مقدمة لسفر عزرا
في الليلة التي أقام فيها بيلشاصر، ملك الكلدانيين، احتفالا للقادة البارزين في إمبراطوريته، أمر بتعيين دانيال حاكما متسلطا ثالثا في المملكة (دانيال 29:5). وكان دانيال في هذا الوقت قد بلغ على الأقل التسعين من عمره.
في نفس تلك الليلة، استولى على المدينة داريوس المادي، وهو النائب الوصي على عرش كورش ملك فارس. ولم يكن هذا أمرا مدهشا لدانيال، الذي كان ينتظر بإيمان نهاية سبي إسرائيل الذي استمر 70 سنة، طبقا لنبوة إرميا (إرميا 11:25-12؛ 10:29). وطبقا لنبوة إشعياء، فإن كورش هو الشخص المعين لإطلاق سراح اليهود (إشعياء 28:44؛ 1:45-4).
وبعد موت بيلشاصر، أمر داريوس بتعيين دانيال ليكون واحدا من الرؤساء الثلاثة على المملكة. وبعد ذلك أمر داريوس بأن يكون دانيال مشرفا على الـ 120 قائد الآخرين في مجال اختصاصه. وبعد وصول كورش إلى المدينة، يبدو أن دانيال قد أراه أن اسمه مكتوب في سفر إشعياء. وبلا شك أن كورش قد اندهش عندما رأى أن دخوله إلى مدينة بابل وانتصاره على بيلشاصر هو أمر قد سبق التنبؤ به من قبل أن يولد بحوالي 200 سنة. فلا عجب أن تنبه قلبه، وأطلق نداء في كل مملكته ، قائلا إن الرب إله السماء أوصاني أن أبني له بيتا في أورشليم (عزرا 1:1-2). وبالإضافة إلى ذلك، فإن الملك كورش أعاد جميع الآنية من الذهب والفضة التي كان نبوخذنصر قد أخذها من الهيكل في أورشليم (7:1-11).
وكان معظم الجيل القديم الذي قاده نبوخذنصر إلى السبي قد ماتوا في ذلك الوقت. وكان الجيل الجديد من اليهود قد تربوا في أرض السبي ولم يكن لديهم الدافع القوي للرجوع إلى وطنهم الذي لم يروه من قبل. ومع ذلك فإن كثيرين قد عادوا إلى أورشليم. ويسجل عزرا أن البعثة الأولى (أصحاح 1-2) قد تضمنت 42360 يهوديا بالإضافة إلى 7337 من العبيد، وكانت تحت قيادة زربابل، حفيد الملك يكنيا [والذي يعرف أيضا باسم يهوياكين] (عزرا 64:2-65؛ 1 أخبار 17:3-19).
وبمجرد وصولهم إلى أورشليم، قاموا ببناء مذبح واحتفلوا بعيد المظال. واستغرق الأمر حوالي سنتين لإكمال أساسات الهيكل، ولكن العمل توقف بعدها بسبب المقاومة (عزرا 3-4).
وبعد حوالي 14 سنة، كنتيجة للمناداة بكلمة الله كما هي مسجلة في سفري حجي وزكريا، بدأ اليهود من جديد يبنون بيت الله وأكملوه في حوالي خمس سنوات، على الرغم من المقاومة الشديدة (أصحاح 5-6). وتغطي الستة أصحاحات الأولى من سفر عزرا العشرين سنة الأولى بعد رجوع زربابل.
وبين الأصحاحين 6 و 7 توجد فترة حوالي 60 سنة. أثناء هذه المدة، وقعت الأحداث المسجلة في سفر أستير، وأيضا مات زربابل وربما حجي وزكريا.
وتسجل الأصحاحات 7-10 الأحداث التي وقعت بعد حملة زربابل بحوالي 80 سنة. في ذلك الوقت قاد عزرا حوالي 1800 رجلا، غير النساء والأطفال (حوالي 5000 شخصا) من بابل عاصمة فارس إلى أورشليم
علم دانيال أن إرميا قد تنبأ بأنه سيحدث سبي لمدة 70 سنة (إرميا 8:25-12). والآن قد مرت سبعون سنة منذ أن سبى نبوخذنصر الملك يهوياقيم إلى بابل آخذا معه آنية بيت الرب (2 أخبار 6:36-7). وعلم دانيال أيضا أن إشعياء قد تنبأ منذ 200 سنة أن بابل ستنكسر أمام رجل اسمه كورش، وأن الرب قد قال عن هذا الملك الوثني أنه: راعي فكل مسرتي يتمم (إشعياء 28:44). وعندما بدأ دانيال يرى هذه الأمور تحدث، كان ذلك بمثابة حافز له ليصلي.
لم يكن كورش يعرف عندما بدأ يقهر العالم، أن الله هو الذي أعطاه هذه الانتصارات؛ وكان أيضا الله هو الذي ألهم إرميا بأن يتنبأ بالضبط عن السنة التي فيها سينتصر كورش على بابل، وألهم إشعياء بأن يكتب عن كورش قائلا: أنا الرب ... نطقتك [أي شددتك في القتال] وأنت لم تعرفني (إشعياء 5:45).
ويسجل التاريخ أن كورش أعلن في بابل قائلا: جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء وهو أوصاني أن أبني له بيتا في أورشليم التي في يهوذا ... هو الإله (عزرا 2:1-3).
والرب أيضا هو الذي نبه أرواح عبيده لكي يرجعوا إلى أورشليم ويبنوا الهيكل (عزرا 5:1). فالقليلون فقط كانوا مستعدين أن يخاطروا بالقيام بهذه الرحلة الصعبة على مدى خمسة شهور سيرا على الأقدام، وأن يضحوا بكل المباهج الاجتماعية والمادية المتوافرة في فارس، ليعودوا مع زربابل إلى المكان الذي يمكنهم فيه أن يعيدوا إقامة العبادة الحقيقية للرب. وفي هذه الرحلة لم يكن أمامهم عمود نار ليلا ولا عمود سحاب نهارا ولا طعام نازل من السماء [أي المن]. ولكننا لا نجد شكوى واحدة، على عكس التذمر المستمر الذي حرم الجيل الأول من دخول أرض الموعد (عدد 22:14-23).
معظم الجيل الجديد في يهوذا لم يكن لديه أي سبب لمغادرة بابل سوى أن يبني بيت الرب إله إسرائيل في مدينة أورشليم القديمة المنهدمة والتي تقع على بعد 800 ميلا. هؤلاء اليهود لم يتركوا بلاد فارس للبحث عن فرص مادية أعظم. فإنهم كانوا في الواقع يتمتعون بالحرية والرفاهية في إمبراطورية فارس الجديدة.
إن الله أيضا في حكمته هو الذي حث اليونانيين ليعدوا لغة دولية، وحث الرومان ليعدوا الطرق السريعة بين الدول من أجل انتشار الإنجيل في ملء الزمان (غلاطية 4:4). هذه هي مملكته التي على الكل تسود (مزمور 19:103). ما أقل تقدير العالم للعمل الذي يعمله الله في الحياة اليومية لكل واحد منا.
فمثل كورش نحن أيضا أدوات في يدي الله. والأفضل من ذلك أن نكون مثل عزرا أو نحميا اللذين عبدا الرب إله السماء ، فنكون أدوات طيعة فاتحين قلوبنا لحقه ومخضعين حياتنا لخدمته وعاملين معه من أجل تحقيق خطته الأبدية.
ليس أحد وهو يتجند يرتبك بأعمال الحياة لكي يرضي من جنده (2 تيموثاوس 4:2).
إعلان عن المسيح: من خلال شيشبصر، رئيس يهوذا (عزرا 8:1). المسيح هو رئيس السلام (إشعياء 6:9) وهو الأسد الخارج من سبط يهوذا (رؤيا 5:5).
أفكار من جهة الصلاة: تذكر أنه لا يستحيل على الرب شيء (تكوين 14:18).
يا له من وقت مثير بالنسبة للإسرائيلي المخلص الذي ترك الأمان في بلاد فارس وعاد إلى أورشليم. لقد كان هذا هو المكان الوحيد على الأرض الذي فيه يمكن لليهود أن يبنوا المذبح ليصعدوا عليه محرقات ... وأقاموا المذبح في مكانه لأنه كان عليهم رعب من شعوب الأراضي، وأصعدوا عليه محرقات للرب محرقات الصباح والمساء (عزرا 2:3-4).
كان عيد المظال يأتي في الشهر السابع، شهر تشري، الذي يقابل عندنا سبتمبر/ أكتوبر. وهو الشهر الأول في السنة المدنية، وكذلك هو أقدس الشهور في السنة اليهودية ويبدأ بعيد الأبواق (عدد 1:29) يليه في اليوم العاشر يوم الكفارة العظيم (لاويين 29:16-34؛ عدد 7:29). ومن اليوم الـ 15 إلى اليوم الـ 21،يكون الاحتفال بعيد المظال أو الجمع [الحصاد]. وفي اليوم الـ 22 يكون يوم اعتكاف مقدس (لاويين 36:23؛ عدد 35:29).
وعلى الرغم من أن الملك الفارسي، الذي يسكن على بعد 800 ميلا من أورشليم، قد سمح لليهود بأن يبنوا الهيكل في أورشليم، إلا أن السامريين وغيرهم من الجيران أظهروا كراهية مريرة تجاه اليهود. وبينما كان الشعب يعيدون البناء استعدادا للعبادة نقرأ أنه كان عليهم رعب (عزرا 3:3).
وعقب إكمال أساسات الهيكل، زادت المقاومة حتى توقف في النهاية بناء الهيكل أثناء ملك كورش وابنه قمبيز: حينئذ توقف عمل بيت الله الذي في أورشليم وكان متوقفا إلى السنة الثانية من ملك داريوس ملك فارس (عزرا 24:4).وبعد داريوس تولى العرش الملك أحشويرش.
ولكن العائق الحقيقي لم يكن من الخارج بل من اللامبالاة المتزايدة في الداخل. ولكي نفهم هذا علينا بالرجوع إلى نبوات حجي وزكريا (حجي 1؛ عزرا 1:5).
وقد أمكن استعادة الحماس المتقد مثلما كان في البداية لدى وصولهم عندما تاب الشعب وشرع زربابل ويشوع ببنيان بيت الله الذي في أورشليم ومعهما أنبياء الله يساعدونهما (2:5). فإن حجي هو الذي ذكرهم بأن السموات منعت من فوقهم الندى ومنعت الأرض غلتها (حجي 10:1). حينئذ سمع زربابل ... وكل بقية الشعب صوت الرب إلههم (حجي 12:1).
لا بد أن نوايا السامريين كانت حسنة عندما قالوا: نبني معكم لأننا نظيركم نطلب إلهكم (عزرا 2:4). هذه العلاقات تبدو دائما مفيدة من وجهة النظر البشرية حيث أننا جميعا نريد السلام ونريد زيادة العدد، ولكن لا يمكن أن يحدث هذا لغرض المساومة.
فلم يكن في الإمكان إعادة تكوين شعب خاص لله يعبده بالخضوع لكلمة الله المقدسة إذا كانوا قد اتحدوا مع السامريين. والكتاب يخبرنا قائلا: لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين، لأنه ... أية شركة للنور مع الظلمة؟ ... وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان؟ (2 كورنثوس 14:6-16).
إعلان عن المسيح: من خلال الحجارة الضخمة المستخدمة في بناء هيكل الله (عزرا 8:5). المسيح هو الحجر الذي رفضه البناؤون، ولكنه صار حجر الزاوية الأساسي (مزمور 22:118؛ متى 42:21).
أفكار من جهة الصلاة: تشفع في الصلاة من أجل الآخرين (عدد 13:12؛ 7:21).
جاء عزرا إلى أورشليم بعد حوالي 60 سنة من كرازة حجي وزكريا بكلمة الله والتي ألهمت الشعب لإعادة بناء الهيكل (عزرا 14:6-16). وخلال هذه الفترة، لا يسجل الكتاب شيئا عن اليهود في أورشليم، ولكن جيلا جديدا وأبناءهم كانوا قد كبروا.
ولكن سفر أستير يقدم بعض المعلومات عن أحوال اليهود في بلاد فارس والذين بقوا هناك بعد السبي البابلي. وسفر ملاخي يقدم وصفا لعدم المبالاة الروحية التي نشأت أثناء هذا المدة في أورشليم.
في الفترة بين حكم زربابل وبين مجيء عزرا من بابل (فارس)، يبدو أن اليهود كانوا متروكين بدون أي قيادة روحية. وعزرا ... هو كاتب ماهر في شريعة موسى التي أعطاها الرب إله إسرائيل ... لأن عزرا هيأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها وليعلّم إسرائيل فريضة وقضاء . وبسبب ذلك فلا عجب أن نقرأ أن يد الرب كانت عليه من أجل مواجهة الموقف الروحي الحرج الذي نشأ في أورشليم (عزرا 6:7،9-10،28).
كان عزرا قد وُلد في السبي البابلي، وهو من نسل هارون أول رئيس كهنة في إسرائيل (عزرا 1:7-5؛ 1 أخبار 3:6-15). وقيل عن عزرا أنه كاتب "ماهر" - أي شخص يعرف الكتاب المقدس معرفة جيدة ولديه خبرة في التعليم ورغبة مشتعلة لأن يرى شعب الله يعيشون في توافق تام مع كلمته.
لم يكن عزرا مجرد دارس لكلمة الله (عزرا 6:7)، ولكن كانت لديه الرغبة العميقة في إطاعتها (عزرا 10:7؛ 3:9-4؛ 5:10). بالإضافة إلى ذلك فلقد تكونت لديه عادة الاعتماد على الله في الصلاة والصوم (عزرا 21:8؛ 5:9-15). وقد كان أيضا معترفا بسيادة الله، فأعطاه كل المجد قائلا: مبارك الرب إله آبائنا الذي جعل مثل هذا في قلب الملك لأجل تزيين بيت الرب الذي في أورشليم ... وأما أنا فقد تشددت حسب يد الرب إلهي عليّ وجمعت من إسرائيل رؤساء ليصعدوا معي (عزرا 27:7-28).
يعتبر عزرا مثالا يبين كيف أن الله يستطيع أن يستخدم أي شخص يأخذ كلام الله بجدية ويجتهد أن يقيم نفسه لله مزكّى عاملا لا يخزى مفصلا كلمة الحق بالاستقامة (2 تيموثاوس 15:2).
وكما أن هناك ترتيبا إلهيا في الطبيعة - أولا الزرع ثم الحصاد - كذلك فهناك مبادئ روحية تحكم خطوات المؤمن حتى يصبح مسيحيا نافعا.
فعندما نتنازل عن المصلحة الذاتية، ستتكون لدينا محبة صادقة للناس ونصبح نافعين لربنا يسوع المسيح لنعلّم الآخرين. ولهذا عينه ... قدموا في إيمانكم فضيلة، وفي الفضيلة معرفة، وفي المعرفة تعففا، وفي التعفف صبرا، وفي الصبر تقوى، وفي التقوى مودة أخوية، وفي المودة الأخوية محبة (2 بطرس 5:1-7).
إعلان عن المسيح: من خلال عيد الفطير (عزرا 22:6). قال يسوع: "أنا هو خبز الحياة" (يوحنا 35:6).
أفكار من جهة الصلاة: اشكر على جميع الأشياء المعطاة من الله (تثنية 10:26-11).
على الرغم من أن عزرا كان مسئولا عن حوالي 1800 رجلا - بالإضافة إلى نسائهم وأولادهم وممتلكاتهم - فإنه لم يطلب من الملك حرسا للحماية لأنه كان قد قال للملك إن يد إلهنا على كل طالبيه للخير (عزرا 22:8). ولكن قبل أن يبدأ عزرا رحلته من فارس إلى أورشليم يقول: ناديت هناك بصوم على نهر أهوا لكي نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقا مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل ما لنا (عزرا 21:8). لقد كان مدركا تماما لمخاطر قطاع الطرق، وصعوبات الطريق، ولكنه كان يعلم أيضا أنه في القديم صام بنو إسرائيل في أوقات الطوارئ القومية وأنقذهم الله. وهكذا قطع عزرا وأتباعه رحلة الـ 800 ميل بدون حوادث ووصلوا إلى المدينة المقدسة بعد أربعة شهور من مغادرة بابل.
عندما وصل عزرا وأتباعه إلى أورشليم، حزن حزنا شديدا على الحالة الروحية الأخلاقية المتدهورة التي نشأت في فترة قصيرة جدا. فلقد كانت نفس الخطايا ترتكب التي دمرت الأمة وأدت إلى سقوطها أمام الإمبراطورية البابلية. فأصيب عزرا بالحيرة (عزرا 3:9). وكانت إحدى الخطايا الخطيرة أن البعض تزوجوا من عمونيين وأموريين وموآبيين وغيرهم من كنعانيين. والذين فعلوا ذلك لم يكونوا فقط من عامة الشعب، بل كانت يد الرؤساء والولاة في هذه الخيانة أولا (2:9) الأمر الذي أدى قبلا إلى سبيهم (تثنية 3:7-4). ويبدو أنه لم يكن هناك سوى 113 زواجا مختلطا من بين حوالي 40.000 زواجا مقبولا. ولكن الغالبية العظمى من الزيجات المختلطة كانت بين العائلات الكهنوتية.
كان عزرا منقادا من الله لحماية سلسلة النسب التي سيأتي منها المسيح إذ أشار إلى ضرورة الانفصال عن الشعوب الوثنية الذين كان البعض قد تزوجوا منهم.
كان مفتاح نهضة عزرا هو ولاؤه الشديد لله ولكلمته وثقته في وعود الله المدونة في كتاب الشريعة. إننا نحتاج إلى نفس هذا الإخلاص الذي كان لدى عزرا في تعليم كلمة الله للآخرين. لقد كان يريد أن جميع شعب الله يعرفون إرادة الله. كان هدفه من مغادرة بابل والذهاب إلى أورشليم هو أن يعلم إسرائيل فريضة وقضاء [أي أقوال الشريعة] (عزرا 10:7).
إن قراءة اليوم يوجد فيها العديد من الدروس المفيدة لنا. فلقد عمل عزرا على تذكير الشعب بالدقة التي بها تحققت نبوات الرب وكيف أن إرميا تنبأ عن خراب أورشليم بسبب الحيدان عن وصايا الرب (إرميا 11:9؛ 8:19؛ 10:21؛ 18:25). وهذا يبين لنا كيف أن قضاء الله أكيد على الذين يروّجون ويقرأون كتب الأنبياء الشائعين في أيامنا بدلا من قراءة كلمة الله. فعندما ننجذب بعيدا عن كلمة الله الموحى بها إلى كتابات غير موحى بها، تتبلد حساسيتنا للخطية ويصبح من السهل أن نختار الطريق الأقل صعوبة.
شعبي قد بدل مجده بما لا ينفع. ابهتي أيتها السموات من هذا واقشعري وتحيري جدا يقول الرب، لأن شعبي عمل شرين: تركوني أنا ينبوع المياه الحية، لينقروا لأنفسهم آبارا، آبارا مشققة لا تضبط ماء (إرميا 11:2-13).
إعلان عن المسيح: من خلال المحرقات (عزرا 35:8). تشير ذبيحة المحرقة إلى المسيح الذي قدم نفسه لله بلا عيب، وكان مسرورا بعمل مشيئة أبيه (عبرانيين 14:9؛ 10:10-12).
أفكار من جهة الصلاة: قدم صلوات الحمد والتعبد من أجل صلاح الله (1 صموئيل 1:2-10).
كان عزرا يمثل البلاط الملكي الفارسي بصفته حاكما في اليهودية، وهذا من أعلى المناصب الممكنة في البلاد. ولكن عند وصوله إلى أورشليم واكتشافه للشرور السائدة هناك، يقول هذا الرجل البارز: مزقت ثيابي وردائي ونتفت شعر رأسي وذقني وجلست متحيرا... جثوت على ركبتيّ وبسطت يدي إلى الرب إلهي، وقلت اللهمّ إني أخجل وأخزى من أن أرفع يا إلهي وجهي نحوك لأن ذنوبنا قد كثرت فوق رؤوسنا وآثامنا تعاظمت إلى السماء (عزرا 3:9-6).
فلما صلى عزرا واعترف وهو باكٍ وساقط أمام بيت الله اجتمع إليه من إسرائيل جماعة كثيرة جدا من الرجال والنساء والأولاد لأن الشعب بكى بكاء عظيما (عزرا 1:10).
لقد جثا هذا الرجل العظيم الجليل أولا؛ ولكنه بعد ذلك شعر أكثر وأكثر بثقل خطايا الشعب. فطرح نفسه على الأرض معبرا عن تذلّله العميق. وأيضا فإنه لم يأكل خبزا ولم يشرب ماء لأنه كان ينوح بسبب خيانة أهل السبي (عزرا 6:10).
بعد ذلك قال للشعب: انفصلوا عن شعوب الأرض وعن النساء الغريبة (11:10).
تتضح جدية عزرا في شدة صومه الذي لم يكن من أجل خطاياه الشخصية بل من أجل الساكنين في أورشليم. لقد أصبحت خطية التزاوج مع غير المؤمنين وعبدة الأوثان مقبولة بين القادة الدينيين - بني الكهنة ... واللاويين ... والمغنين ... والبوابين (عزرا 18:10،23-24). وبهذه الطريقة فإنه سرعان ما ستضيع دعوتهم الفريدة والهدف من وجودهم في أورشليم. وبينما كان بنو إسرائيل يستمعون إلى كلمة الله، بكّت الرب قلوبهم. وسياسة عزرا في الطلاق ليست بأي حال من الأحوال مبررا للطلاق في وقتنا الحالي، ولكنها كانت ضرورية للغاية في ذلك الوقت لضمان سلسلة نسب المسيح التي جاءت في النبوات وأيضا لتجنب غضب الله (عزرا 14:10) لأن الشعب كانوا قد كرروا أخطاء الملك سليمان والتي أدت إلى انهيار الأمة.
كان الذين تورطوا في خطية الزواج من نساء وثنيات: 17 كاهنا، و 10 لاويين، و 86 من باقي الرجال - أي إجمالي 113 كما هو مدون. ولم يعترض على قرار عزرا سوى أربعة فقط كما هو واضح (عزرا 15:10).
عندما نعترف للرب بخطايانا برغبة صادقة في تركها، فإنه يكون مستعدا بل وأيضا راغبا في أن يغفر لنا (1 يوحنا 9:1). ولكن نتائج الخطية لا مفر منها. إننا نميل إلى التقليل من شأن النتائج الدائمة للخطية. ولكن العصيان لكلمة الله تكون نتيجته المعاناة وانكسار القلب! فإن ثمن الخطية باهظ - أكثر مما يتوقع أي إنسان! فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا (غلاطية 7:6).
إعلان عن المسيح: من خلال كبش الغنم الذي قدموه عن خطايا أبناء الكهنة (عزرا 19:10).قدم المسيح نفسه عن خطايا وذنوب الجنس البشري (عبرانيين 27:7).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يعطيك قلبا فهيما ومميزا (1 ملوك 9:3).
كان نحميا، وهو يهودي، يشغل منصبا مكرّما إذ كان ساقي الملك أرتحشستا، ملك الإمبراطورية الفارسية. وقد كان هذا المركز يدل على الثقة العظيمة، وهو شيء يحسده عليه الجميع لأنه لا يوجد شخص آخر في المملكة له مثل هذه العلاقة الوثيقة بالملك بصفته الساقي الشخصي له.
ولكن نحميا كان واحدا من المسبيين الأمناء الذين كانت قلوبهم في أورشليم (مزمور 4:137-6). فإن مركزه الاجتماعي وملذاته الشخصية وثروته المادية لم تكن لها الأولوية في تفكيره. ولكن اهتمامه الأول كان بأورشليم وبعبادة الله الواحد الحقيقي.
على مدى أكثر من 100 سنة كان يبدو من المستحيل إعادة بناء أسوار أورشليم (2 ملوك 8:25-11). فالبقية اليهودية الذين عادوا إلى هناك لم يكونوا أغنياء، والأعداء الدائمين من الشعوب المحيطة كانوا يدخلون بسهولة ويسرقون المحاصيل وغيرها من الممتلكات.
كانت حوالي 14 سنة قد مرت منذ أن قاد عزرا حملته إلى أورشليم، عندما تلقى نحميا بلاغا عن الفقر الروحي والمادي السائد هناك. يقول نحميا: فلما سمعت هذا الكلام جلست وبكيت ونحت أياما وصمت وصليت أمام إله السماء (نحميا 4:1). وقد نتج عن صلوات نحميا أن ملك فارس سمح له بالرحيل وعيّنه حاكما على اليهودية وأعطاه تصريحا بإعادة بناء الأسوار (نحميا 5:2-7؛ 14:5).
وقد واجه نحميا مقاومة شديدة من الأعداء المحيطين. بل إن بعض الأشخاص المرموقين في أورشليم رفضوا أن يتعاونوا معه (نحميا 19:2؛ 5:3؛ 1:4-12). ولكن بالصلاة المستمرة والإيمان بالله، قاد نحميا الشعب لإكمال الأسوار في زمن قياسي هو 52 يوما (نحميا 15:6).
وبعد أن كمل بناء الأسوار، اجتمع الشعب أمام عزرا ليقرأ لهم من سفر الشريعة. فأتى عزرا الكاتب بالشريعة ... وقرأ فيها ... من الصباح إلى نصف النهار (نحميا 1:8-14). وفي اليوم التالي جاء القادة إلى عزرا من أجل مزيد من الفهم. وقد نتج عن ذلك أنهم احتفلوا بعيد المظال. وكان يقرأ في سفر شريعة الله يوما فيوما من اليوم الأول إلى اليوم الأخير. وعملوا عيدا سبعة أيام (نحميا 18:8). وأدى ذلك إلى مزيد من الصلاة والاعتراف والصوم والتعاهد مع الله (أصحاح 8-11).
بعد ذلك رجع نحميا على الأرجح إلى البلاط الملكي في فارس وظل هناك ما يقرب من 12 سنة. وأثناء غياب نحميا عن أورشليم (نحميا 6:13)، زحفت الشرور إليها ولاقت قبولا. ولكن عندما عاد نحميا أمكنه تحويل الأمة مرة أخرى عن هذه الشرور وأعاد تأسيس العبادة الحقيقية (نحميا 7:13-31).
لم يكن عمل نحميا سهلا وإنما كان مليئا بالمخاطر (نحميا 12:4-14،17-23؛ 2:6-4،1-13). ولكن نحميا وعزرا اجتهدا كلاهما في توضيح كلمة الله للشعب وفي متابعتها بالتطبيق (نحميا 8:8،13،18؛ 1:13-30). وقام عزرا ونحميا بتدشين أسوار أورشليم (نحميا 27:12-43)، واستمر نحميا حاكما على أورشليم. إن تقوى وإخلاص هذين الرجلين يجب أن يكونا حافزين لكل الذين يهمهم أن شعب الله ينفصل عن الخطية ويعيش من أجل إكرام وتمجيد الرب. عندما جاء حناني، أخو نحميا، من أورشليم أخبر نحميا عن الحالة المؤسفة الموجودة هناك. يقول نحميا: فلما سمعت هذا الكلام جلست وبكيت ونحت أياما وصمت وصليت أمام إله السماء (نحميا 4:1).
وعلى مدى ما يقرب من 3 أو 4 شهور، استمر نحميا مصليا: اذكر الكلام الذي أمرت به موسى عبدك قائلا إن خنتم فإني أفرقكم في الشعوب، وإن رجعتم إليّ وحفظتم وصاياي وعملتموها ... فمن هناك أجمعهم (نحميا 8:1-9). إن المتشفعين الحقيقيين لا يكتفون بمجرد تقديم طلباتهم في الصلاة ثم بعد ذلك يذهبون للاهتمام بشئونهم، ولكنهم يستمروا سائلين وطالبين وقارعين. فإذا كانت قلوبنا مشغولة بإعادة بناء الأسوار التي تفصل شعب الله عن خطاياهم، فيجب أن نتعرف على المبادئ الأساسية التي اتبعها نحميا وأن نصلي مثله. فلقد كان أسلوبه فعالا.
عندما سأل الملك نحميا لماذا هو حزين، أخبره نحميا أن هذا بسبب مدينة إلهه التي يسودها الدمار (نحميا 1:2-3). لقد كان يُعتبر إهانة للملك أن يكون الإنسان مكتئبا في محضره، فهذا خطأ قد تكون عقوبته الموت. ونحميا نفسه يقول: فخفت كثيرا جدا (نحميا 2:2؛ قارن مع أستير 2:4). يقول: فصليت إلى إله السماء (نحميا 4:2) وكانت النتيجة أن الملك أرتحشستا أطلقه مصحوبا ببركته، وقام بتعيينه حاكما على أورشليم وكلفه بإعادة بناء الأسوار (نحميا 6:2-8).
وعند وصوله إلى أورشليم، واجه نحميا مقاومة وعداوة مثلما حدث مع زربابل قبل ذلك بمائة سنة (قارن مع عزرا 4؛ نحميا 4).
وقد أبدى سنبلط وأتباعه عداوتهم لنحميا قائلين: ما هذا الأمر الذي أنتم عاملون؟ ثم تحول الاضطهاد إلى افتراء: أعلى الملك تتمردون؟ (نحميا 19:2). إن التلميح بالدوافع الشريرة هو من الأدوات المفضلة لدى الشيطان لتثبيط همة خدام الرب.
وبالإضافة إلى المقاومة من الوثنيين التي واجهها نحميا، فبعد التغلب على العديد من المصاعب رفض قادة اليهود أن يساعدوه - وأما عظماؤهم فلم يُدخلوا أعناقهم في عمل سيدهم (نحميا 5:3). سوف نجد دائما أمثال هؤلاء العظماء أو أمثال سنبلط العالمي الشرير يثبطون عزيمة الخدام المخلصين. ولكن إذا كنا نريد النتائج التي حققها نحميا فإننا نحتاج أن نتأمل بجدية في تكريسه العميق للرب في الصلاة والصوم وفي محبته وحفظ وصاياه؛ وقد اعترف قائلا: لقد أفسدنا أمامك ولم نحفظ الوصايا (نحميا 5:1-7).
لقد صام موسى مرتين 40 يوما. ودانيال صام 3 أسابيع. وأستير وجواريها صمن قبل دخولها إلى الملك. وقد تكلم الرب يسوع مع تلاميذه عن الصوم كما لو كان أمرا شائعا مثل الصلاة فقال: متى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين (متى 16:6).
وحيث أن قلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يُميله (أمثال 1:21)، فيمكنك أن تتأكد أن ما يبدأه الرب فإنه يستخدم خدامه الأمناء لإكماله.
إذا يا إخوتي الأحباء كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين (1 كورنثوس 58:15).
إعلان عن المسيح: من خلال صلاة نحميا من أجل شعبه (نحميا 4:1-11). المسيح أيضا صلى من أجل خاصته (يوحنا 17).
أفكار من جهة الصلاة: اسجد باتضاع أمام الرب في الصلاة واعبد الرب (2 أخبار 13:6).
على مدى حوالي 100 سنة أوجد اليهود لأنفسهم العذر في عدم إعادة بناء السور الذي كان قبلا يحيط بأورشليم ويحميها. وقد ألقوا باللوم في ذلك على مقاومة الأعداء. فإن رجل الإيمان يجد دائما مخرجا، في حين أن الأغلبية يبحثون عن أعذار. لقد وضع نحميا إيمانه في الرب، قائلا: الرب يحارب عنا (نحميا 20:4). وكلماته هذه تذكرنا بكلام يهوشافاط مع جنوده: لا تخافوا ولا ترتاعوا ... الرب معكم (2 أخبار 17:20) وكلام داود مع جليات: لأن الحرب للرب (1 صموئيل 47:17).
لم يدخر سنبلط جهدا في تثبيط عزيمة نحميا سواء من خلال السخرية أو المدح أو التهديد. وفي النهاية لجأ إلى اتهام اليهود صراحة بالتمرد على فارس. وقد بذل كل ما في استطاعته من أجل صرف انتباه نحميا محاولا إيجاد فرصة لمناقشة الموقف. ولكن نحميا يقول: كانا يفكران أن يعملا بي شرا، فأرسلت إليهما رسلا قائلا إني أنا عامل عملا عظيما فلا أقدر أن أنزل. لماذا يبطل العمل بينما أتركه وأنزل إليكما؟ (نحميا 2:6-3).
إنه أمر مذهل حقا أن يتم بناء السور في 52 يوما فقط. ولكن روح التكريس كانت قد سرت في الشعب، فيقول كان للشعب قلب في العمل (نحميا 6:4). ولا بد أنهم ندموا جدا أنهم انتظروا كل هذه السنين مما أدى إلى تعرضهم للعديد من الغارات من الأعداء المحيطين.
وقد استخدم نحميا الأساليب البشرية فسلح عماله بسيوفهم ورماحهم وقسيهم (نحميا 13:4). وكانوا يعملون من طلوع الفجر إلى ظهور النجوم (نحميا 21:4). ولكن اعتماده كان على الرب إذ يقول: إن إله السماء يعطينا النجاح ... وكمل السور (نحميا 20:2؛ 15:6).
لقد تمسك نحميا بكلمة الله بلا حدود وكان لديه إحساس قوي بأهمية مصير شعب الله، فكان ذلك هو مصدر إيمانه بأن الله سيعطيهم النصرة. يسجل الكتاب 11 مرة عن نحميا أنه صلى (نحميا 4:1-11؛ 4:2؛ 4:4-5،9؛ 9:6،14؛ 14:13،22، 29،31). هذا أيضا يقوي إيماننا بأن كل شيء مستطاع عند الله (متى 26:19).
إن الإيمان بالرب ينمو من خلال الطاعة المستمرة لكلمته. فيجب أن تتولد لدى جميع المؤمنين الرغبة في الخضوع للرب على مثال خضوع الرب يسوع لأبيه: لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني (يوحنا 30:5).
إن المقاومات أمر متوقع، ونقص الإمكانيات يعطي الفرصة للرب لكي يتمجد. فالمشكلة الكبرى في خدمة الرب لا تنتج عن المشاكل الخارجية أو نقص الإمكانيات بل هي بسبب عدم الرغبة في أن نعمل أقصى ما نستطيع بما لدينا من إمكانيات. فمن خلال الصلاة سيقودنا الرب إلى العون والمعرفة التي نحتاجها لإتمام قصده.
فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء، مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة (أفسس 15:5-16).
إعلان عن المسيح: من خلال نحميا الذي اشترى اليهود الذين كانوا قد بيعوا عبيدا للأمم (نحميا 8:5). لقد افتدانا المسيح عندما كنا عبيدا للخطية (رومية 14:7؛ 1 بطرس 18:1-19).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب إرشاد الله بروح الوداعة (مزمور 9:25).
تحت قيادة زربابل وعزرا ونحميا، نال المسبيون الراجعون شرف ترميم المذبح والهيكل وأخيرا أبواب وأسوار أورشليم. وبحسب الظاهر كان كل شيء قد كمل. ولكن القصد النهائي لله من جهة شعبه كان أكثر من مجرد ترميم المباني والأسوار. فإن هذه الأِشياء تصبح بلا معنى ما لم يكن الشعب مطيعا لكلمة الله.
وبعد أن كمل بناء السور تحت إشراف نحميا، اجتمع الآلاف من الشعب في أورشليم منذ الصباح الباكر لكي يسمعوا عزرا واللاويين يقرأون ويفسرون لهم سفر الشريعة. وقد تولد فيهم بهذه الطريقة الولاء للعهد الأصلي الذي صنعه أسلافهم بأن يحبوا ويخدموا الرب. فبدون توجيهات الرب من خلال كلمته، تصبح جميع المجهودات عديمة الجدوى. لقد كان الفشل السابق شاهدا على جهل بني إسرائيل بكلمة الله وعدم طاعتهم لها.
وبينما كان عزرا يشرح الكتاب المقدس على مدى ساعات وساعات، كانت آذان كل الشعب إلى سفر الشريعة ... وأجاب جميع الشعب آمين آمين رافعين أيديهم وخروا وسجدوا للرب على وجوههم (نحميا 3:8،6). وهكذا حدثت نهضة عظيمة إذ أن جميع الشعب بكوا حين سمعوا كلام الشريعة (نحميا 9:8). لأن بالناموس معرفة الخطية (رومية 20:3) أي أن الوظيفة الحقيقية للناموس هي أن يجعل الإنسان يدرك ويعترف بالخطية وهذا يقوده إلى التوبة والإيمان والبر. فإن الخطية هي التمرد على الله.
يجب أن نفهم أن الله يتكلم إلينا بطريقة شخصية في كلمته. لذلك فإن الاحتياج الذي يحتاجه المسيحيون بشدة في كل أنحاء العالم هو أن يهتموا جديا بقراءة الكتاب المقدس. فعندما يقرأ الناس كلمة الله ويرجعوا عن طرقهم الشريرة، لا بد أن تحدث نهضة.
عندما نعترف بالخطية ونتركها، فإن الله يغفر لنا ويطهرنا من كل إثم (1 يوحنا 9:1). إن الله يبعد عنا خطايانا كبعد المشرق من المغرب (مزمور 12:103)، فلا يعود يذكرها أبدا. لذلك لا ينبغي أن يستمر الشعور بالذنب من أجل الخطية. فلا يحق لنا أن ننبش في الخطايا الماضية سواء خطايانا أو خطايا الآخرين، وإنما يجب أن نفرح فقط بسبب محبته الغافرة. لهذا السبب قال عزرا للشعب ألا يحزنوا على الخطايا السالفة: لأن فرح الرب هو قوتكم (نحميا 10:8). ويذكرنا بولس بأن ننسى ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدام (فيلبي 13:3). فحيث أن الرب قد سامحنا وقبلنا، فيجب علينا أن نقبل أنفسنا وكذلك الآخرين أيضا الذين أساءوا إلينا. إن الضمير المتحرر من الذنب هو أحد البركات العظيمة التي يمتلكها المؤمن.
أثناء عيد المظال وهو أعظم الأعياد منذ أيام يشوع، كان فرح عظيم جدا. وكان يقرأ في سفر شريعة الله يوما فيوما من اليوم الأول إلى اليوم الأخير (نحميا 17:8-18).
إن الفرح هو التعبير الطبيعي عن الحياة الجديدة في المسيح. فهو أحد ثمار الحياة الممتلئة بالروح القدس - محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف. ضد أمثال هذه ليس ناموس [أي لا يوجد قانون يحاكم على هذه الأشياء] (غلاطية 22:5-23).
إعلان عن المسيح: من خلال تسجيل أسماء المطلوبين لخدمة الكهنوت (نحميا 64:7). يجب أن نتأكد أن أسماءنا مكتوبة في سفر حياة الحمل، وبعد ذلك يجب أن نبذل كل جهد لكي يكون أحباؤنا وأصدقاؤنا أيضا متضمنين (رؤيا 12:20،15؛ أيضا لوقا 17:10-20).
أفكار من جهة الصلاة: الصلاة من قلب وروح مستقيمة مفرحة للرب (أمثال 8:15).
كان عيد المظال يستمر من يوم 15 إلى 21 من شهر تشري. وفي يوم 24 من شهر تشري (سبتمبر/ أكتوبر)، وقف الشعب في مكانهم وقرأوا في سفر شريعة الرب إلههم ربع النهار وفي الربع الآخر كانوا يحمدون ويسجدون للرب إلههم (نحميا 3:9). ولكن قبل ذلك مباشرة، انفصل نسل إسرائيل من جميع بني الغرباء ووقفوا واعترفوا بخطاياهم وذنوب آبائهم (نحميا 2:9).
لقد احتفلوا بعيد المظال على أكمل وجه بحسب ما يتطلبه الناموس، ولكن كان هناك تحرك من الروح القدس أبعد وأسمى من الناموس. ففي أوقات التوبة والنهضة الحقيقية يتحرك الروح القدس في قلوبنا بطريقة مختلفة تماما. فإن الخدمات تكون عادة طويلة وتلقائية بدون وقت محدد. أما الأوقات التي فيها نرغب في خدمات عبادة قصيرة فإن هذا يكون دليلا على الانحدار الروحي.
عند استرجاع تاريخ معاملات الله مع بني إسرائيل في البرية، أوضح الكهنة كيف أن الله قد أعطاهم روحه الصالح لتعليمهم (نحميا 20:9).
نعم، إن الروح القدس هو الذي قادهم بطريقة معجزية (نحميا 13:9-14). إن الروح القدس - صوت الله من جبل سيناء - هو الذي أعطى للشعب كلمة الله من خلال موسى. إن عطية روح الله هي التي استقرت على موسى، وكذلك على السبعين رجلا الشيوخ (عدد 17:11،25)، والروح القدس هو الذي مسح بصلئيل وأهوليآب وأعطاهما المهارة اليدوية لتنفيذ جميع العمل في بناء خيمة الاجتماع (خروج 30:35-35؛ 1:36). والروح القدس هو الذي يكون دائما مستعدا وراغبا في أن يقود كل مؤمن في الوظيفة أو المركز الذي اختاره الله لحياته.
هذه هي عطية الروح القدس التي وعد بها الرب جميع المؤمنين: متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق (يوحنا 13:16). إن روحه الصالح يسكن في جميع المؤمنين المطيعين، مثلما قال بطرس للجمع في يوم الخمسين: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس (أعمال 38:2)؛ ومثلما وعد يسوع قائلا: روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم (يوحنا 17:14).إن الروح القدس هو الذي يقودنا ويعدنا ويهيئنا للميراث الموعود (يوحنا 8:16-10). والروح القدس هو الذي يعطي المواهب لكل واحد بمفرده كما يشاء (1 كورنثوس 11:12).
إن شعب الله يسمعون صوتا لا يستطيع العالم أن يسمعه، ويشعرون بحضور لا يستطيع غير المؤمن أن يشعر به، ويتمتعون ببركة لا يستطيع العالم الهالك أن يتمتع بها، ويحصلون على قوة داخلية وسلام لا يستطيع العالم أن يفهمه.
إن أشد ما يحتاج إليه المؤمنون اليوم هو أن ينظروا بعين الاعتبار إلى أهمية الاعتراف بأن أجسادنا هي هيكل للروح القدس (1 كورنثوس 19:6). فإن هذا أمر في منتهى الأهمية إذا كنا نريد من الروح القدس أن يعلمنا وأن يقودنا. فدعونا نحذر لئلا نحزن روح الله (أفسس 30:4). فهو وحده يقدر أن ينير أذهاننا وأن يبكتنا على الخطية وأن يزودنا بالقوة لنعيش حياة القداسة - إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون (رومية 13:8).
إعلان عن المسيح: كالخالق (نحميا 6:9). الكل به وله قد خلق (كولوسي 16:1).
أفكار من جهة الصلاة: صل يوميا لأبيك الذي في السموات (دانيال 10:6). لقد أمكن إكمال الأسوار المحيطة بأورشليم لأن أشخاصا عاديين كانوا مستعدين أن يتنازلوا عن مصالحهم الذاتية وأن يتركوا بلاد فارس ويعودوا إلى أورشليم. ومع أنهم لم يكونوا مدربين على بناء الأسوار إلا أنهم ذهبوا بإرادتهم إلى العمل وعملوا أفضل ما بوسعهم.
كان القليلون فقط يعيشون داخل أسوار أورشليم. أما معظم اليهود فكانوا يعيشون في ضواحي المدينة حيث كانوا يزرعون المحاصيل ويرعون البهائم ويعيشون في سهولة ويسر. ولهذا السبب لم يكن في أورشليم عدد كاف من السكان لصيانتها وحمايتها - حتى أن الشعب ألقوا قرعة ليأتوا بواحد من عشرة للسكنى في أورشليم، مدينة القدس، والتسعة الأقسام في المدن. وبارك الشعب جميع القوم الذين انتدبوا للسكنى في أورشليم (نحميا 1:11-2). كان لا بد من التضحية بالمصالح الذاتية من أجل تدعيم مدينة الله بالسكنى داخل أسوارها. إن الله مستعد دائما أن يبارك الأشخاص الذين لا يهمهم حقا من الذي ينال الفضل أو المدح.
مرت فترة زمنية حوالي 12 إلى 13 سنة بين العددين 26 و 27 من الأصحاح 12. وأثناء هذه الفترة رجع نحميا إلى بابل. وبينما كان نحميا غائبا عن أورشليم، منح ألياشيب الكاهن لطوبيا، وهو رجل عموني، جناحا في مبنى الهيكل (نحميا 7:13). وكان قبلا طوبيا وسنبلط، وكلاهما من الأمم، يقاومان على الدوام عمل نحميا، وقد ساءهما مساءة عظيمة لأنه جاء رجل يطلب خيرا لبني إسرائيل (10:2،19؛ 3:4،7؛ 17:6-19). ولكن بعد أن أكمل العمل، انتقل طوبيا بكل سرور ليسكن داخل أسوار المدينة ليشارك في المزايا.
وعلى الرغم من أن جميع المسيحيين الحقيقيين يحبون الرب حقا، إلا أنهم ليسوا جميعا مستعدين أن يتنازلوا عن مصالحهم الذاتية وأمانهم المادي ليعملوا ما تحتاجه خدمة الكنيسة أو خدمة الإرساليات لإتمام مقاصد الله. إن الفعلة دائما قليلون. ولكن حمدا للرب من أجل الذين لا يضعون "حدودا" على القدر الذي "يرغبون" في تقديمه من حياتهم أو من أموالهم للرب، وإنما يعتبرونه امتيازا أن يتخلوا عن مصالحهم الذاتية ليخدموا الرب.
في رحلتنا المسيحية يجب أن نحذر حتى من الأنشطة الجيدة الصحيحة التي قد تسلبنا الوقت أو المال الذي كان يمكن أن يكون كنوزا في السماء (متى 20:6).
وقد صور الرب يسوع الفرصة المتاحة لنا بقوله:يشبه ملكوت السموات إنسانا مسافرا دعا عبيده وسلمهم أمواله. فأعطى واحدا خمس وزنات وآخر وزنتين وآخر وزنة واحدة - كل واحد على قدر طاقته. وسافر للوقت (متى 14:25-15).
عند عودة ربنا يسوع سيعطي كل واحد حسابه - والبعض سينالون شرف سماع قوله: نعما أيها العبد الصالح والأمين! كنت أمينا في القليل فأقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح سيدك (متى 21:25).
إعلان عن المسيح: من خلال الشعب الذي بارك الرجال الذين تطوعوا بأن يعيشوا في أورشليم (نحميا 2:11). إننا ننال بركة عندما نثبت في المسيح وتثبت كلمته فينا (يوحنا 7:15).
أفكار من جهة الصلاة: ادع الرب، لأنه قد وعد بأن يجيبك (زكريا 9:13).
بمرور السنين أهمل بنو إسرائيل قراءة الكتاب المقدس وبالتالي فقدوا حماسهم من نحو إرضاء الله. ويسأل نحميا: لماذا ترك بيت الله؟ (نحميا 11:13). فأثناء غياب نحميا، نجس بنو إسرائيل الهيكل وأهملوه. وعندما رجع نحميا إلى أورشليم بعد حوالي 12 سنة، صدم من الأحوال الموجودة بين الشعب - مثل التقصير في دفع العشور وإعالة اللاويين، وكسر السبت، والتزاوج مع الكنعانيين عبدة الأوثان.
وقد اكتشف هذا الخادم الأمين لله أن أعظم الشرور ترتكب بواسطة أولئك الذين كانوا ينبغي أن يكونوا قادة روحيين، حتى أن العديد من الكهنة كانوا قد تزوجوا بنساء وثنيات. ومرة أخرى اصطدم نحميا بالحكام والقادة الدينيين الذين قاوموا حركته للإصلاح. إنه حقا يوجد صليب يسبق كل تاج.
وكان ألياشيب الكاهن قد أعطى لطوبيا العموني جناحا خاصا داخل مباني الهيكل - وطوبيا هذا كان قد قاوم نحميا منذ عدة سنوات (نحميا 10:2،19؛ 7:4؛ 17:6-18؛ 4:13،8،11،17،21،25). كذلك فإنه هو وابنه يهوحانان كانا قد تزوجا بنساء يهوديات.
ولكن نحميا لم يستسلم ولم يخضع للروح العلمانية الشائعة والمساومة في كلمة الله، وإنما بكل إصرار قاوم الحكام والكهنة والنبلاء وسائر الجماعات ذات النفوذ من أجل استعادة المبادئ التي تكرم الله. يقول نحميا: فخاصمت الولاة ... وأيضا حذرهم وأوقفهم عند حدهم (نحميا 11:13،15،17).
وفي الحال ألقى نحميا بأثاثات طوبيا خارج بيت الله وأمره بالخروج - هذا يذكرنا بغضب يسوع الذي بحسب البر عندما ألقى بموائد الصيارفة خارج الهيكل (متى 12:21؛ مرقس 15:11). وبصفته قائدا معينا من الله، استرد نحميا الفرائض الكتابية - والتي تشمل النظام الكهنوتي للاويين. ومع أنه واجه الكثير من الحزن والإحباط، إلا أن أحدا لم يستطع أن يوقفه عن عمل الصواب. وهكذا استمر في الإصلاح على الرغم من المقاومة الشديدة لقيادته. ونجد نحميا مرارا وتكرارا يصلي قائلا: اذكرني يا إلهي (نحميا 14:13،22،31).
إن معظم المسيحيين الذين يخدمون الرب بصدق لا تكون لهم شعبية كبيرة. في حين أن كثيرين ممن يعيشون حسب العالم، ويتصرفون حسب العالم، ويتكلمون حسب العالم، يعتبرون أنهم طالما لديهم شعبية عند الناس فلا بد أن الرب هو أيضا مسرور بمواهبهم أو قدراتهم أو خدمتهم. ولكن الملك شاول،وأيضا سليمان، يوضحان لنا كيف أن الله لا يمكن أن يسر عندما نقبل بالمساومة في حياتنا (1 صموئيل 18:15-23؛ 1 ملوك 9:11-11).
علينا أن نعرف بكل تأكيد أن الشيطان يعمل بكل حيوية وأن مقاومته لكلمة الله لن تتوقف أبدا إلى أن يأتي يسوع المسيح ويحكم العالم. إن ولاءنا للملك الحقيقي هو الذي سيحدد مصيرنا.
كل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر (1 يوحنا 3:3).
إعلان عن المسيح: من خلال اكتشاف نحميا أن اللاويين لا يتلقون عشورهم وأنهم يضطرون للعمل في الحقول (نحميا 10:13). هذا يذكرنا بكلمات المسيح عندما أرسل 70 من أتباعه قائلا لهم: أقيموا في ذلك البيت آكلين وشاربين مما عندهم: لأن الفاعل مستحق أجرته (لوقا 7:10).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يغفر لك الأفكار السيئة أو التذمر أو الكراهية التي قد تكون محتفظا بها في قلبك تجاه شخص ما (متى 14:6-15).
سفر أستير هو آخر الأسفار التاريخية الـ 17 في العهد القديم. وهو يتضمن ما يقرب من 12 سنة من تاريخ اليهود الذين ظلوا في بلاد فارس بعد انقضاء مدة السبي التي امتدت 70 سنة. ومعظم هؤلاء اليهود كانوا قد ولدوا في السبي وبالتالي لم يكن لهم ولاء لأورشليم. وعلى الأرجح أنهم لم يدركوا الأهمية النبوية للجنس اليهودي.
يرجح أن أحداث سفر أستير وقعت بعد حوالي 40 سنة من إعادة بناء الهيكل وقبل إعادة بناء أسوار أورشليم بما يقرب من 30 سنة. ومن المرجح جدا أن تكون أستير هي التي مهدت الطريق لنحميا ليصبح ساقي الملك وأتاحت له الفرصة ليعيد بناء أسوار أورشليم ويتمم عمله في أورشليم.
وعلى الرغم من أن اسم الله لا يرد في هذا السفر وكذلك أيضا كلمة "صلاة"، إلا أن الهدف من هذا السفر هو بيان سلطة الله غير المنظور وقدرته المطلقة على التحكم في حكام هذا العالم وتنفيذ مقاصده. إن الله لديه دائما الشخص الصحيح في المكان الصحيح وفي الوقت الصحيح - وحتى إذا فشل كل البشر في عمل إرادته، فإنه يقدر أن يتكلم من خلال حمار كما حدث مع بلعام (عدد 28:22-31)، أو إذا لزم الأمر فإنه يقدر أن يجعل الحجارة تصرخ (لوقا 40:19) كما قال يسوع لناقديه، وإذا احتاج إلى عون فإن لديه تحت أمره أكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة (متى 53:26). ولكن الله اختار أن يتمم إرادته من خلال خدامه المختارين - أولئك الذين يعترفون باعتمادهم الكامل عليه.
إن أحداث هذا السفر لم تحدث بالصدفة، لأننا نجد أن الصوم - والذي يتضمن أيضا الصلاة - يمثل جزءا هاما في إتمام خطة الله من خلال عبديه مردخاي وأستير (أستير 3:4-4،16-17).
إن الصلاة القوية مثل تلك التي رفعها مردخاي، الذي صرخ صرخة عظيمة مرة (أستير 1:4-3)، كانت دائما مصحوبة بالصوم كوسيلة للاقتراب أكثر من الرب والابتعاد أكثر عن شهوات العالم (قارن متى 21:17؛ مرقس 29:9).
تبين لنا أسفار عزرا ونحميا وأستير أنه لا توجد أوضاع مستعصية وأن الله يستطيع أن يسيطر على عمل العدو ويحقق إرادته بكل تفاصيلها من خلال شبعه. عندما انتصر الفرس على الملك بيلشاصر وعلى المملكة البابلية، أطلق النداء إلى جميع اليهود بأن يرجعوا إلى أورشليم. ولكن معظمهم كانوا قد عاشوا في بابل لمدة 50-70 سنة ولم يروا أورشليم بالمرة حيث أنهم كانوا أبناء الذين أخذوا إلى بابل كسبايا. ومع أنهم قد أصبحوا الآن أحرارا من السلطة البابلية، إلا أن معظمهم كانوا يفضلون البقاء في مناخ الرخاء والصداقة في المملكة الفارسية بدلا من مغادرة بابل وتحمل المشقات الموجودة في أورشليم.
في السنة الثالثة من ملكه، جمع الملك أحشويروش جميع قادة المقاطعات الرئيسيين لديه لكي يشرح لهم خطته في الاستيلاء على اليونان. وبعد ذلك صنع لهم وليمة، وأثناء هذا اللقاء حدث سوء تفاهم بينه وبين الملكة وشتي فاستشاط الملك غضبا وعزلها من أن تكون ملكة (أستير 9:1-21).
ومرت أربع سنوات ثم عاد إلى قصره في شوشن وأمر بالبحث عن أجمل الفتيات في مملكته (أستير 1:2-4).
فأُخذت أستير، وهي فتاة يهودية يتيمة، إلى قصر الملك مع أخريات لتصبح إما ملكة أو إحدى السراري للحاكم المتسلط. وهكذا وجدت أستير نفسها في وضع ليس لها يد فيه. فلم يكن أمامها هي وعمها مردخاي سوى أن يثقا في الرب ويصوما من أجل التوجيه والحماية. والذي زاد الأمر تعقيدا أن الرجل المكلف بتنفيذ أمر الملك كان رجلا جبارا وقاسيا اسمه هامان (أستير 10:3،15؛ 10:6؛ 9:7)، وهو من نسل الملك أجاج الذي كان صموئيل قد قتله. كان هامان عماليقيا وكان يبغض جميع اليهود (خروج 14:17،16؛ 1 صموئيل 33:15).
أنت أيضا ربما تجد نفسك فريسة للظروف التي لا يد لك فيها. ربما تشعر أنك مقيد في مكانك وتتمنى أن تكون في مكان آخر به حرية أكثر حتى تقدر أن "تعمل شيئا للرب". إن مسئوليتنا هي أن نكون أمناء لكلمته - مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح ، ومقدمين أجسادنا كذبيحة حية مرضية عند الله (2 كورنثوس 5:10؛ رومية 1:12-2). فلا تشك أبدا في أن الله متحكم في أمورك وهو يعرف تماما أين أنت ولماذا أنت هناك ومتى ينبغي أن تتحرك.
إننا كمسيحيين نعيش نحن أيضا تحت سلطان العالم غير المؤمن والذي لا يكف عن طلب المزيد والمزيد من وقتنا وولائنا. وكمسيحيين علينا أن نعطي ما لقيصر لقيصر ولكن يجب أيضا أن نعطي ما لله لله (لوقا 25:20). فلا ينبغي أن ننحني أمام أمثال هامان في هذا العالم الذين يريدون أن يجردونا من ولائنا للمسيح (رومية 1:13). فعلى الرغم من أن أستير ومردخاي كانا يعيشان تحت سلطان مادي وفارس فلقد استخدما كل الطرق الشرعية للدفاع عن مصالح شعب الله. وعندما تظل أمينا للرب، مهما كانت الظروف، فاعلم أن الله يسمع الصلاة ويستجيبها. فلا داعي لأن تشك في أنه قد ضاع منك الاختيار الأفضل الذي قصده الله لك.
الذي فيه أيضا نلنا نصيبا معينين سابقا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته (أفسس 11:1).
إعلان عن المسيح: من خلال اسم أستير الذي يعني "كوكب". يسوع أيضا يسمى كوكب الصبح المنير (رؤيا 16:22).
أفكار من جهة الصلاة: اشكر الرب لأنك لن تحتاج أن تخاف. ثق بالرب يوما فيوما (متى 33:6-34).
بعد خمس سنوات منذ أن أصبحت أستير ملكة، حصل هامان على ترقية وجعل كرسيه فوق جميع الرؤساء الذين معه (أستير 16:2-17؛ 1:3-7). وقد كان هامان غاضبا لأن مردخاي رفض أن يسجد أمامه ويعظمه. فوضع خطة لقتل مردخاي وكذلك أيضا جميع اليهود في المملكة. وهكذا صدر قانون بالإبادة العرقية لليهود كما خطط لها هامان، وألقيت القرعة لتحديد أفضل الأيام لتنفيذ هذه المؤامرة (أستير 7:3-13).
وعندما علم مردخاي بأمر هذا القانون، شق ثيابه ولبس مسحا برماد وخرج إلى وسط المدينة وصرخ صرخة عظيمة مرة ... وفي كل كورة ... كانت مناحة عظيمة عند اليهود وصوم وبكاء ونحيب (1:4-3).
ومع أن القرار الذي يصدره ملك فارس لا يمكن الرجوع فيه، فإن مردخاي كان واثقا تماما أن الرب سيجعل مخرجا لإبطال أمر هامان بقتل جميع اليهود. ولم يكتف مردخاي بالصوم والصلاة ولكنه أرسل إلى أستير رسالة عاجلة، وأوصاها بأن تدخل إلى الملك (أستير 8:4). ولكن أستير خافت وذكرته بالقانون الفارسي الذي يقول أن كل من يقترب إلى الملك بدون دعوة يكون معرضا للموت. فالمخاطرة كانت حقيقية. والذي جعل موقف أستير أكثر تعقيدا هو أنها لم تدع للدخول إلى الملك طوال 30 يوما. فلو كان الملك قد فقد اهتمامه بأستير، فهل يوجد أمل في أن تؤثر عليه من جهة ما سيصيب الجنس اليهودي؟ ولكن أستير اقتنعت بأن المخاطرة أن تفقد وضعها المرموق كملكة مثلما حدث من قبل مع وشتي أقل أهمية من وقوفها ضد خطة هامان الشرير الذي كان يسعى لإبادة اليهود!
وقد طلبت أستير من مردخاي أن يجمع جميع اليهود الموجودين في المدينة ليصوموا من أجلها ثلاثة أيام، قائلة: فإذا هلكت هلكت (أستير 16:4). عندئذ وقفت أستير في الفناء الداخلي للقصر الملكي منتظرة هل سيكون مصيرها الحياة أو الموت من الملك الذي كان يحكم الإمبراطورية الفارسية. وإذ سلمت نفسها إلى مراحم الله، أعدت وليمة لهامان وللملك (أستير 4:5) بغرض كشف الخطة الشريرة التي وضعها هامان.
ورضي الملك عن أستير فقبل دعوتها وليس ذلك فقط وإنما عرض عليها حتى نصف مملكته (أستير 7:5). وكان في إمكان أستير أن تغتنم الفرصة وتفوز بالجائزة على اعتبار أنها أثمن بكثير من أن تخاطر بفقدانها إذا ذكرت طلبتها للملك. ولكن إنقاذ حياة شعبها كان بالنسبة لها أهم من أي شيء آخر.
وبينما كانت أستير تعد الوليمة، كان هامان يعد مشنقة بارتفاع 75 قدم حتى يشاهد الجميع عملية شنق مردخاي (أستير 14:5). ثم في اليوم التالي، سأل الملك أستير من جهة طلبتها، وكانت صدمته كبيرة عندما علم أن طلبتها تختص بإنقاذ حياتها من الموت: إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك أيها الملك، وإذا حسن عند الملك فلتعط لي نفسي بسؤلي وشعبي بطلبتي. لأننا قد بعنا أنا وشعبي للهلاك والقتل والإبادة (أستير 3:7-4)!
وهكذا أُخذ هامان في الحال ليُشنق على نفس المشنقة التي كان قد أعدها لمردخاي - والتي أقامها هامان على أرضه هو شخصيا (أستير 9:7).
إن مثال أستير في الشجاعة وفي استعدادها لأن تضحي بكل شيء - حتى بحياتها إذا لزم الأمر - يجب أن يكون حافزا لنا لنتنازل عن كل ما لدينا من مواهب وشهرة وثروة قد باركنا الرب بها حتى نستخدمها من أجل توصيل كلمة الله إلى العالم الهالك.
فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها [أي يخلص حياته الأسمى الروحية في ملكوت الله الأبدي] (مرقس 35:8).
إعلان عن المسيح: من خلال التكريم الذي تلقاه مردخاي بينما كانوا يسيرون أمامه في شوارع المدينة (أستير 10:6-11). لقد تلقى يسوع تكريما عظيما عند دخوله منتصرا إلى أورشليم (متى 8:21-9).
أفكار من جهة الصلاة: تشفع في الصلاة من أجل الآخرين بأسمائهم (لوقا 31:22-32).
كان منجمو هامان قد ألقوا قرعة لتحديد أنسب الأيام لقتل جميع اليهود (أستير 24:9). وتحدد "يوم الحظ" لهامان في اليوم الثالث عشر من الشهر الأخير. غير أن هامان لم يدرك أن الله متحكم في أمور الأرض وأن القرعة تلقى في الحضن ومن الرب كل حكمها (أمثال 33:16)، فحتى الأحداث التي تبدو صدفة هي مرتبة من عنده.
ومرة أخرى ثبت، كما هو دائما، أن تطرف الإنسان هو فرصة لله. فاليوم المحدد للإعدام، والذي عرف باسم "الفوريم" (نسبة إلى "الفور" أو القرعة)، أصبح في الواقع هو يوم النجاة. ويأتي الفوريم في اليوم الـ 14 والـ 15 من شهر آذار، وهو الشهر السابق لعيد الفصح. فأصبح اليوم الـ 13 يوم صوم تذكارا لأستير. يليه بعد ذلك احتفال عظيم. وفي كل سنة منذ ذلك الوقت، يكون يوما 14 و 15 يومي فرح عظيم وعيد عند اليهود.
وفي كل سنة عند قراءة سفر أستير في عيد الفوريم، فإن جميع الشعب يطلقون أصوات الازدراء والاستهجان عند قراءة اسم هامان،ويهللون فرحا عند كل ذكر لاسم مردخاي. هذه شهادة لحقيقة أن ما يبدو أنه صدفة وحظ سعيد هو في الواقع عمل الله القدير. إن الله يستخدم خدامه الأمناء لتغيير أمور العالم.
في أيام السلام والرخاء لا نكون عادة مدركين لحضور الله. ولكن عندما يهددنا الاضطهاد ويتدخل الله بشكل رائع لحمايتنا وتشديدنا وإعالتنا فإننا نبصر يده فنقدم له الحمد والتمجيد.
لا يمكن لأحد أن ينال النصيب الأفضل من الله ما لم يدفع أولا الثمن. فعلى عكس أستير، كان على الشاب الغني أن يقدم تضحية أقل كثيرا (لوقا 18:18-30)، ومع أنه كان إنسانا صالحا، ربما كان تلميذا أو رسولا لأن يسوع أحبه قائلا: بع كل ما لك ... وتعال اتبعني ، إلا أنه لم يكن راغبا في تحمل المخاطرة. إن كثيرين اليوم لديهم نفس هذا التصميم على تحقيق أهدافهم في النجاح والأمان المادي والحصول على تقدير العالم بدلا من أن "يدفعوا الثمن" ويعيشوا لإرضاء المسيح.
إن سفر أستير سفر علماني في مجمله لأنه لا يرد فيه اسما لله. غير أن سيادة الله تتخلل جميع أصحاحاته. وهو يبين أنه حتى في المجتمعات العلمانية التي يحكمها ترف القصور الشرقية واستبداد الحكام وفراغ النظام الملكي وتآمر السياسيين وشقاء الناس المظلومين، حتى في البلاد البعيدة عن شعب العهد الإلهي، فإن السيادة تظل في يد إلهنا. حين قرب كلام الملك وأمره من الإجراء في اليوم الذي انتظر فيه أعداء اليهود أن يتسلطوا عليهم فتحول ذلك حتى أن اليهود تسلطوا على مبغضيهم (أستير 1:9).
إن السلام والفرح الذي تمتع به مردخاي وأستير لا يمكن أن يعرفه سوى الذين يخضعون أنفسهم لملك السلام والذي سيصنع سلاما فيكل الأرض ويعطي سرورا للناس (لوقا 14:2).
إعلان عن المسيح: من خلال ارتقاء مردخاي من مركز عبد إلى مركز الشرف والمجد (أستير 2:8،15). جاء المسيح إلى الأرض كالعبد، ولكن الله رفعه وأجلسه عن يمينه (فيلبي 7:2-9؛ مرقس 19:16).
أفكار من جهة الصلاة: ارفع إلى الله صلوات الحمد والشكر حتى في وقت الضيق (أعمال 22:16-25).