ثمار الإيمان

 

إن كنت قد تكلمت باستفاضة عن حياتي قبل الإيمان فمن الضروري والمهم أن أتكلم كذلك عن عمل الله في حياتي بعد الإيمان ، لم يكن لدى كل المقربين لدي أدنى شك في أنه يستحيل أن أتغير بهذه الدرجة ، ولم يكن أحد منهم يصدق ما رآه بعينيه فيّ بعد الإيمان ، لأني إن كنت قد طلبت ذات مرة من الله أن يختبرني لأعرف هل أنا فعلاً تغيرت أم لا ، فهنا الله يدخلني في التجارب المتنوعة ليس ليعطيني ثقة في ما حدث لي بل بكل ثقة أقول إنه قد سمح بذلك ليدربني على المهمة الشاقة التي قد وضعها على عاتقي ، فأنا لم أختر الطريق الجديد هذا ولم أختر حياتي مع المسيح بل على النقيض كنت أحاول تكذيب ما رأيته ، فالمسيح هو الذي اختارني ، ولم يختارني اعتباطاً بل بالتأكيد لخدمة أعدها لي وأعدني لها ، وهنا سوف أذكر بعضاً مما قابلني من مضايقات وعمل الله فيها .

كنت أعمل في مكتب يضم بالإضافة إلي ثلاثة زملاء آخرين لا نجتمع سوياً إلا نادراً فنجلس فيه بالتناوب ، وكل منا يملك دولاب لخلع الملابس ووضع متعلقاته الشخصية به ، وذات يوم فوجئت باختفاء بعض الأشياء من دولابي ، ولم أشك في أحد وفي اليوم الثاني تكرر نفس الشيء ، وأيضاً لم أشك في أحد وكنت ألقي بالمسئولية على زوجتي ومرة ثالثة تكرر نفس الموقف فاكتشفت أن قفل الدولاب مكسور واختفاء مرتب الذي نسيته بالدولاب ، فعلمت يقيناً أن الأشياء اختفت هنا وعن طريق أحد زملائي ، وفجأة سيطرت علي روح شيطانية رهيبة وأخذت أسب وألعن بأسلوب الإنسان العتيق الذي كان في قبل الإيمان ، وكنت أردد قائلاً : إن كنت قد قبلت المسيح ولرأيتم أني وديع وطيب فلا يعني هذا أن تضحكوا علي وتجعلوني ألعوبة وأقسمت أن أفعل بهم أشد ما فعلوا بي ، وقررت بيني وبين نفسي أن أحطم كل الدواليب الموجودة بالمكتب وآخذ ما بها وأحرقهم وأترك كل دولاب مفتوح كما فعل إبراهيم بالأصنام لكي يعلموا مدى ما يشعر به الإنسان إن سرقت متعلقاته ، وذهبت وأحضرت شاكوش وأجن لأنفذ ما قررته وأغلقت المكتب بعد أن التفت يميناً وشمالاً لكي أتأكد أن أحداً لم يرني ، ورفعت يدي وأنا مملوء غضب وغيظ وقبل أن أهوي بيدي على أول قفل إذا بشيء يمسك يدي وصوت خافت يقول : لا تقاوم الشر ، وكن صانع سلام ، فالتفت يميناً ويساراً لأحد الصوت فلم أجد شيئاً فقلت في نفسي : لكن يا رب هل يرضيك ما يحدث لي ، لكن لتكن مشيئتك اذهب عني الغيظ وأخمد النار التي في قلبي ، إني أكاد أفقد صوابي من فضلك يا رب هدئني ، وفجأة شعرت بسلام غريب وكأن لم يحدث شيء ، وأسمع من يطلب مني أن أكتب على ورقة من أوراق التقارير اليومية ما يلي : أخي الذي يفتح الدولاب إني في غاية الأسف لعد تمكني من تلبية ما تحتاجه ، لكن من فضلك أكتب ما تحتاجه وأنا بمشيئة اله سأحاول تلبيته لك ، وللدلالة على صدقي لن أستبدل القفل المكسور ، وأعلم أن محبة الله لنا نحن البشر فائقة ، وأخيراً لك مني سلام الله الذي يفوق كل عقل والرب يحفظ حياتك إلى الأبد : أخيك . . . . ، وبعد أن انتهيت من كتابة ما سبق وضعت الورقة في الدولاب وتركته على وضعه المعتاد وصليت لأشكر الله إذ منعني من الانقياد للأفكار الشيطانية ، وعدت لمنزلي في غاية الفرح لأنني قد انتصرت على إبليس ومجرد أن فتحت لي زوجتي الباب حتى أخذت أعانقها وأحكي لها ما تم ، فقالت : لا تخف فإن كان الله معنا فمن علينا ومن جهة الفلوس التي فقدت فالكتاب يقول : كنت فتى والآن شخت ولم أجد صديقاً تُخلي عنه ، ولا ذرية له تلتمس خبزاً إن الله قادر أن يسد حاجتنا لأنه هو المتكفل بنا ، وبعد يومين كانت المفاجئة إذ وجدت أحد زملائي قد حضر في ورديتي على غير العادة ، فسألته لماذا أتيت الآن ؟ قال أريد أن أتكلم معك . قلت فيما تريد أن تتكلم معي ؟ قال أفضل أن نصعد إلى مكتبنا لنكون وحدنا فصعدت أنا وهو وجلسنا كل في مواجهة الآخر ، ورأيته قد نظر بوجهة إلى الأرض وقال : لا أدري ماذا أقول لك ، ولا أدري كيف أتصرف ، قلت ماذا حدث أخبرني ؟ فإذا هو يفتح حقيبة صغيرة ويخرج منها كل الأشياء التي أخذها من دولابي وأنا لا أصدق ما يحدث ليس لرجوع الأشياء ، لكن لأنني لم أكن أتوقع أن يكون هو الذي فعل ذلك فقد كان شاباً مصلياً ومتديناً ، فقال هذه الأشياء التي أخذتها من دولابك لكن أرجوك لا تخبر أحد ، أما الفلوس فلن أستطع أن أردها لك لأن أولادي كانوا مرضى وبحاجة إلى طبيب ، يمكنني أن أردها لك كل شهر مبلغ ، قلت له : خذ كل هذه الأشياء يا . . . إنها الآن ملكك إنني لم أكذب في ما قلته لك بالورقة ، صدقني كان الله يعوضني عن كل شيء تأخذه حتى الفلوس أنا واثق أن الله سيدبر كل شيء ، ولو لم أكن صادقاً لقمت بتغيير القفل بآخر سليم ، فقال لكن أريد أن أسألك سؤال وتجيبني بصراحة ؟ قلت تفضل ، وهل جربت علي كذب من قبل ؟ قال : لا قلت فما هو سؤالك ؟ قال : إنك تتكلم كما يتكلم المسيحيون ، الرب ، الرب تلك نفس الكلمات التي أسمعها من "جرجس النجار" الذي يسكن بجواري ، قلت الحقيقة يا . . . إنني عندما حدث ما حدث كنت أمام اختيارين الأول : أن أرد العدوان بنفس العدوان ، وأن آخذ حقي عملاً للحديث من مات دون ماله فهو شهيد ، وكذلك : لا يكن أحدكم إمعة يأُخذ حقه ولا يبالي أو بمعنى أصح كان لي حرية الاختيار في الطريقة التي آخذ بها ما أخذ مني ، والثاني أن لا أرد العدوان بالعدوان ، وألا أقاوم الشر وألا أنتقم لنفسي وأن من أخذ ثوبي فلأعطه الرداء أيضاً ، ترى أي الطريقين أفضل ؟ قال الثاني بلا شك ، قلت وهذا ما حدث مني ، أنني تصرفت بما يحفظ العلاقة التي بيننا ، ويقوى المحبة ، و لا يهم من أين المصدر الإسلام أم النصارى أم اليهود المهم التصرف السليم ، ولو أنني وجدت مثل ذلك في الإسلام لما توانيت عن العمل به فوراً ، قال : من أين لك بكل هذا ؟ ومن أين جئت بهذا الكلام ؟ قلت سوف لأقول لك ، لكن ليس الآن لأنك مشدود مما حدث وعندما تستريح وتهدأ بعد يوم أو يومين أو شهر ، ورأيت أنك محتاج لمعرفة من أين جئت بهذا فسأقول لك ، وبعد حوالي أسبوعين قابلني في أثناء تسليم المكتب له وقال : الآن قد هدأت وأريد أن أعرف منك مصدر هذا الكلام كما وعدت ، قلت له : غداً أقابلك وأقول لك عما تريد ، وفي الغد قابلني وسأل نفس السؤال فقلت له: لحظة واحدة وأخرجت له الإنجيل قائلاً : إن كنت حقاً تريد أن تعرف من أين كل ما فعلته اقرأ هذا الكتاب ، قال : هذا إنجيل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قلت نعم هو من الإنجيل وأنت لك حرية الاختيار إن أردت أن تعرف خذه وأقرأ وإن لم ترغب فأنت وشأنك ، اخذ مني الكتاب وظل يقلبه يمينا ويساراً وينظر إلى باستغراب وأخيراً أخذه وانصرف ، وقلت له إن صعب عليك شيء فيمكنك أن تسألني ، وظل طوال أسبوعين يأتي بأسئلة متعددة واستمر هذا الوضع طويلاً حتى لاحظت عليه تغير كبير وحب كبير للكتاب ، وذات يوم قال : إلى فكرة الكتاب هذا فيه بركة عظيمة إذ منذ أن أخذته منك وأنا أجد كل الخلافات التي كانت بيني وبين زوجتي تزول ، فقلت له اقرأ أكثر لتعرف ما هو المطلوب منك ، استوعب الكتاب بدقة حتى أنه ذات يوم فاجأني بأن طلب مني أن أعلمه الصلاة المسيحية وهيأتها ، فقلت له ليست لها هيئة معينة ، فيمكنك أن تصلي في أي وضع وبأي أسلوب ، وبعد ثلاثة أشهر كانت المفاجأة الغير متوقعة فقد جاءني وأخذ يقبلني ويسألني كيف يمكنه أن يتعمد ، قبل زميلي الرب وكان سبب بركة لأسرته كلها ، فسعدت أنا أيضاً وأحسست أنني قد اختارني الله حقاً للعمل في كرمه ، ولأكون من خرافه ، ولأكون ممن يصطادون الناس لكن هذه المرة ليس للضلال بل للخلاص والحياة الأبدية ، إذ طالما كنت في الماضي أصطاد الناس لأضمهم إلى حظيرة الهالكين فما أجمل أن أعمل مع رب هذا الزمان ومخلصه يسوع المسيح .

بدأت أشعر لأول مرة بأنني أحب بلادي وأحب الناس وأحب التسامح والعفو ، حقاً أصبحت إنساناً جديداً واستخدمني الرب في اجتذاب نفوس للمسيح وإعادة بعض الخراف التي ضلت طريقها وتركت المسيح إلى حظيرة الآب السماوي .

توالت التجارب والاختبارات التي كانت تظهر لي ما عما عالقاً بي من الإنسان العتيق ، وتوالت معها محاربة إبليس سواء من خلال حياتي الروحية أو الجسد كذلك ، فذات يوم كنت ذاهباً لزيارة أسرتي وأخذت ميكروباص من مكان ما إلى حيث تقيم الأسرة ، وسمعت من ينادي على الركاب فأجلسني السائق علي كرسي سعته ثلاث ركاب لكن هو جعلني الرابع ، وكان بجواري على نفس الكرسي رجل متدين كثيف اللحية وزوجته المتنقبة ، فبدأ يتصرف تجاهي بطريقة غير لائقة فأخذ يضيق علي المكان ويبسط رجليه بحيث لم يعد سوى سنتيمترات قليلة ، فنزلت فسألني السائق لماذا نزلت ؟ قلت لا يوجد مكان . قال هذا الكرسي لأربعة نفر وطلب من الشيخ أن يفسح لي ، لكن أحسست أن هذا الرجل لا يريد أن يجلس أحد بجواره حتى لا يضايق زوجته فنزلت ودفعت أجرة الكرسي للسائق وطلبت منه ألا يجلس أحد معهم، وهنا ثارت حمية الرجل فقال لا يا أخي تفضل اجلس، قلت له لا داعي لأن نزاحمك أنت وزوجتك، فأصر على أن أركب فركبت وأفسح لي المكان، وسار بنا الميكروباص بضعة أمتار فإذا بالرجل يسألني سؤال لم أكن أتوقعه، إذ قال لي: هل أنت سلم أم مسيحي؟ قلت لماذا تسأل؟ قال أريد أن أعرف فقط، قلت أنا مسيحي، فقال: يا خسارة لو كنت مسلماً لكان لسلوكك هذا شأن عظيم،قلت له؟ هل تعرفني؟ قال: لا ٌلت وأنا أيضاً لا أعرفك، لكن ترى لماذا فعلت أنا ذلك معك؟ قال: لا أدري، قلت إن لدينا نص في الإنجيل يأمرنا أن نحب كل الناس حتى الذين يسيئون إلينا وأنا قد لا حظت كم كنت قاسياً معي فأردت أن أبين لطف المحبة التي تملئنا نحو كل من يسيء إلينا فلم أجد سوى هذا التصرف الذي رأيته، قال وهل لديكم كتاب؟ قلت نعم، قال هل تعبدون الله؟ قلت ومن نعبد إذن؟قال نعلم أنكم تعبدون المسيح والأحبار والرهبان كما قال القرآن، قلت ليس كل ما تعلمونه عنا صحيح؟ وإلا لما كان ما وجدته مني لكن أشير عليك برأي قال: تفضل قلت سوف أعطيك كتاب مقدس بعهديه القديم والجديد الذي هو الإنجيل لتقرأه وترى ما به، فإن أعجبك فهذا خير وإن لم يعجبك فلن تخسر شيئاً، اتفقنا على أن نتقابل في مكان ما وأعطيته الكتاب وكنا نتقابل أسبوعيا، لأرد على تساؤلاته، وبعد ذلك بدأنا نصلي سوياً وبدأ هو يتناقش مع زوجته حتى أنه كان يريد تطليقها فأخبرته إن هذا لا يوافق فكر الله وصلينا من أجلها واستقر البيت وعم فيه السلام ، وقلت له إن المسيحية حياة تجمع الناس ولا تفرقهم فالزوج غير المؤمن مقدس في الزوجة المؤمنة والزوجة الغير مؤمنة مقدسة في الزوج المؤمن، كان صديقي منبهر جداً بما قرأه في الكتاب ودخل الرب البيت وبناه واستقر وباركه الله كثيراً .

لا أريد أن أنهي هذه الشهادة لأنها في الحقيقة لا نهاية لها لأنه مادام الرب يعمل فيّ فالاختبار مستمر لكن خلاصة ما أريد قوله أنني قد وهبني الله تلك الحياة بدون مقابل بل لو نظرنا للمقابل لن نجد سوى التدمير والتخريب والخطايا ، التي لم يعد الله يحسبها علينا ولا يذكرها لنا فنحن إذن أحرار إن كان الآب قد حررنا فالحياة هي المسيح أما الموت فهو ربح وهذا الشعور يملأني لأول مرة إذ كان الموت من قبل يمثل لي شبح مخيف سواء من عذاب القبر أو سؤال الملكين أو أو. الخ والآن إلى لقاء في اختبارات جديدة وتعاملات جديدة من الرب الذي لا تضيع ودائعه آمين.

عودة للصفحة الرئيسية