مقدمة لسفر غلاطية

يوجه بولس هذه الرسالة إلى كنائس غلاطية (غلاطية 2:1). وهي تشمل أنطاكية بيسيدية، وإيقونية، ولسترة، ودربة - وهي أماكن في مقاطعات مختلفة وإن كانت كلها داخل إقليم غلاطية الروماني.

والرحلة التبشيرية الأولى التي قام بها بولس وبرنابا في هذه المنطقة مسجلة في سفر الأعمال أصحاح 13 و 14. أما رحلة بولس التبشيرية الثانية إلى إقليم غلاطية، فقد كانت مع سيلا (أعمال 40:15-41؛ 1:16-2،5-6).

وقد بلغ إلى مسامع بولس أن المعلمين الكذبة يقنعون بعض الكنائس بأن الختان وحفظ الأيام والشهور والمواسم والسنين لازم للمسيحية الحقيقية.

وفي هذه الرسالة، يشرح بولس الفرق بين المسيحية الحقيقية وبين التدين، ويقول أن جميع الأديان الأخرى مرفوضة (غلاطية 8:1-9). وهو يعلن أن خلاصنا يعتمد فقط على ربنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير (غلاطية 3:1-4).

ويشير بعد ذلك إلى أن الأعمال الصالحة، مهما بلغت درجة صلاحها، لا يمكن أن تجعل من الشخص مسيحيا. فهو يكتب قائلا: إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس (غلاطية 16:2). لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع، لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح (غلاطية 26:3-27) وقد أصبحتم خليقة جديدة (غلاطية 19:4؛ 15:6).

تقدم أيضا هذه الرسالة تحذيرا قويا لكل من يستمر في ممارسة أعمال الجسد التي هي زنى، عهارة، نجاسة، دعارة، عبادة الأوثان، سحر، عداوة، خصام، غيرة، سخط، تحزب، شقاق، بدعة، حسد، قتل، سكر، بطر ... أن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله . ويختم قائلا أن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات (غلاطية 19:5-21،24).

اقرأ غلاطية 1 -- 3

يأتي ذكر إبراهيم ثمان مرات في أصحاح 3 ويذكرنا الكتاب بإيمانه بوعد الله من جهة النعمة المخلصة والذي أعطي له ولنسله قبل إعطاء الناموس لموسى بـ 500 سنة. إن نعمة الله أكثر من مجرد إحسان وإنما هي تشمل الرحمة والمحبة.

إن نعمة الله المخلصة تظهر في طول أناته مع بني إسرائيل المتمردين إذ أخرجهم من العبودية في مصر، ثم قدم لهم الطعام والإرشاد طول الطريق، وفي النهاية أعطاهم القدرة على امتلاك أرض الموعد. ولكن المعنى الكامل لنعمته يظهر في حياة وموت وقيامة المسيح. فإن إيمان اليهودي والأممي على حد سواء، مثل إيمان إبراهيم، يؤدي إلى الطاعة: ليس أحد يتبرر بالناموس عند الله ... لأن البار بالإيمان يحيا (غلاطية 11:3؛ رومية 17:1؛ عبرانيين 38:10؛ حبقوق 4:2). فالتبرير معناه أن يكون الإنسان بارا روحا وعملا. وهذا يعني أنه لا يمكن الفصل بين الإيمان والأمانة.

المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا (غلاطية 13:3). لا يستطيع ناموس موسى أن يعطي حياة أبدية ولكن المسيح أصبح بديلنا على الصليب - أي أخذ مكاننا.

كان الناموس اليهودي - المعطى من الله لموسى - ثلاثي الأوجه: طقسي، وقضائي، وأدبي. الناموس الطقسي يشمل الفرائض المتعددة التي يجب اتباعها في عبادة الله. والناموس القضائي يصف القوانين التي تحكم الأمة اليهودية والهدف منها محاكمة المذنبين. أما الناموس الأدبي فهو ينطبق ليس فقط على اليهود، بل على الجنس البشري كله.

كان المسيح هو المتمم للفرائض الطقسية إذ أنها كانت مجرد رموز وظلال لشخصه. ففي المسيح، تحرر الأمم وكذلك اليهود من لعنة الناموس وتم إحضارهم إلى علاقة عهد مع الله الواحد الحقيقي كما سبق وأنبأ قائلا: وأعطيهم قلبا واحدا وأجعل في داخلكم روحا جديدا وأنزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم، لكي يسلكوا في فرائضي ويحفظوا أحكامي ويعملوا بها ويكونوا لي شعبا فأنا أكون لهم إلها (حزقيال 19:11-20؛ 2 كورنثوس 3:3).

أما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله. لا يقول في الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد (غلاطية 16:3).

لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح (غلاطية 27:3). ففي المعمودية، نحن نلبس المسيح - فتغمرنا طبيعته ونحصل على خدمة المصالحة - لتوصيل كلمته إلى العالم.

فإن كنتم للمسيح فأنتم إذا نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة (غلاطية 29:3).

شواهد مرجعية: غلاطية 6:3 (انظر تكوين 6:15)؛ غلاطية 8:3 (انظر تكوين 3:12)؛ غلاطية 10:3 (انظر تثنية 26:27)؛ غلاطية 11:3 (انظر حبقوق 4:2)؛ غلاطية 12:3 (انظر لاويين 5:18)؛ غلاطية 13:3 (انظر تثنية 23:21).

أفكار من جهة الصلاة: الرب ترس لك في وقت الضيق (مزمور 1:3-3).

اقرأ غلاطية 4 -- 6

تشمل قائمة أعمال الجسد 17 خطية (غلاطية 19:5-21). ويأتي الزنى على رأس هذه القائمة؛ إن الزنى بلا شك هو من أكثر الخطايا المدمرة في وقتنا الحالي - فهو يدمر القلوب، ويدمر البيوت، ويدمر الحياة. إنه خطية ضد الله وضد المسيح. فالمؤمنون هم العروس، امرأة الخروف (رؤيا 9:21) ويجب أن يكونوا مخلصين في حبهم له كإخلاص الزوجة لزوجها.

والخطية الثانية في القائمة هي العهارة، وهي تشمل جميع الخطايا الجنسية، وتشمل الاتصال الجنسي بين أي رجل وامرأة في غير إطار الزواج، وأيضا الممارسات الشاذة للجنس، كالعلاقة بين أفراد الجنس الواحد.

والخطية الثالثة هي النجاسة أي عدم الطهارة وهي مرتبطة عادة بالشرور الجنسية، ولكنها تشمل أيضا كل ما ينجس أفكارنا وأجسادنا وأرواحنا.

والخطية الرابعة في القائمة هي الدعارة ، وتحمل معنى عدم الانضباط وتتضمن السلوك الشهواني والخلاعة وعدم اللياقة، لكنها تعني أيضا اشتهاء الملذات بصرف النظر عن إرادة الله وعن تأثير ذلك على الآخرين.

والخطية الخامسة هي عبادة الأوثان . وهي لا تعني فقط استخدام التماثيل المنحوتة في العبادة، كما فعل هارون، أو مثل العبادة التي أدخلها يربعام إلى إسرائيل (خروج 1:32-4؛ عدد 2:25؛ قضاة 7:3؛ 1 ملوك 28:12-33؛ 2 ملوك 12:17)، ولكنها تعني أيضا السماح لأي شيء أو أي شخص يحصل على اهتمامنا الأول بدلا من الله. فعبادة الأوثان قد تشمل أشياء عديدة مثل العمل الذي نقوم به أو شخصا ما أو الملذات باختلاف أشكالها. فمع أن هذه قد لا تكون شرا في حد ذاتها، إلا أنها إذا شغلت الوقت والإخلاص اللذين يستحقهما الرب وحده فهي تصبح عبادة أوثان.

ولا ننسى السحر ، والذي يشمل قراءة الأبراج، وقراءة الكف، والتنويم المغناطيسي، وسائر أعمال العرافة التي تحل محل الصلاة وانتظار قيادة الرب. والكلمة المترجمة "سحر" تعني حرفيا تعاطي المخدرات إذ أنه يرتبط عادة بممارسة السحر والعرافة.

وتشمل القائمة أيضا العداوة، الخصام، الغيرة، السخط، التحزب، الشقاق، البدعة (غلاطية 20:5). الخصام هو عدم الوفاق مع الآخرين أما الغيرة فهي الرغبة الدائمة في التفوق على الغير. هذه الصفات كلها تبدأ بالأنانية داخل القلب.

والحسد والقتل (غلاطية 21:5) مرتبطان. فالحسد هو الذي قاد إلى أول جريمة قتل في الجنس البشري (تكوين 3:4-8). والحسد معناه الحقد والخبث والنية السيئة - وعدم حب الخير للآخرين. لقد كان بدافع الحسد أن أسلم رئيس الكهنة المسيح إلى بيلاطس ليصلبه (متى 18:27؛ مرقس 10:15).

وتختتم القائمة بالسكر والبطر وأمثال هذه (غلاطية 21:5). فلا يمكن للإنسان أن يكونوا تحت تأثير الخمر والروح القدس في نفس الوقت. إن الخمر لا تدمر فقط الشخص الذي يتعاطاها، ولكنها تستطيع أيضا أن تدمر عائلات بأكملها.

ويحذرنا الروح القدس، بواسطة بولس، من أن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله (21:5). لذا علينا مسئولية كبيرة وهي أنه إن انسبق إنسان فأخذ في زلة فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضا (غلاطية 1:6).

شواهد مرجعية: غلاطية 27:4 (انظر إشعياء 1:54)؛ غلاطية 30:4 (انظر تكوين 10:21)؛ غلاطية 14:5 (انظر لاويين 18:19).

أفكار من جهة الصلاة: اصرخ إلى الرب؛فإنه يصغي إلى صلاتك ويجيبها (مزمور 4:3).

 

مقدمة لسفر أفسس

مكث الرسول بولس في كورنثوس أكثر من سنة ونصف. ثم أبحر مع أكيلا وبريسكلا إلى أفسس وتركهما هناك لإكمال الخدمة بينما ذهب هو إلى أورشليم (أعمال 18:18-21).

وقد عاد مرة أخرى في رحلته التبشيرية الثالثة ومكث في أفسس ما يقرب من ثلاث سنوات مبشرا ومعلما (أعمال 8:19-10؛ 31:20). وأثناء هذه المدة رجع الكثيرون عن عبادة الإلهة ديانا وأصبحوا مسيحيين: هكذا كانت كلمة الرب [من جهة الحصول على الخلاص الأبدي في ملكوت الله بواسطة المسيح] تنمو وتقوى بشدة [أي تنتشر وتزداد] (أعمال 20:19).

وفي هذه الرسالة، يوجه بولس الانتباه إلى كيف أن الله من فرط غناه ورحمته ومحبته الكثيرة، أعطانا الحياة - نحن الذين كنا أمواتا بالذنوب والخطايا التي سلكنا فيها قبلا حسب دهر هذا العالم ... عاملين مشيئات الجسد والأفكار [أي شهواتنا التي تمليها علينا حواسنا وتخيلاتنا الشريرة] . وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضا (أفسس 2:2-3). ولكنكم الآن تتجددوا بروح ذهنكم،وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق (غلاطية 23:4-24).

بالمقابلة مع هؤلاء يوجد الذين يسلكون ببطل ذهنهم، إذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله (غلاطية 17:4-18).

ويدعو بولس بشدة إلى الانفصال عن أعمال الظلمة محذرا من أن كل زان أو نجس أو طماع [أي الذي يشتهي ممتلكات وغيره ويسعى بكل طريقة إلى المكسب] .. ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله (غلاطية 5:5،11).

وفي ختام الرسالة، يشجعنا بولس على الاستعداد للحرب الروحية بارتداء سلاح الله الكامل ، ويعلن لنا عن أهمية معرفة كلمة الله من أجل الانتصار على خطط ومكايد إبليس (غلاطية 11:6-17).

اقرأ أفسس 1 -- 3

إن الله الذي خلق الكون قد اختارنا لنكون أولاده. وهو في الحقيقة قد اختارنا في المسيح قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة (أفسس 4:1). ولا يستطيع أحد أن يخدعنا ويضيع علينا أفضل ما أعده الله لحياتنا إذا كنا نقرأ كلمته برغبة صادقة في عمل مشيئته ونصلي معتمدين على الروح القدس لقيادة حياتنا.

ولكن عادة ما تمر سنين عديدة قبل أن تتحقق أحلامنا. ولكن الله أمين وهو العامل فينا أن نريد وأن نعمل من أجل المسرة (فيلبي 13:2). إن مسئوليتنا هي أن نظل أمناء؛ لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكل (غلاطية 9:6).

إن امتيازاتنا تفوق كثيرا امتيازات مؤمني العهد القديم. فقبل أن يأتي المسيح إلى العالم، كان مسموحا لرئيس الكهنة وحده أن يدخل مرة واحدة في السنة إلى محضر الله في قدس الأقداس لتقديم الصلاة بالنيابة عن العابدين. أما الأمم فلم تكن لهم علاقة عهد مع الله: أنتم الأمم قبلا .. كنتم بلا إله (أفسس 11:2-12).

ولكن الآن، في المسيح، أصبح اليهود والأمم على حد سواء الذين يقبلون المسيح ربا ومخلصا لهم علاقة عهد جديد مع الله: لأن به لنا كلينا قدوما في روح واحد إلى الآب (أفسس 18:2). لهذا السبب استخدم الله تيطس في سنة 70 ميلادية لتدمير الهيكل ومذبح المحرقة وحوض الاغتسال وأبطل وظائف رئيس الكهنة. فإن هذه جميعها كانت مجرد رموز للمسيا الذي هو الآن الوسيلة الوحيدة التي بها ينبغي على جميع العابدين أن يقتربوا من الله القدوس.

فمن خلال المسيا وحده يمكن الاقتراب من الله الواحد الحقيقي، أبينا السماوي، في الصلاة في أي وقت، نهارا أو ليلا: الذي به لنا جراءة وقدوم بإيمانه عن ثقة (أفسس 12:3). فمن خلال علاقتنا الشخصية مع الرب نستطيع أن نعرف [أي نختبر] محبة المسيح الفائقة المعرفة [أي تفوق الفهم البشري] (غلاطية 19:3).

يذكرنا الرب بواسطة النبي هوشع لماذا انهزمت مملكة إسرائيل المكونة من الأسباط العشرة رغم أنها كانت قبلا قوية فيقول: هلك شعبي من عدم المعرفة ... لأنك نسيت شريعة إلهك أنسى أنا أيضا بنيك (هوشع 6:4). ولنفس هذا السبب يخسر العديد من المسيحيين أفضل ما أعده الله لهم.

فلا عجب إن كان الشيطان لا يريدنا أن ندرك القوة الكامنة في كلمة الله والصلاة. فهو يريدنا أن نكون جهلة من جهة الوعود الثمينة التي لنا، ونهمل امتياز اللجوء إلى يسوع، الشفيع الوحيد المعين من الله لجميع المؤمنين. فبدافع من حبنا له، نرتقب الأوقات اليومية التي نقضيها معه في الصلاة (التحدث إلى الله) وقراءة كلمته (تحدث الله إلينا). وبسبب حبه اللانهائي، فإن قوته التي تعمل فينا قادرة أن تفعل فوق كل شيء أكثر جدا مما نطلب أو نفتكر (أفسس 20:3).

شواهد مرجعية: أفسس 22:1 (انظر مزمور 6:8)؛ أفسس 17:2 (انظر إشعياء 19:57).

أفكار من جهة الصلاة: ارفع صلاتك إلى الله ملكك، فإنه يسمع صلاتك (مزمور 2:5).

اقرأ أفسس 4 -- 6

إن المرارة تجاه الآخرين تنتج عادة من روح الانتقاد وعدم الغفران. فبالنسبة للبعض تكون المرارة رد فعل تجاه الذين أساءوا إليهم بشدة حتى أنهم لا يستطيعون أن يغفروا لهم. ولكن بنعمة المسيح يجب أن نطرح كل أفكار الكراهية والنية السيئة بدون استثناء ونجعل روح المسيح الصادقة -رحمته ومحبته - تفيض من خلالنا. ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث (أفسس 31:4).

فبدلا من المرارة والغضب، لتكن هناك سماحة قلب؛ وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضا في المسيح (أفسس 32:4).

الصياح هو انفجار الغضب والرغبة في مقابلة الأذى بالمثل - إنه المطالبة برد الاعتبار بلهجة صاخبة وجارحة - وهو يحدث كرد فعل تجاه الشخص الذي لم يحقق لنا توقعاتنا.

والأخطر منه هو خطية التجديف (أي التكلم بالسوء على الآخرين). فإن اغتياب الآخرين والافتراء عليهم وتشويه سمعتهم هي إهانة لله نفسه. وهي مذكورة ضمن الخطايا السبع التي يبغضها الله أكثر من الكل (أمثال 16:6-19).

والخبث هو الرغبة في إلحاق الأذى بالآخرين وإيلامهم - وهو شر يدينه المسيح ويساويه بالقتل.

فبدلا من أن نسمح لأفكار المرارة والغضب والخبث أن تدمرنا، علينا أن تكون ردود أفعالنا بشفقة ولطف. علينا أن نصلي من أجل الذين يسيئون إلينا بنفس الإخلاص الذي نصلي به من أجل الأصدقاء، مثلما كان استفانوس يصلي أثناء رجمه للموت قائلا: يا رب لا تقم لهم هذه الخطية (أعمال 60:7).

إن وجود أي من هذه الشرور يدمر ليس فقط سلام الذهن، بل أيضا السلام مع الله. ويمكننا أن نتغلب على هذه المشاعر أو العواطف بأن نجعل الروح القدس الساكن فينا يسود على حياتنا.

بسبب الروح القدس الساكن فينا، فإن كل مؤمن يُعتبر ممثلا للرب يسوع المسيح ومسئولا، بل قادرا أيضاً على التجاوب بمحبة مع الأعداء كما مع الأصدقاء. مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام ... صادقين في المحبة ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح، الذي منه كل الجسد مركبا معا ومقترنا ... حسب عمل على قياس كل جزء [أي عندما يؤدي كل فرد وظيفته خير أداء] يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة (أفسس 3:4،15-16).

إن أحد الأسباب العظيمة التي من أجلها يأمرنا الرب هو ألا نترك اجتماعنا معا (عبرانيين 25:10). فإننا نستطيع داخل الكنيسة أن نتحد معا في أعمال تعبر عن محبة الله ونصلي من أجل تشجيع ومباركة الآخرين الذين يحتاجون إلى الحب.

إن محبة الله هي قوة موحدة. من أجل ذلك نتعاون مع الله ومع سائر المؤمنين بهدف إعلان محبته إلى عالم هالك، فتظهر فينا أعظم الثمار والإنجازات لأننا نكون خاضعين بعضنا لبعض في خوف الله ... لأننا أعضاء جسمه (أفسس 21:5،30).

شواهد مرجعية: أفسس 8:4 (انظر مزمور 18:68)؛ أفسس 25:4 (انظر زكريا 16:8)؛ أفسس 26:4 (انظر مزمور 4:4)؛ أفسس 31:5 (انظر تكوين 24:2)؛ أفسس 2:6-3 (انظر خروج 12:20؛ تثنية 16:5).

أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب وأخبر الآخرين عن محبته الرائعة (مزمور 1:9).

 

مقدمة لسفر فيلبي

كان الرسول بولس في ترواس في آسيا الصغرى عندما تلقى الدعوة، في رؤيا، بأن يحمل الأخبار السارة إلى مكدونية. وكان معه لوقا وسيلا وتيموثاوس، فاستقلوا في الحال باخرة إلى نيابوليس في أول رحلات بولس إلى أوروبا. ومن هناك اتجهوا فورا عبر طريق جبلي إلى فيلبي، التي تقع على بعد 10 أميال إلى الداخل. وكانت فيلبي هي المدينة الرئيسية في مقاطعة مكدونية (أعمال 12:16).

وكانت ليدية هي أول من آمن ببشارة بولس، وقد كانت سيدة أعمال. وبعد ذلك بفترة قصيرة، كان بولس قد حرر فتاة جارية بها شيطان فاغتاظ أسيادها وأثاروا شغبا وأمسكوا بولس وسيلا وجروهما إلى السوق إلى الحكام ... وأمروا أن يضربا بالعصا ... فوضعوا عليهما ضربات كثيرة وألقوهما في السجن (19:16-23). في تلك الليلة، حدث زلزال، وانفتحت جميع أبواب السجن بطريقة معجزية وسقطت السلاسل من أيدي جميع المسجونين. وبعد الاستماع لبولس وسيلا، آمن السجان وجميع أهل بيته. وبعد بضعة سنوات، في رحلته التبشيرية الثالثة، زار بولس الكنيسة التي كانت قد تكونت في فيلبي.

وفي وقت كتابة بولس لهذه الرسالة، كان مسجونا في سجن الإمبراطورية الرومانية، ربما بعد 10 سنوات من تأسيس الكنيسة في فيلبي، وحوالي 30 سنة بعد صعود المسيح وحلول يوم الخمسين وابتداء الكنيسة الأولى. وأثناء سجنه الأول في روما، كتب بولس رسائل إلى أهل فيلبي وكولوسي وأفسس وإلى فليمون.

ومع أنه كان سجين الحكومة الرومانية، إلا أن بولس كان يدعو نفسه أسير يسوع المسيح لأنه كان يعرف جيدا من هو الذي يتحكم في حياته (أفسس 1:3؛ 1:4؛ 2 تيموثاوس 8:1؛ فليمون 1:1،9). فلم يكن تركيزه متجها إلى الظروف بل إلى من هو أعلى من الظروف.

والفكرة الرئيسية لبولس في هذه الرسالة هي: افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضا افرحوا! (فيلبي 4:4).

اقرأ فيلبي 1 -- 4

كان أعداء المسيح الدينيون قد تتبعوا بولس عبر آسيا وأوروبا وأخيرا تمكنوا من اعتقاله في قيصرية حيث مكث لمدة سنتين. ونتيجة لتظلمه، فلقد تم نقله إلى روما لكي يحاكم أمام الإمبراطور. وبما أن بولس كان رومانيا، فلقد كان من حقه أن يستأجر بيتا خاصا به، بشرط أن يظل مقيدا نهارا وليلا مع أحد الجنود الرومان.

فبينما استطاع أعداء بولس أن يوقفوه عن التبشير في اليهودية، إلا أن سجنه أعطاه الفرصة أن يشارك الأخبار السارة عن يسوع المسيح مع جنود الإمبراطورية الرومانية. وقد كانت هذه فرصة عظيمة إذ كان يتم تغيير الحرس ربما ثلاث أو أربع مرات في اليوم. وقد كتب بولس إلى أهل فيلبي قائلا: أريد أن تعلموا أيها الإخوة أن أموري قد آلت أكثر إلى تقدم الإنجيل، حتى أن وثقي قد صارت ظاهرة في المسيح [أي أصبح الجميع يعلمون أني مسجون من أجل خدمة المسيح] في كل دار الولاية وفي باقي الأماكن أجمع (فيلبي 12:1-13). وقد عرف أيضا الجميع من بولس أنه مسرور بترك مصير حياته ومماته بالكامل في يدي الرب.

وقد أصبح الكثيرون من بيت قيصر (فيلبي 22:4) أتباعا للمسيح من خلال شهادة ذلك السجين. فإنه لم يسجن من أجل سرقة أو قتل أو أي عمل شرير، بل من أجل تعريف الآخرين بطريق الخلاص. وقد تخلى عن العمل المرموق واختار بدلا منه أن يعيش حياة التعب المتواصل والمشقات والاضطهادات والتي انتهت بالموت العنيف. لكنه فعل ذلك بدون تردد، ولعلمه بما ينتظره في المستقبل قال: من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية ... لأعرفه ... وقوة قيامته (فيلبي 8:3،10).

لدى كل منا رغبة طبيعية للأشياء المادية. فنتعلق ببيوتنا وبالأشخاص المحيطين بنا. لكن الرسول بولس كان قد تغلب على الأشياء المادية المجردة، وكانت خططه وآماله وأفكاره كلها مركزة في المسيح. كان المسيح هو حياته وهذا يظهر في إشاراته المتعددة إلى المسيح يسوع الرب في هذه الرسالة الصغيرة، رسالة الفرح.

والسؤال الهام الذي يخص كل واحد منا الآن هو: هل أنا متمسك بكلمة الحياة لافتخاري في يوم المسيح [أي لأجد شيئا أفتخر به في يوم يسوع المسيح] بأني لم أسع باطلا ولا تعبت باطلا؟ (فيلبي 16:2).

قد يكون عملنا في هذه الحياة في السياسة، أو الجيش، أو التجارة، أو التعليم، أو الحرف اليدوية، أو تدبير المنزل. ولكن بغض النظر عن أعمالنا، يجب أن يكون لنا هدف واحد في الحياة هو أن نفعل في كل حين ما يرضيه (يوحنا 29:8).

لا يمكننا بعد الآن أن نتخذ من الظروف عذرا لكي نعفي أنفسنا من المشاركة في خدمة المسيح - لأن ما فعله بولس في سجن روما يمكن أن يحدث في أي مكان آخر. لقد تعلم بولس أن الله يستخدم عادة العداوات لينمي فينا الصبر ويختبر محبتنا، وذلك من أجل تقدم الإنجيل. فالمسيحية الحقيقية هي التشبه بالمسيح، ودعوة المسيح الوحيدة هي هذه: كما أرسلني الآب أرسلكم أنا (يوحنا 21:20).

يجب أن تكون خسائرنا الشخصية ثانوية في تحديد قراراتنا لأن ولاءنا هو للمسيح؛ لذلك دعونا نقول أيضا مع بولس: لي الحياة هي المسيح، والموت هو ربح (فيلبي 21:1).

أفكار من جهة الصلاة: ثق في الرب في جميع الأوقات (مزمور 10:9).

 

مقدمة لسفر كولوسي

كانت مدينة كولوسي تقع على الطريق التجاري الذي يربط بين أفسس وطرسوس ثم يتجه إلى سوريا.

ويدعو بولس المسيحيين في كولوسي قديسين كما يشير إليهم كإخوة مؤمنين (كولوسي 2:1). وكلمة إخوة من الكلمات المحببة لدى الرسول بولس إذ يستخدمها في رسائله أكثر من 100 مرة.

وفي حدود معرفتنا، لم يذهب بولس إلى كولوسي، إنما أبفراس هو الذي خدم في هذه المدينة (كولوسي 7:1).

والغرض الرئيسي من هذه الرسالة هو تأكيد الحقيقة بأن الآب قد سر بأن يعطي المسيح الأولوية المطلقة على كل شيء: فإنه فيه خلق الكل ... وهو رأس الجسد الكنيسة ... لكي يكون هو متقدما في كل شيء ... فيه سر أن يحل كل ملء ... وأن يصالح به الكل لنفسه عاملا الصلح بدم صليبه (كولوسي 16:1-20).

كانت الكنيسة في كولوسي تواجه بعضا من المشاكل التي تواجه العديد من الكنائس اليوم. فإن بعض اليهود كانوا يريدون أن يحفظوا الناموس، بينما كان لدى بعض اليونانيين أفكارا تشبه فلسفات "الفكر الأعلى" و "العصر الجديد" - إلى حد عبادة الملائكة كوسائط بين الله والناس. ولذلك فإن بولس وسط هذا كله قصد أن يؤكد على كفاية المسيح، فكتب لهم قائلا: انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب المسيح (كولوسي 8:2-9).

بعد ذلك أوضح لهم بولس كيف أن علامة الختان في العهد القديم قد استبدلت بالمعمودية: مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضا معه (لحياة جديدة) بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات (كولوسي 12:2). فإن جميع الفرائض الموسوية القديمة قد تمت في المسيح.

بعد ذلك يأتي التعبير العملي عن الحياة الجديدة في المسيح والتزامنا بأن نميت أعضاءنا التي على الأرض [أي الرغبات الشريرة لطبيعتنا الأرضية] (5:3).

اقرأ كولوسي 1 -- 4

عندما نقرأ كل كلام الله ولدينا الرغبة لإرضائه في كل شيء، فالروح القدس يقودنا إلى اختبار أعمق لمشيئته، وليس هناك حدود للحكمة، والفهم، والقوة، والصبر المتوافر لكل مسيحي!

ولمساعدتنا على إدراك أهمية هذه النقطة، كتب بولس قائلا: من أجل ذلك.. لم نزل مصلين.. أن تمتلئوا من معرفة مشيئته في كل حكمة وفهم روحي.. متقوين بكل قوة بحسب قدرة مجده لكل صبر وطول أناة بفرح، شاكرين الآب (كولوسي 9:1،11-12). لاحظ كم مرة تستخدم كلمة " كل " - كل حكمة.. كل قوة.. كل صبر .

المسيحي الحقيقي هو الشخص الذي دفن مع المسيح في المعمودية، التي فيها أقمتم أيضا معه [إلى حياة جديدة] بإيمان عمل الله [أي بإيمانكم بعمل الله] الذي أقامه من الأموات. وإذ كنتم أمواتا في الخطايا وغلف جسدكم [أي طبيعتكم الجسدانية الخاطئة] أحياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا (كولوسي 12:2-13). وفي هذه الرسالة يصف بولس أيضا المسيحي بأنه الشخص الذي حياته مستترة مع المسيح في الله ... والذي المسيح هو حياته (كولوسي 3:3-4).

عندما قام المسيح من بين الأموات أتاح لجميع المؤمنين أن يمتلئوا من روحه، ويتقووا بحياة المسيح الفائقة الطبيعة. فنحن لم نمت فقط مع المسيح، بل أقمنا أيضا معه ؛ لم ندفن فقط بشبه موته ، بل نصير أيضا بقيامته [أي نصير واحدا معه مشتركين في قيامته] ... لكي نسلك نحن أيضا في جدة الحياة (رومية 2:6-5).

لدينا الآن آفاقا جديدة من الإدراك الروحي. فالمسيح رأسنا في السماء؛ ولهذا فإن القيم الأبدية تسيطر على قلوبنا وتشبعنا حقا لأن كنزنا هو هناك (متى 19:6-21).

إن قدرة مجده (كولوسي 11:1) متوافرة لكل مؤمن كي يتغلب بها على أعمال الجسد ويكون مطيعا لكلمة الرب. ولنا مثال لذلك، عندما اقترب بنو إسرائيل من أرض الموعد التي كانت تحت سيطرة الكنعانيين العمالقة الأقوياء والساكنين في مدن لها أسوار عالية، كان أمر الرب ليشوع: قم اعبر هذا الأردن أنت وكل هذا الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لهم ... كن متشددا وتشجع جدا لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي (يشوع 2:1،7). نعم لقد أعطاهم الرب الأرض، ولكن بشرط أن يتحفظوا للعمل حسب كل الشريعة. وبذلك فالمسئولية كانت موضوعة عليهم من جهة أن يمارسوا إيمانهم ويهزموا الكنعانيين. وقد أثبت كل من يشوع وكالب أن هذا ممكن إذ كان لهما إيمان بالله ورغبة في إرضائه.

يكمن سر قوة المسيحي لإتمام مشيئة الله في القول التالي: لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية بنعمة مترنمين في قلوبكم للرب. وكل ما عملتم بقول أو فعل فاعملوا الكل باسم الرب يسوع (كولوسي 16:3-17).

أفكار من جهة الصلاة: ثق في الرب فإنه هو ملجأك (مزمور 1:15-4).

 

عودة للفهرس