مقدمة لسفر المزامير
سفر المزامير هو أكبر أسفار الكتاب المقدس. والروح القدس هو المؤلف الحقيقي الذي قاد داود لكتابة أكثر من 70 مزمورا. واشترك في كتابة باقي المزامير موسى وسليمان وآساف وإيثان وبنو قورح. ويوجد حوالي 50 مزمورا لا يُعرف من الذي كتبهم. وتشمل المزامير أغاني حمد وتسبيح من أجل رحمة الخالق ومحبته. وهي تبين كيف أن الله يعطي أهمية كبيرة لترنيمات الحمد التي نقدمها له. وعادة تتحول أفكار كاتب المزمور من الإحساس بالفشل إلى الإحساس بالفرح، ولكنها تختتم دائما بالتعبير عن الحمد والعرفان بالجميل لله.
وتتضمن أيضا المزامير صلوات لطلب الرحمة والعون وأيضا للتعبير عن الثقة والإيمان. ولكن من أوضح الأمور في المزامير هو التقدير العظيم للكتاب المقدس نفسه: قد عظمت كلمتك على كل اسمك (مزمور 2:138). والمزمور 119 مخصص بأكمله للتحدث عن عظمة أهمية الكتاب المقدس والذي يأتي أكثر من 170 مرة. وسفر المزامير يغطي جميع الأفكار الممكنة للشخص الذي يرغب في أن يعبد ويعظّم الآب السماوي العظيم والرب المخلص والروح القدس.
تشير مزامير عديدة إلى المسيا - من جهة ولادته، وحياته، وتسليمه، وصلبه، وقيامته، وصعوده. وبعد قيامته فتح المسيح أعين تلاميذه لكي يُظهر ذاته لهم في جميع ما هو مكتوب عنه في ناموس موسى والأنبياء والمزامير (لوقا 27:24،44)، أي العهد القديم بأكمله. ولذلك فإن الذين يقرأون فقط العهد الجديد لا تكون لديهم إلا معرفة محدودة عن المسيح وعن إرادته في حياتهم.
تقدِّم لنا المزامير مفاهيم عميقة عن العديد من التعاليم الأساسية في الكتاب المقدس، فهي تبين أن الله هو خالق الكون وكل ما فيه (مزمور 3:8-9؛ 1:90-2؛ 1:104-32)، وأنه يعلم جميع أفكارنا (1:139-18،23-24). والمزامير أيضا تضع خطا فاصلا واضحا بين الخطية والبر. فإن كلمة "بار" و "بر" تستخدم أكثر من 130 مرة. وتأتي كلمة "خطية" ومرادفاتها مثل "الإثم" و "الشر" أكثر من 90 مرة.
وتبين المزامير التي تتكلم عن دينونة الأشرار ما هي الخطية على حقيقتها - إنها التمرد على الله. فعندما قاد روح الله كتبة المزامير أن يتكلموا عن النقمة أو الدينونة التي ستقع على الأشرار، فلم يكن المقصود هو الانتقام الشخصي، وإنما المقصود هو توضيح مشيئة الله من جهة جميع المظالم، وهي أن الخطية لا بد أن تنال عقابها: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب (رومية 19:12).
يأتي اسم "الرب" أكثر من 700 مرة في المزامير. بالإضافة إلى ذلك فإن كلمة "الله" تستخدم أكثر من 300 مرة. وبالمقابلة مع كمالات الله، فإن الإنسان يظهر أنه مولود بالخطية وأنه يحتاج إلى منقذ. وتتخلل المزامير العديد من الإشارات إلى الفادي والمنقذ والمخلص - المسيح.
ويقتبس بطرس من سفر المزامير في عظته في يوم الخمسين لكي يوضح أن يسوع هو المسيا (أعمال 25:2؛ مزمور 8:16-11).
إن الله يريدنا أن نسبحه بالترنيم - وأن نهتف له (مزمور 1:100) [والهتاف معناه عمل ضجة تعبيرا عن الفرح]. وتبدأ وتنتهي كل من المزامير الخمسة الأخيرة بكلمة " هللويا " [أي حمدا للرب].
إن المفتاح لبركات الله يبدأ بثلاثة "لم" (مزمور 1:1).
الأولى : طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار - أي لا يسير بحسب نصائح وخطط وأهداف غير الأتقياء، فإن هؤلاء قد تكون لهم مبادئ راقية وجيدة ومحترمة وتتفق مع الأنماط الأخلاقية المقبولة في المجتمع ولكن هذا لا يجعل منهم مؤمنين. فإن الاستقامة الظاهرية والأعمال الصالحة لا تضمن بركة الله.
والثانية : وفي طريق الخطاة لم يقف - أي لم يقف عاجزا وخاضعا - فالخاطئ هو الإنسان العادي الذي يتجاهل المبادئ الكتابية. فهو يتكلم ويتصرف ويفكر في نفسه، لذلك فلا مانع لديه أن يتبع الغش والأساليب الدنيئة إذا كان هذا يخدم أغراضه.
والثالثة : وفي مجلس المستهزئين لم يجلس - أي لا يجلس مستريحا ومسترخيا -فالمستهزئ هو الشخص الذي اتخذ موقفا مضادا لله، وهو يبدي عداء نحو جميع المسيحيين المؤمنين بالكتاب المقدس، معتقدا بأنه لا توجد ديانة صائبة أو أن جميع الديانات مقبولة طالما أنها لا تؤذي الآخرين. وبهذه الطريقة فهو يعتبر نفسه متسع الذهن وكريم الخلق، في حين أنه في الواقع يقف موقف العداء تجاه الله وتجاه الكتاب المقدس بصفته الإعلان من الله الواحد الحقيقي والمرشد الحقيقي الوحيد في الحياة. إن المستهزئ يسلم إلى ذهن مرفوض (رومية 28:1).
وعلى عكس ذلك، فإن الإنسان المطوّب هو إنسان ينعم بالبركات الغزيرة. فالكلمة العبرية "طوبى" تحمل معنى السعادة وهي الحالة التي تتحقق للذين يتجنبون طرق الخطية. لذلك فالبركات ليست مكافأة على الأعمال الحسنة بقدر ما هي نتيجة للحياة التي تتصف بالسير مع الله والطاعة لكلمته. وعلى العكس، فإن الشقاء هو النتيجة المحتومة لطريق الأشرار والخطاة والمستهزئين. إذ أن طريق الغادرين هي طريق وعرة (أمثال 15:13).
إحدى صفات الإنسان المطوّب هي أنه يجد مسرّته في ناموس الرب (مزمور 2:1). فإن رغبته هو أن تكون حياته متوافقة مع إرادة الله المعلنة في كلمته، وأن تتشكل طباعه بحسب إرادة الله المعلنة. إنه يعرف أن الله قد أعطانا كلمته لتكون المصدر الوحيد للإرشاد اليومي وأيضا للقوة.
لم يأت المسيح ليعفينا من بر الناموس ولكن لكي ينقذنا من عقوبة الناموس، ثم بعد ذلك يحررنا من سلطة الخطية، لكي يتم حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح (رومية 4:8).
البعض يطيعون وصايا كلمة الله لأنهم يشعرون أنهم مضطرين لذلك، ولكن الإنسان المطوّب هو الذي يطيع الناموس لأنه يسر بإرضاء الرب. إنه يستمتع بعمل الصواب لأن الله كتب ناموسه على قلبه، إذ أن كل غرائز الحياة الروحية تتجه إلى عمل مشيئة الله. إن شهادة المسيحي هي هذه: أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت، وشريعتك في وسط أحشائي (مزمور 8:40).
إعلان عن المسيح: بصفته ابن الله (مزمور 7:2). "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 16:3؛ أيضا أعمال 33:13؛ عبرانيين 5:1).
أفكار من جهة الصلاة: صل بطريقة تجعل الآخرين يتشجعوا هم أيضا على تمجيد الله (يهوذا 24- 25).
يا له من أمر مثير هذا الذي نقرأه اليوم عن ربنا العجيب: لأنك لن تترك نفسي في الهاوية، لن تدع تقيك يرى فساد. تعرفني سبل الحياة، أمامك شبع سرور، في يمينك نعم إلى الأبد (مزمور 10:16-11).
في يوم الخمسين، اقتبس بطرس من هذا المزمور الذي ينبئ عن موت المسيح وقيامته (أعمال 25:2-28،31).
إن العهد القديم يقول عن أرواح [أو الذات الحقيقية] الذين يموتون تسكن في مكان اسمه الهاوية. وطبقا لأقوال يسوع فإن الهاوية تنقسم إلى جزئين تفصل بينها هوة عظيمة مثبتة. الجزء الأول يسمى الفردوس، وهو المكان الذي قال الرب للص التائب أنه سيلتقي به هناك في نفس ذلك اليوم (لوقا 43:23). وهو أيضا المكان الذي ذهب إليه لعازر ليكون مع أبيه إبراهيم وسائر المفديين الذين ينتظرون الفداء العظيم الذي سيحدث عند صلب وقيامة المسيح.
وقال يسوع أنه يوجد مكان آخر حيث تسجن أرواح [أو الذات الحقيقية] لغير المؤمنين. هذا هو المكان الذي نقرأ عنه في وصف الرجل الغني الذي كان يتعذّب في اللهيب ويصرخ طالبا قطرة ماء (لوقا 19:16-31).
ولكي يغلب المسيح الموت، كان لا بد لجسده أن يعلق مائتا على الصليب، ولكن أيضا أن تذهب روحه [أي ذاته الحقيقية] إلى مكان الأموات. وهو لم يذهب هناك مثل الباقين الذين يذهبون إلى هناك بصفتهم فريسة للموت، وإنما كالمنتصر على الموت وكالشاهد على عمل الفداء الذي أطلق سراح الأمناء. وقد ذهب أيضا إلى مكان غير المؤمنين بصفته الشخص الذي رفضوه (1 بطرس 19:3-20). كان الوقت قد قرب الذي فيه سيتبعه المؤمنون، أمثال إبراهيم، عندما يصعد إلى السماء ويأخذ مكانه عن يمين الآب كما قيل في النبوة (مزمور 8:16-10).
في صباح يوم القيامة، أي بداية اليوم الثالث،تدحرج الحجر، وقام المسيح في ملء ومجد الحياة الأبدية - البكر من الأموات (كولوسي 18:1). كان آخرون قد قاموا من الأموات ولكنهم ماتوا مرة أخرى. أما يسوع فهو أول من قام من الأموات ولن يموت مرة أخرى. هذه الحقيقة المجيدة عن قيامة المسيح هي الحق الرئيسي الذي تؤسس عليه المسيحية. لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح [أي بسبب اتحادهم بطبيعته] سيُحيا الجميع (1 كورنثوس 22:15).
نعم شكرا للرب: فإن أمامك شبع سرور [أي ملء الفرح] في يمينك نعم إلى الأبد (مزمور 11:16).
هذا الحدث المجيد يصوره أيضا يوحنا قائلا: وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر، كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين (رؤيا 13:5).
إعلان عن المسيح: في النبوة "لأنك لن تترك نفسي في الهاوية لن تدع تقيك يرى فسادا" (مزمور 10:16). هذا ينبئ عن قيامة ربنا يسوع المسيح (أعمال 25:2-27؛ 35:13-39).
أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب من أجل محبته المنقذة (رؤيا 9:5).
لقد خُلقت العالمين بواسطة كلمة الله، ولذلك فإن السموات تحدِّث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه (مزمور 1:19). إن تأثيرات كلمة الله عجيبة، ولكن أعجب ما فيها هو قدرتها على تغيير أولئك الذين يقبلونها: ناموس الرب كامل يرد النفس، شهادات الرب صادقة تصير الجاهل حكيما (مزمور 7:19). فلا يوجد مثل ناموس الرب في القدرة على إعطاء البصيرة للإنسان في جميع أموره.
الأعداد الستة الأولى من مزمور 19 تتكلم عن عمل الله في الخليقة، وباقي المزمور يتكلم عن تأثير كلمته على حياة الذين يحبونه. فكلمة الله وحدها يمكن أن يُقال عنها أنها كاملة، وصادقة، ومستقيمة، وطاهرة، ونقية، وحق، وتثبت إلى الأبد.
في هذا المزمور القصير، تُستخدم ستة أسماء للتعبير عن كلمة الله:
1-إنها ناموس الرب ، ولذلك فهي كاملة (مزمور 7:19) - إنها تعلو على كل كلمات البشر مثلما تعلو السماء عن الأرض. لا يجرؤ أي كاتب معاصر أن يقول أن كتاباته كاملة ترد النفس وتصيّر الجاهل حكيما. فلماذا إذا نرضى بأقل من النصيب الأفضل الذي يريده الله لنا؟
2-إنها شهادات الرب ، ولذلك فهي صادقة (مزمور 7:19) - فيها يتكلم الله ... ليصيّر الجاهل حكيما (مزمور 7:19). هذا ما أكده الرسول بولس لتيموثاوس قائلا: تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص (2 تيموثاوس 15:3).
3-إنها وصايا الرب ، ولذلك فهي مستقيمة (مزمور 8:19) - بمعنى أنها تقدم الإرشاد والقيادة الواضحة لحياة الإنسان. فلا يوجد مثل البحث في كلمة الله التي تكشف لنا ماذا ينبغي أن نفعله.
4-إنها أمر الرب (مزمور 8:19) - فهي ليست مجرد رأي أو اقتراح وإنما هي أوامر. وعندما يطيعها الإنسان من القلب فإنها لا تعتبر التزامات مفروضة بحكم القانون بالنسبة للذين يرغبون في إرضاء الله، وإنما هي تعطي الحرية من الخطية ومن الذات ومن الشيطان- حرية التمتع ببركات الله.
5-إنها تعبر عن خوف الرب ، الذي هو نقي (مزمور 9:19) - أي أنه ليس خوفا من الوجود في محضره، وإنما خوف الإعجاب من أجل قداسته وخوف من إهانة جلاله.
6-يعبر كاتب المزمور بدقة عما يجب أن تكون عليه مشاعرنا من جهة كلمة الله المقدسة. أشهى من الذهب والإبريز الكثير، وأحلى من العسل وقطر الشهاد (مزمور 10:19) - هذا يعني أنه لا توجد ثروة في العالم ولا متعة جسدية تقارَن ببهجة التأمل في كلمة الله. فلا توجد وسيلة أخرى ولا شخص آخر يمكنه أن يمنح المزايا العظيمة التي تمنح للذين يحبون الكلمة ويجعلونها الاهتمام الأول في حياتهم.
إن كلمة الله هي المصدر الحقيقي الوحيد للتمييز بين الصواب والخطأ. السهوات من يشعر بها؟ من الخطايا المستترة أبرئني. أيضا من المتكبرين [أي الخطايا الكبيرة أو خطايا الوقاحة] احفظ عبدك فلا يتسلطوا عليّ (مزمور 12:19-13).
إن جميع الذين يحبون الرب يصلوا قائلين: لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك يا رب صخرتي ووليّي (مزمور 14:19).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص المتروك من الله (مزمور 1:22). "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" (متى 46:27؛ مرقس 34:15).
أفكار من جهة الصلاة: ارفع صلاتك إلى الرب مثل بخور يصعد أمام الله (رؤيا 3:8-4).
داود الملك الراعي رأى نفسه أنه مجرد شاة ويحتاج إلى الراعي العظيم لكي يهديه إلى سبل البر (مزمور 3:23). لا يوجد حيوان مستأنس يحتاج إلى رعاية فائقة مثل الغنم. إذا تُركت بمفردها فإنها تسير في نفس المسارات حتى تتحول هذه المسارات إلى أخاديد. وقد تنهمك الشاة في اتباع نفس المسار للرعي حتى تنفصل عن القطيع وتضل. فمن بين جميع الحيوانات المستأنسة تعتبر الشاة أكثرهم احتياجا إلى الحماية والرعاية.
نحن بالطبيعة مثل الغنم، نسير معصوبي الأعين في نفس المسارات التي رأينا من قبل أنها دمرت حياة الآخرين، أو ننهمك في أشغالنا الشخصية إلى درجة أننا نضل الطريق.
المشكلة التي تواجه معظمنا هي أننا نحاول أن نكون رعاة لأنفسنا. فإنه يوجد شيء مرعب في العناد المدمر لأولئك الذين لا يريدون أن يهديهم الرب إلى سبل البر . فإنهم يصرون على السير في طرقهم الذاتية على الرغم من علمهم بأن هذه الطرق تؤدي إلى التعب لا محالة. إن الطريق الآمن الوحيد بالنسبة لنا هو أن نعترف بأننا قليلي الحيلة مثل الشاة. فعندئذ فقط سيمكننا أن نثق تماما في الراعي الصالح. لقد أعطانا وعده: لأنك أنت معي (مزمور 4:23) - أي التأكيد بقربه ومحبته ورعايته.
وحتى عصاه [التي هي للحماية] وعكازه [للإرشاد] فإنهما يعزياننا وذلك لأننا نعلم أن الذي يحبه الرب يؤدبه (عبرانيين 6:12). شكرا للرب! إنه يعتني بنا إلى حد التأديب. وكما يذكرنا كاتب المزمور: قبل أن أذلل أنا ضللت، أما الآن فحفظت قولك (مزمور 67:119).
آه، كم نحتاج أن نصلي قائلين: "يا رب، اهدني في سبل البر"، بنفس الجدية التي بها صلى داود قائلا: إليك يا رب أرفع نفسي (مزمور 1:25).
إن رفع النفس إلى الرب لا يعني الحضور المؤقت أو العرضي في خدمة العبادة في الكنيسة، وإنما يعني الرغبة اليومية الثابتة لعبادته كل الأيام.
يجب أن تكون الرغبة القصوى لكل مسيحي هي هذه: يا رب .. عرفني الطريق التي أسلك فيها لأني إليك رفعت نفسي (مزمور 8:143). عندما نسلم أذهاننا وأجسادنا إلى ربنا العجيب، فإنه يعطينا الرغبة وأيضا القوة أن نضع عواطفنا تحت سيطرة روحه الساكن فينا.
عندما نرفع نفوسنا إلى الرب، فإن حياتنا ستكون ممجدة له. وهو سيعطينا القدرة لكي نستأسر كل فكر إلى طاعة المسيح (2 كورنثوس 5:10). إن الرب يمنح الإرشاد ويسدد جميع الاحتياجات لأولئك الذين يثبّتون أذهانهم عليه (إشعياء 3:26).
فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية، ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة (رومية 1:12-2).
إعلان عن المسيح: بصفته راعينا (مزمور 23). المسيح هو الراعي الصالح الذي "يبذل نفسه من أجل الخراف" (يوحنا 11:10).
أفكار من جهة الصلاة: إن الله يستجيب صلواتك (مزمور 1:116،8).
يا له من امتياز لنا أن نشترك مع داود ومع الملايين من بعده في القول: عظموا الرب معي (مزمور 3:34). افرحوا بالرب وابتهجوا أيها الصديقون، واهتفوا يا جميع المستقيمي القلوب ... بالمستقيمين يليق التسبيح (مزمور 11:32؛ 1:33). إن التسبيح في خدمات العبادة، في يوم الرب، ووقت تناول الطعام، وأثناء الشركة اليومية هو أمر حق وصالح ومتوقع. ولكن كاتب المزمور زاد على الأوقات المتوقعة للتسبيح وقال: أبارك الرب في كل حين، دائما تسبيحه في فمي ... عظموا الرب معي ولنعلِّ اسمه معا (مزمور 1:34-3).
قد يسأل البعض: "كيف يمكن للإنسان أن يسبّح الرب بدون توقّف؟" ويجيب: "هذا يصبح تلقائيا للذين يتواضعون فيصبحون قابلين للتعلّم". فعلى الرغم من أن الظروف قد لا تدعو إلى التسبيح بسبب وجود مشكلة حالية - خذ على سبيل المثال الأوقات الصعبة جدا التي مر بها داود في قراءة اليوم، إلا أنه استطاع أن يقول: أما أنا فعلى الرب توكلت.. ما أعظم جودك الذي ذخرته لخائفيك.. لتتشدد ولتتشجع قلوبكم يا جميع المنتظرين الرب! (مزمور 6:31،19،24). نعم! إنه يستحق الحمد جدا في كل الأوقات (مزمور 1:48).
ينتج التسبيح من إعطاء الروح القدس مكانه الصحيح في السيادة على قلوبنا وحياتنا. عندما نعطيه هذا المكان، فإن حياة المسيح فينا تفيض تلقائيا بالامتنان لهذا الإله المجيد.
ويمكننا أن نسمع دقات قلب المرنم تدعو جميع الذين يحبون الرب قائلة: فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم (مزمور 15:107)؛ أغني وأرنم (مزمور 1:108)؛ أحمد الرب بكل قلبي (مزمور 1:111). باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس (مزمور 1:103). ولساني يلهج بعدلك، اليوم كله يحمدك (مزمور 28:35).
إذا كنت أنت أيضا تريد أن تكون رجلا حسب قلب الرب (1 صموئيل 14:13)، فارفع قلبك بالتسبيح وارفع صوتك بالتهليل للرب. قل بصوت عال مع المرنم: لأن رحمتك أفضل من الحياة، شفتاي تسبحانك. هكذا أباركك في حياتي، باسمك أرفع يدي (مزمور 3:63-4؛ قارن مع 1 تيموثاوس 8:2؛ مزمور 2:134؛ مراثي إرميا 41:3).
فلنقدم به في كل حين لله ذبيحة التسبيح أي ثمر شفاه معترفة باسمه (عبرانيين 15:13).
إعلان عن المسيح: في النبوة "يحفظ جميع عظامه، واحد منها لا ينكسر" (مزمور 20:34؛ قارن مع يوحنا 36:19).
أفكار من جهة الصلاة: اعترف بخطيتك لكي يستمع الرب لصلواتك (مزمور 18:66).
كان داود قد اختبر الوفاة المفاجئة غير المتوقعة لأعز أصدقائه [يوناثان]، وولديه أمنون ثم أبشالوم، وأحد قواد جيشه [أبنير]، ولا زالت القائمة مستمرة. وكأن داود كان يعيش في موكب جنائزي مستمر. ولكننا جميعا نعيش في "موكب" مشابه.
فصلى داود قائلا: عرفني يا رب نهايتي ومقدار أيامي كم هي. فأعلم كيف أنا زائل. هوذا جعلت أيامي أشبارا، وعمري كلا شيء قدامك.. نفخة!.. كخيال (مزمور 4:39-6).
يا له من أمر مفرح أن يكون لنا هذا اليقين: رجائي فيك هو ... استمع صلاتي يا رب، واصغَ إلى صراخي!.. لأني أنا غريب عندك، نزيل مثل آبائي (مزمور 7:39،12).
إننا نحتاج نحن أيضا في كل يوم أن نصلي: عرفني يا رب نهايتي ... فأعلم كيف أنا زائل ... لأني أنا غريب عندك [أي إقامتي مؤقتة]. ومع ذلك فعلى الرغم من صدق هذه الحقيقة، فالشيء الغريب هو أننا نخطط لحياتنا وكأنها لن تنتهي أبدا. والشيء المؤسف حقا، هو أن معظم استعداداتنا تتجه نحو مباهج مادية مستقبلية.
إن صلاة كاتب المزمور يجب أن تكون مذكرة لنا بأن المقصود من حياتنا هو أن تكون فترة لتحقيق إرادة الله فيها. ومع ذلك، فالقليلون يستفيدون من فرصهم الحاضرة - منتظرين دائما شيئا أفضل يأتي في طريقهم.
لا يوجد شيء مؤكد مثل الموت! فالجرائد تسرد يوميا قوائم طويلة من الوفيات من جميع الأعمار. ومع ذلك فإن معظمنا لا يضعون في اعتبارهم أن الحياة قد تكون أقصر من أن تكفي لعمل ما ينبغي علينا أن نفعله قبل أن نقابل الرب. إن كل جنازة تذكرنا بأننا نحن أيضا سوف نلقى الرب لنعطي حسابا عن الكيفية التي بها استخدمنا إمكانياتنا - هل استخدمناها لإرضاء أنفسنا أم لتمجيد الرب.
إن الموت سيفصلنا قريبا عن كل ما نعتز به على الأرض. وفي معظم الأحيان يأتي الموت في لحظة غير متوقعة. فالرب قد يدعونا إليه في أي لحظة. فدعونا إذن نصلي لأجل البصيرة الروحية، ولأجل التحرر من الأهداف الأنانية والحسية التي تقلل من فرص توصيل كلمة الله إلى العالم الهالك.
فهل ما نفعله الآن هو ما نحمله معنا بسرور إلى المستقبل - أي امتداد إرسالية المسيح العظيمة، أم أنها مكاسب مادية لن تصمد أمام الامتحان (1 كورنثوس 13:3)؟
إن الفرصة لا تزال أمامنا لتصحيح طموحاتنا المضللة، وللحاق بالفرص التي أهملناها - مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة (أفسس 16:5). إن هذا بلا شك أمر حيوي للغاية، لأنه لا بد أننا جميعا نظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا كان أم شرا (2 كورنثوس 10:5).
إعلان عن المسيح: بصفته ينبوع الحياة والنور الحقيقي (مزمور 8:36-9). إن يسوع ليس فقط ينبوع الحياة، بل هو أيضا نبع نهر الماء الحي (قارن يوحنا 10:4،14؛ رؤيا 1:22).
أفكار من جهة الصلاة: صل بإيمان أن يبارك الله أسرتك (تكوين 18:17-20).
تنبأ كاتب المزمور بأن ربنا العجيب سيركب بالجلال ... من أجل الحق والدعة والبر [أي للدفاع عن قضية الحق والتواضع والبر] ... كرسيك يا الله إلى دهر الدهور؛ قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الإثم؛ من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك (مزمور 4:45،6-7). هنا نجد مثالا واضحا لما قاله يسوع لتلاميذه بأن كل ما كتب عنه في ناموس موسى وفي الأنبياء والمزامير يجب أن يتم (لوقا 44:24). إن الحكام الطغاة معروفون بقسوتهم ووحشيتهم؛ ولكن ملك الملوك الأبدي يتصف بالحق والدعة [التواضع]، والبر [أي الموقف السليم أمام الله] (مزمور 4:45).
لقد اقتبس الرسول بولس هذه الأعداد من مزمور 45 عن المسيح: وأما عن الابن: كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك، أحببت البر وأبغضت الإثم. من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك (عبرانيين 8:1-9).
إننا نسر بالوجود مع أصدقاء يشعون بالفرح والابتهاج. وهذه هي أيضا صفة ربنا الرائع. فإن أمامه شبع سرور [أي في محضره كمال الفرح] (مزمور 11:16) - حتى عندما يبدو كل شيء حولنا قاتما ومحفوفا بالمخاطر. ففي وسط ظلمة الأمور المحيرة يمكننا دائما أن نثق في حضوره. لقد اختبر التلاميذ ذلك بعد صلب المسيح، عندما دخل فجأة إلى العلية حيث كانوا متجمعين معا وراء الأبواب المغلقة خوفا من السلطات. جاء يسوع ووقف في الوسط، وقال لهم: سلام لكم ... ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب (يوحنا 19:20-20). أليس هذا عجيبا؟ فمنذ لحظات كانت أذهانهم ممتلئة بالخوف؛ ولكن بمجرد أن رأوا يسوع، فرح التلاميذ . لم تكن الظروف قد تغيرت، ولكن أمامه شبع سرور (مزمور 11:16).
ولئلا ننشغل بأهداف زمنية، بذل كاتب المزمور مجهودا خاصا للفت أنظارنا، قال: اسمعي يا بنت وانظري وأميلي أذنك، وانسي شعبك وبيت أبيك، فيشتهي الملك حسنك، لأنه هو سيدك فاسجدي له (مزمور 10:45-11). إنه يريد اهتمامنا الموحد غير المنقسم - أكثر من اهتمامنا بشعبنا وببيت أبينا.
هذا يعني أن ولاءنا ومحبتنا للرب يجب أن يفوقا كل اهتمام آخر - تماما مثل العروس التي لا تعود ترغب في صحبة أي رجل آخر ولا تظل في بيت أبيها وأمها، وإنما تبتهج بالوجود مع زوجها. وكما قال يسوع: من أحب أبا أو أما أكثر مني فلا يستحقني ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني (متى 37:10؛ أيضا لوقا 26:14).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي سيفعل مشيئة الله (مزمور 6:40-8؛ قارن مع يوحنا 34:4؛ عبرانيين 7:10،9). بصفته الله، وبصفته الشخص الذي يحب البر (مزمور 6:45-7؛ قارن مع 5:33؛ إشعياء 6:9-7؛ عبرانيين 8:1-9).
أفكار من جهة الصلاة: تشفع من أجل الآخرين (خروج 31:32-32).
في وسط الانتصارات العظيمة التي حققها داود،انجذب داود بدافع من أنانيته وارتكب الزنى مع بثشبع، زوجة أوريا الجميلة، وكان أوريا أحد الجنود المخلصين لداود. ومن خلال عملية حربية مدبرة من داود مات أوريا في القتال.
وعلى مدى سنة تقريبا، كان الأمر يبدو وكأنه نهاية سعيدة لكل من داود وبثشبع. ولكن بعد ذلك مرض طفلهم، ثم ظهر نبي الله الجريء لكشف الستار عن الخطايا البشعة التي ارتكبها الملك.
من كان يظن أن داود - الرجل الذي بحسب قلب الله والذي كتب قائلا: طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار .. لكن في ناموس الرب مسرته (مزمور 1:1-2) - سيضطر فيما بعد أن يكتب مثل هذه الصرخة العميقة معلنا حزنه وتوبته: ارحمني يا الله حسب رحمتك، حسب كثرة رأفتك امحُ معاصيّ. اغسلني كثيرا من إثمي ومن خطيتي طهرني! (مزمور 1:51-2).
كان داود يشير إلى خطيتَي الزنى والقتل. لو كان أي من الملوك الوثنيين المحيطين قد فعل ما فعله داود، لما كان قد أعطى الموضوع أي اعتبار حيث أن الملوك لهم مطلق السلطان ولا أحد يسألهم عما يفعلونه.
ومما زاد من خطورة الذنب الذي ارتكبه داود هو أنه كان يحكم تحت ناموس الرب، والناموس لا يسمح بتقديم ذبيحة دموية عن الزنى. وإنما يجب على الطرف المذنب أن يموت.
فلقد كان داود يستحق الموت، وكان يعرف ذلك. ولكنه ألقى نفسه على مراحم الله، ليس طالبا العفو لكونه ملكا عظيما، وإنما متوسلا بقلب منكسر ومعترفا بخطيته: امح معاصيّ (مزمور 1:51). وكان قد خطط أيضا لموت أوريا، لذلك صلى أيضا قائلا: نجني من الدماء (مزمور 14:51).
ربما تمنينا لو لم تحدث هذه الوصمة الفظيعة في حياة داود، أو على الأقل أن لا تسجّل؛ ولكن ها هي مسجلة. ها هي مدونة لتعلّم كل خاطئ تائب توبة حقيقية أنه يقدر أن يختبر رحمة الله ومحبته الغافرة. ولكنها تعلمنا أيضا أن الخطية لها نتائج لا مفر منها. فلقد حصد داود أحزانا فائقة خلال الـ 20 سنة التالية في ملكه نتيجة لهذه الخطية، تماما مثلما سبق وأنبأ ناثان النبي.
لا يمكن لأي مؤمن من أولاد لله أن ينظر إلى الخطية ويعتبرها مجرد غلطة. فالخطية المتعمدة هي تمرد على الله وعلى سلطانه؛إنها تعاون مع الشيطان، الذي هو عدوّ لله.
إن أول خطوات التوبة هو إدراك بشاعة الخطية، لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة (2 كورنثوس 10:7). وهذا يقود إلى الاعتراف، مثلما صلى داود: لأني عارف بمعاصي وخطيتي أمامي دائما (مزمور 3:51). بعد ذلك يقول داود: قلبا نقيا اخلق فيّ يا الله وروحا مستقيما جدد في داخلي. لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني (مزمور 10:51-11). إن الطرح من قدام وجه الله معناه الطرح بالكامل خارج نطاق عهده (تكوين 14:4؛ 2 ملوك 23:13). وقد كانت هذه الخطوات ضرورية من أجل تحقيق الجزء التالي من صلاة داود: رد لي بهجة خلاصك (مزمور 12:51). وعندما شفيت نفسه، تجددت لديه هذه الرغبة: فأعلّم الأثمة طرقك والخطاة إليك يرجعون (مزمور 13:51).
إعلان عن المسيح: بصفته الفادي الذي افتدانا من الخطية بدمه الثمين (مزمور 8:49-9،15؛ قارن مع 1 بطرس 18:1-19).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يريك طرقه (خروج 13:33).
إن قداسة الله تتطلب منه أن يدين الخطية. ففي الواقع، بدون إدانة الخطية لا تكون هناك قداسة حقيقية. لذلك لا ينبغي أن نندهش من أن بعض المزامير تعبر عن كراهية الله الفائقة للشر وعن العقاب الذي سيقع في يوم الدينونة على الأعداء وفعلة الشر. على سبيل المثال: كل غادر أثيم لا ترحم ... خطية أفواههم هي كلام شفاههم، وليؤخذوا بكبريائهم ومن اللعنة ومن الكذب الذي يحدثون به. أفنِ بحنق، أفنِ ولا يكونوا (مزمور 5:59،12-13).
فكاتب المزمور لا يترك مجالا للشك من جهة مصير جميع الخطاة: لتصر مائدتهم قدامهم فخا ... وشركا ... صب عليهم سخطك وليدركهم حمو غضبك ... ليُمْحَوا من سفر الأحياء ومع الصديقين لا يكتبوا (مزمور 22:69-24،28).
ومرة أخرى نقرأ: مبغضوك قد رفعوا الرأس. على شعبك مكروا.. وتشاوروا على أحميائك... ليخزوا ويرتاعوا إلى الأبد ليخجلوا ويبيدوا، ويعلموا أنك اسمك يهوه وحدك العلي على كل الأرض (مزمور 2:83-3،17-18؛ أيضا 58؛ 83؛ و 137).
إن كلمات كاتب المزمور موحى بها من الله وهي تعبر عن الخطية طبقا لطبيعتها الحقيقية - أنها تمرد على الله. ويضم داود نفسه إلى الله الذي يبغض الخطية فيقول: ألا أبغض مبغضيك يا رب؟ ... بغضا تاما أبغضتهم، صاروا لي أعداء (مزمور 21:139-22). البغض التام لا يعني البغض الشخصي الناتج عن الغيرة أو الحسد أو الطموح، بل على العكس فهو البغض الصادر من شخص مسئول عن إقامة العدل.
إن معظم هذه المزامير كتبها داود - وهو الملك الذي حكم بإحساس مرهف وأن مسئوليته الأولى هي أمام الله.
يوضح كل من العهدين القديم والجديد أن الله يكره الخطية وأنه سيدين الخاطئ غير التائب. الأشرار يرجعون إلى الهاوية، كل الأمم الناسين الله (مزمور 17:9).
إن أصل الخطية هو الشيطان، الذي في تمرده على الله أغوى آدم وحواء بأن يخطئوا. ونتيجة لسقوط آدم، صار الجنس البشري كله بالطبيعة غير قادر على التصالح مع الله الخالق البار ولا على أداء أي عمل روحي حقيقي: فالجميع خطاة بالولادة (رومية 9:3-10،23) وبهم طبيعة داخلية أخدع من كل شيء ونجيسة (إرميا 9:17)؛ وهم أموات بالذنوب والخطايا (أفسس 1:2). ولا يوجد وسيلة للتصالح مع الله القدوس إلا من خلال المسيح، الذي لم يعرف خطية (2 كورنثوس 21:5) ولذلك أمكنه أن يموت بدلا منا لكي ننال نحن الحياة الأبدية. إن التوبة الحقيقية تهيئ قلوبنا لقبول المسيح مخلصا وربا على حياتنا (أعمال 38:2؛ 12:4).
إن موقفنا تجاه الخطية يجب أيضا أن يكون في توافق مع كلمة الله - فيجب أن ننظر إلى الخطية مثلما ينظر إليها الله. ودينونة الله على الخطية المعلنة في المزامير هي معلنة أيضا في العهد الجديد. فإن مخلصنا الرحيم العطوف سيعود في نار لهيب معطيا نقمة للذين لا يعرفون الله والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح: الذين سيعاقبون بهلاك أبدي من وجه الرب ومن مجد قوته (2 تسالونيكي 8:1-9).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يخلص الذين يصرخون إليه (مزمور 16:55-17). "لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص" (رومية 13:10).
أفكار من جهة الصلاة: اشكر الرب من أجل رحمته (عدد 11:12-14).
كان الملك شاول قد أجبر داود على الانسحاب إلى منطقة مهجورة خارج حدود أرض الموعد. وعلى الرغم من أن داود كان منفيا عن أحبائه وزوجته وبيته ووسائل الراحة في القصر، إلا أن الإحساس الأكبر الذي كان يضغط عليه كان هو ابتعاده عن المكان الحقيقي للعبادة - المكان الذي اختاره الله ليعلن فيه عن حضوره. لقد كان يطغي على داود إحساس بالحزن والفراغ: اسمع يا الله صراخي واصغَ إلى صلاتي. من أقصى الأرض أدعوك إذا غشي على قلبي؛ إلى صخرة أرفع مني تهديني [أي اهدني إلى صخرة أعلى مني] (مزمور 1:61-2). فمع أن هذا المكان المهجور كان يبدو أنه أقصى الأرض ، ومع أن قلبه كان مثقلا بالهموم و مغشيّ عليه ، إلا أن داود صلى إلى الله لكي يقوده إلى الصخرة التي هي أعلى منه.
33 مرة في الكتاب المقدس يقال عن الله أنه الصخرة. فهو صخرة حصنك ... وهو صخرتي ومعقلي [أي حصني] ... وهو صخرة خلاصه (إشعياء 10:17؛ مزمور 3:31؛ تثنية 15:32). لذلك كان داود واثقا تماما من أمنه وأمانه، لأن سلامه وحمايته كانا مؤسسين على الرب. فمع أنه كان في وضع ضعف وعدم أمان، إلا أن ثقته كانت في الصخرة الأعلى منه. في وقت الاحتياج الشديد هذا، أمكنه أيضا أن يعتبر أن الله ملجأ له، برج قوة من وجه العدو (مزمور 3:61). وكلمة برج قوة تدل على أعظم مكان آمن من العدو. فإن اسم الرب برج حصين، يركض إليه الصدّيق ويتمنّع (أمثال 10:18).
في هذا المزمور، يتذكر داود أن الرب حصن أمان، ولكنه يتذكر أيضا أنه هو وحده يستحق العبادة. لأنك أنت يا الله استمعت نذوري، أعطيت [أي أعطيتني] ميراث خائفي اسمك (مزمور 5:61).
والشيء المثير في هذا المزمور وفي العديد من المزامير هو أنه أيضا مزمور نبوي يتكلم عن الملك الأبدي: إلى أيام الملك تضيف أياما، سنينه كدور فدور [أي تكون سنينه إلى آخر الزمان]. يجلس قدام الله إلى الدهر [أي يجلس على العرش إلى الأبد] (مزمور 6:61-7). وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا في المسيا الآتي، الذي هو يسوع ابن داود،فهو وحده الأبدي الذي لا يتغير (رومية 3:1-4).
وعلى الرغم من أن الظروف الصعبة لم يتغير شيء فيها، إلا أن داود كان واثقا أن الله قد استمع نذوره (مزمور 5:61). وعلى الرغم من أن قلبه كان مغشيّ عليه (مزمور 2:61)، إلا أنه كان متأكدا أن الله سيرفعه وينقذه.
جميعنا لدينا أحمال تثقل كاهلنا؛ وأحيانا تمر بنا أوقات فيها نظن أن أحمالنا هي أثقل الكل، بل وأنها تفوق طاقة احتمالنا. ولكن في أحيان كثيرة يكشف الله عن إرادته الكاملة لأولاده في الأوقات التي يكون فيها لديهم إحساس عميق بالعجز الكامل. ليس هناك وعدا بأن الله سيرفع عنا أثقالنا، كما حدث مع بولس بالنسبة لشوكته التي في الجسد ؛ ولكنه وعدنا قائلا: تكفيك نعمتي (2 كورنثوس 7:12-9).
نحن أيضا يجب أن نميز يد الله في حياتنا وهي تعمل فينا ومن خلالنا، الذي دعانا إلى مجده الأبدي في المسيح يسوع بعدما تألمتم يسيرا هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم (1 بطرس 10:5).
إعلان عن المسيح: بصفته الصخرة - المخلص الأبدي الذي لا يتزعزع ولا يتغير (مزمور 2:61؛ 2:62،6-7). يسوع هو صخرة خلاصنا (1 كورنثوس 4:10).
أفكار من جهة الصلاة: افرح وكن شاكرا لأن كلمة الله هي غذاء نفسك (تثنية 3:8).
لقد أعلن الرب خطته للفداء لكي تكون معروفة في كل أنحاء العالم. ولا يوجد تعبير عن هذا الإعلان أكثر وضوحا مما في قراءة اليوم: لكي يعرف في الأرض طريقك وفي كل الأمم خلاصك ... تفرح وتبتهج الأمم لأنك تدين [أي تحكم] الشعوب بالاستقامة ... يباركنا الله وتخشاه كل أقاصي الأرض (مزمور 2:67،4،7).
أربع مرات في هذا المزمور القصير جدا المكون من سبعة أعداد فقط، نقرأ القول يحمدك الشعوب (مزمور 3:67،5). ربما لن يتحقق ذلك بالشكل الكامل إلا بعد أن يدين [أي يحكم] الشعوب (مزمور 4:67). ولكن توجد حاجة شديدة للتعبير عن فيض الحمد في عبادتنا اليوم. والصديقون يفرحون، يبتهجون أمام الله، ويطفرون فرحا! (مزمور 3:68).
بعد ذلك تطلع كاتب المزمور إلى المستقبل وتكلم عن موت ودفن وقيامة المسيح: صعدت إلى العلاء، سبيت سبيا، قبلت عطايا بين الناس (مزمور 18:68). وقد اقتبس بولس هذا العدد وأضاف قائلا: وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلا والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلمين؛ لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح (أفسس 8:4،11-12). هذه المزامير هي إعلان عن ملك المسيح الآتي. فهو الذي سيدين الشعوب بالاستقامة - في مباينة واضحة مع العنف الذي يسود العالم اليوم.
نحن على أعتاب الدهر الآتي - أو زمن رد كل شيء. ورسالة محبة الله والمخلص الحقيقي الوحيد يُكرز بها بين كل الأمم (متى 18:28-20). فنحن ننتمي إلى الجيل الذي كانت جميع العصور تنتظره - الجيل الذي ستكون دعوته العليا هي استقبال ملك الملوك.
وإلى أن تحين هذه اللحظة، يجب أن نكون أمناء على وصية الرب هذه: اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ... وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به [أي الكتاب المقدس كله] - فهذه هي الطريقة الوحيدة للاستعداد لإتمام مشيئته (2 تيموثاوس 16:3-17). فدعونا نقبل هذا التكليف العظيم لنكون مستحقين للشرف العظيم الذي أعطانا إياه بأن جعلنا عاملين معه، وأمناء على الأخبار السارة، وسفراء عن المسيح. ودعونا نضم صوتنا إلى كاتب المزمور في القول: فمي يحدث بعدلك، اليوم كله بخلاصك، لأني لا أعرف لها أعدادا (مزمور 15:71).
يوم أن دخل المسيح منتصرا إلى أورشليم، ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم ... قائلين:مبارك الملك الآتي باسم الرب! (لوقا 37:19-40). ولكن الفريسيين الذين لم يكونوا متحمسين ليسوع وبخوه. ولكن في السماء، كما يسجل لنا يوحنا: سمعت صوتا عظيما من جمع كثير في السماء قائلا: هللويا! الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا! (رؤيا 1:19).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي سبى سبيا (مزمور 18:68). عندما قام المسيح من الموت، أطلق سراح أسرى الشيطان (غلاطية 1:5).
أفكار من جهة الصلاة: ثق أن الرب يعتني بك بمحبته ويرشدك (تثنية 11:32-12).
قدم كاتب المزمور التسبيح للرب من أجل اليقين بأنه لا يوجد عمل ضد شعب الله، مهما كان قويا، يقدر أن يتغلب على نعمة الله الحافظة لهم. ونجد تشجيعا لنا بأن نظل أمناء للرب في وقت الأزمات، وألا نلجأ إلى العالم طلبا للأمان. فحتى إذا أحاطت بنا صعوبات أو مشاكل تفوق قدراتنا الجسدية أو الذهنية، إلا أننا لا ينبغي أن نخاف: لأنه لا من المشرق ولا من المغرب ولا من برية الجبال، ولكن الله هو القاضي، هذا يضعه وهذا يرفعه (مزمور 6:75-7). فإن حياتنا ملكه، وهو يعطي لكل واحد منا ما يعرف أنه الأفضل له. هذا حق ثمين جدا، لأننا ليس لنا اختيار من جهة الظروف العامة في حياتنا- زمان ومكان ولادتنا.. من أي والدين.. وفي أي بلد.. وبأي إمكانيات.. ولكن الله القدير لا يقبل الوجوه [أي لا يحابي للأشخاص] (أعمال 34:10) وقد خطط بعناية لحياة كل واحد منا بحيث تكون دعوة خاصة جدا. لذلك يمكننا أن نتأكد أنه مهما كانت إمكانياتنا، فهي من أجل خيرنا ومن أجل مجده.
ولكن الذين لا يعرفون الكتاب المقدس قد ينخدعوا بالتفكير بأنه طالما أن الله أعطاهم عقلا، فإن كل شيء سيكون متوقفا على مجهوداتهم وقراراتهم السليمة، بما في ذلك أن يطلبوا العون من العالم - أي أهله، وإمكانياته، وموارده. فتكون نهاية هؤلاء مشابهة لنهاية الذين كانوا يحبون الرب ولكنهم في نفس الوقت كانوا يعبدون آلهة أخرى (1 ملوك 3:3؛ 4:11-7).
إن الثقة بالرب معناها أن نؤدي مسئولياتنا الحاضرة بأمانة وفي نفس الوقت نصلي بحرارة من أجل قيادة الرب لكي يتمم مشيئته فينا ومن خلالنا. إن هذا يهمه أكثر كثيرا مما يهمنا نحن. وهو لا بد أن يجيب صلواتنا ويتمم إرادته فينا عندما نظل أمناء له (لاحظ أمثال 5:3-7). هذا المزمور يقدم لنا الله على أنه إله يعقوب (مزمور 9:75). لذلك فمن المفيد لنا أن ندرس ماذا كان الله بالنسبة ليعقوب.
كان عيسو قد هدد بقتل يعقوب. ولكن في أول ليلة ليعقوب خارج البيت، أنعم الله عليه برؤيا مجيدة عن وجوده وعن حمايته له إذ رأى ملائكة الله صاعدة ونازلة من السماء (تكوين 12:28). وعندما تلقى عيسو خبرا بأن يعقوب عائد إلى البيت، ذهب للقائه ومعه 400 من عبيده. وكان من الواضح أن الأمر غير متكافئ بالمرة - 400 رجلا مسلحا أمام يعقوب وزوجتيه وأولاده! وقاد ذلك يعقوب إلى صلاة مكثفة على مدى ليلة بأكملها، وفيها تلقى إعلانا جديدا عن خطة الله لحياته (تكوين 24:32-30).
إن الله لا يتخلى أبدا عن عبيده الأمناء، ولكنه ينتظر فقط حتى تأتي اللحظة التي نكون فيها مستعدين لتلقي حكمته. تتخلل هذا المزمور بأكمله روح ثقة في إلهنا الذي يؤكد لنا قائلا: لأني أعين ميعادا، أنا بالمستقيمات أقضي [أي أنه عندما يأتي الوقت المحدد لتنفيذ أحكامي، فأني سأحكم بالاستقامة] (مزمور 2:75) - ليس بحسب توقعاتنا المتعجلة، ولكن في الوقت المحدد من عنده. وهو لا يتأخر أبدا. فحتى إذا بدا لنا أن الصلوات التي صليناها من أجل مجده لم تستجب، فيجب أن نتأكد بأن الرب سيصنع الأفضل دائما لجميع الذين يضعون ثقتهم فيه.
ومع كاتب المزمور يمكننا أن نقول بثقة: أنت الإله الصانع العجائب، عرفت بين الشعوب قوتك (مزمور 14:77).
إعلان عن المسيح: بصفته القاضي العادل: "يسحق الظالم" (مزمور 4:72). مزمور 8:75 يصف دينونة الله على الذين يرفضون خلاصه المقدم مجانا بيسوع المسيح، حمل الله (يوحنا 29:1،34-36). هؤلاء لا بد أن يواجهوا "غضب الخروف" (رؤيا 15:6-17؛ قارن مع 2 تسالونيكي 8:1-9).
أفكار من جهة الصلاة: صل وثق أن الرب يسدد احتياجاتك (قضاة 18:15-19).
يذكرنا كاتب المزمور بالرعب الذي كان سائدا عقب تدمير الهيكل، وأسوار أورشليم، وشعب الله، يقول: نجسوا هيكل قدسك؛ جعلوا أورشليم أكواما. دفعوا جثث عبيدك طعاما لطيور السماء، لحم أتقيائك لوحوش الأرض (مزمور 1:79-2).
والسبب الحقيقي لهذه المعاناة الرهيبة المحزنة، هو أمر شائع جدا اليوم. خادعوه بأفواههم وكذبوا عليه بألسنتهم، أما قلوبهم فلم تثبت معه ولم يكونوا أمناء في عهده (مزمور 36:78-37). فالخطية ليست هي مجرد الفعل، وإنما هي أيضا حالة القلب.
هذا المزمور يلقي اللوم بشدة على عصيان بني إسرائيل الذي نتج عن تقصيرهم في تعليم كلمة الرب. إن إهمال الكتاب المقدس يؤدي إلى الاكتفاء الذاتي وبالتالي التذمر على الله، والنتيجة الحتمية هي الألم.
إن تاريخ إسرائيل يصور أهمية معرفة كلمة الله، التي تعلن مشيئته، وأيضا أهمية أن نعبده بالروح والحق (يوحنا 24:4). فلا توجد وسيلة أخرى بها نصبح مؤهلين حقا للتمتع بإمداداته أو حمايته. لقد اختار الله إسرائيل ليكون شاهدا أمام العالم كيف أن الله يبارك جميع الذين يكرمونه ويكرمون كلمته. ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا. والبقية القليلة كانت تصرخ قائلة: أعنا يا إله خلاصنا من أجل مجد اسمك! ونجنا واغفر خطايانا من أجل اسمك (مزمور 9:79). اغفر خطايانا هنا تعني حرفيا كفر عن خطايانا (خروج 15:30). وكلمة يكفر معناها يغطي طوبى لمن غفر إثمه وكفر عن خطيته [أي تغطت خطيته] (مزمور 1:32؛ 2:85).
وقد كان العهد القديم يعلم مشددا بأن: الدم يكفر عن النفس (لاويين 11:17). ولكن الذبائح الحيوانية اليومية في العهد القديم كانت تكفر "مؤقتا" عن الخطية حتى مجيء يسوع، حمل الله الكامل، الذي قدم نفسه ذبيحة من أجل خطايا العالم. وقد أشار يوحنا المعمدان إلى يسوع قائلا: هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يوحنا 29:1). لذلك فإن جميع الذبائح عن الخطية في العهد القديم لم تعد تكفر، وإنما اكتفت مرة واحدة وإلى الأبد بموت المسيح الذي كفر تماما عن الخطية. إن ذبيحة المسيح على الصليب تتيح لكل من اليهودي والأممي الذين يلجأون إليه بحق أن ينالوا غفران خطاياهم وأن يستردوا علاقتهم مع الله.
لقد استخدم الله نبوخذنصر، ملك بابل، لتدمير هيكل سليمان؛ وبعدها بعدة سنوات، استخدم الله تيطس القائد الروماني ليدمر هيكل هيرودس عن آخره. لقد كانت محتوياته - المذبح، والمرحضة [حوض الاغتسال]، والمنارة [الشمعدان]، وخبز الوجوه [الخبز الذي يوضع على المنضدة داخل الهيكل]، ومذبح الذهب [الذي يقدم عليه البخور]، وتابوت العهد [الذي يحتوي على لوحي الشريعة والمن وعصا هارون] - وجميع الذبائح وأيام الأعياد، هذه كلها كانت ترمز ليسوع المسيح، الذي تمم على أكمل وجه معناها النبوي. لذلك فإن الرب دمر النظام القديم إلى الأبد ليبين لنا بوضوح أنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا (عبرانيين 4:10).
فليعلم يقينا جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا - الذي صلبتموه أنتم -ربا ومسيحا (أعمال 36:2).
إعلان عن المسيح: بصفته الراعي الحقيقي (مزمور 1:80). يسوع المسيح هو الراعي الصالح، وهو باب الحظيرة، فإنه هو وحده الطريق إلى السماء. "أنا باب الخراف ... أنا هو الراعي الصالح ... أنا هو الطريق والحق والحياة: ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يوحنا 7:10،11؛ 6:14).
أفكار من جهة الصلاة: اسكب نفسك في الصلاة وادع الرب (1 صموئيل 15:1).
إن المفتاح لاطمئنان كاتب المزمور هو يقينه بحضور الرب، وقد كتب قائلا: طوبى لأناس عزهم [أي قوتهم] بك، طرق بيتك [أي الطرق المؤدية إلى صهيون] في قلوبهم (مزمور 5:84). ومع أن كاتب المزمور يذكر أنهم عابرين في وادي البكاء ، إلا أنهم يصيرونه ينبوعا (مزمور 6:84) بسبب ما يتوقعونه من بهجة في أورشليم. فالمصاعب التي كان يواجهها بنو إسرائيل في ذهابهم إلى أورشليم لا تقارن بتوقعهم للوجود في محضر الرب في بيته. لأن يوما واحدا في ديارك خير من ألف؛ اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار (مزمور 10:84).
كان وادي البكاء هو الجزء الأخير من الرحلة من شمال إسرائيل عبر منحنى شديد الانحدار من الأردن إلى أورشليم. وقد كان يؤدي إلى وادي ضيق مظلم حيث كانت المنحدرات الجبلية تنضح بمياه مالحة. هذه المياه المتسربة هي التي أعطته اسم وادي البكاء . ولكن حتى هذا الطريق الصعب كان يبدو منعشا وكأنه ينبوع بسبب تطلعهم للوجود في بيت الرب.
كنا نتوقع أن الرحلة الطويلة المحفوفة بالمخاطر التي يقطعها بنو إسرائيل في طريقهم إلى خيمة الاجتماع ستجعلهم يشعرون بالإرهاق واليأس. ولكن في الواقع فإن تطلعهم الداخلي للحظة الوصول كان يجعل ظروفهم اليومية قليلة الشأن.
عقب عبورهم وادي البكاء كان بنو إسرائيل يتذكرون ثلاثة إعلانات عظيمة عن عظمة الله في القديم: رب الجنود ؛ إله يعقوب ؛ والله مجننا (8:84-9). وجميعها لها دلالة خاصة عقب تجربة وادي البكاء .
كان يشوع قد وقف بمفرده أمام أسوار أريحا العالية والتي جعلت الجواسيس العشر يقولون أن دخول كنعان هو أمر مستحيل. وإذا برجل واقف قبالته وسيفه مسلول بيده ... فقال ... أنا رئيس جند الرب (يشوع 13:5-14). عندئذ علم يشوع أنه لا داعي للخوف لأن الرب هو القائد.
فالرب الذي يعطي الأوامر سيعطي القوة الكافية لإتمام قصده. فكل مؤمن يحتاج إليه كالقائد، ويوجد إحساس بقيادته المعجزية في حياة المسيحي. يعظم انتصارنا بالذي أحبنا (رومية 37:8).
بعد ذلك يتكلم كاتب المزمور عن إله يعقوب . فليس هناك من هو في بؤس يوسف - الذي بيع كعبد إلى مصر، ثم حكم عليه بالسجن من أجل جريمة لم يرتكبها؛ ولكن تشددت سواعد يديه من يدي عزيز يعقوب (تكوين 24:49).
وكان لوط قد استولى على كل مراعي الوديان الجيدة وترك لإبراهيم المناطق الجبلية فقط. ولكن بعد ذلك قال الرب لإبراهيم: لا تخف يا أبرام أنا ترس لك، أجرك كثير جدا (تكوين 1:15).
إن السائحين المسيحيين يجدون أيضا أن رحلتهم عبر الحياة بها العديد من أودية البكاء، ولكنهم عندئذ يكتشفون أيضا رب الجنود ، إله يعقوب ، الذي هو ترس لهم ومجن . فلا بد من أوقات الضيق، فإن حتى الرب يسوع قد اجتاز في هذا الطريق إذ احتمل الصليب مستهينا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله (عبرانيين 2:12).
إعلان عن المسيح: مزمور 8:82 يمكن أن يستخدم كصلاة من أجل التعجيل بمجيء المسيح، ديان كل الأرض [أي القاضي عليها] (يوحنا 22:5).
أفكار من جهة الصلاة: اعترف بخطاياك واطلب من الرب أن يحررك (1 صموئيل 10:12).
تأمل هذا! المسيحي الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت [الذي لا يقدر أحد أن يقف أمامه]. هذا الشخص يقدر أن يقول بكل ثقة واقتناع: الرب ملجأي وحصني إلهي ... وهو لا يخشى من خوف الليل ولا من سهم يطير في النهار [مؤامرات الشرير]، ولا من وبأ... ولا من هلاك [أي الموت المفاجئ]... لأنك قلت أنت يا رب ملجأي، جعلت العلي مسكنك . أضف إلى ذلك أنه يوصى ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك [أي طرق الطاعة والخدمة] . على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك (مزمور 1:91-12).
أول مرة يذكر فيها الكتاب المقدس أن الرب أوصى ملائكته كانت مع هاجر - إذ كانت معوزة ويائسة في صحراء سيناء. لقد كانت متروكة ووحيدة هي وطفلها، وكأن العالم كله لا يعنيه أمرها - حتى إبراهيم أبو طفلها. ولكن ملاك الرب كان هناك ليرشد طريقها (تكوين 7:16-11). أيضا الملائكة هم الذين شجعوا يعقوب في أول ليلة له بعيدا عن البيت، خارج حماية أسوار المدينة، إذ لم يكن له وسادة تحت رأسه إلا قطعة من الحجر. يقول الرب يسوع أن الصغار ممثلون في السماء بملائكة (متى 10:18)؛ وأنه يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب (لوقا 10:15).
وقد اقتبس الشيطان، وهو ملاك ساقط،عددَي 11 و 12 من هذا المزمور الـ 91 في محاولته لإغواء يسوع أثناء صومه مدة 40 يوما: لأنه مكتوب أنه يوصى ملائكته بك... وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك (لوقا 11:4). ولكن كما يفعل الشيطان دائما عند الاقتباس من الكتاب المقدس، فإنه يختار فقط الجزء المحبب للطبيعة البشرية ويترك الجزء الخاص بالمسئولية الشخصية: لكي يحفظوك في كل طرقك [أي طرق الطاعة للرب] (مزمور 11:91). ففي تجربته للرب، أراد الشيطان أن يوحي له بأنه إذا كان الوعد صادقا من جهة أنه لا تصدم بحجر رجله، فبالأولى جدا يجب أن يثق يسوع في النجاة لو أنه طرح نفسه من فوق جناح الهيكل. ولكن الرب أجابه قائلا: لا تجرب الرب إلهك (متى 7:4).
فلا يمكننا أن نطالب الله بوعوده بأن ملائكته ستحفظنا في كل طرقنا إذا كنا قد اخترنا أن نتجاهل مشيئة الله المعلنة في كلمته.
كم من المرات دفع الكبرياء مسيحيين جهلاء للدخول إلى أماكن مشبوهة وإلى التورط مع أعداء للمسيح بحجة أنهم قد يؤثروا تأثيرا حسنا على هؤلاء وبالتالي يقودونهم إلى شيء أفضل. ولكن بلا شك فإن الكبرياء هو الذي يتجاهل كلمة الله القائلة: لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة (أفسس 11:5).
ربما يقترح علينا الشيطان قائلا: "هذه المرة فقط"، أو "اجعل ذهنك متسعا"، أو "ليس في إمكانك التحكم في طبيعتك واستعدادك"، أو "يمكنك أن تتوب فيما بعد وتنال الغفران". وربما يستخدم أيضا الشيطان أمثلة رديئة لأشخاص مرائين لكي يخدعنا بهم قائلا: "انظر إن الأشخاص المتدينين يفعلون ذلك، فلماذا تمتنع أنت؟"
ولكننا لدينا اليقين بأنه يوصى ملائكته بنا لكي يحفظونا في كل طرقنا [أي طرق الطاعة والخدمة] (مزمور 11:91).
إعلان عن المسيح: في مزمور 27:89 نرى المسيح الابن البكر للآب، الذي هو أعلى من ملوك الأرض (إشعياء 6:9-7).
أفكار من جهة الصلاة: اسجد بروح متواضعة وخاشعة عندما تصلي إلى الرب (1 ملوك 54:8).
أحد الأسباب التي تجعل بعض المؤمنين يشعرون بعدم الرضى هو أنهم يتصرفون بأسلوب غير المؤمنين عندما يواجهون إحباطات. ولكن كاتب المزمور يدعو الأمناء قائلا: هلم نرنم للرب نهتف لصخرة خلاصنا! نتقدم أمامه بحمد (مزمور 1:95-2). إن عدم الامتنان هو نتيجة لعدم الثقة بأن الرب إله عظيم ملك كبير على كل الآلهة (مزمور 3:95).
عندما نكون غير سعداء وغير راضين، فإننا لسنا فقط نحرم أنفسنا من فرح الحياة الفائضة الهانئة، ولكننا نسلب الله حقه في التسبيح الذي يليق به.
إن العبادة الحقيقية لا تهدف إلى تمتعنا الشخصي، وإنما هدفها هو الله نفسه، ملكنا وخالقنا ومخلصنا - هلم نسجد ونركع ونجثو أمام الرب خالقنا. لأنه هو إلهنا ونحن شعب مرعاه وغنم يده (مزمور 6:95-7). أحد الأجزاء الرئيسية في العبادة هو الترنيم - نهتف لصخرة خلاصنا! ... بحمد (مزمور 1:95-2). وكلمة ترنيم تحمل في مضمونها فكرة الترنيم بصوت عال؛ أي الهتاف للتعبير عن الفرح والحمد للرب.
ويضيف كاتب المزمور قائلا: هلم نسجد ونركع ونجثو أمام الرب خالقنا. (مزمور 6:95). فإن الحمد يرفع عبادتنا فوق مستوى احتياجاتنا الشخصية. العبادة معناها أن يخر الإنسان على وجهه أمام الله العلي في خضوع وحب.
هذا على النقيض تماما مع "العابد" المهتم بذاته والذي يفترض أن خدمة العبادة هي من أجل شبعه الشخصي. لذلك فإننا كثيرا ما نسمع أناسا يقولون: "إنني لم أستفد كثيرا من خدمة العبادة".
لا توجد استثناءات في دعوة كاتب المزمور لنا لنقدم الحمد لمخلصنا وراعينا. فكل يوم هو يوم مناسب لكي نهتف للرب ونعبده بفرح (مزمور 1:100-2).
إن الترنيم والفرح يمجد راعينا العظيم. وجميع ا لخاضعين للرب يعتبرونه امتيازا أن يعبدوا الرب بفرح وأن يدخلوا إلى حضرته بترنم (مزمور 2:100). يجب أن يكون هذا هو أسلوب المسيحي في الحياة، سواء كان يقوم بمسح البلاط أو يقوم بإلقاء عظة، وذلك لأنه هو صنعنا (مزمور 3:100). إنه يحمي شعبه ويعولهم - لأنهم غنم مرعاه .
إن فرحنا يتناسب مع إيماننا بوعوده التي لا تخيب أبدا. ويعطينا كاتب المزمور مفتاح الحياة الفائضة الآمنة فيقول: ادخلوا أبوابه بحمد، دياره بالتسبيح. احمدوه باركوا اسمه! لأن الرب صالح، إلى الأبد رحمته وإلى دور فدور أمانته (مزمور 4:100-5).
إعلان عن المسيح: بصفته الخالق - "هو صنعنا" (مزمور 3:100؛ قارن مع يوحنا 3:1؛ كولوسي 16:1؛ رؤيا 11:4).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب بخشوع مشيئة الرب (2 أخبار 14:7).
يمكننا أن نفرح مع كاتب المزمور قائلين: باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس! (مزمور 1:103). يقدم لنا هذا المزمور العديد من الأسباب التي تجعلنا نسبح الرب، ولكن الرب نفسه هو السبب الأول لتسبيحه. فيجب أولا أن نسبح الرب من أجل شخصه وبعد ذلك نسبحه من أجل كل حسناته: الذي يغفر جميع ذنوبك، الذي يشفي كل أمراضك، الذي يفدي من الحفرة حياتك، الذي يكللك بالرحمة والرأفة (مزمور 2:103-4). آه! كم ينبغي أن نحب ربنا العجيب الذي يغفر لنا الخطايا التي نرتكبها في حقه وفي حق الآخرين. إن غفرانه يفوق الغفران الذي تخيله بطرس - إلى سبع مرات - بل إنه أكثر من سبعين مرة سبع مرات (متى 21:18-22)، لأن دمه يطهر من كل خطية (1 يوحنا 7:1) ولا يكف أبدا عن التطهير.
وبالنسبة للذين يشعرون أنهم أبعد من أن يرجعوا، وأن خطاياهم أعظم من أن تغفر، فإنه يقدر أن يخلص أيضا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله (عبرانيين 25:7).
نعم، إنه يغفر خطايانا السابقة وينساها وينزعها: لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا ... كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا (مزمور 10:103،12). كم ينبغي أن نحمد الرب من أجل هذا التشبيه الرائع، لأنه لا يوجد مكان على الإطلاق فيه يلتقي المشرق مع المغرب، بل هما إلى الأبد منفصلان. فإذا اتجهنا إلى الشمال، سرعان ما سنجد أنفسنا في أقصى الشمال؛ وإذا اتجهنا إلى الجنوب فسرعان ما سنصل إلى نهايته وعندئذ سنبدأ في الاتجاه شمالا مرة أخرى. ولكننا نقدر أن نلف العالم كله بالاتجاه إلى الشرق، وسنظل دائما متجهين إلى الشرق. فإنه ليس من طبيعة ربنا المحب أن يستعيد الخطايا السابقة - سواء خطايانا نحن أو خطايا الآخرين - بعد أن يكون قد غفرها وأبعدها كبعد المشرق من المغرب. فالغفران يجب أن يعني النسيان، ليس فقط في نظر الله بل أيضا في نظرنا نحن (1 يوحنا 9:1).
عندما يأتي الشيطان بإحدى خطاياك أمام الرب بعد أن تكون قد تبت عنها حقا، ثق في غفران الرب وليس في أكاذيب الشيطان، لأنه هو المشتكي على إخوتنا (رؤيا 10:12) وليس فيه حق (يوحنا 44:8). إن أبانا السماوي العظيم هو جوهر المحبة الغافرة. وهو لا يكتفي فقط بأن يغفر الخطايا ويسدد جميع احتياجات الحياة، ولكنه يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك جدا - فهو يكللك بالرحمة والرأفة ... أما رحمة الرب فإلى الدهر والأبد على خائفيه وعدله على بني البنين، لحافظي عهده وذاكري وصاياه ليعملوها ... العاملين مرضاته (مزمور 4:103-5،17-21).
أمام مثل هذا الغفران الفائق الذي بلا حدود، لا ينبغي أن ننسى كلمات الروح القدس من خلال بولس الرسول: نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها؟ ... ألستم تعلمون أن الذي تقدمون ذواتكم له عبيدا للطاعة، أنتم عبيد للذي تطيعونه، إما للخطية للموت أو للطاعة للبر (رومية 1:6-2،16).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي "يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل أمراضك" (مزمور 3:103). إن غفران الخطايا وقوة الله الشافية هما الصفة المميزة لخدمة ربنا الذي جاء "لينادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، ويرسل المنسحقين في الحرية، وينادي بسنة الرب المقبولة (لوقا 18:4-19).
أفكار من جهة الصلاة: إن كلمة الله والاعتراف والصلاة تأتي بالمؤمن إلى علاقة وثيقة مع الله (نحميا 2:9-5).
على الرغم من أن الله قد أنعم على إسرائيل بخيرات كثيرة إلا أنهم في فترات عديدة من تاريخهم أسرعوا فنسوا أعماله، لم ينتظروا مشورته، بل اشتهوا شهوة في البرية وجربوا الله في القفر. فأعطاهم سؤلهم وأرسل هزالا في أنفسهم (مزمور 13:106-15). ويراجع كاتب المزمور شرورهم البارزة فيقول: حسدوا موسى (ع 16)، صنعوا عجلا في حوريب (ع 19)، نسوا الله مخلصهم (ع 21)، رذلوا [أي احتقروا] الأرض الشهية (ع 24)، لم يؤمنوا بكلمته (ع 24)، تمرمروا [أي تذمروا] في خيامهم (ع 25)، تعلقوا ببعل فغور (ع 28)، أسخطوا الرب على ماء مريبة (ع 32)، لم يستأصلوا الأمم الذين قال لهم الرب عنهم (ع 34)، اختلطوا بالأمم وتعلموا أعمالهم (ع 35)، ذبحوا بنيهم وبناتهم للأوثان (ع 37). وتستمر القائمة حتى أنهم تنجسوا بأعمالهم (ع 39).
وعندما اشتدت معاناتهم، صرخوا إلى الرب.. فخلصهم من شدائدهم (مزمور 19:107). ولا تزال طريقة الخلاص هي نفسها اليوم: أرسل كلمته فشفاهم ونجاهم من تهلكاتهم (ع 20). كان في إمكان كاتب المزمور أن يقول: فأنقذهم (ع 6)، ولكنه اختار بدلا من ذلك أن يقول: أرسل كلمته فشفاهم . هذا يعني ببساطة أن كلمة الله هي الطريقة التي أعدها لتسديد جميع الاحتياجات.
عبر الكتاب المقدس يعلمنا الرب ضرورة الاعتماد على كلمته في جميع المواقف. نعم، الكلمة التي بها صنع السماوات وثبتها في مكانها (عبرانيين 2:1-3) هي نفس الكلمة التي تصنع التجديد الذي نحن في أمسّ الحاجة إليه. إن كلمته هي التي خلقت الحياة، ولكنها أيضا هي التي تعول الحياة.
لقد تذلل بنو إسرائيل وبعدها أدركوا ما الذي ينبغي أن يفعلوه. لم يستأجروا خبراء لحل مشاكلهم، ولكنهم صرخوا إلى الرب (مزمور 6:107). إننا نحتاج إلى انسكاب جديد للروح القدس مع دعوة واضحة للتوبة والتقوى. فلا توجد طريقة للإصلاح الفوري. وإنما هذا يتحقق فقط عندما يرجع شعب الرب إلى سماع ما الذي يريد الرب أن يقوله لغرض تحقيق القصد الذي من أجله خلقنا. فليس هناك حلا آخر لمشاكل الحياة. كلمة الله وحدها تقدر أن تحررنا من قيود عصياننا وروحنا العالمية وتجعل حياتنا ممجدة له في سلوكنا اليومي. ولكننا لا نقدر أن نعيش شيئا لا نعرفه، ولن نقدر أن نعرف إلا إذا قرأنا وأعدنا قراءة كلمته برغبة صادقة في التعلم وفي عمل مشيئته. يجب أن نرفض اعتمادنا على أنفسنا ونعتمد بالكامل على ما يقوله الرب. لأنه أشبع نفسا مشتهية وملأ نفسا جائعة خبزا (مزمور 9:107).
أربع مرات في هذا المزمور يوجه أنظارنا إلى إرادة الله العليا من نحو شعبه: فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم (مزمور 8:107،15،21،31).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي "يهدئ العاصفة" (مزمور 29:107). عندما هدأ يسوع العاصفة، تعجب تلاميذه قائلين: "أي إنسان هذا، فإن الرياح والبحر جميعا تطيعه!" (متى 27:8). في وسط كل ظروفنا العاصفة، فإن الرب يسوع يقدم لنا السلام (يوحنا 27:14).
أفكار من جهة الصلاة: صل في الصباح الباكر (مزمور 3:5).
كانت الأمة الإسرائيلية مثل حجر محتقر رفضه ودمره بناؤو بابل العظيمة. وفي قصد الرب فإن الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية. من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا. هذا هو اليوم الذي صنعه الرب نبتهج ونفرح فيه (مزمور 22:118-24).
كان إسرائيل هو هذا الحجر - المرفوض من الأمم. ولكن المضمون يبين أن هذا الحجر المرفوض يشير إلى ما هو أبعد من مجرد تاريخ إسرائيل. فلقد كان ينبئ عن يسوع المسيح، الذي على الرغم من أن قادة اليهود رفضوه والرومان صلبوه، إلا أنه قام من الأموات وهو الآن حجر الزاوية، المزمع أن يجمع كلا من اليهود والأمم في هيكل روحي واحد مجيد.
في إحدى المرات وقف يسوع في مواجهة ناقديه، فأعلن نفسه لهم كحجر الزاوية، وإذ اقتبس من هذا المزمور قال لهم: ما هو هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية؟ كل من يسقط على ذلك الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه (لوقا 17:20-18؛ مرقس 10:12-11).
عندما سئل بطرس ويوحنا من رؤساء الكهنة والصدوقيين عن شفاء الشحاذ: بأية قوة وبأي اسم صنعتما أنتما هذا؟ قال لهم بطرس: فليكن معلوما عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل أنه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم الذي أقامه الله من الأموات، بذاك وقف هذا أمامكم صحيحا. هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون الذي صار رأس الزاوية (أعمال 1:4،7،10-11).
وقد اقتبس بولس أيضا من هذا المزمور عندما كتب لأهل أفسس قائلا: مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية، الذي فيه كل البناء مركبا معا ينمو هيكلا مقدسا في الرب (أفسس 20:2-21).
وأثناء الاضطهاد العظيم من الحكومة الرومانية، كتب بطرس قائلا: لذلك يتضمن أيضا في الكتاب: هنذا أضع في صهيون حجر زاوية مختارا كريما والذي يؤمن به لن يخزى. فلكم أنتم الذين تؤمنون الكرامة وأما للذين لا يطيعون فالحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية (1 بطرس 6:2-7).
هذا يعني أن المسيح بصفته الحجر الحي (1 بطرس 4:2-5) يجعل الذين يأتون إليه حجارة حية أيضا. فإن المسيحيين يشبهون بالمسيح ربهم، وكأن صفات حجر الأساس قد تخللت المبنى كله. من التصق بالرب فهو روح واحد (1 كورنثوس 17:6). فالفرع الذي يطعم في شجرة الزيتون الحقيقية يشاركها حيويتها. إنه يستطيع بملئه أن يملأ فراغنا. فنحن نشارك الرب يسوع حياته: وليس لي بري الذي من الناموس بل الذي بإيمان المسيح، البر الذي من الله بالإيمان (فيلبي 9:3).
إعلان عن المسيح: لقد اقتبس الرب يسوع من مزمور 22:118 - "الحجر الذي رفضه البناؤون" - لرؤساء الكهنة والفريسيين الذين رفضوه.
أفكار من جهة الصلاة: ادع الرب في وقت الاحتياج (مزمور 2:65-3).
كلمة الله هي محور مزمور 119 ومن المفترض أيضا أن تكون محور حياتنا أيضا. فإن كلمة الله لا تفصلنا فقط عن العالم، ولكنها أيضا الأداة التي يستخدمها الله للإتيان بنا إلى علاقة حية معه. ويفتتح مزمور 119 الذي هو أطول المزامير بالكلمات: طوبى للكاملين طريقا [أي الأمناء في طريق إرادة الله المعلنة] السالكين في شريعة الرب. ثم في العدد التالي نجد بركة أخرى: طوبى لحافظي شهاداته من كل قلوبهم يطلبونه (مزمور 1:119-2).
وعلى الرغم من أن كاتب المزمور يسرد قائمة طويلة من البركات التي يتم الحصول عليها بإطاعة وصاياه، إلا أن رغبته القصوى كانت هي الولاء الحقيقي للرب، وقد اعترف بذلك قائلا: بكل قلبي طلبتك، لا تضلني عن وصاياك (ع 10).
وقد أدرك احتياجه للاعتماد الكلي على الرب، فأضاف قائلا: خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك ... بفرائضك أتلذذ ... علمني ... فهمني ... دربني [أي اجعلني أمشي] في سبيل وصاياك (ع 11،16،33-35).
وكما أن كاتب المزمور عرف بر الله من الكتاب المقدس وقاده ذلك إلى تسبيح الرب، هكذا نحن أيضا ننقاد إلى تسبيح وتمجيد الله عندما تكون كلمته في قلوبنا (ع 7،12-14). لا يمكننا أبدا أن نكف عن التشديد على أهمية معرفة كلمة الله. فإن الله قد أعطانا وسيلة وحيدة بها يمكننا أن نتجنب الخطية ونتعلم التقوى: بحفظه إياه حسب كلامك (ع 9).
يقودنا الروح القدس، متكلما من خلال كاتب المزمور، إلى اكتشاف أننا لسنا متروكين "لتقديرنا للأمور"، بل يجب أن نعتمد دائما على الرب ليكشف لنا عن إرادته من خلال كلمته، إذ يصلي قائلا: اكشف عن عيني فأرى عجائب من شريعتك (ع 18). وبعد أن رفض العالم، يواصل كاتب المزمور صلاته قائلا: دربني في سبيل وصاياك لأني به سررت (ع 35). وأيضا: علمني يا رب طريق فرائضك (ع 33).
عندما قرأ كاتب المزمور في كلمة الله فإنه نال بركة (ع 1)، وتطهيرا وحفظا من الخطية (ع 9،11)، وشبعا (ع 20)، وقوة (ع 28)، ورحمة (ع 58)، وأيضا تحولت آلامه إلى خير له (ع 71). إن قيادة الرب لحياتنا لا تتغير أبدا، فهو يقول: إلى الأبد يا رب كلمتك مثبتة في السموات (ع 89). وهكذا أصبح كاتب المزمور يعرف أكثر من معلميه الأرضيين (ع 99-100) كما أنه تعلم كيف يبتعد عن الشر (ع 101).
في الكتاب المقدس، ومن خلاله فقط، يمكننا أن نكتشف كيف نعيش وكيف نفكر وكيف نميز شتى أنواع الخداع،وأيضا كيف نتمم إرادة الله ونعد أنفسنا للحياة الأبدية.
إن المسيح والكتاب المقدس لا ينفصلان، وكما كتب الرسول يوحنا: في البدء كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله (يوحنا 1:1-2). وبسبب ذلك، فيجب أن تكون رغبتنا القصوى في الحياة هي أن نعرف المزيد من كلمته: لأنك قد عظمت كلمتك على كل اسمك! (مزمور 2:138).
إعلان عن المسيح: من خلال كاتب المزمور الذي كان يتلذذ بوصايا الله (مزمور 47:119). قال الرب يسوع: "نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني" (يوحنا 38:6).
أفكار من جهة الصلاة: اصرخ إلى الرب يوميا طالبا الرحمة (مزمور 3:86).
يركز مزمور 121 على حق واحد، وهو: الرب حافظك (مزمور 5:121). لا يدع رجلك تزل، لا ينعس حافظك... الرب يحفظ خروجك ودخولك من الآن وإلى الدهر (مزمور 3:121،8). والكلمة الأساسية هي يحفظ - أي يحرس، ويراقب، ويحمي. كان بنو إسرائيل يرنمون هذا المزمور وكلهم يقين من جهة حماية الرب لهم وحفظه إياهم في الرحلات الطويلة الصعبة المحفوفة بالمخاطر.
فطوال اليوم، كان الشعب يرنمون المزامير أثناء سفرهم من كل أنحاء أرض الموعد إلى أورشليم لأجل المشاركة في الأعياد والذبائح والعبادة. فلقد كان ناموس موسى يتطلب من جميع ذكور اليهود القادرين جسمانيا والمطهرين طقسيا، أن يحضروا ثلاثة أعياد كل سنة (خروج 14:23-19؛ تثنية 16:16). وكان بعض الإسرائيليين يستغرق سفرهم بين أسبوع إلى ثلاثة أسابيع ذهابا وإيابا، ولكن هذه الأحداث كانت تمثل لهم دائما أوقات فرح عظيم. فمنذ مغادرة بيوتهم إلى وقت رجوعهم كانوا يرنمون بثقة عن حماية الرب لهم كالحارس الأمين الذي يحمي بيوتهم وممتلكاتهم. فهو خلال غيابهم، لا ينعس أبدا (مزمور 4:121) - لا بالليل ولا بالنهار. وجميع الذين وضعوا ثقتهم في المسيح لديهم اليقين الكامل بأن لا أحد يقدر أن يفصلهم عن محبة المسيح . فسواء واجهنا ضيقات أو مشقات أو اضطهادات أو جوع أو فقر أو خطر أو موت، يمكننا أن نعتمد على الشخص الذي أحبنا (رومية 35:8،37).
انقاد كاتب المزمور بالروح القدس إلى النطق بهذا التأكيد الثلاثي العجيب على أهمية انتظار الرب، فقال: انتظرتك يا رب، انتظرت نفسي وبكلامه رجوت، نفسي تنتظر الرب أكثر من المراقبين الصبح (مزمور 5:130-6). والتأكيد هنا هو على أن انتظار الرب أكثر من مجرد حالة من اللامبالاة وكأننا نقول: "إن الأمر في يدي الرب، والآن يمكنني أن أباشر أعمالي". كلا، فإن هذا الأسلوب يدل على أننا نؤمن ببركة الرب ولكننا نجهل معنى أن ننتظره لكي يتكلم ويعمل في حياتنا. فالعبارة: انتظرت الرب وبكلامه رجوت ، تعبر عن أهمية انتظار الرب بمثابرة وباهتمام شديد لكي يقود أفكارنا وأفعالنا.
يقول المرنم: نفسي تنتظر الرب أكثر من المراقبين الصبح، أكثر من المراقبين الصبح (مزمور 6:130). إننا نعيش في مجتمع سريع الإيقاع - يجري هنا وهناك وليس لديه وقت للتأمل والصلاة وانتظار الرب.
في جرينا لعمل الأشياء يكون لدينا ميل طبيعي للثقة في النفس والاعتماد على قدراتنا الذاتية أو على مساندة الآخرين كما فعل بنو إسرائيل عندما صنعوا عهدا مع مصر. أما الذين يقدرون حماية الرب وإعالته لهم حق التقدير، فإنهم - مثل المراقبين الصبح - ينتظرون الرب أن يتمم كلمته.
إن المسيحيين اليوم يتمتعون بنفس قوة الله الحافظة كما كانت في القديم. فيمكننا أن نستودع حياتنا لرعاية الله الحافظة: المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون الذي لا يتزعزع بل يسكن إلى الدهر. أورشليم الجبال حولها والرب حول شعبه من الآن وإلى الدهر (مزمور 1:125-2).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يحمينا - الذي "يحفظ خروجك ودخولك" (مزمور 8:121). قال يسوع: "إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى" (يوحنا 9:10).
أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب من أجل صلاحه ورحمته (مزمور 1:106).
جميع الذين ينتمون لعائلة الله يجب أن يتمتعوا بالشركة مع المؤمنين الآخرين بغض النظر عن الجنس أو البلد أو التعليم أو الثروة.
ويذكرنا المرنم قائلا: هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معا، مثل الدهن الطيب على الرأس النازل على اللحية، لحية هارون النازل إلى طرف ثيابه [أي يقدس الجسم كله] (مزمور 1:133-2؛ خروج 25:30،30).
ويشرح المرنم نتيجة السكنى معا في وحدة واحدة بالتشبيه بين مسحة الروح القدس الذي يسكن ويفيض في المؤمنين وبين الزيت المقدس الذي سكب على رأس هارون رئيس الكهنة وسال على كل جسده. فالزيت المسكوب هو مثل روح المحبة التي تتخلل حياة الذين في توافق مع المسيح، الذي هو الرأس (1 كورنثوس 3:11؛ أفسس 22:1؛ 15:4؛ 23:5؛ كولوسي 18:1).
وأعلن أيضا المرنم أن الوحدة هي مثل ندى حرمون النازل على جبل صهيون، لأنه هناك أمر الرب بالبركة حياة إلى الأبد (مزمور 3:133). حيث أن الندى ينزل من السماء، لذلك فهو تصوير دقيق للوحدة الحقيقية في الروح القدس التي هي هبة الله المستقرة على المؤمنين الذي لهم محبة عميقة تجاه بعضهم البعض ويهتمون بجميع الأعضاء. فالروح القدس ينزل بطريقة لطيفة، مثل الندى، ويضع في المؤمنين التزاما متبادلا بحل أي مشاكل في العلاقات. وهذا لا يحدث بالصدفة، وإنما يتطلب مجهودا من القادة الروحيين من أجل الحفاظ على وحدانية الروح في رباط السلام (أفسس 3:4).
والمفتاح لهذه الوحدة هو هذا: حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم (فيلبي 3:2) - مقدمين بعضكم بعضا في الكرامة (رومية 10:12). عندئذ فإن الروح القدس يصحح أي انقسامات أو انقطاع في الشركة بروح التعاون والتوافق الحقيقية تحت سيادة المسيح الرأس.
وقد صلى الرب يسوع طالبا من أجل تلاميذه أن يكونوا واحدا كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدا فينا (يوحنا 21:17). إننا نحتاج أن ندرك أن المسيح هو الرأس وأن كل واحد من المؤمنين هو عضو في جسده: كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة، وكل أعضاء الجسد الواحد، إذا كانت كثيرة، هي جسد واحد (1 كورنثوس 12:12-21). فالكل مطلوبون - وكل مؤمن له أهمية حيوية.
من العبث أن نحاول فرض الوحدة بالقوة من خلال القوانين واللوائح. إنما هذا يحدث عندما نعبر عن محبته ونسمح لها بأن تفيض في حياتنا وترتفع فوق الفروق الشخصية. صادقين في المحبة ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح، الذي منه كل الجسد مركبا معا (أفسس 15:4-16).
إن الرب يسمح للأشخاص المتعبين أن يأتوا إلى حياتنا حتى يتيح لنا الفرصة للتعبير عن محبته ورحمته وطول أناته. إن الكبرياء والعناد والتشبث بالرأي هم أكبر أعداء الوحدة والحياة الممتلئة بالروح القدس. فلا يمكننا أن نلقي بمسئولية فشلنا وإحباطنا على رداءة الآخرين وعنادهم.
لقد خلصنا بواسطة نفس المخلص، ونحب نفس السيد، ونتطلع إلى العيش معا في نفس المدينة الأبدية مع المسيح. فالآن لا يوجد فرق، ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع (غلاطية 28:3).
إعلان عن المسيح: بصفته ذرية داود الذي سيجلس على العرش (مزمور 11:132؛ قارن مع لوقا 32:1؛ أعمال 30:2).
أفكار من جهة الصلاة: صل من أجل أعدائك (مزمور 4:109).
جميع الذين ينتمون لعائلة الله يجب أن يتمتعوا بالشركة مع المؤمنين الآخرين بغض النظر عن الجنس أو البلد أو التعليم أو الثروة.
ويذكرنا المرنم قائلا: هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معا، مثل الدهن الطيب على الرأس النازل على اللحية، لحية هارون النازل إلى طرف ثيابه [أي يقدس الجسم كله] (مزمور 1:133-2؛ خروج 25:30،30).
ويشرح المرنم نتيجة السكنى معا في وحدة واحدة بالتشبيه بين مسحة الروح القدس الذي يسكن ويفيض في المؤمنين وبين الزيت المقدس الذي سكب على رأس هارون رئيس الكهنة وسال على كل جسده. فالزيت المسكوب هو مثل روح المحبة التي تتخلل حياة الذين في توافق مع المسيح، الذي هو الرأس (1 كورنثوس 3:11؛ أفسس 22:1؛ 15:4؛ 23:5؛ كولوسي 18:1).
وأعلن أيضا المرنم أن الوحدة هي مثل ندى حرمون النازل على جبل صهيون، لأنه هناك أمر الرب بالبركة حياة إلى الأبد (مزمور 3:133). حيث أن الندى ينزل من السماء، لذلك فهو تصوير دقيق للوحدة الحقيقية في الروح القدس التي هي هبة الله المستقرة على المؤمنين الذي لهم محبة عميقة تجاه بعضهم البعض ويهتمون بجميع الأعضاء. فالروح القدس ينزل بطريقة لطيفة، مثل الندى، ويضع في المؤمنين التزاما متبادلا بحل أي مشاكل في العلاقات. وهذا لا يحدث بالصدفة، وإنما يتطلب مجهودا من القادة الروحيين من أجل الحفاظ على وحدانية الروح في رباط السلام (أفسس 3:4).
والمفتاح لهذه الوحدة هو هذا: حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم (فيلبي 3:2) - مقدمين بعضكم بعضا في الكرامة (رومية 10:12). عندئذ فإن الروح القدس يصحح أي انقسامات أو انقطاع في الشركة بروح التعاون والتوافق الحقيقية تحت سيادة المسيح الرأس.
وقد صلى الرب يسوع طالبا من أجل تلاميذه أن يكونوا واحدا كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدا فينا (يوحنا 21:17). إننا نحتاج أن ندرك أن المسيح هو الرأس وأن كل واحد من المؤمنين هو عضو في جسده: كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة، وكل أعضاء الجسد الواحد، إذا كانت كثيرة، هي جسد واحد (1 كورنثوس 12:12-21). فالكل مطلوبون - وكل مؤمن له أهمية حيوية.
من العبث أن نحاول فرض الوحدة بالقوة من خلال القوانين واللوائح. إنما هذا يحدث عندما نعبر عن محبته ونسمح لها بأن تفيض في حياتنا وترتفع فوق الفروق الشخصية. صادقين في المحبة ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح، الذي منه كل الجسد مركبا معا (أفسس 15:4-16).
إن الرب يسمح للأشخاص المتعبين أن يأتوا إلى حياتنا حتى يتيح لنا الفرصة للتعبير عن محبته ورحمته وطول أناته. إن الكبرياء والعناد والتشبث بالرأي هم أكبر أعداء الوحدة والحياة الممتلئة بالروح القدس. فلا يمكننا أن نلقي بمسئولية فشلنا وإحباطنا على رداءة الآخرين وعنادهم.
لقد خلصنا بواسطة نفس المخلص، ونحب نفس السيد، ونتطلع إلى العيش معا في نفس المدينة الأبدية مع المسيح. فالآن لا يوجد فرق، ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع (غلاطية 28:3).
إعلان عن المسيح: بصفته ذرية داود الذي سيجلس على العرش (مزمور 11:132؛ قارن مع لوقا 32:1؛ أعمال 30:2).
أفكار من جهة الصلاة: صل من أجل أعدائك (مزمور 4:109).
عندما قال داود: يا رب إليك صرخت،أسرع إليّ (مزمور 1:141) كان في قلب داود شيء أكثر من مجرد تقديم طلبة سريعة. كانت استغاثة داود معبرة عن إحساس كبير بالأهمية. لقد أراد أن يقدم صلاته كالبخور (مزمور 2:141) - أي أن تكون صاعدة من فوق مذبح الذهب، كرائحة طيبة مقبولة أمام الله العلي (خروج 15:35). وهي تصور أيضا الشخص العابد وهو يرفع يديه - تعبيرا عن الخضوع والانفتاح والطاعة الكاملة - كذبيحة مسائية (مزمور 2:141؛ أيضا 6:143). كانت صلاة داود تعبر عن العبادة القلبية إذ قال: اجعل يا رب حارسا لفمي ؛ ثم أضاف قائلا: احفظ باب شفتي (مزمور 3:141). كان داود يصلي بحرارة طالبا من الرب أن يعلمه متى يتكلم وماذا يقول، وأيضا متى يصمت. فهناك خطورة في النطق بكلمات فظة وقاسية. ولكن هناك أيضا خطورة في الامتناع عن تقديم كلمات العطف والتقدير، أو الامتناع عن الدفاع عن شخص ينتقده الآخرون،أو الامتناع عن مشاركة محبة الله مع الآخرين عندما تتاح لنا الفرصة.
والتحذيرات عديدة: إن كان أحد فيكم يظن أنه ديّن وهو ليس يلجم لسانه بل يخدع قلبه فديانة هذا باطلة (يعقوب 26:1)؛ مشيع المذمة هو جاهل ... أما الضابط شفتيه فعاقل (أمثال 18:10-19)؛ الرجل اللئيم ينبش الشر (أمثال 27:16). فالنميمة والانتقاد وتصيد الأخطاء وإشاعة الكدر والمذمة هي خطايا يدينها كل من العهد القديم والجديد.
توجد خطية أخرى من خطايا اللسان وكثيرا ما نغفل عن أهميتها وهي كثرة الكلام. فالبعض لا يكفون أبدا عن الثرثرة، وهذا يسبب الضيق لكل من يضطر أن يصغي إلى جميع التفاصيل والتفاهات التي يتم تكبيرها بفيض من الكلمات دون أن يكون للموضوع برمته أي معنى أو مغزى بالنسبة للمستمع. هذا السلوك بالطبع يدمر قدرة الشخص على خلق صداقات ويفقده مصداقيته لدرجة أن كل ما يقوله لن يؤخذ على محمل الجد.
إن حديثنا يكشف عن طبعنا الحقيقي. قال يسوع: من فضلة القلب يتكلم الفم (متى 34:12). هذا يعني أن كلماتنا وأحاديثنا هي مرآة تعكس حالتنا الروحية.
ويحذرنا الروح القدس من أن كثرة الكلام لا تخلو من معصية، أما الضابط شفيته فعاقل (أمثال 19:10). فإذا كنا نريد أن نسلك بالروح، فإننا نقلل من الكلام ونعطي الآخرين فرصة أن يشاركوننا بما في قلوبهم. عندما نكتشف خطايا اللسان العديدة - النميمة وكثرة الكلام - فسنجد أنفسنا أننا بحاجة أن نصلي مع كاتب المزمور طالبين من الرب أن يحفظ باب شفتينا (مزمور 3:141) لكي تكون إجاباتنا بحكمة من عنده وبروح الرحمة والمحبة.
نحن مسئولون أن نذكر الآخرين - في روح محبة المسيح - أن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابا يوم الدين. لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان (متى 34:12-37).
إعلان عن المسيح: بصفته المنقذ (مزمور 9:143-11). "يعلم الرب أن ينقذ الأتقياء في التجربة" (2 بطرس 9:2).
أفكار من جهة الصلاة: ادع الرب في وقت الضيق فسيسمعك (مزمور 1:116-4،8).
تبدأ وتنتهي كل من المزامير الخمسة الأخيرة بكلمة " هللويا " [أي سبحوا الرب] (مزمور 1:146،10؛ 1:147،20؛ 1:148،14؛ 1:149،9؛ 1:150،6). ومثلما يبدأ المرنم وينتهي بكلمة " هللويا " [سبحوا الرب] فمن امتيازنا نحن أيضا أن نقول: أسبح الرب في حياتي (مزمور 2:146). فنحن نسبح الرب لأنه لا جدوى من الاتكال على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده (مزمور 3:146). ونحن نسبح الرب لأن رجاءنا على الرب إلهنا (مزمور 5:146). ونحن نسبح الرب لأنه حافظ الأمانة إلى الأبد (مزمور 6:146). ونحن نسبح الرب لأنه يعطي خبزا للجياع (مزمور 7:146)؛ ويفتح أعين العمي ... ويقوم المنحنين ... ويحفظ الغرباء (مزمور 8:146-9).
ويستمر المرنم قائلا: سبحوا الرب! لأن الترنم لإلهنا صالح.. يشفي المنكسري القلوب.. لفهمه لا إحصاء.. يرضى الرب بأتقيائه بالراجين رحمته.. يرسل كلمته في الأرض (مزمور 1:147،3،5،11،15). فنحن نسبح اسم الرب لأنه قد تعالى اسمه وحده! (مزمور 13:148)؛ نحن نسبح الرب لأن الرب راض عن شعبه (مزمور 1:149،4). ونحن نسبح الرب من أجل قواته [أي أعماله العظيمة]؛ ويختتم سفر المزامير بالقول: كل نسمة فلتسبح الرب! هللويا! (مزمور 1:150،2،6).
من خلال هذه المزامير الختامية المليئة بالتسبيح نستنتج أن لا شيء يحدث في حياتنا بالصدفة وكل ما يسمح به هو فرصة من أجل تحقيق قصده الأفضل فينا. أننا بلا شك، قد نتحول بإرادتنا عن الرب ونتجاهل تعليماته الواضحة بألا نتكل على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده (مزمور 3:146).
إن أكبر صعوبة تواجهنا في محاولتنا أن نصبح آنية تتدفق فيها حياة المسيح، ليست في اتكالنا على الرؤساء، وليس في اتكالنا على أنفسنا. لأنه من الأصعب جدا أن نتعلم أنه في أنفسنا أيضا لا خلاص (مزمور 3:146).
آه، كم من المرات انخدعنا وانهزمنا عندما وضعنا ثقتنا في البشر - وربما لا زلنا نعاني من النتائج، لأنه لا مفر من أن نحصد ما زرعناه (غلاطية 7:6). ولكن سبحوا الرب... لأنه يشفي المنكسري القلوب ويجبر كسرهم (مزمور 3:147).
فالحقيقة هي أنه بقدر ما تصمم حقا على أن تعطي الأمور الأهم المكانة الأولى في حياتك، بقدر ما تجد أشياء تأتي في طريقك وتطالبك بوقتك. وفي كثير من الأحيان تكون "أشياء جيدة" هي التي تعيقك عن إتمام القصد الأسمى الذي يريده الله لك. هذه هي طريقة الشيطان ليمنعك من إتمام مشيئة الله الكاملة في حياتك، ولكنها أيضا هي خطة الله لكي يختبر أصرارك على إعطاء أموره المكانة الأولى.
يعمل رضى خائفيه ويسمع تضرعهم فيخلصهم (مزمور 19:145).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يفتح أعين العمي (مزمور 8:146). لقد أعطى المسيح البصر للرجل المولود أعمى (يوحنا 1:9-41).
أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب من أجل رحمته (مزمور 2:136).