مقدمة لسفر أخبار الأيام الأول والثاني

تغطي أسفار صموئيل الأول والثاني والملوك الأول والثاني نفس الفترة التاريخية تقريبا التي يغطيها سفرا أخبار الأيام الأول والثاني. ولكن سفري الملوك يقدمان التاريخ السياسي لإسرائيل ويهوذا، بينما يقدم سفرا أخبار الأيام الأول والثاني التاريخ الديني فقط ليهوذا.

وتعتبر يهوذا وأورشليم والهيكل، من المواضيع الأساسية في سفري أخبار الأيام - أما تاريخ الأسباط العشرة فيأتي فقط مصادفة. والفكرة المحورية في هذين السفرين هي أن المكانة الذي نعطيها للرب في حياتنا هي التي تحدد تقدمنا أو انحدارنا.

وهذا المرجع التاريخي لا يؤكد فقط على محبة الله لشعبه، وإنما يشير أيضا إلى أنه عندما أكرم الشعب الله تحقق له الرخاء. وعندما كانوا غير أمناء للرب، سحب حضوره من وسطهم فكانت الهزيمة محققة (2 أخبار 5:26؛ 6:27).

تسجل أسفار الكتاب المقدس من التكوين إلى الملوك الثاني سلسلة من الأحداث منذ خلق آدم حتى سبي يهوذا. ولكن سفري أخبار الأيام الأول والثاني كتبا بعد السبي البابلي - على الأرجح بواسطة عزرا. والأصحاح الثاني بأكمله مخصص لنسل يهوذا، الذين حصلوا على مكان مميز لأن المسيا الموعود به سيأتي من هذا السبط (تكوين 8:49-12).

ويبدأ سفر أخبار الأيام الأول بأطول قائمة أسماء لسلسلة نسب مسجلة في الكتاب المقدس وهي تغطي فترة تاريخية تبلغ حوالي 3500 سنة (الأصحاحات 1-9). وترجع أهمية الأنساب إلى أنها تسمح بتتبع خط العائلة التي من خلالها سيتمم الله خطة الفداء. يبدأ السجل بآدم حتى داود الذي من خلاله سيأتي المسيا. وقد أصبحت هذه العائلات هي حلقة الوصل التي ترتبط بسلسلة نسب المسيح المسجلة في إنجيلي متى ولوقا. وقد حذفت العديد من الأسماء، لكن الأسماء المسجلة هي تلك المرتبطة بالنبوات عن المخلص الموعود به.

يأتي ذكر معركة شاول الأخيرة وموته في أصحاح 10. وتغطي بقية الأصحاحات (11-29) الفترة التي ملك فيها داود وهي تقدم صورة للحكومة التي تكرم الرب.

ينتهي سفر أخبار الأيام الأول بموت داود ويكمل سفر أخبار الأيام الثاني تاريخ نسله ابتداء من سليمان. وهو يسجل انقسام المملكة في زمن رحبعام، ويغطي تاريخ مملكة يهوذا الجنوبية حتى سبي الشعب إلى بابل. وتحتوي الأعداد الأخيرة على البيان الذي أصدره كورش والذي بموجبه صار مسموحا لليهود أن يرجعوا إلى أورشليم كما سبق وأنبأ به إرميا (2 أخبار 22:36-23؛ إرميا 10:29-14).

كانت فترة حكم سليمان هي العصر الذهبي لإسرائيل؛ ولكن انغماسه في أساليب المتعة والترف التي أتاحها النجاح الكبير الذي حققه داود، أدى إلى إهماله ثم رفضه لكلمة الله. وكانت النتيجة الحتمية هي انقسام ثم دمار هذه الأمة المجيدة (1 ملوك 11:11-13). لم يظهر أي نبي خلال فترة الملك سليمان. ويتكلم الجزء الأكبر من الأصحاحات التسعة الأولى من أخبار الأيام الثاني عن بناء الهيكل في أورشليم على جبل المريا. وقد بُني طبقا لنموذج خيمة العبادة (أصحاح 3-4). وأُكمل العمل في السنة الحادية عشرة من ملك سليمان (أصحاح 5؛ قارن مع 1 ملوك 38:6) ودشنه سليمان بواسطة واحدة من أطول الصلوات في الكتاب المقدس (أصحاح 6).

ويحكي باقي سفر أخبار الأيام الثاني عن ملوك يهوذا، وانحدار الأمة من الناحية الأخلاقية والروحية. وينتهي السفر بسقوط أورشليم والدمار النهائي للهيكل (أصحاحات 10-36).

اقرأ 1 أخبار 1 -- 2

معظم قراء سفري أخبار الأيام، قد يمرون سريعا على الأصحاحات الثمانية الأولى باعتبارها مجرد سردٍ مملٍّ لسلسلة نسب ليس لها أي فائدة حقيقية. ولكن هذه الأصحاحات تبين في الواقع التصميم الدقيق لخطة الله الذي يتحكم في مصير كل تابع أمين له عبر العصور. ومن الصعب حقا أن نشعر بأي اهتمام تجاه أسماء أشخاص لا نعرف عنهم إلا القليل أو ربما لا نعرف عنهم شيئا. ولكن هذه القائمة القديمة للأنساب تكشف عن خطة الله واختياراته الدقيقة في انتقاء الأشخاص الذين يصلحون لخدمته، ابتداء بآدم، شيث ... أنوش ... نوح، سام ... إبراهيم ... إسحق ... وإسرائيل (1 أخبار 1:1،3-4،28،34).

وأحد أسباب تسجيل هذه القائمة الطويلة للأنساب هو من أجل تشجيع بني إسرائيل - بعد السبي - للتأكد من أن إله الخليقة هو الله الواحد الحقيقي إله آبائهم، وإله الأرض كلها. وقد جعل رجوعهم إلى أورشليم ممكنا من أجل إتاحة الفرصة لمجيء المسيا - الذي ترجع سلسلة نسبه إلى آدم، الإنسان الأول، مرورا بنوح وإبراهيم وداود. ثم في إنجيل لوقا، كما سبق وتنبأ الأنبياء، نجد سلسلة النسب الكاملة لآدم الثاني - يسوع المسيح، ابن الله ومخلص البشرية (1 كورنثوس 22:15،45).

فلو لم تكن أسماؤهم قد سجلت في سلسلة الأنساب هذه، لما استطاع بنو إسرائيل أن يشتركوا في العبادة في الهيكل. فلا بد أن هذه القائمة الطويلة من الأسماء كانت مثيرة جدا لهم إذ كانوا يبحثون فيها عن أسمائهم وكذلك عن أسماء أحبائهم.

فكّر كم سيكون ذلك مهما للغاية عندما تُفتح أسفار الله. وكل من لم يوجد مكتوبا في سفر الحياة طُرح في بحيرة النار (رؤيا 15:20).

لكن الرب يدعو الآن لنفسه مرة ثانية جنسا مختارا، كهنوتا ملوكيا (1 بطرس 9:2)، غير مرتبط بسلسلة النسب الجسدية التي تمتد إلى آدم، بل مرتبط بالولادة الجديدة المعجزية في عائلة الله بيسوع المسيح، آدم الأخير.

لقد جلبت خطية آدم - في جنة عدن - الموت الروحي على الجنس البشري كله، لأنه بخطية الواحد قد ملك الموت (رومية 17:5). لهذا قال يسوع: ينبغي أن تولدوا من فوق (يوحنا 7:3). فالمسيحي الحقيقي ينال طبيعة جديدة - هي طبيعة الله.

إن الحياة الجديدة في المسيح هي مجرد البداية. فالرب يتداخل بنفسه في حياة كل مسيحي حقيقي - ويشكل جميع تفاصيلها. فكما نميّز ذلك في حياة الأشخاص المسجلين هنا في تاريخ إسرائيل، هكذا أيضا نكتشف كيف أن الرب يطلب أن يقودنا لكي نقرأ كلمته باستمرار وبروح الصلاة.

إن الأمور التي تحدث للمؤمنين لا تحدث أبدا "بالصدفة"؛ وإنما يسمح بها أبونا، المهندس الأعظم، لكي يعدنا لنصبح الأشخاص الذين يستطيع أن يستخدمهم لتحقيق قصده الذي من أجله خلقنا. فمع أننا قد لا نفهم العديد من الأمور التي يصنعها الله في حياتنا، إلا أننا نستطيع أن نطمئن واثقين أن له قصدا أبديا في حياتنا.

هل ما زلنا نحتاج إلى مزيد من الإقناع لقراءة هذه الأصحاحات؟ أعتقد أنه قد أصبح من الواضح أنه لفائدتنا أن نقرأ هذه السلسلة من الأنساب في قراءة اليوم حيث أن كل الكتاب ... نافع (2 تيموثاوس 16:3-17).

إعلان عن المسيح: من خلال آدم الأول (1 أخبار 1:1). المسيح هو آدم الأخير (1 كورنثوس 45:15).

أفكار من جهة الصلاة: تشفع من أجل الآخرين في الصلاة (عدد 13:14-19).

اقرأ 1 أخبار 3 -- 5

استطاع سبط شمعون الصغير أن يقضي على البقية الهاربة من العماليقيين (1 أخبار 43:4). هذا بالمقابلة مع بني رأوبين بكر إسرائيل الذين كانوا أكثر قوة. فهؤلاء خانوا إله آبائهم وزنوا وراء آلهة شعوب الأرض الذين طردهم الرب من أمامهم ... فكانت النتيجة أن ملك أشور ... سباهم ، أي الرأوبينيين والجاديين ونصف سبط منسى ... إلى نهر جوزان إلى هذا اليوم (1:5،25-26). فبينما حافظ سبط شمعون على الأرض التي أعطاها الرب له، فإن سبط رأوبين مع أنه الأقوى فقد كل شيء.

فبدلا من عبور نهر الأردن وامتلاك الأرض التي اختارها لهم الرب، فضل الرأوبينيون أن يعيشوا في الأرض الخصبة على الجانب الشرقي من نهر الأردن - على الرغم من أنها كانت بعيدة عن مكان العبادة (عدد 32). لقد اختاروا الشيء الذي سيحقق لهم نجاحا ماديا أكبر ولم يلقوا بالا إلى النجاح الروحي.

ونتيجة لذلك، كان الرأوبينيون من أوائل الأسباط التي انهزمت وأُخِذوا سبايا إلى أشور. إن الرأوبينيين يرمزون إلى الأشخاص الذين ينغمسون في أمور العالم حتى أن الله وكلمته لا يكون لهما الاعتبار الأول في حياتهم. هؤلاء الأشخاص يفضلون الاستقرار في وضع أقل مما يريده الله لهم لغرض إشباع طموحاتهم وملذاتهم الشخصية.

لقد تحققت حقا نبوة يعقوب: لا تتفضل [أي لا تتفوق]. فبفضل البكورية كان ينبغي أن يكون سبط رأوبين متفوقا على جميع الأسباط الأخرى. ولكن أباه يعقوب سبق وأنبأ بضعف رأوبين: فائرا كالماء [أي غير مستقر] لا تتفضل [أي لا تتفوق] (تكوين 3:49-4). ومن الواضح أن هذه النبوة كانت تشير إلى خطية الزنى التي ارتكبها رأوبين - وهي إحدى الأمثلة لعدم استقراره. والماء هو تشبيه جيد، ذلك لأنه يسيل بالطبيعة إلى أدنى المستويات الممكنة - وأيضا لأن الرياح تحمله والحرارة تبخره، فهو غير موثوق به ولا يمكن الاعتماد عليه.

يعتبر رأوبين مثالا للتحذير الذي جاء في العهد الجديد: فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئا من عند الرب. رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه (يعقوب 7:1-8).

هؤلاء الرأوبينيون بدأوا بداية عظيمة: صرخوا إلى الله (1 أخبار 20:5). ولكن تقلقلهم بدا واضحا بمرور الزمن إذ نقرأ أنهم زنوا وراء آلهة شعوب الأرض (1 أخبار 25:5). إن البحث عن اللذة وإرضاء الذات وجاذبية العالم قد أغوت الكثيرين وجعلتهم غير مؤهلين للحصول على بركات الله.

عندما تكون رغبتنا القصوى هي إرضاء الرب، فلا داعي أن نخاف من أننا لسنا موهوبين بالقدر الكافي، أو أقوياء بالقدر الكافي، أو صالحين بالقدر الكافي. يجب أن يكون هدفنا في الحياة هو أن نكون أمناء للرب ونقنع بما يعطيه لنا (فيلبي 11:4). فأي شيء يريدنا الرب أن نكونه أو نعمله سيجعل ذلك الشيء ممكنا عندما نكون مستعدين أن نخضع لإرادته. لقد حرم الكثيرون أنفسهم من امتياز استخدام الله لهم لأنهم لم يكونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين (1 كورنثوس 58:15).

إعلان عن المسيح: من خلال سلسلة نسب داود (1 أخبار 1:3-24). فإن المسيح، ابن الله، كان أيضا من نسل داود (لوقا 23:3-31).

أفكار من جهة الصلاة: صلّ للآباء والأمهات المسيحيين أن يدربوا أبناءهم في طرق الله (تثنية 7:6).

اقرأ 1 أخبار 6 -- 7

تبين لنا هذه السلسلة الطويلة من الأنساب والتي تبدو غير شيقة أن الله لا ينظر إلى البشرية على أنها مجرد حشد من الناس يسكن العالم. فإننا نجد أسماء الكهنة واللاويين مدونة بالتفصيل، وكذلك أسماء الأفراد مع العائلات والأسباط التي ينتمون إليها. وكل واحد كانت له مسئولية شخصية. كذلك نرى الفروقات الواضحة بين طبائع الأشخاص المذكورين في هذه الأصحاحات. فإننا نرى البعض قد كرسوا أنفسهم للمسئوليات المعطاة لهم من الله، بينما البعض الآخر قد دنسوا دعوتهم المقدسة، تماما مثلما نرى في عالمنا اليوم.

ويأتي في المقام الأول في هذه القائمة رئيس الكهنة، وهذا المنصب كان يتم اختياره من عائلة هارون (1 أخبار 1:6-15). كان هارون كاهنا مكرسا، ولكن اثنين من أبنائه كانا منافقين وقد ماتا تحت القضاء. وكان صموئيل قاضيا تقيا ولكن أبناؤه كانوا أشرارا. وكان أبياثار لسنوات عديدة رئيسا للكهنة مكرسا ولكنه فيما بعد خان داود (1 ملوك 5:1-7؛ 26:2-27). ويبدو الأمر وكأنه خليط غريب من القديسين المكرسين والخطاة المتبجحين. ولكننا نرى ذلك اليوم في كل مكان حولنا - هذا التناقض الواضح بين البدايات النابعة من السماء وبين الفرص الضائعة.

بعد ذلك نجد اللاويين، وهم يشملون عائلات جرشوم وقهات ومراري (1 أخبار 16:6-30). وأعطيت التفاصيل بشأن مسئوليات اللاويين والكهنة ورئيس الكهنة (48:6-53). فقد كانوا مسئولين عن جميع الأنشطة الروحية - أي تعليم كلمة الرب، وإقامة العبادة في الهيكل، وصيانة الهيكل ورعاية شئونه. كانت العبادة في الهيكل بحسب ترتيب الرب، وكان يُنظر إليها كحق مقدس. كان يسمى الهيكل بيت الرب (حجي 2:1)؛ هيكل الرب (زكريا 12:6-15)؛ بيت الله (عزرا 16:6). ولغرض المساهمة بأي صورة من الصور في الخدمة في الهيكل، يجب أن يكون اسم الشخص مسجلا أنه ينتمي لسبط لاوي.

لم يعطَ للاويين أرضا، ولم تكن مسئوليتهم مقتصرة على الخدمة في الهيكل. وأعطيت لهم مساكن، إذ كانوا متفرقين وسط جميع الأسباط (1 أخبار 54:6). وبهذه الطريقة كانوا يعملون على توصيل التأثير الروحي إلى جميع الأماكن. ولكن مع وجود هذه البركة كان الشعب أيضا مسئولا عن إعالة اللاويين الذين في وسطهم من خلال العشور والتقدمات.

كانت احتفالات العبادة الرئيسية تحدث ثلاث مرات في السنة فقط؛ ولكن حياة اللاويين بين الناس جعلت التأثير الروحي مستمرا كل يوم.

إن الرب لا يزال يهتم بكل واحد منا على حدة. فهو يدعو خرافه الخاصة بأسماء (يوحنا 3:10).

إن كل واحد منا مسئول شخصيا أمام الرب وسوف يعطي حسابا عن الأعمال التي عملها في الجسد (رومية 10:14-12؛ 2 كورنثوس 10:5). والواقع أن الله يهتم بكل واحد منا إلى درجة أن حتى شعور رؤوسنا محصاة (متى 30:10). إنه يعرف كل واحد منا باسمه؛ فإما أن تكون أسماؤنا مكتوبة في سفر حياة الخروف، أو أننا سنواجه الدينونة أمام العرش الأبيض العظيم.

ورأيت الأموات صغارا وكبارا واقفين أمام الله وانفتحت أسفار. وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة. ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم (رؤيا 12:20).

إعلان عن المسيح: من خلال مدن الملجأ (1 أخبار 57:6،67). لكي ينجو الشخص من المنتقم للدم، كان ينبغي أن يهرب إلى إحدى مدن الملجأ. لقد جعل الله من ابنه الوحيد يسوع المسيح ملجأ لنا من دينونة الخطية. (قارن مع يوحنا 14:3-18؛ 24:10-30؛ غلاطية 16:2؛ 1:3-13؛ عبرانيين 1:10-17؛ يوحنا 2:2؛ رؤيا 5:1). عندما نأتي إلى المسيح بالإيمان مطيعين لكلمته، فإنه يصبح ملجأنا.

أفكار من جهة الصلاة: افرح بكل ما يعطيه الرب لك (تثنية 11:26).

اقرأ 1 أخبار 8 -- 10

سبي شعب الله إلى بابل لأجل خيانتهم - فتشتتوا وأهينوا وتدهور حالهم في أرض غريبة (1 أخبار 1:9). وبعد سبي بني إسرائيل الذي استمر 70 سنة، كما سبق وأنبأ إرميا، أتيحت الفرصة لنسلهم أن يرجعوا إلى أورشليم ليعيدوا بناء الهيكل (2:9). ولكن معظمهم كانوا قد ولدوا في بابل ولم يروا أورشليم بالمرة. بالإضافة إلى ذلك فإن الرحلة الخطيرة التي تبلغ حوالي 500-800 ميلا كانت ستستغرق عدة أشهر على الأقدام. أضف إلى ذلك أنه لم يكن ينتظرهم سوى كم هائل من العمل لإعادة بناء الهيكل من الأنقاض التي خلفها الدمار البابلي على مدى 50 سنة مضت.

وبعد أن انتصرت مملكة فارس على بابل وأطلقت سراح الإسرائيليين، كان القليلون منهم مستعدين أن يحققوا إرادة الله في حياتهم ويرحلوا من فارس (إمبراطورية بابل سابقا) تاركين ما بها من فرص وضمانات مادية.

أما جميع الذين استجابوا للدعوة فقد أصبحوا جبابرة بأس لعمل خدمة بيت الله (13:9) إذ أن ولاءهم لملكهم السماوي جعلهم مستعدين أن يساهموا بأي طريقة في الخدمة حيثما يوجد احتياج.

وقد يبدو أن عمل النثينيم [خدام الهيكل] (2:9) كان عديم الشأن إلى حد ما، ولكنه في الواقع مهم لأنه جزء من العمل الذي كان ينبغي عمله من أجل الرب. وقد أعطي لآخرين مراكز أعلى. ولكن الشخص الذي لديه موهبة واحدة لا يتوقع منه أبدا أن يقوم بمسئولية الشخص الذي لديه خمسة مواهب. ومن بين اللاويين، كان البعض مسئولين عن آنية الخدمة (28:9) - الأمر الذي قد يبدو عديم الأهمية؛ وآخرون ائتمنوا على الدقيق والخمر واللبان والأطياب (29:9-30) - وهذا ربما يتطلب مهارة أكثر؛ والبعض الأخر كانوا قائمين على عمل المطبوخات (31:9) - أي أنهم عمال عاديون. معظم هذه الأعمال قد تبدو أنها لا تستحق الذكر بالمرة، ولكن في نظر الرب جميع المسئوليات لها قيمتها - مهما كانت صغيرة - فهي تستحق أن تدون في سفر أخبار الأيام.

في خدمة الرب اليوم توجد أنواع مواهب متعددة، ولكن الروح هو الذي يحدد لكل واحد بمفرده ما يريده منه بالضبط (1 كورنثوس 4:12،11) - وليس دائما كما نفضل نحن. فالشخص الذي يكون أمينا ويتجاوب مع الفرص الممنوحة له، قد ينال مواهب أعظم؛ أما الذي يدفن مواهبه فإنه سيسمع في يوم الدينونة: أيها العبد الشرير والكسلان! (متى 26:25). فبغض النظر عن كون المهام كبيرة أو صغيرة الشأن، فإنها تكليف مقدس من الله الذي حددها كلها. فجميع المسئوليات يجب أن نقوم بها كما للرب (كولوسي 23:3)،لأنها جميعها مهمة.

كلنا نستطيع أن نضع على عاتقنا مسئولية الصلاة - من أجل الخدام ومن أجل خدمة الكلمة. لقد طلب منا الرب يسوع المسيح أن نقدم صلاة محددة جدا فقال: اطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده (متى 38:9).

ومهما كانت المكانة التي وضعنا الرب فيها في الحياة، يجب أن تكون صلاتنا الصادقة هي هذه: يا رب اجعلني أمينا لمسئولياتي، مهما كانت متواضعة، واجعلني أقوم بها بكل قلبي كأني أعملها للرب (كولوسي 23:3).وعندما نقف أمام الرب، ستمنح المكافآت، ليس بناء على سمو المكانة، بل بناء على أمانة الخادم. كن أمينا إلى الموت [أي حتى إذا اضطررت أن تموت بسبب أمانتك] فسأعطيك إكليل الحياة (رؤيا 10:2).

إعلان عن المسيح: من خلال أورشليم، التي تعني "أساس السلام" (1 أخبار 3:9). المسيح هو الأساس الوحيد للسلام بين الإنسان والله (2 كورنثوس 18:5؛ أفسس 14:2).

أفكار من جهة الصلاة: صل بصوت عال - فإن الرب يسمع (مزمور 4:3).

اقرأ 1 أخبار 11 -- 13

كانت قد مرت عشرون سنة تقريبا منذ أن مسح صموئيل الفتى داود ليصبح ملكا على إسرائيل. لقد مسح داود في مرحلة مبكرة من حياته، وكان يبدو في بعض الأحيان أنه قد فقد الأمل من تحقيق هذا الوعد بأن يصبح ملكا، بل إنه في بعض الأوقات كان يبدو الأمر مستحيلا.

فلنفكر في بعض مشاكل داود. كيف يمكن لله أن يحقق وعد صموئيل النبي لداود بأنه سيصبح ملكا على إسرائيل بينما كان شاول أبعد ما يكون عن الشيخوخة؟ ثم إن شاول كان يتمتع بشعبية كبيرة. أضف إلى ذلك أنه كان مختارا من الله. وفوق هذا كله أن يوناثان كان هو الوريث الشرعي.

ثم كيف يمكن لداود أن يتوقع من الأفرايميين المرموقين الغيورين، نسل يوسف، أن يوافقوا بأن يكون سبط يهوذا هو السبط الذي يأتي منه الملك الذي سيملك عليهم؟ وحتى إذا وافقوا، فهل ستوافق العائلات المرموقة في يهوذا أن يكون الملك هو أصغر أبناء عائلة يسى؟ فإن حتى صموئيل قد فكر في البداية أن الأخ الأكبر لداود هو الشخص المعني واستعد لكي يمسحه ملكا.

فكيف يمكن لداود أن يصبح ملكا؟ أي فرصة أمامه؟ كان من الواضح أن شاول لا بد أن يقتله. ولذلك هرب داود من إسرائيل ليعيش في أرض الفلسطينيين. ثم جاء اليوم الذي فيه اجتمع كل رجال إسرائيل إلى داود في حبرون قائلين هوذا عظمك ولحمك نحن. ومنذ أمس وما قبله حين كان شاول ملكا كنت أنت تُخرج وتُدخل إسرائيل [أي تقود الشعب في الخروج والدخول]، وقد قال لك إلهك أنت ترعى شعبي إسرائيل وأنت تكون رئيسا لشعبي إسرائيل (1 أخبار 1:11-2).

إن مشاكل داود تشبه من أوجه عديدة المشاكل التي يواجهها بعضنا اليوم. فطالما أن الرب قد أعطاك الرغبة في عمل مشروع من أجل مجده، لا بد أن تظهر العقبات. قد تكون مشاكل أسرية تحتاج إلى حل، أو مشاكل مالية تبدو بلا مخرج، أو مجرد إحساس شديد بالعجز. وأيا كانت الحالة، فإن التغلب على هذه الصعوبات قد يبدو مستحيلا أشبه بتحريك جبل. وللأسف، فإن معظمنا أمام هذه الصعوبات يقع سريعا في اليأس وينتابه الإحساس بأنه لا جدوى من المحاولة.

لقد عانى داود حقا من أقسى الظروف لسنوات عديدة قبل أن يتحقق له وعد الرب (1 صموئيل 1:16-2). فالرب لا يعطي أبدا وعودا بأن الطريق سيكون سهلا. إنما دعوة الرب في الواقع إلى كل من يريد أن يتبعه هي أن ينكر نفسه [أي يغض النظر عنها وينساها ولا ينظر إلى مصلحته الشخصية] ويحمل صليبه ويتبعني (متى 24:16). إن طريق الصليب هو عادة طريق طويل ومنفرد وغير ممهد. ولكن ينطبق عليه المثل القديم أن سريعي الاستسلام لا ينتصرون أبدا والمنتصرون لا يستسلمون أبدا. فالمنتصرون يجاهدون جهاد الإيمان الحسن (1 تيموثاوس 12:6) ويلبسون سلاح الله الكامل.. ويأخذون خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله (أفسس 11:6،17).

فلا تنسى أبدا: إن الله لا يقبل الوجوه [أي لا يحابي أحد] (أعمال 34:10). نعم لقد أكد لنا أن كل شيء مستطاع للمؤمن! (مرقس 23:9). والأكثر من ذلك وعد بتحريك أعلى الجبال. فعندما نعترف بسلطان الله على حياتنا، نلتفت إليه بصبر منتظرين إرشاده. لقد قال: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم (متى 20:17).

إعلان عن المسيح: من خلال داود، الملك الممسوح (1 أخبار 3:11). المسيح هو الشخص الممسوح الذي سيملك، ملك الملوك ورب الأرباب (رؤيا 16:19).

أفكار من جهة الصلاة: دع صلواتك تعبر عن عرفانك للرب بالجميل من أجل أعماله الرائعة (مزمور 1:9).

اقرأ 1 أخبار 14 -- 16

توجد ثلاثة أمور بارزة في حياة داود: أولا- كان رجل صلاة. كثيرا ما تتكرر العبارة، فسأل داود من الله قائلا أأصعد؟ (1 أخبار 10:14،14). ثانيا- كان يحب كلمة الله، ففعل داود كما أمره الله (16:14). ثالثا- أنه كان يحب أن يسبح الله، احمدوا الرب، ادعوا باسمه؛ أخبروا في الشعوب بأعماله (8:16). هذه الأمور الثلاثة كانت نتيجتها أن خرج اسم داود إلى جميع الأراضي، وجعل الرب هيبته على جميع الأمم (17:14). كان داود رجلا بحسب قلب الله (1 صموئيل 14:13؛ 2:23،4؛ 8:30؛ 2 صموئيل 1:2؛ 19:5،23؛ 1:21؛ أعمال 22:13).

بعد إحضار تابوت الرب من بيت عوبيد أدوم إلى أورشليم، جمع داود الشعب كله لكي يقضوا وقتا مجيدا في تسبيح الرب. لقد اعترف علانية بسلطان الملك الأعظم وكان يمارس امتياز - وأيضا مسئولية - عبادة الرب وتسبيحه علنا بصفته إله كل الشعوب، الذي يعول ويحمي ويعد شعبه ليكونوا معبرين عن قداسته ومحبته.

وقد أعطى داود أحد مزاميره الملهمة لآساف وجوقته ليرنموه، وهو مزمور يرفع أرواحنا إلى السماء بينما نحن نسجد لجلال عظمة إلهنا: ترنموا له ... تحادثوا بكل عجائبه ... تفرح قلوب الذين يلتمسون الرب ... اذكروا إلى الأبد عهده الكلمة التي أوصى بها ... حدثوا في الأمم بمجده ... الرب قد ملك (1 أخبار 7:16-36).

نعم الرب قد ملك. فالتسبيح الصامت لا يكفي. لا يمجد الرب سوى التسبيح العلني المسموع الذي ينبع من قلب شخص مكرس للرب فعلا - تحادثوا بعجائبه ... تفرح قلوب الذين يلتمسون الرب (9:16-10). نعم، الرب قد ملك (31:16) والعالم يحتاج أن يسمعنا نعلن ذلك، سواء بأفعالنا أو بأصواتنا.

أمرُ غريب، أليس كذلك؟، لا أحد يعتبره أمرا غير عادي أن يهتف أحدهم ويصيح ثم يرمي قبعته في الهواء، ويلوح بيديه بكل قوته عندما يحقق فريقه هدفا في مباراة الكرة. ولكن إذا لوّح أحد بيديه مسبحا الرب بصوت عال، متهللا لأنه قد تحرر من خطاياه ومتمتعا بفيض بركات الرب عليه - يظن العالم أنه قد فقد عقله.

انظر بولس وسيلا اللذين نالا تعذيبا قاسيا على يد القادة الرومان. كان جسدهما ينزفان، وقد وضعت رجليهما في المقطرة وألقي بهما في السجن الداخلي (أعمال 24:16) في الظلام على الأرض الباردة القذرة. أما كنا نتوقع منهما أن يتساءلا: "لماذا أنا يا رب؟" لقد كانا يعانيان بلا شك من أشد الألم، بلا طعام ولا عزاء ولا مدح من الجموع الذين كانا يسعيان إلى إنقاذهم من الجحيم. لكنهم في منتصف الليل كانا يرنمان ويسبحان الله (25:16). ما الذي ظنه يا ترى باقي المسجونين في هذين الرجلين اللذين كانا يهللان لأنهما حُسبا مستأهلين أن يهانا من أجل اسمه؟ (41:5). إنه حقا انتصار للشيطان وإهانة للرب عندما نتذمر ونشتكي ونثور ونهيج. إن تسبيح الرب أمر ممجد له جدا، نختبر من خلاله انتصارا ظافرا عندما نسبح الرب بصوت عال. قد يقول البعض: "إني لا أشعر برغبة في تسبيح الرب بصوت عال". إنك لن تقدر أبدا أن تكسر قيود الكبرياء وإرضاء الذات ما لم تفرح وتتهلل ... لأن الرب عظيم ومُفتَخَرٌ جدا (1 أخبار 25:16؛ قارن مع عبرانيين 15:13).

وأما أنتم فجنسٌ مختار وكهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب اقتناء لكي تُخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب (1 بطرس 9:2).

إعلان عن المسيح: من خلال شهرة داود وهيبته (1 أخبار 17:14). إن الله قد رفع المسيح، فادينا، وأعطاه اسما فوق كل اسم (فيلبي 9:2).

أفكار من جهة الصلاة: ثق في الرب؛ لأنه حيثما يقودك هو يعولك (مزمور 1:16-8).

اقرأ 1 أخبار 17 -- 20

عندما تأمل داود في التناقض بين جمال وفخامة قصره وبين خيمة الاجتماع القديمة التي كان يسكن فيها الرب، شعر بالخجل. ففكر أنه بلا شك يجب أن يكون مكان عرش الملك الحقيقي أعظم بكثير. لذلك أراد أن يبني هيكلا يعبر عن تقديره العظيم لإلهه. فقال لناثان: هأنذا ساكن في بيت من أرز وتابوت عهد الرب تحت شقق [أي قماش الخيام] . فقال ناثان لداود: افعل كل ما في قلبك لأن الله معك (1 أخبار 1:17-2). ولكن الرب أعلن لناثان قائلا: اذهب وقل لداود عبدي: هكذا قال الرب: أنت لا تبني لي بيتا للسكنى (4:17)، على الرغم من أنه قد أتيح له أن يجمع الكثير من المواد ويضع جميع التصميمات اللازمة لبنائه. وقد أكرم الرب رغبة داود قائلا: الرب يبني لك بيتا [أي ذرية مباركة] .. ويكون كرسيه ثابتا إلى الأبد (10:17-14).

من يستطيع أن يدرك عظمة هذا الوعد عندما نفكر في إتمامه في يسوع المسيح، ابن الله، ملك الملوك ورب الأرباب، الذي سيملك على كل الأرض. وبكل تواضع دخل الملك داود وجلس أمام الرب (16:17) لكي يتفكر في المفارقة بين رغبته في أن يبني للرب هيكلا صغيرا لسكناه وبين ما وعد به الملك الأبدي أن يبنيه له في المقابل. فالبيت الذي أراد داود أن يبنيه للملك غير المرئي كان بيتا من حجارة وخشب وفضة وذهب، وكان عمره الافتراضي بضعة سنوات فقط. أما الملك السماوي فقصد أن يبني لداود مملكة أعظم بكثير تستمر إلى الأبد.

عندما سمع داود هذا الكلام، لم يعبر عن رد فعله بفرح عظيم على الأهمية التي اكتسبها فجأة، لكنه عبر عن إحساس عميق لعدم استحقاقه: من أنا أيها الرب الإله وماذا بيتي؟ فعندما نرى الله على حقيقته ونرى أنفسنا على حقيقتها، لا بد أن يقودنا إلى التواضع. يا رب ليس مثلك ولا إله غيرك (16:17-20).

تعبر إجابة داود عن الامتنان العميق تجاه ملك الكون من أجل تنازله وعطفه على عبده. وكان روح التواضع يتخلل كل كلمة من إجابته: من أنا ... حتى أوصلتني إلى هنا؟ إن الإنسان الطبيعي، أي طبيعتنا البشرية الفاسدة، تتجاوب عادة مع أي أفكار عن إعلاء الذات - أو إحساس بالأفضلية أنها حصلت على ما تستحق. لكن رب المجد يُسَرّ أن يبارك كل من يعترف بإخلاص ويقول: من أنا؟

وعلى الرغم من أن داود لم يحظ بشرف بناء الهيكل، إلا أنه أدرك أن الرب قد منحه شرفا أعظم - أنه سيثبت بيته إلى الأبد (23:17). ونحن أيضاً، لدينا الفرصة أن نشهد بعظمة ربنا المجيد وأن نسبحه من أجل امتياز كوننا عبيدا له.

مع أن معظمنا لا نجد صعوبة في تسبيح الرب من أجل استجابات الصلاة ومن أجل "الأمور الحسنة" التي تصادفنا، إلا أن القليلين يعبرون عن نفس روح التسبيح عندما تكون ظروفهم محبطة. لكن الله يتمجد ويحق له التسبيح عندما نواجه الإحباطات؛ لأننا بذلك نعترف أن الله في حكمته اللانهائية، يحبنا ويعتني بنا ويسيطر على كل ظروف حياتنا.

أما التذمر بشأن الظروف فهذا معناه الشك في عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين (أفسس 19:1).

إعلان عن المسيح: من خلال داود الملك الراعي العظيم، الذي يرمز إلى المسيح في صورته الإنسانية (1 أخبار 7:17؛ قارن مع متى 1:1-2 ؛رومية 3:1).

أفكار من جهة الصلاة: دع ثقتك في كلمة الله تتغلب على جميع مخاوفك (مزمور 30:18).

اقرأ 1 أخبار 21 -- 23

كان سليمان في حوالي العشرين من عمره عند مسحه ملكا. وحيث أن الشباب ليس لديهم سنوات الخبرة والملاحظة التي لدى الشيوخ، فإنهم غالبا يقللون من قدر الأشياء التي لها أهمية عظمى. لهذا السبب نصح داود سليمان بشدة قائلا: فالآن اجعلوا قلوبكم وأنفسكم لطلب الرب إلهكم. وقوموا وابنوا مقدس الرب الإله (1 أخبار 19:22). لقد أصبحت الآن كل المواد والتصميمات اللازمة لبناء الهيكل في حوزة سليمان، كان ينبغي أن تكون حافزا له ليقوم في الحال ويبني الهيكل. لكن سليمان وضع اهتماماته الشخصية أولا. إنه لمن المحزن حقا أن نقرأ أنه لم يبدأ في بناء الهيكل إلا في السنة الرابعة من ملكه، وبدلا من ذلك بدأ بسرعة يجمع مركبات وفرسانا (2 أخبار 14:1؛ 2:3). كان هذا انتهاكا صريحا لوصية الله (تثنية 16:17-17؛ 1 ملوك 26:10-4:11).

كان داود قد فعل كل ما بوسعه استعدادا للهيكل الذي سيبنيه سليمان. وقد حرض سليمان في السر والعلن، وبكل محبة وإصرار أن يضع الله أولا. ولكن، كان مصير سليمان الفشل، لأن المحبة والتكريس الشخصي للرب لم يتوافرا عنده. وهذا النداء موجه إلى كل مسيحي، وهو أن أعظم الوعود المجيدة في الكتاب المقدس تصبح بلا معنى ما لم نعمل بموجبها "الآن" لأن غدا لا يأتي أبدا.

وقد أرشد داود سليمان، مثلما يرشد المسيح كل مؤمن شاب اليوم لكي يطلب أولا ملكوت الله وبره - أما الأمور اللازمة للحفاظ على سلامتنا الجسدية فهي تأتي من تلقاء نفسها (متى 33:6). إن "طلب ملكوت الله أولا" يقابل بناء الهيكل - أي الأمور الخارجية التي ينبغي أن نحققها في خدمة الرب. ولكن النصف الآخر أكثر أهمية، برّه ، أي تنشئة الذات الداخلية لتصبح تماما مثلما يريدنا الرب أن نكون. هذه الآية تقابل مثال داود الذي لم يكتف بإمداد سليمان بجميع المواد اللازمة لإكمال الهيكل، لأنه هناك شيء أهم بكثير، كان يحتاجه سليمان، إذ نقرأ عن تحريض داود له من جهة حفظ شريعة الرب إلهك. حينئذ تفلح (1 أخبار 12:22-13). نعم، إن الحجارة والخشب والذهب والحديد والمعادن النفيسة جميعها مطلوبة بالإضافة إلى الأيدي العاملة والعقول النشيطة والقلوب المكرسة؛ ولكن أفضل المواد وأكثر العمال مهارة يصبحون بلا فائدة إن لم تتوافر الطاعة والحياة المخضعة للرب - الذي يمثله هذا الهيكل.

إن الإيمان الحقيقي هو الالتزام بمشيئة الله والقيام بكل ما في وسعنا على تحقيقها. عندئذ فقط تستقر مسحة الله على مجهوداتنا مثلما حدث مع يشوع في مطالبته بالأرض التي أعطاها لهم الرب (يشوع 3:1). فإن يشوع لم يجلس منتظرا أن يرحل الكنعانيين عن الأرض؛ وإنما دخل كنعان واستولى عليها.

لا ينبغي فقط أن نطلب [نصلي]؛ ولكن يجب أن نستمر نطلب ونستمر نقرع - أي أننا نفعل أيضا ما في وسعنا (متى 7:7-8).

هذه هي روح يعقوب الذي قال: أرني إيمانك بدون أعمالك ... الإيمان بدون أعمال ميت (يعقوب 18:2،20).

إعلان عن المسيح: من خلال المذبح الذي بناه داود (1 أخبار 18:21). عندما نخطئ فإن أفضل شيء نفعله هو أن نتجه إلى المسيح. فمن خلاله فقط يمكننا أن نسترد بهجة خلاصنا.

أفكار من جهة الصلاة: اطلب إرشاد الرب في كل ما تفعله أو تقوله؛ فإنه سيرشدك (أمثال 6:3)

اقرأ 1 أخبار 24 -- 26

لقد توزعت المسئوليات على الكهنة، والمرنمين، والحمالين، وحراس الأبواب، وأمناء الصندوق، وسائر العاملين الذين كانوا على مستوى المسئولية للقيام بالأعمال اللازمة للعبادة في الهيكل.

كان حراس الأبواب من بني قورح ومن بني مراري. وكان ينتمي عوبيد أدوم إلى بني مراري، وجميعهم أبطال بواسل. فقد تم تنظيم حراس الأبواب بحيث يكون 24 حارسا في الخدمة ليلا ونهارا. وكان عليهم أن يحرسوا المداخل لئلا يحاول أي شخص أن يدخل وهو غير مؤهل لذلك. وقد قيل عن حراس الأبواب أنهم أصحاب بأس بقوة في الخدمة (1 أخبار 8:26) - أي رجال يتميزون بالأمانة والشجاعة لا يتخلون عن مسئولياتهم مهما كانت الأوضاع.

على عكس ذلك، فإن ناداب وأبيهو، اللذين كانا من كهنة الرب، لم يكونا على مستوى المسئولية وقد ماتا بسبب إهمالهما. ولكن ألعازار وإيثامار وعائلتيهما قد أثبتوا الولاء وتحمل المسئولية. فقد كانت جميع الوظائف هامة للحفاظ على العبادة في الهيكل. فحراس الأبواب لا يقلون أهمية عن الكهنة وأمناء الصندوق والمرنمين وغيرهم.

إن ذكر التفاصيل عن جميع العاملين المختلفين الذين يعملون في الهيكل يعلمنا أن كل الأعمال المطلوبة لإتمام إرساليته العظمى هي أعمال مقدسة. فكل واحد منا مسئول- ليس أن يسعى لشغل مناصب أعظم من تلك الموكلة إليه - بل أن يكون أمينا من جهة المواهب التي أؤتمن عليها. فإنه توجد مواهب متنوعة، ولكن الروح الواحد هو الذي يوزعها على كل واحد كما يشاء - وليس كما نفضل نحن (1 كورنثوس 1:12-22).

وأهمية هذا الحق يظهر مثاله في عوبيد أدوم الذي لم يكن يشغل منصبا هاما. كان مجرد حارس لأبواب الهيكل [أي بواب] (1 أخبار 18:15). لكن الله باركه (5:26) في المدة التي كان فيها تابوت العهد في منزله. كان داود قد خطط لإعادة تابوت العهد إلى أورشليم وأن يجعل أورشليم أن تكون المركز الديني لإسرائيل. ولكن، بعد موت عزة بسبب لمسه لتابوت العهد، أخذ التابوت إلى بيت عوبيد أدوم حيث مكث هناك ثلاثة أشهر (2 صموئيل 1:6-11؛ 1 أخبار 7:13-14). وعندما استضاف عوبيد أدوم تابوت العهد فإنه لم يستضف فقط كلمة الله وإنما استضاف ذات محضر الله (خروج 22:25؛ 1 صموئيل 4:4؛ 2 صموئيل 2:6).

وكما أن تابوت العهد جلب بركة الله على بيت عوبيد أدوم، كذلك الله أيضاً، يبارك كل من يفسح المجال للمسيح ابن الله ولكلمته أن يسودا على حياته (يوحنا 12:1). هذه هي دعوة الله لكل واحد منا. فمن بداية مسيرتنا معه، يؤتمن كل واحد منا على أمور ومهام. لكن البعض ينكر حقوق السيد وملكيته، فيستخدم المواهب والوقت بل وأيضا العشور لتحقيق مزيد من المتع الشخصية، هذا بالإضافة إلى إنهم يحتفظون بالجزء الأكبر من ثروة الله لأنفسهم - رافضين أن يعترفوا أنها تخص الله.

يدرك أولاد الله أن كل يوم هو فرصة لتمجيد الرب. بينما يعتبر أولاد العالم، أن كل يوم هو فرصة لتحقيق مزيد من المكاسب لإرضاء أنفسهم. إن الودائع التي أودعها الله لدينا يمكن أن تؤدى إلى زيادة البركة ويمكن أيضاً أن تصبح لعنة، مثل الشخص الذي استبدل امتيازاته الروحية ببضعة لحظات من المتع الجسدية (تكوين 34:25).

ويحذرنا الكتاب نحن أيضا قائلا: ملاحظين لئلا يخيب أحد من نعمة الله، لئلا يطلع أصل مرارة ويصنع انزعاجا فيتنجس به كثيرون. لئلا يكون أحد زانيا أو مستبيحا كعيسو الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته (عبرانيين 15:12-16).

إعلان عن المسيح: من خلال كنوز الهيكل (1 أخبار 20:26-28). لأنه مذّخر في المسيح جميع كنوز الحكمة والعلم والغنى الذي يسدد جميع احتياجات المؤمن (فيلبي 19:4).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب الله كمن هو أهم من الغذاء لإشباع جوعك (أمثال 13:3-18).

اقرأ 1 أخبار 27 -- 29

كان داود قد تقدم في السن وعرف أن ملكه أوشك على الانتهاء. وكلما اقترب أكثر من العالم الأبدي، كلما تكلم أكثر بلغة التسبيح المميزة لذلك العالم. وتعتبر آخر رسالة وجهها لمملكته بمثابة أعظم تدفق تعبدي مسجل في العهد القديم، إذ كان يعبد الرب ويعلن عن عظمته التي ليس لها مثيل.

وفي السنة الأخيرة من ملكه، جمع داود جميع رؤساء الأسباط وقادة الجماعات. ثم وقف وأخبر جميع الشعب - كما سبق وفعل في السر مع سليمان - كيف أن الله قد اختار سليمان ليبني هيكله. ثم أخبر سليمان مرة أخرى عن اهتمامه الأول: احفظوا واطلبوا جميع وصايا الرب إلهكم ... وأنت يا سليمان ابني اعرف إله أبيك واعبده بقلب كامل ونفس راغبة، لأن الرب يفحص جميع القلوب ويفهم كل تصورات الأفكار ... إذا تركته يرفضك إلى الأبد (1 أخبار 8:28-9).

بعد ذلك، رفع صلاة من أكثر الصلوات إلهاماً في الكتاب المقدس - صلاة شكر وحمد. وبارك داود الرب أمام كل الجماعة وقال داود مبارك أنت أيها الرب ... لك يا رب العظمة والجبروت والجلال والبهاء والمجد (10:29-19). لقد كانت هذه الصلاة هي العلامة المميزة لذلك اليوم واعترافا مجيدا ببركات الرب على شعبه وعلى سليمان. فبارك كل الجماعة الرب إله آبائهم وخروا وسجدوا للرب وللملك (20:29).

هذا هو النموذج لجميع الصلوات - فعندما نقترب من الرب في الصلاة (مزمور 28:73؛ عبرانيين 22:10؛ يعقوب 8:4) هذا لا يعني أن نطلب منه أن يغفر لنا خطايانا ثم نبدأ في سرد الأشياء التي نريدها منه. كلا، فالصلاة هي وقت نقضيه في حمده وتسبيحه من أجل عظمته وقداسته - تماما مثلما فعل يسوع الذي علمنا أن نصلي قائلين: أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك [أي ليظل مقدسا] (متى 9:6). لقد أعطانا الرب مثالا عن كيفية السجود والتعبد له بتقديم الشكر من أجل صفات الله في حد ذاته ومن أجل الأشياء التي أعطاها لنا والأِشياء التي وعدنا بها.

فالعبادة قد تكون مجرد إجراء طقسي من الترنيم أو الصلاة أو الوعظ. لكن العبادة الحقيقية هي شيء يختبره العابد في قلبه. ففي كل يوم، وفي وسط أي ظرف، يجب أن نقدم الحمد للرب. أما التذمر بشأن ظروفنا، هذا يعني أننا غير راضين عن ترتيباته لحياتنا. إنه يدل حقا على الشك في حكمة الله وحبه لنا. اشكروا في كل شيء (1 تسالونيكي 18:5).

إن اتجاه القلب الذي يظهر في شكل سجود، أو انحناء، أو رفع للأيدي، هذه كلها تعبيرات جميلة عن العبادة الحقيقية. لقد قال داود، الذي كان رجلا بحسب قلب الله: هكذا أباركك في حياتي، باسمك أرفع يدي (مزمور 4:63). وكتب الرسول بولس منقادا بالروح القدس: فأريد أن يصلي الرجال في كل مكان رافعين أيادي طاهرة (1 تيموثاوس 8:2).

إعلان عن المسيح: من خلال الذهب الذي قدمه داود (1 أخبار 3:29-4). فالذهب يشير إلى دفء المسيح وقيمته العظيمة.

أفكار من جهة الصلاة: ضع مخاوفك أمام الرب وهو يعطيك سلاما (أمثال 24:3-26).

اقرأ 2 أخبار 1 -- 3

بدأ سليمان، وهو آخر ملوك إسرائيل الموحدة، ملكه بالخضوع والتواضع أمام الرب. وكان الرب إلهه معه وعظمه جدا ... فذهب سليمان وكل الجماعة معه إلى المرتفعة التي في جبعون [والتي تقع على بعد ستة أميال شمال غرب أورشليم] ... أمام مسكن الرب ... وأصعد سليمان هناك على مذبح النحاس أمام الرب الذي كان في خيمة الاجتماع، أصعد عليه ألف محرقة. في تلك الليلة تراءى الله لسليمان وقال له اسأل ماذا أعطيك (2 أخبار 1:1-7).

في هذا الحلم طلب سليمان من الرب أن يعطيه حكمة لكي يقود شعبه. وفي المقابل قال الرب لسليمان أن طلبته قد استجيبت. ولكن هذا كان مجرد حلم. فهي ليست صلاة حقيقية لسليمان، كما يقال عادة، بل محاولة من الله لكي يلفت انتباه سليمان إلى ما هو أهم. لقد نال سليمان شرف تقديم أعظم الذبائح، وبناء أشهر هيكل، وذاع صيته بصفته أشهر ملك؛ ولكن من خلال هذا الحلم، كان الله يريد أن يبين لسليمان أن احتياجه الحقيقي هو أن يطيع الله.

من المؤسف أنه بعد تقديم الذبائح مباشرة في جبعون بدأ سليمان يجمع مركبات وفرسانا؛ فكان له 1400 مركبة و 12000 فارس، فجعلها في مدن المركبات ومع الملك في أورشليم (14:1-16؛ 25:9؛ 1 ملوك 26:4). فهي لا بد أن تثير إعجاب الناس الذين يأتون في قوافل من وإلى سوريا والعراق وما بين النهرين في الشمال؛ ومصر في الجنوب؛ وموآب في الشرق؛ وفلسطين في الغرب. وعلى الأرجح أن هذا العدد الهائل من المركبات قد فاق عدد المركبات التي يمتلكها ملك مصر (2 أخبار 3:12)، وكذلك ملك سوريا (2 صموئيل 18:10). وبلا شك أن هذا قد أثار إعجاب العالم. إلا أنه كان انتهاكا صريحا لكلمة الله.

فقد أمر الله بالتحديد أن الملك لا يكثر له الخيل ... ولا يكثر له نساء لئلا يزيغ قلبه؛ وفضة وذهب لا يكثر له كثيرا (تثنية 16:17-17). ولكن سليمان كسر متحديا هذه الوصايا الثلاث جميعها، وخطيته العظمى كانت عندما أهمل الوصية الرابعة: أن يكتب لنفسه نسخة من هذه الشريعة في كتاب ... ويقرأ فيها كل أيام حياته لكي يتعلم أن يتقي الرب إلهه ويحفظ جميع كلمات هذه الشريعة وهذه الفرائض ليعمل بها (تثنية 18:17-20).

لقد جمع سليمان ثروة إلى حد أنه جعل الفضة والذهب في أورشليم مثل الحجارة (2 أخبار 15:1). وقد رأينا أن سليمان أحب نساء غريبة كثيرة (1 ملوك 1:11) - وجميعهن عبدن الأوثان، وليس لديهن محبة لله. فكانت النتيجة أن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل (1 ملوك 9:11). وكم هو محزن، أن نقرأ عن جميع المباني التي بناها سليمان من أجل خيوله ومركباته قبل أن يبدأ في بناء بيت الرب بأربع سنوات (2 أخبار 1:3-2).

في الأبدية، لا يهم ما إذا كان الشخص قد حقق شهرة أو شعبية أو مدحاً على إنجازاته. ففي النهاية، الشيء المهم حقا هو أنه وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة (2 بطرس 4:1).

إعلان عن المسيح: من خلال الألف محرقة التي قدمها سليمان (2 أخبار 6:1). يحق لنا أن نشعر بالامتنان لأن الذبيحة الواحدة التي قدمها المسيح قد ألغت الآن الذبائح المتعددة (رومية 10:6؛ عبرانيين 10:10-12،14).

أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب لأن كلمته تثبت إلى الأبد (إشعياء 8:40).

اقرأ 2 أخبار 4 -- 6

تعتبر صلاة سليمان بمناسبة تدشين الهيكل من أطول الصلوات المسجلة في العهد القديم (2 أخبار 14:6-42). كان الشعب كله ملتف حول سليمان وهو واقف على المنصة بالقرب من مذبح النحاس. وقبل أن يفتح فمه بالصلاة، جثا على ركبتيه تجاه كل جماعة إسرائيل وبسط يديه نحو السماء (13:6).

كان شائعا عند شعب الله أن يرفعوا أيديهم بالصلاة والحمد، مثلما تعلم سليمان من داود أبيه الذي قال: ارفعوا أيديكم نحو القدس وباركوا الرب (مزمور 2:134-3). كذلك الكتاب يعلم المسيحيين اليوم أن يصلي الرجال في كل مكان رافعين أيادي طاهرة (1 تيموثاوس 8:2). إنه حقا أمر طبيعي أن نرفع أيدينا وأن ننحني على ركبنا أمام الله القدير خالق الكون. وقد علمنا داود قائلا: هلم نسجد ونركع ونجثو أمام الرب خالقنا (مزمور 6:95). كذلك ربنا يسوع في صلاته كرئيس الكهنة في البستان جثا على ركبتيه وصلى (لوقا 41:22).

وقد افتتح سليمان صلاته بالقول: أيها الرب إله إسرائيل، لا إله مثلك في السماء والأرض حافظ العهد والرحمة لعبيدك السائرين أمامك بكل قلوبهم (2 أخبار 14:6). بعد ذلك صلى من أجل استمرار بركات العهد على عرش داود وأن يلاحظ أولاده طرقهم ويسيروا بحسب شريعة الرب كما فعل داود من قبلهم (16:6). بعد ذلك وجه سليمان أفكاره إلى الهيكل (18:6)، أن يظل هو مكان سكنى الله على الأرض. لقد اعترف أنه بدون حضور الله يصبح الهيكل الفخم مجرد بناء عديم القيمة. كم ينطبق ذلك حقا على وقتنا الحالي؟ فإن حضور الله ليس في الكاتدرائيات أو الكنائس الفخمة بل في الذين يعبدونه - لأننا نحن هيكل الله، وإن كان أحد يفسد هيكل الله [بالتعاليم الكاذبة] فسيفسده الله (1 كورنثوس 17:3؛ 19:6؛ 2 كورنثوس 16:6).

بعد ذلك تحولت صلاة سليمان إلى نفسه وإلى الآخرين الذين سيتوبون عن خطاياهم: وإذا سمعت فاغفر (2 أخبار 21:6).

وفي النهاية ذهبت أفكار سليمان بعيدا إلى المستقبل، وإن انكسر شعبك إسرائيل أمام العدو ... ثم رجعوا واعترفوا باسمك ... اغفر خطية شعبك إسرائيل وأرجعهم إلى الأرض التي أعطيتها لهم ولآبائهم (24:6-25). وكأنه كان يعرف أنه بسبب الأخطاء والسقطات المستقبلية سيتركهم الله؛ ويختتم صلاته قائلا: أيها الرب الإله لا ترد وجه مسيحك، اذكر مراحم داود عبدك (42:6).

لقد تهلل بنو إسرائيل بسبب حضور الرب في هيكلهم. وكم هو أمر رائع اليوم أن جميع المؤمنين لديهم اليقين بحضوره المستمر في قلوبهم. روح الحق ... يرشدكم (يوحنا 13:16).

مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب. شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنا يسوع المسيح لله والآب (أفسس 19:5-20).

إعلان عن المسيح: من خلال تابوت العهد (2 أخبار 5)، الذي يرمز إلى المسيح؛ وهو في حد ذاته إشارة إلى حضور الله. إن جسد المؤمن "هيكل" للروح القدس. وبدون سكنى الروح القدس لا تصبح لحياتنا أي قيمة أبدية.

أفكار من جهة الصلاة: صل إلى الرب وافرح من أجل جميع بركاته الروحية (إشعياء 10:61).

اقرأ 2 أخبار 7 -- 9

العلامة الظاهرة التي أعطاها الله دليلا على أنه قَبِل صلاة سليمان، كانت في شكل نار من السماء (2 أخبار 1:7)؛ ولكن يمكن أن تكون الصلاة مقبولة وتظل غير مستجابة. فالكلمات قد تكون منطبقة تماما مع ما يريده الله من الإنسان، غير أن أفعال الشخص المصلي قد لا تكون متفقة مع كلمة الله. إن الله يسر بأن يستجيب الصلاة، لكنه لا يستطيع أن يستجيب صلوات الذين يعيشون في عدم طاعة لكلمته. فعندما يخطئ شعب الله لا بد أن يعانوا من النتائج المؤلمة.

بعد الاحتفال العظيم، ظهر الرب مرة أخرى لسليمان أثناء الليل قائلا: إن أغلقتُ السماء ولم يكن مطر وإن أمرتُ الجراد أن يأكل الأرض وإن أرسلت وبأ على شعبي، فإذا تواضع شعبي الذين دُعي اسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الردية فإنني أسمع من السماء واغفر خطيتهم وأبرئ أرضهم (13:7-14). ولنتأمل بتدقيق في شروط هذه البركة.

إن الخطية تجلب دائما الحزن والألم؛ ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدا [أي فضل الله الذي لا يستحقه الإنسان] (رومية 20:5). فلا تظن أن كل شيء قد ضاع. لا تزال هناك فرصة للتصحيح أمام كل الذين يتواضعون ويتوبون ويرجعون عن عنادهم وإصرارهم الشرير على عمل ما يمتع الذات. إن هذا التواضع يتضمن ليس فقط الاعتراف بالخطية بل أيضا الحزن على هذه الخطية، أي التوبة الصادقة والتصميم على عمل الصواب. شعبي الذين دعي اسمي عليهم (2 أخبار 14:7) هذا يدل على الملكية. فإن الله له أحقية على حياتنا لأننا مدينون له بوجودنا وكذلك بعطية الحياة الأبدية.

وطلبوا وجهي ، هذا يشير إلى قراءة كلمة الله من أجل فهم إرادته. فلا يمكنك أن تسير بموجب شيء لا تعرفه. إن الكتاب المقدس هو الكتاب الوحيد الموحى به من الله والذي يعلمنا كيف نعيش حياة ناجحة، سعيدة، وممتعة. عندما نطلب وجهه، فهو تلقائيا ينير أذهاننا لنعرف إرادته وبهذه الطريقة يصبح في إمكاننا أن نحصل على بركته.

علينا مسئولية كبيرة أن نقرأ كلمة الله مصلين، فإن هذا يتيح له أن يزودنا بحكمته وقدرته للتغلب على الشر. بدون معرفة كلمة الله، وبدون الروح القدس الذي ينير أذهاننا، لن نقدر أن نصمد أمام الشيطان الذي يسعى جاهدا لكي يهزمنا ويملأنا باليأس ويدمر دورنا في تحقيق إرادة الله.

إن كل الذين يأتون إلى ملك الملوك - الرب يسوع المسيح - يأتون إلى الذي عنده غنى وحكمة تفوق بكثير ما كان لسليمان. فإن عظمة نعمة الرب تفوق كل مقارنة.

لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى (كولوسي 16:3).

إعلان عن المسيح: من خلال مجد مملكة سليمان (2 أخبار 1:9-28). فمع أن سليمان كانت له مملكة عظيمة المجد والثراء، إلا أنها لا تقارن بمملكة المسيح العتيدة.

أفكار من جهة الصلاة: عبر عن امتنانك لرحمة الله (إرميا 17:32-18).

اقرأ 2 أخبار 10 -- 13

عندما صار رحبعام ملكا، لا نجد إشارة إلى أنه هو أيضا بدأ ملكه بتقديم ذبائح وبرفع صلاة مثلما فعل أبوه. فلا عجب أن نقرأ أنه عمل الشر لأنه لم يهيئ قلبه لطلب الرب (2 أخبار 14:12). ربما نتساءل: "أين كان التأثير الروحي الذي استمر على مدى 40 سنة من قبل أن يجلس أبوه سليمان على العرش؟" في هذه المناسبة، حرص داود أي جد رحبعام على تحريض سليمان قائلا: احفظ شعائر الرب إلهك إذ تسير في طرقه وتحفظ فرائضه وصاياه وأحكامه وشهاداته كما هو مكتوب في شريعة موسى لكي تفلح في كل ما تفعل وحيثما توجهت (1 ملوك 3:2).

غير أننا لا نجد في أي مناسبة أن سليمان حرض ابنه لكي يظل أمينا للرب. فأين الأنبياء أمثال ناثان والكهنة الذين اشتهر بهم عهد داود؟ من الواضح أن نصائح الأنبياء الأتقياء والمشيرين الروحيين كانت متجاهلة أثناء ملك سليمان. فلا عجب أن يكون رحبعام غير راغب في أن يعيش بأمانة للرب، فهو لم يدرك أنه من المستحيل أن يتخذ قرارات حكيمة ما لم يهيئ قلبه لطلب الرب .

عندما التقى قادة الأمة برحبعام كانت لديهم طلبة معقولة وهي أن يخفف الضرائب الباهظة التي فرضها أبوه عليهم. كما طلبوا أيضا أن يلغي أعمال السخرة - والتي استمرت منذ أن بدأ في بناء الهيكل، والقصور الفخمة، وإسطبلات الخيول، ومباني إيواء المركبات، والحدائق المبهرة، وسائر المباني الفاخرة في مملكة سليمان الشهيرة. فلو كان رحبعام قد وافق على طلبتهم لأعلن القادة عن ولائهم له. لكن رحبعام رفض بكل حماقة مشورة الشيوخ الذين نصحوه قائلين: إن كنت صالحا نحو هذا الشعب وأرضيتهم وكلمتهم كلاما حسنا يكونون لك عبيدا كل الأيام (2 أخبار 6:10-7).

أول قرار اتخذه رحبعام بعدما صار ملكا كان قرارا في منتهى الحماقة. فقد عمل بمشورة مشيريه الأحداث المغرورين وجعل الناس يعرفون أنه صاحب السيادة والسيطرة على حياتهم وأنه لن يعفيهم من الضرائب وأعمال السخرة التي وضعها عليهم أبوه، بل أيضا سيزيد عليها: أبي حملكم نيرا ثقيلا وأنا أزيد على نيركم. أبي أدبكم بالسياط وأما أنا فبالعقارب (11:10). ولكن قراره المهين هذا جعل الأسباط العشرة تستقل وتؤسس المملكة الشمالية. فلم يتبق تحت سيطرة رحبعام سوى جزء صغير من المملكة الأصلية.

إن رحبعام لم يهيئ قلبه لطلب الرب . وهذا لا يعني أن "يخدم الرب". فإن ما يطلبه الرب ليس مزيداً من الخدمة إنما تهيئة القلب لطلب الرب. لكن رحبعام طلب المجد والشهرة فكانت النتيجة أنه حصد الهوان والمذلة. ولا تزال هذه المبادئ الروحية سارية في عصرنا الحالي. فإذا أعددنا قلوبنا لطلب الرب، وبدون أن ندري، تنقاد حياتنا بالروح القدس لإتمام قصده. أما الذين يسلكون بالاستقلال عن الله فإنهم في الواقع يضعون أنفسهم تحت تأثير الشيطان الذي نهايته دائما مدمرة ومحزنة.

يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة (يعقوب 6:4).

إعلان عن المسيح: من خلال منارة الذهب (2 أخبار 11:13). إن يسوع هو نور العالم (يوحنا 5:9).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب التمييز الذي بحسب التقوى لتعرف إرادة الله (حزقيال 23:44).

اقرأ 2 أخبار 14 -- 17

كان آسا، وهو ثالث ملك في مملكة يهوذا بعد انقسام المملكة، هو حفيد رحبعام والحفيد الأكبر للملك سليمان. لكن آسا رفض الديانات الوثنية التي كان أبوه أبيا وجده الأكبر الملك سليمان يؤيدونها: وعمل آسا ما هو صالح ومستقيم في عيني الرب إلهه (2 أخبار 2:14). وقد تلقى آسا تشجيعا كبيرا من النبي عزريا بن عوديد. فقد أوعز عزريا إلى الملك بأن يدمر التماثيل الوثنية وأن يعيد العبادة في الهيكل كما في أيام داود (1:15-15).

إننا نعرف القليل جدا عن عوديد باستثناء أنه عندما تكلم، تشدد آسا ونزع الرجاسات من كل أرض يهوذا وبنيامين ومن المدن التي أخذها من جبل أفرايم وجدد مذبح الرب (8:15). وقد سرت النهضة في كل أنحاء يهوذا حتى أنهم حلفوا بكل قلوبهم وطلبوا الرب بكل رضاهم فُوجد لهم وأراحهم الرب من كل جهة ... وقلب آسا كان كاملا كل أيامه (15:15-17).

لم يدع آسا مجالا للمساومة. فقد دمر المرتفعات والمذابح المخصصة للعبادة الوثنية. وقطع السواري (3:14) حيث كانت ترتكب الرذائل؛ وأزال المأبونين [أي الشواذ جنسيا] من الأرض، ونزع جميع الأصنام التي عملها آباؤه [أي سليمان ورحبعام وأبيا] (1 ملوك 12:15). ودمر الوثن الذي كانت تعبده معكة أمه التي خلعها من أن تكون ملكة لأنها عملت لسارية تمثالا وقطع آسا تمثالها ودقه وأحرقه في وادي قدرون (2 أخبار 16:15). وقد أعطى الله بسلطانه الفائق راحة وسلاما ليهوذا لمدة 10 سنوات (1:14،6).

ولكن عندما يتخذ أي إنسان وقفة قوية علنية من أجل الرب لا بد أن يحاول الشيطان بكل الطرق الممكنة أن يساومه. ولا عجب أن نقرأ: فخرج إليهم زارح الكوشي بجيش ألف ألف وبمركبات ثلاث مئة (9:14). هذا الجيش العظيم هو أكبر جيش مسجل في الكتاب المقدس. إلا أن ذلك لم يزعزع إيمان آسا. وإذ لم يكن معتمدا على قوته الذاتية قال: أيها الرب ليس فرقا عندك أن تساعد الكثيرين ومن ليس لهم قوة. فساعدنا أيها الرب إلهنا لأننا عليك اتكلنا وباسمك قدمنا على هذا الجيش. أيها الرب أنت إلهنا لا يقو عليك إنسان (11:14).

من المؤسف أن نقرأ أن اعتماد آسا على الرب نقص عندما تزايدت ثروته وقوته: في السنة السادسة والثلاثين لملك آسا صعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا (1:16). فبدلا من أن يصلي، تحالف آسا مع بنهدد ملك سوريا لكي يحارب معه، فلم يقدر في هذه المرة أن يقول: عليك اتكلنا وباسمك قدمنا على هذا الجيش (11:14). وقد تلقى آسا توبيخا شديدا من النبي حنانيا من أجل شر استناده على ملك أرام بدلا من استناده على الرب (7:16).

وعلى الرغم من أن حنانيا قد ألقي به في السجن من أجل شهادته الأمينة، إلا أن ملاحظاته الأخيرة قد نقلت إلى الكثيرين منا إيمانا وشجاعة وجرأة بلا حدود لكي نظل أمناء وسط عداوة العالم: لأن عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه (9:16).

إعلان عن المسيح: من خلال السلام الذي أعطاه الرب ليهوذا (2 أخبار 7:14). فالذين يحصلون على سلام المسيح ينالون السلام الحقيقي (يوحنا 27:14).

أفكار من جهة الصلاة: ضع مخاوفك أمام الرب، فإنه سيعطيك سلاما وقوة (دانيال 19:10).

اقرأ 2 أخبار 18 -- 20

كان يهوشافاط واحدا من أتقى الملوك في تاريخ يهوذا. وقد كان مباركا بشكل رائع بسبب تكريسه للرب. وقد قام بتعيين لاويين ليجولوا في كل أنحاء البلاد ليعلّموا الشعب الناموس ويقرأوه لهم، كذلك طرد من المملكة عبدة العشتاروث - وهم من الشواذ، المأبونين [أي العهرة الذكور]. فلا عجب أن الله باركه وأعطاه غنى وكرامة بكثرة (2 أخبار 1:18). وكانت هيبة الرب على جميع ممالك الأراضي التي حول يهوذا فلم يحاربوا يهوشافاط (10:17).

لكن يهوشافاط ارتكب خطأ واحدا جسيما - وهو أنه لم يقطع علاقته بملوك إسرائيل الأشرار، الأمر الذي يعتبره البعض دبلوماسية حكيمة. فقد كان من اتساع الأفق والكياسة في ذلك الوقت أن يكون على علاقة طيبة مع آخاب.

بعد ذلك دعا آخاب يهوشافاط إلى حفل عظيم… هل يمكنكم أن تتخيلوا آخاب، وإيزابل، وعثليا، جميعهم يحتفلون معا في قصرهم مع يهوشافاط البار من منطلق الصداقة؟ وبعد الحفل طلب آخاب من يهوشافاط أن ينضم إليه في الحرب من أجل استرداد مدينة راموت جلعاد الواقعة على الحدود. فظهر عندئذ نبي جريء من أنبياء الله اسمه ميخا، وتنبأ بأن آخاب لن يعود حيا من هذه الحرب. وكاد أيضا يهوشافاط أن يفقد حياته، لولا أنه صرخ إلى الرب عندما أحاط به الآراميون فساعده الرب (31:18). وعندما رجع يهوشافاط إلى بيته بسلام، أرسل الله إليه ياهو النبي ليس لكي يهنئه على سلامة العودة، ولكن لكي يوبخ الملك قائلا: أتساعد الشرير وتحب مبغضي الرب؟ فلذلك الغضب عليك من قبل الرب (2:19).

لكن أواصر الصداقة كانت قد توطدت بين آخاب ويهوشافاط حتى أن ابن يهوشافاط تزوج من عثليا ابنة آخاب التي كانت أمها إيزابل المتعصبة لعبادة البعل. وكان زواج ابن يهوشافاط من ابنة إيزابل هو الرابطة المباشرة التي فتحت الباب لعبادة البعل في مملكة يهوذا. فصار ابن يهوشافاط في نفس الدرجة من الشر مثل عثليا وأبيها آخاب وأمها إيزابل. وكانت النتيجة النهائية لهذه الزيارة الودية أصلا حدوث مذبحة أودت بحياة جميع أبناء يهوشافاط وأقاربه باستثناء يوآش.

نحتاج نحن أيضا أن نجيب على السؤال: أتساعد الشرير وتحب مبغضي الرب؟ فلو كان الأمر هكذا، علينا أن نتوقع نفس التوبيخ: لذلك الغضب عليك من قبل الرب.

لا يوجد مبرر لأي رجل أو امرأة مسيحيين أن تكون لهم علاقات ودية أو روابط وثيقة مع غير المؤمنين - بغض النظر عن مدى "طيبة" الشخص غير المؤمن ومدى "تأكد" الشخص المسيحي من أنه لن يحدث مزيد من التورط. أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله؟ (يعقوب 4:4).

قد يوافق الكثيرون على أن الزواج من غير المؤمنين والعلاقة معهم أمر غير حكيم. إلا أنهم في غبائهم يفترضون وجود استثناءات. لكن العهد الجديد ينفي تماما وجود أي استثناءات للقاعدة.

مختبرين ما هو مرضي عند الرب، ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها (أفسس 10:5-11).

إعلان عن المسيح: من خلال ميخا الذي قال الحق بالرغم من أنه لم يكن مألوفا للسامعين (2 أخبار 12:18-27). هذا يذكرنا بالمسيح الذي تكلم بالحق غير المألوف للفريسيين (متى 1:12-14).

أفكار من جهة الصلاة: صم، وخصص نفسك،واتحد في الصلاة مع الآخرين عندما تصرخ إلى الرب (يوئيل 14:1).

اقرأ 2 أخبار 21 -- 24

خلال الجزء الأكبر من ملك يهوشافاط، كان على علاقة مع الملوك الأِشرار في المملكة الشمالية. وعلى الرغم من أنه هو شخصيا لم يتأثر بذلك، إلا أنه ترك لأسرته ومملكته ميراثا من القيادة الشريرة. ربما كان مثل الكثيرين الذين يقولون: "نحن نعرف أن الله قال ألا تكون لنا صلة وثيقة مع غير المؤمنين، ولكني لا أدع هذا الأمر يؤثر علي". غير أنه لم يقدر أن يمنع تأثير ذلك على أبنائه وعلى أحفاده. فليس هناك مفر من أن نحصد ما زرعناه (غلاطية 7:6).

بعد موت يهوشافاط، جلس ابنه يهورام على العرش (2 أخبار 6:21). وقد كان زواج يهورام من عثليا ابنة إيزابل نتيجة مباشرة للصداقة التي "تمتع" بها يهوشافاط مع آخاب. وبمجرد أن تولى يهورام الحكم، اتجه إلى إبطال كل أثر للتقوى من أيام حكم أبيه. وبالطبع بتشجيع من زوجته، أسس يهورام طقوس العبادة الشريرة التي كانت تعتنقها حماته إيزابل؛ فبنى المذابح للبعل وعشتاروث؛ وجعلوا سكان أورشليم يمارسون الفسق. بالإضافة إلى ذلك، فإن بني عثليا الخبيثة قد هدموا بيت الله وصيروا كل أقداس بيت الرب للبعليم (7:24).

ومع أن النبي إيليا كان يعيش في المملكة الشمالية، إلا أنه أرسل رسالة إلى يهورام الشرير ملك المملكة الجنوبية يوبخه فيها على شروره قائلا: هكذا قال الرب ... من أجل أنك لم تسلك في طرق يهوشافاط أبيك ... بل سلكت في طرق ملوك إسرائيل وجعلت يهوذا وسكان أورشليم يزنون كزنا بيت آخاب ... هوذا يضرب الرب شعبك وبنيك ونساءك وكل مالك ضربة عظيمة ... وبعد هذا كله ضربه الرب في أمعائه بمرض ليس له شفاء ... وذهب غير مأسوف عليه (12:21-20).

وكان أخزيا، الابن الأصغر ليهورام، مجرد ألعوبة في يد الملكة الأم عثليا أثناء ملكه القصير الذي استمر سنة واحدة. في ذلك الوقت أصيب يهورام (يورام) ابن آخاب في الحرب مع ملك أرام (5:22). وأثناء فترة استشفائه من جروحه في يزرعيل، ذهب أخزيا ليرى يهورام فلقيا كلاهما مصرعهما على يد ياهو. فنادت عثليا بنفسها ملكة واستولت على عرش مملكة يهوذا.

يا لها من قصة مأساوية! فما أقل ما أدركه يهوشافاط البار عن المعاناة الرهيبة والنتائج المؤلمة التي ستنتج عن زواج ابنه من امرأة غير مؤمنة. وكم من آباء مسيحيين قد انكسرت قلوبهم بسبب سماحهم لابن أو ابنة بالدخول في علاقة مع شخص لا يعبد الرب أو إنسان غير مؤمن تتوفر فيه كل الميزات الأخرى. إن الكثيرين لا يبصرون خطورة المساومة التي قَبِلَ بها يهوشافاط وأدت إلى دمار روحي شامل في مملكة الله.

على كل مؤمن ومؤمنة من الشباب أن يفهموا لماذا توجد تحذيرات شديدة من الدخول في علاقات مع غير المؤمنين. فإن هذا يخالف المبدأ: لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين ... لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسا (2 كورنثوس 14:6،17).

إعلان عن المسيح: من خلال يوآش الذي نجا من الموت (2 أخبار 10:22-12). لقد خبأوا المسيح من هيرودس الذي كان يريد أن يقتله (متى 13:2-14).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب الرب في وقت اليأس؛ فإنه هو منقذك (يونان 5:2-6).

اقرأ 2 أخبار 25 -- 27

بعد مقتل يوآش، صار ابنه أمصيا ملكا على يهوذا وعمره 25 سنة، وعمل المستقيم في عيني الرب ولكن ليس بقلب كامل (2 ملوك 21:12؛ 3:14-6؛ 2 أخبار 2:25-4). كان يعبد الرب ولكن الشعب كانوا لا يزالون يذبحون ويوقدون على المرتفعات (2 ملوك 4:14). وأدت هذه الدوافع المختلطة في حياته إلى دماره في النهاية. فليس هناك خطأ في تخطيطه للحرب ضد أدوم من أجل استرداد الأرض المفقودة، لكنه عندما استأجر 100.000 رجل من إسرائيل لمساعدته، كشف عن "قلب غير كامل" لا يقدر أن يثق تماما في الرب الذي عنده وحده قوة للمساعدة وللإسقاط (2 أخبار 8:25).

وقد هزم أمصيا الأدوميين هزيمة منكرة. لكنه من المؤسف جدا أن نقرأ أنه أتى بآلهتهم وأقامهم له آلهة (14:25). فحمي غضب الرب على أمصيا وأرسل إليه نبيا فقال له: لماذا طلبت آلهة الشعب الذين لم ينقذوا شعبهم من يدك؟ ... قد علمت أن الله قد قضى بهلاكك لأنك عملت هذا ولم تسمع لمشورتي (2 أخبار 15:25-16). وقد أدى ذلك إلى وقوع قضاء الله المحتوم. لقد أصبح أمصيا شديد الثقة بنفسه وتحدى الله الملك الأعظم لإسرائيل فأدى به ذلك إلى الهزيمة والدمار. لقد فقد أمصيا المملكة وكل كنوزها وتقدير الشعب الذي كان يحظى به قبلا، ثم بعد ذلك قتلوه.

كان ابنه عزيا (عزريا) واحدا من أنجح ملوك يهوذا. وأدى انتصار أمصيا على أدوم إلى فتح الطريق أمام عزيا لتحقيق أعظم إنجازاته بإعادة بناء المدينة الساحلية إيلات - والتي تقع بالقرب من الطرف الشمالي لخليج العقبة الحالي، والتي كانت تعرف عندئذ باسم عصيون جابر، حيث كان سليمان في وقت من الأوقات قد بنى أسطولا من السفن (1 ملوك 26:9؛ 2 أخبار 17:8). وقد كان هذا الموقع الاستراتيجي مصدرا عظيما للقوة. وبدأت مملكة يهوذا تمارس من جديد تأثيرها القوي على الأعداء المحيطين بها. كان هذا أحد الإنجازات العديدة التي حققها عزيا - مثل إخضاع الفلسطينيين من جهة الغرب، والعرب من جهة الجنوب الشرقي، والعمونيين من جهة الشرق؛ وتحصين أورشليم وغيرها من المدن. وكان مفتاح نجاحه واضحا ليس فيه التباس: في أيام طلبه الرب أنجحه الرب ... لأنه تشدد جدا ...وامتد اسمه إلى بعيد إذ عجبت مساعدته [أي كان الرب يساعده بشكل عجيب] حتى تشدد (5:26،8،15). لكن لاحظ ما يلي: ولما تشدد [أي شعر بالكبرياء مع المبالغة في الشعور بأهميته] ارتفع قلبه إلى الهلاك وخان الرب إلهه (16:26).

ففي حالة عزيا، كانت انتصاراته العديدة هي التي كشفت كبرياءه. كان مفرطا في الشعور بأهميته الشخصية وهذا يتضح من موقفه عندما قرر أن يقدم بخورا على المذبح في القدس بينما كان رئيس الكهنة وأشخاص آخرون يحاولون منعه من الدخول. ولكن الرب ضربه بالبرص، فلم يقدر خلال العشر سنوات الأخيرة من حياته أن يدخل ولا حتى قصره أو الهيكل. لقد باركه الرب بنجاح عظيم، لكنه لم يكن مسموحا له أن يتجاهل كلمة الله ويقوم بعمل الكاهن.

بنفس الطريقة، فإن القليلين هم الذين يستمرون روحيين بعد أن يحققوا نجاحا. فنادرا ما يكون الرخاء بركة: أما اختار الله فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان؟ (يعقوب 5:2).

إعلان عن المسيح: من خلال المائة وزنة من الفضة (2 أخبار 5:27). الفضة ترمز إلى الفداء (خروج 27:38 - كانت قواعد خيمة العبادة مصنوعة من فضة فداء بني إسرائيل). لقد افتدانا المسيح من لعنة الناموس (غلاطية 13:3).

أفكار من جهة الصلاة: ثق في الرب وانتظره في صلواتك، لأنه سيسمعك (ميخا 7:7).

اقرأ 2 أخبار 28 -- 30

كان بإمكان آحاز أن يرث ميراثا رائعا إذ كان أبوه يوثام وجده عزيا تقيين (2 أخبار 6:27؛ 4:26-5). لكن آحاز كان واحدا من أشر الملوك في تاريخ يهوذا. فقد اشترك بكل حماس في الممارسات الدينية الوثنية، وتضمنت عبادته آلهة الأمم الوثنية حوله. وهو لم يكتف بعبادة البعل، التي سادت لمدة طويلة في المملكة الشمالية (2:28)، بل زاد عليها أنه أدخل عبادة مولك، الإله البدائي لدى العمونيين، مثلما فعل سليمان (1 ملوك 7:11).

وفي تحد صريح لكلمة الله (لاويين 21:18؛ تثنية 10:18)،صنع تمثالا لهذا الصنم - على شكل إنسان له رأس ثور وباسط ذراعيه - في وادي هنوم،بالقرب من أسوار أورشليم، وقدم عليه واحدا على الأقل من أبنائه محرقة (2 ملوك 3:16؛ 2 أخبار 3:28). كان يتم تسخين هذا التمثال المعدني الضخم بإشعال النار في داخله؛ ثم يوضع الأطفال فوق ذراعيه ليتدحرجوا إلى أسفل حيث كانت النار تشتعل. وكانت صرخات هؤلاء الأبرياء تضيع وسط جلبة وضوضاء الطبول والمزمار. فدفعه الرب إلهه ليد ملك أرام ... ودفعه أيضا ليد ملك إسرائيل فضربه ضربة عظيمة (5:28).

لقد نهب آحاز الذهب والأثاثات الثمينة من الهيكل، وأفرغ خزينة الدولة، وصادر ممتلكات الأغنياء من الشعب، وأعطى كل هذا لملك أشور لكي يقف بجانبه ضد المملكة الشمالية وأرام اللذين كانا قد اتحدا ضده (21:28؛ 2 ملوك 8:16).

أثناء هذا الوقت العصيب حاول إشعياء أن يشجع الملك بواسطة رسالة نبوية من الرب فيها وعد بالنصرة على الأعداء. ولكن آحاز قابله بالازدراء (إشعياء 3:7-13).

وبينما كان آحاز في دمشق لكي يدفع الدين الذي كان عليه لملك أشور، أعجب بمذبح إلههم الوثني. فصنع لنفسه واحدا مثله ووضعه في فناء الهيكل، ونادى بنفسه كاهنا، وقدم عليه ذبائح. وقد تعمق في عبادة النجوم والكواكب، وفي استشارة السحرة والعرافين ومحضري الأرواح، وفي عبادة الشمس. وبسبب شره استمر ملك يهوذا يتكبد خسائر فادحة في الأرض والقوة. وعاد الأدوميون وأكدوا استقلالهم عن يهوذا من جهة الجنوب الشرقي واستردوا إيلات المدينة الساحلية الاستراتيجية على خليج العقبة. وقام الفلسطينيون بعدة غارات على العديد من المدن في المنطقة الجنوبية الغربية واحتلوها (2 أخبار 17:28-20). وأثناء ملك آحاز تعرض الآلاف من الشعب للأسر من البلاد المجاورة وأخذوهم عبيدا، فكانت هذه كارثة على البلاد. ومع ذلك استمر آحاز يرفض الرب بكل إصرار.

ومثلما فعل آحاز بكل ما استطاع، أن يبطل عبادة الرب الحقيقية، فإن الشيطان أيضاً يحاول أن يثبط همم شعب الله ويهزمهم. فالعالم بكل جاذبياته يحاول على الدوام أن يبعدنا عن الرب، ولكن لا يوجد ما يخيفنا طالما نحن متمسكين بأمانتنا وإخلاصنا للرب.

لنتمسك بإقرار الرجاء راسخا لأن الذي وعد هو أمين (عبرانيين 23:10).

إعلان عن المسيح: من خلال الفصح (2 أخبار 1:30-5، 15). يسوع المسيح يصبح فصحنا [أي خروف الفصح لنا] (1 كورنثوس 7:5) عندما نثق فيه أنه هو حمل الله الذي يرفع الخطية (يوحنا 29:1، 34، 36).

أفكار من جهة الصلاة: افرح وصل من أجل الأشخاص الذين يبشرون بالإنجيل (ناحوم 15:1).

اقرأ 2 أخبار 31 -- 33

بعد موت آحاز، صار ابنه حزقيا ملكا، وتولى قيادة أمة كانت عبادة الأوثان شائعة فيها على مدى 20 سنة. وفوق ذلك فإن آحاز كان قد أخضع مملكته للدولة الأشورية التي كانت في طريقها لأن تصبح أقوى مملكة في العالم. وكانت جيوشها التي لا تقهر قد فرضت سيطرتها على سوريا وعلى المملكة الشمالية. وكان سنحاريب، ملك أشور، يتباهى بسيطرته على 46 مدينة من المدن المحصنة في يهوذا. ثم اتجه بعد ذلك إلى أورشليم وحاصرها، وكتب رسائل لتعيير الرب إله إسرائيل (2 أخبار 17:32)، وطلب من حزقيا أن يستسلم. فصلى حزقيا الملك وإشعياء بن آموص النبي لذلك وصرخا إلى السماء. فأرسل الرب ملاكا فأباد كل جبار بأس ورئيس وقائد في محلة [أي معسكر] ملك أشور، فرجع بخزي الوجه إلى أرضه، ولما دخل بيت إلهه قتله هناك بالسيف الذين خرجوا من أحشائه [أي أولاده] . وخلص الرب حزقيا وسكان أورشليم ... وحماهم من كل ناحية (20:32-22). إن المفتاح في إنقاذ أورشليم هو أن حزقيا قد انضم إلى النبي إشعياء بن آموص في الصلاة.

لقد اتكل حزقيا على الرب إله إسرائيل ... والتصق بالرب ولم يحد عنه بل حفظ وصاياه (2 ملوك 5:18-6). كان من الممكن أن ينوح على الفوضى التي ورثها ويؤدي ذلك بالتالي إلى كراهيته لأبيه. ولكن بدلا من أن يرثي وضعه المؤلم، وثق في الرب أنه يقدر أن يعطيه مستقبلا مشرقا. وفي الحال هدم كل أماكن العبادة الكاذبة بل سحق أيضا الحية النحاسية التي صنعها موسى لأن الشعب كانوا يوقدون لها [أي يقدمون لها البخور] (4:18). لقد كان له نفس الحماس تجاه الرب مثل حماس أبيه تجاه العبادة الوثنية. وقد أزال أماكن العبادة الوثنية التي تواجدت منذ أيام سليمان.

استعاد حزقيا بالكامل عبادة الله الحقيقية. وأعاد فتح الهيكل الذي كان أبوه الشرير العابد للأوثان قد نجسه وأغلقه، وأعاد الاحتفال بعيد الفصح (2 أخبار 30). وقد أدت جهوده في إعادة الأمة لعبادة الرب وحفظ كلامه إلى ازدهار قومي على مدى الـ 29 سنة التي حكم فيها.

لا ينبغي أبدا أن نخاف المستقبل أو نقلق من جهة "ظروفنا غير الملائمة". كذلك لا ينبغي أن نقلق من جهة أخطاء والدينا التي ورثنا نتائجها، ولا من جهة ماضينا الشرير. إن المشيرين الأشرار غير المدققين يحبون أن ينبشوا الماضي لكي "يحلوا" مشاكل الشخص. لكن المشيرين المسيحيين الحقيقيين يرون أن التأمل في أخطاء الماضي سواء في أخطاءنا نحن أو أخطاء الآخرين لا يقدّم أبدا حلولا مفيدة، إنما فقط يخلق الشك والمرارة والبغضة العميقة. لكنه كم ينبغي أن نشكر الرب لأنه بمجرد أن نعترف بخطايانا فالرب يغفرها وينساها - ولا يعود يذكرها أبدا (عبرانيين 12:8؛ 17:10). يجب علينا نحن أن نفعل هكذا أيضا.

مهما بدا وضعك ميئوسا منه، فقط تذكر حزقيا، الذي كان اهتمامه الأول هو أن يصلي ويثق في الرب ويطيع كلمته. هكذا نحن أيضا، يجب أن نتعلم هذا الدرس: أيها الإخوة أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت، ولكني أفعل شيئا واحدا إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام، أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع (فيلبي 13:3-14).

إعلان عن المسيح: من خلال عشر البقر والغنم الذي قدمه بنو إسرائيل (2 أخبار 6:31). فالبقر يرمز إلى المسيح بصفته الخادم الشديد الصبر والاحتمال (قارن مع 1 كورنثوس 9:9-10؛ عبرانيين 2:12-3). والغنم يرمز إلى المسيح في خضوعه بدون مقاومة للموت على الصليب (إشعياء 7:53؛ أعمال 32:8-35).

أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب من أجل رجاله الأتقياء في القديم الذين كانوا أمناء في تسجيل كلامه الحق (حبقوق 1:2-2).

اقرأ 2 أخبار 34 -- 36

لقد نال الملك يوشيا أعظم تكريم من الرب إذ قيل عنه: لم يكن مثله قد رجع إلى الرب بكل قلبه وكل نفسه وكل قوته حسب كل شريعة موسى (2 ملوك 25:23). وأيضا نقرأ أن يوشيا ... عمل المستقيم في عيني الرب ... ولم يحد يمينا ولا شمالا ... وابتدأ يطهر يهوذا وأورشليم من المرتفعات والسواري والتماثيل والمسبوكات. وهدموا أمامه مذابح البعليم ... وطهر يهوذا وأورشليم (2 أخبار 1:34-5). أما آخر أربعة ملوك على يهوذا -وهم يهوآحاز، ويهوياقيم، ويهوياكين، وصدقيا - فلقد كانوا أشرارا وجروا الأمة سريعا إلى نهايتها المأسوية.

ثم صدقيا، وهو أصغر أبناء يوشيا (متنيا)، رفض مشورة إرميا - ولم يتواضع أمام إرميا النبي من فم الرب [أي الذي تكلم من فم الرب] (12:36). وأخيرا بعد 11 سنة، تمرّد صدقيا على بابل لأنه ظن أن مصر ستسانده. في هذه المرة لم يُظهر نبوخذنصر أي رحمة، لأن الرب كان قد ترك بني إسرائيل يلقون حتفهم، فأرسل نبوخذنصر جيوشه ليفرضوا حصارهم على أورشليم مرة ثانية (20:32-22) فلم يكن خبز لشعب الأرض (2 ملوك 3:25). ولم يستطع المدافعون عن المدينة أن يصمدوا أكثر من ذلك. ونجد سجلا تفصيليا لأهوال هذا الموقف في مراثي إرميا 19:2؛ 3:4-10؛ وحزقيال 10:5.

عندما تمكن أخيرا جيش نبوخذنصر من اقتحام المدينة من السور الشمالي، قتلوا بلا رحمة الصغار والكبار، ثم بعد ذلك نهبوا القصر الملكي والهيكل وأخذوا الكنوز الثمينة التي كان سليمان قد اقتناها (2 أخبار 18:36؛ 2 ملوك 13:25-17؛ إرميا 17:52-23). بعد ذلك دمروا المدينة تماما. فأحرقوا بيت الله، وهدموا سور أورشليم، وأحرقوا جميع قصورها بالنار (2 أخبار 19:36).

والذين نجوا من القتل جروهم مثل العبيد وأخذوهم سبايا إلى أرض غريبة (20:36-21). وأجبروا صدقيا أن يراهم وهم يقتلون جميع أفراد أسرته، وفي النهاية اقتلعوا عينيه. وفي بابل طرحوه في السجن إلى يوم وفاته (إرميا 11:52). وتحققت نبوة إرميا من جهة أورشليم بأنها ستصير مهجورة لمدة 70 سنة (8:28-11).

لقد ظهرت طول أناة الله عندما أرسل إلى بني إسرائيل رسلا وأنبياء وكهنة بسبب إشفاقه عليهم. لكنهم استهزأوا بالرسل، واحتقروا نعمة الله، وأساءوا إلى الأنبياء، بل قتلوا بعضا منهم حتى أصبحت حالتهم غير قابلة للعلاج. وأخيرا كان ينبغي أن يُنفَّذ قضاء الرب عليهم لأنه إله بار - فذهب الشعب إلى السبي لإكمال كلام الرب بفم إرميا (2 أخبار 21:36).

طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة ويدخلوا من الأبواب إلى المدينة. لأن خارجا الكلاب والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان وكل من يحب ويصنع كذبا (رؤيا 14:22-15).

إعلان عن المسيح: من خلال رسل الله الذين كانوا مرفوضين من الشعب (2 أخبار 15:36-16؛ قارن مع إشعياء 3:53؛ مرقس 12:9).

أفكار من جهة الصلاة: اشكر الرب من أجل أن لشعبه قيمة كبيرة في نظره (زكريا 16:9).

 

عودة للفهرس