3 - الأحابيش:
اختلف المؤرخون - كحالهم دائماً - حول الأحابيش فقد ذكر بعضهم أنهم حلفاء قريش من بني المصطلق ? والحياء بن سعد ? والهون بن خزيمة? وكانوا قد اجتمعوا بذنب حبشي - جبل بمكة - فتحالفوا باللع إنا ليَدٌ على غيرنا ما سجى ليل وأوضح نهار? وما أرسى حبشي مكانه (المفصل 4:30). وسُموا بهذا الأسم نظراً لتحابشهم? والأحابيش لغة هم جماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة (المنجد? حبش). وقيل سموا بذلك لاسودادهم. وقد بحث لامانس في موضوع الأحابيش ? وقرر أنهم قوة عسكرية مكونة من مرتزقة الحبشة ? ولكن عارضه في ذلك كثير من المستشرقين ولم يوافقوا على رأيه (دائرة المعارف الإسلامية? حبش). ولعل أكثر الآراء موضوعية هو ما يراه جواد علي من أن الأحابيش هم عرب وحبش ومرتزقة? وانهم من ساحل تهامة وهي المنطقة التي خضعت لحكم الحبشة مدة من الزمن? فاندمج من استقر بها من الحبش في العرب? وصار من المستعربة الذين ضاعت أنسابهم واتخذوا أنساباً عربية (المفصل 4:33). إذاً لم يكن الأحابيش مجرد مجموعة من العبيد والسبايا? أو حتى جماعة من العرب من قبائل مختلفة? بل كان لهذه الجماعة ثقافتها وقوانينها التي تحكمها? والتي تأثر بها أهل مكة كثيراً? خاصة إذا كانت هذه الجماعة تجيد القتال ومن الممكن الأستعانة بهم في الحروب المختلفة. وتذكر كتب السيرة ما يؤيد هذا الرأي حيث يذكرون الحليس بن علقمة على أنه سيد الأحابيش ورئيسهم يوم أحد (تاج العروس 4:130). ويذكره ابن سعد في صلح الحديبية على أنه سيد الأحابيش ? وأنه كان يتأله? ثم يذكر قوله لقريش: والله لَتُخَلُّنّ بينه - يقصد النبي - وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش! قالوا: فاكفف عنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به (الطبقات 2:96). وهذا التهديد الواضح من الحليس والرد اللين من قريش إنما يدل على قوة الأحابيش واستقلالهم برؤيتهم? خاصة وإن قريش جماعة من التجار? والتجارة لايمكن أن تكون آمنة في وجود هذا التهديد. وفي رأيي أن هذه الجماعةلما لها من قوة ولتركيبتها المتميزة قادرة على أن تؤثر تأثيراً كبيراً في أهل مكة? ففي هذه الجماعة هناك مرتزقة من أسرى الرومان وغيرهم? ولا شك في أن هذه النوعية كانت تتمتع بعقلية أفضل كثيراً من العبيد المستجلبين من الحبشة ولذلك كانت تسند لهم دائما الأعمال التي تحتاج قدراً من الفهم والتفكير? بل لعلنا لانبالغ إذا قررنا أن بعض هؤلاء العبيد كانوا مؤثرين حتى في سادتهم? وذلك للتفاوت الثقافي بينهم وبين أهل مكة? وتذكر كتب السيرة أن بعض هؤلاء العبيد كان لهم كتبهم التي يقرأونها وإن بعض أهل مكة كانوا يجلسون إليهم ويستمعوا منهم? وقد سبق وذكرنا أن النبي كان يجلس إلى بعض من يعملون بمكة من هؤلاء العبيد. وكنتيجة طبيعية لحتكاك أهل مكة بهؤلاء الأحابيش - وخاصة الرومان منهم - أن يعرف أهل مكة ولو قليل عن أسلوب الحكم وشؤونه في البلاد التي أتى منها هؤلاء.