مقدمة لسفر قضاة
يسرد سفر القضاة أجزاء من تاريخ إسرائيل، منذ موت يشوع حتى مجيء صموئيل، وهي فترة تبلغ حوالي 330 إلى 400 سنة. وعلى النقيض تماما مع الفرح والنصرة والحرية المذكورة في سفر يشوع، نقرأ هنا للأسف عن الفشل والعبودية وعدم الإيمان. وتوجد ثلاثة أقسام رئيسية:
(1) الأحوال في إسرائيل بعد موت يشوع (قضاة 1:1 - 23:2): لقد تجاهل بنو إسرائيل أمر الرب من جهة طرد جميع الكنعانيين المتبقين في أراضيهم (يشوع 18:17). ولكنهم لجأوا إلى المهادنة مكتفين بوضع الكثيرين منهم تحت أعمال السخرة أو الضرائب الباهظة. ولكن سرعان ما أدى هذا إلى التزاوج بينهم وبالتالي إلى عبادة آلهة الكنعانيين. وقد كانت هذه نقطة تحول في التحكم في أرض الموعد. فلقد سحب الرب حمايته، وتعرض بنو إسرائيل لغزو الشعوب الأخرى.
(2) يأتي ذكر أربعة عشر رجلا، بمن فيهم أبيمالك، ونبية هي دبورة، قاموا بدور القيادة. هم عثنيئيل (5:3-11)؛ وإهود (12:3-30)؛ وشمجر (31:3)؛ودبورة/ باراق (1:4-11)؛ وجدعون (1:6 - 32:8)؛ وأبيمالك الذي لم يكن مدعوا قاضيا من الله ولكنه كان متسلطا شريرا نصبه بعض من بني أفرايم ملكا (1:9-6)؛ وتولع (1:10-2)؛ ويائير (3:10-5)؛ ويفتاح (6:10 - 7:12)؛ وإبصان (8:12-10)؛ وإيلون (11:12-12)؛ وعبدون (13:12-15)؛ وشمشون (1:13 - 31:16). ويظهر أيضا عالي الكاهن وصموئيل النبي كقاضيين في سفر صموئيل الأول.
وعلى الأرجح أنه كان هناك قضاة أكثر من ذلك وأن فترات حكمهم كانت متداخلة حيث أن العديد من القضاة لم يكونوا يحكمون بالضرورة على كل الأسباط بل على منطقة محددة فقط حيث يكون الظلم واضحا. ولم تكن هناك حكومة مركزية، وقد تبع ذلك فترة من الظلام الروحي والفشل. والسبب الحقيقي لفشل إسرائيل هو أنه: كان كل واحد يعمل ما يحسن في عينيه (6:17؛ 25:21) - بمعنى أنهم تجاهلوا كلمة الله وأهملوا كونها السلطة النهائية التي تحكم سلوكهم.
وتركّز أحداث سفر القضاة على سبع فترات ارتداد رئيسية فيها عمل بنو إسرائيل الشر في عينَيّ الرب (7:3،12؛ 1:4؛ 1:6؛ 33:8؛ 6:10؛ 1:13)، وفي كل مرة كانوا ينهزمون من أعدائهم، ويفقدون حريتهم ورخاءهم، ويتعرضون للفقر الشديد والمذلة. ولكن في كل زمن من أزمنة الضيق، كان الشعب يصلي إلى الرب فيقيم لهم الرب مخلصا، فتعود الأرض وتتمتع بفترة قصيرة من السلام والرخاء (أصحاح 3-16). ويوضح لنا هذا السفر أن الطاعة لكلمة الله تجلب السلام في حين أن العصيان يجلب الموت.
(3) الأصحاحات الباقية (17-21) ليست تكملة لتاريخ إسرائيل، لكنها تعطي فكرة عن الانحدار الأخلاقي والروحي أو الارتداد الكائن وسط الأسباط في ذلك الوقت.
إن سفر القضاة ليس مجرد سجل لحروب نشبت بين بني إسرائيل وبين أعدائهم. فإن الهدف الرئيسي من السفر هو أن يبين أنه متى أهملت كلمة الله فلا بد أن تحدث مهادنات مع العالم من أجل "المصالح" الذاتية والاجتماعية والاقتصادية
بدأت حقبة جديدة في تاريخ الأسباط الاثني عشر بعد موت يشوع مباشرة. كان ينبغي على بني إسرائيل أن يكونوا الأمة الوحيدة المخصصة بالكامل للرب، وبالتالي يعلنون إرادة الرب من خلال كلمته ويمجدونه بين الأمم الوثنية.
لم يفقد بنو إسرائيل شجاعتهم عند موت قائدهم العظيم إذ أن هذا الجيل كان يدرك أن الرب لا يزال هو القائد والملك الذي أعطاهم النصرة على الكنعانيين. فسألوا الرب قائلين من منا يصعد إلى الكنعانيين أولا لمحاربتهم؟ فقال الرب: يهوذا يصعد: هوذا قد دفعت الأرض ليده (قضاة 1:1-2).
إن الأعداد القليلة الأولى من سفر القضاة تعطينا إحساسا بالأمل الكبير من جهة الاستيلاء الكامل على الأرض الذي بدأه يشوع: وعبد الشعب الرب كل أيام يشوع وكل أيام الشيوخ الذين طالت أيامهم بعد يشوع الذين رأوا كل عمل الرب العظيم الذي عمل لإسرائيل (قضاة 7:2). ولكن سرعان ما ضعف الأمل في إكمال غزو كنعان إذ بدأ التساهل يصبح أسلوب حياة بني إسرائيل. فالتساهل يؤدي دائما إلى خيبة الأمل ويحول دون تحقيق إرادة الله. فكم هو مؤسف أن نقرأ هذا القول: وقام بعدهم جيل آخر لم يعرف الرب ولا العمل الذي عمل لإسرائيل ... وتركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاروث، فحمي غضب الرب على إسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم ... ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم ... كانت يد الرب عليهم للشر كما تكلم الرب وكما أقسم الرب لهم، فضاق بهم الأمر جدا (10:2،13-15).
كان الإسرائيليون قد بدأوا بداية جيدة، ولكنهم للأسف لم يذهبوا بعيدا. فمن المحبط أن نقرأ أن يهوذا لم يطرد سكان الوادي لأن لهم مركبات حديد (19:1). فمن الواضح أن يهوذا هو الذي فشل، وليس الرب. فلا توجد إشارة إلى أن يهوذا قد هاجم الجيوش ذات المركبات الحديدية كما فعلوا في زمن يشوع عندما قاد المعركة ضد ملك حاصور (يشوع 1:11-9).
كان ميراث كل سبط يتضمن الالتزام بطرد أعداءهم من الأرض. ويمكننا أن نثق أن الله لا يقودنا أبدا للقيام بعمل ما دون أن يزودنا بالقدرة على إتمامه. ولكن القوة التي يمنحها الرب تمتد فقط إلى مستوى طاعتنا لكلمته.
قرر بنو إسرائيل أن رأيهم كان أفضل من رأي الرب، فاختاروا نوعا أسهل من الحياة - وهو التعايش السلمي مع أعداء الرب. ربما جادلوا كما يفعل البعض اليوم بأنه لا يحق لهم أن يقتلوا كل هؤلاء الناس. لأنه كيف يمكن لله المحب أن يقتل أناسا "أبرياء"؟ أي أننا يجب أن "نعيش وندع غيرنا يعيش"، وأن نكون متسامحين ومتسعي الذهن، فلا نسيء لأحد ونتمتع بحياة سلمية حتى مع الذين يرفضون ربنا يسوع. هذا بالطبع هو المنطق البشري السقيم الذي يشكك في حكمة الله القدوس الذي قال: أجرة الخطية هي موت (رومية 23:6). فإن مفهوم البراءة يختفي عندما نرى الخطية على حقيقتها.
فبدلا من التشكيك في عدالة الله، نقف مندهشين من رحمته إذ يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة (2 بطرس 9:3).
إعلان عن المسيح: من خلال ملاك الرب (1:2،4). والمقصود من كلمة "ملاك"، أي الرب يسوع نفسه الذي أصعدهم من مصر (1:2).
أفكار من جهة الصلاة: صل إلى الرب واشكره من أجل كل بركاته (مزمور 19:68).
لقد زالت وانقضت الشهرة العظيمة التي حققها الإسرائيليون في سنواتهم الأولى. وهذا يصور لنا بطريقة واضحة خطورة تكوين العلاقات مع أولئك الذين لا يحبون الرب. فهي تبدأ عادة في شكل صداقة بريئة، ولكنها تؤدي إلى المهادنة وتنتهي بالتجاهل للرب ولكلمته.
كانت الخطوة الجوهرية الأولى التي أدت إلى الخراب التدريجي لبني إسرائيل هي أنهم تجاهلوا وصايا الرب (قضاة 4:3). والخطوة الثانية كانت طبيعية في مسارهم الانحداري إذ سكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيين (5:3). وسرعان ما جاءت الخطوة الثالثة في الانحدار عندما اتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم (6:3). والخطوة الرابعة كانت أسرع من سابقتها، وكانت أمرا متوقعا، وذلك لأن الزوجات الوثنيات لن يعلّمن أطفالهن الإسرائيليين أن يعبدوا الرب. فكانت النتيجة أنهم عبدوا آلهتهم (6:3). أما الخطوة الخامسة فقد كانت مؤكدة الحدوث: فعمل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب ونسوا الرب إلههم وعبدوا البعليم والسواري (7:3؛ 13:2). إن الخطية تفصل الخاطئ عن يد الله الحافظة.
وكانت النهاية أكيدة. فسرعان ما انهزم بنو إسرائيل ولحق بهم العار تماما كما أنبأ الرب موسى (تثنية 16:31-18).
ولكن بعد مرور ثماني سنوات ظهر شعاع من أمل عندما صرخ بنو إسرائيل إلى الرب (قضاة 9:3) فاستجاب لهم في الحال بأن أعطاهم مخلصا، واستراحت الأرض أربعين سنة (11:3). ولكن الإسرائيليين دخلوا في حلقة من الارتداد المتكرر. وكانت النتيجة المؤسفة هي الهزيمة المتكررة والمعاناة على أيدي الكنعانيين (إشعياء 2:59).
إن حياة دبورة المباركة تؤكد أن الله لا يقبل الوجوه [أي ليس لديه تحيز] (أعمال 34:10). فهي لم تكن قائدا عسكريا مدربا بل نبية في إسرائيل. فقالت لباراق: ألم يأمر الرب إله إسرائيل؟ اذهب وازحف إلى جبل تابور وخذ معك عشرة آلاف رجل من بني نفتالي ومن بني زبولون. (قضاة 6:4). فهجم سيسرا ومعه جيشه وتسعمائة مركبة من حديد ... فأزعج الرب سيسرا (قضاة 13:4،15). بعد الانتصار الذي حققته هذه المعركة، كم هو مبهج أن نقرأ عن دبورة، التي بوحي من الروح القدس، رنمت ترنيمة الانتصار: أنا أنا للرب أترنم (3:5).
وختمت ترنيمتها بمدح امرأة غير مشهورة، بل وأيضا غير إسرائيلية، من أجل شجاعتها وإخلاصها للرب بقتلها لسيسرا (21:4-23؛ 24:5).
ونتعلم من قصة دبورة أن النجاح في إنجاز وإتمام المهام التي يأتمننا الرب عليها لا يعتمد على السن أو القوة أو الجنس بل بالحري على الأمانة والطاعة.
وإذا وقعنا في شراك إبليس الخادعة، يمكننا نحن أيضا أن نصرخ إلى الرب طالبين الغفران كما فعل هؤلاء الإسرائيليون. فالرب في رحمته سيعطينا القوة الكافية لكي يعظم انتصارنا [أي نصبح أعظم من منتصرين] بالذي أحبنا (رومية 37:8). فمهما كانت المسافة التي يبتعدها الإنسان عن الرب، لا يكون فشله نهائيا إلا إذ رفض أن يتوب، ولم يطلب الغفران، ولم يطع كلمة الله.
هكذا قال الرب: لا يفتخرن الحكيم بحكمته ولا يفتخر الجبار بجبروته ولا يفتخر الغني بغناه، بل بهذا ليفتخرن المفتخر بأنه يفهم ويعرفني (إرميا 23:9-24).
إعلان عن المسيح: من خلال عثنيئيل، المخلص الذي كان عليه روح الرب (قضاة 9:3-11). لقد كان أيضا روح الرب على المسيح، مخلصنا (متى 16:3؛ رومية 26:11).
أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب من أجل رحمته ورأفته (مزمور 15:86).
مرة أخرى أصبح بنو إسرائيل عبيدا للكنعانيين، والسبب هو أنهم عملوا الشر في عيني الرب فدفعهم الرب ليد مديان سبع سنين (قضاة 1:6). إن المديانيين الذين أغووا بني إسرائيل في زمن سابق وأسقطوهم في الزنى أثناء رحلاتهم في البرية (عدد 1:25-9)، عادوا مرة أخرى بعد عدة أجيال وأذلوا الإسرائيليين جدا إلى أن صرخوا إلى الرب (قضاة 6:6). ولكن قبل أن يقوم قاض ويقود قوات بني إسرائيل لمحاربة الأعداء، كان يجب على الشعب أن يسمع لصوت نبي. وقد بدأت الإجابة على صلواتهم بتوبيخ الرب لهم: هكذا قال الرب إله إسرائيل، إني قد أصعدتكم من مصر... ومن يد جميع مضايقيكم (8:6-9).
كان الرب قد أعطاهم انتصارات رائعة - مصحوبة دائما بالتحذير ألا يختلطوا بالكنعانيين، بل يطردوهم من أرضهم، وألا يعبدوا آلهتهم بل يهدموا مذابحهم. وقد ختم النبي رسالته بإعلان الرب لهم عن سبب معاناتهم: لم تسمعوا صوتي (10:6). وهكذا ترك الشعب وقد أصبحوا فقط مدركين لذنبهم بدون أدنى رجاء بالنجاة. فلم تكن هناك كلمة تعزية واحدة وإنما فقط توبيخ. فلقد كان ينبغي أن يعرفوا أن ضيقهم الشديد ناتج عن تجاهلهم لكلمة الرب.
فالرب يهمه أن يعالج أولا عدم أمانتنا له - أي خطايانا التي فصلتنا عنه وعن بركته. فالتوبة هي أكثر من مجرد تغيير في السلوك من أجل تحسين المصالح الأنانية، لكنها هي تغيير في القلب ورغبة حقيقية في عبادة الرب وخدمته. هذا أمر ضروري من أجل التوبة الصادقة والعلاقة الحقيقية مع الرب.
ويبدو أن هذا النبي غير المعروف لم يستفد أحد من رسالته سوى شخص واحد - هو جدعون. ولكن رجل واحد مع الله يصبح أغلبية. فلقد كان جدعون مستعدا أن يعبد الرب وأن يستمع إلى ملاك الرب (12:6)، وكانت شجاعته جديرة حقا بالإعجاب. فلقد كان محاطا بعبدة أوثان، وكان ذليلا للجيران المحيطين به، وينتمي إلى أصغر الأسباط، وهو الابن الأصغر في أسرة غير معروفة. ولكن هذا هو الذي قيل له خذ ثور البقر الذي لأبيك ... واهدم مذبح البعل الذي لأبيك واقطع السارية [وهي ترمز إلى عشتاروث] التي عنده. وابن مذبحا للرب إلهك (25:6-26). يا له من تحدٍّ عظيم! ولكن هذه كانت مجرد البداية. فبعد أن قدم ذبيحة الخطية، طلب الرب من جدعون أن يأخذ الثور الثاني ويصعده محرقة. فالمحرقة كانت دائما تُحرق بأكملها على المذبح وهذا يرمز إلى الخضوع الكامل وغير المشروط للرب.
أليس هذا غريبا؟ إننا نميل إلى الاعتقاد بأن الرجال والنساء الذين يستخدمهم الرب هم الأشخاص الذين لهم شعبية أو الذين لهم تأثير في المجتمع. أما جدعون فقد كان حقا رجلا عديم الخبرة ومليئا بالشكوك،ولكنه كان معتمدا بالكامل على الرب. وهكذا أصبح جدعون ما أراده الرب أن يكون - جبار بأس (12:6). نحن أيضا نحتاج أن نتذكر أنه ما يدعونا الرب لنكونه يفوق في أهميته ما يدعونا لنعمله .
طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله (متى 8:5).
إعلان عن المسيح: كملاك الرب (قضاة 11:6).هذه العبارة تدل عادة على الحضور الإلهي، ويظن الكثيرون أنه الله الابن.
أفكار من جهة الصلاة: قدم للرب شكرا وسبحا (مزمور 1:92).
عندما طلب الشعب من جدعون أن يملك عليهم، اعتذر قائلا: لا أتسلط أنا عليكم... الرب يتسلط عليكم (قضاة 23:8). ولكن بعد موت جدعون، اشتهى ابنه أبيمالك السلطة والنفوذ فسحب مبلغا كبيرا من المال من خزينة هيكل البعل وأعطاه لبعض الرجال الأشداء لكي يقتلوا جميع إخوته. وبعد موت منافسيه، جميع أهل شكيم ذهبوا وجعلوا أبيمالك ملكا (6:9).
كان يوثام هو الوحيد من بين أولاد جدعون الذي نجا من القتل فذهب ووقف على رأس جبل جرزيم ورفع صوته ونادى وقال لهم: اسمعوا لي يا أهل شكيم يسمع لكم الله (7:9).
وضرب لهم مثلا يشبّه فيه بني أفرايم المتكبرين بأشجار تطلب لنفسها ملكا، ولكن لم يقبل أحد منهم هذا المنصب. فالزيتونة والتينة والكرمة، أي الأشجار التي تمثل أفضل نتاج الأرض، جميعها اعتذرت قائلة أنها لن تتخلى عن الإتيان بثمر من أجل أن تملك على الأشجار (9:9،11،13). وإذ كانوا لا يزالوا يبحثون عن ملك، وضع "العوسج" خطة شريرة متخذا لنفسه مركزا رفيعا وهكذا ملك على الأشجار. ولكنه لم يكن ينتج غير الأشواك وسرعان ما اكتشفت الأشجار أنه لا يأتي من ورائه سوى الألم والمعاناة والموت. وختم يوثام نبوته قائلا: إن الأشجار ترمز إلى سبط أفرايم، الذي فشل في إدراك مركزه السامي مع الله الذي بالرغم من أنه استخدم جدعون لإنقاذهم من يد المديانيين إلا أنهم أنكروا الجميل فقتلوا 70 من أبنائه واختاروا العوسج (ابن أمته) لكي يكون ملكا عليهم - فهذا هو الملك الكاذب الذي سيصير مصدر حريق في الغابة يلتهم ويدمر جميع الأشجار (8:9-15).
وهكذا أنهى يوثام نبوته عن القضاء المزمع أن يأتي على قادة شكيم الذين انضموا إلى هذا "العوسج" الشرير الذي قتل أبناء الرجل الذي استخدمه الله لكي يعطيهم خلاصا لمدة 40 سنة. ومرت ثلاث سنوات، وأرسل الرب روحا رديا بين أبيمالك وأهل شكيم (23:9). ولسبب غير معروف انتقل أبيمالك من شكيم ليسكن في قرية قريبة تدعى أرومة. وكان رجل اسمه جعل، ومعه مجموعة من الرجال المختارين، قد كسب ثقة معظم أهل شكيم وأقنعهم بالثورة ضد أبيمالك (26:9-41). وفي اليوم التالي سمع أبيمالك بالمؤامرة، فاقتحم شكيم وقتل أهلها ودمر ذات المكان الذي نصّبوه فيه ملكا، وهكذا تحققت نبوة يوثام (49:9).
وبعد الاستيلاء على شكيم، هاجم أبيمالك مدينة تاباص، وهي تبعد عن شكيم مسافة قصيرة نحو الشمال؛ ولكن أهل المدينة احتموا في برجها العالي. وبينما كان أبيمالك يحاول أن يشعل حريقا بالبرج، ألقت امرأة من فوق البرج حجر رحى على رأس أبيمالك فشجت جمجمته، وهكذا انطفأت النار التي أشعلها "الملك العوسج" (53:9). إن أبيمالك يرمز إلى القوة الخادعة والمدمرة للكبرياء والطموح - وهو يذكرنا بأن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا (غلاطية 7:6).
إن اشتهاء النفوذ وسائر أشكال الكبرياء تؤدي إلى شرور كثيرة. ففي مجال الأشغال والرياضة وحتى في الكنيسة، ينحدر الكثيرون إلى أحط المستويات عندما تسيطر عليهم الرغبة في أن يكونوا في المركز الأول، مركز السلطة.
لا شيئا بتحزب أو بعجب بل بتواضع حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم (فيلبي 3:2).
إعلان عن المسيح: من خلال جدعون الذي أنقذ بني إسرائيل من يد المديانيين (قضاة 22:8). لقد أنقذنا الرب يسوع من أيدي أعدائنا الروحيين، لذا يحق له أن يسود على حياتنا.
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب الفهم أثناء قراءتك لكلمته (مزمور 73:119).
لسنوات عديدة كان سبطا رأوبين وجاد ونصف سبط منسى يعملون الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم والعشتاروث وآلهة آرام وآلهة صيدون وآلهة موآب وآلهة بني عمون وآلهة الفلسطينيين وتركوا الرب ولم يعبدوه (قضاة 6:10). ونتيجة لذلك ظلوا لمدة 18 سنة تحت العبودية القاسية من نفس الشعوب الذين عبدوا آلهتهم (8:10).
فلما اشتدت الأزمة، صرخ بنو إسرائيل إلى الرب قائلين أخطأنا إليك لأننا تركنا إلهنا وعبدنا البعليم ... وأزالوا الآلهة الغريبة من وسطهم وعبدوا الرب (10:10،16). وليس بالمصادفة أنه بمجرد رجوع إسرائيل إلى الرب أنهم أيضا أعادوا يفتاح الطريد وجعلوه قائدا لهم.
وتحققت أسمى أمنية لدى يفتاح عندما أعطاه الرب نصرا أكيدا على العمونيين، الذين كانوا يضطهدون بني إسرائيل بكل قسوة. وكان يفتاح قد صمم مسبقا على إعطاء كل الكرامة للرب. فلقد أعطى نفسه وكل ما يملك للرب، ونذر نذرا للرب قائلا إن الخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون يكون للرب وأصعده محرقة . وترك الأمر في يدي الرب من جهة طبيعة المحرقة التي ينبغي أن يقدمها. وكان هذا تعبيرا عن ثقته ومحبته للرب الذي يبارك دائما النذور المقدمة له بالطريقة الصحيحة.
وتم كل شيء بترتيب من الرب، الذي رتب في عنايته أن تكون ابنة يفتاح هي أول الخارجين للقائه. وكأن الرب يقول له: "لقد أعطيتك كل ما طلبته - عودتك إلى شعبك، وتقلدك منصب القيادة، وخلاص إسرائيل على يدك - والآن أنا أطلب ابنتك الوحيدة تعبيرا عن عرفانك بالجميل" (30:11-40). وهذا بالطبع لا يعني تقديم ذبيحة آدمية، كما يفترض البعض، إذ أن يفتاح كان يعرف الكتابات المقدسة جيدا كما يتضح من رسائله إلى ملك العمونيين (12:11-27). فكيف يمكن أن يخطر على البال أنه سيذبح ابنته على المذبح؟ لقد كانت الذبائح البشرية من الممارسات الشريرة في العبادة الوثنية (تثنية 29:12-31؛ 10:18-12؛ لاويين 2:20-5). فلو كان قد فعل ذلك لكان هذا البطل، وأيضا الرب، مسئولين عن حادث قتل رهيب، حيث أن روح الرب هو الذي أعطى يفتاح هذا الانتصار (قضاة 29:11،32). فمن الواضح أننا يجب أن نفهم من قول يفتاح: أصعده محرقة (قضاة 31:11) أنه يعني شيئا مقبولا بحسب الناموس.
وتتضح الطريقة التي تمم بها نذره عندما نتأمل في جميع الملابسات. أولا، أنها كانت ابنته الوحيدة، لم يكن له ابن ولا ابنة غيرها (34:11). وكان الابن البكر يتم تقديسه - وليس ذبحه: قدس لي كل بكر (خروج 2:13؛ عدد 13:3). وكانت إجابة ابنته دليلا قاطعا على مصيرها. فلقد طلبت قائلة: اتركني شهرين فأذهب وأنزل على الجبال وأبكي عذراويتي (37:11) - أي "أنها لن تتزوج" - ولم تقل "لكي أبكي موتي على المذبح". ولإزالة كل شك، نقرأ أنه فعل بها نذره الذي نذر، وهي لم تعرف رجلا (39:11). وهذا يبين أنها خصصت لخدمة الرب في بتولية مدى الحياة، مثلما خصصت حنة صموئيل كمحرقة "روحية". فمن الواضح أنها أصبحت إحدى الخادمات في بيت الرب في شيلوه.
ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا [أي بحسب خطة معينة] للخير للذين يحبون الله (رومية 28:8).
إعلان عن المسيح: من خلال ابنة يفتاح الوحيدة التي خضعت لإرادة أبيها مثلما خضع يسوع لإرادة أبيه (قضاة 34:11-40؛ قارن مع متى 39:26).
أفكار من جهة الصلاة: سبح الرب من أجل بركاته العجيبة (مزمور 2:150).
لقد ابتهجنا مع يفتاح الطريد الذي انتصر على العمونيين أعداء شعب الرب. والآن دعونا نتجه إلى الجانب الغربي من نهر الأردن في منطقة دان وأفرايم وبنيامين ويهوذا، حيث عانى بنو إسرائيل من قمع الفلسطينيين لمدة 40 سنة. وأول نقطة مخيبة للأمل بشأن هؤلاء الأسباط هي أنهم على الرغم من وجودهم بالقرب من خيمة الاجتماع إلا أنه لم تكن هناك صلاة. لم يكن هناك صراخ إلى الرب من أجل الخلاص من الفلسطينيين الغلف (قضاة 3:14-4).
في ذلك الوقت ولد شمشون. وعلى عكس يفتاح، فإن شمشون كانت له أم تقية جدا وقد اهتمت بشدة أن يكون ابنها نذيرا مدى الحياة مخصصا بالكامل للرب (قضاة 3:13-21؛ قارن مع 1 صموئيل 11:1). وقد نشأ في المنطقة الجبلية في صرعة وكان من سبط دان، بالقرب من حدود أرض الفلسطينيين.
وحل روح الرب على شمشون وابتدأ يحركه من آن لآخر (25:13). وقد أصبح شمشون بعد ذلك قاضيا. وصارت لنا توقعات كبيرة من هذا الرجل القوي شمشون، الذي نزل إلى تمنة ... وكان ذلك من الرب لأنه كان يطلب علة على الفلسطينيين ... الذين كانوا متسلطين على إسرائيل (1:14-4). وربما أدت أعمال القوة العجيبة التي أبداها شمشون إلى منع الفلسطينيين من أن يشنوا أي غارات جوهرية على الإسرائيليين. ولكن كان من الممكن لشمشون أن يهزم الفلسطينيين تماما وكان من الممكن لإسرائيل أن ينعم بالحرية والبركة التي كانت موجودة في أيام يشوع.
ولكننا نلاحظ منذ المراحل المبكرة في حياة شمشون أنه لم يبال بدعوته المقدسة. وقد ظهرت أولا عدم أمانته في صداقته مع أعداء الرب. ولا توجد إشارة إلى أنه رفع صلاة للحصول على القيادة والإرشاد من أجل تحرير شعبه من قبضة الفلسطينيين كما حدث مع صموئيل الذي وضع هذا التحدي أمام بني إسرائيل قائلا إن كنتم بكل قلوبكم راجعين إلى الرب ... فاعبدوه وحده (1 صموئيل 3:7). وكذلك لم يواجه شمشون الفلسطينيين، كما فعل يفتاح، قائلا لهم أن الرب القاضي قد أعطى الأرض لإسرائيل (قضاة 27:11). فيبدو أنه كان سهل الانجراف، كما حدث في تمنة عندما وقع في حب امرأة فلسطينية. وبعد ذلك أصر أن يوافق والداه على زواجه منها، قائلا لهما: الآن خذاها لي امرأة (2:14). وبالطبع كان شمشون يعرف أن شعب الرب لا ينبغي أن يختلط أو يتزوج من غير المؤمنين بل أن يطردوا الكنعانيين (خروج 2:33؛ عدد 51:33-53؛ يشوع 18:17).
إننا جميعا نميل إلى إرضاء الذات، وإرضاؤنا للذات يتخذ أشكالا مختلفة: الكبرياء، الطموح، الغيرة، الخداع، الغش، السرقة، الخطايا الجنسية، البغضة، تجنب المسئولية، التكلم بالشر، الإدمان، تعاطي الكحوليات، وأشياء أخرى كثيرة. وربما أكثر الخطايا خداعا هي الاجتراء على الله. فكل يوم نستمر فيه في عمل خطية إرادية، يزيد من قبضة الشيطان علينا، ويقلل من فرصتنا في التحرر.
فكما أن شمشون بصفته نذيرا، كان ينبغي أن يُخصَّص للرب، كذلك نحن أيضا يجب أن ننفصل عن العالم بإرادتنا وباختيارنا المستمر نتبع إرادة الرب من جهتنا.
أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم؟ إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله (1 كورنثوس 16:3-17).
إعلان عن المسيح: من خلال يفتاح، الذي أبدى روح المحبة تجاه الشعب الذي رفضه (قضاة 1:12-3؛ قارن مع متى 15:18).
أفكار من جهة الصلاة: اعترف بخطاياك واتركها لكي تنال رحمة (أمثال 13:28).
الجزء المبكر من حياة شمشون مسجل في الأصحاحين 14 و 15 من سفر القضاة. بعد ذلك مضت سنوات عديدة لم تسجل لنا، ثم نأتي بعدها إلى الأحداث في أصحاح 16، حيث نجد شمشون متوجّها مرة أخرى إلى مدينة غزة الحصينة، وهي إحدى المدن القليلة التي يسكنها العمالقة في أرض فلسطين (يشوع 22:11). ولم يكن لدى "بطلنا" أي خوف من التوغل في حصن العدو هذا ولا توجد إشارة إلى أن الرب "حرّكه" لهذه المهمة كما فعل من قبل، ولا أن شمشون صلى طالبا الإرشاد والحماية.
في بداية حياته استهان شمشون بالمعنى الروحي لعهد نذره عندما تزوج بامرأة فلسطينية بالإضافة إلى ارتكاب سائر الخطايا. والآن نراه متورطا أكثر في الخطية بصداقته مع دليلة، وهي أيضا فلسطينية. وكما هو الحال دائما مع كل من يفترض أن رحمة الله وأناته لابد وأن تستمر يوما آخر، فإن شمشون لم يعلم أن الرب قد فارقه (قضاة 20:16).
فعندما رأى شمشون دليلة كان ينبغي أن يتذكر عهد نذره ومركزه كقاض على شعب الله. لكن الخطية أعمته عن دعوته العليا، السبب الذي من أجله فقد قوته العظيمة. ونتيجة لخطيته، فقد قاسى العذاب وفقدان البصر - إذ قلعوا عينيه (21:16). وهكذا فإن مباهج الخطية تؤدي دائما إلى العمى الروحي والعبودية.
ولكن شمشون عرف سبب وجوده في السجن، عاملا أعمال الحيوانات، وهي أحط درجات الإهانة، فدعا شمشون الرب وقال: يا سيدي الرب، اذكرني وشددني يا الله هذه المرة فقط، فأنتقم نقمة واحدة عن عينيَّ من الفلسطينيين (28:16). فإنه لم يتحول أبدا إلى الآلهة الوثنية ولم يهتز إيمانه بالله، إذ صرخ قائلا: يا سيدي الرب . فمع أنه أخطأ بطريقة مؤسفة، إلا أنه صلى. كانت هذه هي أول صلاة لشمشون من أجل التغلب على الفلسطينيين، والرب في رحمته سامحه واستجاب صلاته ورد له قوته. وهكذا سقط معذبوه وأعداؤه صرعى عند قدميه. لقد انتصر شمشون في النهاية انتصارا عظيما، إلا أنه لا يقارن بما كان في إمكانه أن يحققه.
إن الخطية خادعة جدا، فإننا قد نسيء فهم أناة الرب ظانين أنه يتغاضى عنا بل وأيضا يوافق على أسلوبنا في الحياة. وعلى الأرجح أنه لن يحدث شيء في الحال عندما نبدأ نتحول عن كلمة الله. ربما تهدأ ضمائرنا وتنخدع عندما نكون مدركين أننا نحتاج إلى التوبة، لكننا نؤجلها إلى وقت نتمنى أن يكون مناسبا.
إن شمشون ليس الوحيد من بين خدام الله الذي فقد قوته بسبب الانغماس في الملذات العالمية واهتمامات الذات (19:16). دعونا لا ننسى أبدا أن مواهبنا ليست من أجل بناء ذواتنا بل من أجل الآخرين، وأنه من خلال هذه المواهب ينبغي أن يتمجد الرب (متى 16:5).
لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حكم علينا. ولكن إذ قد حُكم علينا نؤدب من الرب لكي لا نُدان مع العالم (1 كورنثوس 31:11-32).
إعلان عن المسيح: من خلال قوة شمشون. إني نذير لله (قضاة 17:16). تكمن القوة الروحية للمسيحي في إيمانه بالمسيح وتخصيص نفسه لله (1 بطرس 5:1).
أفكار من جهة الصلاة: وسط الشكوك، اطلب قيادة الله (إشعياء 16:42).
عندما رفض بنو إسرائيل كلمة الله كالسلطة العليا على حياتهم انحدروا إلى الإثم والفساد الأخلاقي مما جلب عليهم العديد من الكوارث القومية. ونتيجة لذلك، نقرأ هذا القول: في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل، كل واحد عمل ما حسن في عينيه (قضاة 1:18؛ 25:21). هذا يعني أن الشعب بسبب رفضهم الرب كالملك عليهم، كانوا يعملون ما يبدو ممتعا لهم بصرف النظر عن كلمة الله.
في قراءة اليوم نجد رجلا لاويا، وهو يمثل القيادة الروحية، وكنا نتوقع أن نرى فيه سلوكا روحيا أسمى من العادي. ولكن سرعان ما خاب أملنا إذ نقرأ عن انتهاكه للناموس من جهة علاقته بسريته. ولا عجب أن نقرأ بعد ذلك عن عدم أمانتها له وعن "علاقة زواجهما" غير الثابتة (2:19). وربما تم تبادل الألفاظ القاسية بعدها قررت أن ترجع إلى بيت أبيها. ولكن الرجل اللاوي أراد أن يردها، فذهب إليها هناك. فلما رآه أبو الفتاة فرح بلقائه (3:19)، ورحب به أشد الترحيب وامتدت إقامته لديه لعدة أيام.
وفي النهاية قررت المرأة أن ترجع مع الرجل اللاوي، ولكن كان الوقت قد تأخر ولم يكن في إمكانهم أن يكملوا الرحلة قبل حلول الظلام. وخوفا من قضاء الليل في مدينة اليبوسيين الوثنية، اتجهوا إلى جبعة - داخل أرض بنيامين حيث استقبلهم رجل مسن في بيته. وسرعان ما أحاط بالمنزل عصابة من الشواذ طالبين أن ينضم الرجل اللاوي إليهم: رجال بني بليعال أحاطوا بالبيت قارعين الباب وكلموا الرجل صاحب البيت الشيخ قائلين أخرج الرجل الذي دخل بيتك فنعرفه [أي لنمارس معه الشذوذ الجنسي] (22:19). ولإشباع شهوتهم، أمسك الرجل سريته وأخرجها إليهم (25:19-27). وقد عرض الشيخ عليهم ابنته وسرية الرجل اللاوي، مما يبين كيف أن الشذوذ الجنسي كان أمرا بغيضا لدى الإسرائيليين.
وفي صباح اليوم التالي وجدوا السرية ميتة. ولا توجد إشارة إلى أن الرجل اللاوي أو سريته كانوا عابدين للأوثان. وإنما فقط كانوا يتبعون عادات زمنهم.
فبعد حادث الاغتصاب العنيف والقتل، قطع الرجل اللاوي جسد سريته وأرسل أجزاءه إلى الأسباط الاثني عشر لكي ينبه الأمة إلى حجم الفساد الأخلاقي الذي قد انحدرت إليه. فنادى رؤساء الأسباط باجتماع علني لجمع الحقائق بشأن هذه الفعلة الشنعاء (3:20). كانت كلمة الرب واضحة: لا تكن زانية من بنات إسرائيل، ولا يكن مأبون [أي من الشواذ جنسيا] من بني إسرائيل (تثنية 17:23). إلا أن قادة سبط بنيامين تغاضوا عن هذا الشر العظيم ورفضوا إدانة الشواذ.
وعلى الرغم من شر تقديم النساء، إلا أنهم شعروا أنه أقل شرا من ممارسة الشذوذ. والعهد الجديد يؤكد قبح هذه الخطية حيث يقول: لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان، لأن إناثهم استبدلن الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة. وكذلك الذكور أيضا تاركين استعمال الأنثى الطبيعي اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض فاعلين الفحشاء ذكورا بذكور نائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق (رومية 26:1-27).
إعلان عن المسيح: في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل (قضاة 1:18). كان المسيح هو ملك إسرائيل المرفوض (يوحنا 14:19-15).
أفكار من جهة الصلاة: اتضع أمام كلمة الله وتعامل معها بوقار، فسينظر الرب إليك بعطف (إشعياء 2:66).
اجتمع أسباط إسرائيل من دان إلى بئر سبع من أجل توقيع العقاب على سبط بنيامين. كان البنيامينيون قد تقاعسوا عن توقيع حكم العدالة على عصابة الشواذ الذين اغتصبوا امرأة إسرائيلية بلا حماية، الأمر الذي أفضى إلى موتها.
ولم يستطع سائر الأسباط أن يسمحوا للبنيامينيين أن يدعوا هذه العصابة الشريرة تهرب من العقاب، لأن هذا سيجلب غضب الرب على جميع الأسباط (عدد 16:35-34). في كثير من الأحيان لا يطبق هذا المبدأ في نظامنا القضائي، بل وأيضا في كنائسنا اليوم، حيث يتم عادة تجاهل الخطية الظاهرة. إن الكبرياء قد أعمت البنيامينيين عن عمل مشيئة الله. فيجب أن نتعامل بعدل وحسم في الحكم على الخطية عندما تكون واضحة سواء في الأشخاص الذين نحبهم أو في الغرباء. فبسبب هذه الخطية الخطيرة مات 65 ألف رجلا من بني إسرائيل في ثلاث معارك، حتى أن سبط بنيامين بأكمله كاد أن ينقرض.
فقاموا وصعدوا إلى بيت إيل وسألوا الله وقال بنو إسرائيل: من يصعد منا أولا لمحاربة بني بنيامين؟ فقال الرب:يهوذا أولا (قضاة 18:20). فخرج بنو بنيامين من جبعة وأهلكوا من إسرائيل في ذلك اليوم 22.000 رجل (21:20). وفي اليوم التالي، صعد بنو إسرائيل وبكوا أمام الرب إلى المساء؛ وسألوا الرب قائلين: هل أعود أتقدم لمحاربة بني بنيامين أخي؟ فقال الرب اصعدوا إليه (23:20). كانوا يفعلون الصواب، ولكنهم لم يدركوا حاجتهم إلى تقديم ذبيحة لتصحيح العلاقة مع الله. ومرة أخرى انهزموا هزيمة منكرة.
وعلى الرغم من أن الأسباط كانوا محقين في إصرارهم على إقامة العدل، إلا أن جهودهم للدفاع عن البر بدون أن يقدموا أولا ذبيحة لأجل تطهير أنفسهم أدت إلى سقوط آلاف القتلى في معركتين. لقد كانوا يحاربون بقوة الجسد بدون قوة وحضور الله.
ولكن في اليوم الثالث، صعد جميع بني إسرائيل، وكل الشعب، وجاءوا إلى بيت إيل، وبكوا وجلسوا هناك أمام الرب وصاموا ذلك اليوم إلى المساء، وأصعدوا محرقات وذبائح سلامة أمام الرب (26:20). ففي تذلل عميق أخضعوا أنفسهم بالكامل للرب. فالتذلل الحقيقي يظهر عادة في البكاء والصوم والتوبة. ولكن على نفس الدرجة من الأهمية يكون تقديم الذبيحة، لأن الدم يكفر عن النفس (لاويين 11:17). فبعد أن بنوا المذبح وقدموا الذبائح، صدق الرب على أهليتهم بتوقيع القضاء على سبط بنيامين، قائلا: غدا أدفعهم ليدك (قضاة 28:20).
نجد اليوم اللامبالاة بالأمور المقدسة، مثل تلك التي حدثت في سبط بنيامين. فإننا نادرا ما نسمع كلمة "خطية"، كما أنه قد أعيد تعريف الأفعال الخاطئة بمصطلحات أخف وطأة. فالزنى يسمى "علاقة حب"، والشذوذ الجنسي يسمى "أنماط بديلة للحياة"، والعهارة تسمى "عشق". والهدف من هذا كله شيء واحد - وهو استئصال الشعور بالذنب من جهة كسر الناموس الأدبي الإلهي وجعل كل إنسان يشعر بالارتياح وهو يعمل ما يحسن في عينيه (25:21).
فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض: الزنا، النجاسة، الهوى، الشهوة الردية ... الأمور التي من أجلها يأتي غضب الله على أبناء المعصية (كولوسي 5:3-6).
إعلان عن المسيح: كالمخلص لنا (قضاة 26:20،28). عندما نصلي ونطلب إرادة الرب، فإنه يحررنا من كل قوات الشر (1 كورنثوس 13:10).
أفكار من جهة الصلاة: قدم للرب ذبيحة التسبيح في الصلاة (1 بطرس 5:2).
حدثت أحداث سفر راعوث على الأرجح أثناء فترة من الهدوء في أيام حكم القضاة (راعوث 1:1).
وتبدأ القصة بأبيمالك وزوجته نعمي وابنيه محلون وكليون يعيشون في بيت لحم ويواجهون مجاعة شديدة. وربما أثناء وقوفهم في حقولهم في جبال يهوذا، كان في إمكانهم أن يلقوا بأنظارهم على أرض موآب ويروا وفرة محصولها. لذلك قرروا أن يتركوا ميراثهم المعطى لهم من الله ويذهبوا ليتغربوا في بلاد موآب إلى حين تنتهي المجاعة (2:1). لكن الكوارث لاحقتهم طوال مدة إقامتهم هناك التي استمرت 10 سنوات (4:1). فقد مات أليمالك، ومات أيضا الابنان اللذان كانا قد تزوجا من امرأتين موآبيتين هما عرفة وراعوث. وهكذا تُركت الأرامل الثلاث بلا وريث يحمل اسم العائلة.
بعد ذلك سمعت نعمي أن بيت لحم قد سادها الرخاء مرة أخرى، فقامت هي وكنتاها عرفة وراعوث وبدأن رحلتهن القصيرة نحو بيت لحم. ولكن عرفة سرعان ما عادت إلى شعبها وإلهها الوثني كموش، أما راعوث فالتصقت بالرب، الله الواحد الحقيقي، فقالت لنعمي: حيثما ذهبت أذهب،وحيثما بت أبيت، شعبك شعبي وإلهك إلهي (14:1-16).
فعادت راعوث مع نعمي إلى بيت لحم في الربيع في وقت حصاد الشعير. وكانت نعمي قد شاخت عن أن تعمل في الحقل ولكن راعوث طلبت من حماتها أن تسمح لها أن تلتقط وراء الحصادين - إذ كان من حق الفقراء أن يجمعوا ما يتبقى في الحقل بعد أن يحصده الحصادون. ومن عناية الله أنها بدأت عملها في حقل يمتلكه بوعز، وهو من شيوخ اليهود وذو قرابة لحميها المتوفي أليمالك. ولكن في هذا الوقت لم يكن أي منهما يعرف شيئا عن هذه القرابة. وقد أصبحت راعوث معروفة باجتهادها في العمل، وأيضا بأنها تعول حماتها المسنة نعمي (11:2،18).
ومع مرور الوقت أصبح معروفا أن زوج راعوث السابق تربطه صلة قرابة مع بوعز الثري. وفي وقت الحصاد، ذهبت راعوث بناء على مشورة نعمي واضطجعت عند قدمي بوعز إذ كان نائما بالقرب من البيدر وطلبت منه أن يبسط غطاءه عليها. وقد فهم بوعز تماما ما الذي تعنيه بحسب الناموس طلبة راعوث الأرملة. فلقد كانت تقع عليه مسئولية الزواج من نعمي لإقامة نسل لاسم أليمالك المتوفي. ولكن نعمي كانت قد شاخت فطلبت من راعوث أن تأخذ مكانها بصفتها أرملة ابن أليمالك. وكان الناموس يلزم بوعز بتحمل مسئوليتهما بصفته الولي الذي من حقه أن يفك (أي القريب الذي من حقه أن يفدي)، من أجل حماية ميراث الرجل المتوفي. فقال بوعز للشيوخ ... أني قد اشتريت كل ما لأليمالك ... وكذا راعوث الموآبية ... قد اشتريتها لي امرأة لأقيم اسم الميت على ميراثه ولا ينقرض اسم الميت من بين إخوته (راعوث 9:4-10؛ لاويين 25؛ تثنية 6:7-8؛ 3:23-4؛ 5:25-10).
فأنجبت راعوث ابنا لبوعز وصارت نعمي مربية له. ودعون اسمه عوبيد، هو أبو يسى أبي داود [الذي من نسله جاء يسوع المسيح] (راعوث 17:4). ويبين سفر راعوث نعمة الرب من جهة اختياره لفتاة موآبية لتصبح واحدة من بين امرأتين سمي باسمهما سفران في الكتاب المقدس، وواحدة من بين أربع نساء ذكرن في سلسلة نسب يسوع المسيح (متى 5:1-6،16)
كان بنو إسرائيل جميعا يعرفون ما حذرهم به موسى من أن التقصير في خدمة الرب وتمجيده وعبادته سوف يؤدي إلى المجاعة. فتنهزمون أمام أعدائكم.. ويتسلط عليكم مبغضوكم.. وأصير سماءكم كالحديد.. وأرضكم لا تعطي غلتها (لاويين 14:26-19). ولكن لا يوجد دليل على أن شعب بيت لحم قد تاب أو صلى طالبا المطر.
ونظرا للمستقبل الكئيب الذي كان يلوح في أفق أرض الموعد، قرر أليمالك أن يأخذ زوجته نعمي وابنيه ويترك ميراثه بالقرب من بيت لحم (أي بيت الخبز) ويذهب إلى موآب دون أن يطلب إرادة الرب. لقد كانت غايته القصوى هي أن يجد طعاما. وسرعان ما استقر في بلاد موآب التي كان ملكها عجلون قد استعبد بني إسرائيل وأذلهم لمدة ثماني عشرة سنة (قضاة 14:3). ولكن في هذا الوقت كانت هناك على ما يبدو صداقة بين إسرائيل وموآب.
ومات أليمالك، وتجاهل الابنان عهد علاقتهم بالله فتزوجا امرأتين موآبيتين هما راعوث وعرفة. وبعد ذلك مات الابنان.
ووجدت نعمي نفسها في بلد غريبة - بعيدة عن السند الروحي من الذين يتكلمون لغتها أو يعبدون إلهها. فأحست باليأس والهزيمة. ومع أن اسمها يعني "التنعم" إلا أنها طلبت أن يسموها "مرة" بسبب الحزن الشديد الذي أصابها.
وبعد أن عاشت في موآب عشر سنوات (عدد الامتحان) - قررت أن ترجع فارغة (راعوث 21:1) إلى المكان الذي عرفته حقا أنه "بيت الخبز" - بيت لحم. نحن أيضا نحتاج أن نتذكر أن الرب أحيانا "يفرغنا" ولكنه لا يفعل ذلك إلا لكي يملأنا ببركاته.
عرفة وراعوث ترمزان إلى العالم الأممي. وقد بدأت كلتاهما رحلة العودة مع نعمي، ولكن عرفة سرعان ما رجعت إلى آلهتها (راعوث 15:1). أما راعوث فوضعت ثقتها في إله إسرائيل الواحد الحقيقي واستمرت في إيمانها الجديد وبيتها الجديد. لقد تركت بإرادتها الأهل والأصدقاء، واثقة أن إله إسرائيل سيحميها ويعولها.
كان بوعز، وهو القريب الولي، يرمز إلى المسيح. فقد لاحظ أمانة راعوث وإخلاصها وصدقها واجتهادها في العمل، وكان لديه الاستعداد أن يفدي ميراث نعمي الأصلي. فاشتراه لكي يسترده لها واتخذ راعوث زوجة له.
اعتذر الولي الأقرب الذي لا يذكر اسمه والذي كانت عليه المسئولية الأولى لافتداء ميراث أليمالك المفقود، والذي يشمل زوجته وأسرته، لأنه خاف أن يفسد ميراثه (6:4). وقد قال الناموس: لا يدخل موآبي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر (تثنية 3:23؛ راعوث 6:4). فقد كان باستطاعة الولي الأقرب أن يفك [أي يفدي] الأرض، لكن الناموس لم يشمل الموآبيين ولم يقدم لهم أي رحمة (راعوث 4:4).
هذا يذكرنا بأن الناموس لا يستطيع أن يغفر ولا أن يطهر، وليس فيه استثناءات، إنه لا يستطيع أن يجددنا أو يزودنا بالقوة، ولكنه يستطيع فقط أن يديننا. كم يحق لنا أن نحمد الرب، لأن الموآبية الأممية التي كانت مستبعدة بحكم الناموس قد نالت قبولا بالنعمة. فإن راعوث لم تعد موآبية في قلبها، إذ اعترفت قائلة: إلهك إلهي (راعوث 16:1).
كم يحق لنا أن نكون شاكرين لأن المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا (غلاطية 13:3).
إعلان عن المسيح: من خلال بيت لحم (التي تعني بيت الخبز). إن يسوع هو خبز الحياة الذي يشبع الجوع الروحي لدى جميع الذين يأتون إليه (يوحنا 35:6).
أفكار من جهة الصلاة: تجنب معوقات الصلاة (1 بطرس 7:3).