أخيرا تحولت المقاومة لإرميا إلى اضطهاد صريح. فلا عجب أن الرب قال له في بداية خدمته: لا ترتع من وجوههم ... فيحاربونك ولا يقدرون عليك (إرميا 17:1،19).
كان ينبغي على إرميا أن يتكلم بأحكام الرب على كل شرهم لأنهم تركوا الرب وبخروا لآلهة أخرى وسجدوا لأعمال أيديهم (إرميا 16:1).
وعندما قال الرب لإرميا: أنا ساهر على كلمتي لأجريها (إرميا 12:1)، ربما ظن إرميا أنه عندما يعرف الشعب عن شرورهم يتوبون ويرجعون إلى الرب. ولكنهم بدلا من ذلك بدأوا حملة تشهير ضده وخصصوا أناسا لمراقبة كل تحركاته قائلين: هلم فنفكر على إرميا [أي نتآمر ضده] ... هلم فنضربه باللسان [أي نقدم بلاغا ضده إلى الملك] ولكل كلامه لا نصغ (إرميا 18:18). وبدافع من البغضة اللئيمة، كان هؤلاء الجواسيس يراقبونه باستمرار، لكي يسجلوا أي كلمة يقولها يمكن أن تؤخذ على أنها هرطقة أو تجديف أو خيانة لبلده. وكنتيجة لهذه الجهود الموحدة فإن فشحور بن إمير الكاهن، وهو ناظر أول في بيت الرب.. ضرب إرميا وجعله في المقطرة (إرميا 1:20-2).
وبينما كان إرميا في السجن وحيدا وفاقد العزيمة، فكر في نفسه قائلا: لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه ... ولكن كلام الرب كان في قلبه كنار محرقة محصورة في عظامه ... فلم يستطع أن يتمالك نفسه أكثر من ذلك (إرميا 9:20). لم يخطر على باله أبدا أن يرفض الرب، ولا أن يتعاون مع الأنبياء الكذبة، ولا أن يتغاضى عن الشرور التي كانت شائعة في أيامه. لقد كان بحق إنسانا شديد الولاء لكلمة الرب.
إن خدام الرب لا ينبغي أن يتعجبوا من المقاومة، لأنه يوجد "فشحور" في كل العصور لكي يقاومك ويضربك.
وبالطبع لم يكن إرميا أول من تعرض لهذا الشعور باليأس والفشل. فلعلنا نذكر ما قاله موسى للرب: لماذا أرسلتني؟ (خروج 22:5)؛ وكيف أن إيليا ظن أنه فاشل، حتى بعد أن جعل نارا تنزل من السماء (1 ملوك 4:19)؛ وكيف أن يوحنا المعمدان تعرض للشك في أن يسوع هو المسيح (متى 3:11).
في لحظات الذل والهوان والرفض الشديد، قال إرميا: ملعون اليوم الذي ولدت فيه! ... ملعون الإنسان الذي بشر أبي قائلا قد ولد لك ابن! - مفرحا إياه فرحا (إرميا 14:20-15). لقد كان هذا القول نابعا من اعتقاده للحظة بأنه قد خذل الرب وأضاع حياته، وبالتالي فإن التهنئة بمولده كانت بلا فائدة. ولكن على عكس جميع توقعاته، فإن مولد إرميا كان بركة عظيمة لشعبه ولملايين المؤمنين في كل أنحاء العالم حتى يومنا هذا.
لا يمكن للشخص الذي ينادي بكلمة الله أن يكون إنسانا فاشلا، ولا يمكن للشخص الذي يقرأ كلمة الله المقدسة ويعيش بموجبها أن يكون إنسانا فاشلا، لأن الرب قال: هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي، لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح في ما أرسلتها له (إشعياء 11:55).
إعلان عن المسيح: بصفته الشخص الذي يتكلم بالقضاء على الأشرار والذين لا يطيعون كلمته (إرميا 15:19؛ قارن مع متى 26:7-27).
أفكار من جهة الصلاة: صل عندما تكون متضايقا ومتألما (يونان 2:2).