تشريعات الكعبات:
لم تكن عبادة العرب متوقفة على مجرد الطواف حول الكعبات أو الأصنام? أو حتى الذبح عندها والحلق والتقصير? بل كان لهذه الكعبات عدة تشريعات أخرى لم يكن يجرؤ أحد على انتهاكها? كتحريم القتال عندها وتقديم الأموال التي كانت بمثابة خراج يقدم الموسرون لإضافة الحجيج? بل إن الأمر بلغ بالعرب اعتبار من يعتلي كعبة مكة من العبيد حراً? لأنهم لم يساووا بين عز اعتلائها وذل العبودية (المفصل 6:431), وكانت كعبة مكة تتميز عن بقية الكعبات بعدة أشياء - مع اشتراكها في باقي أركان العبادة الخاصة بتلك الكعبات - مثل ما ذكره السيوطي في سبب نزول البقرة 2:158 إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا أن العرب - بعد الإسلام - كانوا يتحرجون من السعي بين الصفا والمروة لأنهم كانوا يفعلون ذلك قبل الإسلام? فظنوا أن ذلك من شعائر الجاهلية, فأخبروا النبي بذلك فوضح لهم أن السعي بينهما من شعائر الله التي توارثوها عن جدهم الأكبر إسماعيل, ومما تميز به بيت مكة أيضاً: رمي الجمرات والوقوف بعرفة? والإفاضة من المزدلفة? واستلام الركن? وتقبيل الحجر الأسود? إجارة المستعيذ بالبيت وتحريم إيذائه? وكل هذا مما وافق عليه الإسلام وأقره (المفصل ج 6 ف 74 - الحزب الهاشمي - د, القمني - ص 21 وما بعدها),
ومثلما وافق الإسلام على كل ما سبق إلا أنه لم يوافق على جملة أشياء كطواف العراة? فقد قال النبي: لا يوف بالكعبة عريان , ولم يكن العرب يطوفون بالبيت عراة لانحلالهم كما يصور لنا ذلك رواة التاريخ? ولكنهم كانوا يتحرجون من الطواف في الملابس التي اقترفوا فيها الذنوب - لقداسة الكعبة عندهم - فكانوا يستعيرون - أو يبتاعون - ملابس الحُمس لاعتقادهم أن القريشيين هم اهل بيت الله? وأنهم أطهر منهم, وكان أحدهم إذا لم يجد ما يرتديه من ملابس الحُمس? طاف بالبيت عرياناً, وتذكر الكتب أن امرأة كانت تطوف بالبيت شبه عارية - لأنها لم تجد من ثياب الحُمس ما ترتديه - فأخذت تطوف وهي تنشد:
اليوم يبدو بعضُهُ أو كله -- وما بدا منه فلا أُحله
(بلوغ الأرب ج 1 ص 244)