بدأت قصتي في أواخر الثمانينات، عندما حجزني البوليس الإيراني ، دون أية أسباب . إذ كان يعتقد بأن لي علاقة بالأحزاب السياسية الكردية المعارضة للجمهورية الإسلامية ، بينما أنه ليس لي أية صلة بأي حزب سياسي ، أو أي كتلة ذات توجه ما . ومرت شهور دون أن يسمحوا لعائلتي أن تعرف شيئاً عني . وأخيراً جاء اليوم الذي أخذوني فيه للمحكمة . وهناك سألني القاضي ثلاثة أسئلة ، مازلت أذكرها حتى الآن ، وهي تلك الأسئلى التي يسألها لكل من يمثل أمامه
ما اسمك
اسمى زينه
ما هي جنسيتك؟
أنا كردية
ما هي عقيدتك؟
أنا مسلمة سنية
بعدها أخرجوني من المحكمة ليلقوا بي ثانية في زنزانة السجن ، وضُربت طوال الليل . وفي اليوم التالي وضعوني في أتوبيس وأخذونا إلى مهاباد ، مدينتي في كردستان ، وكنت أجلس في الأتوبيس بجوار رجل ، فتح شنطته ليتناول منها سندويتشاً ملفوفاً في ورقة جريدة . كنت وقتئذ أشعر بالجوع الشديد ، لأنني لم أكل طعاماً منتظماً لمدة ستة أشهر . لم أرغب في النظر إلى طعامه ، إلا أن لعابي سال ، فلم أكن بمستطيعة مقاومة رائحة الكباب . تحول نحوي وسألني إذا كنت أرغب في أن أتناول واحداً ، وطبعاً ، وبلا أدنى تردد قبلت الدعوة . ولست أنكر خوفي منه ، إلا أنه فاجأني بأن أعطاني اثنين من الثلاث سندوتشات التي معه . وسألته عن اسمه فأجابني : يعقوب ، ولم أكن قد سمعت بهذا الاسم من قبل . فسألته ما نوع اسمك هذا ؟ فقال : أنه عبراني . فقلت : إذاً فأنت يهودي؟ قال باسماً : لا ، أنا مسيحي .
وكنت قد سمعت الكثير من الأمور السلبية عن المسيحيين في القرآن ، ولهذا فلم أرغب في فتح حوار معه عن المسيحية . إلا أن شيئاً ما بداخلي جعلني أتسأل ، لماذا هو يؤمن بالمسيحية ؟ فسألته ما إذا كان يؤمن بأن المسيح هو ابن الله ؟ فأحابني : نعم . فاندفعت مستهجنة بسؤالي : وهل لله زوجة؟ يعني هل يمارس الجنس ؟وبدأ بقوله : لو قلنا أن الله مارس الجنس مع مريم فتلك خطيئة عظمى؟ ولكن المسيح هو ابن الله بطريقة روحية ، وليس بالطريقة التي ولدنا بها نحن . ونحن لا نقول أبداً أن الله كان متزوجاً ، بل نحن نؤمن بإله مقدس. عند هذا الحد رغبت في إنهاء هذه المناقشة ، بأن أغير دفة الحديث ، إلا أن تفكيري قد جمد تماماً . فسألته : هل أنت ذاهب إلى كردستان ؟ فقال لي : أن له صديقاً طلب مساعدته . فسألته عن اسم صديقه ، فقال : زينه ، وكان هذا هو اسمي أنا أيضاً . واعتقدت أنه اسم شخص آخر ، ففتح حقيبته ، وبكل هدوء أعطاني نسخة من الكتاب المقدس ، ووضعه في حقيبتي ، وقد كان يدرك بأنه لو رآه شخص آخر بهذا الكتاب فقد يدفع حياته ثمناً لهذا . فسألته : ما هذا الكتاب ؟ فقال : ستعرفين فيما بعد
وصلنا أخيراً إلى مهاباد ، وغادرت الأتوبيس قبله ، أخذت حقيبتي وانتظرت نزول يعقوب إلا أنه لم ينزل منه . . فتوجهت إلى السائق وسألته عن الرجل الذي كان يجلس بجواري ؟ ولدهشتي وارتباكي لجوابه الذي كان :" لم يكن هناك رجل بجوارك" ، فاعتقدت بأنني قد جننت . وقلت لنفسي ربما كان هذا حلماً . ولكن ، ماذا عن مذاق السندوتشات الذي مازال عالقاً بفمي ؟ وأيضاً هذا الكتاب الماكث بحقيبتي . فمن هو يعقوب ؟ لماذا لم يذهب لبيت صديقه ؟ وتذكرت أن اسم صديقه هو " زينة" ، وعندئذ أدركت بأنه كان يقصدني أنا . فذهبت إلى منزلي ، لأجد أمي تبكي ، وعندما رأتني اندهشت ، وفرحت جداً لعودتي. وسألتها : ماذا حدث منذ غادرت المنزل ؟ فقالت أن الجنود كانوا يبحثون عني ، وأن " خائناً" قد اغتصبها ، وعند سماعي كل هذا الكلام ، شعرت وكأن شخصاً ما يضربني على ظهري بعصاً غليظة . وتركتها وذهبت إلى غرفتي ، لأبكي بكاء طفل . ولم أصدق أن هذا يمكن أن يحدث
وفي تلك الليلة ، وعندما سألت عن أخي الأكبر " حسن" أجهش الجميع بالبكاء . لقد شُنق ! ولم أتمكن من تناول طعام العشاء ، وتركتهم لأعود إلى غرفتي ، لمزيد من البكاء. وشعرت بأنيي أحمل كل العالم على كتفي . وتناولت الكتاب المقدس من حقيبتي ن وبدأت في القراءة، مبتداةً من إنجيل متى . ودهشت للغاية ، لأنني لم أر شيئاً مثل هذا من قبل . وتوقفت عند الإصحاح العاشر وذهبت لفراشي . وكان صوت بكاء أمي وأختي مازال يطرق أذني . وجاء الجيران لتعزيتهم وللتخفيف عنهم
وفي اليوم التالي ، ذهبت لزيارة قبر أخي ، وعادت الحياة لطبيعتها تدريجياً ، إلى أن كان في أحد الليالي ، وإذ يظهر لي يعقوب في حلم لقول لي بأنه يجب أن أترك بلدتي حالاً . وكان هذا ليثير في حدساً بأن أمراً غريباً ما سيحدث ، فذهبت إلى بيت إحدى صديقاتي واختبأت عندها ، مع أنني لم أكن راغبة في ترك بلدتي ، إذ أنني أحبها .. وفي إحدى الليالي تسللت إلى منزلي ، وإذ بالجنود يملاؤون البيت ، ويغتصبوا اختى هذه المرة . وقد كان لأخي ، الذي أُعدم ، بعض العلاقات بالأحزاب السياسية الكردستانية . ولكن ما هو ذنبنا نحن ؟ هل هذه هي الجمهورية الإسلامية ؟ وفكرت في الإنتحار ، ولكنني سوف أترك الكثيرين خلفي ، ولولا أسرتي لكنت أقدمت على الانتحار . كنت أعلم أن " يعقوب " يريد أن يقول لي شيئاً ما ! ولكن ما هو؟ ساعدني يا يعقوب ، ماذا تريدني أن أفعل ؟ وذهبت إلى غرفتي وأخذت ما استطيع حمله ، فقد قر قراري على الرحيل . وأخذت معي الكتاب المقدس واتجهت نحو الجبال وعبرت الحدود إلى العراق . وتوقفت قليلاً للراحة ، وتناولت الكتاب المقدس ، وبدأت في القراءة مجدداً حتى وصلت إلى إنجيل متى والإصحاح الحادي عشر والآية 28 ( متى 11 : 28 ) " تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال ، وأنا أريحكم"، صُدمت ، ولم أتمكن من التفكير . إذ وجدت في الكتاب ما أبحث عنه . وجدت فيه ما يمكن أن يسدد كل احتياجاتي . وفي منتصف الليل سلمت حياتي للرب يسوع المسيح . لم أصدق تلك التغييرات التي حدثت بداخلي ، إذ شعرت بسلام لا يمكن التعبير عنه بالكلمات ، وإذا الحمل الثقيل وقد انزاح عن كاهلي . لقد فهمت الآن من هو الله . وشكرت الله على أنيي لم أنتحر ، فللرب خطة في حياتي ، وقد علمت الآن من هو يعقوب ، لقد كان ملاكاً ، ولكم كان من الصعب على تصديق ذلك .
والآن أنا أغفر لكل من ارتكب خطأ ضدي ، وبدلاً من أن ألعن هؤلاء الذين ضربوني في السجن ، بدأت أصلي من أجل خلاصهم . كم أشكر الله من أجل هذا الاختبار
أصلي أن يمنحك الله نفس هذا الاختبار ، وأود مساعدتك لمعرفة الحق
masihim@yahoo.com: سأسعد بتلقي مراسلاتكم على عنواني التالي