عبرانيين 11 - 13
   
 
 

مقدمة لسفر عبرانيين

من المتعارف عليه بوجه عام أن بولس هو كاتب هذه الرسالة. ولكن الكاتب الحقيقي لكل أسفار الكتاب المقدس هو الروح القدس.

وموضوع هذه الرسالة هو أفضلية المسيح. فهي توضح كيف أنه أسمى بكثير من الأنبياء، والكهنة، وموسى، والناموس، وأيضا الملائكة. فهو رسم جوهر الله [أي ذات جوهر الله] وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عبرانيين 3:1). والكاتب أيضا يعظم كلمة الله المعصومة من الخطأ (عبرانيين 1:1؛ 12:4).

وكلمة "أفضل" (أي أسمى) هي من الكلمات الواضحة في رسالة العبرانيين وهي تقارن بين بركات العهد القديم وبين الامتيازات التي لنا في المسيح. فنحن لنا رجاء أفضل (عبرانيين 19:7)؛ ومواعيد أفضل (6:8)؛ وعهد أعظم (6:8). فالوصايا العشر كانت مكتوبة على لوحين من الحجر، أما عهد المسيح فهو مكتوب على قلوبنا (10:8)؛ والمؤمن له اليقين من جهة مال أفضل (عبرانيين 34:10). فلا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة (35:10). وتوجد مناشدة قوية من جهة الحق الذي سمعناه لئلا نتحول عنه ونضل طريقنا (1:2).

ولكي يعبد بنو إسرائيل الله في العهد القديم كان لا بد من تقديم دم الحيوانات البريئة يوميا من أجل الخطية. ولكن لم تكن هناك ذبيحة يمكن تقديمها من أجل الخطايا الإرادية أو العمدية (عدد 30:15).

وهذا المبدأ الرئيسي لا زال ساريا اليوم في العهد الجديد. نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها؟ (رومية 1:6-2). فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعد ما أخذنا معرفة الحق لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا (عبرانيين 26:10-29).

وبالمقابلة الواضحة مع العهد القديم برئيس كهنته وبذبائحه التي لا تنتهي، نجد العهد الجديد الذي لا يتطلب سوى ذبيحة واحدة: دم المسيح المرشوش في قدس الأقداس السماوية للتكفير عن خطايانا (عبرانيين 12:9؛ 1:10-29). وهو الآن جالس عن يمين الله رئيس كهنتنا، إذ هو حي في كل حين ليشفع فينا (25:7

اقرأ عبرانيين 1 -- 4

كم ينبغي أن نشكر الله لأن الرب يسوع المسيح، رئيس كهنتنا، ليس بعيدا عنا بحيث لا يقدر أن يعتني بنا أو يسدد احتياجاتنا. فهو يعرف تماما جميع المشاكل التي تواجهنا، إذ أنه كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء، لكي يكون رحيما ورئيس كهنة أمينا في ما لله حتى يكفر خطايا الشعب. لأنه في ما هو قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين (عبرانيين 17:2-18).

لقد أعد الرب يسوع طريق الخلاص لكل الذين يضعون ثقتهم في ذبيحته الكفارية على الصليب. إن شفيعنا وكاهننا الأعظم، يسوع المسيح، جالس عن يمين الله مقدما بسخاء رحمته ومحبته. ويمكننا أن نقترب منه بلا خوف، لكي ننال جميع الموارد التي نحتاجها لكي نعيش الحياة المنتصرة. لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية (عبرانيين 15:4). إن التجربة ليست خطية، ولكن الخضوع للتجربة هو الخطية. فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونا في حينه (عبرانيين 16:4).

لقد كتب بولس إلى أهل رومية قائلا أننا قد تبررنا بدم المسيح. فلا يمكن أن يكفر عن الخطية إلا من كان بلا خطية. إن يسوع الذي حُبل به بالروح القدس وبالتالي لم تكن فيه طبيعة آدم، عاش حياة خالية تماما من الخطية. لذلك فهو الوحيد الذي يستطيع أن يكون شفيعا لنا وأن نخلص به من الغضب (رومية 9:5). كم نشكر الرب أن شفيعنا هو المسيح وحده، واهب الحياة الأبدية، وأن خلاصنا مستمد منه وحده. لا يوجد شخص آخر يستطيع أن يشفع لنا أو أن يعيننا بأي طريقة، لأن الجميع أخطأوا (رومية 23:3) - الجميع بلا استثناء؛ ليس بار ولا واحد (رومية 10:3). فهل يمكن أن يكون لنا بعد ذلك وسيط آخر من البشر غيره؟ فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات، يسوع ابن الله، فلنتمسك بالإقرار [أي الاعتراف بالإيمان به] (عبرانيين 14:4). ببر واحد ... سيجعل الكثيرون أبرارا ... ازدادت النعمة جدا [أبعد من حدود أي خطية]، حتى كما ملكت الخطية في الموت [أي جلبت الموت] هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية [أي نهايتها حياة أبدية] بيسوع المسيح ربنا (رومية 17:5-21).

لا توجد أي إشارة في الكتاب المقدس إلى أن هناك أحد يستطيع أن يحبنا أكثر من الرب يسوع المسيح، الذي وحده يستطيع أن يطهرنا من خطايانا. فحتى الأب البشري، ألا ينكسر قلبه إذا شعر أن ابنه يلجأ إلى شخص آخر لكي يدافع عنه، بدلا من أن يمارس حريته الكاملة في الاقتراب إلى أبيه الذي يحبه إلى درجة لا توصف، إذ أنه مستعد أن يضحّي بحياته من أجل ابنه؟

لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح (1 تيموثاوس 5:2).

شواهد مرجعية: عبرانيين 5:1 (انظر مزمور 7:2؛ 2 صموئيل 14:7)؛ عبرانيين 6:1 (انظر مزمور 7:97)؛ عبرانيين 7:1 (انظر مزمور 4:104)؛ عبرانيين 8:1-9 (انظر مزمور 6:45-7)؛ عبرانيين 10:1-12 (انظر مزمور 25:102-27)؛ عبرانيين 13:1 (انظر مزمور 1:110)؛ عبرانيين 6:2-8 (انظر مزمور 4:8-6)؛ عبرانيين 12:2 (انظر مزمور 22:22)؛ عبرانيين 13:2 (انظر إشعياء 18:8)؛ عبرانيين 7:3-11 (انظر مزمور 7:95-11)؛ عبرانيين 3:4 (انظر مزمور 11:95)؛ عبرانيين 4:4 (انظر تكوين 2:2).

أفكار من جهة الصلاة: غن للرب بالتسابيح (مزمور 4:30).

اقرأ عبرانيين 5 -- 7

كان هناك رئيس كهنة واحد في فترة خدمته. وكان عليه من ناحية أن يمثل الشعب الخاطئ أمام الله القدوس - لكي يقدم قرابين وذبائح عن الخطية (عبرانيين 1:5). ومن الناحية الأخرى أن يمثل الله القدوس أمام شعبه. فبصفته الناطق بلسان الله، كان على رئيس الكهنة أن يعلم الشعب معاني وتطبيقات كلمة الله على حياتهم - لتعليم بني إسرائيل جميع الفرائض التي كلمهم الرب بها بيد موسى (لاويين 11:10).

كان رئيس الكهنة يشغل منصبا في منتهى الأهمية لدى الأمة الإسرائيلية. ولم يكن رئيس الكهنة يحصل على هذا المنصب بالانتخاب الشعبي ولا بالقوة، بل كان يدعى من الله ... كذلك المسيح أيضا لم يمجد نفسه ليصير رئيس كهنة (عبرانيين 4:5-5). فالمسيح قد اختير من الله لكي يكون كاهنا إلى الأبد (عبرانيين 6:5).

كان هارون هو أول رئيس كهنة قد دعي من الله (خروج 1:28) لكي يتوسط يوميا بين الله وبين الشعب الخاطئ. ولكن وساطته كانت ستصبح عديمة الفائدة، واقترابه من الله كان سيصبح مستحيلا لو لم تكن هناك ذبيحة مقبولة. ففي يوم الكفارة السنوي، كان رئيس الكهنة مسئولا عن تقديم ذبيحة كفارية - أولا عن خطاياه الشخصية ثم عن خطايا أسرته. عندئذ فقط كان يحق له أن يكفر عن خطايا الشعب (لاويين 11:16-16). لقد كان يمثل الشعب أمام الرب وكان يحمل أسماء بني إسرائيل على الصدرة التي كان يرتديها بالقرب من قلبه، والتي ترمز إلى محبته ومسئوليته الروحية عن شعب الله. فمن خلال رئيس الكهنة كان في إمكان الشعب أن يحصلوا وأن يحافظوا على علاقة مقبولة مع الله.

وفي رسالته إلى رومية، كتب بولس قائلا أنه بسبب محبة الله العظيمة، قدم ابنه الوحيد حياته على الصليب لأجل الفجار (رومية 6:5). وكلمة " فجار " هي كلمة شديدة تصف الطبيعة الخاطئة للجنس البشري الهالك الذي مات المسيح من أجله. والأكثر من ذلك، يقول بولس أننا كنا أعداء. ولكن على النقيض الآخر نجد محبة الله العجيبة: صولحنا مع الله بموت ابنه، فبالأولى كثيرا ونحن مصالحون نخلص [أي نخلص يوميا من سلطان الخطية] بحياته (رومية 10:5).

في كل سنة، كان رئيس الكهنة الإسرائيلي يدخل إلى وراء الحجاب الذي يفصل المكان المقدس (القدس) عن قدس الأقداس حيث يحل مجد الحضور الإلهي. وفي يوم كفارته، قدم المسيح - حمل الله الذي بلا خطية - نفسه كالذبيحة الكاملة من أجل الخطاة على الصليب. وبموته، صنع كفارة عن خطايا جميع المزمعين أن يؤمنوا به. وبما أن يسوع هو ابن الله، وهو بلا خطية، فلم يكن محتاجا أن يقدم ذبيحة خطية عن نفسه كما كان يفعل هارون.

إن موت المسيح، وقيامته، ورجوعه الوشيك يجب أن يكون حافزنا الأقوى، وعنصراً ملهما لنا حتى نكون دائما مستعدين أن نعمل إرادة مخلصنا مهما كلف الأمر.

منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح، الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعبا خاصا غيورا في أعمال حسنة (تيطس 13:2-14).

شواهد مرجعية: عبرانيين 5:5 (انظر مزمور 7:2)؛ عبرانيين 6:5 (انظر مزمور 4:110)؛ عبرانيين 14:6 (انظر تكوين 17:22).

أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب من أجل غفرانه وسلامه (مزمور 5:32).

اقرأ عبرانيين 8 -- 10

كان بنو إسرائيل، في العهد القديم، يعبدون الرب من على مسافة - وكان الاقتراب منه يتم فقط من خلال رئيس الكهنة. لكنه الآن بالمسيح، فقد صار لنا عهد جديد به نعرف أن خالقنا يريدنا أن نتعامل معه كالآب لنا. لقد كان هذا تحقيقا لنبوة سبق وأنبأ بها النبي إرميا (إرميا 33:31-34) ونجد تفسيرها في قراءة اليوم: أجعل نواميسي في أذهانهم وأكتبها على قلوبهم (عبرانيين 10:8-11).

فعندما يرجع الشخص إلى المسيح ويتخذه مخلصا له، يحصل على طبيعة جديدة، فيصبح في إمكانه أن يخدم الله الحي بالطريقة التي ترضيه (عبرانيين 14:9). ولنا الامتياز من خلال هذا الطريق الجديد الحي (عبرانيين 20:10) أن يصير لنا قبول كامل في محضر محبته وفي أي لحظة من النهار أو من الليل. فنحن لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقا كرسه لنا حديثا حيا (عبرانيين 19:10-20).

وإذ عرفنا بالبركات العجيبة التي أعدها الله لنا، إننا مدعوون أن نتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان [أي مؤمنين بقوته وحكمته وصلاحه] مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير [أي ضمائرنا متطهرة من الذنب] ومغتسلة أجسادنا بماء نقي (22:10). وكما قال يسوع: أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به (يوحنا 3:15). وكما كتب بولس إلى كنيسة أفسس: لكي يقدسها [أي الكنيسة] مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة (أفسس 26:5).

كثيرون يتعذبون في جهل، بسبب ضميرهم الشرير، لكنه توجد طريقة بها نستطيع أن نتطهر من دوافعنا الشريرة والكراهية والشكوى والتذمر والذنب والشهوة والشر. لأن الله يغفر لنا آثامنا وينساها في ظل عهده الجديد (عبرانيين 12:8). وعندما تأتي علينا الضغوط، يشجعنا الكتاب المقدس أن نتمسك بإقرار الرجاء راسخا [أي الرجـاء الذي نعترف به] (عبرانيين 23:10).

إن الله مستعد أن يسدد احتياجاتنا في الوقت المعين بحيث يجعل من مآسي اليوم انتصارات للغد.

ونتقوى أكثر عندما نلاحظ بعضنا بعضا (24:10). فالمسيحيون هم كيان يجمعه الإيمان، إنهم جسد المسيح. وعندما تكون لنا شركة مع بعضنا البعض فإنها تؤدي إلى التبادل الخلاق الذي ينشئ فينا المحبة والشفقة على الأخ الضعيف أو الأخت الضعيفة.

جميعنا نحتاج لبعضنا البعض بدون استثناء. هذا ما يوضحه الرسول بولس بقوله: لأننا جميعنا بروح واحد أيضا اعتمدنا إلى جسد واحد يهودا كنا أم يونانيين عبيدا أم أحرارا ... لا تقدر العين أن تقول لليد لا حاجة لي إليك ... بل تهتم الأعضاء اهتماما واحدا بعضها لبعض (1 كورنثوس 13:12-25). كم من المرات رأينا أشخاصا لا يبصرون إلا عيوب المؤمنين الذين يجتمعون معهم، حتى أن برهم الذاتي قد أدى في النهاية إلى انفصالهم عن الجميع فجرفتهم البرودة وروح الانتقاد. لذلك يجب أن نتشارك مع بعضنا البعض بالأكثر على قدر ما نرى يوم الرب [أي يوم رجوع الرب] يقرب (عبرانيين 25:10).

شواهد مرجعية: عبرانيين 5:8 (انظر خروج 40:25)؛ عبرانيين 8:8-12 (انظر إرميا 31:31-34)؛ عبرانيين 20:9 (انظر خروج 8:24)؛ عبرانيين 5:10-7 (انظر مزمور 6:40-8)؛ عبرانيين 12:10-13 (انظر مزمور 1:110)؛ عبرانيين 16:10-17 (انظر إرميا 33:31-34)؛ عبرانيين 30:10 (انظر تثنية 35:32-36)؛ عبرانيين 37:10-38 (انظر حبقوق 3:2-4).

أفكار من جهة الصلاة: بارك الرب في جميع الأوقات مهما كانت الظروف (مزمور 1:34).

اقرأ عبرانيين 11 -- 13

في طاعته لله، ترك إبراهيم أبو المؤمنين (رومية 11:4) حياة الأمان في موطنه الأصلي (أور الكلدانيين) ليعيش في خيام كشخص غريب في أرض الموعد. بالإيمان إبراهيم لما دُعي أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدا أن يأخذه ميراثا، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي. بالإيمان تغرب في أرض الموعد كأنها غريبة ساكنا في خيام... لأنه كان ينتظر المدينة ... التي صانعها وبارئها الله (عبرانيين 8:11-10؛ تكوين 1:12؛ أعمال 2:7-4).

لو كان إبراهيم قد بقي مع شعبه، لما كان قد نال وعدا بالبركة (تكوين 1:12)؛ ولكن عندما خرج بإيمان وطاعة (6:12) تجرب واختبر، وفي نفس الوقت نال البركة. وعلى الرغم من جميع الإحباطات التي صادفته، فلا يقال عنه ولا مرة واحدة أنه قد اشتكى من أنه قد تلقى نصيبا أقل من الأفضل.

يبدو للبعض أنه من المستحيل أن يتركوا أمان البيت والوطن والأٍسرة والأصدقاء بدون أن يتزعزع فرحهم. ولكن مثال إبراهيم يبين لنا، أننا نحن أيضا بالإيمان ننال الإرشاد من الله في أمور حياتنا العادية - أي بشـأن مكان إقامتنا، وطبيعة عملنا، وشخصيات أصدقائنا.

وقد نضطر أن نختبر العديد من الإحباطات قبل أن ندرك أن الله يقودنا أن يتعدى تطلعنا مكافآت هذه الحياة التي كثيرا ما تكون زائفة وغير مشبعة. نحتاج أن ندرك الحق الذي ظهر في حياة إبراهيم، وهو أن حياة الإيمان هي حياة التقدم المقرون بالطاعة والاعتماد على الله.

إن الله نادرا ما يحقق وعوده بالطريقة التي نتوقعها. فالبعض قهروا ممالك، صنعوا برا (أي أقاموا العدل)، نالوا مواعيد، سدوا أفواه أسود ، والبعض الآخر تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضا وحبس (عبرانيين 33:11،36). وقد ظلوا أمناء أثناء الاضطهاد والألم لكي ينالوا قيامة أفضل (35:11). هؤلاء هم الذين لم يكن العالم مستحقا لهم - تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض (38:11).

هؤلاء تخلوا عن المصالح الذاتية وعن الرغبة في المكاسب المادية، وعاشوا فقط لأجل إرضاء الله! لم يكن إيمانهم مبنيا على الظروف الحسنة أو المعجزات، بل كان مؤسسا على وعود الله الممجد غير المنظور.

إن الذين يحبون الرب حقا ويكرسون له حياتهم ينالون عادة الامتياز أن يتألموا لأجله (فيلبي 29:1). ولنا الضمان أننا إن كنا نصبر فسنملك أيضا معه (2 تيموثاوس 12:2).

عندما نحول أعيننا عن العالم، وعن ظروفه، وعن ذواتنا، ونركزها على يسوع، يقل اهتمامنا بالممتلكات والمباهج الأرضية وننشغل أكثر فأكثر بالمدينة السماوية.

لذلك ... لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة [عدم الإيمان الذي يقيد حركتنا] ، ولنحاضر بالصبر في الجهاد [السباق] الموضوع أمامنا (عبرانيين 1:12).

شواهد مرجعية: عبرانيين 18:11 (انظر تكوين 12:21)؛ عبرانيين 5:12-6 (انظر أمثال 11:3-12)؛ عبرانيين 12:12 (انظر إشعياء 3:35)؛ عبرانيين 26:12 (انظر حجي 6:2)؛ عبرانيين 5:13 (انظر يشوع 5:1)؛ عبرانيين 6:13 (انظر مزمور 6:118).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يحفظك من التكلم بالشر (مزمور 13:34).

 

مقدمة لسفر يعقوب

كاتب هذا السفر الصغير يعرف نفسه بأنه يعقوب عبد الله والرب يسوع المسيح (يعقوب 1:1).

فلقد ولدت أم يسوع أبناء آخرين بعد يسوع، وكان اسم أحدهم يعقوب (متى 55:13؛ مرقس 3:6). وهو لم يكن واحدا من الاثني عشر (متى 2:10-4). قال بولس عنه أنه يعقوب أخو الرب (غلاطية 19:1).

وربما كان يعقوب هذا هو الشيخ القائم على الكنيسة في أورشليم (أعمال 17:12) وبصفته قائدا لمجلس الرسل والشيوخ، فلقد أعلن رأيه عند انتهاء المناقشة (أعمال 13:15).

وقد قيل عن الأشخاص المرسلين من كنيسة أورشليم إلى أنطاكية أنهم أتوا من عند يعقوب (غلاطية 12:2)، وقد أعطى بولس تقريرا ليعقوب عن كل ما فعله الله بين الأمم (أعمال 18:21-19).

وقد اقتبس يعقوب مرارا من كتابات العهد القديم لتأكيد رسالته. وكان يقوم بعد ذلك بتطبيق هذه الكتابات على الحياة المسيحية (يعقوب 8:2،23؛ 5:4).

وتقدم رسالة يعقوب سلسلة اختبارات عملية نستطيع بها أن نتأكد من صدق إيماننا. وقد حرض يعقوب المؤمنين أن يحفظوا أنفسهم بلا دنس من العالم (يعقوب 27:1)؛ وقد أقر أيضا أن التجارب هي اختبارات لازمة للنضج (2:1-4). ووصف الذين يجارون العالم بأنهم زناة [لأنهم خانوا عهد ارتباطهم بالله] تعبيرا عن عدم أمانتهم للمسيح وعن التصاقهم بالعالم (4:4).

ويذكرنا بأن نكون أبناء روحيين لله بكلمة الحق . وكأبناء له يجب أن نكون عاملين بالكلمة لا سامعين فقط (18:1،21-23،25). ويطلق يعقوب عدة أسماء على كلمة الله مثل الكلمة، الشريعة، الحق، ويطلب منا أن نفحصها ونسمعها ونقبلها ونعمل بها.

تحرض رسالة يعقوب المؤمنين على الصلاة، وتقدم لهم إيليا مثالا لفاعلية الصلاة وقوتها - فقد كان إيليا إنسانا مثلنا ولكنه آمن أن الله سيستجيب صلاته (5:1-8؛ 13:5-18).

اقرأ يعقوب 1 -- 5

في أحيان كثيرة، عندما يتحدث الناس إلينا، نكون منشغلين في أفكارنا الخاصة حتى أننا لا نلتفت إلى ما يقولون. وبذلك يفوتنا الكثير مما يريدون أن يخبروننا به.

إن إحدى أعظم عقبات استماع صوت الله في كلمته هي الانشغال بأفكارنا الخاصة حتى أننا لا نصغي إليه. ولذلك يحذرنا قائلا: ليكن كل إنسان مسرعا في الاستماع، مبطئا في التكلم ... عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم (يعقوب 19:1،22).

وقبل قراءة الكتاب المقدس يجب أن نصلي حتى يقودنا الروح القدس لنكون مسرعين في الاستماع حتى لا نهين الله بعدم الالتفات إلى ما يريد أن يقوله لنا.

والروح القدس الساكن فينا يعطينا القدرة على قبول الكلمة المغروسة لنصبح عاملين بالكلمة لا سامعين فقط (21:1-22).

تتحدث الكلمة المغروسة عن المسيح، وكذلك أيضا الكلمة المكتوبة، فالاثنان لا يفترقان.

فإذا كنا مسرعين لسماع صوته مثلما نحن مسرعين في التعبير عن آرائنا، ستتلاشى القوى المدمرة التي بداخلنا ونتغير بطريقة عجيبة بواسطة ناموس الحرية الكامل (25:1).

في كل مرة نقرأ كلمة الله الحية، وحين تكون لنا احتياجات مختلفة وظروف مختلفة، يضع الرب أمامنا كلمة مختلفة أو فكرة مختلفة، فتعلن كلمته عما يريد الله منا وأيضا عن موارده الفياضة المتاحة لنا.

إن ثبتم في [أي كنتم متحدين معي] وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم (يوحنا 7:15).

إننا طوال اليوم، ننشغل بأصوات تنافس الرب من جهة وقتنا - فهناك الراديو والتليفزيون والجرائد والمجلات والكتب وفيض الثرثرة الذي لا ينتهي - هذه كلها أصوات تحاول أن تجذب انتباهنا.

يكتفي بعض الناس أن يكونوا مجرد متفرجين يستمتعون بسماع عظة جيدة، بينما ينشغل البعض الآخر بالتعليم والشهادة بل وأيضا بحفظ كلمة الله عن ظهر قلب. ومع أهمية كل هذه الأنشطة، إلا أنها قد تخدع الإنسان. فإن مجرد معرفة الكلمة المكتوبة في أذهاننا لا يكفي.

ويصور لنا يعقوب هذه النقطة قائلا: إن كان أحد سامعا للكلمة وليس عاملا فذاك يشبه رجلا ناظرا وجه خلقته في مرآة، فإنه نظر ذاته ومضى وللوقت نسى ما هو (يعقوب 23:1-24).

يجب أن تكون كلمته في أرواحنا أسلوب لحياتنا.

من السهل أن ننظر في مرآة كلمة الله ونظل عائشين بحسب رغباتنا الشخصية السابقة - واضعين الاستثناءات ومحورين كلمته بما يناسب المقاييس التي اخترناها لنعيش على أساسها. أما العامل بالكلمة فإنه على عكس ذلك يسر بالتحرر من ذنب الخطية وإذ يفك المسيح أسره يتمتع بحياة الحرية والبركة التي بحسب مقاييس الله.

ولكن من اطلع على الناموس الكامل، ناموس الحرية وثبت وصار ليس سامعا ناسيا بل عاملا بالكلمة فهذا يكون مغبوطا في عمله (حياة الطاعة) (يعقوب 25:1).

شواهد مرجعية: يعقوب 8:2 (انظر لاويين 18:19)، يعقوب 11:2 (انظر خروج 13:20-14)، يعقوب 23:2 (انظر تكوين 6:15)، يعقوب 6:4 (انظر أمثال 34:3).

أفكار من جهة الصلاة: صل أن لا تغر من الآخرين (مزمور 1:37).

 

مقدمة لسفر بطرس الأولى والثانية

يسمي بطرس نفسه رسول يسوع المسيح ... والشيخ رفيق الشيوخ والشاهد لآلام المسيح (1 بطرس 1:1؛ 1:5)، وهو يذكر أنه قد أرسل هذه الرسالة من بابل (13:5). لقد كتب للمسيحيين على الساحل الشمالي من آسيا الصغرى حيث لم يكن بولس قد بشر - إلى المتغربين من شتات بنتس وغلاطية وكبدوكية وآسيا وبيثينية المختارين (1:1) - وهم ربما قد تشتتوا نتيجة للاضطهاد العظيم الذي أجبر المؤمنين أن يرحلوا من أورشليم (أعمال 1:8-4). وعلى مر التاريخ تعرض المسيحيون لكل أنواع الآلام: لأنكم لهذا دعيتم فإن المسيح أيضا تألم لأجلنا تاركا لنا مثالا لكي تتبعوا خطواته (1 بطرس 21:2).

وقد اقتبس بطرس مرارا من العهد القديم لتوضيح حقائق العهد الجديد. على سبيل المثال، يقول: لأنه مكتوب، كونوا قديسين لأني أنا قدوس (1 بطرس 16:1؛ لاويين 44:11-45).

ومحور هذه الرسالة هو أهمية كلمة الله المقدسة التي ترشدنا نحو الحياة الجديدة في المسيح: مولودين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد (1 بطرس 23:1). فإننا مثل أطفال حديثي الولادة يجب أن نشتهي كلمة الله لكي تغذينا (1 بطرس 2:2).

في الفترة بين الرسالتين تعرضت الكنيسة إلى حالة حرجة جدا. لذلك حذرهم بطرس قائلا: سيكون فيكم أيضا معلمون كذبة (2 بطرس 1:2-3).

وقد كان بطرس مهتما بألا ينخدع المسيحيون بالتعاليم الفاسدة والمعلمين الكذبة فناشدهم قائلا: هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة ... لذلك بالأكثر اجتهدوا أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين، لأنكم إذا فعلتم ذلك لن تزلوا أبدا (2 بطرس 4:1-10).

اقرأ 1 بطرس 1 -- 2

في هذه الرسالة القصيرة جدا، يصور بطرس الحياة المسيحية بكلمات معبرة. فهو يسميهم أولا غرباء - أطلب إليكم كغرباء ونزلاء أن تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس (1 بطرس 1:1؛ 11:2). فإن هذا العالم لا يستطيع أن يشبع رغباتنا.

ولكن الخبر المفرح هو أننا مختارون بمقتضى علم الله الآب السابق في تقديس الروح للطاعة ورش دم يسوع المسيح (2:1). فمع أننا غرباء ولا نحظى بحب العالم أكثر مما حظي به ربنا يسوع، إلا أننا محظوظون كوننا مختارين ومعينين من بين الجموع الذين يسرعون في الطريق الرحب الذي يؤدي إلى الهلاك (متى 13:7).

ويستمر بطرس قائلا أن المختارين لهم رجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات ، وهم مولودون ثانية لميراث ... محفوظ في السموات لأجلهم (1 بطرس 3:1-4). وهذا يشير إلى ما قاله الرب لنيقوديموس أنه إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ... ولا أن يدخل ملكوت الله (يوحنا 3:3،5).

ثم يحرض بطرس جميع المؤمنين قائلا لهم: كأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي (كلمة الله) العديم الغش لكي تنموا به (روحيا) (1 بطرس 2:2). وعندما يتكلم عن الأطفال المولودين الآن فهو لا يقصد فقط المتجددين حديثا بل بالحري جميع أولاد الله إذ يجب أن يكونوا مثل أطفال حديثي الولادة يشتهون دائما كلمة الله.

ولا شك أن ما كان يقصده بطرس هو أننا لا نكبر أبدا إلى حد الاستغناء عن كلمة الله وذلك إذا كنا نريد أن نعيش كأولاد الطاعة ، فيقول: لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضا قديسين في كل سيرة. لأنه مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس (14:1-16).

وحيث أننا قد خلصنا من الخطية ومن الشيطان ومن العذاب الأبدي في جهنم، فإن ولاءنا لمخلصنا يفرض علينا أن نعيش كعبيد لله (16:2) وفي زمن كتابة هذه الرسالة كان العبد يعتبر من ممتلكات سيده وبالتالي يلزم أن يكون في طاعة مطلقة له. إن ملكية الله للمؤمن تعني أيضا الخضوع المطلق لسلطانه.ولكن هذا يكون دائما لخيرنا الأسمى.

يصف بطرس المؤمنين بأنهم حجارة حية ... مبنيين بيتا روحيا، كهنوتا مقدسا، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح (5:2). هذه إشارة إلى هيكل سليمان المجيد. فإن كل واحد منا يجب أن يكون صورة مصغرة لهذا الهيكل المقدس من أجل سكنى الروح القدس، فيجب أن تكون حياتنا بأكملها كهنوتا مقدسا (5:2). فكما كان بنو إسرائيل جنسا مختارا، وأمة مقدسة، ومملكة من الكهنة يمثلون الله أمام الناس وقد صاروا مؤتمنين على كلمته المقدسة، كذلك أيضاً، فإن كل مسيحي اليوم يمثل جزءا من هذه الدعوة العليا (9:2). وكما يتوجب على الكاهن ان يقدم ذبائح يومية، كذلك نحن أيضا يجب أن نقدم يوميا أجسادنا ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتنا العقلية (رومية 1:12).

شواهد مرجعية: 1 بطرس 16:1 (انظر لاويين 44:11)، 1 بطرس 24:1-25 (انظر إشعياء 6:40-8)، 1 بطرس 6:2 (انظر إشعياء 16:28)، 1 بطرس 7:2 (انظر مزمور 22:118)، 1 بطرس 22:2 (انظر إشعياء 9:53)، 1 بطرس 24:2 (انظر إشعياء 4:53-5).

أفكار من جهة الصلاة: صل طالبا الصبر مهما كانت الصعوبات (مزامير 1:40-2).

اقرأ 1 بطرس 3 -- 5

إن آخر الكلمات المسجلة التي قالها الرب يسوع لبطرس شخصيا كانت على شاطئ بحر الجليل عندما قال له يسوع:أتحبني؟ ارع غنمي، ارع خرافي، ارع خرافي. وإتماما لهذا التكليف كان بطرس يقدم الكلمة لجميع أتباع المسيح بغض النظر عن مسئولياتهم في الخدمة. إن الرعاية، والحماية، والإرشاد، وإطعام قطيع المسيح هي واجب جميع المؤمنين الذين اختارهم الرب ليكونوا رعاة ومعلمين لشعبه.

وأول مؤهل للراعي هو أن يكون متكلما كأقوال الله: إن كان يتكلم أحد فكأقوال الله، وإن كان يخدم أحد فكأنه من قوة يمنحها الله لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح (1 بطرس 11:4).

يوجد مصدر واحد فقط للنضج الروحي، وهو أقوال الله ، ليس آراء أو مفاهيم أو عقائد أو تقاليد الناس. وإنما رسالة سماء التي لا ينبغي أن نغيرها أو نحورها - رسالة الله نفسه. إن الله يمجد فقط الخدمة التي تمجد كلمته.

وكما قال بولس: اكرز بالكلمة ... لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمون مستحكة مسامعهم (2 تيموثاوس 2:4-3).

والمؤهل الثاني الذي يشترطه بطرس في معلمي الكلمة هو أن تكون خدمته بالقوة التي يمنحها الله (1 بطرس 11:4). فيجب أن نكون مدركين أننا لا نملك قوة في أنفسنا وأننا نعتمد بالكامل على الرب. فمن بين كل الأمجاد الأرضية العظيمة لا يوجد ما يقارن مع امتياز مشاركة الحقائق الروحية من كلمة الله المقدسة.

ارعوا رعية الله التي بينكم نظارا لا عن اضطرار بل بالاختيار ولا لربح قبيح بل بنشاط، ولا كمن يسود على الأنصبة بل صائرين أمثلة للرعية (1 بطرس 2:5-3).

ويقدم لنا بطرس نقطة هامة حين يقول: ارعوا رعية الله . ربما يكون عدد القطيع صغيرا، ولكن المصير الأبدي للنفس أثمن من الذهب (7:1) - بل أثمن من كل ذهب الأرض. ولعل هذا السبب كاف لأن يجعل بطرس يقول أن خدمتنا للمسيح في كنيسته لا ينبغي أن تكون من أجل المكسب الشخصي، بل من منطلق الحب الصافي والرغبة في خدمة الرب دون التطلع إلى المنافع الشخصية أو التضحية.

إن المبدأ الأساسي في كل الإنجازات العالمية هو: "ما الفائدة التي سأجتنيها ؟" وقد تخلل روح الطمع كل شيء في عصرنا حتى أنه لم تسلم الخدمة في الكنيسة من مخاطر الطموح والأنانية.

ويطلب بطرس من الرعاة لا أن يجزوا الغنم بل أن يطعموها، لا أن يضربوها بل أن يقودوها. لقد قال رئيس الرعاة: متى أخرج خرافه الخاصة يذهب أمامها (يوحنا 4:10). فالراعي الحقيقي هو الذي يعتبره امتيازا وشرفا أن يخدم الرب.

والأجرة ليست مكافأة مادية أو تقديرا زمنيا، وإنما أجرة أبدية: متى ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يبلى (1 بطرس 4:5).

شواهد مرجعية: 1 بطرس 10:3-12 (انظر مزمور 12:34-16)، 1 بطرس 5:5 (انظر أمثال 34:3).

أفكار من جهة الصلاة: تذكر أن الله يسر بفرحك (مزمور 4:43).

اقرأ 2 بطرس 1 -- 3

عندما سجن بولس للمرة الأولى، كان هناك قدر معقول من قبول الناس للمسيحيين؛ لكن هذا الموقف ما لبث أن تحول تدريجيا إلى اضطهاد شديد. وعندما كتب بطرس رسالته، يبدو أن عدداً كبيراً من المسيحيين في روما كانوا مسجونين وقد استشهدوا فيما بعد بناء على أوامر نيرون القاسية.

وتبدأ الرسالة الثانية هذه بفكرة مشرقة تسمو فوق الكآبة والاضطهاد والموت. فيكتب بطرس قائلا: أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا (2 بطرس 3:1). فالفكرة الأساسية هنا هي الحياة .

إن معرفة الله هي الدائرة التي من خلالها تصل إلينا جميع البركات الروحية. ويقول بطرس أننا ينبغي أن ننمو يوميا في معرفتنا بالله وبالرب يسوع المسيح (18:3).

توجد كتابات كثيرة تخبرنا عن الصواب والخطأ، الصحيح والمزيف، ما ينبغي وما لا ينبغي؛ ولكن الهدف الأسمى والفرح الحقيقي للمسيحي هو أن يعيش مرتفعا فوق التجارب وفوق الخطية. لقد جاء يسوع ليس فقط لكي يمنحنا الحياة، بل لكي يكون لنا أفضل [أي حياة فياضة] (يوحنا 10:10). وبطرس يخبرنا كيف يتحول هذا الهدف المثالي إلى حقيقة.

إنه يبدأ بالولادة الجديدة، التي بها يصبح المسيح مخلصاً شخصياً ورباً على الحياة. إن يسوع هو الحياة، ومنه تنبع الحياة. لقد قال بولس: به نحيا ونتحرك ونوجد (أعمال 28:17). فإن حياة كل مؤمن مدعمة في كل لحظة بواسطة المسيح، رأسنا الحي. فلنعبد رئيس الحياة، ابن الله الحي، الساكن فينا.

لقد أصغى يوحنا وهو في جزيرة بطمس، عندما سمعه يقول: كنت ميتا وها أنا حي إلى أبد الآبدين (رؤيا 18:1). يا له من إعلان مجيد يخبرنا به يوحنا: في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله ... فيه كانت الحياة (يوحنا 1:1،4). فكما أن الكلمة هي التعبير عن الفكرة التي في ذهن الإنسان، كذلك فإن يسوع هو الإظهار والتعبير عن فكر الله وإرادته. وبدلا من أن يعطينا كلمة منطوقة أو مكتوبة، أتى إلينا بنفسه كالكلمة الحي. وبذلك أمكن للخالق أن يقدم في تفاصيل حياته الأرضية ما يعلن عن محبة الله.

وكما كتب بطرس: أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى (2 بطرس 3:1)، فإن التقوى أصبحت ممكنة لنا لأن المسيح جاء ليحيا فينا. فالتقوى لا تعتمد على قدراتنا الشخصية، ولكن على المسيح الذي يحيا فينا إلى كل ملء الله (كولوسي 9:2-10). فإن ما يراه الآخرون من المسيح في حياتنا يمر أولا من خلال أفكارنا وإرادتنا وعواطفنا وشخصيتنا وأفعالنا وكلماتنا. لذلك فإن الصورة التي يراها الناس فينا كثيرا ما تكون معبرة عن ذواتنا بالقدر الأكبر بدلا من أن تعبر عن المسيح. فبقدر ما نحمل صليبنا كل يوم (لوقا 23:9)، بقدر ما تظهر حياة المسيح في حياتنا فنستطيع أن نقول مع بولس: لي الحياة هي المسيح (فيلبي 21:1). لقد كنا قبلا أمواتا بالذنوب والخطايا (أفسس 1:2)، وكنا نرزح بلا رجاء تحت عبودية إبليس وسلطان الموت؛ ولكن بالولادة الجديدة قبلنا حياة المسيح، وطبيعته، وحضوره الدائم فينا. ولكن على الرغم من أن أرواحنا قد تجددت في الحال، إلا أن نفوسنا - أي ذهننا وإرادتنا وعواطفنا - تحتاج أن تتجدد يوميا وأن تتشكل بحسب الكلمة (رومية 2:12؛ أفسس 26:5).

وفي وقت الفشل يجب أن نسرع إلى الاعتراف بخطايانا، فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم (1 يوحنا 9:1).

شواهد مرجعية: 2 بطرس 22:2 (انظر أمثال 11:26).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب الغفران من أجل خطايا محددة (مزمور 1:51-9).

 

مقدمة لسفر يوحنا الأولى

كاتب هذا السفر لم يعرّف بنفسه. ومع ذلك فالكثيرون يعتقدون أنه التلميذ الذي كان يسوع يحبه (يوحنا 23:13).

والهدف من كتابة هذه الرسالة هو هدف خماسي.

أولا ، لكي نمتلئ بالفرح (1 يوحنا 4:1).

ثانيا ، ليذكرنا بأن المحبة هي الصفة المميزة للمسيحي. وكلمة محبة تأتي أكثر من 40 مرة في هذه الرسالة القصيرة. فإن محبة الله الساكنة في المؤمنين تُحدث تغييرا جوهريا في حياتهم، فتولّد فينا الرغبة لكي نحيا طائعين بالكلية لكلمة الله وفي نتشبّه بالمسيح في علاقتنا بالآخرين مهما كانت أفعالهم تجاهنا.

ثالثا ، كتبت هذه الرسالة لكي ندرك أهمية القداسة (1:2). كل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر (3:3).

رابعا ، حتى لا ننخدع ونضل. فالرسول يوحنا يحذرنا من التعاليم الكاذبة التي تهدف إلى زعزعة ولائنا للمسيح ولكلمته. والموضوع الرئيسي أمام كاتب الرسالة هو الكلمة، فهو يقول أنه شاهد بعينيه كلمة الحياة، وأن من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه. وأما من حفظ كلمته فحقا في هذا قد تكملت محبة الله، بهذا نعرف أننا فيه (1:1؛ 4:2-5،26).

تزدهر الضلالات الكتابية عندما نهمل الكتاب المقدس ولا نعطيه قدر أهميته، فنختار أجزاء معينة من الكتاب لنقرأها دون أجزاء أخرى. لكن يوحنا يخبرنا كيف نميز الأرواح لأن كل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله (3:4).

والهدف الخامس من الرسالة هو أن نعرف كيف نتأكد أن لنا حياة أبدية (13:5). إن أعدادا هائلة ممن يدعون المسيحية يجرون وراء كل ما في العالم، شهوة الجسد [اشتهاء الملذات الحسية] وشهوة العيون [أطماع الذهن] وتعظم المعيشة [الكبرياء الباطلة] - ليس من الآب بل من العالم ... وأما الذي يعمل مشيئة الله فيثبت إلى الأبد (16:2-17).

اقرأ 1 يوحنا 1 -- 3

معظمنا، نعجب بأشخاص نعتبرهم مثلنا الأعلى، فنحاول أن نشكل حياتنا على مثالهم. وقد قدم لنا الآب السماوي أعظم مثل أعلى في التاريخ، وهو شخص الرب يسوع المخلص، رئيس السلام وملك الملوك. إنه أعلى كثيرا من كل الآخرين. لذا دعونا نتبع مثاله، كما كتب يوحنا: من قال أنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضا (1 يوحنا 6:2).

إن الثبات في المسيح يتحقق بعد أن تتم فينا شروطه، وهي سكنى كلمة الله فينا (14:2،24)، ومسحة الروح القدس (27:2) وطاعة المسيح (24:3).

فلا عجب أن يكتب بولس قائلا: كونوا متمثلين بي كما أنا أيضا بالمسيح (1 كورنثوس 1:11). وهو أيضا يقول: لي الحياة هي المسيح (فيلبي 21:1).

نعم، هذا هو ما قدمه الرب يسوع تماما لكل الذين يسيرون وراءه. فإن حياته أكثر من مجرد حياة مثالية نعجب بها؛ هي حياة نعيشها كل يوم في ظروفنا الحالية. إنها أكثر من مجرد الالتزام بالقانون. لقد جاء يسوع إلى هذا العالم لكي يخلص الخطاة ويعدهم للحياة الأبدية معه. إنها أكثر من مجرد حضور الاجتماع يوم الأحد، إنها حياة يومية في البيت وفي كل مكان. إن يسوع المسيح الذي عاش وسار وعلم هنا على الأرض، هو الذي قال: لأني أعطيتكم مثالا حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضا (يوحنا 15:13). لقد صلى في البستان إلى الآب من أجلك ومن أجلي قائلا: كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم (يوحنا 18:17)، ويتوقع منا أن نكون مثله.

إن مفتاح التشبه بالمسيح يكمن في أعماقنا الداخلية، وذلك لأننا دائما نتحول إلى صورة الشخص الذي نعتبره مثلنا الأعلى: لأنه كما شعر في نفسه هكذا هو (أمثال 7:23). وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وذلك ينجس الإنسان. لأن من القلب تخرج أفكار شريرة ... هذه هي التي تنجس الإنسان (متى 18:15-20).

كان الدافع الأوحد في حياة المسيح هو أن يمجد الله وعمل مشيئته. فحتى في صباه قال: ينبغي أن أكون فيما لأبي (لوقا 49:2). لقد كان هذا هو دافعه في الحياة. طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني (يوحنا 34:4). لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني (30:5). وأيضا، لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني (38:6).

مهم جداً أن نسأل أنفسنا بجدية ما هو المبدأ الذي يتحكم بحياتنا؟ عند البعض، المبدأ الذي يتحكم بحياتهم هو الأنانية في صورها المختلفة مثل الطموح والتنافس والبحث عن اللذة والكبرياء. وعند الآخرين، هو الرغبة في تحقيق الشهرة والتأثير على الآخرين.

ولكن بالنسبة لأبناء الله، يكتب الرسول يوحنا قائلا: العالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد (1 يوحنا 17:2).

أفكار من جهة الصلاة: اشكر الرب من أجل رحمته في تطهيرنا من آثامنا (مزمور 2:51).

اقرأ 1 يوحنا 4 -- 5

يطلق على الشيطان اسم "الشرير" (1 يوحنا 13:2) نعلم أن كل من ولد من الله لا يخطئ بل المولود من الله يحفظ نفسه [أي أن وجود المسيح فيه يحميه من الشر] والشرير لا يمسه، نعلم أننا نحن من الله والعالم كله قد وضع في الشرير [أي تحت سلطة الشيطان] (18:5-19).

يتكلم الرسول يوحنا عن أضداد كثيرين للمسيح: كما سمعتم أن ضد المسيح يأتي، قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون (18:2). إن ضد المسيح هو هذا الشخص المسمى " إنسان الخطية " (2 تسالونيكي 3:2) الذي يخضع بالتمام لسلطان إبليس. وهو ينفذ مخططاته الشريرة بواسطة الأرواح الشريرة التي تعمل في غير المؤمنين. وهذه الأرواح الشريرة تستطيع أن تظهر في شكل ملائكة نور كما فعل القادة الدينيون في أيام يسوع (يوحنا 44:8؛ 2 كورنثوس 14:11). لهذا السبب يكتب يوحنا قائلا: أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم (1 يوحنا 1:4).

لا يمكن لأي ابن حقيقي لله أن ينخدع في حقيقة إبليس. لكننا قد نندهش أحيانا لحقيقة أولاد إبليس. إذ من كان يتوقع أن يقول يسوع للقادة الدينيين في أيامه: أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا (يوحنا 44:8).

إن هؤلاء الأنبياء الكذبة المخدوعين، غالبا ما يكونون هم وأتباعهم في منتهى الرقة واللباقة بل وأيضا السخاء. وهم يخدعون الكثيرين للسير وراء رئيس سلطان الهواء ... الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية (أفسس 2:2).

إن أعظم خطر يواجهه الشخص المسيحي الحقيقي قد لا يكون الأنبياء الكذبة، ولا حتى العالم الحاضر الشرير. ربما أشد فخاخ الشيطان خداعا هي تلك المذكورة في الأصحاح الأخير: أيها الأولاد احفظوا أنفسكم من الأصنام (1 يوحنا 21:5).

الصنم هو أي شيء يحظى بالأولوية على مشيئة الله وعلى كلمته في قلوبنا. والأصنام قد تتسلل إلى حياتنا بطريقة غير ملحوظة. ربما تتمثل في شخص نعجب به أو نحبه فيؤثر علينا تدريجيا فنخفض مقاييس القداسة لدينا - ولو لمجرد مساومة وقتية. حتى أن خادم الإنجيل قد يكون متعلقا بصنم - عندما يؤسس كنيسة فقط لإرضاء طموحه الشخصي - تماما مثلما يؤسس التاجر متجره. إن خداما كهؤلاء لا فرق في محبتهم للعالم عن الغني الذي بنى مخازن أعظم لثرواته (لوقا 16:12-21). فلا عجب إن كان الكتاب المقدس يحذرنا قائلا: أما الشهوات الشبابية فاهرب منها ... التي تحارب النفس (2 تيموثاوس 22:2؛ 1 بطرس 11:2).

يستخدم الروح القدس كلمة الله لكي يفتح عيوننا فنرى الفخاخ الخادعة التي نصبها لنا العدو بمغرياته ولكي يكشف الأرواح المضلة التي خرجت إلى العالم. وكمسيحيين يجب أن نضع نصب أعيننا كلمة الله وحدها لتكون صاحبة السلطان علينا. عندئذ نقدر أن نكتشف المعلمين الكذبة، والتعاليم الكاذبة، بل وحتى ملائكة النور - التي لا تتفق مع مقاييس كلمة الله. لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم ... وقد غلبتموهم لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم (1 يوحنا 14:2؛ 4:4).

أفكار من جهة الصلاة: افرح وتهلل لأن الله وعد بأن يعولنا في جميع الأوقات (مزمور 22:55).

 

مقدمة لسفر يوحنا الثانية والثالثة ويهوذا

يشير كاتب يوحنا الثانية إلى نفسه باسم "الشيخ"، والرسالة موجهة إلى السيدة المختارة (2 يوحنا 1:1). ويعتقد البعض أنه نظرا للاضطهاد الشديد في وقت كتابة الرسالة كان الكاتب في الواقع يكتب إلى كنيسة مسيحية وأعضائها المشار إليهم بالأولاد (1:1،4). وقد أكد على أهمية تعليم كلمة الله. وتستخدم كلمة "حق" خمس مرات في الأعداد الأربعة الأولى. ويحرض الرسول يوحنا المؤمنين على فحص آرائهم ومعتقداتهم ودوافعهم لكي يتأكدوا أنهم يعيشون طبقا لحق كلمة الله.

وفي رسالة يوحنا الثالثة، تستخدم كلمة "حق" 7 مرات في الـ 14 عددا المكونة للرسالة. ونتعرف في الرسالة على ثلاثة أشخاص: ديمتريوس، وهو شخص يمدحه يوحنا؛ وغايس، وهو ذو نفع عظيم في خدمة الرب؛ وديوتريفس، وهو رجل ذو قدرات فذة ولكنه عائق للخدمة. هؤلاء الرجال يمثلون الكثيرين في وقتنا الحالي، فالناس إما يساعدون أو يعيقون خدمة المسيح ولا يوجد شخص محايد.

ويشير يهوذا إلى نفسه بأنه عبد يسوع المسيح، وأخو يعقوب (يهوذا 1:1). ولكونه أخا ليعقوب، فإن يهوذا يعتبر أيضا أخا أصغر للرب. ويهوذا ليس هو المذكور في يوحنا 22:14 ولكنه هو المذكور في متى 55:13 ومرقس 3:6.

وتخصص هذه الرسالة كلها لموضوع الارتداد. فلقد كشف يهوذا عن النتائج المخيفة لاتباع التعاليم الخاطئة، ورأى أنه من الضروري أن يحذر من أنه قد دخل خلسة أناس... يحولون نعمة إلهنا إلى الدعارة ... هؤلاء يفترون على ما لا يعلمون ... يفسدون... سالكون بحسب شهواتهم (يهوذا 4:1،10،16). إنهم متدينون، ولكنهم إلى الأبد هالكون.

والمرتد هو شخص مثل قايين، أو بلعام، أو قورح (11:1)، أو يهوذا الإسخريوطي الذي أبصر النور ولكنه رفض الحق بأكمله (2 تسالونيكي 10:2).

اقرأ 2 يوحنا 1 -- يهوذا 1

في هذه الرسالة المختصرة والهامة جدا لجميع المؤمنين، يكتب يهوذا قائلا: اضطررت أن أكتب إليكم واعظا أن تجتهدوا لأجل الإيمان المسلم مرة للقديسين. لأنه دخل خلسة أناس ... ينكرون السيد الوحيد الله وربنا يسوع المسيح (يهوذا 3:1-4). ويتضح من مناشدته لهم أن الوضع كان خادعا جدا وخطيرا لدرجة أنه تطلب الدفاع الشديد. تحرضنا رسالة يهوذا لكي ننضم إلى الصراع ضد جميع أشكال الخداع الديني لضلال الكثيرين إلى الطريق الواسع الذي يؤدي إلى الهلاك وإلى النار الأبدية.

هناك عدد من القادة المسيحيين الموقرين، الذين يروّجون اليوم لوحدة (سطحية). لقد وضعوا أيديهم في أيدي قادة البدع وقادة الأديان العالمية الرافضة للمسيح، مثل أولئك الذين إما ينكرون لاهوت الرب يسوع برمته أو كامل ناسوته أو الذين يقللون من قيمة الإنجيل ويجعلونه مجرد طريقة من طرق عبادة الله - مما يعني أن جميع الأديان الأخرى مقبولة أيضا. لقد حذر يهوذا بشدة من هؤلاء الأشخاص الذين دخلوا خلسة ... وينكرون السيد الوحيد الله وربنا يسوع المسيح (4:1). إنهم يعتزلون بأنفسهم (19:1) عن الأقلية الأمينة التي تتمسك بأن يسوع المسيح هو الطريق والحق والحياة، وليس أحد يأتي إلى الآب إلا به (يوحنا 6:14).

ولم يحدث في التاريخ أن رسالة يهوذا كانت مطلوبة كما في أيامنا الحالية للتمييز بين النور والظلمة. فإن كل مؤمن بأن يسوع المسيح هو إله الخليقة الحقيقي الوحيد، يحتاج أن يعترف بأن الكتاب المقدس هو الإعلان المكتوب الوحيد الذي من الله - والوسيلة الوحيدة لتمييز الحق عن أنصاف الحق. فعلينا أن نقرر هل سنتبع بأمانة النداء الأخير ليهوذا أم لا.

ويحذرنا يهوذا قائلا أن المضلين مصيرهم نار أبدية (يهوذا 7:1).

لم يتساهل موسى مع مشاجرة قورح (يهوذا 11:1؛ عدد 1:16-3،31-35). ونحميا لم يتعاون مع سنبلط لبناء سور أورشليم (نحميا 16:4-18). وجدعون لم يستخدم الجنود الذين لم تكن قلوبهم مخلصة تماما (قضاة 4:7،7).

إن الله يدعو كل واحد منا قائلا: اخرجوا من وسطهم [أي من وسط غير المؤمنين] واعتزلوا، يقول الرب، ولا تمسوا نجسا فأقبلكم ... ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها (2 كورنثوس 17:6؛ أفسس 11:5).

إن أنظمة الوحدة العالمية الحالية مليئة بالمسيحيين المرتدين الذين تركوا الطريق المستقيم فضلوا تابعين طريق بلعام (2 بطرس 15:2). إنهم مقبولون في نظر العالم بل أيضا لهم شعبية - بجاذبيتهم وذكائهم وقوة إقناعهم - ولكنهم هالكون أبديا، إذ هم يؤسسون تعليمهم فقط على جزء من الكتاب المقدس (2 كورنثوس 14:11). وأما أنتم أيها الأحباء فابنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس مصلين في الروح القدس، واحفظوا أنفسكم في محبة الله منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح للحياة الأبدية (يهوذا 20-21).

أفكار من جهة الصلاة: ارفع يديك خاضعا وسبح مصليا (مزمور 4:63).

 

عودة للفهرس