنا نرفضه عملاً للآية التي تقول " و لا تزر وازرة وزر أخرى " إذ كيف يموت من لم يرتكب ذنباً عن آخرين أخطئوا هذا إلى جانب المعضلة الكبرى وهي هل حقاً مات المسيح ، لا أدري سبباً لشعوري بالثقة في إمكانية ألا أجد ما يؤكد موت المسيح وكنت متفائلاً جداً لأنني لن أجد ذلك وبالتالي أكون قد أرضيت ضميري وبحثت ولم أجد وعليه فتمسكي بالإسلام سيزداد أكثر وأكثر لذا اندفعت بكل حماس وقوة عسى أن أعوض ما وجدته من دلائل لا هوت المسيح في إثبات أنه لم يمت ولا يجوز أن يموت نيابياً ، فوجئت وأنا أبحث عن الموت الكفاري بما قرأته في تفسير ابن كثير لسورة البقرة وخاصة الآية التي تقول " وإذ قال موسى يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم . . " إذ وجدت نصاً صحيحاً بخصوص هذه الآية فيه أن بني إسرائيل أرادوا أن يتوبوا عن خطيتهم بعبادتهم للعجل فلم يتب الله علبهم ، وبعد توسط موسى طلب الله من موسى أب يبلغ بني إسرائيل أن السبيل الوحيد للتكفير عن خطيتهم هذه هو أن يقتل كل رجل أو شاب من بني إسرائيل كل من يقابله ، ولا تأخذه به شفقة ، وقيل كانوا يضعون عصابات على أعينهم حتى لا تأخذهم شفقة بذويهم فيمتثلوا لحكم الله ويقتل كل منهم الآخر ، ويقول ابن كثير أنه قد وقع ما لا يقل عن سبعون ألف قتيل ، حتى اكتفى الله وكانت الدماء تسير كالأنهار فأمر الله موسى أن يطلب منهم الكف فقد قبلت توبتهم وأما من بقي حياً فقد كفر عنه بدم من مات حتى ولو لم يكن قد عبد العجل معهم ، أي هناك شخص لم يعبد العجل مات لتتحقق كفارة من عبد العجل ولم يمت ، إذن فلماذا نرفض أن يموت المسيح الذي بلا خطية عمن أخطأ وما زال حياً فالأمرين سواء ، أحسست وكأن الله يطاردني بالأدلة ويفرض علي حصاراً بحيث لم يعد أمامي من سبيل لإنكار أو رفض دعوة المسيح لي لأتبعه ، حتى موت المسيح وجدت الكثير من النصوص تناولها ابن كثير في تعليقه على آية النساء 157 ، والآيات الأخرى التي تكلمت عن موت المسيح في آل عمران حتى أن الاختلاف كان يدور ليس على موت المسيح بل على مدة موته فمنهم من قال ثلاث ساعات ومنهم من قال يومين ومنهم من قال يوم واحد ، وهذا حسب قواعد اللغة يؤكد وقوع الموت ، وإزاء ذلك كله كنت أزداد غيظاً وتألماً لأنني وددت لو لم أجد شيء يبرهن على صحة الفكر المسيحي لا لشيء إلا لعزة نفسي وتفاخري وكراهيتي لهم ، لكن هذا أمر الله لا مفر منه ، لكن كيف أكيف نفسي مع هذا الواقع الجديد ، لا أدري ، ؟

لم انقطع عن القراءة في الإنجيل وأصبح لي صديقاً وكنت في كل مرة أكتشف حلاوته أكثر فأكثر ، وذات مرة ولأنا أقرأ فيه تسمرت عيناي على نص يقول : متى صليت فأدخل إلى مخدعك وصل لأباك الذي في الخفاء فهو يجازيك علانية ، وكذلك حديثه عن المرائين الذين يصلون في الأزقة والطرقات والحواري وقلت : عجيب أمر هذا الكتاب هل يجول في الشوارع ويكتب ما يحدث الآن منذ ألفي عام ، وبسرعة تذكرت أيام أن كنت أسجد على جبهتي وأضع شيئاً صلباً تحتها حتى تبرز ما يسمى بالزبيبة في جبيني أتفاخر بها بين الناس ، وكيف كنت أتباهى بصومي وتسبيحي وتعمد ارتداء ثياب محددة لتدل على تديني ، وعلى نفس الوتيرة قمت بالبحث عن موت المسيح وصلبه ، وهل حقاً مات أملا ، ودرست ما يعرف بالموت الكفاري ووجدت أكثر ما تناولته الكتب المسيحية بخصوص هذا الموضوع ، وفي نهاية الأمر أصبح عندي شبه اقتناع عقلي بلاهوت المسيح وصلبه ، وقد يعتقد البعض أنني كنت مسروراً بما وجدت ، كلا ، لقد كنت غاية في الضيق والضجر والتوتر وتمنيت لو أماتني الله قبل أن أكتشف أنني طوال الفترة الماضية من عمري كنت أطارد سراب لا أساس له من الصحة ، كان صعباً علي أن أكتشف أن النصارى الأذلاء ، المحتقرين ، ال. . ، ال., . على صواب وأنا مخطيء ، كنت لا أنام ، أسير بالشارع أتحدث مع نفسي ، تطاردني الأفكار أينما سرت ، سيطر علي شك رهيب خاصة عندما كنت أتوضأ لأصلي ، فكان أول رد فعل لي إزاء ذلك أن طلبت من الأخوة الذين كانوا يترددون علي ألا يكثروا من زيارتي بدعوى مراقبة الأمن لي ، وبالتدريج انقطعت علاقتي بهم ، كنت أسعر بالنعاس كلما حاولت أن أقرأ القرآن كعادتي كل يوم ، وفي نفس الوقت كنت لا أمل من قراءة الكتاب ، لا أخفي أنني تعلقت بالكتاب جداً واتضح ذلك عندما زارني الأمير آخر مرة ولم يجدني قد أنجزت شيئاً في البحث ، فقال : قدر الله وما شاء فعل هات الإنجيل سوف نبحث عن شخص آخر يقوم بذلك بدلاً منك ، لأنه يبدوا أنك غير مؤهل لذلك ، كان من الطبيعي أن أسر بذلك لأن هذا ما كنت أتمناه ، لكن الآن تغير الحال وطلبت منه أن يمهلني شهر آخر وإلا لسحب البحث مني لأنني استطعت أن أضع يدي على بداية الطريق ، والحقيقة هي أنني لم أكن أريد أن أفقد الرخصة في قراءة الكتاب المقدس ، ولا أن أفقده أيضاً ، وافق الأمير على هذا الاقتراح ، ولا أدري لماذا فعلت ذلك ، كان يمكنني أن أوافق على سحب البحث مني لأريح نفسي من التفكير والمصير المجهول الذي أحفر مساره بيدي ،كنت كلما هممت للصلاة أسمع وكأن هاتفاً يقول لي كيف تصلي لإله لست متأكداً من وجوده ؟ فانخرط في البكاء ، وفي مرة من المرات التي استطعت أن أقاوم وأقرأ القرآن لفت نظري آية في سورة العنكبوت تقول : " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا والذي أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " وحاولت أن أتمعن فيها أكثر فرجعت إلى ابن كثير والقرطبي وكتاب الكشاف للزمخشري لأرى ماذا يقولون في هذه الآية ، فأول ما وجدت أن الجميع قد قالوا أنها نسخت بآية السيف الشهيرة التي في سورة التوبة ، لكن لفت نظري ما هو أكثر من مجرد النسخ إذ الآية تقول إن إلهنا وإله أهل الكتاب واحد ، وهنا توقف عقلي عن التفكير ؛ إذ أن إلهنا نحن المسلمون قد نسخ كل أنواع المهادنة مع غير المسلمين من الناس واستبدل مكانها القتل والمضايقة والإيذاء ، حتى أنه في بعض الآيات يجعل الله عذابه لهم عن طريقنا" قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم " وهناك أكثر من 27 نص يتكلم عن القتال الواجب على المسلم نحو غير المسلم ، في حين إله أهل الكتاب يقول : أحبوا أعداءكم ، باركوا لاعنيكم ، أحسنوا إلى مبغضيكم ، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم " ويقول أيضاً : لا تقاوم الشر ، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً " ، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً ، ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين ، وأخذت أحدث نفسي أين هذا من قول الله : ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ، وقوله لا يكن أحدكم إمعة يؤخذ حقه ولا يبالي ، ومن قوله أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ،وقوله من مات دون ماله فهو شهيد ، وقوله : " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " ، حقاً يستحيل أن يكون الأبيض والأسمر واحداً ويستحيل أن يكون الخير والشر واحداً ويستحيل أن يمكن الليل والنهار معاً ، لا بد لأحدهما أن ينفرد بذاته ، وعليه لا بد من أن يكون هناك إله واحد فقط وأنا واثق إنني سأتوصل إليه لأنني أحب الله ولن يمنعني مخلوق من الإيمان بالإله الحقيقي حتى ولو كان عند اليهود ، لكن أريد مساندتك يا رب ، لا تتخلى عني فأنا الآن غريب مشتت الذهن لا أدري أين أنت ، وإن كنت خُدعت فليس عن قصد أنت تعلم كم أحبك ، وكم تألمت من أجل محبتك ، يا رب أن كنت تقتص مني معصيةٍ عملتها فأسألك الرحمة في قضائك ، فأنت الإله وأنا عبدك على عهدك ووعدك ما استطعت أعترف بذنب فاغفر لي ولا تقسوا علي في عقابك ، وبدأت ترد على خاطري أفكار غريبة كنت عند مجرد استعادتها أمام ذاكرتي أشعر بالرهبة والخوف والفزع ، إذ قلت إنه لا يمكن أن يكون القرآن كلام الله والكتاب المقدس كلام الله أيضاً لا بد لأحدهما أن يلغي وجود الآخر ، عندما تطرقت لهذه الفكرة انتابني شعوراً بالرعب والخوف وكلما سمعت صوتاً اعتقدت أن الله سيدمر البيت فوق رأسي لأنني أفكر هكذا في القرآن ، وبدت حياتي كأصعب ما يكون ، كانت تلك الفترة أشد علي من فترة سجني بالقلعة وتعذيبي هناك ، لكن سرعان ما بدأ هذا الشعور يتلاشى وقررت أن أعيد دراسة القرآن من جديد لأبحث عن كل جانب من جوانبه وأضع الآية التي تقول : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كبيرا" وسأكون محايداً جداً ، والحقيقة أنني لم أكن محايداً إذ تمنيت لو لم أجد شيئاً في القرآن يقودني للتصديق بأنه ليس من عند الله ، كانت بداخلي مرارة تجاه المسيحيين قد أقبل كل شيء لكن ألا أكون مسيحياً وتمنيت لو أن الإنجيل هذا لم ينزل على المسيحيين ، كانت كلمة مسيحي تثيرني وتولد بداخلي رغبة شديد في الانتقام والعدوان تجاه كل ما هو مسيحي ، ولم أدر سبب هذا الشعور الذي تملكني ؛ ربما بسبب النشأة التي نشأت عليها وسط أسرة متدينة تحب الإسلام وتكره المسيحية بسبب تصورها على أنها كفر وشرك ، حتى أن آبائنا كانوا يحذروننا في طفولتنا من اللعب مع المسيحيين لأنهم خونة وألا نأكل طعامهم لأنهم من الممكن أن يضعوا لنا السم في الطعام ، هم لا إله لهم ولا إيمان ولا أمان لهم .

بدأت أدرس القرآن دراسة دقيقة وعميقة وبدأت تبدوا لي أمور ذهلت عندما وصلت إليها وتعجبت لماذا لم أدرك ذلك من قبل ؟، قمت بإعداد بحث تحت عنوان " هل القرآن كلمة الله ؟ " استغرق مني هذا البحث قرابة الستة أشهر ، في خلالها زارني الأمير في وقت مفاجئ لم أكن أتوقعه ، وكنت في دورة المياه فاستأذن من والدتي ودخل غرفتي لأنه كان معروف عند أسرتي إذ قضينا سوياً فترة الاعتقال وكانوا يرونه معي في كل زيارة ، اعتقد الأمير عندما شاهد الأوراق المكتوبة مبعثرة هنا وهناك أنني قد أنهيت جزءاً من البحث المطلوب مني وسمعته يقول : بارك الله فيك ، هكذا تكون الرجال ، إن نظرتي لا تخيب ، لقد قلت أنك الوحيد القادر على عمل ذلك ، فقلت في نفسي ‘إنك لا تدري ما تحتويه هذه الأوراق ، وخرجت لملاقاته فإذا وجهه قد تغير إلى الحمرة وبدا مضطرباً فجذبني من ياقتي قائلاً : ماذا أقرأ ؟ هل أنت كتبت ذلك ؟ مش معقول أنت . . من ضحك عليك ؟ من خدعك ؟ من أغراك لتبيع دينك ؟ قلت له : لو كانت هناك خديعة فأنت صاحبها ولو كان هناك إغراء فأنت صاحبه ، ولو ارتكبت إثماً فهو عليك ؛ لأنك أنت الذي دفعتني لذلك كله ، اعتذرت إليك ولم تقبل عذري ، كنتم تعرفون كراهيتي للمسيحية والمسيحيين وأصررتم على أن أكون أنا من يقرأ كتبهم ، أقسم لك أنني أتمنى لو أن كل ما عرفته يكون خطأ لقد عشت معك أقصى وأصعب فترات حياتنا أليس كذلك ؟ قال نعم . قلت هل كنت تلاحظ علي شيئاً ؟ قال : لا : قلت إذن فاعذرني ؛ الأمر ليس بيدي ولا مجرد معلومات لكنه يتعلق بقلبي الذي لا سلطان لي عليه ، يا ليتك تقرأ ما قرأت وتعلم ما علمت ؟ فانتفض هائجاً وأراد أن يمزق الأوراق المكتوبة ( ألوهية المسيح ، القرآن ليس كلام الله ) ، دار بيننا شجار جاءت والدتي على آثره وغادر منزلي قائلاً : نحن قد علمنا ما بك لكن لي لطلب إن كنت تريد أن تبقى حياً قلت : ما هو ؟ قال : المجموعة التي أنت أميرها عساك أن تخبرهم بشيء من السموم التي تكتبها ، وأنا سأقول إنك قد ارتديت ولن أفصح لهم عن السبب ، وأحذرك لو حدث منك شيء غير هذا فإنك أفضل من يعرف ما ينتظرك . قلت الحقيقة التي تجهلها أنت هي : أن الأوضاع تغيرت والأيام غير الأيام ، وأنت خير من يعلم ذلك ، بصراحة أنا لا أقبل تهديد لسبب واحد هو أنك لن تقدر على شيء مما تهددني به ، ولعلمك لقد دفعتني أمانتي أن أطلب ممن معي ألا يزوروني هذه الأيام لأنني خشيت أن أستمر أعلمهم شيئاً أنا أشك في صحته ولذا صرفتهم عني لأنني كنت أميناً معهم ، لكن أؤكد لك أنني أحب الله وادع لي أن يعيد الله لي صوابي إن كنت قد فقدته ، انخرطت في بكاء شديد واسترجعت الذكريات الجميلة لحياتنا معاً في السجون والمعتقلات ، وكيف كنا نتحمل الصعاب معاً والحقيقة عز علي كل ذلك لكن إن كانت تلك إرادة الله فوداعاً لكل ذكرى طيبة بعيداً عنه وأهلاً بالأشواك إلى جوار الله ، بدأت الجماعة من خلال الأمير تقطع كل صلا تها بي حتى الذين كانوا يقابلونني يومياً لا يسلمون علي فعلمت على الفور أنني قد تم تكفيري ، ولم يكتفوا بذلك بل سحبوا مني المبالغالتي كنت آخذها من بيت المال لأنفق على نفسي منها ، ولم أتأثر ، لقد تصوروا أنني سوف أضيق بتصرفهم وسأعود إليهم تائباً هم لم يفهموا ما كان بداخلي ، كنا معاً قد اشتغلنا في ما يشبه توظيف أموال ، اشتركت أنا والأمير وشخص ثالث بالأموال التي عدنا بها من الخارج وكنا نتاجر في الملابس الجاهزة ، وكنت أنا مسئول الاستلام وتوقيع الشيكات لدى التجار الذين نتعامل معهم ، ولما حدث ذلك مني لم يسددوا المبالغ المطلوبة وأصبحت أنا مطالب بسدادها ، ورفعوا عليّ قضية بالمحكمة ، وتوقعوا من كل ذلك أن اعتذر وأتوب عن كفري ، وقالوا لي صراحة في المحكمة ( الأمير فقط ) إذ اقترب من القفص وقال نقدر أن نسحب القضية إذا راجعت نفسك وتبت إلى الله وأخبرتنا من أثر عليك لتسلك هذا السلوك ، كنت لا أجاوبهم ، وحكمت المحكمة بأن أرد المبلغ على أقساط قيمة كل قسط 160 جنيه ، وكانت تلك ضربة قوية لهم إذ أنهم كانوا يهدفون لحبسي ، ومرت التجربة بسلام والحمد لله لكنني أخذت أكلم الله بحدة وبثورة وأكرر لماذا يا رب تفعل ذلك معي ؟ هل خصصت العذاب لي وحدي . منذ الصغر وأنا أقاسي وأتحمل المتاعب ،لم يعد لي صديق لأنهم كفروا بك ، فقدت مودة أهلي لأنهم لم يقبلوك ، فقدت دراستي لأنها كانت عائق بيني وبينك ، والآن لا أدري ماذا أخبئت لي في جعبتك من الآلام ، من فضلك ترفق بي هون عليّ فأنا ضعيف لا حول لي ولا قوة ، لا تتركني في هذا البحر اللجي تتخبطني الأمواج ولا أدري لأي شاطئ تقودني ، قل ليّ أين أنت ؟ هل أنت الذي تقول عنه النصارى أم أنت إله موسى أم أنت إله محمد ، وإن كنت كذلك لما سمحت لي بكل هذا القلق في حياتي ليعكر علي صورتك الشفافة ، أرجوك يا رب لا تتركني وحدي وأنا أعدك أن أتبعك أينما كنت لأنني لا أخاف سواك وأنت تعلم ذلك علم اليقين ، ولم يقطع عليّ مناجاتي هذه سوى صوت والدتي تطلب مني أن آخذ الطعام ، لأنني لم أكن آكل معها لأنه لا يجوز لي أن آكل مع مشرك وكانت والدتي كذلك .

تطرقت بعد ذلك إلى موضوع غاية في الخطورة والأهمية ألا وهو إذا كان القرآن ليس من عند الله إذن فمن يكون محمد هذا ؟ حتماً لا بد وأن يكون كاذباً في ادعائه النبوة ، لكن كيف أثبت ذلك ، وبمجرد أن حدثتني نفسي بذلك ارتعبت رعباً شديداً وقلت مش ممكن ؛ محمد ليس نبي ؛ طيب معجزاته وإمبراطوريته التي كانت مترامية الأطراف ، وكل هذا الكم من الناس الذين اتبعوه ، كنت أشعر وكأنني على وشك أن يحل عليّ انتقام الله الشديد ويحيط بي عذابه ، لكن بعد أن هدأت ثورتي هذه بدأت أشعر بشجاعة وعزيمة نحو ضرورة أن أبحث في من هو محمد ؟ وهل هو نبي أم لا ؟ كانت دلائل نبوة محمد ترتكز على عاملين أساسيين هما أنه أمي ونزل عليه القرآن ، وأنه كان قبل النبوة معصوماً ولم يرتكب منكراً قط .

الأمية : لم يكن في اعتقادي أن أجد ما يدل على أن محمد كان يقرأ ويكتب لأن كل الذي أعلمه وتعلمته أنه يستحيل أن يكون محمد يكتب ويقرأ ، هذا دفعني لقراءة كتب السيرة مرة ثانية والحقيقة وجدت أمور تعجبت كيف كانت تمر عليّ من قبل ولم أدرك ما فيها ، وجدت أن محمد كان يخلو في نفس المكان الذي كان يجلس فيه ورقة والنضر بن الحارث وعمرو بن نفيل وابن ساعدة القس المشهور ، وجدت أن محمد كان يتاجر بأموال خديجة الكثيرة وأنه قد أبرم عقود واتفاقيات مع تجار اليمن والشام ، وما يقال عن أنه كان يحمل خاتم يوثق به اتفاقاته غير صحيح كدليل على أميته لأنه فعلاً كان لديه هذا الختم وإنما هذا كان شيئا متعارف عليه في أمور التجارة ، أن يكتب البائع والمشتري الاتفاقية ثم يطبع عليها بالخاتم للتوثيق وهو ما يشابه ختم شعار الجمهورية الآن ، وجدت أنه بعد النبوة كتب صلح الحديبية بيده ، وجدت أنه كان في كفالة عمه أبو طالب وكان أكبر من علي وكان علي يقرأ ويكتب ومن الصعب ألا يتعلم محمد من علي أمور الكتابة حتى ولو القليل منها ، وجدت أن محمد كان يجلس عند يسار النصراني ويأخذ منه نصوص من الإنجيل ويقرأها ، وجدت أن جبريل عندما نزل عليه طلب منه أن يقرأ ولم يكن من المنطقي أن يطلب من محمد أن يقرأ وهو لا يعرف القراءة ، ولو أضفت إلى ذلك ما وجدتنه عند البحث عن صدق نبوته الذي قادني لذلك كله فيصبح محمد لا نبي ولا صديق ، ويمكن دراسة البحث المنفصل عن هذا الموضوع في كتيب أعددته تحت عنوان " محمد في التوراة والإنجيل " .

ثم نأتي إلى مسألة عصمته ، هنا حدث ولا حرج وأي كتاب من كتب السيرة مثل السيرة الحلبية والطبقات الكبرى ، وسيرة ابن هشام حتى كتب التفسير التي تكلمت عن آية سورة النحل التي فيها " ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منها سكراً لكم " هناك عدة أحاديث صحيحة تقول إن محمد كان يشرب النبيذ ، ويوصي صحابته أن إذا وجدوه شديد التركيز أن يكسروه بالماء ، وكان يأكل من الذبائح التي تذبحها قريش عند الكعبة على الأوثان ، وكان يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله ، وكان يطمع في نساء أتباعه إن استحسن منهن شيئاً كما حدث يوم خيبر عندما وقعت صفية بنت حيي بن أخطب في سهم عبد الله بن عمر فأخذها منه وتزوجها ، وكذلك زينب بنت جحش زوجة زيد ، كل ذلك أزال الصورة البراقة وهدم الهيكل المقدس الذي كنت أضع فيه الرسول ، ولا أخفي أنني كنت أتألم كلما اكتشفت شيئاً من هذا القبيل .

رغم كل ما وصلت إليه لكن للأمانة كنت تواقاً لأن أجد ولو القليل الذي يعينني على أن أبقى مسلماً لأنه الدين الذي رضعته في طفولتي ، كنت مجرد التفكير في تركه يقلب حياتي إلى جحيم وخوف ورعب ، كنت كلما وجدت شيئاً أو قرأت نصاً في الكتاب المقدس ذو معنى حسن، أزداد حقداً وحسداً وغيظاً على المسيحيين وتزداد قسوتي عليه لا أدري السبب ، وكان لي زميل يعمل معي فكلما وجدت شيئاً في الإنجيل ذهبت لأخرج كل غيظي فيه أتلف له متعلقاته الشخصية ، أدفع للآخرين فلوس لكي يكيدوا له ويشتكونه للسلطة العليا ، ومرة أحرقت له ملابسه حتى اضطر للعودة لمنزله بملابس العمل ، كنت أقف أما أحد المحلات التي يمتلكها رجلٌ مسيحي وأحذر الناس من الشراء منه قائلاً : إن بضاعته منتهية الصلاحية لا تشتروا منه إنهم مخادعون ويريدون أن يدمروا الإسلام ، إنهم كما قال القرآن :" لا إيمان لهم " حتى أن هذا الرجل المسن كان يقول لي : يا بني ماذا فعلت لك ؟ حرام عليك عندي أولاد أريد أن أربيهم " ، وتارة أخرى أحذر زملائي من السلام عليهم وأذكرهم بحديث الرسول لا تسلموا على أهل الكتاب ولا تردوا عليهم السلام وضيقوا عليهم الطرقات ، وأقول بصوت عال : هؤلاء خبثاء يتظاهرون بالحب وهم أشد عداوة لله وللمؤمنين لا تنخدعوا بما ترونه عليهم من مسكنة إن ذلك إلا تصديق لقول الله " ضربت عليهم الذلة والمسكنة "

وذات يوم حافل بمثل هذه التصرفات أحسست بهاتف داخلي يقول لي : كن صادقاً مع نفسك ، هل بعملك هذا ستقدر أن تزيل كل ما علمته من كتبهم ؟ أنت قلت أنك سوف تتبع الله أينما كان فلماذا كلما أضاء الله لك نوراً تحاول أن تطفئه بيدك ؟ كن أميناً مع نفسك حتى تستريح ؟ راجع نفسك هل تريد الله أم ماذا تريد ؟ ، الأمر ما زال في يدك ولا أحد يفرض عليك شيء ، رجعت إلى المنزل مهموماً ، حاولت أن أصلي لكن لم أقدر ، قرأت في الكتاب المقدس في إنجيل مت ووقعت عيناي على الصلاة التي علمها المسيح للتلاميذ وحفظتها ، وفجأة شعرت ببرود وهدوء غريب ينسكب عليّ أشبه بمن يسكب ماءً ليغسل من ذاكرتي شيئاً ما ، وقلت لنفسي : يا رب هل تقدر أن تجعلن على ما أرى المسيحيين عليه من هدوء وصبر وتحمل وبساطة ومحبة إن أنا صليت كما هو مكتوب في الإنجيل ؟ وشعرت بسعادة بالغة وكأني سمعت الرد يقول لي : نعم ، تهلل وجهي فرحاً وأخذت أنتظم في الصلاة الربانية ، أقوم في الفجر في مواعيد الصلاة التقليدية التي تعودت عليها وأتوضأ وأبسط السجادة وأقف وأقول : أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض ، خبزنا كفافنا أعطنا اليوم واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير " وفي النهاية أقول : السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله " استمريت على ذلك كثيراً لكن لم أجد تغير إذ ما زلت عدوانياً مع أسرتي ومع المسيحيين مما جعلني أقرر أن أترك كل الأديان فلا الإسلام نافع ولا المسيحية نافع ومن يدري فلعلي بعد أن أقتنع بالمسيحية لفترة ما يحدث أن أقرأ في كتاب ما فأجد ديناً آخر أفضل وأبقى طوال حياتي متنقلاً بين الأديان ، الأفضل في مثل حالتي هذه أن أعيش مثل ما يعيش الناس العاديين لماذا أشغل تفكيري بالدين عندما أموت يفعل الله بي ما يريد ، لكن هذا لم يكن حلاً وفجأة طرأت في بالي فكرة قلت إن سبب كل هذه المشاكل هذا الكتاب أي التوراة والإنجيل فلأمزقه وأسترح ، وهممت بذلك وإذا رعشة خفيفة تسري ببدني وهاتف يقول اتركه فقد تحتاجه ، ولماذا هذا بالذات ، لقد سبب لك القرآن أكثر من ذلك فلماذا لم تقطعه ؟ كنت إذا ركبت سيارة أقول : يا رب تنقلب السيارة وينجو الجميع إلا أنا ، ويا ليت البيت ينهار فوقي أنا وحدي يا رب إن كنت لا تريد لي الهداية فخذ نفسي أرحم مما أنا فيه ، وفي خضم هذه الأفكار والصراعات والهموم ، وكان ذلك في منتصف النهار أي الساعة الرابعة عصراً في يوم من أيام شهر يونيو كنت جالساً أستعيد ذكرياتي الطويلة مع الإسلام والجماعات والإرهاب وأخيراً مع الإنجيل والتوراة وما صار من الأمير تجاهي وأقول : يا رب أنك تعلم أنني في كل هذه الأحداث لم أكن أبحث إلا عنك فهل من عدلك ومحبتك أن تتركني هكذا ، حتى يا رب أن كنت تعاقبني عن جرم بدر مني فأعتقد أنك قد استوفيت حقك ، وأي جريمة تلك التي تستحق هذا العقاب ، أرجوك لا تتركني وحدي في هذا الصراع ، وفجأة وجدت باب غرفتي يفتح فاعتقدت أنها والدتي تحضر لي الغداء فإذا برجل طويل عريض المنكبين طويل الشعر كثيف اللحية وبجواره عمود من نور أبيض فاقع كالضوء المنبعث من لمبة النيون ولم أقدر أن أتتطلع آيه أو أوجه نظري نحوه وصوت يناديني قائلاً : قم اعتدل المسيح يريدك ، ولم أشعر بنفسي إلا خارج الغرفة أنادي على والدي ووالدتي وأخوتي ليروا المسيح ( سيدنا عيسى ) لأنه مكتوب في البخاري من رأى نبياً فقد رأى هدىً لأن الشياطين لا تتمثل بالأنبياء ، فعسى أن رأى أهلي المسيح أن يهتدوا ، ثم عدت لغرفتي ولم أجد شيئاً فحزنت جداً وقلت : حتى هذه المرة لم ترد أن تنصفني يا رب لماذا لم تنتظر لتبرهن لهم عن صدق حديثي ، إنهم الآن لن يقولوا أكثر من أنني جننت ، وفعلاً نزل كل اخوتي وأهلي وتوجهوا نحو غرفتي فلم يجدوا شيئاً وما توقعته حدث فقالت والدتي : يا رب لماذا كل ذلك ، لقد فرحنا بعودته وهدايتك له بالاستقرار وها أنت الآن تصيبه بالجنون وأخذت تبكي وتضمني إليها ، ويقول أخي :لا تقلق سأذهب بك لأفضل طبيب نفساني في مصر كلها ، وتقول أخواتي : كل هذا بسبب ما تكتبه طوال الليل هذه نهاية ذلك الجنون يا رب اشفيه وبعد أن انتهوا جميعاً من مراثيهم ، توجهت ناحيتهم وقلت لهم : الست أنت فلان ؟ قال نعم ،ألست أنت أمي ، وأنتي أختي وأنت أخي إني أعرقكم جميعاً ولو كنت مجنون ما عرفتكم لماذا لا تصدقوني لقد رأيته كنور عظيم وتكلم إلي ، كان رأيهم أقوى من كلامي حتى أنني قلت : ما دام الأمر كذلك لماذا لأكون كما قالوا ؟ صحيح إن هذا الكلام الذي أقوله كلام مجانين فعلاً أنا مجنون وعلي أن أستمع وأخضع لهم في كل ما يقولون وبدأت استسلم لكوني مجنون فرقدت في سريري لا أكلم أحد ، ويتوافد علي اخوتي يعزونني وأنا لا أنطق بحرف ، وفي الصباح اصطحبني أخي بالسيارة وذهبنا لأكبر طبيب نفساني في مصر ، ودخلت للطبيب بعد أن نادى عليّ وجلست أمامه وسألني ماذا بك ؟ قلت لا أدري أخي جاء بي إلى هنا ، قال إن أخيك يقول إنك تقول أنك رأيت سيدنا عيسى ؟ قلت نعم رأيته ، قال هل تقدر أن تصفه لي ؟ قلت وهل رأيته أنت من قبل ؟ قال : لا قلت وكيف ستعرف ما إذا كان الذي سأصفه لك هو أم لا ؟ قال إن حالتك صعبة وطلب أخي وأخبره أنني مصاب بحالة اكتئاب حاد ويلزمني جلسات كهرباء بسرعة تبدأ بست جلسات وتتدرج إلى اثنتين ، وطلب منه أن يحضرني للمستشفي مرتين في الأسبوع فقال أخي إننا بعيدين عن القاهرة بحوالي ساعتين ونصف سفر ومن الصعب أن نأتي كما يقول ، لكن من فضلك حدد لنا كيفية ‘جرائها ونبحث عن طبيب يمكنه القيام بذلك بالقرب من مدينتنا ، وافق الطبيب ووافقت أنا أيضاً قائلاً إنني لا أخاف من جلسات الكهربا فقد أخذتها كنوع من التعذيب بالمعتقل من قبل وبالتأكيد فهي للعلاج ستكون أخف ، ولماذا أرفض فلو كنت مجنوناً فسأستريح مما يدور بفكري وإن كان غير ذلك فإني أضيفها مع سابقتها من ألوان العذاب التي تحملتها في بحثي عن الله عسى الله أن يرحمني ، انتهيت من الجلسات والعلاج الذي قرره الطبيب وتوقعت أن أنسى كل ما كنت أفكر فيه من قبل إن كان ذلك وليد جنون أو توتر نفسي لكن بعد أن أنهيت العلاج وجدت نفسي كما كنت بل مدفوعاً أكثر لقراءة الكتاب المقدس ، ولم أكن أهدأ أو أقدر أن أنام إلا بعد قراءة شيء من الكتاب ، لكن أخذت على نفسي ألا أحدث أحد بأي شيء فيما بعد ، قررت أن أعيش كمسيحي لأرى عمل الله إن كان هذا هو طريقه فبالتأكيد لا بد وأن أرى ثمار ذلك وأري تأييده لي وإلا عدت كما كنت ، كما قلت من قبل كنت أواظب على الصلاة بطريقتي وهي خمس مرات كل يوم الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء ، لم أكن أقرأ شيء مما كنت أقرأه في صلاتي السابقة بل فقط أبانا الذي ، لكن احترت كيف أصلي كيف أزكي ما هي الطقوس المطلوبة مني حتى أتي بها كاملة لأكون مستحقاً أن يعمل الله في ، لا بد لي أن أذهب للكنيسة لأتعلم كيف أعبد الله ؟ لم يلقى هذا الرأي قبولاً لدي إذ كيف أذهب للكنيسة بهيئتي هذه أو كيف أذهب للكبيسة مذلولاً خاضعاً وأنا الذي كنت كذا وكذا لا . . لا . . نؤجل الكنيسة الآن ، ويمكنني أن أسأل بعض الأشخاص معي بالعمل لكن من منهم يوافق على مقابلتي بعد كل ما صنعته بهم ؟ وفعلاً رفضوا جميعاً الالتقاء بي لأنهم ظنوا فيّ إما أن أقتلهم أو أرغمهم على الإسلام ، لكن واحداً منهم وافق لكن بعد شهر ، كان ذلك طويلاً علي ففكرت أن أقرأ المزيد عن الأفكار التي يفكر فيها المسيحيين ماذا يقولون وهل هناك كتب لهم كما للمسلمين ،أولاً : قررت أن أقص لحيتي حتى لا تلفت الانتباه إلي ، وأن استعير قميص وبنطلون لأرتديهما بدلاً من الجلباب الذي كنت ارتديه طوال حياتي ، وذهبت للمكتبة التي اشترينا منها الكتاب المقدس من قبل ، ولم يعجبني كتاب فيها فذهبت لمكتبة أخرى بشارع الترعة البولاقية وأخذت أتفرج على المعروض من الكتب ، وأردت أن أدخل المكتبة لكن ترددت وشعرت أنني أرتعش إذ كيف أدخل مكتبة المسيحيين وأنا كنت لا أطيق مجرد النظر إليها ، وربما يطلبون مني بطاقتي ويستدعون الأمن فأذهب للمباحث وبالإطلاع على ملفي هناك أكون قد ألقيت بنفسي إلى التهلكة ، وبعد تردد شديد دخلت المكتبة ولفت نظري بعض الكتب ، لم أكن أعرف ماذا أريد أن أقرأ ، بل كل كتاب يستهويني عنوانه أشتريه ، فأخذت كتاب برهان يتطلب قرار ، وإيماني ، وكفارة المسيح ، وكنت كلما أنهيت قراءة كتاب أحرقه ، وعندما انتهيت من الكتب كلها ذهبت للمكتبة ثانية لأبحث عن كتب أخرى فوجدت كتاب أسمه التوحيد والتثليث ، علم اللاهوت الكتابي ، وعندما قرأت الأسعار ووجدت أن ما معي من نقود لم تكن كافية حاولت إرجاع الكتب إلى أماكنها ثاني ؛ فإذا برجل مسن يأتي إلي ويقول : لماذا أرجعت الكتب ؟ قلت لا أريدها قال ؟ لو أنك كنت لا تريدها لما أخذتها من مكانها ؟ قلت وما دخلك أنت ؟ هل تحقق معي لا أريدها فوضع يده على كتفي وابتسم وهو يربت على كتفي ويقول : يا بني خذ هذه الكتب وسأدفع ثمنها وسأريك عنواني إن أعجبتك فيمكنك إرجاع ثمنها إلي وإن لم تعجبك فيمكنك أن تمزقها أو تتخلص منها كما تحب ولن تخسر شيئاً . فقلت له من أدراك أنني لا أملك ثمن هذه الكتب ؟ قال الروح القدس ، قلت في نفسي ما عسى أن يكون الروح القدس هذا ، وأخذت أفكر كثيراً في ذلك ، ذهبت معه إلى منزله وجلسنا بضع دقائق وكنت أخشى أن يطلب مني بطاقتي فيعرف شخصيتي فيعتقد أنني أريد شيئاً ما لكن الله سلم ولم يسألني حتى عن أسمي ، كنت أقرأ هذه الكتب وغيرها من الكتب إما بالبيت أو أستأجر غرفة في فندق وأجلس طوال الوقت أقرأ ؛ كنت لا أريد أن أضيع دقيقة حتى في الأكل أريد أن ألتهم كل كلمة تتكلم عن المسيح أو تؤدي بي ولو خطوة واحدة نحو المسار الجديد للحياة الجديدة التي بدأت تقتحم عزلتي ، وكثيراً ما كنت أجلس في مقهى في شارع الترعة البولاقية كل رواده من المسيحيين ، أقرأ ما اشتريته من كتب ، أحببت تعاليم أو بمعنى أصح أحببت أن أكون كما هو مكتوب بالإنجيل من صفات وخلق لو عشتها بأمانة لأصبحت ملاكاً يسير على الأرض ، كان كل تفكيري منصب حول تسائل يخطر ببالي دائماً وهو : هل من الممكن يا رب لو أنني قبلتك وعملت حسب إنجيلك أن تجعلني على صورة أفضل من تلك التي أنا عليها الآن ، هل من الممكن أن تخلق فيّ قلباً محباً بدل ذاك القلب المملوء عداوة وكراهية ؟ هل من الممكن أن يكون لي أصدقاء حتى ولو لم يؤمنوا بما أنا عليه ؟ هل من الممكن أن أحب أمي وأبي وأخوتي حتى ولو لم يقبلوا ما أنا عليه ؟ هل من الممكن أن يكون لي أصدقاء أحبهم ويحبونني حتى ولو لم يصدقوا ما أقوله ؟ هل تقدر أن تفعل بي ذلك يا رب ؟هل من الممكن أن أحب بلدي وأشعر بالانتماء لها كما أرى كل الناس يا ليت هذا يحدث ؟ لقد كانت أولى الخطوات التي نتبعها في تلمذة كل من ينتمي إلى الجماعة هي أن ننزع عنه أي انتماء سواء للبلد الذي هو منها أو أسرته بمن فيها ولا يكون له انتماء إلى لله ولا ولاء إلى للأمير ، لذا لم أكن أصدق أنني يمكن أن أتغير ، أو أحب ، لقد تركت رؤيتي السابقة للنور والشخص الذي قال لي : قم المسيح يريدك انطباعاً محيراً إنني أعلم أن رؤية أحد من الأنبياء هي دلالة على الهدي لكن أي هدى ذلك في تلك المرحلة هل هو هدى الإيمان المسيحي أم هو هدى الإسلام الذي كنت عليه من قبل ؟ كانت تلك الأفكار تزاحم تفكيري حتى أنني لم أكن أشعر بنفسي وأنا أسير في الشارع ألتفت حولي وكأن أحد يطاردني كانت تسبقني خطوات ولا أعرف إلى أين أذهب ، حقاً كانت مرحلة غاية في الصعوبة ، حتى قررت أن أذهب لأحد الكنائس إن كنت أريد أن أحيا كما يريد الله وكان لسان حالي يقول لقد سمعت الصوت وعليك أتباعه ، أنت قد عشت في الإسلام زماناً هذا قدره ؛ لكنك لم تعش يوماً بالإيمان المسيحي لتعرف أيهما أفضل وأقرب إلى الله ، ذهبت فعلاً ليس إلى كنيسة واحدة بل إلى عدة كنائس ، ولم يكن ذلك بالشيء السهل عليّ ، إذ كنت أصارع إبليس كلما قررت دخول كنيسة من الكنائس فيقول لي : أهكذا تدنت حالتك يا . . تذهب للكنيسة شتان الفارق بين ذهابك اليوم مذلولاً وذهابك من قبل لتعلي كلمة الله ، هل نسيت ما فعلته بالكنيسة من قبل ؟ هل نسيت هتافك الذي كان يدوي في كل أرجاء الكنيسة يوم حرقتها أنت وإخوانك ، إن كنت نسيت أذكرك ، كنت تقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ، أين هو الحق الذي عرضت نفسك من أجله للموت ؟ ، لم يعد أمامك إلا الكنيسة ، وكر الكفر والشرك ، هل ستشرك بالله بعد تلك الرحلة الطويلة من الوفاء والإخلاص لله ؟ قم من نومك يا . . . استغفر الله وتب إليه واشهد ثانية بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، قم اغتسل وأرفع عنك تلك الأفكار الشريرة واستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، وبعد فترة أجد نفسي منقاد بلا وعي للكنيسة وكنت أجد صعوبة حتى أنني كنت أشعر أن هناك من يجذبني من الخلف ليمنع ذهابي للكنيسة حتى أنني صرخت بصوت مسموع قائلاً : سأذهب للكنيسة سأذهب للكنيسة مهما كان الأمر ومهما كلفني . كفى ما أنا قيه الآن لم يعد لي صديق ، ولم يعد لدي إحساس بأن لي أهل مثل باقي الناس ، لم أعرف الرحمة طوال حياتي ، لقد قتلت وسرقت وها أنا اليوم بلا أهل ولا أصدقاء ولا أصحاب ولا أي شيء مما خلقه الله لنا ؛ هل من الممكن أن يكون الله راضياً عني بهذه الصورة أي إله ذاك الذي يأمر بالقتل والكراهية والعداوة والبغضاء لكل من لا يقبل ما نقول ، ارحمني يا رب أنا مسكين وضعيف أريد أن أعيش ولو لحظات كأي إنسان طبيعي أريد أن أحب بلدي وأهلي وأصدقائي لكن كيف وفي أي الاتجاهين أقدر أن أحقق هذا ؟ إذن فلأذهب للكنيسة مهما كلفني حتى ولو كلفني حياتي واندفعت مسرعاً نحو الكنيسة ، لكن لم يكن موقف القسيس مني كما كنت أتوقع بل كان صعباً ، إذ رفض الاستماع إليّ مما زاد من هجمة إبليس عليً ، لكنني وإن كنت فشلت في أن أقنعه بالاستماع لي فلا أنكر أنني خرجت وبي شيء من الراحة النفسية ، ساعدتني على تكرار المحاولة لكن للأسف لم تنجح أي محاولة للجلوس مع أي قسيس لأعرف منه ما ذا أفعل لأكون مستحقاً لخلاص المسيح إذ أن النص يقول : من آمن واعتمد خلص ، وما كان يشغلني هو كيف أؤمن ؟ ما هو المطلوب مني ؟ ، كيف أصلي ، كيف أصوم ، كيف أحج ، كيف أزكي ، وفي آخر مرة خرجت من الكنيسة مهموماً جداً أو كما يقولون أجر أذيال الخزي والعار ويقول إبليس في أذني : لقد رفضوك ، إنك تستحق ذلك وسوف يريك الله ما هو أشد من ذلك ، لكن لم يستمر ذلك كثيراً حتى سمعت وكأن أحداً يكلمني بصوت خافت ويقول : اسمع يا . . . أنت لا تعبد الناس فلا تيأس من سلوكهم نحوك ،لأنك تعبد الله والله لن يخذلك ولن يضيعك أبداً فقط اصبر وتمسك به إن كنت حقاً تبحث عنه ؟ ولن تطول أيام تعبك هذه فالله لا يرد من يطلبه ألم تقرأ قوله : تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم ،[ قلت : قرأته يا رب إن لم يكن الآن فقد كانت عيناي تطالعان هذا النص الذي كان مكتوباً على جدار أحد الكنائس وكنت أراه كل يوم طوال فترة دراستي بالكلية وأنا أركب الأوتوبيس من المدينة الجامعية حتى الكلية ، لدرجة أنني حفظت المكان فكنت كلما قرب المكان هذا أضع يداي على عيني حتى لا أراه ]، سلم حياتك لله وهو يتصرف ، قلت نعم يا رب أنا أسلم حياتي لك لكن ارحمني مما أنا فيه ، علمن طرقك أنا تائه حيران ، كثير ما يحدث لي هذا يا رب . كنت كلما مررت بتجربة مثل هذه أعود وأقرأ في الكتاب فأشعر براحة نفسية غريبة ، بعد ذلك فكرت في الاتصال بأحد المسيحيين الذين كانوا يعملون معي لكنهم جميعاً لم يرحبوا بمقابلتي خوفاً من أن أكون قد أعددت لهم كمين لإيذائهم وبعضهم رفض لأنه اعتقد أنني أريد أن أدعوهم للإسلام ، ولكن إن أراد الله شيئاً فلا يمنعه أحد ، فذات مرة كنت مع أحد المهندسين في زيارة لصديق له وفي طريق عودتنا طلب مني على سبيل السخرية والاستهزاء أن نزور صديق له مسيحي لأنه كان يعلم مدى كراهيتي للمسيحيين واعتقد أنه بهذا يريد السخرية بي ، لكنه لم يتوقع أن أقبل ذلك إذ بمجرد أن طلب مني ذلك وافقت على الفور ولكنه كان كل دقيقة يقول لي : إنه مسيحي هل تعلم ؟ أقول نعم وأنا موافق على زيارته ، فطلب مني ألا أتصرف مع المسيحي بطريقة تسيء إليه فقلت له : لا تخف سأكون عند حسن ظنك ، وذهبنا لصديقه المسيحي وكان يعلم عني كل شيء بل طالما كنت اعترض طريقه واثير المسلمين ضده ونتهجم عليه بالسباب طالبين منه أن يسلم ، بمجرد أن رآني أمام شقته ارتعد وأغلق الباب سريعاً فعاود زميلي الطرق عليه ثانية ففتح الباب وقال لزميلي : لماذا جئت بهذا إلى هنا ؟ ألم يكفك ما يفعله معنا بالمكتب ، حرام عليك إني رجل لا أسيء لأحد وبعدد مناقشات سمح لنا بالدخول وفي شقته لفت نظري كتاب مقدس على طاولة تتوسط غرفته ، فأخذته وتصفحت فيه قائلاً هل هذا هو كتابكم المقدس ؟ فأجاب بتلعثم وارتباك نعم هذا والقرآن كذلك كله من عند الله وأسرع للمكتبة وأخرج لي مصحفاً وقال : انظر هذا مصحف كله كويس القرآن والإنجيل والمسيح ومحمد كله كويس ، كان يبدوا عليه الخوف والفزع مني فأردت أن أقترب منه فإذا به يبتعد كلما اقتربت منه ابتعد هو عني حتى قطعنا الصالون ندور كل منا حول الآخر وأخيراً اقتربت منه إذ لم يجد مكاناً ينزوي فيه فقلت له : لماذا تبدوا هكذا أريد أن أتكلم معك ؟ مع العلم أن صديقه الذي كان معي قد دخل أحد غرف الشقة ليستريح فقد كانت تربطهما معاً علاقة قوية ، وانتهزت هذه الفرصة لأتحدث معه عسى أن يساعدني على بلوغ ما أريد ،لكنه لم يتجاوب معي فطلبت منه أن أزوره مرة ثانية وحدي ، فقال لا مانع لكن لن نكون وحدنا بل سيطلب بعض أصدقاءه ، قلت لا مانع لكن اكتب لي العنوان ، كتب لي العنوان وزرته في اليوم المحدد ؛ وإذا به قد جمع نصف دستة من الأصدقاء خوفاً مني ، تكلمت قليلاً معه ولا أنكر كنت أتكلم كقائد عسكري مهزوم يفاوض المنتصرين كنت أضع رأسي وأنظر أسفل قدماي من الخجل وأنا فلان الذي كان وكان ، ها هو يستجدي من المسيحي كلمات تقوده نحو ما كان يحاربه من قبل ، لكن هو سلام الله والرغبة في الخلاص اللذان دفعاني للتنازل عن كل شيء ، في سبيل الظفر بدخول ملكوت الله الذي طالما بحثت عنه قديماً وقدمت من أجله كل ما استطعت فلماذا لا أقدم الآن بعد أن اكتشفت أنني كنت ألهث نحو سراب لا وجود له إلا على صفحات الكتب ، اصبح عندي رغبة لعمل أي شيء للوصول لطريق الرب ، كان صديقي هذا قليل المعرفة بالكتاب لذلك لم يقدم لي جديداً ، وكانت لديه مشاكل عائلية حتى أنني قد سمعت من بعض الناس أنه يفكر في الإسلام ليتزوج مرة أخرى مما أزعجني واحتقرته أ وشعرت بأنه لن يقدم لي ما أحتاجه ، لكن بعد أن تقربت أليه وتكررت زيارتي له توطدت علا قتي به كثيراً وكان يهيئ لي مكان أقرأ فيه بحريتي ولم يحاول أن يفرض فكراًما علي لأنني كان لي اتجاه واحد محدد وهو الرب يسوع بعيداً عن الفرق والطوائف التي عانيت منها في الإسلام من قبل ، لكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، إذ لم تدم تلك العلاقة كثيراً ، وعلمت أن هناك شخص آخر أكثر منه فقهاً في الكتاب لكن كانت علاقتي به غاية في السوء ، فكان كلما طلب مني شيء في العمل أعطه بيانات خاطئة وأحرض الناس عليه بل أمنحهم هدايا كلما أهانوه وأضروه ، واستبعدت أن يوافق على مقابلتي ، لكنه وافق و طلب مهلة شهر ليفكر وطلب مني أن أعاود الاتصال به قبل أسبوع من مرور الشهر ،أحسست أن الدائرة بدأت تضيق حولي فلا كنيسة تريد أن تسمعني ولا أفراد يريدون مقابلتي كانت صورتي عند كل المسيحيين لا تبعث على الارتياح بل لا أكون مبالغاً إن قلت أن من كان يريد تهديد أي مسيحي يقول له سأقول لفلان . . ، كنت أشبه بالوحش الذي يخيفون به الأطفال ، وبعد انقضاء ثلاثة أسابيع من الشهر اتصلت بالرجل ذاك لأعرف هل مازال على موعده أم لا ؟ لم يكن عندي تليفون وكنت كلما خرجت خارج منزلي أخذت الأوراق التي كتبتها معي خوفاً من أن يطلع عليها أحد ويعلم ما فيها ويحدث ما لا تحمد عقباه كان لدي كما قلت أبحاث عن لا هوت المسيح ، وهل القرآن كلام الله ، النبوة ومحمد ، هل هو نبي أم لماذا ؟ كنت أحمل كل هذه الأوراق مع الكتاب المقدس في حقيبة بلاستيك ، وعندما ذهبت لأتكلم في التليفون من أمام محطة القطار السريع في مدينتي فوجئت بالحقيبة وقد سرقت بكل ما فيها الكتاب المقدس ، الأبحاث ، الحافظة ، البطاقة الشخصية ، لم يتغير وجهي ولم تبدو عليّ علامات الغضب ، إذ كنت أملك برود أعصاب اكتسبته من كثرة احتكاكي بالمباحث ورجال الأمن ، لكن كل الذي سيطر على تفكيري وشغلني أمرين الأول : ربما السارق يقرأ ما هو مكتوب ويرسله للأمن ويكون من السهل عليهم الوصول إلى كاتبه من خلال البطاقة وبذا أكون مستحقاً لأقسى العقوبة لأن ما في الأوراق هو تهجم على القرآن وعقوبته الوحيدة الإعدام ، لكن هذه النقطة لم تشغلني كثيراً فأنا على يقين أنني عندما تحين ساعتي لن أتأخر ولن أستقدم عنها فنحن ولا محالة ميتون ، لكن الذي شغلني وقلب كياني هو وسواس قوي اجتاح تفكيري وسيطر على كل كياني وهو : إن الله يحبني كثيراً وها هو يقدم لي الدليل الواضح القوي على أن سلوكي نحو المسيحية باطل وما هو إلا طريق الشيطان والدليل أن الله قد أزاح من أمامك كل تهجم على كتابه ورسوله الكريم وأذهب عنك السموم من خلال فقدان الكتاب المقدس ، لا يوجد دليل أقوى من هذا لتعرف أنك كنت تسير في الضلال ، قم الآن ولا تتأخر عن التوبة لله فإن الله غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً قم الآن اغتسل مما لحق بك من دنس نتيجة تفكيرك الشيطاني وسلوكك نحو الشرك والفسوق ، لم يكن أمامي سوى الإذعان لأفكار إبليس الشيطانية خاصة وأن صديقي الذي تعرفت عليه من قبل وكان يسمح لي بزيارته والجلوس عنده فترات طويلة للقراءة ؛ عندما علم بأنني فقدت الأوراق هذه ارتعب وملأه الخوف ، وطلب مني أن لا أتصل به أو أزوره حتى نري نتيجة ما قد يحدث بسبب فقدان هذا الورق ، كان ذلك بمثابة الخيط الأخير الذي كنت أتعلق به وها هو يقطع مثل البقية ، فشعرت أن الله لا يريد لي هذا الطريق وأنني لن أقدر على الصبر في تلك المعركة إذ أنني بكل صدق رغم ما توصلت إليه وما علمته وما لمسته من حلاوة وعذوبة في كلمات الكتاب واجتهادي ومواظبتي على الصلاة " أبانا الذي " باستمرار دون انقطاع لم يحدث في سلوكياتي أو شخصيتي الذاتية أي تغير ، إذ كنت مازلت أكن بالحقد والحسد على المسيحيين ، ولم أقدر على مسامحة أحد ولم أستطع أن أقول لوالدتي حتى مجرد صباح الخير كنت أخرج من البيت وعلامات الغضب تملأ وجهي وأتعمد إظهارها أمام والدتي وأخوتي حتى يعلموا أنهم كفار وأنني لا أحبهم ، كنت مازلت روح التمرد والعدوانية تملأ كياني حتى أنني شككت في مصداقية ما قرأته في الإنجيل ، كل هذه وما حدث من فقدان الأوراق اجتمعوا معاً علي في هجمة شرسة ربما لتعطيل عمل الله في ، أو لكسر الإرادة التي تولدت لدي نحو محبتي التي بدأت تنموا نحو الإنجيل ، ومرة ثانية انخرطت في البكاء الشديد معاتباً الله عما يحدث لي وهل هذا عدل منه أنه كلما قررت أن اخطوا نحوه وتسير الأمور على ما يرام يحدث ما يعرقل ذلك ، لماذا يا رب أنت هكذا معي ؟ ماذا فعلت ؟ إن كنت تعاقبني على ما فعلته في الماضي تجاه المسيحيين فها أنا أتوب وأطلب عفوك وصفحك الذي أنت قد عملته بموتك على الصليب أم أن صليبك هذا ليس إلا كما كنا نقرأ عنه ، من أنت حتى أتقرب إليك وماذا يرضيك لأفعله ، بئست الحياة إن كانت كما أحيا أنا ، الموت أهون علي خذ نفسي يا الله ، وما دمت لا تريد أن ترضى علي فلأنتحر ولا يضيرني أن أدخل النار بسبب ذلك لأنه إن لم ترض علي فسأدخلها ؛ فالاثنين سواء ، بكيت كثيراً وتألمت كثيراً ، ولم أجد أمامي سوى أن أقوم ودموع عيني كالأنهار تجري على وجهي حتى لفتت أنظار والدتي فأخذت تربت على كتفي وتبكي على بكائي وتسألني ماذا بك يا ولدي فأقول لا شييء اتركوني وحدي لا أريد أن أتكلم مع أحد لقد تكلمت معكم مرة فاتهمتموني بالجنون ربنا يسامحكم أسرعت إلى غرفتي ، وقمت واغتسلت لأزيل ما لحق ببدني من نجاسة نتيجة التفكير في المسيحية وما اقترفته يداي وأخذت أفكر هل سيغفر الله لي ما قلته على نبيه وما كتبته عن قرآ نه ؟ وإذا أنا أشعر وكأن شخصاً يجيب عني قائلاً : أنت لم تتهجم على أحد ولم تتكلم بالباطل فكل ما وصلت إليه ليس من عندك أنت بل هو نفسه تكلم ، ووقفت باسطاً سجادتي وأخذت أنطق بالشهادتين حتى أعود إلى الإسلام ثانية وانتصبت لأصلي فلم أقدر أن أنطق بحرف واحد من القرآن ولم أقدر أن أنحني لأركع فجلست واضعاً رأسي بين كفي يدي فترة ثم قمت ولم أنطق سوى كلمات معدودة : يا رب :إن لم يكن بك غضب علي فلا يضيرني شيء ، وإن كنت تقتص مني لذنب فعلته فأسألك الرحمة في قصاصك، وإن كنت تقف في طريق هدايتي فليس ذلك من طبعك ، يا رب لم يعد لدي قوة لأقاوم ما أنا فيه وإن لم تظهر لي ذاتك فسأضل ، إنني أحبك سلكت كما أمرت في السابق وفعلت ملا يستطع أحد أن أفعله اعتقاداً أن هذا يرضيك ، وعندما أريتني نورك وسمعت النداء أنك تريدني لم أتباطيء فإلى متى تتركني أتخبط في الظلمات، إن كان ما يحدث لي اختبار أعددته لي لتقودني إلى حظيرتك أيها الراعي الصالح فزد من ذلك لأنني بذلك أكون على موعد للقائك . في تلك الليلة نمت نوماً عميقاً لم أنم مثله ليس من أيام بل من سنوات ، وقرب الفجر تقريباً رأيت رؤيا في منامي وإذا برجل عريض المنكبين ، كثيف اللحية فارع الطول محمر الجبين سبط الشعر ملامحه أجمل ما يكون ، وإذا به يمتلكني من منكبي ويهزني بلطف قائلاً : أما زلت تشك فيّ ؟ قلت من أنت لكي أشك فيك ؟ إني لا أعرفك . قال : أنا من تبحث عنه. قلت لا أدري ذكرني. قال: اقرأ في الكتاب لماذا لم تقرأ في الكتاب ؟ قلت ألم تعلم أنني فقدت الكتاب وكل أوراقي فكيف أقرأ ؟ قال: إن الكتاب لا يضيع ، قم وافتح دولابك فستجده هناك وباقي أوراقك سوف تعود إليك خلال أسبوع ، انتفضت كمن أوقظه أحد بسوط وأسرعت بدون تفكير نحو الدولاب الصغير الذي كان بأحد أركان غرفتي وفتحته وأنا أرتجف فإذا الكتاب الذي فقد بعينه داخل الدولاب فوقفت لحظات أرتعش وتخبط نواجذي كمن كان في يوم قارس البرد ، ثم احتضنته كطفل كان غائب عن أمه زماناً ثم عاد ، وأسرعت لأدري كيف نحو والدتي لأوقظها وأقبلها بكل فرح وأعلن لها أن ما حدث اليوم لن أسمح لكم أن تقولوا عني أني جننت ، وأخذت أرتمي في أحضانها باكياً وأردد سامحيني يا أماه على كل ما بدر مني تجاهك ، كنت أحسب ذلك من الإيمان أم الآن فقد علمت ما هو الإيمان ، من فضلك دعيني أقبل قدميك لن أقبل أقل من ذلك ، قالت : ماذا حدث لك يا بني أخبرني : قلت سأقول لكي لكن أسألك بكل ما هو عزيز لديك لا تقولي جننت ، إنني يا أماه قد هداني الله ، قالت ومن قبل أين كنت ؟ قلت إن الله الذي هداني ليس هو ما كنت أسير في فلكه من قبل . قالت : هل هناك إله آخر ؟ قلت نعم ، هناك إله آخر يقول لي أن أحبك وأخضع لك ، قالت من هو هذا الإله ؟ قلت هو المسيح عيسى كما يقول القرآن ، قالت : أرجوك يا بني لا تقل ذلك أمام أخوتك فيتهموك بالجنون ، قلت حاضر سأفعل لكن هل تصدقيني أنت ؟ قالت لماذا لم أصدقك وقد رأيت الدليل أمامي إنك منذ عشرون عاماً لم تفعل معي ما فعلته اليوم أذهب والله لن يتركك لكن تكتم الأمر عن أخوتك ، قلت لو تعلمين ما بداخلي يا أماه لعذرتني في كل شيء أريد أن أقف في وسط الطريق وأعلن أن المسيح هو الله وأنه غيرني ، وفعل بي ما عجز إله محمد أن يفعله ، فوضعت يدها على فمي لتمنعني من الكلام ، ولم أنم بعد ذلك كنت أتوق لضوء النهار لأخرج للناس وكأنني قد خرجت إلى الحياة للتو ، وذهبت في الصباح الباكر أنظر حولي وإذ أنا أرى كل شيء جميل وكل الناس طيبون ، أخذت أسلم على كل من يقابلني سواء عرفته أم لا ، وذهبت نحو البقال المسيحي الذي كنت أسيء إليه فاعتقد أنني قادم إليه لأفعل ما كنت أفعله معه من قبل ؛ فأسرع نحو الدكان ليغلقه ، فناديت عليه أرجوك انتظر .لا تخف . فوقف متسمراً في مكانه ولم يتفوه بكلمة وإذا أنا أجد نفسي أقبله وأطلب منه أن يسامحني ، فلم يكن إلا أن بكى وسمعته يقول كلمات لم أدري معناها إلا بعد ذلك قال : هللويا مجداً لله فقلت ماذا تقول ؟ قال ستعرف ما قلت في حينه ، وانصرفت وكنت أرى الناس بصورة غريبة حتى أنني شككت أن يكون قد حدث لعقلي شيء ، كانت نظرات الناس تلاحقني أينما كنت ؛ مندهشين مما حدث لي ، حتى زملائي في العمل كانوا ينظرون إلي بتعجب ويضربون كفاً على كف وكأنهم يقولون : ماذا حدث لهذا الإنسان بالأمس كان يبصق علينا وها هو الآن كالحمل الوديع ، ماذا يدور في خاطره هل هي مكيدة جديدة يخطط لها ؟ كنت أرقب في أعينهم الحيرة تجاه سلوكي الذي تغير 180 درجة لكن لم يكن يشغلني ما يقولون أكثر من انشغالي بالإحسان لكل من أسأت إليه ، وكذلك الفرحة العارمة التي ملأت قلبي والوداعة المتناهية ، والهدوء ، أحياناً كنت أعتقد أنني في حلم جميل لا أريد أن أفيق منه ، لكنها هي قوة الله ، كنت متعجل الاختبارات التي تثبت أنني حقاً قد تغيرت إلى الأبد وليس وقتياً ، وكنت أتفكر في ما قاله لي الرجل الذي رأيته في المنام من أنني سأعثر على الأوراق خلال أسبوع ، ومرت الأيام وبدأ الشك يتسلل إلى وكنت أخشى من أن تفسد فرحتي إن لم أعثر على الأوراق وفي اليوم السابق لتمام الأسبوع كنت قريباً من محطة القطار وأردت أن اعمل تليفون ، ولم يكن أمامي سوى نفس التليفون الذي فقدت عنده الأوراق والكتاب من قبل فترددت وكنت أتقدم نحو التليفون وأرجع ثانية إلى الخلف حتى لاحظ صاحب التليفون ذلك ، فقال : ماذا تريد أراك متردد هل حدث شيء ؟ قلت لا لكن تليفونك هذا أتشاءم منه فقد اتصلت منه منذ أسبوع وفقدت شنطتي وأنا اليوم أريد الاتصال لكن لا أدري ماذا سأفقد ، قال هل الشنطة تلك لك ؟ قلت نعم هل لديك معلومات عنها ؟ قال : هات علامة وأنا أخبرك أين هي . فقلت أنها شنطة بلاستيك بها مجموعة أوراق وكتاب مثل المصحف وبطاقتي وجواز سفري وليس بها نقود إطلاقا قال : نعم هي كذلك غداً تعال وأنا آخذك عند من وجدها ، وفي اليوم التالي تمام الأسبوع ذهبنا إلى قرية في ضواحي القاهرة ناحية الجنوب ، وقابلنا الرجل الذي عنده الحقيبة وأعطانا إياها ، وفتحتها ولم أجد الكتاب ، فقلت للرجل إن الحقيبة ناقصة كتاب ، قال : والله ما أخذت منها شيء ولم افتحها إلى يوم أخذتها وكان بها أوراق وجواز سفر وبطاقة ومصحف ( الكتاب المقدس ) ولم أر ما فيها حتى اليوم ، فرحت جداً بما قاله الرجل وأخبرته أني صدقته ، لأن ذلك معناه أن الله قد أعاد لي الكتاب بعد أن فقدته ، كان سبب سعادتي أنني طوال أيام حياتي الإسلامية لم أعهد أن أطلب من الله أو أن أرى مثل ما حدث هذا ، حقاً لقد كان يمثل بالنسبة لي معجزة فوق كل المعجزات ، حتى أنني عدت لأحقر نفسي أمام عمل الله هذا معي ، فقلت : من أنا يا رب حتى تفعل معي هكذا ، وحالاً جاءني الجواب ؛ أنا فعلت وسأفعل أعظم من هذا للذين يحبون الله .

كنت أحدث نفسي قائلاً لو سمح الله لي أن يدخلني في اختبار لكي أتأكد من أنني فعلاً تغيرت سأكون سعيداً ، وسرعان ما استجاب الله لرغبتي وكانت أول اختبار لي في علاقتي الجديدة بالمسيح : كنا في عملنا نحصل على مكافأت دورية ، نتعاقب غليها لكني كنت فوق ذلك وكنت أجبرهم على أن آخذ من هذه المكافأة شهرياً لأن هذا مال كفار لا يجب العدل فيه وذات يوم حان موعد الصرف ، وكان هناك زميل يمر بظروف قاسية في منزله وجاء للمدير المسئول يطلب منه أن يمنحه المكفأة هذا الشهر ليخرج من ضائقته هذه ، فقال له المدير : إن الكشوفات قد وضعت وبقية زملاءك هذا دورهم وكلهم عندهم ظروف مثلك أما بخصوص فلان . . .فلا نقدر أن نمنع عنه المكافأة فأنت تعرف أنه إنسان شرير ونحن نتقي شره ، في تلك اللحظة دخلت مكتب المدير ووجدته يتهامس مع زميلي فقلت على الفور : ماذا تقولون بنغمة هادئة ، أتتحدثون عن المكافأة ؟ قال المدير بسرعة وارتباك : أيوه لكن أنت لا تخف فأسمك مدون في رأس الكشف ، فقلت إذن فماذا يريد فلان . . قال هو يريد أن نضع اسمه في الكشف هذا الشهر لكن اعتذرت له ، قلت ولماذا اعتذرت له ؟ يمكنك أن تضعه بدلاً مني ، اعتقد المدير أنني اسخر منه فقال : قلت لك إن اسمك في رأس الكشف ولن يقدر أحد أن يمنعك من المكافأة ، قلت لكن أنا أريد أن أتنازل عنها هذا الشهر لزميلي ، فقال مش ممكن ؛ أنت ؟ قلت نعم أنا ، قال كيف ؟ قلت هكذا مثل ما سمعت أرجوك احذف اسمي وضعه مكاني ومن الأفضل أن تتنازلوا جميعاً له هذا الشهر ، وسمعته يقول : سبحان مغير الأحوال ، ماذا جرى ؟ القيامة سوف تقوم ، فلان . . يتنازل عن المكافأة ، مش ممكن ، قلت لكن الله قادر على كل شيء يخرج من الآكل أكلاً ومن الجافي حلاوة ، كانت عيناي مغرورقتان بالدموع من هذا الموقف الذي لم يحدث مثله معي في حياتي ، لقد اعتدت أن آخذ ما لي وما ليس لي أما الآن فقد علمني المسيح أن أعطي :كانت فرحتي لا توصف وأنا أشعر بحلاوة وطعم العطاء .

بدأ أهلي واخوتي يلمسون هذا التغير فقد كانوا بمجرد أن يروني يغلقون التليفزيون ويهرب كل واحد منهم إلى مكانه خاصة أخوتي البنات ، لكن بعد هذا اليوم دخلت عليهم ولم يشعروا بي فأسرعوا نحو التليفزيون ليغلقوه وكل منهم يتهم الآخر بأنه هو الذي كان يستمع إليه ، فقلت لهم ، مش مهم من الذي فتحه المهم لماذا أراكم مرتبكين وفتحت لهم التليفزيون وقلت لهم شاهدوا ما تريدون لكن البرامج التي تخدش الحياء أرجوكم لا تشاهدوها ، قالوا مش ممكن أنت تسمح لنا بمشاهدة التليفزيون قلت ولما لا ، لو تعلمون ما في داخلي نحوكم لما صدقتم أنني أحبكم كثيراً وأريد منكم أن تسامحوني على كل إساءة بدرت مني نحوكم ، وإذا بي أراهم جميعاً يبكون ، وكنت كلما خرجت من المنزل وعدت ثانية أقبل والدتي واحضر لها هدية ، فمل كان منها إلا أن تبكي من التأثر وأشكر الله كثيراً أنها قد توفت وهي سعيدة بي وأنا أشعر أنني قد كفرت عن القليل من إساءتي لها ، وعوضتها قليلاً عما بدر مني في السابق وكنت فرحاً جداً بهذا الإله الذي أعاد البسمة على شفاه جميع من بالمنزل مؤمنين وغير مؤمنين .

كان الأخوة المسيحيين الذين ذكرتهم يتابعون أخباري باستمرار لكن ساورهم خوف شديد من أن يكتشف الناس في القرية أمري فيلقون بالتبعية عليهم فطلبوا مني أن أترك مصر وأغادر للخارج لكنني رفضت ذلك بقوة لأنني كان يلاحقني ما فعلته بالمسيح والمسيحيين لذا أخبرتهم أنني قد صليت من أول يوم تغيرت فيه حياتي أن يساعدني الله لأن أعمل للمسيح بقدر ما أسأت له وأنا أسأت له بمصر فلن أغادر مصر ، ووعدتهم بأنه إذا تم القبض علي فلن أذكر أسمهم في أي حال من الأحوال ، وذات يوم طلبوا مني أن أذهب معهم لكنيسة لم أذهب إليها من قبل ، فوافقت وتقابلت مع أحد الآباء هناك وقصصت عليهم ما حدث معي فرأيت الفرحة والبهجة ترتسم على وجوههم من عمل الله ، فطلبت منهم المعمودية وتجاوبوا معي وكان ذلك في يوم 9/5/1993 ، وما زلت أحفظ هذا اليوم لأنني إن كان لي أن أحسب عمري الحقيقي فهو بالتأكيد يرتبط بهذا التاريخ الذي فيه ولدت من جديد.

عودة للصفحة الرئيسية