كان من الممكن لاستفانوس أن يتجنب الموت رجما لو تعامل بمزيد من الدبلوماسية أو أنه التزم الصمت. ولكن استفانوس كان أمينا للرب عندما أعلن بكل وضوح لرئيس الكهنة وللمشتكين عليه أنهم هم المسئولون عن صلب البار، الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه (أعمال 52:7). لقد كانت هذه الكلمات الصادقة فوق طاقة احتمال كبرياء القادة الدينيين، وبنفس البغضة التي صلبوا بها المسيح، جروا استفانوس خارج المدينة ورجموه حتى الموت (أعمال 57:7-60).
وعلى مثال الكلمات الأخيرة التي نطق بها يسوع على الصليب، كانت الشهادة الأخيرة لاستفانوس صلاة من أجل أعدائه: يا رب، لا تقم لهم هذه الخطية (أعمال 60:7). والأبدية وحدها ستكشف الأثر البالغ لإشفاق استفانوس على مبغضيه. وبلا شك أن صلاته استجيبت جزئيا من خلال ذلك الشاب الذي بالرغم من أنه كان راضيا بقتل استفانوس، إلا أنه سرعان ما تجدد وأصبح اسمه بولس، أعظم رسول عرفته البشرية. ولم يكن بولس فقط موافقا على قتل استفانوس بل كان أيضا مسرورا بذلك وراضيا تماما (أعمال 1:8). فلو كان استفانوس لم يحتفظ بولائه لسيده ومحبته لأعدائه لما كان هناك على الإطلاق الرسول بولس.
إننا نحتاج، بنفس روح المحبة، أن نصلي من أجل الذين يسيئون إلينا. فالشخص الذي يبدو عدوا لنا قد يخلص يوما ما إذا تمسكنا بإخلاصنا للرب وقدمنا كلمته بالمحبة مثلما فعل استفانوس.
وبرجم استفانوس بدأ عصر اضطهاد مرير على الكنيسة. وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم، فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل (أعمال 1:8). ولكن، بدلا من أن يؤدي الاضطهاد إلى التراجع عن تبشير الخطاة بموت المسيح على الصليب، نتجت عن ذلك أول حركة مرسلية. فالذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة (أعمال 4:8). تخيل ذلك! كان من الممكن أن يختبئوا أو ينكروا إيمانهم. ولكن هذه كانت إرادة الرب لكي تتم وصيته لهم: تكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض (أعمال 8:1). فما بدا لأول وهلة أنه كارثة على المسيحيين الأوائل كان في حقيقة الأمر إتماما لإرادة الله من أجل نشر الكلمة. فالأمور التي قد تبدو محبطة لنا هي في الواقع مرتبة من عند الله. فبالنسبة للمؤمن الحقيقي قد لا تبدو كل الأشياء "جيدة" ولكنها كلها تعمل معا للخير وتدخل ضمن خطته في حياتنا (رومية 28:8).
إنه لخطأ فادح أن نرى الشيطان فقط في آلامنا وضيقاتنا. فإن الله كثيرا ما يستخدم الاضطهادات والصعوبات لتحقيق إرادته. فهو يملك زمام الأمور، حتى وإن كان في بعض الأوقات يوجد هناك من يعيق امتلاكنا لأفضل عطاياه. فمع أن الشيطان قد يغربلنا كالحنطة كما فعل مع بطرس (لوقا 31:22)، إلا أنه لا يمكن أن يصل إلينا بدون أن يستأذن أولا من الله (يوحنا 28:10-29). إن يقيننا في محبة الرب وفي أنه هو المتحكم في جميع الأشياء لا يعتمد على وجود ظروف مناسبة، بل على الإعلان الصادق عن شخص الله (دانيال 32:4-37؛ متى 16:16).
لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديا (2 كورنثوس 17:4).
شواهد مرجعية: أعمال 3:7 (انظر تكوين 1:12)؛أعمال 27:7-28 (انظر خروج 14:2)؛ أعمال 32:7 (انظر خروج 6:3)؛ أعمال 33:7-34 (انظر خروج 5:3،7-8،10)؛ أعمال 37:7 (انظر تثنية 15:18)؛ أعمال 40:7 (انظر خروج 1:32)؛ أعمال 42:7-43 (انظر عاموس 25:5-27)؛ أعمال 49:7-50 (انظر إشعياء 1:66-2)؛ أعمال 32:8-33 (انظر إشعياء 7:53-8).
أفكار من جهة الصلاة: ادرس واتبع تعليمات كلمة الله لتستجاب صلواتك (أمثال 28:1-30).