مقدمة لسفر تسالونيكي الأولى والثانية
في رحلته التبشيرية الثانية، اقتيد الرسول بولس إلى تسالونيكي، وهي مدينة بارزة في مقاطعة مكدونية (شمالي اليونان). وعلى الرغم من مواجهته لمقاومة عنيفة، إلا أن بعض اليهود وعدداً كبيرا من اليونانيين آمنوا وقبلوا كلمة الله (1 تسالونيكي 13:2).
وبعد مغادرة تسالونيكي، اتجه بولس إلى بيرية،حيث استقبل استقبالا حسنا، ولكن لم يمض إلا وقت قصير حتى أتى اليهود المتعصبون من تسالونيكي وأخذوا يقاوموه بشراسة. بعد ذلك ذهب بولس إلى أثينا،حيث واجهه العقلانيون ببرود فلم يحقق نجاحا كبيرا، ومن هناك اتجه إلى كورنثوس (أعمال 13:17-16؛ 1:18،5؛ 1 تسالونيكي 1:3،6-7).
وفي رسالته الأولى أشار بولس إلى أن الطريقة الوحيدة لاكتشاف الضلالات والتغلب على الشر هي معرفة كلمة الله التي تعمل أيضا فيكم أنتم المؤمنين (13:2)، فإنه فقط بمعرفة الحق يمكننا أن نكتشف الكذب. بعد ذلك أعلن بعض الأمور التي ينبغي أن تحدث قبل مجيء الرب، وطمأن التسالونيكيين من جهة أن الرب نفسه ... سوف ينزل من السماء ... والأموات في المسيح سيقومون أولا ... ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء (1 تسالونيكي 16:4-17). وقد حرضهم بعد ذلك على الاستعداد لرجوع المسيح - وأن الرب يحفظ كيانهم بأكمله - روحا ونفسا وجسدا - كاملا بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح (23:5).
في تسالونيكي الثانية، أنبأ بولس أنه قبل مجيء المسيح سيزداد الشر والإثم تحت قيادة شخص جبار يعرف باسم "إنسان الخطية" - يكون ممثلا للفجور. وفي ذلك الوقت ستكون هناك مقاومة عنيفة للحق. وقد حذر أيضا من أن التعاليم الكاذبة ستنتشر وسيسود الارتداد: لأنهم لم يقبلوا محبة الحق ... بل سروا بالإثم (2 تسالونيكي 3:2،10-12).
ويشار إلى رجوع المسيح أكثر من 20 مرة في الأصحاحات الثمانية القصيرة لهاتين الرسالتين.
إن ملك الملوك، المنتصر العظيم، سيرجع قريبا بطريقة مجيدة ومرئية. ويؤكد لنا بولس أننا إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضا معه. فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب (1 تسالونيكي 14:4-15) - وهذا ينبغي أن يزيل كل شك من جهة مستقبلنا، لأن الرسول بولس كتب هذه الرسالة بسلطان كلمة الرب ... إن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولا (1 تسالونيكي 15:4-16).
كم كانت كلمات يسوع معزية حين قال: لا تضطرب قلوبكم، أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي. في بيت أبي منازل كثيرة ...أنا أمضي لأعد لكم مكانا (يوحنا 1:14-2). إن الرجوع الحرفي للمسيح إلى الأرض سيكون أعظم حدث منذ صعوده إلى السماء، عندما أخذته سحابة عن أعينهم (أعمال 9:1). إن رجوعه قد تأكد لحظة صعوده بواسطة شاهدين من السماء إذ قالا: إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلى السماء (أعمال 11:1). هذا أيضا من شأنه أن يبدد أي مخاوف لدينا من جهة المشاكل المستقبلية. فإن مجيئه هو المحور الذي تدور حوله حياتنا.
ويمكننا أيضا أن نعزي المسيحيين الذين انتقل أحباؤهم ليكونوا مع الرب، فإنهم قريبا بكل تأكيد سيكون لهم لقاء بهيج - ليس فقط مع المسيح، ولكن أيضا مع جميع أحبائهم. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين [أي طوال الأبدية] مع الرب! (1 تسالونيكي 17:4).
لا توجد كلمات مناسبة لوصف رجوع الرب الرائع المجيد المثير. فإن التاريخ كله يتلخص في دهرين فقط: الدهر الحاضر الذي بدأ بآدم، والدهر الآتي الذي يشار إليه عادة باسم " يوم الرب " (1 تسالونيكي 2:5). فمع حلول ذلك اليوم ينتهي دهر السقوط والخطية والألم والموت. إن التاريخ بأكمله يتحرك نحو يوم الرب المحدد.
هذا هو التوقع البهيج لكل مسيحي حقيقي يسهر بأمانة وينتظر رجوع مخلصه المنتصر، الذي هو رئيس الإيمان ومكمله (عبرانيين 2:12).
لقد دُعي كل جيل من المؤمنين الحقيقيين أن يعيش على رجاء مجيئه، والآن نحن أقرب إلى ذلك اليوم بمقدار 2000 سنة عن الوقت الذي كتب فيه بولس إلى كنيسة تسالونيكي! فلنحذر من الانشغال بالأنشطة العالمية التي تسلبنا النفع الروحي والاستعداد، لئلا يفاجئنا ذلك اليوم ونحن غير مستعدين مثل العذارى الخمس الجاهلات (متى 1:25-13).
إن رجوع المسيحي أمر حيوي لإيماننا. فلندع رجاء مجيئه يزودنا بالفرح والقوة بالرغم من الظروف الحاضرة.
وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح (1 تسالونيكي 23:5).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب الرب في وقت الضيق، لأنه وعد بأن يستمع لنا (مزمور 6:18).
يوجد توقع متزايد لدى جميع المؤمنين على مستوى عالمي بشأن رجوع الرب. فإنه لخبر مثير لجميع الذين يحبونه أنه سيأتي ليتمجد في قديسيه (2 تسالونيكي 10:1). سيأتي ليجازي إياكم الذين تتضايقون راحة معنا [أي نحن شركاؤكم في الضيقة] عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته، في نار لهيب معطيا نقمة للذين لا يعرفون الله والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح (7:1-8). إن الغالبية العظمى للبشرية تسرع في طريقها، غير عابئة بدينونتها الوشيكة. هؤلاء سيعاقبون بهلاك أبدي من وجه الرب ومن مجد قوته (9:1).
إن خبر رجوع المسيح هو خبر مجيد يفوق الوصف. وكما أن العروس تستعد لعريسها، كذلك جميع الذين يتوقعون رجوعه يجب أن يعدوا أنفسهم لذلك اليوم الرائع من جهة استخدام أوقاتهم ومواهبهم وممتلكاتهم. وهذا أيضا يعني أن يقرأوا مشورة الله الكاملة لكي يستعدوا كما ينبغي ليس فقط من أجل حدث مستقبلي ولكن من أجل الحياة الحاضرة وخدمة الكلمة.
من الواضح أن العالم لا يهتم إلا بتحقيق المزيد من التنعم في الحياة، بتحسين الدخل كل عام أكثر قليلا من العام السابق. ولذلك فإنهم يضاعفون الجهد، ويعملون أعمالا إضافية من أجل تأثيث البيت أو شراء السيارة التي لا تتحملها ميزانيتهم. وآخرون لديهم رغبة غير عادية في السعي إلى الكمال. فإنهم يريدون بيتا كاملا، وزواجا كاملا، وأولادا كاملين، ونجاحا كاملا في أشغالهم. ونتيجة لعدم قدرتهم على التأقلم مع الأوضاع التي لا يستطيعون تغييرها، فإنهم يقعون فريسة للمخاوف والإحباطات. ولقد أدت هذه الرغبة في كثير من الأحيان إلى حدوث الإرهاق ثم الاكتئاب ثم الانهيار.
وكلمة "انهيار" تتضمن "الإحباط واليأس المتزايد الذي يؤدي إلى الإحساس "بالفشل". وكلما فكر هؤلاء الأشخاص في الأنشطة اليومية، كلما ازداد عدم رضاهم عن الحياة. إننا جميعا معرضون للاندماج في روح العالم.
ومع أن يسوع قد قال: لا تقدرون أن تخدموا الله والمال (متى 24:6)، إلا أن الكثيرين يظنون أن هذا ممكن. وهم مثل البذرة في مثل الزارع الذي سرده الرب يسوع والتي وقعت بين الشوك (متى 3:13-23)، فإن مسيحيين كثيرين لا يجدون الوقت الكافي لخدمة المسيح إذ يستمرون في أسلوب حياتهم المزدحم الذي يؤدي إلى خنق ثمرهم الروحي.
ولكن أولئك الذين يختارون أن يستثمروا حياتهم في خدمة المسيح يمتلكون السلام والرضى بلا استثناء.
إن الرب لديه طريقة للتعامل مع الأوضاع التي نظنها مستحيلة، عندما نثق فيه ونكف عن الخصام. فإن عبد الرب لا يجب أن يخاصم بل يكون مترفقا (2 تيموثاوس 24:2). فالغد لا يأتي أبدا ولكن اليوم يمكننا جميعا أن نغير فيه اتجاهاتنا ونعيد تقييم أولوياتنا فنبدأ نتمتع بملك السلام الساكن فينا.
فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما (1 تيموثاوس 8:6) - ليس فقط من أجل الحفاظ على صحتنا وراحة بالنا، بل من أجل امتياز استخدام وقتنا ومواهبنا ووممتلكاتنا لمساعدة الآخرين، ولكي يستعدوا لمجيء الرب. فالوقت يقترب الذي فيه يجيء ليتمجد في قديسيه ويتعجب منه في جميع المؤمنين (2 تسالونيكي 10:1).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يحررك من خطاياك الإرادية (مزمور 13:19).
مقدمة لسفر تيموثاوس الأولى والثانية
في رسالته الأولى إلى تيموثاوس ركز بولس على أن التعليم الصحيح ضروري سواء في العبادة أو في الحياة لإرضاء الرب. ثم أكد على الصفات الهامة للشيوخ والشمامسة وأن حياتهم يجب أن تكون متفقة مع كلمة الله (1 تيموثاوس 1:3-13).
وقد ناشد بولس تيموثاوس أن يظل أمينا للمسيح ولكلمته وأن يجاهد جهاد الإيمان الحسن (1 تيموثاوس 18:1-19؛ 1:4-6؛ 3:6-4،12،20).
والرسالة الثانية إلى تيموثاوس هي آخر رسالة كتبها الرسول بولس من سجنه في روما، ربما قبل استشهاده ببضعة أيام (2 تيموثاوس 6:4-7). ويعتقد بصفة عامة أن بولس قد قطع رأسه أثناء الجزء الأخير من حكم نيرون.
وقد حرض بولس ابنه الحبيب تيموثاوس أن يظل جنديا أمينا للمسيح: وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناسا أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضا (2 تيموثاوس 2:2). وقد حذر أيضا تيموثاوس من أن ليس أحد وهو يتجند يرتبك بأعمال الحياة لكي يرضي من جنده (2 تيموثاوس 4:2).
وقد أعلن بولس أن الكتاب المقدس فيه كل الكفاية للإجابة على جميع مشاكل الحياة. وقد حذر من أن التقصير في دراسة الكتاب بأكمله سيؤدي في النهاية إلى الخزي عند لقاء الرب (2 تيموثاوس 15:2).
إن كلمة الله وحدها تعطي الحكمة لمعرفة وعمل مشيئة الله (2 تيموثاوس 15:3). فإن فهم أقواله هو الضمان الوحيد ضد الانخداع الذي ينتج عن خلط الحق بالكذب.
فكر في هذا! إن الكتاب المقدس نافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر [أي للتدريب على الحياة المقدسة بما يتفق مع إرادة الله في الفكر والعمل والغرض] - لكي نكون مستعدين تماما لتحقيق الهدف الذي من أجله خلقنا الله (2 تيموثاوس 16:13-17).
وقد حذر بولس أيضا من أن الكثيرين سيطلبون أن يرضوا الناس حتى لا يفقدوا شعبيتهم. وقد نصح تيموثاوس بأن يكرز بالكلمة بأمانة (2 تيموثاوس 1:4-4).
إن هذا العالم كان سيصبح مكانا رائعا لو كان جميع الحكام والملوك والرؤساء مؤمنين، ويهتمون بإقامة العدل مع الجميع - أغنياء وفقراء على حد سواء. ولكن الحقيقة المؤسفة هي أن معظم سكان العالم يحكمهم قادة أشرار.
ويبدو أنه في وقت كتابة بولس لرسالة تيموثاوس الأولى، كان نيرون يضطهد المسيحيين بل إنه كان قد أعدم العديدين منهم. ومع ذلك فلقد أكد بولس على ضرورة الصلاة من أجل الذين هم في السلطة. كتب قائلا: أطلب أول كل شيء أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس، لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار (1 تيموثاوس 1:2-2).
وعندما نصلي من أجل قادة العالم، يمكننا أن نتأكد أن صلواتنا سيكون لها تأثير على أفعالهم - سواء كانوا هم أنفسهم أتقياء أم أشرارا، وذلك لأن قلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يميله (أمثال 1:21). وفي نفس الوقت فإن الصلاة ستنشئ تقوى في قلب الشخص المصلي. إن الامتناع عن الصلاة ليس فقط خطية في حق أنفسنا بل أيضا في حق الآخرين، والأهم من هذا وذاك فإنه خطية في حق الله الذي اختار أن تكون الصلاة هي الوسيلة لتحقيق مقاصده. أيضا نقرأ أن التقوى نافعة لكل شيء (1 تيموثاوس 8:4).
إن قراءة الكتاب المقدس نافعة لحياتنا الروحية تماما كما أن تناول الطعام الصحي نافع لحياتنا الجسدية إذ يعطينا القوة والحيوية. وكما أن الرياضي يدرب جسده ليصبح أكثر تحملا وتيقظا، فإن المسيحي أيضا يجب أن يدرب نفسه - بتخصيص وقت محدد كل يوم لقراءة الكتاب المقدس والتأمل والصلاة. فبهذه الطريقة تصبح حقائق الله هي منهجنا في الحياة إذ نحصل على نصيب أكبر من شخصه، الذي هو خبز الحياة، لتقوية حياتنا الروحية فيصبح جزءا منا تماما كما أن الطعام الذي نتناوله يصبح جزءا من أجسادنا المادية.
عندما أصدر القادة الدينيون الأوامر لبطرس والآخرين ألا يخبروا أحدا أن يسوع هو المسيا مخلص العالم، أجابوا كمسيحيين أمناء قائلين: ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس (أعمال 29:5).
يجب على المسيحيين أن يشهدوا بأمانة للحق - حتى إذا كان هذا يعني السجن أو الموت لهم. ولكن المؤمنون الأوائل لم يبدوا أي كراهية ضد أولئك الذين أرادوا أن يسكتوهم. وفي الواقع فإن الأسلوب المسيحي في السلوك هو ألا يطعنوا في أحد ويكونوا غير مخاصمين حلماء مظهرين كل وداعة لجميع الناس (تيطس 2:3). وهذا لا يعني أننا يجب أن نخضع بسلبية للحكومات الفاسدة التي تحاول أن تجعلنا نصبح غير أمناء لكلمة الله. ولكن لا يصح لأي إنسان، خاصة الإنسان المسيحي، أن يجاوب بقوة أو عنف. فإن الشيطان هو الذي يثير العنف والتمرد.
لأننا كنا نحن أيضا قبلا أغبياء غير طائعين ضالين مستعبدين لشهوات ولذات مختلفة عائشين في الخبث والحسد ممقوتين مبغضين بعضنا بعضا (تيطس 3:3).
وقد أكد الرسول بطرس على مسئولية المسيحيين أن يكونوا مواطنين صالحين ملتزمين بالقانون، فكتب قائلا: اخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب، إن كان للملك فكمن هو فوق الكل، أو للولاة فكمرسلين منه للانتقام من فاعلي الشر (1 بطرس 13:2-14).
شواهد مرجعية: 1 تيموثاوس 18:5 (انظر تثنية 4:25).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يعطيك فهما لمشيئته أثناء قراءتك لكلمته (مزمور 5:25).
كان الرسول بولس عالما بأن إعدامه قد اقترب، لذلك كتب إلى تيموثاوس. ولم يكن لدى بولس أدنى شك في أنه رسول يسوع المسيح بمشيئة الله لأجل وعد الحياة (2 تيموثاوس 1:1). ولا نجد أي تردد في تأكد بولس من أن كل تفاصيل حياته كانت بمشيئة الله - حتى سجنه وإعدامه. وقد استطاع بكل ثقة أن يضيف قائلا: نعمة ورحمة وسلام من الله الآب والمسيح يسوع ربنا! (2:1).
كان بولس يبدو أسمى من السجن وأسمى من القيود وأسمى من الإعدام، إذ قال: إن كنا نصبر فسنملك أيضا معه، إن كنا ننكره فهو أيضا سينكرنا (تيموثاوس 12:2). وإنكاره يتخذ أشكالا كثيرة. فإن أسلوب حياتنا قد يكون أحد أشكال إنكار المسيح في وسط عالم غارق في الخطية. إن عدم المساهمة في توصيل كلمة الله إلى العالم الهالك هو إنكار للهدف الرئيسي من كون الإنسان مسيحيا حقيقيا(متى 18:28-20).
ليس من الشائع أن يبشر أحد كما فعل بولس. فبالنسبة لبولس كان تعريف "الحياة" هو أن يعيش برؤية أبعد من سنواته القليلة القصيرة استعدادا للحياة الأبدية. ولكن المسيحية اليوم أصبحت متهادنة مع العالم تعمل على إرضاء أطماع الناس وشهواتهم - وأصبحت "الحياة" بالنسبة لها هي الحرية في طلب المزيد والانغماس إلى أقصى درجة في الثروة والمتعة والممتلكات المادية. ما أبعد الفرق بين هذه الفلسفة العالمية وبين ما قاله بولس: ليس أحد وهو يتجند يرتبك بأعمال الحياة (2 تيموثاوس 4:2).
في أول عددين من أصحاح 1 يستخدم ثلاث مرات اسم يسوع ويليه المسيح، ولكن في عدد 10 نجد كلمة "مخلصنا" وهي كلمة تذكرنا بأننا كنا هالكين إلى الأبد وغير قادرين قطعيا على أن نخلص أنفسنا.
لقد خلصنا الله ودعانا ووهبنا الحياة - الحياة الأبدية. هذه هي الأخبار السارة (أي الإنجيل) الخاصة بيسوع المسيح، وكل شيء آخر نفعله بطريقة إنسانية هو أمر ثانوي بالمقارنة مع الهدف الأسمى الذي من أجله جاء يسوع المسيح - لكي يطلب ويخلص ما قد هلك (لوقا 10:19).
ويذكرنا بولس بألا تغيب عن أعيننا الحقيقة بأن الإنجيل هو أولا وقبل كل شيء عن الحياة الأبدية: خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية، وإنما أظهرت الآن بظهور يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل (2 تيموثاوس 9:1-10).
كم يحاول الشيطان أن يشغلنا بأنشطة جيدة ولكن ليس لها قيمة حقيقية في حياتنا الروحية. لهذا السبب يحرضنا بولس قائلا: المباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها عالما أنها تولد خصومات (تيموثاوس 23:2). والخصومات تظهر عادة عندما نشن هجوما على شخص لمجرد أننا نختلف معه. وعلى عكس ذلك، فإن النضج الروحي الحقيقي يظهر في طول الأناة واللطف (غلاطية 22:5-23).
وقبل اختتام رسالته يؤكد بولس مرة أخرى ثقته من جهة المستقبل قائلا: قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضا (2 تيموثاوس 6:4-8).
شواهد مرجعية: 2 تيموثاوس 19:2 (انظر عدد 5:16).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يعلمك طرقه (مزمور 11:27).
كان بولس قد ترك تيطس في كريت، وهذه الرسالة كتبت من أجل إعطائه التعليمات بشأن إكمال ترتيب الأمور الناقصة في الكنائس هناك، وبصفة خاصة من أجل إقامة شيوخ في كل مدينة (تيطس 5:1).
يجب أن يتم اختيار القادة الروحيين بكل دقة طبقا لمواصفات معينة. فإن إهمال أي من هذه المواصفات يؤدي إلى نتائج خطيرة. فلكي يحصل القادة على تأييد الله وعلى بركته، يجب أن يكونوا بلا لوم في حياتهم الشخصية وأن يكونوا أمناء لكل ما هو مكتوب في الكتاب المقدس (تيطس 6:1-9).
ويحذر بولس أيضا في رسالته إلى تيطس من أن معلمين كثيرين هم مخادعون. إذ يعترفون بأنهم يعرفون الله ولكنهم بالأعمال ينكرونه إذ هم رجسون غير طائعين ومن جهة كل عمل صالح مرفوضون (تيطس 16:1).
بعد ذلك يسرد بولس مواصفات الشيوخ، ويعطي التعليمات للرجال والنساء المتقدمين في السن وكيف يجب أن يعلموا بدورهم الشباب وينصحوهم أن يبتعدوا عن الشهوات الشريرة والطموحات العالمية، وأن يعيشوا أمام الرب بطريقة تمجده - منتظرين ... ظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح (تيطس 13:2). بعد ذلك يأتي إعلان عن الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا (تيطس 5:3-6) - لكي يعدنا لنكون ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية (تيطس 7:3).
يبدو أن الكنائس في كريت كانت تعاني من نقص في القيادة المؤهلة. وقد أوصى بولس تيطس أن يكمل ترتيب الأمور الناقصة ويقيم في كل مدينة شيوخا ... وأن الأسقف كوكيل الله يجب أن يكون بلا لوم بعل امرأة واحدة له أولاد مؤمنون ليسوا في شكاية الخلاعة ولا متمردين (تيطس 5:1-7).
يجب أن يكون الأسقف بعل امرأة واحدة (1 تيموثاوس 2:3،12؛ تيطس 6:1). إن بعض الرعاة المطلقين يريدون أن يقنعوننا بأن هذا يعني أن يكون زوجا لامرأة واحدة في الوقت الواحد. أي أن الخادم من حقه أن يتزوج ويطلق ويتزوج مرة أخرى أي عدد من المرات طالما أنه يكون زوجا لامرأة واحدة في الوقت الواحد.
إن شغل وظيفة أسقف أو شيخ أو راع في الكنيسة يتضمن أن يكون الشخص مسئولا بصفته ممثلا ليسوع المسيح أمام كنيسته على مستوى أعلى من العضو العادي (تكوين 24:2؛ متى 3:19-11؛ مرقس 2:10-12).
لذلك يجب أن يكون الأسقف بلا لوم، بعل امرأة واحدة [وليس واحدة في الوقت الواحد] ... صالحا للتعليم [بالقدوة والمثال الحسن] ... يدبر بيته حسنا [أي بيت؟ الأول أم الثاني أم الثالث؟] له أولاد [لم يقل أولادها أو أولادهن] في الخضوع بكل وقار. وإنما إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته فكيف يعتني بكنيسة الله؟ ... ليكن الشمامسة كلٌّ بعل امرأة واحدة مدبرين أولادهم [وليس أولاد رجل آخر، أو أن رجلا آخر تكون له الوصاية على أولاده] وبيوتهم حسنا (1 تيموثاوس 1:3-2،4-5،12).
فمن الواضح أن أي شخص يطلق ويتزوج مرة أخرى سواء قبل أو بعد الإيمان لا يصلح أن يكون راعيا أو أسقفا أو شماسا.
فالرجل المطلق بفسخه لعلاقة الزواج مع زوجته، يفسخ العلاقة التي تمثل العلاقة بين المسيح وعروسه الكنيسة.
إن الطلاق تعدي على ترتيب الله في العالم وأيضا على الكنيسة والأسرة. لهذا السبب يؤكد الله قائلا إنه يكره الطلاق (ملاخي 16:2). وقد تكلم الرب يسوع بكل وضوح عن خطورة الطلاق قائلا: من بدء الخليقة ذكرا وأنثى خلقهما الله ... ويكون الاثنان جسدا واحدا، إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان (مرقس 6:10،8-9). ولكن من البدء لم يكن هكذا. وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوج بأخرى يزني (متى 8:19-9).
فيجب على القائد والمعلم في الكنيسة أن يقدم المثال الصحيح للكنيسة التي هي عروس المسيح والتي تعد نفسها لمجيء العريس. وهذا لا يعني بالطبع أن الشخص الذي قد طلق وتزوج مرة أخرى لا يمكن أن يكون مسيحيا أمينا مخلصا ونافعا في ربح النفوس للمسيح فهو يستطيع أن يشغل أي وظيفة في الخدمة باستثناء أن يكون ممثلا للمسيح في شكل أسقف أو شماس.
ويختم الرسول رسالته بتذكيرنا بأنه: لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا ... حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية (تيطس 5:3،7).
أفكار من جهة الصلاة: اشكر الرب لأنه يسمع صلاتك (مزمور 6:28-7).
كتب بولس هذه الرسالة إلى فليمون، الذي كان على ما يبدو شخصا مرموقا في كولوسي، وأيضا من المتجددين على يد بولس شخصيا.
كان أنسيمس، وهو عبد لفليمون، قد هرب إلى روما حيث التقى بالرسول بولس. ويبدو أن أنسيمس كان قد قَبِل المسيح مخلصا له، وإذ أصبح مسيحيا فلقد وافق أن يرجع إلى سيده في كولوسي، على بعد 900 ميلا. وفي هذه الرسالة الجميلة يحرض بولس فليمون على مسامحة أنسيمس وقبوله مرة أخرى - ليس كعبد هارب بل كأخ محبوب - تماما كقبوله لبولس نفسه (فليمون 17:1).
والفكرة الأساسية هنا هي أن المسيح قد أوجد أخوّة روحية تجعل الغني والفقير، الضعيف والقوي، في نفس الدرجة من الأهمية في نظر الله. لذلك يجب أن يكون الجميع على درجة متساوية من المعزة في نظرنا إذا كان المسيح متسيدا على حياتنا.
توجد 11 إشارة إلى الرب يسوع المسيح في هذه الرسالة القصيرة