الحنفاء أو المحودون
1- أمية بن أبي الصلت
هو أمية بن أبي الصلت? عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي (البداية والنهاية 2:220 - دار الفكر), توفي سنة 630 م - 8 أو 9 ه - والأرجح أنه لم يسلم قبل موته, ويمتلئ شعره بذكر الجنة والنار? واليوم الآخر? والبعث والحساب? والكثير من الأمور الدينية? وكثير من الشعر المنسوب إليه منحول تتضح فيه الصنعة والتكلف? مثل قصيدته التي يَرثي فيها النبي ويدعو فيها لطاعته فيقول فيها:
أطيعوا الرسول عباد الإله-- تنجون من شر يوم ألم
تنجون من ظلمات العذاب -- ومن حرّ نار على من ظلم
فهذه القصيدة - أوردها شولتس في ديوان أمية تحت رقم 23 - واضحة الانتحال وأنها نُسبت إلى أمية بعد موته بمدة? فالمعروف أن أمية مات قبل موت النبي? ولم يمت مسلماً بل قال قبل موته: قد دنا أجلي وهذه مرضة منيتي? وأنا أعلم أن الحنيفية حق ولكن الشك يداخلني في محمد (شعراء النصرانية - 225), فهل يمكن لصاحب هذا الرأي أن يقول مثل ذلك الشعر? وهناك أشعار أخرى تُنسب لأمية لا يحتاج القارئ للحكم عليها لاكثر من قرائتها بتمعن? مثل قوله في قصة موسى:
وأنت الذي من فضل ومن رحمة
بعثت إلى موسى رسولاً منادياً
فقلت له يا اذهب وهارون فادعوا
إلى الله فرعون الذي كان طاغياً
وقولا له أأنت سويت هذه
بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا
وقولا له أأنت رفعت هذه
بلا عمد ارفق إذا بك بانيا
فهذا الشعر نموذج للأشعار المنتحلة وليس بنا حاجة إلى رد القارئ إلى آيات القرآن التي صيغ منها هذا الشعر? وبالرغم من الشك الذي يحيط بأصالة شعر أمية إلّا أن هناك بعض الأشعار التي ترجح نسبتها له - أو أتفق معظم رواة الشعر عليها - وهناك أيضاً بعض الأخبار المتفرقة التي رواها المُحدثون في أحاديث لم يطعن أحد في صحتها مثل ما ورد في صحيح مسلم عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله يوماً فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء? قلت: نعم? قال : هيه فأنشدته بيتاً فقال: هيه ثم أنشدته بيتاً فقال: هيه حتى أنشدته مائة بيت - زاد بعضهم قول النبي: كاد ليُسلم - (صحصح مسلم - شرح النووي - دار الشعب - ج 5 ص 110)? وعن ابن عباس أن النبي أُنشد قول أمية:
رجل وثور تحت رجل يمينه
والنسر للأخرى وليث مرصد
فقل: صدق وهذه صفة حملة العرش (لبلوغ الأرب - البغدادي - دار الكتب العلمية بيروت - ج 2 ص 253),
2 - قُس بن ساعدة:
وهو قس بن ساعدة بن عمرو الأيادي? أسقف نجران? خطيب العرب وحكيمها? عُرف عنه الفصاحة حتى قيل أفصح من قس ? كان مؤمناً - لنصرانيته - بالبعث والحساب? واليوم الآخر? وأغلب شعره مفقود ولكن هناك خطبته المشهورة التي قالها بسوق عكاظ فيما يرويه المسعودي? قال: قدم وفد من إياد على النبي فسألهم عن قُس بن ساعدة, قالوا: هلك , فقال: رحمه الله كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل له أحمر? وهو يقول: أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا? من عاش مات? ومن مات فات? وكل ما هو آت آت? أما بعد فإن في السماء لخبراً وإن في الأرض لعبراً? نجوم تُمور? وبحار تغور? وسقف مرفوع? ومهاد موضوع? وأقسم قُس قَسماً لا حانثاً فيه ولا آثماً إن - لدِينا هو أرضى من دين أنتم عليه, مالي أراهم يذهبون ولا يرجعون? أرضوا بالمقام فأقاموا أم تَُركوا فناموا? سبيل مؤتلف? وعمل مختلف, وقال أبياتاً لا أحفظها فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال: أنا أحفظها يا رسول الله فقال: هاتها فقال:
في الذاهبين الأولين -- من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها يسعى الأصاغر والاكابر
لا يرجع الماضي إليّ ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر
فقال النبي: رحم الله قُساً إني لأرجو أن يبعثه الله أمة وحده (مروج الذهب - المسعودي -المكتبة الإسلامية - بيروت - ج 1 ص 69? 70),
3 - ورقة بن نوفل:
وهو ابن عم خديجة زوج النبي وكان قد تنصر وقرأ كتب اليهود والنصارى وتعلم علمهم? وهو الذي أخبر السيدة خديجة بنبوة الرسول وفي ذلك يقول:
ووصف من خديجة بعد وصف -- فقد كال انتظاري يا خديجا
ببطن المكتين على رجائي -- حديثك أن أرى منه خروجا
بما خبرتنا من قول قُس مِنْ -- الرهبان أكره أن يعوجا
بأن محمداً سيسود يوماً -- ويخصم من يكون له حجيجا
ومات ورقة بعد البعثة النبوية وقد سمع زيد بن عمرو بن نفيل يتحدث عن النبي القادم فقال: أنا أستمر على نصرانيتي إلى أن يأتي هذا النبي , وقد اختلف الإخباريون في ما إذا كان ورقة قد أسلم قبل موته أم لا (البداية والنهاية - بلوغ الأرب - ترجمة ورقة بن نوفل),
4 - زيد بن عمر بن نفيل:
تذكر كتب التاريخ الإسلامي أنه تهود ثم تنصر ثم صار من الحنفاء - لذلك سنورده في الفصل القادم بتفصيل أكبر - وكان زيد لا يذبح للأوثان? ولا يأكل الميتة والدم? ويحيي الموؤودة ولايشرب الخمر وتغلب على شعره النزعة الدينية? ويقول في شعره معلناً كفره بالأوثان:
أرباً واحداً أم ألف رب
أدين إذا تقسمت الأمور
عزلت اللات والعزى جميعاً
كذلك يفعل الجلد الصبور
(البداية والنهاية - بلوغ الأرب - ترجمة زيد بن عمرو)
5 - عديّ بن زيد:
من شعراء البلاط في الجاهلية? وله قصيدة نظمها في معاتبة النعمان على حبسه يقول في بيت منها:
سعى الأعداء لا يألون شراً
عليك ورب مكة والصليب
ولعله يبدو غريباً أن يقسم شاعر مسيحي بالكعبة قبل الإسلام وهي مجمع الأوثان والأصنام, ولكن ما أوردناه سالفاً من تحول بعض أحياء مكة للمسيحية? ووجود صور مسيحية داخل الكعبة? قد جعل المسيحيين يقدسونها ويعظمونها,
ولعدي أيضاً أبيات يذكر فيها بدء الخليقة كما وردت في سفر التكوين يقول فيها:
اِسمع حديثاً لكي يوماً تجاوبه -- عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا
أن كيف أبدى إله الخلق -- نعمته فينا وعرفنا آياته الأولاد
كانت رياحاً وماءً ذا عراثية -- وظلمة لم يدع فتقاً ولا خللا
فأمر الظلمة السوداء فانكشفت -- وعزل الماء عما كان قد شغلا
وبسط الأرض بسطا ثم قدرها -- تحت السماء سواءً مثل مع فعلا
(جواد علي - المفصل - ج 6 ص 668)
هذا ما كان بشأن تواجد المسيحية في شبه الجزيرة قبل الإسلام? وبالرغم من أن المسيحية لا تحتوي على تشريعات محددة? إلا أنها تحوي الكثير من التعليم التي كان يتخذها معتنقو المسيحية نبراساً لهم, وفي رأيي أن كثيراً من هذه التعاليم قد رسخت في الموروث الأخلاقي والتشريعي في الجزيرة قبل الإسلام? والذي كان بمثابة إعداد للعرب لتلقي التعاليم الدينية, هذا بالإضافة إلى القصص المسيحي - خاصة في المواضيع التي لم يتعرض لها القرآن ولا الحديث النبوي - وهذا القصص لا يكان يخلو منه كتاب سيرة أو تفسير? وهذا القصص بعضه من الكتاب المقدس والبعض الآخر من خرافات وهرطقات مسيحيّي الجزيرة? ولعل أكثر من تأثر بهذا الأدب وتلك القصص هم جماعة المحودين والحنفاء الذين سأتكلم عنهم بالتفصيل في الفصل القادم,