عندما نتعامل مع الناس، فإننا بالطبع نلاحظ سلوكهم ونفهمه على حقيقته. فليس هذا هو الذي تكلم عنه يسوع عندما قال: لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ ... يا مرائي! أخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى الذي في عين أخيك (لوقا 41:6-42). فلم يقل يسوع أن القذى غير موجود، ولا أننا لا ينبغي أن نتخذ إجراء بخصوصه. بل قال أننا يجب أولا أن نعتني بأمر الخشبة التي في عيننا، وبعد ذلك فإننا سنبصر جيدا أن نخرج القذى الذي في عين أخينا. لجميعنا أخطاء، والطريق إلى التواضع الحقيقي هو أن نعترف بخطايانا ونتعامل معها أولا.
إننا مسئولون عن اكتشاف القذى؛ ولكننا يجب أولا أن نضع في اعتبارنا احتمال وجود الخشبة وأن نراجع موقفنا من الخاطئ ومن الخطية. فهل لنا روح داود الذي قال: جداول مياه جرت من عيني لأنهم لم يحفظوا شريعتك (مزمور 136:119)؟
إن روح الاهتمام هذه تختلف تمام الاختلاف عن روح أولئك الذين يتجاهلون أخطاءهم وسقطاتهم الشخصية وفي نفس الوقت ينتقدون بشدة سلوك الآخرين، وينسبون تصرفاتهم إلى الدوافع الشريرة، ويكررون كلام المذمة مع المبالغة فيه في كثير من الأحيان، ويتلذذون بإدانة الآخرين. فإننا نميل إلى الحكم على أنفسنا بناء على نوايانا وإلى الحكم على الآخرين بناء على أخطائهم.
إن انتقاد الآخرين هو غالبا من أعمال البر الذاتي، فهو يهدف إلى الإعلاء من شأن الشخص وفي نفس الوقت الحط من شأن الآخرين. بل إنه قد يكون نابعا من رغبة شيطانية في تحطيم الآخر. فعندما نشعر في داخلنا بأفكار رديئة تجاه شخص ما فيجب أول كل شيء أن نصلي قائلين: "يا رب عالج أفكاري". فإن خشبة البر الذاتي هذه وإهمال الصلاة من أجل رحمة الله ومحبته لرد نفس الشخص الذي أخطأ هي التي تكلم عنها الرب قائلا: أخرج أولا الخشبة من عينك (لوقا 42:6). إن الحب الحقيقي هو الذي يصل إلى الإنسان الساقط لكي يعيده إلى الشركة. وهذا يتم بلطف، ولكن بحزم، في محبة الله. وبصفتنا تلاميذ للمسيح، يجب أن يظهر فينا جليا نوع الحب الذي قال عنه يسوع أنه يحقق الناموس كله.
إننا جميعا معرضون للتسرع في وضع الاستنتاجات بدون أن نصغي ونعتني بجميع التفاصيل. ولكننا مسئولون عن رد نفوس الآخرين بروح الوداعة، ناظرين إلى أنفسنا لئلا نجرب نحن أيضا (غلاطية 1:6).
من أعجب الأمور لدى الطبيعة البشرية هو القدرة المذهلة على إساءة فهم أفكار الآخرين وتصرفاتهم. والشخص الانتقادي لا تفوته أدق التفاصيل بهدف تصيد الأخطاء. والمراؤون المحترفون يستطيعون أن يستخرجوا أخطاء من أي شيء يقوله أو يفعله الشخص الذي يريدون أن يحقروا من شأنه. فإن القذى يكبر في نظرهم ويصبح مثل الخشبة، بينما يتجاهلون جميع المحاسن الأخرى والفضائل الموجودة في الشخص الذي يحكمون عليه.
إن الذين يسرعون في التكلم بالنميمة الرديئة إلى الآخرين هم بلا شك يضمون أنفسهم إلى الشيطان، المشتكي على إخوتنا ... الذي يشتكي عليهم أمام إلهنا نهارا وليلا (رؤيا 10:12).
شواهد مرجعية: لوقا 22:7 (انظر إشعياء 1:61)؛لوقا 27:7 (انظر ملاخي 1:3).
أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب في الصلاة وبالترنيم لأن كلمته نقية وأعماله حق (مزمور 2:33-4).