حد السرقة :
المقصود بحدّ السرقة هو العقوبة المفروضة على من أخذ مال أو متاع شخصٍ آخر على وجه الخفية والاستتار? قاصداً بذلك تملك الشئ المأخوذ. وقد اشترط الفقهاء عدة شروط في السارق كي يُطبق عليه الحد وهي:
1 - قيمة المال المسروق? وقد اختلفوا في ذلك على عدة أقوال. فقال عمر بن الخطاب? وعلي? وعثمان? وعائشة: لاقطع إلا فيما قيمته ربع دينار فصاعداً? لورود نص الحديث بذلك. وابن عمر يقول : ثلاثة دراهم? وابن عباس يقول: عشرة دراهم? وأنس يقول : خمسة دراهم. وقال أبو حنيفة والثوري: لاتُقطع يد السارق إلا في عشر دراهم كيلاً? أو ديناراً ذهباً عيناً ووزناً. وروي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخُدْريّ: أن اليد تُقطع في أربعة دراهم فصاعداً. أما رأي الخوارج فإن اليد تٌقطع في كل ما له قيمة ظاهرة .
2 - اتفق الجمهور على أن القطع لايكون إلا على من أخرج من حِرز ما يجب فيه القطع ? والحرز هو ما نُصب عادة لحفظ أموال الناس. قال ابن المنذر: ليس في ذلك خبر ثابت لا مقال فيه? وإنما ذلك كالإجماع من أهل العلم - وأما إذا أشترك جماعة من السُراق في إخراج شيء من مكانه - حرزه - ففيه أقوال كثيرة منها: إذا كانوا متعاونين في السرقة? ولم يكن في مقدور واحد منهم أن يسرق هذا الشئ وحده قُطعوا جميعاً. وإذا انفرد كل واحد منهم دون اتفاق بينهم (بأن ينقب أحدهم ويأتي الأخر ويسرق) فلا قطع على واحد منهم. قال الشافعي: لاقطع لأن هذا نَقَب ولم يسرق? والآخر سَرَق من حِرْز مهتوك الحرمة. وعلى هذا لا يُقطع مَن سرق مِن مكان عام كقاعة أحد الفنادق مثلاً.
3 - ألا يكون السارق مالكاً للمال أو لجزء منه ? مثل من يسرق من بيت المال أو من المسجد وذلك لأن له فيه نصيباً? أو كما يقول الفقهاء: يسقط الحد لشُبهة الملكية .
4 - لا يقطع مَن سرق مِن جوع أصابه? وكذلك لاقطع على أحد من ذوي المحارم مثل العمة والخالة والأخت وغيرهم. وهذا قول أبو حيبفة والثوري? وقال مالك بل يُقطع من سرق من هؤلاء .
5 - اختلف العلماء هل يكون غُرم على السارق مع القطع أم لا ? فقال أبو حنيفة: لايجتمع الغُرم مع القطع بحال? لأن الله سبحانه قال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَا قْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ ولم يذكر غُرماً. وقال الشافعي: يَغرم السارق موسراً كان أم معسراً. وقال مالك وأصحابه: إن كانت العين - الشئ المسروق - قائمة ردها? وإن تَلِفت فإن كان موسراً غَرِم? وإن كان معسراً لم يُتْبع به ديناً ولم يكن عليه شيء ( نُقل هذا الجزء بتصرف من تفسير القرطبي لسورة المائدة 5 الآية 38? ج 6 ص 104 وما بعدها? دار الكتب العلمية? بيروت ) .
هذه هي الأمور التي اتفق عليها الفقهاء بالنسبة لحد السرقة ? ولكن هناك بعض الأمور الآخرى التي ذكرها بعضهم دون بعض مثل: اشتراط البعض التكرار أي العودة للسرقة لكي ينطبق لفظ سارق الوارد في الآية (أصول الشريعة? العشماوي? ص 101).
وتلقين الإمام الإنكار للمتهم? وقد ورد في هذا عدة آثار عن الصحابة? منها عن أبي الدرداء: أنه أتى بجارية سرقت? فقال لها: أسرقتِ? قولي لا. فقالت: لا? فخلى سبيلها. وعن عطاء أنه قال: كان من مضى يؤتى لهم بالسارق? فيقول: أسرقت? قل لا? وسمى أبا بكر وعمر. وعن عمر أنه أتى برجل فسأله: أسرقت قُل لا? فقال لا? فتركه (نيل الأوطار? الشوكاني? ج 7 ص 134).
وبالرغم من صعوبة هذه الشروط لكي يُطبق الحد على السارق? فإن هناك كثيراً من الجرائم لا يمكن تطبيق حد السرقة فيها - لوجود أحاديث تمنع ذلك - كالاختلاس? والنهب? وخيانة الأمانة? فقد ورد عن جابر أن رسول قال: ليس على الخائن? ولا على المختلس? ولا على المنتهب قطع (سنن الدارقطني? 3:187) ? وأيضاً وردت عدة أحاديث تنهى عن إقامة الحدود على أهل الكتاب? وقد روى الدارقطني عن بن عباس أن النبي قال: ليس على العبد? ولا على أهل الكتاب حدود (الدراقطني? 3:86) وحديث آخر عن عائشة قالت: سمعت رسول الله يقول: لاتقطع يد سارق إلا في ربع دينار فصاعداً (الدارقطني? 3:189). معنى هذا أنه إذا سرق شخص ربع دينار تُقطع يده? وإذا اختلس آلاف الجنيهات فلا قطع عليه. وقد يقول قائل: من الممكن لنا أن نضع عقوبة مناسبة للإختلاس. فنجيبه بما قاله الدكتور محمد طلبة زايد:
1 - خيانة الأمانة:وهي أن يأخذ الجاني المال المودع عنده بغير علم صاحبه ولا رضاه? ثم ينكره أو يتصرف فيه بغير إذن صاحبه ولا علمه - وهو ما يُسمى في القانون الجنائي بالتبديد - فيحكم عليه برد المال والتأديب...وحيث لانص فيه بالقطع? فلا قطع لأنه لا تشريع إلا بنص.
2 - جحد العارية: وهي أن يستعير المرء المتاع من صاحبه ثم ينكره? يريد أخذه لنفسه? وهو يعلم أنه ملك صاحبه...ولا قطع في جحد العارية ولكن رد المال والتأديب.
3 - الاختلاس: وهو أن يأخذ المختلس من الأموال التي هو أحد العاملين عليها بغير علم المالك وإذنه? فيكلف برد المال? ويعاقب بالتعزير والتأديب? ولا قطع فيها إذ لانص بذلك.
(ديوان الجنايات? باب الإختلاس? مشبهات السرقة? مطبعة السنة المحمدية? القاهرة? 1982م? صفحة 121 ? 122). والأمر لايقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى ما رواه الدارقطني عن عبد الرحمان بن عوف قال: قال رسول الله لاغرم على السارق بعد قطع يمينه (الدارقطني? 3:182) أي أن السارق يحتفظ بما سرق بعد تطبيق الحد عليه? ومن الممكن - في ظل التقدم الطبي - أن يقوم السارق بتركيب يده المقطوعة? فيحيا مستمتعاً بما سرق. ولايمكننا وقتها معاقبته لأنه لاعقوبة إلا بنص. ولعل البعض يقول: إن الجرائم التي لايوجد لها نص واضح في الشريعة? يعاقب عليها بالتعزير الذي قد يصل إلى الإعدام. ولكن هذا الرأي غير صحيح? لأن هناك حديثاً عن النبي يقول: لا يُجْلَدُ فوقَ عشر جلدات إلا في حدٍّ من حدودِ الله (متفق عليه? مشكاة المصابيح? تحقيق الألباني? حديث رقم 3630) وكما هو واضح أن التعزير والتأديب ليست حدوداً ولكنها عقوبة أقل من الحد. وعلى هذا الأساس لايمكن معاقبة من يرتكب جريمة غير منصوص عليها بأكثر من الجلد عشر جلدات. وإلا صار الناس - طبقاً لمنطق ضيقي الأفق من المتأسلمين - يشرعون من دون الله,