وصف الرب نوعين من الحياة: الأولى عن ابن مستهتر لا يهتم إلا بنفسه طلب أن يخرج من تحت سلطة أبيه، وسافر إلى كورة بعيدة، وهناك بذر ماله ... فابتدأ يحتاج... فلم يعطه أحد. فرجع إلى نفسه وقال ... أنا أهلك جوعا! أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له: يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك (لوقا 13:15-18).
إننا كثيرا ما نفكر عن الابن الضال أنه شخص ضلّ عن الإيمان. هذا صحيح ولكن يوجد ما هو أكثر من ذلك. فإنه قد بذر مال أبيه الذي كان يمكن أن يزداد كثيرا لو أنه ظل أمينا. وفي النهاية اكتشف مدى بؤسه، وإذ كان يصارع مع الإحساس بالفراغ وخزي الحياة الضائعة، عاد أخيرا إلى صوابه، فقام ورجع إلى أبيه قائلا: يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك (لوقا 21:15). فإنه بعد أن تاب عرّفه الآب بمدى خطورة خطيته: لأن ابني هذا كان ميتا فعاش، وكان ضالا فوُجد! فابتدأوا يفرحون (لوقا 24:15).
هذه هي قصة الجنس البشري. إنها الطبيعة الإنسانية التي تمجد الإرادة الذاتية والكبرياء والاكتفاء الذاتي وتسعى إلى الاستقلال عن سلطان الله.
وكما أن الابن الضال اكتشف أن شفقة أبيه ومحبته كانت أكبر بكثير مما كان في تصوره، فإن كل خاطئ تائب سيكتشف أن الآب السماوي ينتظر، بحب وشفقة، تلك اللحظة التي فيها يغيّر الحياة الضائعة لكل من يأتي إليه. ولكن بالرغم من روعة ذلك، فإن السنين الضائعة لا تُستردّ ونتائجها لا تُمحى. فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا (غلاطية 7:6).
بعد ذلك حكى يسوع قصة رجل أعمال غني، هذا الرجل لم يكتشف أبدا أنه قد "أضاع" حياته لأنه كان ناجحا جدا. فلم يكن لديه وقت للاهتمام باحتياجات لعازر الشحاذ أو أي شخص آخر. ولكنه مات بأسرع مما يتوقع، وفي العذاب نادى وقال يا أبي إبراهيم ... أرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ويبرد لساني ... لأني معذب في هذا اللهيب (لوقا 23:16-24). ولم يكتشف إلا في هذه اللحظة أن العذاب أبدي، وأن بينه وبين إبراهيم هوة عظيمة قد أثبتت (لوقا 26:16). ومع أن الرجل الغني كان معذبا في هذا اللهيب ، إلا أنه لا توجد إشارة إلى أنه قد كذب أو غش أو سرق من أي إنسان. فإن خطيته كانت هي تجاهل احتياجاته الروحية الأبدية، وأيضا تجاهل احتياجات الآخرين. لقد كان يعيش لإرضاء نفسه فقط. فإن اهتمامه بالثروة والملذات احتل المركز الأول في حياته طاردا كل رغبة في معرفة الله أو في عمل مشيئته.
وقد أوضح الرب في محبته أن ما يمتلكه الرجل الغني هو خاص بالله وأنه يجب أن يُستخدم لتكريم الله وتمجيده.
إن حياتنا القصيرة على الأرض هي للاستعداد لأبدية لا تنتهي، لأن وطننا الحقيقي هو في السماء (فيلبي 20:3). لذلك لا يليق بنا أن نجعل الأولوية في حياتنا للكسب المادي ولإرضاء الجسد. إن البشر جميعا، أغنياء وفقراء، يشتركون في أمر واحد - وهو الموت. والفارق، على الأكثر، لا يزيد عن بضعة سنوات.
لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه [أي حياته في ملكوت الله الأبدي]؟ (مرقس 36:8).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب الرب في الصلاة، فسوف يصغي إليك وينقذك من مخاوفك (مزمور 4:34).