أراد الرب يسوع أن يضع إخلاص أحد أتباعه "المزعومين" موضع اختبار عندما قال له واحد: يا سيد أتبعك أينما تمضي. فقال له يسوع للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه (لوقا 57:9-58). فلقد أراد يسوع أن يشير إلى هذا الرجل بأنه سيواجه العديد من المشقات إذا قرر أن يتبعه.
وعندما قال الرب يسوع أن ابن الإنسان ليس له أين يسند رأسه، كان يريد أن يقول أنه ليس مرتبطا بأي ممتلكات أرضية. فليس لديه مرتبا مضمونا، ولا علاوات، ولا حوافز، ولا تأمين، ولا معاش. إن الثعالب وطيور السماء لها أماكن للحماية والأمان، أما هو فليس له أي موارد بشرية مضمونة.
وكالشاب الغني - فعلى الأرجح - أن وضع هذا الرجل كان أعلى من المتوسط بقليل. فإن حياته الأدبية والدينية كانت بلا لوم. ومع ذلك، أثبت أنه مجرد مثل آخر من الأمثلة التي تبين أن الثروة والمركز لا يمكن أن يعطيان الشبع الحقيقي.
وقال آخر أيضا: أتبعك يا سيد ولكن ائذن لي أولا أن أودع الذين في بيتي. فقال له يسوع: ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله (لوقا 61:9-62). فالرب لم يقبل المتطوعين الذين كانوا مستعدين أن ينضموا إليه في "الأوقات المناسبة لهم" أو بحسب شروطهم الخاصة. فإن أعذارهم دلت على أن القلب منقسم وأنه توجد أشياء أخرى تشغل المكان الأول. كما دلت أيضا على عدم الرغبة في تحمل تكلفة دعوته العليا. كانت تنقص هذا الرجل "العين البسيطة" والولاء للمسيح الذي تتضاءل بجانبه جميع اهتمامات العالم. كانت محبة يسوع هي ما دفعه لاتخاذ موقف الحزم في كلماته. فلم يكن يسوع يسعى إلى الشهرة من خلال زيادة العضوية أو إحصاء عدد المتجددين.
وما أبعد الفرق بين الطريقة التي تعامل بها يسوع مع هذا الموقف وبين الطريقة التي كانت بعض لجان كنائسنا ستتعامل بها مع هذا الإقبال المشجع. فعلى الأرجح أننا كنا سنبتهج بمثل هؤلاء المتطوعين. ولكن يبدو أننا نحتاج، كما في أيام جدعون، أن نعيد النظر في الجموع الكثيرة وننتقي الأقلية منها - التي لديها استعداد للعمل. يا للأسف، إننا نعيش في زمن الإحصائيات، ونشعر أنه يجب علينا أن نقدم تقارير جيدة على صفحات الكتب!
كان الأتباع الثلاثة "المزعومون" متوهمين إذ كانوا يحلمون بحياة سهلة ومريحة، في حين أن تلاميذ يسوع عليهم أن يسيروا يوميا حاملين الصليب وسط صعوبات كثيرة.
إن تكلفة التلمذة قد حرمت الكثيرين من إتمام أعظم الإنجازات الروحية التي أرادها الرب لهم، لأنه لم يكونوا مستعدين أن ينكروا الملذات والاهتمامات وأي شيء آخر يتعارض مع تحقيق أهدافهم في الحياة. ولكن، القليلون الذين كانوا حقا على استعداد أن يضعوا المسيح أولا في قراراتهم سيكتشفون أن مكافأة إنكار الذات تفوق بكثير جميع الطموحات الأرضية الزائلة.
هل يوجد شخص ما في حياتك أو شيء ما في قلبك يمنعك من إعطاء المكان الأول للمسيح ولكلمته ولإرادته؟ إن المشفقين على ذواتهم وذوي الرأيين يخدعون أنفسهم معتقدين بأنه يوجد وقت آخر مناسب يختارونه لأنفسهم.
إن دعوة الرب للمجيء إليه هي لكي يعطينا حياته. وكلما حرصنا على قراءة كلمته باهتمام والإصغاء إلى ما يقوله الروح القدس، كلما تضاءلت الطموحات الزمنية والمقاييس البشرية وفقدت أهميتها.
فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها (متى 25:16).
شواهد مرجعية: لوقا 10:8 (انظر إشعياء 9:6).
أفكار من جهة الصلاة: ادع الرب، فسيسمعك (إرميا 12:29).