لماذا الكعبات:
تشترك جميع كعبات الجزيرة في صفتين أساسيتين? فجميعها أبنية مكعبة? وجميعها أُطر لأحجار سوداء, وقد قال الدكتور القمني في كتابه الحزب الهاشمي : أن هذه الأحجار إما نيزكية أو بركانية? وإن سبب اسوداد لونها هو عوامل الاحتراق التي تعرضت لها? وإن سبب تقديس هذه الأحجار هو كونها آتية من عالم مجهول? فالحجر البركاني مقذوف ناري من باطن الأرض? وما صيغ حوله من أساطير قسمته طبقات ودرجات واحتسبته علماً لأرواح السالفين المقدسين? كذلك الحجر النيزكي? وربما كان أكثر جلالاً? لكونه يصل إلى الأرض وسط مظاهرة احتفالية سماوية تخلب لب البدوي المبهور (الحزب الهاشمي - د, سيد القمني ص 21 و22),
لكني أختلف مع الدكتور القمني في جزئية واحدة? وهي أن بعض هذه الأحجار السوداء إنما هي أحجار بركانية? فإنه من المرجح - إذا كانت هذه الاحجار بركانية - أن تنشأ عبادة لها طقوس أخرى? مثل حرق جثث الموتى? وتقديم ذبائح بشرية حية لهذه الآلهة - البراكين - لتسكين غضبها? كما كان يحدث في جنوب شرق آسيا واليابان? أو للتقرب إليها كما يحدث في الهند? ولانتشرت المجوسية أكثر من أي ديانة أخرى في شبه الجزيرة ولأحدثت البراكين حرائق يستحيل على البدوي أن يسيطر عليها - وهذا كله لم يحدث ولم يسجل لنا التاريخ أي شيء كهذا - ولكن عبادة تقديم القرابين البشرية الحية كانت متوقفة على عبدة الزهرة كما ذكرنا من قبل? وكانت ذبائحهم دائماً من الأطفال الصغار,
وفي رأيي أن هذه العبادة لم تكن منتشرة لا في الجزيرة? ولا في الشام ومصر? لبعد هذه البلاد عن المناطق البركانية? فلم تكن النار بالنسبة لهم سوى إلاهاً مستأنساً لا يخافون بطشه? وإن كان كثير منهم يعظمونه ويجلونه لفائدته لهم? وبالنسبة لما قاله الدكتور القمني? من أن هذه الأحجار السوداء? أحجار نيزكية? فهذا الرأي له شواهده في كتب التراث بل وفي القرآن? إذ يقول في سورة الجن 72:9 وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً , وفي كتب السيرة نجد الكثير عن تلك الشهب (أو النيازك) التي كانت تُرمى بها الشياطين (السيرة الحلبية - ج 2 ص 335 وما بعدها) وعلى هذا الأساس ترجع تسمية الكعبات? ببيوت الله - كما ذكر د, القمني - فهذه الأحجار تأتي لهم من عند إله السماوات? فجعلوا لها بيوتاً? وقدسوها? وعظموها وحجوا إليها? ظناً منهم بأنهم هكذا إنما يزورون الله في بيته ممثلاً في هذه الأحجار السوداء,