كانت إحدى الصفات المميزة للكنيسة الأولى في أورشليم هي روح المحبة التي ظهرت في تقديم الموارد المادية. وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة، ولم يكن أحد يقول إن شيئا من أمواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركا (أعمال 32:4).
كان الإخلاص للرب متغلغلا في هذه الجماعة الجديدة. فباع المؤمنون ممتلكاتهم وأحضروا ثمنها لكي تُستخدم لخدمة الرب وتسديد احتياجات إخوتهم المحتاجين.
ويلاحظ أن أحدا لم يطلب منهم أن يبيعوا ممتلكاتهم أو أن يأتوا بثرواتهم، إنما كان سخاؤهم بدافع من المحبة المسيحية. ويوسف الذي دُعي من الرسل برنابا الذي يترجم ابن الوعظ، وهو لاوي قبرسي الجنس، إذ كان له حقل باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل (أعمال 36:4-37). وقد كانت تقدمته بالطبع سبب تشجيع كبير للمؤمنين. وباع رجل اسمه حنانيا وامرأته سفيرة قطعة أرض وقدما جزءا من الإيراد للكنيسة. إلا أنهما ادعيا أنهما قد أعطيا الكل مثلما فعل برنابا (أعمال 1:5-2). لقد كانت الأرض ملكهما ويستطيعان أن يتصرفا فيها كما يشاءان؛ وحتى بعد بيعها كان المال مالهما ومن حقهما أن يفعلا به ما يريدان. فالعطاء كان اختياريا (أعمال 4:5).
وحيث أن هذه التقدمة "السخية" قد أدت إلى موت حنانيا وسفيرة، فإننا نحتاج أن نفهم لماذا استحقا هذه العقوبة الشديدة. هل كانا يطلبان مدحا لم يكونا مؤهلين له؟ هل أرادا أن يظهرا "مضحيين" مثل برنابا؟ هل اعتقدا أن خداعهما لن يضر كثيرا طالما أن "الخير" الفعلي في تقدمتهما كان كافيا للتعويض عن الكذبة ولتزكيتهما لدى الجماعة؟
ولكن سؤال بطرس: لماذا؟ يفيد بأن إخلاصنا وأمانتنا مع الآخرين هامة جدا في علاقتنا مع الله. وقد أوضح بطرس أن رياءهما تعدى حدود الكذب على الأصدقاء بل كان بمثابة كذب على الروح القدس (أعمال 3:5-4). فإنه في منتهى الأهمية أن نفحص دوافعنا سواء في العطاء أو في العبادة.
إن مشكلتنا اليوم أكبر من ذلك. فإن مؤمنين كثيرين لا يحجزون فقط جزءا من الإيراد، بل يحجزون حتى العشور، التي هي الحد الأدنى من حقوق الله. إن كل من يرفض تقديم العشور من أجل توصيل البشارة إلى العالم الهالك سيواجه نفس السؤال: لماذا؟ وسيسمع نفس الإجابة التي قالها النبي: قد لعنتم لعنا وإياي أنتم سالبون (ملاخي 9:3). لا يوجد شخص أفقر من أن يقدم العشور. إن كل إنسان مسئول أمام الله عن "احتجاز" ما كان يمكن للرب أن يفعله فينا وبنا بنفس السؤال: لماذا؟ فإنه من الخيانة للرب وللآخرين أن نحجز مواهبنا وعطايانا والفرص السانحة لنا للخدمة محاولين تبرير أنفسنا أمام الآخرين بأننا لا نمتلك الوقت أو المال أو القدرة.
فلننظر بعين الاعتبار إلى ما كتبه بولس إلى أهل كورنثوس وهو منقاد بالروح القدس: إن من يزرع بالشح فبالشح أيضا يحصد، ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضا يحصد (2 كورنثوس 6:9).
شواهد مرجعية: أعمال 11:4 (انظر مزمور 22:118)؛ أعمال 25:4-26 (انظر مزمور 1:2-2).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يعطيك فهما لكلمته بينما تقرأها يوميا (مزمور 34:119).