أثناء الأيام الستة السابقة كان يسوع وتلاميذه في قيصرية فيلبس (قارن مع متى 13:16؛ 1:17). ويؤكد مرقس ذلك قائلا: وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم إلى جبل عال منفردين وحدهم، وتغيّرت هيئته قدامهم (مرقس 2:9).
كانت قيصرية فيلبس تقع بالقرب من سفح جبل عال، هو جبل حرمون. ومع أنه جرت العادة على ذكر جبل تابور بالارتباط مع حادثة التجلي، إلا أن هذا الجبل يبلغ ارتفاعه حوالي 1800 قدما فقط ويقع على بعد سفر ثلاثة أيام نحو الجنوب وعلى الجانب الآخر من بحر الجليل. ولكن لم يأت على ذكر أي تغيير في الموقع إلا بعد التجلي، إذ نقرأ: وخرجوا من هناك واجتازوا الجليل ... وجاء إلى كفرناحوم (مرقس 30:9،33).
فلمدة ستة أيام كانوا مجاورين للسلطة الرومانية والديانات الوثنية. ورقم 6 يشير إلى الإنسان ومجهوداته. واليوم التالي، كان هو اليوم السابع، أي عدد الكمال، إشارة إلى المسيح المتجلي بكل مجده، في حضور موسى وإيليا. وكان إيليا قد صعد إلى السماء في مركبة (2 ملوك 11:2) دون أن يذوق الموت، أما موسى فمع أنه مات إلا أن جسده ظل تحت رعاية خاصة من ميخائيل رئيس الملائكة (يهوذا 9:1).
وقد أرشد الروح القدس متى أن يكتب قائلا: وأضاء وجهه كالشمس (متى 2:17)؛ أما لوقا فقد ألهمه الروح أن يقول: صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضا لامعا (لوقا 29:9)، أي أنه أشرق بمجد ألوهيته الذي ليس له مثيل.
ويبدو أن الهدف من هذه الحادثة اللحظية هو الاحتفال بذكرى آلام المسيح - موته وقيامته - وتكريم المسيا، مخلص العالم الموعود به، وذلك لأنهما تكلما عن خروجه [أي رحيله] الذي كان عتيدا أن يكمله في أورشليم (لوقا 31:9). وما أنسب أن ينضم هذان الرجلان إلى يسوع الذي قال: لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل (متى 17:5).
فلقد كان أمام الرسل الثلاثة الرجلان العظيمان اللذان يمثلان الناموس والأنبياء. لقد كان موسى وإيليا من أعظم رجال الله، ولكن يسوع كان هو المكمل للناموس والأنبياء. إن المسيح، بحكم كماله المنزه عن الخطية كابن الله المولود من العذراء، يفوق بما لا يقاس أتقى الرجال في التاريخ. وهكذا فإن جميع القادة يتضاءلون عندما يصبح يسوع ربا على حياتنا.
ولا زال الصوت من السماء يقول: هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا (مرقس 7:9). وقد أخطأ بطرس حين اقترح بأن يصنعوا ثلاث مظال واحدة لموسى وواحدة لإيليا وواحدة ليسوع. وهكذا فإن أناسا كثيرين يقعون في خطأ مشابه ويضيعون على أنفسهم أفضل ما أعده الرب لهم وذلك بإعطاء أهمية كبيرة للوعاظ المشهورين والكتب والشرائط الرائجة بدلا من أن يطلبوا المسيح من خلال كلمته. ومهما كان الناس نافعين وأتقياء إلا أنهم لا يستطيعون أن يحلوا محل القراءة الشخصية لما قاله الله في الكتاب المقدس - الذي هو المصدر الوحيد للحياة الروحية والنمو الروحي!
في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله (يوحنا 1:1).
شواهد مرجعية: مرقس 18:8 (انظر حزقيال 2:12)؛ مرقس 44:9،46،48 (انظر إشعياء 24:66).
أفكار من جهة الصلاة: صل أن تكون قراراتك دائما من أجل إرضاء الرب (مزمور 24:73).