كان قد مر شهر على إقامة يسوع للعازر من الأموات وبسبب هذه المعجزة كان السنهدريم قد قرر أن يقتل يسوع (يوحنا 53:11). ولكن شعبية يسوع حالت دون القبض عليه لأنه كان محاطا بعدد كبير من المعجبين (لوقا 2:22؛ مرقس 37:12).
كان الوقت هو مساء السبت قبل الأحد الذي حدث فيه الدخول الانتصاري إلى أورشليم (يوحنا 2:12،12). وكان سمعان، وهو أبرص سبق أن شفاه يسوع، يعيش في بيت عنيا، وكان قد دعا يسوع وتلاميذه إلى بيته لتناول العشاء (مرقس 3:14). وبينما كانوا متكئين لتناول الطعام، سكبت مريم قارورة طيب على رأس يسوع (يوحنا 1:12-8؛ متى 6:26-13). وكان هذا الطيب الغالي من الناردين الخالص ويقدر ثمنه بثلاث مائة دينار - أي ما يقرب من أجر العامل في سنة كاملة (متى 2:20). فاغتاظ يهوذا قائلا: لماذا كان تلف الطيب هذا؟ (مرقس 4:4؛ أيضا يوحنا 4:12-5).
من الواضح أن التقدمة كانت كبيرة، حيث أننا نقرأ أن الأختين كانتا تعملان في بيتهما وأن مرثا كانت تخدم أثناء هذا العشاء (يوحنا 2:12؛ لوقا 40:10). فبالطبع كان كل فلس له قيمته عندهما. ومع ذلك فلقد سكبت مريم كنزها على رأس يسوع. ولكن في نظر يهوذا، كان العمل الذي قامت به مريم إتلافا عظيما، بل إن بعض التلاميذ اتفقوا معه أيضا في هذا الرأي. فالكتاب يقول أنهم أيضا اغتاظوا (متى 8:26-9). ولكن ما هو "الإتلاف"؟
الإتلاف يعني، من بين معان أخرى، إعطاء أكثر من المطلوب. فإذا كانت سلعة تباع بدولار، ولكني دفعت فيها عشرة دولارات، فهذا إتلاف للمال. وإذا كان عمل ما يمكن إكماله في يوم واحد، ولكن اليد العاملة قضت فيه خمسة أيام، فإن هذا إتلاف للوقت والمال.
ولو كان هذا الطيب قد بيع بثلاث مائة دينار، لكان يهوذا هو المستفيد الوحيد لأنه كان سارقا وكان الصندوق عنده (يوحنا 6:12). ففي نظر يهوذا الذي لم يختبر أبدا سيادة الرب يسوع، كل ما يسكب على الرب هو إتلاف. وهذا هو موقف العالم الرافض للمسيح من جهة أي خدمة أو تقدمة تقدم ليسوع. ولكن يجب أن نعرف أيضا أننا لا نعتبر أننا قد قدمنا للرب ما يليق به حقا إذا كانت الخدمة التي نقوم بها لا تكلفنا شيئا.
وحيث أن يهوذا هو الذي تكلم علنا ضد تقدمة المحبة التي قدمتها مريم، فلقد وجه يسوع إليه الكلام حين قال: اتركوها، لماذا تزعجونها؟ قد عملت بي عملا حسنا (مرقس 6:14).
فامتلأ يهوذا بالمرارة بسبب ضياع فرصة بيع الطيب والاستيلاء على ثمنه بالإضافة إلى التوبيخ الشديد من الرب يسوع له والإكرام العظيم الذي منحه لمريم، فقام في الحال ومضى إلى رؤساء الكهنة ليسلمه إليهم (مرقس 10:14؛ أيضا لوقا 3:22)، قائلا: ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم؟ (متى 15:26). لقد توضّح سبب بقاء يهوذا بين الاثني عشر وهو: "ما الذي يمكنه أن يجتنيه لنفسه؟"
وقد ظن رؤساء الكهنة أنهم يجب أن يؤجلوا خطتهم للتخلص من يسوع حتى بعد عيد الفصح. ولكن العرض الذي قدمه لهم يهوذا، وهم في وسط حيرتهم، أتاح لهم فرصة التعجيل بقتله. ولما سمعوا فرحوا ووعدوه أن يعطوه فضة (مرقس 11:14). ويضيف متى قائلا أن الثمن كان ثلاثين من الفضة (متى 3:27).
هذا كله كان قد سبق وتنبأ به النبي القائل: قلت لهم ... أعطوني أجرتي ... فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة (زكريا 12:11).
شواهد مرجعية: مرقس 27:14 (انظر زكريا 7:13)؛مرقس 62:14 (انظر مزمور 1:110؛ دانيال 13:7)؛ مرقس 24:15 (انظر مزمور 18:22)؛ مرقس 28:15 (انظر إشعياء 12:53)؛ مرقس 29:15 (انظر مزمور 7:22-8)؛ مرقس 34:15 (انظر مزمور 1:22)؛ مرقس 19:16 (انظر مزمور 1:110).
أفكار من جهة الصلاة: صل إلى الرب بشفاه صادقة (مزمور 1:17).