مكة:
أما بيت مكة فقد كانت له تلك المكانة الخاصة لعدة عوامل? منها وقوع مكة في ملتقى القوافل? ووجود معظم معبودات العرب حولها? ووجود بئر زمزم - مع ما راج حوله من أساطير - جعلها أكثر استقراراً من غيرها من المناطق, بالاضافة إلى هذا فإن تلك المكانة - لمكة وقريش - لم تكن وليدة الصدفة بل لقد ترسخت عبر سنين عديدة بواسطة أشخاص عملوا على إعطاء مكة وقريش هذه المكانة الكبيرة? مثل: كعب بن لؤى? وقصي بن كلاب? وهاشم بن عبد مناف? وعبد المطلب بن هاشم (راجع قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية - لخليل عبد الكريم),
ومن العوامل الهامة أيضاً وجود الحُمس? فالعرب يرون للحُمس فضلاً ومكانة? حيث أنهم هم أهل الحرم والقائمون على أمر الدين, والحُمس هم: المتشددون في الدين? وكانوا إذا أحرموا لا يلبسون الوبر ولا الشعر? ولا يستظلون به ما داموا حُرماً? ولا يغزلون الوبر ولا الشعر ولا ينسجونه? ولا يأكلون شيئاً من نبات الحرم? وكانوا يعظمون الأشهر الحرام ولا يظلمون فيها أحداً وكانوا يطوفون في ملابسهم ولا يخلعونها? وإذا أرادوا شيئاً من بيوتهم وهم محرمون دخلوا من الأَبواب - عكس سائر العرب - وقد بقيت هذه النظرة للحُمس - وهم قريش ومن ولدت من قبائل وكذلك حلفاؤها في بعض الروايات - إلى ما بعد الإسلام? فيروي النيسابوري: أن الناس في الجاهلية وأول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج والعمرة لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه? فإن كان من اهل المدن نقب نقباً في ظهر بيته منه يدخل ويخرج? أو يتخذ سلماً فيصعد منه? وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل من الباب حتى يُحل من إرحامه ويرون ذلك ذماً إلا أن يكون من الحُمس - وهم: قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخثعم وبنو عامر بن صعصعة وبنو النظر بن معاوية - سموا حُمساً لشدتهم في دينهم - فدخل رسول الله بيتاً لبعض الأنصار? فدخل رجل من الأنصار على أثره من الباب وهو محرم? فأنكروا عليه ذلك? فقال له رسول الله : لِمَ دخلت من الباب وأنت محرم? فقال: رأيتك دخلت من الباب فدخلت على أثرك , فقال رسول الله : إني أحمسي ? قال الرجل: إن كنت أحمسياً فإني أحمسي? ديننا واحد رضيت بهديك وسمتك ودينك? فأنزل الله وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها (أسباب النزول - النيسابوري - 2 40),
فالواضح إذن من النص السابق أن هذه المكانة لقريش ومكة والكعبة? كانت راسخة في العقل العربي - حتى النبي نفسه - إلى ما بعد الإسلام? مع ما كان لها من تأثير كبير في عدة أمور هامة? كالخلافة? والإمارة - كما سنرى لاحقاً - ولم تتوقف مكانة مكة وكعبتها عند هذا الحد? بل إن الأمر وصل بالعرب? ألا يضعوا مواثيقهم وعهودهم إلا داخلها لقدسيتها? ومكانتها عندهم,