الفصل الثاني
الكعبات وبيوت الأرباب
للتاريخ العربي أن يحدثنا عن مكة وكعبتها على أنها قبلة العرب - قبل الإسلام - ومحجهم? وله أن يحدثنا عن رفع إبراهيم القواعد من البيت? ولنا أن نقبل كل ذلك دينياً وألا نناقشه - إذا ثبت صحته - ولنا أن نقبل كذلك كل الأساطير التي أوردها المؤرخون حول الثعبان الذي كان يحرس الكعبة? والرخ الذي قتله وألقاه بعيداً عند بنائها (السيرة الحلبية 1:233), ولكن كل ذلك لا مجال له في هذا البحث? لأننا نبحث في التاريخ? ويحق لنا ألا نثق في معظم ما جاءت به الأخبار,
وإذا بحثنا في موضوع الكعبة - تاريخياً - نجد أنها لم تكن الكعبة الوحيدة في الجزيرة العربية? ولكن كان هناك كثير غيرها في طول الجزيرة وعرضها, وبالنسبة لكعبة مكة يقول الدكتور طه حسين: للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل? وللقرآن أن يحدثنا أيضاً? لكن ورود هذين الاسمين في التوراة لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي? فضلاً عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها? ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى? وأقدم عصر يمكن أن تكون نشأت فيه هذه الفكرة? إنما هو العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية? ويبثون فيه المستعمرات, فنحن نعلم أن حروباً عنيفة شبت بين اليهود المستعمرين? وبين العرب الذين كانوا يقيمون في هذه البلاد? وقد انتهت بشيء من الملاينة? ونوع من المحالفة والمهادنة, فليس ببعيد أن يكون هذا الصلح الذي استقر بين المغيرين وأصحاب البلاد منشأه هذه القصة التي تجعل العرب واليهود أبناء عمومة? لا سيما وقد رأى الفريقان شيئاً من التشابه بين الفريقين غير قليل? فأولئك وهؤلاء ساميون,,, وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول مثل هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح (في الشعر الجاهلي - د, طه حسين - ص 26 و27), هذا ما يقرره طه حسين بالنسبة لتاريخية كعبة مكة, وكان في الجزيرة عدة كعبات أخرى وإن لم تكن بشهرةكعبة مكة - منتشرة في أنحاء الجزيرة? وكانت العرب تحج إليها في أوقات معلومة - وغير معلومة - وتذبح عندها وتقدم لها النذور والهدايا? وتطوف بها في طريق الميثولجيا عند العرب - محمود سليم الحوت), وأما أشهر كعبات الجزيرة قبل الإسلام - بعد كعبة مكة - بيت ثقيف? وبيت اللات? وكعبة نجران? وكعبة شداد الايادي? وكعبة ذي الشرى? وبيت الأقيصر? وبيت رضا? وكعبة رحيم? وبيت العزى? وبيت ذي الخلصة (راجع - المفصل - جواد علي - ج 5 ص 398 وما بعدها وطوالع البعثة المحمدية - العقاد - صفحة 130),