تكوين 4 -- 6 | تكوين 7 -- 9 | تكوين 10 -- 12 | تكوين 13 -- 15 | ||
تكوين 22 -- 24 | تكوين 25 -- 27 | تكوين 31 -- 33 | تكوين 34 -- 36 | ||
تكوين 40 -- 42 | تكوين 46 -- 48 | تكوين 49 -- خروج 1 |
مقدمة لسفر التكوين
سفر التكوين هو أول الأسفار الخمسة التي كتبها موسى بوحي من الروح القدس. والتكوين معناه "في البدء" وهو القصة الوحيدة الدقيقة للخليقة والتاريخ القديم للبشرية.
وتعلن لنا أول عبارة أن الله شخص حي، وأنه الخالق الأسمى، كلي القدرة والسلطان على الكون (يوحنا 1:1-3؛ كولوسي 16:1-17). لقد خلق كل الأشياء بقوة كلمته - بمجرد أن تكلم أتت إلى الوجود. ولا زالت كلمته اليوم لها نفس القوة (عبرانيين 12:4). إن هذا الحق يكشف كذب الملحدين الذين ينكرون وجود الله ويفضح جهلهم. وهو أيضا يكشف خدعة "العصر الجديد" تلك النظرية التي تنادي بأن الأرض الأم هي الله (مزمور 1:53).
ويرفض العلماء البارزون في الوقت الحالي نظرية بأن الأرض عمرها بلايين السنين، ولديهم البراهين على أن كل ما على الأرض نشأ في ستة أيام حرفية، مدتها 24 ساعة، تماما كما هو مدون في الكتاب المقدس.
عندما تعرّض الرب يسوع للسؤال من أعدائه بشأن الطلاق، أكد مصداقية سفر التكوين، وليس ذلك فقط بل كشف أيضا عن كذب نظرية التطور. فلقد اقتبس من سفر التكوين قائلا: أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى، وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا؟ (متى 4:19-6؛ تكوين 27:1، 24:2). فالإيمان بنظرية التطور معناه تكذيب المسيح، الخالق. وقد أعلن يسوع أيضا أن سفر التكوين ضروري من أجل إيمان الناس به، فيقول: لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني (يوحنا 5:46).
تظهر بوضوح أهمية ومصداقية سفر التكوين في إنجيل متى عندما أشار يسوع إلى نوح (متى 37:24-38؛ تكوين 5:6؛ 6:7-23)، وسدوم وعمورة (متى 15:10؛ تكوين 24:19-25).
يظهر الثالوث الإلهي في أصحاح 1 حيث نقرأ: خلق الله ... روح الله يرف على وجه المياه ... قال الله، نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا (1، 2، 26). وفي يوحنا 3:1 نقرأ: كل شيء به كان [أي المسيح] (لمزيد من التفاصيل انظر التعليق على سفر إشعياء). واليوم، كما في ذلك الوقت، ينبغي أن يتمجد الله في كل ما نقوله ونعمله أثناء إتمام الإرسالية العظمى بنشر الأخبار السارة؛ عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس (متى 19:28).
الأصحاحات 1-11، تسجل الـ 2000 سنة * الأولى من تاريخ البشرية. حدثت خلال هذه المدة ستة أحداث رئيسية: (1) خلق كل الأشياء؛ (2) خطية آدم وحواء؛ (3) بناء الفلك بواسطة نوح بعد 1500 سنة؛ (4) الطوفان العظيم؛ (5) بناء برج بابل، بعد 300 سنة؛ (6) بلبلة الألسنة.
الأصحاحات 12-50 من سفر التكوين تغطي حوالي 500 سنة* وتركز على أربعة رجال - هم إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف. فمن خلال هؤلاء الرجال، نرى محبة الله لشعبه الذي يطيع كلمته، وقدرته على حمايتهم وإعالتهم.
يصف سفر التكوين بداية كل الأشياء، بينما يشرح سفر الرؤيا - آخر الأسفار المقدسة - كيف ستنتهي كل الأشياء.
* ملحوظة: جميع التواريخ هي فترات زمنية تقريبية والهدف منها هو إعطاء القارئ فكرة عامة عن الأحداث بالارتباط بالفترات الزمنية.
يعلن سفر التكوين أن الإنسان، بجسده ونفسه وروحه، هو أسمى خلائق الله (1 تسالونيكي 23:5). قال الله: نعمل (أي الآب، والابن، والروح القدس) الإنسان على صورتنا كشبهنا (تكوين 26:1) - لكي يطيع كلمة الله ويحقق الغرض الذي من أجله قد خُلق. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى علاقة مستمرة مع الله بإرادة حرة تستطيع أن تقول "نعم" أو "لا" للتجارب.
عند هذه النقطة دخل الشيطان وتكلم مع حواء، قائلا: أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ (تكوين 1:3). ويبدأ عادة هجوم الشيطان بالتشكيك في كلمة الله. وأفضل طريقة للإجابة على أسئلة الشيطان هي بأن نفعل ما فعله يسوع - بالاقتباس فورا من كلمة الله. هذا ما فعله في كلٍ من تجاربه الثلاث (متى 1:4-11).
ولكن الخطأ الأول الذي وقعت فيه حواء هو التردد وإعادة التفكير، ثم الإجابة من خلال الإضافة إلى كلمة الله. إن الأسلوب الوحيد المضمون لكي نظل أمناء للرب هو التمسك بالثقة الكاملة والخضوع لكلمة الله المقدسة. لقد اعترف داود بذلك في صلاته، فقال: بكلام شفتيك أنا تحفظت من طرق المعتنف (مزمور 4:17). والثقة الكاملة بكلمة الله لها أهمية قصوى إذ أنها الطريقة الوحيدة للانتصار على الشيطان والتمتع بأفضل ما في الحياة.
التشكك في كلمة الله يؤدي دائما إلى العصيان. في هذه اللحظة من حياة حواء، فقدت كلمة الله سلطانها على قلبها وضميرها وذهنها. فبمجرد أن فكرت في بديل للوصية لا تأكل منها (تكوين 17:2) أتتها في الحال كذبة الشيطان: بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر (تكوين 5:3). فالشيطان ينوه إلى أنه إذا كان الله حقا يحبكم، فلماذا يحرمكم من التمتع بأعظم الامتيازات؟
من المستحيل أن يحجز الله عن أولاده خيرا حقيقيا. ففي الواقع عندما يقول الله لا تفعل (تكوين 26:1) فإنه يعني بذلك أننا إذا عصينا كلمته سنصبح في حال أردأ. نعم، لقد انفتحت أعينهما، ولكن ما أبشع ما رأيا! لقد رأيا أنهما مذنبان أمام الله. لقد فقد آدم وحواء سلطانهما على الجنة، وفقدا السعادة والبراءة والسلام - فقدا كل شيء. والأكثر من ذلك، فإن العلاقة مع الله والخطية لا يجتمعان معا.
ففي ذات اليوم الذي أخطأ فيه آدم، مات روحيا. لم تفنَ روحه، ولكنها صارت منفصلة عن الله وعن الحياة الأبدية. ومنذ هذه اللحظة ملك الموت (رومية 12:5-14). فالموت الجسدي هو انفصال الروح عن الجسد، والموت الروحي هو انفصال الروح عن الله.
عندما أخطأ الإنسان، كان ينبغي أن يموت حيوان بريء لكي يغطي جلده عري إنسان؛ لقد تطلب الأمر ذبيحة دموية كإشارة لذبيحة المسيح نفسه. ولأن الحياة هي في الدم، كان لا بد من تقديم حياة. ولأن الإنسان تنازل عن سلطانه على الأرض للشيطان، فكان لا بد من إنسان بلا خطية لكي يسترده مرة أخرى، ومن هنا جاءت أول نبوة عن المسيا (تكوين 15:3).
لقد ورث الجنس البشري كله طبيعة آدم وحكم الموت الواقع عليه. فلقد أتينا إلى هذا العالم متجنبين (منفصلين) عن حياة الله (أفسس 18:4)، ولنا هذا القلب - الذي هو - أخدع من كل شيء ونجيس (إرميا 9:17)؛ وبالتالي فنحن أموات بالذنوب والخطايا (أفسس 1:2).
وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه (يوحنا 12:1).
إعلان عن المسيح:
كالخالق (تكوين 1:1). يوحنا 1:1-4؛ كولوسي 15:1-17؛ عبرانيين 3:11. كنسل المرأة (تكوين 15:3). إشعياء 14:7؛ 6:9-7؛ غلاطية 4:4.
فَقَدَ آدم وحواء في الحال جميع مباهج الطاعة وطردا من جنة عدن عندما تشككا في كلمة الله وتجاهلاها. وقد استمر نسل أبناء الله (تكوين 2:6،4) من خلال شيث (تكوين 3:5) النسل الذي كان سيأتي منه يسوع المسيح (لوقا 38:3). ومن بين أحفاد شيث أخنوخ الذي تميز بأنه سار مع الله في علاقة صحيحة ، ومن بعده حفيده الرابع نوح (تكوين 22:5،24،28-29).وبعد قتل قايين لهابيل استمر العنف والشر في التزايد على الأرض من خلال بنات الناس - أي العصاة (2:6).
وحدث... أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات، فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا (تكوين 6:2). يبدو أن هذا التزاوج بين المؤمن وغير المؤمن مرغوب في كثير من الأحيان - وكأنه شيء يدعو إلى الفخر وليس إلى الخوف.
بحسب حكم الناس يحدث أحيانا جدل بشأن هذه الزيجات بحجة أنها قد تجلب فائدة، تماما كما نرى في هذا الجزء الكتابي: إذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولادا هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم (4:6). فإن القلب البشري قد ينتفخ بالكبرياء من جهة الأبناء المولودين من هذه الزيجات المختلطة عندما يصبحون من رجال الفن البارزين، أو من ذوي المهارة أو النفوذ أو الاسم.
ولكن حكم الرب كان مختلفا تماما. فلقد رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم (5:6). فالمبدأ الكتابي كان دائما منذ البدء هو هذا: لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبّخوها (أفسس 11:5)؛ محبة العالم عداوة لله (يعقوب 4:4)؛ لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين (2 كورنثوس 14:6). وهذا المبدأ لا ينطبق فقط على الزواج ولكن على جميع مشاريعنا. فمن وجهة نظر الله، لا يمكن تحقيق فائدة ما من خلال التنازل عن الحق لصالح علاقة غير مقدسة.
عندما تكلم الله مع نوح بشأن الدينونة الآتية على العالم، لم تكن هناك علامات على ذلك. ولكن الإيمان لا ينتظر أن يرى شيئا حتى يؤمن، وإنما الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله (رومية 17:10).
فالإنسان الطبيعي محكوم بما يراه بعينيه وما يفكر فيه بذهنه. ولكن الإيمان محكوم فقط بكلمة الله. فكل ما يحتاج رجل الإيمان أن يعرفه هو أن الله قد تكلم وهذا يحسم كل شيء. لذا فمن الواضح أنه ليس هناك ما هو أهم من فهم كلمة الله.
كان الفلك هو عطية النعمة التي أعدها الله لنوح، تماما كما أن المسيح بالنسبة للمؤمنين هو المخبأ من دينونة الله وكذلك وسيلة الانفصال عن العالم الشرير. إن خلاص نوح بواسطة الماء هو إشارة لمعمودية المؤمن (1 بطرس 21:3). فإنه بسبب إيماننا بالمسيح - محررنا من الدينونة - كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة (رومية 4:6).
إعلان عن المسيح:
من خلال الذبيحة الدموية التي قدمها هابيل (تكوين 4:4-7). المسيح هو حمل الله. يوحنا 29:1؛ عبرانيين 22:9؛ 4:11.إن أفضل إنجازات الإنسان لا تستطيع أبدا أن تحل محل كفارة المسيح.
يذكرنا الكتاب بطاعة نوح في ثلاث مرات. لقد كان نوح رجلا بارا كاملا وسط جيله الشرير، وسار في شركة مع الله، وفعل حسب كل ما أمره به الرب (تكوين 9:6،22؛ 5:7). فليس على سبيل الصدفة أن الله اختار نوح لبناء الفلك وإتمام مشيئته.
لقد كان إيمان نوح ورغبته في طاعة الله هما الدافع لبنائه الفلك. وهذا تصوير للحقيقة القائلة بأن الإيمان بدون أعمال الطاعة ميت (يعقوب 26:2). لقد استطاع نوح أن ينقذ أسرته لأنه كان مطيعا لكلمة الله. كان الفلك هو الملجأ الأمين من الموت؛ وكان أيضا مثالا للمسيح، يصور خلاص المؤمن من الموت الأبدي. مكتوب أن نوح وجد نعمة في عينَي الرب (تكوين 8:6؛ قارن مع أفسس 8:2). وكما قال الرب لنوح ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك (تكوين 1:7)، كذلك اليوم فإن المسيح، الذي هو بمثابة الفلك لنا، ينادي قائلا: تعالوا إليّ.. وأنا أريحكم - أي عنده كمال السلام والحماية والإعالة (متى 28:11).
وكما أن نوح كان في مأمن من مياه الموت، كذلك فإن حياتنا أيضا مستترة مع المسيح في الله (كولوسي 3:3).
إن الله نفسه الذي قال لنوح: اصنع لنفسك فلكا.. وادخل إلى الفلك، هو الذي قال له بعد ذلك: اخرج من الفلك.. فخرج نوح.. وبنى نوح مذبحا للرب (تكوين 14:6؛ 1:7؛ 16:8، 18، 20).
فالأمر كله مجرد طاعة بسيطة. إن طاعة الإيمان وعبادة الإيمان، يسيران كلاهما معا. لقد بنى نوح مذبحه للرب. ونحن ندخل إلى محضر الله بواسطة المسيح لأجل الخلاص، ونخرج بناء على وصيته من أجل الشهادة.
ولكن إيمان نوح تجاوز حدود الفلك إلى إله الفلك. فلقد بنى مذبحا للرب وعبد الرب، ولم يأتِ ذكر الفلك مرة أخرى.
إن الخرافة قد تؤدي إلى عبادة الفلك على اعتبار أنه وسيلة الخلاص. فإن القلب يميل إلى استبدال الرب بفرائضه. لهذا السبب اتجه بنو إسرائيل فيما بعد لعبادة الحية النحاسية كمصدر لخلاصهم بدلا من الرب نفسه (2 ملوك 4:18).
وحتى في يومنا الحالي فإن البعض يؤسسون إيمانهم وضمانهم لطريق السماء على أساس طاعتهم للفرائض. لقد كانت هذه هي أيضا مشكلة الكنيسة الأولى من جهة الختان. ولكن بولس يقول: إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئا (غلاطية 2:5). فيجب أن يكون المسيح وحده - ربا للكل.
لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم: هو عطية الله: ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد (أفسس 8:2-9).
إعلان عن المسيح:
من خلال الفلك (تكوين 1:7،7). أعمال 12:4؛ 1 بطرس 20:3. المسيح، فلك أماننا، يحمي المؤمنين من مياه الدينونة.
حتى ذلك الحين كان الإنسان قد اختبر مرتين إعلان رحمة الله ونعمته أثناء تنفيذه للقضاء على الخطية - أولا مع آدم ثم مع نوح. والآن ها هي أزمة جديدة تحدث لتاريخ البشرية.
نمرود هو أول ملك يأتي ذكره في الكتاب المقدس، وكانت مملكته في بابل. ونمرود معنى اسمه "المتمرد". ثلاث مرات نقرأ عنه أنه كان جبار صيد أمام الرب. وترد عبارة مشابهة في (تكوين 11:6): وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض ظلما (تكوين 8:10-9؛ 1 أخبار الأيام 10:1). ويبدو أن عبارة "أمام الرب" تعني أن هذا المتمرد قد سار وراء خططه الطموحة متحديا الله.
لقد حشد نمرود الناس لبناء بابل: هلم نبنِ لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء ونصنع لأنفسنا اسما لئلا نتبدد على وجه كل الأرض (تكوين 4:11). إن القلب البشري يبحث لنفسه عن اسم - بدلا من انتظار الله، وفي الواقع فإن اسم الله لا يرد ذكره بالمرة.
ترد كلمة "جبار" أربع مرات في وصف نمرود (تكوين 8:10-9؛ 1 أخبار الأيام 10:1). فلقد أسس أول إمبراطورية عالمية وملك عليها. كان طموحه يتمثل في بناء برج يصل إلى السماء - ليس أنه كان يريد أن يصل إلى عرش الله القدير، بل كان يريد هو وأتباعه أن يحصلوا على النفوذ الذي يجعلهم يحكمون العالم فيضطر العالم أن يخضع لهم ويعبدهم. كان يناشد الشعب قائلا: هلم نصنع لأنفسنا اسما - أي الرغبة في الشهرة. كان نمرود صيادا - ربما بمعنى صياد للناس الذين سينضمون إليه في تحديه لله، وربما بمعنى أنه يقمع جميع الذين لا يخضعون لسلطانه. ولتحقيق خطته كان على نمرود أن يمنع البشرية من التبدد على وجه كل الأرض (تكوين 4:11) - متحديا وصية الله المعطاة أولا لآدم ثم بعد ذلك لنوح (28:1؛ 1:9).
واسم بابل يحتل مكانا بارزا في الكتاب المقدس ابتداء من الأصحاح العاشر من سفر التكوين وحتى الأصحاح الثامن عشر من سفر الرؤيا؛ فهي دائما تشير إلى شيء مضاد لإرادة الله. وفي سفر الرؤيا تتخذ بابل شكل نظام ديني فاسد يسمى بالزانية العظيمة، أم الزواني (رؤيا 1:17،5).
هناك حركة عملاقة آخذة في التحرك في كل أنحاء العالم بهدف توحيد جميع الديانات وأيضا جميع الشعوب. وهذه الوحدة الشيطانية قد خدعت فعلا الكثيرين. ولكن الضمان الوحيد لعدم الوقوع في الخداع في هذا العصر المتمرد على القوانين هو في معرفة كلمة الله والرغبة في السلوك بأمانة أمام الرب.
يشير نمرود إلى ضد المسيح الذي سيرتفع ويتعظّم على كل إله ويتكلم بأمور عجيبة على إله الآلهة (دانيال 36:11-37). إن إنسان الخطية هذا، الذي يستعد له العالم حاليا بسرعة، سيسود على النظام العالمي الجديد - بمساعدة من بابل. إنه سيقاوم ويرتفع على كل ما يدعى إلها ... مظهرا نفسه أنه إله. هذا المتمرد سيحكـم العالم لفترة قصيرة - الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة (2 تسالونيكي 3:2-9؛ رؤيا 5:17).
إعلان عن المسيح:
كنسل إبراهيم (تكوين 3:12؛ 18:18). متى 1:1؛ أعمال 25:3-26؛ غلاطية 16:3. كان إبراهيم رمزا للمسيح الذي يقود إلى طريق الأرض الأفضل (يوحنا 2:14-4؛ عبرانيين 8:11-10).
على عكس بابل المتمردة، كان إبراهيم مثالا لحياة الإيمان في طاعة كلمة الله (تكوين 4:12). كانت دعوة إبراهيم تتطلب إيمانا - حتى يترك كل مقومات الأمن والاستقرار في الحياة ويذهب إلى أرض لم يرها من قبل - لم يكن يعلم إلى أين يأتي ولكنه كان يؤمن بكلمة الله (عبرانيين 8:11؛ يعقوب 21:2-24). أتت دعوة الله لإبراهيم بينما كان في مدينة أور الكلدانيين، وهي بلد تعبد الأصنام وتقع بالقرب من خليج العقبة (يشوع 2:24). إن إبراهيم هو مثال لنا من جهة الدعوة الروحية لأولئك الذين هم أعضاء في عائلة الله - أبا لجميع الذين يؤمنون (رومية 11:4،16).
إن دعوة إبراهيم هي نقطة البداية لكل من يريد أن يطيع الله. فالمطلب الأول هو الانفصال عن العالم - لأن كل ما في العالم.. ليس من الآب (1 يوحنا 15:2-17). كان إبراهيم مدعوا أيضا لترك أهله وعشيرته. فإن أوثق ربط المحبة البشرية والولاء للقيادة البشرية يجب أن تقطع في سبيل خضوعنا الكامل لما كتبه الله في كلمته.
عندما اقترب إبراهيم من أرض الموعد واجهته تجربتان. كان الكنعانيون حينئذ في الأرض (تكوين 6:12)، وبالإضافة لهذا التحدي، حدث جوع في الأرض (10:12). لقد أرسل الله الجوع لامتحان إيمان إبراهيم - فتخيلوا مجاعة في أرض الموعد! وكما يحدث معنا عادة عندما نواجه مشاكل غير متوقعة، استخدم إبراهيم تفكيره الشخصي فنزل إلى مصر بحثا عن الطعام بدلا من الثقة في أن الله سيعوله أينما يقوده.
عندما قرر إبراهيم أن يجد الطعام في مصر، أصبحت مشاكله أخطر من مجرد نقص في الطعام. إن مصر ترمز إلى نظام هذا العالم؛ والتحالف مع العالم وحكمته هو فشل للإيمان. ويل للذين ينزلون إلى مصر للمعونة ... ولا ينظرون إلى قدوس إسرائيل ولا يطلبون الرب (إشعياء 1:31). ولكن من المشجع أن نقرأ أن إقامة إبراهيم في مصر كانت قصيرة: فصعد إبراهيم من مصر ... إلى بيت إيل ... إلى مكان المذبح ... ودعا هناك أبرام باسم الرب (تكوين 1:13،3-4). المذبح يشير إلى الخضوع لله وتقديم العبادة له اعترافا باحتياجنا إلى قيادته.
إن امتحان إيمان إبراهيم هو أيضا امتحان جميع أولاد الله. فالاعتراف يجب أن يمتحن، وفشل إبراهيم هو بمثابة تحذير من التأثر بالظروف بدلا من التأثر بمواعيد الله.
وأخذ امتحان الإيمان يزداد (كما هو الحال دائما) فنقرأ عن حدوث مخاصمة بين رعاة مواشي أبرام ورعاة مواشي لوط (7:13). كان ذلك بمثابة فرصة لإبراهيم لكي يمارس إيمانه، فقال للوط: لا تكن مخاصمة بيني وبينك ... لأننا نحن أخوان. ثم أعطاه حرية الاختيار (8:13-9). وهنا ظن لوط أنه قد أصبح على الطريق السريع المؤدي إلى النجاح الباهر، فاختار كل سهول الأردن الجميلة ذات المياه الوفيرة وسرعان ما أصبح من أعيان سدوم وصار يشغل فيها مركزا مرموقا. فبحسب ذهنه العالمي، قرر لوط أن يؤجل احتياجاته الروحية لوقت أكثر رخاء. ولكن نظرة الإيمان الفاحصة كانت تستطيع أن تميز أن الناس السائدين على سدوم والمتحكمين فيها كانوا أشرارا وخطاة لدى الرب جدا (10:13-13).وكما سبق القول بالنسبة لنمرود فإن كلمة "لدى الرب" تعني ضد الرب.
إن الطمع يسعى نحو الاختيار الأفضل ويصارع من أجل المكان الأول، ولكن الإيمان يثق في الله حتى أنه لا يحتاج أن يصارع من أجل حقوقه . وفي الواقع فإنه يعرف تماما أنه مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ (أعمال 35:20؛ رومية 10:12؛ فيلبي 3:2).
إعلان عن المسيح:
من خلال رئيس الكهنة ملكي صادق (تكوين 18:14-20). عبرانيين 15:4-16؛ 5:5-10؛ 1:7-4). إن المسيح هو اليوم رئيس كهنتنا الذي يشفع فينا بالصلاة.
كان من الواضح بلا أدنى شك أن إبراهيم قد فقد كل شيء، لأن لوط اختار كل حوض نهر الأردن (تكوين 11:13). ولكن لا يمكن أن يخسر إنسان جعل الله أولا في حياته - هذا مستحيل ! ونقل أبرام خيامه وأتي وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون، وبنى هناك مذبحا للرب (تكوين 18:13).
مرت خمسة وعشرون سنة منذ أن استجاب إبراهيم لدعوة الله بترك أور الكلدانيين، وكان قد تلقى وعدا من الرب بأن نسله سيكون كتراب الأرض (تكوين 16:13). ولكن مرت السنون، وظل إبراهيم بلا أبناء.
كان هذا الأمر يؤرق إبراهيم، فلقد قال له الله أن نسله سيرث الأرض (تكوين 15:13). ولكن أين هو الوارث؟ فصلى إبراهيم وسأل الرب هل المقصود أن عبده الأمين أليعازر الدمشقي سيكون هو الوارث له؟ ولكن الله أجابه قائلا: انظر إلى السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها. وقال له هكذا يكون نسلك (تكوين 5:15).
عندما يمتحن إيماننا، فإننا كثيرا ما نحاول أن نساعد الله في تحقيق مواعيده باستخدام الحكمة البشرية والخطط البارعة والأساليب التي لا تتفق مع ما يعرف بإرادة الله الكاملة. هذا ما فعله إبراهيم. ومرت سنوات أخرى ولم يأتِ الابن، فقالت سارة لإبراهيم: هوذا الرب قد أمسكني عن الولادة، ادخل على جاريتي (هاجر المصرية) لعلي أرزق منها بنين. وفي هذه المرة لم يصلِّ إبراهيم كما في المرات السابقة، ولكنه في الحال سمع لقول ساراي (تكوين 2:16). وعلى الرغم من أنه ولد ابنا من هاجر، وهو إسماعيل، إلا أنه كان من الواضح أنه ليس المحقِّق لوعد الله.
ومرت 13 سنة منذ ولادة إسماعيل (تكوين 16:16؛ 1:17)، ثم تكلم الله مرة أخرى مع إبراهيم قائلا له: أنا الله القدير، سر أمامي وكن كاملا ... لا يدعى اسمك بعد أبرام (أي الأب المتعالي) بل يكون اسمك إبراهيم (أي أب لأمم كثيرة) ... وساراي امرأتك تدعو اسمها سارة (وتعني الأميرة) ... وأباركها وأعطيك أيضا منها ابنا ... فتكون أمما وملوك شعوب منها يكونون (تكوين 1:17-19).
كان عمر إبراهيم في ذلك الوقت 99 سنة وكان عمر سارة 90 سنة. فبحسب المنطق البشري كان مستحيلا أن يلدا ابنا. ولكن الله لا يتعجل في تنفيذ خططه. ربما كان إبراهيم وسارة قد شاخا على أن يكون لهما ابن ، ولكن الله كان مزمع أن يعلمنا أن غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله (لوقا 27:18).
إن جميع المؤمنين بالمسيح هم أبناء روحيون لإبراهيم وهم إسرائيل الحقيقي في نظر الله. هذا ليس لأنهم نسل بحسب الجسد، ولكن الذين ينطبق عليهم الوعد، الذين هم من الإيمان أولئك هم بنو إبراهيم ... الله سبق فبشر إبراهيم أن فيك تتبارك جميع الأمم ... فكل الذين يسلكون بحسب هذا القانون عليهم سلام ورحمة وعلى إسرائيل الله (غلاطية 7:3-8،14؛ 16:6؛ أيضا رومية 6:9-8).
إعلان عن المسيح:
كنسل إسحاق (تكوين 19:17). جاء المسيح من نسل إسحاق (لوقا 34:3؛ عبرانيين 18:11).
كان لوط يبدو ناجحا جدا لأننا نجده جالسا في باب سدوم (تكوين 1:19) أي في مكان السلطة. لقد أصبح من قادة المدينة - ربما قاضيا (تكوين 9:19).
ما أبعد ذلك عن أسلوب إبراهيم، الذي كان ينظر إلى الأمور التي لا ترى التي هي أبدية (2 كورنثوس 18:4) في حين كان لوط يضع عينيه على الكسب المادي. فمع أنهما كانا قد خرجا معا من أور الكلدانيين في طريقهم إلى أرض الموعد، إلا أن أهدافهم كانت مختلفة تماما.
يعرف إبراهيم بأنه أبو المؤمنين (أي الأمناء). ويبدو أن السبب الوحيد الذي من أجله ذهب الملاكان إلى منزل لوط في سدوم لتحذيره من دمارها الآتي هو صلاة إبراهيم، حيث نقرأ: وحدث لما أخرب الله مدن الدائرة أن الله ذكر إبراهيم (تكوين 29:19). فإنه فقط من أجل خاطر إبراهيم تمكن لوط من النجاة. لقد كان الملاكان مترددين في دخول منزل لوط وفي قبول ضيافته. فقالا: لا بل في الساحة نبيت (تكوين 2:19). ياله من توبيخ! إنها إشارة إلى إدانتهما لاختلاط لوط بشعب سدوم الشرير.
إن الكتاب المقدس يدين بوضوح الشذوذ الجنسي (اشتهاء المماثل) واللواط (مضاجعة الذكور) باعتباره خطية شريرة ومشينة. ويعلن الناموس أن الشذوذ الجنسي شر عظيم، مثله مثل الزنى والفسق (قارن لاويين 22:18-30؛ 13:20؛ رومية 24:1-27؛ 1 كورنثوس 9:6-10؛ 1 تيموثاوس 10:1).
يا لها من نهاية مؤسفة انتهى إليها لوط. فلقد سقته ابنتاه خمرا، وفي سكره أصبح أبا للعمونيين والموآبيين وهما ألد أعداء شعب الله (تكوين 31:19-38).
يشير لوط إلى المسيحي الذي حاد عن طريق الله، واضعا عينيه على الأمور المادية، فاندثر وصار إلى لا شيء في حين أن أنظارنا تتركز على إبراهيم الذي صار أبا للأمناء.
وافتقد الرب سارة كما قال ... فحبلت سارة وولدت لإبراهيم ابنا في شيخوخته في الوقت الذي تكلم الله عنه (1:21-2). فهناك وقت محدد وأوان معد وسنحصد في وقته إن كنا لا نكل (غلاطية 9:6). ودخل ابن الموعد المولود بمعجزة إلى بيت إبراهيم، وسارة، وهاجر الجارية، وإسماعيل، وبذلك دخل عنصر جديد تماما إلى بيت إبراهيم. وكشف ابن الجارية عن طباعه الحقيقية بمقاومته لإسحاق، الذي هو ابن الإيمان. وأصبح إسماعيل أبا لاثنَي عشر أميرا، وصار أمة كبيرة، ولكنه كان ابن الجارية. وأبغض إسماعيل إسحاق الذي هو ابن الإيمان لأن إسحاق كان ابن المرأة الحرة والوارث لثروة العائلة.
وعلى عكس ذلك فمهما كان إسحاق ضعيفا ومحتقرا، إلا أنه كان ابن المعجزة الابن الذي وعد به إبراهيم الأمين. هذان الابنان، إسماعيل وإسحاق، يمثلان طبيعة حياتنا. فإننا نولد أولا من الجسد، ولكن بمجرد أن يؤمن الخاطئ بقلبه ويعترف بفمه بالرب يسوع، فإنه يصبح مالكا لحياة جديدة. هذه الحياة هي في المسيح بمعجزة الولادة الجديدة، وتجعل المؤمن ابنا بالإيمان؛ والجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد: وهذان يقاوم أحدهما الآخر (غلاطية 17:5؛ رومية 9:10؛ كولوسي 4:3؛ 1 يوحنا 1:3-2؛ غلاطية 26:3؛ 31:4).
إعلان عن المسيح:
من خلال إسحاق، ابن الموعد (تكوين 12:21) - بالمقارنة مع إسماعيل ابن الجارية (غلاطية 22:4-31). إن الحياة في المسيح تحررنا من عبودية الناموس.
الإيمان الكامل غير المتزعزع يتحقق فقط من خلال تجارب عديدة عبر سنين عديدة. في هذه المرة كان الله يقدم الامتحان الأعظم لإيمان إبراهيم عندما قال له: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه ... وأصعده محرقة (تكوين 1:22-2).
ولكن يجب ألا يفوتنا أن امتحان الله لإبراهيم جاء بعد هذه الأمور. أي بعد أن ترك إبراهيم وطنه وكل ما كان عزيزا لديه، وبعد أن اختبر نتائج النزول إلى أرض مصر من أجل الطعام؛ وبعد أن اختار لوط أن يأخذ لنفسه كل الأرض الجيدة الخصبة وترك له الجبال؛ وبعد أن انتظر 25 سنة حتى جاء ابن الموعد؛ وبعد أن ترك إسماعيل المنزل؛ وبعد أن قال له الله بإسحاق يُدعى لك نسل (تكوين 12:21)؛ وأيضا بعد أن كبر إسحاق. بعد هذه الأمور كلها امتحن الله إيمان إبراهيم من جهة تقديم إسحاق كمحرقة.
كانت هذه بلا شك مفاجأة مذهلة وتجربة مؤكدة لإبراهيم. ولكن إيمانه انتصر على المنطق البشري وعلى حبه العميق لإسحاق. فإن طول السنين التي قضاها إبراهيم في الثقة في الرب ولّدت في داخله إيمانا غير مشروط تجاه كفاية الله. لم يكن صوت الله غريبا عليه، وكان إيمانه قد نما عبر السنين إلى حد اليقين بأن الله لا يخطئ أبدا. كان صوت الله واضحا كل الوضوح: خذ الآن ابنك وحيدك - نعم، إسحاق - ابن المعجزة - ابن الموعد - الذي يُفترض أن نسله سيصير كنجوم السماء في الكثرة.
لم تحدث لحظة تردّدٍ واحدة، وإنما بكّر إبراهيم (تكوين 3:22). فالإيمان لا يتوقّف لينظر إلى الظروف أو ليرهب النتائج، وإنما ينظر فقط إلى الرب، معتمدا على كلمته كالأساس الوحيد للتحرك. لقد حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات (عبرانيين 19:11).
يستمر الله في بناء إيماننا على قدر استجابتنا لقيادته. فإننا فقط من خلال التجارب غير المتوقعة نستطيع أن نتعلم عظمة الله ونعمته وأمانته وكفايته. فعندما تصلي بإيمان لا تندهش من الإحباطات والصعوبات التي تصادفك. فهناك تجارب عديدة - تكاد تكون يومية - هدفها تقوية حقيقة إيماننا. لأن الله يودّ أن يستحوذ على ولاء قلوبنا بالكامل.
كثيرا ما نفترض أن الله يسرّ بنا عندما نستخدم مواهبنا وطاقاتنا وإمكانياتنا لخدمته. ولكن الله يسر بالأولى بالحق في الباطن (مزمور 6:51) أي الصدق الداخلي وليس مجرد خدمة الشفتين.
من السهل أن نتكلم عن الإيمان عندما لا يكون له متطلبات. فمن السهل أن نقول مع بطرس: وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدا ... ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك (متى 33:26،35). ولكن الأمر كان مختلفا تماما عندما كتب بطرس فيما بعد قائلا: لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني مع أنه يمتحن بالنار (1 بطرس 7:1).
هذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا (1 يوحنا 4:5).
إعلان عن المسيح:
من خلال إسحاق الذي أبدى استعدادا كاملا لتقديم نفسه (تكوين 7:22-10؛ قارن مع يوحنا 11:10-18).
اثنان فقط في الكتاب المقدس يُقال عنهما أنهما صيادان - نمرود وعيسو - وتوجد أمور كثيرة مشتركة بينهما.
قيل عن عيسو أنه كان إنسان البرية (أو الحقل) (تكوين 27:25). ونعرف من متى 38:13، أن الحقل هو العالم. فعيسو كان مثالا لإنسان العالم. رجع من الحقل جائعا، وهذا الجوع يشير إلى أكثر من مجرد الاحتياج الجسدي، لأنه لا يوجد شيء في العالم يستطيع حقاً أن يشبع. فعيسو يرمز إلى غير المؤمن، ونسله هم الأدوميون (تكوين 36؛ ملاخي 2:1-3) الذين قاوموا شعب الله بكل وحشية.
وعلى عكس عيسو، كان يعقوب إنسانا كاملا يسكن الخيام (تكوين 27:25). و"كاملا" تعني مستقيما وصادقا وطاهرا، هذه هي طبيعته كرجل الله.
كان يعقوب يعرف مصدر الشبع، ولعلمه بطبيعة أخيه قال له: بِعني بكوريتك (31:25). لقد عرض يعقوب أن يشتري ما سبق وأنبا به الرب أنه من نصيبه (23:25). فالبكورية كانت موضع فخر، أن يكون حاملها وارثا للعهد الذي صنعه الله مع إبراهيم ونسله. لقد كانت تمثل حلقة في سلسلة النسب التي من خلالها سيولد المسيا في هذه العالم (عدد 17:24-19).
كشف عيسو عن طبيعته الحقيقية عندما قال: ها أنا ماض إلى الموت. فلماذا لي بكورية؟ (تكوين 32:25). وبالطبع لم يكن عيسو يقصد أنه يكاد أن يموت من الجوع، لأنه لو كان حقا هكذا لكان في إمكانه أن يجد طعاما في بيت إسحاق أبيه. ولكن من الواضح أنه كان يقصد أنه لا يبالي بأمور الله. ويسجل التاريخ عن عيسو أنه كان شخصا مستبيحا ومجدفا (عبرانيين 16:12). وتظهر أيضا استهانة عيسو بالقيم الروحية في زواجه من بنات حث ومن بنت إسماعيل (تكوين 46:27؛ 9:28). ويؤكد الروح القدس على استهانة عيسو بالقيم الروحية في تحذيره للمزمعين أن ينضموا للمسيحية لئلا يكون أحد زانيا أو مستبيحا كعيسو الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته (عبرانيين 16:12).
كان إسحاق قد فقد بصره (تكوين 1:27)؛ ولكنه للأسف كان قد فقد أيضا بصيرته لكلمة الله من جهة علاقة العهد. كان إسحاق يعرف أن الله قد أعلن بواسطة رفقة أن عيسو سيستعبد ليعقوب (22:25-23؛ قارن رومية 1:10-7؛ عبرانيين 20:11).
ولهذا السبب كانت لرفقة كل هذه الشجاعة والإيمان بالله. فلقد خاطرت بالتعرض لغضب زوجها الضرير من أجل تحقيق النبوة التي اؤتمنت عليها من الله قبل ولادة التوأمين (تكوين 22:25-23). فلقد كان يعقوب محقا في شراء البكورية من عيسو الذي احتقرها (تكوين 32:25-34). وقد أكرم الله إيمان رفقة وإيمان يعقوب بأنه أعطى البكورية ليعقوب.
فإن كان من المحتم على خادم الرب الأمين أن يتعرض للخيانة وللاتهام زورا، إلا أنه من المشجع أن نرى من اختبار يعقوب أنه يستحيل أن يقدر أي إنسان أن يمنع خادم الرب المختار من تحقيق إرادة الله الكاملة. فإذا ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل لله الذي يرحم (رومية 16:9).
إعلان عن المسيح:
كالنسل الروحي (تكوين 4:26). جميع المؤمنين الحقيقيين في المسيح هم أبناء الموعد (يوحنا 12:1-13؛ 1 يوحنا 9:3).
من المؤسف أن نرى تصميم إسحاق على منح بركة إبراهيم المقدسة لعيسو صاحب الذهن العالمي، وأن تضطر رفقة إلى الاحتيال لتضمن ليعقوب الشيء الذي كان من حقه بحسب وعد الله. وبعد لحظات من حصول يعقوب على بركة البكورية من إسحاق أبيه دون علمه، يأتي عيسو ويكتشف إسحاق أن الله قد أبطل خطته غير المبنية على الطاعة. اضطرب بشدة - فارتعد إسحاق ارتعادا عظيما جدا (تكوين 33:27). ولكنه أسرع بطلب يعقوب ورفقة، وأكد مرة أخرى على إعطائه البركة ليعقوب وأضاف قائلا: الله القدير يباركك ويجعلك مثمرا (تكوين 3:28). وقد كانت رفقة حريصة جدا على أن يأخذ يعقوب لنفسه زوجة بحسب مشيئة الله، والآن أصبح إسحاق يشاركها في هذا الحرص، فقال له: لا تأخذ زوجة من بنات كنعان. قم اذهب إلى فدان أرام ... وخذ لنفسك زوجة من هناك (1:28-6).
وعلى الرغم من أن إسحاق قد عاش 43 سنة بعد محاولة سلب يعقوب حق البكورية وإنكار مقاصد الله المعلنة لرفقة، إلا أن هذه السنوات الباقية كانت عديمة الفائدة من الناحية الروحية. على عكس يعقوب الذي وهو على فراش الموت استطاع أن يعطي نبوات عجيبة تخص أبناءه الاثنَي عشر كما هو مدون في الأصحاح التاسع والأربعين من سفر التكوين.
بعد ذلك غادر يعقوب بئر سبع، بلا خريطة ولا رفيق، في رحلة طولها 500 ميلا شمال أعالي نهر الفرات متجها إلى فدان أرام. وقد كانت المدينة الرئيسية هناك هي حاران، بلد إبراهيم قبل أن يهاجر إلى كنعان. وقد وصل يعقوب في الليلة الأولى إلى قرب بيت إيل، خارج المدينة (10 أميال شمال أورشليم - وحوالي 64 ميلا شمال بلده في بئر سبع). ربما كانت هذه هي الليلة الأولى في حياته التي يقضيها خارج المنزل، والمرة الأولى التي يضطر فيها أن ينام على الأرض وليس له وسادة سوى الأحجار الباردة. ولكنها أيضا كانت المرة الأولى في حياته التي يحصل فيها على رؤيا عظيمة من إله إبراهيم - رؤيا معزية ومطمئنة من جهة أسمى بركات الله له. وقد أدرك يعقوب أن ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء (تكوين 17:28). وقد تشجع قلبه جدا إذ أيقن أنه في محضر الله وفي صميم إرادة الله. وقد تكلم الرب إليه في هذه الليلة قائلا: أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك ... وهاأنا معك وأحفظك حيثما تذهب ... لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به (تكوين 13:28،15). كان هذا بمثابة تأكيد ومباركة من الله على شجاعة يعقوب وفطنته الروحية.
وقد حفظ الرب يعقوب في رحلته الطويلة المنفردة. وعند دخوله إلى فدان أرام لم يكن بالصدفة أنه وصل إلى بئر تخص خاله. ولا نندهش أيضا من أن راحيل ابنة خاله تأتي إلى تلك البئر عينها وفي نفس تلك اللحظة . ما أروع البركة التي بارك بها الله يعقوب إذ قاده إلى مكان خاله الذي استقبله بكل حرارة وترحاب. كان كل شيء يسير بحسب خطة إلهية. فليست هناك صدف في عالم يحكمه الله، لا أحداث تحدث بالصدفة ولا خسائر تأتي بالصدفة، وإنما كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله (رومية 28:8).
فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا (رومية 38:8-39).
إعلان عن المسيح:
كالرب الذي يوفر الحماية بحضرته غير المرئية (تكوين 13:28-16)
بينما كان يعقوب راجعا إلى المنزل، وصله خبر بأن عيسو أخاه قادم لملاقاته مع 400 من الرجال المسلحين. ولم يفسر يعقوب ذلك على أنه علامة استقبال حار. فعلى الرغم من مرور 20 سنة، إلا أنه لم يكن في استطاعته أن ينسى أن أخاه كان قد هدده بالقتل. لذا فلا عجب أن نقرأ عنه أنه خاف جدا وضاق به الأمر (تكوين 7:32). لقد شعر الآن بحاجة ملحة للصلاة. وقبل أن يصلي، كان يعقوب قد بذل مجهودات كبيرة في تنظيم امرأتيه وجاريتيه وأولاده والقطيع الذي معه حتى إذا ما هجم عيسو من اتجاه ما يمكن للآخرين أن يهربوا في الاتجاه الآخر.
لاحظ الطريقة التي صلى بها يعقوب - كان يذكّر الرب بكلمته: ارجع إلى أرضك... فأُحسن إليك (تكوين 9:32؛ 3:31). إننا نحتاج حقا أن نتعلم درسا من يعقوب - نحتاج أن نعرف كلمة الله جيدا حتى يمكننا أن نذكر الرب بأننا مستندون على وعوده الخاصة لنا.
وبكل خضوع اعترف يعقوب أيضا للرب بأنه على الرغم من وعوده له إلا أنه غير مستحق - صغير أنا عن جميع ألطافك (تكوين 10:32). كم ينطبق ذلك على كل واحد منا! لقد أخطأنا في حق الرب 70 مرة 7 مرات ولا نستحق أية إجابة لصلواتنا (متى 22:18)، وطالما أننا واثقون في أنفسنا ومستكبرون لا نتوقع من الله أن يسمع صلاتنا. إننا نحتاج أن ننحني أمامه في تذلل عميق، ونشكره من أجل رعايته وكفايته، ونحمده لأن أماننا وشبعنا يستقران حقا فيه.
لاحظ أيضا الدافع الذي دفع يعقوب للصلاة: نجّنى من يد أخي من يد عيسو لأني خائف منه أن يأتي ويضربني الأم مع البنين (تكوين 11:32). ربما يبدو في البداية أن يعقوب كان يتضرع فقط من أجل مصالحه الشخصية، وأن هذه هي مجرد صلاة من أب وزوج محب. ولكنه سرعان ما أضاف قائلا: وأنت قد قلت إني أحسن إليك وأجعل نسلك كرمل البحر الذي لا يعد للكثرة (تكوين 12:32).
لقد كان يعقوب يتضرع من أجل ما هو أبعد من حماية الأشخاص المحبوبين لديه. لقد كانت صلاته من أجل مجد الله في تحقيق الوعد المعطى لإبراهيم.
كانت جميع المظاهر الخارجية تشير إلى أن يعقوب يواجه موتا محققا. فلقد قضى ليلته على انفراد بعيدا عن أسرته يصارع مع الله في الصلاة. جاهد مع الملاك وغلب، بكى واسترحمه (هوشع 4:12). واستجاب الله لصلاته، وكانت بداية إعلان جديد في علاقته الروحية مع الرب الذي قال له: لا يُدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت (تكوين 28:32).
لاحظ أولا أنه لم يقترب من الله فقط كإله إبراهيم، ولكن إيمانه كان ثابتا في علاقة العهد التي اختبرها في بيت إيل عندما قال له الرب: أنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض لأني لا أتركك (13:28-15). إن لنا امتياز أعظم بكثير وهو أن نأتي بالصلاة إلى الله أبينا في علاقة العهد مع يسوع المسيح مخلصنا ووسيطنا الذي قال: ها أنا معكم كل الأيام (متى 20:28).
إعلان عن المسيح:
كملاك الله الذي يرشد (تكوين 11:31-13). فالملاك لا يتكلم فقط بالنيابة عن الله ولكن بصفته الله غير تارك أي شك في أنه هو الرب
بعد أن رحل عيسو، استمر يعقوب في تحقيق الأمر الذي أمره به الله: أنا إله بيت إيل ... ارجع إلى أرض ميلادك (تكوين 13:31). ولكن قرب نهاية رحلته، اكتشف إبراهيم السهول الجميلة والفرص المتاحة للكسب المادي بالقرب من شكيم. ويبدو أنه توقع بركة الله على عصيانه عندما أقام هناك مذبحا (تكوين 20:33) وسكن في شكيم.
ولمدة عشر سنوات كانت إقامته تبدو كأنها ناجحة. لكننا نقرأ بعد ذلك عن مأساة ابنته، عندما رآها شكيم ... رئيس الأرض، وأخذها واضطجع معها وأذلها (تكوين 2:34). استطاع الله عندئذ أن يلفت انتباه يعقوب، فقال له من جديد: قم اصعد إلى بيت إيل وأقم هناك واصنع هناك مذبحا (تكوين 1:35) - وكأنه يريد أن يذكر يعقوب بأن مذبحه وعبادته في هذا الوسط الوثني العالمي غير مقبولَين. ونظرا لأن يعقوب كان قد أهمل المكان الحقيقي للعبادة، فلقد تنجست أسرته بالأوثان. فكانت الترافيم التي سرقتها راحيل فخا للأسرة كلها. ولكن الآن بدأ يعقوب يمارس سلطته الأبوية فطلب من أهل بيته ألا يخضعوا للآلهة الكاذبة، بل أن يتطهروا ويبدلوا ثيابهم (تكوين 2:35).
ما أكثر ما يعاني الأبناء نتيجة لعصيان الوالدين لكلمة الله، إذ يكونون منهمكين جدا في تحقيق الأهداف المادية لدرجة أنهم يؤجلون الأهداف الروحية. وبهذه الطريقة فإنهم يتركون الباب مفتوحا أمام قوى الجذب العالمية التي كثيرا ما تقود إلى خطايا مؤلمة.
في كثير من الأحيان، عندما نزداد ماديا فإننا ننقص روحيا؛ ونظل هكذا إلى أن نصطدم بأزمة شديدة، عندئذ يستطيع الله أن يسترد انتباهنا من جديد.
في بيت إيل لم يكن يعقوب يمتلك شيئا، وهناك وقف الرب مؤكدا له وعده: ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض (تكوين 13:28-14). ومرة أخرى عاد يعقوب إلى بيت إيل وبنى مذبحا. وهنا أيضا يذكره الله ببركاته العظيمة - لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل يكون اسمك إسرائيل (أي جندي الله) ... أثمِر واكثِر (تكوين 10:35-11).
نحن أيضا نحتاج أن نتذكر كيف بدأنا سيرنا مع الله، بثقة كاملة، وكيف توسلنا إليه من أجل العون والقوة الإرشاد والفهم. ولكن مع مرور الوقت باركنا الله، ولم يعد لدينا نفس هذا الإحساس بالاحتياج ولا نفس الاتكال البسيط على الله كما كان لنا في البداية. لقد أصبحنا مكتفين بذواتنا - ولم نعد معتمدين على الله كما في الفترة التي كنا نحتاج بشدة أن نصلي قائلين: خبزنا كفافنا أعطنا اليوم (متى 11:6)، لأننا قد أصبح لدينا الآن مخزون يكفي لعدة أيام.
انظر على سبيل المثال الرسالة التي كتبها بولس إلى كنيسة أفسس. فهي تأخذنا إلى السماويات - حيث لا توجد إشارة واحدة إلى مشكلة روحية أو أخلاقية. ولكن بعد سنوات قليلة فقط، تلقى يوحنا في جزيرة بطمس رسالة من المسيح تمدح المؤمنين في أفسس من جهة أعمالهم وتعبهم وصبرهم وتمسكهم الشديد بالحق الكتابي. ولكن الرب يقول لهم أيضا: عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى، فاذكر من أين سقطت وتب واعمل الأعمال الأولى (رؤيا 2:2-5).
إعلان عن المسيح:
كالله القدير (تكوين 11:35). قال يسوع: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن (يوحنا 58:8).
كان يوسف هو الابن الوحيد ليعقوب الذي أبدى اهتماما بالأمور الروحية. وربما كان ذلك هو سر الحب العميق الذي كان في قلب يعقوب من جهة يوسف. وقد كان يوسف منزعجا من جهة إخوته وسلوكهم الرديء أثناء وجودهم بعيدا عن المنزل، وقد شارك مع أبيه هذا الأمر (تكوين 2:37). إن البعض لا يحبذون كشف الشرور، والبعض الآخر يقولون أنهم لا يحبون التدخل في هذه الأمور. ولكن يوسف كانت لديه الأمانة الروحية وكان مستعدا لتحمل الإساءة من إخوته بسبب كشفه لطبيعتهم الشريرة. وقد تحول هذا الحقد إلى بغضة له عندما كشف يوسف عن أحلامه النبوية معلنا أن الله لديه مكانة خاصة لهم في التاريخ.
مضى إخوة يوسف ليرعوا غنم أبيهم عند شكيم - وهي تقع على مسافة بعيدة من البيت (تكوين 12:37). وبعد فترة من الزمن أراد يعقوب أن يطمئن على سلامة أبنائه، فأرسل يوسف ليرى هل كل شيء على ما يرام (تكوين 14:37). وبعد بحث طويل وجد يوسف إخوته، وتوقع بلا شك أن يخبرهم أخبارا طيبة ويفرح بينما يتناولون الطعام معا. ولكنهم لهول صدمته، خلعوا عنه قميصه الملون ... وطرحوه في البئر ... ثم جلسوا ليأكلوا طعاما (تكوين 23:37-25). ثم إذ رأوا قافلة إسماعيليين في طريقها إلى مصر، باعوه لهم عبدا. وكانت آخر ذكرياتهم عن أخيهم هي منظره وهو يتوسل إليهم طالبا منهم ألا يقتلوه.
وعند وصول الإسماعيليين إلى مصر باعوه في سوق العبيد لفوطيفار وهو أحد القادة لدى فرعون. وبسبب افتراءات زوجة فوطيفار، أُلقي يوسف في السجن حيث ظل لعدة سنوات - محبوسا في زنزانة - آذوا بالقيد رجليه، في الحديد دخلت نفسه (مزمور 16:105-22). فمع أن يوسف لم يرتكب جرما إلا أنه عومل بوحشية. ولكن في هذه الأمور كلها، كانت لديه الثقة بأن الرب كان معه (تكوين 21:39-23؛ مزمور 17:105-19).
تذكر هذا! إن الله استخدم بغضة إخوة يوسف وانتقام زوجة فوطيفار لكي يعدّ يوسف لتحقيق قصد الله. وقد كان إطلاق سراح يوسف من السجن موقوتا بدقة من جانب خالقنا الذي لا زال يعمل في كل مكان متمما إرادته الكاملة في توقيته الصحيح.
وقد استدعي يوسف فيما بعد ليفسر أحلام فرعون. وهكذا أصبح يوسف المنبوذ مكرما لدى فرعون، إذ أعطاه فرعون خاتمه، وألبسه ثيابا فخمة، ووضع قلادة من ذهب حول عنقه، وأركبه في مركبته الثانية ليطوف ويحكم في كل أرض مصر (تكوين 39:41-44). إن جميع أعداء الله لا يستطيعون أن يهزموا الشخص الذي رغبته القصوى هي أن يكون مطيعا للمسيح.
بالإضافة إلى ما حدث ليوسف بعد ذلك يصور بدقة كيف أن المسيح، الابن الوحيد المحبوب، جاء إلى الأرض حسب النبوة ليقدم طعاما روحيا لإخوته الذين أبغضوه: إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله (يوحنا 11:1). ثم بعد ذلك صلبوه. ولكنه قريبا سيحكم بكل سلطان في السماء وعلى الأرض (متى 18:28).
لا توجد طرق مختصرة للنضوج الروحي ولإعداد الشخص الذي سيستخدمه الله. ولهذا السبب، كثيرا ما يسمح الله لخدامه أن يجتازوا في تجارب عديدة - بل وآلام - قبل أن يأتي أوان الفرج. ولكن توقيتات الله دائما دقيقة.
يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص، وطرقه عن الاستقصاء! (رومية 33:11).
إعلان عن المسيح:
من خلال يوسف الذي طرح في البئر والذي أصبح فيما بعد حاكما للعالم (تكوين 28:37). فإن يوسف كرمز للمسيح رُفض من إخوته، وأُلقي في البئر، وبيع للأمم، وطُرح في السجن، بينما كان ينتظر تحقيق النبوة (الأحلام) بأنه سيملك
مضت ثلاثة عشرة سنة منذ أن بيع يوسف من إخوته كعبد في دوثان وما أصعب التجارب التي اجتاز فيها منذ ذلك الحين! فلقد حملته قافلة التجار الإسماعيليين إلى مصر. ثم بيع مرة ثانية كعبد إلى فوطيفار، وهو المسئول الأول عن الحرس الملكي، وخدم لديه مدة عشر سنوات - أولا كمساعد له ثم كوكيل على بيته وعلى كل ما كان له (تكوين 4:39). فما أعجب هذا أن يصير الابن المفضل ليعقوب عبدا. ولكن الأسوأ من ذلك أنه قضى الثلاث سنوات التالية في السجن من أجل جريمة لم يرتكبها - لأنه لم يقبل أن يخضع لإغراءات زوجة فوطيفار. لقد كان ليوسف إيمان راسخ بوجود الله فقال لها: كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله (تكوين 9:39، قارن 4:40 مع 1:41).
كانت إرادة الله هي القاعدة في حياته. فلم يتخذ من الإساءات التي لحقت به عذرا لتبرير الخطية.
لا يمكننا أن نتخيل الليالي العديدة والطويلة التي قضاها يوسف في وحدة قاتلة، ولا الظروف القاسية والأليمة التي ألمّت بسنوات كثيرة من عمره. وحسب نظرة العالم فإن إخوة يوسف الذين خططوا لقتله كانوا يعيشون في رخاء، بينما يوسف الذي سار بكل أمانة وراء الله فلقد أصبح عبدا - وقضى أفضل سنين عمره في السجن - لمجرد أنه كان أمينا للرب. ولكنه الآن عند سن الثلاثين، أصبح أحكم رجل وأعظم رجل في مصر. إن الله له دائما طرق عجيبة لتنمية مواهب أمنائه وإنضاج خبرتهم وتقديمهم في الكرامة. ومع أننا نعرف أن هذا كله صحيح، إلا أننا غالبا ما نعجز عن فهم قصد الله في تجاربنا تماما كما حدث مع يوسف.
إن قصة يوسف تبين فوائد الصعوبات والمقاومات. فلو كان يوسف قضى هذه السنوات في الراحة والترف والحب في بيت أبيه ربما ما كان بإمكانه أن يؤدي دوره بمثل هذه الروعة في إتمام مشيئة الله.
فإذا كان يوسف قد استطاع أن يحيا حياة منتصرة بدون أن تكون له معرفة بالعهد الجديد ولا بقوة سكنى الروح القدس، ولا حتى كانت لديه كتابات العهد القديم، فأي عذر يمكن أن يكون للمؤمنين المعاصرين من جهة فشلهم؟ ويمكننا أيضا أن نسأل أنفسنا: "ماذا لو كان يوسف قد استسلم لإغراءات زوجة فوطيفار؟" كان الكتاب سيسجل لنا قصة مختلفة تماما، كتلك التي سجلها عن رأوبين أخيه الأكبر الذي فقد امتيازه كالقائد لشعب الله الروحي بسبب خطاياه الجنسية.
أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لأجل امتحانكم كأنه أصابكم أمر غريب. بل كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضا مبتهجين (1 بطرس 12:4،13).
إعلان عن المسيح:
من خلال تفسير حلم فرعون بواسطة يوسف. إن المسيح هو المفسر الحقيقي لجميع ظروف الحياة (تكوين 16:41-36؛ قارن مع متى 18:13-43).
أثناء المجاعة الكبرى، أرسل يعقوب أبناءه إلى مصر ليشتروا طعاما. وتكلم معهم حاكم مصر العظيم من خلال مترجم إذ طلبوا منه أن يحملوا معهم طعاما لأبيهم ولعائلاتهم. ولم يدركوا أن الحاكم هو يوسف الذي باعوه عبدا منذ حوالي 20 سنة مضت.
وبعد أن سألهم عن أسرتهم، أمر يوسف بأن يوضع إخوته في السجن لثلاثة أيام. في هذه الفترة كان لديهم الوقت ليتذكروا كيف أن أخاهم الصغير يوسف قد توسل إليهم ألا يبيعوه عبدا للتجار الإسماعيليين. ومن داخل السجن في مصر اعترف إخوة يوسف لبعضهم البعض بخطيتهم البشعة قائلين: حقا إننا مذنبون إلى أخينا، الذي رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة (تكوين 21:42).
وبعد أن سمعهم يوسف يعترفون بشرهم، طلب أن يمكث شمعون كرهينة حتى يذهبوا ويأتوا بأخيهم الأصغر كدليل على أنهم يقولون الصدق، وأنهم ليسوا جواسيس وإنما يطلبون طعاما (تكوين 11:42). وعند رجوعهم إلى البيت، انزعج يعقوب جدا من جهة طلب حضور بنيامين. ولكن عندما اشتدت الحاجة ولم يكن هناك حل آخر - فإما الموت جوعا وإما أن يذهب بنيامين - سمح يعقوب لأبنائه بأن يأخذوا بنيامين في رحلتهم التالية.
وفي مصر ملأوا أكياسهم مرة أخرى. وأثناء رجوعهم إلى البيت، أُلقي القبض عليهم لتفتيش أكياسهم. ووُجدت كأس الفضة الخاصة بيوسف في كيس بنيامين حيث أمر يوسف خادمه بأن يضعها سرا. وفي الحال أُخذ بنيامين إلى السجن.
فهل كانوا سيكذبون على أبيهم من جهته كما فعلوا من قبل من جهة يوسف؟ يا له من تغيّر رائع في أسلوبهم! (تكوين 14:44-16). لقد طلب يهوذا متوسلا أن يأخذ مكان بنيامين لأنهم لن يقدروا أن يواجهوا أباهم إذ أن هذا الأمر كان سيكسر قلبه. ومع أن بنيامين كان يبدو مذنبا حقا إلا أن يهوذا كان مستعدا أن يصبح عبدا ليطلق سراح بنيامين. هذه صورة جميلة لما فعله يسوع، الذي هو من نسل يهوذا، عندما نال عقوبة البشرية في الجلجثة.
واضطر الأحد عشر أخا أن يرجعوا إلى مصر وأن يذهبوا بخوف ورعدة إلى بيت الحاكم العظيم. فدعا يوسف إخوته إلى الدخول. وكم كانت دهشتهم عندما كلمهم فجأة حاكم مصر بلغتهم قائلا: أنا يوسف أخوكم الذي بعتموه إلى مصر والآن لا تتأسفوا ولا تغتاظوا لأنكم بعتموني إلى هنا لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم (تكوين 4:45-5).
وكما كان يوسف رحيما فإن ربنا يسوع أيضا يتحنن علينا ويرحمنا. وهو يأتي بنا إلى النقطة التي فيها نكف عن الدفاع عن أنفسنا ونعترف بأننا خطاة غير مستحقين.
إنه من إحسانات الرب أننا لم نفنَ لأن مراحمه لا تزول. هي جديدة في كل صباح، كثيرة أمانتك (مراثي 22:3-23).
كان هناك تباين واضح بين سيرة يعقوب وسيرة أبيه. فلقد حاول إسحاق أن يبطل نبوة الله عندما حاول هو وابنه الشرير عيسو أن يسلبا يعقوب بكوريته التي كان قد اشتراها والتي كانت أيضا من حقه بالنبوة. منذ تلك الحادثة وحتى يوم مماته ظل إسحاق إنسانا مغمورا بعيدا عن الأضواء.
كان عيسو قد أقسم يوما بأن يقتل يعقوب؛ وعندما عرف أن يعقوب عائد إلى كنعان، خرج لاستقباله مع 400 من عبيده. وإذ سمع يعقوب بهذا خاف من عيسو وصارع الليل كله مع الرب في الصلاة. فمن المؤكد أنه لم يكن ينتظر استقبالا حسنا من أخيه.
كم نحتاج أن نشكر الرب من أجل أوقات الشدة في حياتنا! فلم يكن من المتوقع أن يصلي يعقوب بهذه اللجاجة ويصبح محاربا مع الله (تكوين 28:32) لولا خوفه من عيسو على سلامة أسرته.
تقدم لنا حياة يعقوب لمحة عن قدرة الله الفائقة - في الحماية، والإرشاد، والبركة، وإتمام قصده. وقرب نهاية حياته، جمع يعقوب أبناءه وأنبأهم بالبركات المعطاة لهم من الله.
هنا نرى بصيرة يعقوب الروحية وكيف ظل متمسكا بإرادة الله كالدافع الأسمى له في حياته. وهذا يظهر في إصراره على رفض رغبة يوسف في أن يحصل ابنه الأكبر على البركة الأولى (تكوين 19:48). وقد أصبحت هذه البركات النبوية الرائعة هي العلامة المضيئة الخاتمة لحياة يعقوب، تلك الحياة الزاخرة بالأحداث لهذا الرجل العظيم الذي تحمّل الكثير من الإساءة طوال حياته. وحتى يومنا هذا فإن الكثيرين ينتقدونه. ولكن ما أخطر أن ننتقد من اختاره الله لكي يباركه. فإن الله يقول بصراحة: أحببت يعقوب وأبغضت عيسو (رومية 13:9؛ ملاخي 2:1-3).
يأتي اسم إبراهيم، أبو المؤمنين، أكثر من 300 مرة في الكتاب المقدس؛ ويأتي اسم إسحاق 130 مرة فقط؛ أما اسم يعقوب فيأتي أكثر من 350 مرة واسمه الجديد إسرائيل حوالي 2500 مرة. فلا عجب أن اسم إسرائيل يكون هو الاسم الذي اختاره الله لشعبه القديم.
ومن المشجع أيضا أن نعرف أن كل إهانة تعرض لها يعقوب في حياته أحضرت له إعلانا جديدا عن وجود الله - ابتداء من أول ليلة غادر فيها البيت حتى آخر ليلة قبل انتقاله إلى محضر الله.
لعل هذا يعزي قلوب الأقلية الذين لهم هدف واحد في الحياة. فعندما نجد إحباطات عند كل منحنى يمكننا أن نتأكد أنها ستؤدي بنا في كل مرة إلى الالتقاء مع الله. فلا تندهش عندما يسعى رافضو الله أمثال عيسو وضعفاء الإيمان أمثال إسحاق إلى إحباط مجهوداتك في إرضاء الله. وقد سبق وأنبأ الرب يسوع بذلك قائلا: إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم (يوحنا 18:15).
إعلان عن المسيح:
من خلال يوسف الذي جلس على العرش لاستبقاء حياة ومن أجل توفير الطعام (تكوين 15:47). قال يسوع: لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم (يوحنا 33:6).
بدأ إسرائيل يتحول إلى أمة داخل أمة وكانت النتيجة أن القادة المصريين اختشوا من بني إسرائيل (خروج 12:1)، وتعبر كلمة "اختشوا" عن مزيج من الكراهية والخوف.
ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف (8:1). فأصدر قرارا يبدو بحسب النظرة البشرية أنه في منتهى الحكمة، إذ قال لمشيريه: هوذا بنو إسرائيل شعب أكثر وأعظم منا. هلم نحتال لهم لئلا ينموا فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض ... ولكن بحسبما أذلوهم هكذا نموا وامتدوا (9:1-10،12). ولهذا السبب أقامت السلطات المصرية رؤساء قساة على العبيد العبرانيين فأذلوهم بلا رحمة.
وقد استخدمت كل الشرور الممكنة لمضايقة العبيد: غضب فرعون، ورؤساء تسخير قساة، وأثقال وتعذيب. ثم جاء الرعب الأبشع من كل ذلك، وهو المرسوم الذي أصدره فرعون بقتل كل مولود ذكر. ولكن لولا هذا المرسوم لما أُنقذ موسى من الماء بواسطة ابنة فرعون.
إن الرب القدير الكلي الحكمة يستخدم ظروفنا الحالية من أجل إعلان محبته المنقذة. فنحن نعلم أن ديان كل الأرض لا بد وأن يصنع عدلا (تكوين 25:18). فأبناء الإيمان يعلمون أنه يوجد شخص وراء الستار لا يراه العالم ولا ينظره، وهم يثقون تماما في حكمة ومحبة خالقهم ومخلصهم.
إن إيماننا لا يستند على رمال الأحوال البشرية المتحركة والمؤثرات الأرضية المتغيرة، ولكن على صخرة كلمة الله الراسخة والأبدية.
ربما يقول أعظم الملوك: هلم نحتال لهم لئلا ينموا ... ويحاربوننا (خروج 10:1). لقد استطاع فرعون أن يدرك أن الشعب الإسرائيلي في نمو متزايد وأنه قد أصبح قادرا على الهروب من الأرض. ولكنه في جهالةٍ تصوَّرَ أنه قادر على وقف نمو عبيده. لم يكن يعرف أن الله قد قال: أنهم سيكونون كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر (تكوين 17:22).
شكرا للرب، فإن أبناء الإيمان يقدرون أن يقولوا بكل ثقة: ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى بل إلى التي لا تُرى لأن التي تُرى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية (2 كورنثوس 18:4).
إعلان عن المسيح:
كالمسيا الذي يأتي من سبط يهوذا. لا يزول قضيب (حق السيادة) من يهوذا ... حتى يأتي شيلون (صانع السلام) (تكوين 10:49؛ قارن مع لوقا 33:3). إن يسوع هو ملك السلام الذي قال، وأنا أريحكم (متى 28:11).