مقدمة لسفر 1 صموئيل

سفر صموئيل الأول هو تكملة لسفر القضاة، ولكنه أيضا بداية عصر جديد في التاريخ العبري. ويغطي هذا السفر مرحلة التحول من زمن القضاة، عندما كان الرب يقود الحكم من خلال الأنبياء، إلى النظام الملكي الذي أدى في النهاية إلى سقوط الأمة. ونجد سردا تفصيليا لقيام وسقوط المملكة الإسرائيلية في أسفار صموئيل الأول والثاني وملوك الأول والثاني وأخبار الأيام الأول والثاني.

ويغطي سفر صموئيل الأول فترة حوالي 120 سنة - ابتداء من ولادة صموئيل وحتى موت شاول، أول ملوك إسرائيل.

بعد موت عالي وهزيمة بني إسرائيل على يد الفلسطينيين، أصبح صموئيل كاهنا ونبيا، ثم آخر وأعظم قاضٍ على إسرائيل. فقد اشتهر بصفته المصلح الروحي لزمنه، الذي علّم شعبه كلمة الله بأمانة وقادهم إلى أعلى مستويات الطاعة لله والتقوى في العبادة التي لم تحدث منذ أيام يشوع. لقد أسس صموئيل أول مدرسة للأنبياء. ونتيجة لذلك بدأت راية إسرائيل ترتفع بين الأمم.

كان صموئيل هو أول من وحد جميع الأسباط في مملكة واحدة. ولكنه عندما تقدم في السن، جاء إليه جميع شيوخ إسرائيل إلى الرامة وذكروه كيف أن ابنيه لا يصلحان أن يأخذا مكانه في القيادة، وطلبوا منه أن يجعل لهم ملكا ... كسائر الشعوب (1 صموئيل 5:8). وحيث أن الفلسطينيين كانوا يمثلون تهديدا مستمرا من الجانب الغربي والعمونيين من الجانب الشرقي (9:12،12)، قرر بنو إسرائيل أنهم يحتاجون إلى ملك. وهذا يبين ضعف إيمانهم بالله، الذي كان ملكهم الحقيقي. لقد نسوا أنه بعد موت عالي، تدخل الله وهزم الفلسطينيين عندما قاد صموئيل الشعب في الصلاة. ونسوا أيضا أن موسى كان قد حذرهم من جهة هذه الطلبة (تثنية 14:17-20).

ولكن الله كلم صموئيل قائلا: اسمع لصوتهم وملك عليهم ملكا (1 صموئيل 22:8)، لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم (7:8). وبحسب المظهر الخارجي،كان شاول أجمل وأطول من كل الشعب (2:9). وكما هو الحال دائما، فإن رحمة الله ورأفته فاقت جميع التوقعات إذ أعطاه قلبا آخر.. وحل عليه روح الله (6:10-10). كذلك فإن الرب قد مس قلب جماعة من الرجال البواسل لكي يتبعوه بأمانة (26:10). وابتدأ ملك شاول بانتصار عسكري مجيد (6:11-13).

ولكن بمجرد أن استقر على عرشه، بدأت تظهر في حياة شاول نقاط ضعف خطيرة جعلت صموئيل يوبخه بشدة قائلا: لأنك رفضت كلام الرب رفضك من الملك (23:15،26). وقد كانت هذه هي نقطة التحول في حياة شاول، إذ نقرأ بعد ذلك: وذهب روح الرب من عند شاول (14:16). وأمر الرب صموئيل بأن يمسح داود ملكا.

وإذ كان داود يزداد شعبية في أعين الشعب، كان شاول يزداد غيرة. وبسبب غيرته وإرادته العنيدة، قام شاول بمحاولات عقيمة لقتل داود في ثلاث مناسبات. واضطر داود أن يعيش مختبئا حتى وقت موت شاول في المعركة المأسوية على جبل جلبوع (أصحاح 16-31).

اقرأ 1 صموئيل 1 -- 3

كان عالي قاضيا على إسرائيل وأيضا رئيسا للكهنة على خيمة الاجتماع التي كان يشوع قد نصبها في شيلوه منذ ما يقرب من 300 سنة (يشوع 1:18؛ قضاة 31:18). وقد كانت حياة عالي الشخصية بلا غبار، لكنه فشل في تأديب أبنائه الأشرار الذين كانوا يساعدونه في الحكم على إسرائيل.

وكانت حنة، أم صموئيل، مثالا للمرأة التي عاشت سنوات عديدة بقلب مكسور لأنه لم يكن لها أولاد. كان الشعب يعتبرون ذلك عارا أو نوعا من القضاء الإلهي. وفي خيمة الاجتماع في شيلوه، بعد سنوات عديدة من الألم والمذلة والتعرض للاستهزاء، سكبت أخيرا قلبها وهي مرة النفس، فصلّت إلى الرب... حتى أن عالي ظنها سكرى (1 صموئيل 10:1-13).

عندما رآها عالي، تسرّع بحكمه الخاطئ قائلا: حتى متى تسكرين؟ لقد تكلم بقسوةٍ وحدّةٍ مع حنة؛ لكنها أجابته بهدوء وتواضع قائلة: لا يا سيدي، إني امرأة حزينة الروح. ولم أشرب خمرا ولا مسكرا (14:1-15).

كان عالي مخطئا، ولكنه كان صادقا في نيته. فبصفته كاهنا وقاضيا، كان من بين مسئولياته أن يوبخ الذين يصنعون شرا. ولكن خطأ عالي في حكمه على حنة كان بمثابة اختبار لصدق إجابتها المتواضعة: لا يا سيدي... إني أسكب نفسي أمام الرب . فلو كانت ذات طبيعة متكبرة لكانت قد بررت نفسها في الحال من خلال إجابة حادة على عالي. كان من الممكن أن تنتقد حكمه الخاطئ، فتقول مثلا: "هذا النبي الأعمى العجوز يتهمني زورا". ولكنها كانت عندئذ سترجع ربما في حال أردأ مما أتت - امرأة حزينة الروح - مع شعور بالمرارة. والأخطر من ذلك أنه لن يكون هناك صموئيل الذي وهب حياته من أجل رد إسرائيل إلى الرب. فبعد اختبار التواضع هذا تكلم الرب من خلال عالي قائلا: اذهبي بسلام وإله إسرائيل يعطيك سؤلك الذي سألته من لدنه (17:1).

فبدلا من الغضب والسخط، كان رد الفعل الذي أبدته حنة مختلفا تماما. تأملوا موقفها! لقد كانت حنة تعيش في زمن سابق للعهد الجديد بما فيه من اختبار سكنى المسيح في داخلنا وامتلائنا بالروح القدس. ومع ذلك، تلقت توبيخ عالي باحترام. ثم عادت حنة إلى بيتها بقلب مبتهج وخلال وقت قصير أصبحت قادرة أن تنجب للعالم من كان سيصبح نبيا وقاضيا وكاهنا.

وكما حدث مع حنة، فإن قبول التوبيخ بالروح الصحيحة، حتى ولو كان عن غير حق، يكون عادة أحد الوسائل للحصول على استجابة الصلاة التي طالما تاقت إليها قلوبنا.

فإن عالي كان بلا شك مخطئا في حكمه على حنة، فلا يمكن للقائد الروحي أن تكون كل أحكامه صائبة: لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا (يعقوب 2:3). ولكن يجب على الأشخاص ذوي المسئولية الروحية أن يوبخوا الشر وسوء السلوك، إذ يقول الكتاب: أطيعوا مرشديكم واخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حسابا (عبرانيين 17:13).

إن الكثيرين عندما يتعرضون للتوبيخ لا يتبعون مثال حنة في التواضع، فيمضوا غاضبين، إذ يكونون قد فشلوا في الاختبار، متجاهلين تماما تحذير الكتاب: لا تزجر شيخا (1 تيموثاوس 1:5).

وقد كتب بولس إلى تيموثاوس، وأيضا إلى جميع خدام الإنجيل، قائلا: وبخ انتهر عظ بكل أناة وتعليم (2 تيموثاوس 2:4).

إعلان عن المسيح: من خلال الميلاد المعجزي لصموئيل (قارن 1 صموئيل 5:1 و 11:1،20). كان ميلاد يسوع أكثر إعجازا لأنه ولد من عذراء (لوقا 27:1،31).

أفكار من جهة الصلاة: ثق أن ما وعد به الرب لا بد أن يتممه (تكوين 1:15-6؛ 1:21-3).

اقرأ 1 صموئيل 4 -- 7

كان الإسرائيليون قد تعرضوا بالفعل للهجوم وخسروا إحدى المعارك مع الفلسطينيين. ولكن في هذه المرة، خرج بنو إسرائيل للحرب ضد الفلسطينيين ولهم ثقة كبيرة لأن ابنا عالي كانا يتقدمانهم حاملين تابوت العهد. كانت هذه لحظة مرعبة بالنسبة للفلسطينيين لأنهم شعروا أنهم لا يحاربون فقط بني إسرائيل بل أيضا إله إسرائيل. ولكن بسبب تكثيف جهودهم، انتصر الفلسطينيون على بني إسرائيل، واستولوا أيضا على تابوت العهد.

كان عالي قد تقدم في السن وضعف بصره، فجلس قلقا منتظرا أن يسمع نتيجة المعركة. وعندما جاء المخبر وقال لعالي: هرب إسرائيل أمام الفلسطينيين.. وكانت أيضا كسرة عظيمة في الشعب.. ومات أيضا ابناك حفني وفينحاس.. وأخذ تابوت العهد (1 صموئيل 17:4)، كانت الصدمة شديدة على الشيخ المسن فسقط إلى الخلف ومات.

كان على بني إسرائيل أن يكونوا شهودا أمام العالم بأنه يوجد إله واحد حقيقي وأن الطاعة لكلمته تضمن بركته وحمايته. ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا وأصبح من الواضح الآن أن الإهانة قد لحقت حتى بإلههم. ولكن بمجرد أن دخل تابوت عهد الرب في أرض الفلسطينيين حتى بدأت الكوارث تتوالى. وأخيرا، وضع الفلسطينيون خطة لإعادة تابوت العهد إلى إسرائيل، وأدخلوه إلى بيت أبيناداب ... وكان من يوم جلوس التابوت في قرية يعاريم أن المدة طالت - واستمرت حوالي 100 سنة، طوال حكم صموئيل، وملك شاول، وحتى ملك داود الذي أحضره بعد ذلك إلى أورشليم (1 صموئيل 1:7-2؛ 1 أخبار 5:13-7). وهكذا دافع الرب عن قداسته وقدرته ضد الفلسطينيين العابدين للأوثان.

وبعد موت عالي وأبنائه، جمع صموئيل بني إسرائيل إلى المصفاة (حوالي خمسة أميال شمال أورشليم) مناديا بيوم عظيم للصلاة والصوم على مستوى الأمة. وكلم صموئيل كل بيت إسرائيل قائلا: إن كنتم بكل قلوبكم راجعين إلى الرب فانزعوا الآلهة الغريبة والعشتاروث من وسطكم، وأعدوا قلوبكم للرب واعبدوه وحده فينقذكم من يد الفلسطينيين. فنزع بنو إسرائيل البعليم والعشتاروث وعبدوا الرب وحده (1 صموئيل 3:7-4). وبينما كان صموئيل يصعد المحرقة تقدم الفلسطينيون لمحاربة إسرائيل ، إذ كانوا يعلمون أن بني إسرائيل بلا سلاح وبلا حماية (10:7). ولكن الدليل على توبة إسرائيل الحقيقية ورجوعهم إلى الرب كان واضحا في إيمانهم. فقد قالوا لصموئيل: لا تكف عن الصراخ من أجلنا إلى الرب إلهنا فيخلصنا من يد الفلسطينيين (8:7). فاستجاب الرب لصلاتهم، فهبت فجأة عاصفة رعدية على الفلسطينيين فهربوا خائفين، ولم يعودوا بعد للدخول في تخم إسرائيل. وكانت يد الرب على الفلسطينيين كل أيام صموئيل (13:7-14).

لم يحدث أبدا في تاريخ العالم أن لحقت هزيمة بأي إنسان وضع ثقته الكاملة في الرب بالطاعة لكلمته. إننا نحتاج جميعا أن نتعلم أن الله لا يعتمد أبدا على قوتنا أو قدرتنا أو مواهبنا لأن النصرة لا تأتي بالتخطيط أو بالقدرة. لأنه لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود (زكريا 6:4).

إعلان عن المسيح: من خلال الصخرة التي دعيت "حجر المعونة" (1 صموئيل 12:7). إن يسوع هو صخر خلاصنا؛ إنه مصدر عوننا (مزمور 2:18؛ 2:121).

أفكار من جهة الصلاة: غن للرب بالتسابيح (خروج 1:15-19).

اقرأ 1 صموئيل 8 -- 11

كان صموئيل قد جعل بنيه قضاة لإسرائيل (1 صموئيل 1:8)، وحيث أنه قد عاصر معظم فترة ملك شاول، فعلى الأرجح أنه كان في حوالي الستين من عمره عندما اجتمع كل شيوخ إسرائيل وجاءوا إلى صموئيل إلى الرامة وقالوا له: هوذا أنت قد شخت وابناك لم يسيرا في طريقك، فالآن اجعل لنا ملكا يقضي لنا كسائر الشعوب... ويقضي لنا ملكنا ويخرج أمامنا ويحارب حروبنا (4:8-5، 19-20). كان ابنا صموئيل قد مالا وراء المكسب وأخذا رشوة وعوّجا القضاء (3:8). كان سلوك ابنيه الرديء وتصميم الشعب على أن يكون لهم ملك من الأمور المحزنة لقلب صموئيل، الذي كان القاضي الروحي المتميز والنبي والكاهن على إسرائيل. ولكن صموئيل صلى وكان مستعدا أن يترك القرار النهائي للرب. فقال الرب لصموئيل: اسمع لصوت الشعب ... لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا (7:8).

كان الاهتمام بأمن وسلامة البلاد الذي أبداه شيوخ إسرائيل مجرد عذر، ولكنهم اعترفوا فيما بعد قائلين: أخطأنا لأننا تركنا الرب وعبدنا البعليم والعشتاروث (10:12).

كان شاول من سبط بنيامين وكان يعيش في جبعة شمال أورشليم. وكانت قد وصلته للتو أخبار بأن ناحاش، الملك العموني، قد نزل على يابيش جلعاد (1:11)، وهي مدينة تابعة لنصف سبط منسى المقيم على الجانب الشرقي من نهر الأردن، بالقرب من حدود العمونيين. فجمع شاول جيشه من جميع الأسباط في بازق، التي تبعد حوالي 20 ميلا إلى الغرب من يابيش جلعاد. كان العمونيون أعداء قدامى، ولكن هذه هي المرة الأولى التي فيها هاجموا إسرائيل منذ أن هزمهم يفتاح منذ أكثر من 50 سنة (تثنية 19:2؛ 3:23،4؛ قضاة 13:3؛ 7:10؛ 5:11).

وكانت النصرة التي حققها الإسرائيليون، بقيادة شاول، عظيمة جدا حتى أنه قيل: ضربوا العمونيين.. حتى لم يبق منهم اثنان معا (1 صموئيل 11:11). وعندما أنهى شاول أولى معاركه، هتف: في هذا اليوم صنع الرب خلاصا في إسرائيل (13:11).

بعد ذلك دعا صموئيل الشعب ليقدموا ذبائح سلامة أمام الرب في الجلجال، حيث كان الإسرائيليون قد قدّموا الذبائح منذ عدة قرون عندما عبروا نهر الأردن لأول مرة إلى أرض الموعد (15:11).

وبعد نصرته العظيمة على العمونيين، اختار شاول لنفسه ثلاثة آلاف من إسرائيل ليكونوا جيشا له (2:13). ومن المؤسف أنه لا يذكر أنه طلب رأي الرب في هذا الأمر، فلم يستشر الرب في الصلاة ولا استشار النبي طلبا للنصيحة؛ ولكن من الواضح أن شاول كان قد تحرك خطوة أبعد نحو الشيء الذي يريده الشعب - ملكا كسائر الشعوب (5:8).

كان الثلاثة آلاف رجلا يمثلون حرسا مهيبا لشاول، ولكن يبدو أنه كان مزيجا من الافتخار بقدراته الشخصية وأيضا من عدم الإيمان في ملك الملوك، الذي له كل جند السماوات تحت أمرته. وسرعان ما أدى كبرياء شاول وعمله للإرادة الذاتية إلى إهماله لكلمة الله مما نتج عنه سلسلة من الهزائم الروحية.

في هذا تحذيرا لنا بشأن خدعة حياة الذات. فإن شاول يمثل المسيحي المتساهل الذي يتصف بالكبرياء والروح العالمية وإرضاء الذات وعدم التأديب (متى 24:16).

قال الرسول بولس: كل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء ... أقمع جسدي وأستعبده، حتى بعد ما كرزت لآخرين، لا أصير أنا نفسي مرفوضا (1 كورنثوس 25:9،27).

إعلان عن المسيح: من خلال الطعام المميز الموضوع أمام شاول (1 صموئيل 24:9). فالكتف تشير إلى القوة، والصدر المصاحب له يشير إلى المحبة. فالمسيح هو طعامنا الذي يمنح القوة لجميع الذين يختارونه (يوحنا 51:6،56).

أفكار من جهة الصلاة: اشكر الرب من أجل حضوره الدائم ورعايته المستمرة (يشوع 5:1).

اقرأ 1 صموئيل 12 -- 1423

هاجم يوناثان وحطم نصب الفلسطينيين الذي في جبعة، وهي قرية على بعد ستة أميال تقريبا شمال شرق أورشليم في أرض بنيامين (1 صموئيل 3:13). وقد كان هذا النصب حصنا فلسطينيا منيعا منذ زمن طويل. وقد دفع ذلك الفلسطينيين أن يوحدوا كل قواتهم وتشمل 30.000 مركبة و 6000 فارس، وشعب كالرمل الذي على شاطئ البحر في الكثرة (5:13).

وكان صموئيل قد أمر شاول ألا يهاجم بل ينتظر حتى يرجع بعد سبعة أيام لكي يقدم للرب الذبائح المطلوبة قبل الذهاب إلى القتال. ولكن عندما أدرك جيش شاول المكون من ثلاثة آلاف من إسرائيل ، القوة العسكرية الهائلة التي للفلسطينيين، تركته الأغلبية واختبأوا في المغاير حتى لم يتبقّ لشاول سوى 600 جنديا (2:13،6،15). وإذ خاف شاول أن يتأخر صموئيل أكثر من ذلك، أصعد المحرقة ... وكان لما انتهى من إصعاد المحرقة إذا صموئيل مقبل (8:13-11). وكان ضمير شاول قد أخبره أنه قد ارتكب خطأ، إذ اعترف لصموئيل قائلا: قلت الآن ينزل الفلسطينيون إلي إلى الجلجال... فتجلدت وأصعدت المحرقة (12:13). كان يظن أن الظروف قد اضطرته إلى ذلك.

كانت المحرقة ترمز إلى التكريس، ولكن عندما تم تقديمها بناء على عدم طاعة وبواسطة شخص غير ممسوح من أجل تقديم الذبائح، فإنها تصبح مكرهة (1 صموئيل 22:15-23؛ أمثال 27:21؛ إشعياء 13:1).

وعند مواجهته بخطئه، ابتدأ شاول يوجه اللوم إلى صموئيل قائلا: أنت لم تأت في أيام الميعاد (11:13). لقد اعتقد شاول أنه من الضروري تقديم ذبيحة للرب. فهو لم يتحول إلى الأوثان، ولكنه تصور أنه مضطر بسبب الظروف أن يخالف أوامر الرب على سبيل الاستثناء.

كان صموئيل صريحا في إجابته على الملك المتكبر: قد انحمقت! لم تحفظ وصية الرب إلهك التي أمرك بها (1 صموئيل 13:13).

الاختبار الذي فشل فيه شاول قد يبدو تافها، ولكنه يتضمن مبدأ هاما للغاية. فهل نظل أمناء إلى كلمة الرب؟ أم أننا في بعض الأحيان نعطي لأنفسنا استثناءات بسبب الظروف لكي نخدم "مصالحنا"؟ هذا هو الاختبار الذي نمر به جميعا في وقت من الأوقات - عندما نجرب بالتفكير أنه من الأفضل أن نسرق بدلا من أن نجوع، وأنه من الأفضل أن نخطئ أو نتساهل عندما يبدو أن الاستمرار في الأمانة للرب ولكلمته يعرضنا لفقد مركزنا أو شعبيتنا.

إن ظروفنا قد تبدو أحيانا ساحقة، إذ أنها تتذبذب مع الأوضاع؛ ولكن مبادئ الله وحقه وكلمته لا تتغير مهما كانت الظروف. فإن يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد (عبرانيين 8:13). فلو كان شاول قد آمن بما آمن به داود، لما خاف من الفلسطينيين، وإنما قال مثلما قال داود عندما واجه جليات: لأن الحرب للرب (1 صموئيل 47:17).

وعندما نقارن بين الملكين، نجد أنه ليست الخطية هي التي تدمر الإنسان، وإنما الخطية وعدم الاعتراف.. السقوط وعدم النهوض مرة أخرى.. الانحدار ورفض التوبة والرجوع إلى الرب.

هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل، أما نحن فاسم الرب إلهنا نذكر (مزمور 7:20).

إعلان عن المسيح: من خلال صموئيل الشفيع (1 صموئيل 23:12). إن الرب يسوع الآن يشفع في المؤمنين (عبرانيين 25:7).

أفكار من جهة الصلاة: اعترف بعجزك الشخصي (قضاة 15:6-16).

اقرأ 1 صموئيل 1424 -- 16

سرعان ما واجه شاول اختبارا آخر عندما جاءه صموئيل قائلا: هكذا يقول رب الجنود، إني قد افتقدت ما عمل عماليق بإسرائيل ... فالآن اذهب واضرب عماليق... لا تعف عنهم (1 صموئيل 1:15-3). كان العماليقيون كنعانيين من نسل عيسو وقد حاولوا أن يضعوا العراقيل أمام إسرائيل أثناء رحلتهم في البرية.

وقد نفذ شاول المهمة بنجاح وعاد منتصرا. ويبدو أنه لم يكن مدركا لطباعه الحقيقية عندما قال: إني قد سمعت لصوت الرب وذهبت في الطريق التي أرسلني فيها الرب (20:15). ولكن شاول كان قد عفا عن أجاج ملك كنعان، كذلك أخذ الشعب من الغنيمة غنما وبقرا أوائل الحرام [أي أول الأشياء التي يجب إبادتها] لأجل الذبح للرب (21:15). كم نحن معرضون أن ننخدع بسهولة بالاعتقاد أننا عندما نطيع فقط أجزاء معينة من الكتاب المقدس، أو عندما نحقق إنجازا كبيرا للرب، فحتى إذا فشلنا في إطاعة بعض الأمور فإن ذلك لن يؤدي إلى نتائج خطيرة - على اعتبار أن الله سوف يسر بما أنجزناه. ولكن صموئيل وبخ شاول مرة أخرى قائلا: هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة ... لأن التمرد كخطية العرافة ... لأنك رفضت كلام الرب رفضك من الملك (22:15-23).

لقد كان الشعب وأيضا شاول مبتهجين بتقديم الحيوانات التي استبقوها ذبائح للرب (21:15). فإن شاول لم يكن عابدا للأوثان. وقد فعل أشياء حسنة كثيرة وانتصر في معارك عديدة، ولكنه كان مهتما بإرضاء الشعب ونفسه أكثر من إرضاء الرب. وقد اعترف بعد ذلك قائلا: أخطأت ... لأني خفت من الشعب وسمعت لصوتهم (24:15).

يرمز شاول إلى الإرادة الذاتية التي نراها في طموح بعض القادة السياسيين بل وأيضا المسيحيين. إنه الإصرار على اتخاذ مسار مستقل، ورفض الخضوع، واحتقار التوبيخ. هذه هي النقطة التي تحطم عندها عرش شاول. ولا تزال المصائر الأبدية تتحطم عن نفس هذه النقطة مع الذين يرفضون أن يخضعوا للمسيح ويتخذونه ربا على حياتهم، مفضلين بالأولى أن ينغمسوا في ملذاتهم الشخصية.

لا يوجد شيء يؤدي إلى الانخداع وتقسي قلب الإنسان أكثر من أن يقول الإنسان أني "قبلت" المسيح مخلصا لي، وفي نفس الوقت لا تكون له الرغبة الصادقة في السماح له باتخاذ طريقه في حياته. فليس هناك شيئا اسمه طاعة جزئية. فمن المستحيل أن أقول: "لقد فعلت كل ما أمرني به الرب ما عدا كذا وكذا". فمن الممكن أن يفعل الإنسان العديد من الأشياء التي تبدو جيدة وصحيحة، بل وأيضا كتابية، وفي نفس الوقت يكون خارج إرادة الله. فهذا هو أحد الأسباب التي من أجلها يجب أن نعرف قصد الله الكامل. فإننا لا نقدر أن نعمله ما لم نعرفه أولا. فمن الممكن أن تكون لنا ظاهريا بعض الاعترافات الصحيحة، وأن نجتمع مع بعض الأشخاص بالطريقة الصحيحة، وأن نعتقد بعض المعتقدات الصحيحة، وفي نفس الوقت نخفض داخليا مقاييس القداسة إلى مستوى أسلوب حياتنا الذي يعمل على إرضاء الذات ويرفض التأديب الإلهي.

جربوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان [أي، متمسكون بالإيمان وتظهر عليكم ثماره] . امتحنوا أنفسكم (2 كورنثوس 5:13).

إعلان عن المسيح: من خلال اسم داود (1 صموئيل 13:16) الذي يعني "المحبوب". إن داود يرمز إلى الابن الحبيب (مرقس 11:1).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب الإرشاد في تربية أبنائك (قضاة 12:13).

اقرأ 1 صموئيل 17 -- 18

كان الفلسطينيون قد وحدوا صفوفهم مرة أخرى للهجوم على إسرائيل. وليس بالمصادفة أن يتحدى جليات العملاق جيش إسرائيل لكي يرسلوا له رجلا يحسم المعركة بينهما. وأثناء هذه الأزمة نكتشف لماذا لم يقع اختيار الرب على أليآب، الأخ الأكبر لداود، لكي يصبح ملكا. كان الرب قد سبق وقال لصموئيل: لأني قد رفضته (1 صموئيل 7:16). والآن في وقت الامتحان، فإن أليآب وجميع رجال إسرائيل لما رأوا الرجل (جليات) هربوا منه وخافوا جدا (24:17). فلم يكن في استطاعتهم أن يروا إلا رجلا عملاقا يسانده جيش عظيم. ولكن على عكس ذلك نجد داود يصرخ قائلا: من هو هذا الفلسطيني الأغلف حتى يعيّر صفوف الله الحي؟ (25:17-27). لقد كانت ثقة داود العظيمة ليست بسبب قدرته الذاتية، ولكن بسبب ثقته فيما يستطيع الله أن يعمله.

كان شاول يبدو راضيا عن ذهاب داود إلى الحرب، بل قدم له النصيحة بشأن طريقة الانتصار. بالنسبة لبعض الناس، ما أسهل من أن يكلفوا آخرين بعمل ما ينبغي عليهم أن يقوموا به. وبالطبع فإنهم يريدونهم أن يتمموه بالطريقة التي يرونها أنها الطريقة الصحيحة. عندما واجه داود جليات، لم يكن لديه أي تردد حين قال: أنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيرتهم (45:17).

ويبدو أنه لم تمر سوى فترة قصيرة بين أول ظهور لداود كبطل قومي وبين الأحداث التي أثارت غيرة الملك شاول والتي حولته إلى العدو الأكبر لداود. وعندما نقرأ هذه الفصول يبدو لنا وكأن شاول كان أحيانا يحب داود ويكرمه وأحيانا أخرى يحاول أن يقتله. ولكن هذه الأصحاحات في الواقع كانت على مدى سنوات عديدة. وكانت العلاقة بين شاول وداود قد أخذت تتآكل تدريجيا، وانتهى الأمر إلى محاولات متعددة من جانب شاول لقتله.

فبحسب النظرة البشرية، يبدو من المؤسف أن داود اضطر أن يواجه سنوات هذا عددها من الإذلال والإهانة بواسطة شاول. ولكن أوقات التجربة في حياتنا تنمّي اعتمادنا على الرب وإيماننا به. إن نوعية شخصيتنا تتحدد ليس بإنجازاتنا وشعبيتنا، ولكن بالطريقة التي بها نتعامل مع المشاكل التي تواجهنا. إن الاضطهادات الشديدة التي تعرض لها داود والسنوات العديدة التي قضاها في المنفى قد أنشأت فيه العظمة الحقيقية - إذ جعلته رجلا حسب قلب الرب (14:13؛ أعمال 22:13).

إن الأحزان وتجارب الحياة قد جعلت شاول يزداد بعدا عن الرب، بينما جعلت داود يزداد قربا. فالاختبار الحقيقي لكل واحد منا هو كيف نتأثر بأوقات الألم والاضطهاد والتجارب؟ هل هذه تقربنا إلى الرب أم تبعدنا عنه؟ ما هي ردود أفعالنا تجاه خطايانا وسقطاتنا عندما يواجهنا الرب بها؟ هل نلتمس الأعذار لأنفسنا ونلقي اللوم على شخص آخر؟ فإن أمثال شاول سيشعرون بالمرارة ويطلبون الانتقام، أما أمثال داود ففي وقت الفشل عندما يواجهون أبشع أخطائهم فإنهم يخضعون أنفسهم بالكامل للمسيح.

إن شاول يمثل الإرادة الذاتية، التي تصمم على البقاء دائما في مركز النفوذ والتسلط. أما داود فهو يمثل الخضوع لإرادة الله، والرغبة في تمجيد وتعظيم الرب الذي نعبده. فمع أن حياة داود كان بها العديد من الأخطاء، بل وأيضا الخطايا، إلا أنه لم يوجد بها تمرد على الرب ولا مرة واحدة. ويمكننا أن نكتشف حقيقة قلبه، وهو يصرخ إلى الرب معترفا بخطاياه وقائلا: ارحمني يا الله ...امح معاصي ... إليك وحدك أخطأت ... قلبا نقيا اخلق فيّ يا الله وروحا مستقيما جدد في داخلي ... رد لي بهجة خلاصك ... فأعلم الأثمة طرقك (مزمور 1:51-13).

إعلان عن المسيح: من خلال يوناثان (1 صموئيل 3:18-4)، الذي كانت محبته لداود رمزا لمحبة الرب لنا.

أفكار من جهة الصلاة: صلوا من أجل بلادنا والقياديين فيها (1 صموئيل 9:7).

اقرأ 1 صموئيل 19 -- 21

لابد أن داود قد شعر بالفخر العظيم عند استقباله في قصر الملك وجعله حاملا لسلاحه وقائدا على حرسه. ولكن شاول ابتدأ تدريجيا يشعر بالغيرة من داود وصمم أن يهلكه: وكلم شاول يوناثان ابنه وجميع عبيده أن يقتلوا داود (1 صموئيل 1:19). وبعد أن حاول شاول للمرة الثانية أن يقذف بالرمح إلى قلب داود، فر داود إلى بيته حيث طارده جنود شاول، ولكنه نجا بفضل تخطيط زوجته المحبة ميكال، إذ أنزلته من الكوة ... فهرب داود ونجا وجاء إلى صموئيل في الرامة وأخبره بكل ما عمل به شاول. وذهب هو وصموئيل وأقاما في نايوت... ثم جاء داود إلى نوب إلى أخيمالك الكاهن (12:19،18؛ 1:21). ولكن دواغ الأدومي رئيس رعاة شاول اشتكى رئيس الكهنة بأنه قدم المساعدة لداود.

واستمر داود هاربا، تاركا وراءه زوجته المحبوبة، وصديقه يوناثان، ومشيره الروحي المسن صموئيل. لقد انفصل حتى عن أبيه وأمه. كان في وقت سابق قد أخذ والديه من بيت لحم شرقا إلى أرض موآب في عبر الأردن -إلى أحد أقاربه لجدته راعوث - حيث يمكنهما أن يعيشا في الغربة بعيدا عن أرضهما إلى أن تهدأ الأحوال. وكان داود وحيدا - بلا صديق.

بعد ذلك هرب إلى أخيش في أرض فلسطين حيث وجد نفسه في خطر أعظم عند ملك جت، إذ أن الفلسطينيين كانوا يتذكرون تماما نصرته على جليات بطلهم. فتظاهر داود بالجنون كطريقة للفوز بالنجاة (10:21-15).

وهكذا أصبح الرجل الذي اعتاد على العيش في قصر الملك ساكنا في مغارة عدلام، وهي تقع في الأماكن الجبلية جنوبي يهوذا، في منتصف الطريق بين لاخيش وأورشليم: واجتمع إليه كل رجل متضايق وكل من كان عليه دين وكل رجل مر النفس فكان عليهم رئيسا وكان معه نحو 400 رجل (2:22).

وإذ نتأمل في الظروف الخارجية لحياة داود من بعد انتصاره على جليات، يمكننا بسهولة أن نصدق أن صموئيل كان مخطئا، حيث أنه على مدى التسع سنوات التالية كان شاول مصمما على قتل داود.

لقد سجل الكتاب المقدس سنوات المعاناة غير العادية في حياة داود ليؤكد لنا أن ما فعله الله مع داود سيفعله معنا أيضا لأن الله لا يقبل الوجوه (أعمال 34:10). لقد كانت هذه هي طريقة الله في إعداد داود ليصبح رجلا حسب قلبه (1 صموئيل 14:13؛ أعمال 22:13)؛ وهي أيضا طريقة الله في إعدادنا لنصبح الأشخاص الذين يمكنه أن يستخدمهم لإتمام مقاصده. فيعطينا الله أولاً تأكيدا ببركاته.. بعد ذلك يضعنا في الاختبار ليرى ما إذا كنا سنظل أمناء ونثبت أننا مؤهلين لدعوتنا العليا. لا توجد طرق مختصرة ولا بدائل. وهذا الأمر لا يمكن اكتسابه أو تعلمه عن طريق التفويض، ولكن فقط بالاختبار الشخصي. ومع ذلك يمكنك أن تطمئن أنه لا توجد ظروف تستطيع أن تمنعك من أن تكون في دائرة إرادة الرب لك، شرط أن تكون في علاقة صحيحة معه.

إنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله (أعمال 22:14).

إعلان عن المسيح: من خلال داود (1 صموئيل 2:19)، الذي كان مرفوضا من شاول. يسوع أيضا جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله (يوحنا 11:1).

أفكار من جهة الصلاة: عظم الرب من أجله أعماله العظيمة (2 صموئيل 22:7).

اقرأ 1 صموئيل 22 -- 24

دمر شاول المصدر الوحيد الذي كان يمكنه أن يستمد منه القيادة الروحية عندما أصدر أوامره لدواغ الأدومي بقتل جميع الكهنة الذين في نوب. فدار دواغ الأدومي ووقع هو بالكهنة وقتل في ذلك اليوم خمسة وثمانين رجلا لابسين أفود كتان (1 صموئيل 18:22). لم يحدث في التاريخ اليهودي مثل هذه المذبحة البشعة. ولعلنا نلاحظ التناقض الغريب بين هذا الموقف الفاسد وبين الرحمة الكاذبة التي أبداها شاول في موقف سابق حين عفا عن أجاج، الملك العماليقي الشرير.

ولا عجب أنه بعد سنوات عديدة عندما واجه شاول الفلسطينيين مرة أخرى، لم يتلقّ جوابا من الرب مما دفعه إلى الخروج في جوف الليل للبحث عن إجابة لدى عرافة عين دور (7:28-25).

فذهب داود من هناك ونجا إلى مغارة عدلام ... وذهب داود من هناك إلى مصفاة موآب، وقال لملك موآب ليخرج أبي وأمي إليكم حتى أعلم ماذا يصنع لي الله (1:22،3؛ راعوث 13:4،17). وسرعان ما انضم إليه أبياثار، وهو الشخص الوحيد الذي نجا من مذبحة الكهنة في نوب.

يعتقد الكثيرون أن الكلمات الجميلة المسجلة في المزمور 37 نابعة من اختبارات داود في منفاه في البرية. وهو في هذا المزمور يشجعنا على الثقة والاعتماد والاتكال على الرب (ع 3)؛ والتلذذ بالرب (ع 4)؛ وأن نسلم له طريقنا (ع 5)؛ وأن ننتظره صابرين (ع 7)؛ وأن نحفظ طرقه ونسير فيها (ع 34)؛ وأن نحتمي به (ع 40). وقد استطاع أيضا داود أن يكتب قائلا: لا تغر من الأشرار (ع 1)؛ لأن عاملي الشر يقطعون (ع 9)؛ سيف الأشرار يدخل في قلبهم (ع 15)؛ وسواعد الأشرار تنكسر (ع 17)؛ لأن الأشرار يهلكون (ع 20).

توجد أوقات في حياة العديدين من أولاد الله فيها تتخطى الصعاب كل حدود الصبر، والحكمة، والقوة، والاحتمال، وتبدو جميع الأشياء عديمة الجدوى. وفي الواقع فإن كل واحد منا تمر عليه أوقات يحتاج فيها إلى التشجيع من جهة نفسه أو من جهة مواهبه أو عمله أو أولاده أو علاقته مع الرب. لقد حدث هذا أيضا في حياة داود الذي تلقى الإرشاد والتشجيع من أبياثار، الكاهن الوحيد الذي نجا من القتل في نوب، ومن بعض الأنبياء مثل جاد (1 صموئيل 5:22). وقد نقل داود خبرته بعد ذلك إلى الملايين من الناس من خلال مزاميره. إننا نحتاج جميعا أن ننمي موهبة التشجيع.

عندما يصبح الكتاب المقدس مألوفا لديك، تقدر عندئذ أن تشجع الكثيرين - إذ تقدم لهم المشورة الروحية وتتشفع من أجلهم في الصلاة.

مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح أبو الرأفة وإله كل تعزية، الذي يعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله (2 كورنثوس 3:1-4).

إعلان عن المسيح: من خلال داود الذي رفض أن يأخذ الملك بالقوة قبل الوقت المعين له من الله (1 صموئيل 10:24-13). المسيح أيضا رفض أن يصبح ملكا على إسرائيل بالقوة، على الرغم من أن الناس أرادوا أن ينصّبوه ملكا أرضيا قبل الوقت المعين (يوحنا 15:6).

أفكار من جهة الصلاة: صل أن يُقبل الناس إلى معرفة الرب الإله (1 ملوك 36:18-37).

اقرأ 1 صموئيل 25 -- 27

المرة الأولى التي فيها أنقذ داود حياة شاول كانت في مغارة عين جدي - على المرتفعات الشاهقة المطلة على البحر الميت. كان شاول وجيشه يبحثون عن داود. وفي هذه الليلة كان شاول قد انفصل عن رجاله لينام في أحد الكهوف - غير عالم أن داود ورجاله كانوا مختبئين داخل الكهف. فقام داود وقطع طرف جبة شاول سرا (1 صموئيل 3:24-4). وفي صباح اليوم التالي، وقف داود من بعيد ونادى شاول مخبرا إياه بما حدث.

وفي المرة الثانية كان داود عائدا من معون، التي تقع على بعد تسعة أميال جنوبي حبرون، بعد زواجه من أبيجايل. وكان الزيفيون قد أخبروا شاول عن مكانه فأسرع إلى هناك مصمما على قتله (1:26-3). ونام شاول ومن حوله جنوده الذين كانوا أيضا نيام. فتسلل داود إلى هناك يصحبه أبيشاي حتى وصل إلى شاول دون أن يلاحظه أحد. وظن أبيشاي أن هذا هو الوقت المعين من الله لموت شاول، فطلب من داود أن يمنحه شرف قتله. ولكن مرة أخرى أجاب داود: من الذي يمد يده إلى مسيح الرب ويتبرأ؟.. إن الرب سوف يضربه أو يأتي يومه أو ينزل إلى الحرب ويهلك (9:26-10) - أي أنه سيترك أمر موت شاول في يدي الرب بالكامل. وكما في المرة الأولى وقف داود على قمة بعيدة على مرأى من شاول، ممسكا بيديه رمح شاول وكوز الماء وطالبا منه المصالحة.

منذ حوالي 40 سنة، عندما ارتكب شاول أول أخطائه وهو لا يزال شابا صغيرا، حذره صموئيل قائلا: قد انحمقت (13:13)؛ والآن بعد أن أصبح في حوالي الستين من عمره، نجده يستعيد شريط حياته المليء بالغيرة والحقد والكراهية وعمل الإرادة الذاتية، ويعترف قائلا: هوذا قد حمقت وضللت كثيرا جدا (21:26).

في كل مكان في العالم، تجد الصراع والنزاع والغيرة والتنافس والغش والكلام الشرير والكراهية والعنف - وجميعها تعبر عن التمرد على الله. لقد علّم الرب تلاميذه أن يتوقعوا الاضطهاد، لأننا يجب أن نتشبه بصورة ابن الله، الذي إذ شتم لم يكن يشتم عوضا وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل (1 بطرس 23:2).

إن كل شخص أو مشكلة أو ضيق يعترض حياتنا هو بمثابة خادم لقصد الله لنا إذ أنه ينمي فينا رحمته وصبره وطول أناته. وبمجرد أن تتحقق فينا هذه الصفات، ندرك إلى أي مدى تكون البغضة والغيرة والكراهية أمورا مدمرة لصاحبها. هذا أمر حقيقي حتى وإن نال شخص آخر الفخر على الأشياء التي نتعب نحن فيها، أو أنه يعطلنا عما نظنه هو الأفضل لحياتنا. هذا هو الدرس الذي لم يتعلمه شاول أبدا.

لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا ... أحبوا أعداءكم ... وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم (متى 39:5،44).

وأهم درس نحتاج أن نتعلمه من اختبار داود هو ما كتبه لنا الرسول بولس: من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد؟ ... في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا (رومية 35:8-37).

إعلان عن المسيح: من خلال جهود أبيجايل في عمل الصلح بين داود ونابال (1 صموئيل 21:25-28). لقد كان الله في المسيح مصالحا العالم لنفسه (2 كورنثوس 19:5).

أفكار من جهة الصلاة: صل من أجل الازدهار الروحي (1 أخبار 9:4-10).

اقرأ 1 صموئيل 28 -- 31

كان الفلسطينيون من ألد أعداء بني إسرائيل ولم ينهزموا أبدا - ولا حتى من يشوع (يشوع 1:13-3). وكانوا لا يزالوا يسيطرون على الأراضي الخصبة بطول ساحل البحر المتوسط من يافا حتى جنوب غزة. ونظرا لعدم وجود جبال في أرض الفلسطينيين على عكس باقي الأماكن التي استولى عليها بنو إسرائيل،فقد كانت هذه المنطقة من أكثر المناطق تميزا في أرض الموعد. وكان الفلسطينيون قد تغلبوا على الإسرائيليين في أيام عالي النبي، ولكن لما هاجموهم مرة أخرى بعد أن أصبح صموئيل قاضيا، انهزموا هزيمة ساحقة حتى أنهم على مدى 40 سنة لم يجرأوا أن يهاجموا إسرائيل.

وعندما أصبح شاول ملكا، كان الفلسطينيون يسيطرون على السهول الساحلية، وبعض المناطق الجبلية. وفي بداية ملكه حقق شاول انتصارا عظيما، وبعده قتل داود جليات وأخضع الفلسطينيين. وفي السنة الأربعين من ملك شاول، جمع الفلسطينيون جميع جيوشهم إلى أفيق، وكان الإسرائيليون نازلين على العين التي في يزرعيل (1 صموئيل 1:29). وقد ساد الاضطراب على شاول عندما رأى حجم الجيش الفلسطيني الذي يستعد لمهاجمته. فأسرع شاول ليسأل الرب (5:28-6) لكنه لم يتلق أي إجابة. أما صموئيل النبي، الذي تجاهله شاول لسنين عديدة قد مات. وأيضا داود البطل، كان شاول قد طرده إلى المنفى. فرفع شاول صلاة سريعة ولكنه لم ينتظر طويلا. ترى، هل يمكن أن ينسى أنه قتل جميع كهنة الرب؟ كم هو مؤسف أن نراه يشق طريقه ليلا لطلب المشورة من العرافة التي في عين دور - أي من إحدى الساحرات مع أنه كان يعرف جيدا أن هذا مكروه عند الرب (تثنية 10:18-12).

لم يكن الفلسطينيون، بل بالحري نفسه هي ألد أعداء شاول -. فقد عاش لسنين عديدة حياة إرضاء لذاته ولم تكن هناك أي إشارة للتوبة على الماضي. إن تمتعنا بالشعبية والمواهب وغيرها من الميزات لا يضمن لنا النجاح في حد ذاته، وامتلاكنا لبعض المواهب الخاصة لا يعني أننا نستطيع أن نتخذ القرارات الروحية بدون أن نصلي وننتظر إرشاد الرب.

والآن بعد 3000 سنة لا يزال المحك كما هو - فهل نؤمن حقا أنه لدى كلمة الله الحلول لجميع مشاكل الحياة؟ إن الحمقى مثل شاول، سيطلبون الإرشاد من قِبل العرافين وقارئي الكف والذين يستخدمون الكرات البلورية والتنويم المغناطيسي. لمثل هؤلاء الأغبياء سيرسل الله عمل الضلال لكي يصدقوا الكذب (2 تسالونيكي 11:2).

لم يكن الهدف من شاول أن يكون مَلِكا لتحقيق مصالحه الشخصية، وكذلك الحال معنا أيضا. إننا ملك لله، وقد جعلنا ملوكا على شخصياتنا ومواهبنا وممتلكاتنا، ولكن ليس بالاستقلال عنه. فقد قصد لنا أن نحكم تحت سيادته، كي نسعى في حياتنا إلى تحقيق مقاصده في فترة العمر الواحد والقصير الذي منحه لنا. وكما في مثل الوزنات، سيطلب منا أن نعطي حسابا عن وكالتنا. ولكن عندما نعيش بالاستقلال عن الله نحمق (1 صموئيل 21:26). فشاول لم يكن عابدا للبعل أو غيره من الآلهة الغريبة. لكنه مثل الكثيرين ممن يدعون أنفسهم مسيحيين، لم يشأ أن يخضع حياته للرب.

ولكن عندما نصلي، وننتظر الرب، ونقرأ كلمته يوميا، وبعد ذلك نسلك في نور كلمته - عندئذ يقود الروح القدس أفكارنا لنتخذ القرارات الصحيحة. فالرب لا يمنع خيرا عن السالكين بالكمال (مزمور 11:84).

إعلان عن المسيح: من خلال الأوريم (1 صموئيل 6:28) الذي كان يُستخدم لتحديد إرادة الله. أما اليوم، فالمسيح يكلمنا بواسطة روحه وكلمته.

أفكار من جهة الصلاة: صل للرب وسبحه من أجل أمانته ورحمته في حفظ جميع وعوده (2 أخبار 14:6-15).

 

مقدمة لسفر 2 صموئيل

يسجل سفر صموئيل الثاني فترة الأربعين سنة التي ملك فيها داود. فبعد موت شاول قام سبط يهوذا فورا بتنصيب داود ملكا عليهم. كان داود ابن ثلاثين سنة حين ملك وملك أربعين سنة. في حبرون ملك على يهوذا سبع سنين وستة أشهر (2 صموئيل 4:5-5). ولكن أبنير قائد جيوش شاول قاد الأسباط الأخرى لقبول إيشبوشث ابن شاول ملكا عليهم. وبعد مقتل إيشبوشث، اعترف سائر الأسباط بداود قائلين: قد قال لك الرب أنت ترعى شعبي إسرائيل وأنت تكون رئيسا على إسرائيل (2:5) - وهكذا اعترفت جميع الأسباط بداود ملكاً على المملكة الموحدة.

وكانت أولى معاركه ضد اليبوسيين الذين كانوا لا زالوا يسيطرون على يبوس (أورشليم) (1 أخبار 4:11-5).

وقد نقل داود عاصمته من حبرون إلى أورشليم وعاش في منطقة صهيون الحصينة. بعد ذلك تلقى داود نبوة عن المسيا: كرسيك يكون ثابتا إلى الأبد (2 صموئيل 11:7-16). وقد أكد إشعياء فيما بعد الحقيقة بأن المسيا سيكون من نسل داود قائلا: لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد (إشعياء 7:9؛ 1:11؛ إرميا 5:23؛ حزقيال 25:37). وقد أنبأ أيضا الملاك جبرائيل العذراء مريم قائلا: هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية (لوقا 32:1-33).

وخلال العشرين سنة الأولى من ملكه انتصر داود على الفلسطينيين في الغرب؛ والأشوريين في الشمال؛ والعمونيين والموآبيين في الشرق؛ والأدوميين والعمالقة في الجنوب (2 صموئيل 8-10). ولم ينهزم داود أبدا. وكان السر وراء انتصاراته المذهلة أنه كان دائما يطلب الرب قبل أن يتقدم نحو الأعداء فأصبح يُعرف بأنه رجل بحسب قلب الله (1 صموئيل 14:13؛ قارن مع أعمال 22:13).

إن أوقات الرخاء والراحة تكون دائما أوقات خطر وتعرض للتجارب. ولم يُستثنَ داود رجل الله من هذه القاعدة. فقد سقط في التجربة في أحد أوقات الاسترخاء عندما ألقى ببصره من أعلى قصره فرأى بثشبع الجميلة وهي تستحم، وقاده ذلك إلى ارتكاب الخطية العظمى الوحيدة في حياته. ثم ندم داود على خطيته أشد الندم، ويمكننا أن نقرأ عن توبته الصادقة واعترافه بهذه الخطية في مزمور 51. ولكن خطية داود أدت إلى كثير من المعاناة خلال العشرين سنة الأخيرة من ملكه. لقد غُفرت خطيته، لكنه كما هو الحال دائما فإن نتائج الخطية لا يمكن تجنبها

اقرأ 2 صموئيل 1 -- 2

ظن الغلام العماليقي أن داود سيفرح عندما ينقل له هذا الخبر السار أنه قتل شاول، ألد أعداء داود، الذي طرده هو وأسرته وزوجته وأصدقاءه من القصر إلى المنفى. فلم يكن العماليقي يتخيل أن هناك شخصا لا يفرح لموت مثل ذلك العدو. لكن داود ورجاله ندبوا وبكوا وصاموا إلى المساء على شاول وعلى يوناثان ابنه وعلى شعب الرب وعلى بيت إسرائيل لأنهم سقطوا بالسيف (2 صموئيل 12:1).

لم يكن شاول مجرد ملك؛ بل كان الممثل الرسمي لمملكة الله. وعلى الرغم من أن شاول كان قد جرد نفسه - منذ زمن طويل - من أهليته ليكون ملكا حقيقيا لإسرائيل، إلا أن داود عبر بهذه الكلمات عن الحزن الذي سببته هذه الهزيمة ليهوه ولمملكته، فقال: لا تخبروا في جت.. لئلا تشمت بنات الغلف (20:1). فإن الإسرائيلي في العهد القديم كانت لديه هذه الوصية: لا تسع في الوشاية بين شعبك (لاويين 16:19).

كثيرا ما تحدث مثل هذه الحالة اليوم، عندما يعطي المسيحيون الحقيقيون فرصة للعالم، الذي من خلال ارتكابهم الخطية وعدم التزامهم، يستهزئ بالمسيحية ويهين الرب. فالعالم يجد لذة في اكتشاف سقطات المسيحيين وفضحها، وهو يستخدمها لتبرير شروره. لكنه يجب على كل مسيحي حقيقي أن يأخذ حذره فيما يقوله من جهة المسيحيين المرتدين… يجب أن نتذكر: لا تخبروا في جت . أما اللذة الواضحة التي يبديها البعض في فضح تقصيرات وأخطاء الآخرين، فهي تكشف عن ريائهم الفريسي: إن كان أحد فيكم يظن أنه ديّن وهو ليس يلجم لسانه بل يخدع قلبه فديانة هذا باطلة (يعقوب 26:1).

على الشخص الذي يحب أن يخبر في جت أن يتذكر أن خمسة من بين سبع خطايا يبغضها الرب أكثر من الكل تشمل: عيون متعالية، لسان كاذب ... أرجل سريعة الجريان إلى السوء، شاهد زور يفوه بالأكاذيب، وزارع خصومات بين إخوة (أمثال 16:6-19). إن المتكلم بالوشاية يعرف أين يلقي مخلفاته؛ أما نحن فخلقنا لكي نمتلئ بالروح القدس. الساعي بالوشاية يفشي السر، فلا تخالط المفتح شفتيه (19:20). لابد أن الرب يسوع كان يضع ذلك في اعتباره عندما أعطانا التعليمات والإرشادات لاختيار أصدقائنا، فقال: الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يخرج الصالحات، والإنسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور. ولكن أقول لكم إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابا يوم الدين. لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان (متى 35:12-37).

إن بصيرتنا الروحية تنجلي عندما نطرح كل خبث وكل مكر والرياء والحسد وكل مذمة (1 بطرس 1:2). فهنا نجد أن الكتاب المقدس يضع أهمية كبيرة لكل كلمة ننطق بها. فالكلمات قد تكون قاسية إذ لها قدرة على السحق والطعن والتدمير. نحن نعيش في جو مشبع بالكلمات - منها الكثير من الكلمات الخادعة التي تترك فراغا أجوف. ولكن كلمات الحكماء لا تُقدَّر بثمن، لأنها قادرة على إعطاء حياة، ورفع المنحنين، وتبديد الظلام. تفاح من ذهب في مصوغ من فضة كلمة مقولة في محلها (أمثال 11:25).

إعلان عن المسيح: في النشيد السامي لداود (2 صموئيل 17:1-27). لقد نسى داود كل مصائبه وفكر فقط في الأمور الحسنة. هنا يشير داود إلى المسيح، الذي أحبنا ونحن بعد أموات في الذنوب والخطايا (أفسس 1:2).

أفكار من جهة الصلاة: اعترف بأي خطية معروفة وتخلى عنها (نحميا 6:1).

اقرأ 2 صموئيل 3 -- 5

كان اليبوسيون شعبا صغيرا يشغل مساحة صغيرة جدا من الأرض بالمقارنة مع معظم الكنعانيين، لكنهم ظلوا محتفظين بأرضهم لأكثر من 500 سنة. فقد سار جيش يشوع إلى حدود كنعان شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وهزم 31 ملكا واقتحم حصونهم، ولكن اليبوسيين - المقيمين في قلب أرض الموعد - ظلوا ثابتين. ولم يكن هناك عداء بينهم وبين إسرائيل وكذلك لم يمثلوا تهديدا لهم ولسلامهم.

ومرت قرون منذ أن استولى يشوع على أرض الموعد، لكن أهم بقعة كانت لا تزال في يد اليبوسيين، الذين كانوا واثقين تماما من جهة أمنهم المطلق حتى أنهم استهزأوا بالعرض السلمي الذي عرضه عليهم داود بالاستسلام.. وأضافوا إلى رفضهم تعييرا وازدراء بقولهم أن العميان والعرج منهم فيهم الكفاية للدفاع عن حصنهم المنيع صهيون (2 صموئيل 6:5).

ولا يذكر الكتاب أي تفاصيل عن الطريقة التي بها استولى رجال داود على صهيون - حصن اليبوسيين المنيع (7:5). وربما السبب في إعطاء القليل جدا من التفاصيل عن هذا الانتصار الهام هو أن داود الذي لم ينهزم أبدا في أي معركة والذي ضمن السلام لشعب الله، كان يرمز للمسيا. فإن هذه المعركة كانت من أجل المدينة التي ستصبح مقدسة - التي اختارها الله لكي يضع فيها هيكله الوحيد على مر التاريخ حيث سيكون مكان سكناه. وهي أيضا ستصبح مدينة ملك الملوك، الذي عند عودته سيفرض سيطرته ليس فقط على أورشليم وإسرائيل بل على العالم كله.

يشير هذا الحصن صهيون إلى شيء قد يكون مختفيا في أعماق قلوبنا وعقولنا ولا يمكن كشفه لأي إنسان - سواء في سلوكنا أو في حديثنا - ولكنه جزء من طبيعتنا الإنسانية. فهو لا يتعارض مع تكريسنا للمسيح كخدام أمناء له.. نعطيه طاقاتنا ووقتنا ومواهبنا وعشورنا. ولكن الذهن الجسدي بدوافعه الجسدية (كولوسي 18:2) يطلب في السر طرقه الخاصة. إن هذا الذهن يجب أن نستبدله بذهن المسيح (1 كورنثوس 16:2). فهذا هو الجزء الذي يقول عنه بولس أنه يجب أن يتغير من خلال التجديد الشامل (رومية 2:12) - بالغسل بماء الكلمة (أفسس 26:5).

هل يوجد مكان قريب من مركز قلبك حيث لا زالت الذات تمارس سيطرتها بالقدر الذي يجعلها تثبت نفسها كلما أرادت؟ قد يبدو الأمر عديم الأهمية - ربما في شكل علاقة حب محرمة أو مصلحة ذاتية لا يحكمها الرب. ربما هي عادة محببة لا يدركها الكثيرون - من خلالها يكون للشيطان مكان في حياتك. ربما هي شهوة الجسد [اشتهاء الملذات الحسية] وشهوة العيون [أطماع الذهن] وتعظم المعيشة [الثقة في الموارد الشخصية أو في ثبات المقتنيات الأرضية] (1 يوحنا 16:2-17) والتي لا يراها الآخرون. قد نفترض أن هذه الأمور غير مؤذية كما كان اليبوسيون بالنسبة لإسرائيل، لأنها لا تتداخل أبدا مع أنشطتنا في خدمة الرب. ولكن اليبوسيون كانوا يشغلون ذات البقعة التي كان الله يريدها عاصمة له. فهي تشير إلى الموقع الذي فيه تجلس الذات متوجة - إن الله يريد قلبك بجميع مفاتيحه، إنه يريد منك وحدانية الهدف. لقد لفت الروح القدس انتباهك إلى هذا الأمر مرارا، قائلا: هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح (2 كورنثوس 5:10).

إعلان عن المسيح: من خلال داود، الملك الممسوح على إسرائيل (2 صموئيل 3:5)، فالمسيح هو الذي مسحه الرب. "مسيح" تعني "مسيا" أي "الشخص الممسوح" (مزمور 2:2؛ يوحنا 41:1).

أفكار من جهة الصلاة: ابدأ كل صباح بالصلاة (مزمور 3:5).

اقرأ 2 صموئيل 6 -- 9

عندما شاخ عالي الكاهن وكف بصره، هاجم الفلسطينيون بني إسرائيل وانتصروا عليهم. وكان ابنا عالي، حفني وفينحاس، يعلمان أنهم يحتاجون إلى حضور الرب، لذلك أحضرا تابوت عهد الرب من شيلوه وأتوا به إلى وسط الجيش. فارتفع هتاف الفرح وسط التوقعات العالية بحدوث نصرة مجيدة. ولكن رغم ذلك فلقد انهزم الإسرائيليون هزيمة نكراء، ولقي ابنا عالي حتفهما، وتم الاستيلاء على تابوت العهد. وهكذا ظن الفلسطينيون أنهم مسيطرون ليس فقط على إسرائيل، بل أيضا على إله إسرائيل. ولكن عندما وجدوا أنه لم يصبهم سوى الشر بعد استيلائهم على التابوت، قرروا أن يضعوه على عربة تجرها بقرتان مرضعتان بعد أن أبعدوا عنهما صغيريهما، لكي يروا هل ستظل البقرتان مع رضيعيهما أم أن إله إسرائيل سيقودهما. وعلى عكس طبيعتهما، اتجهت البقرتان في الحال نحو بيت شمس، على بعد حوالي سبعة أميال من أورشليم إلى الأرض المخصصة لسبط يهوذا. فأدخلوا التابوت إلى بيت أبيناداب حيث ظل ما يقرب من 20 سنة (1 صموئيل 1:7-4).

وبعد الاستيلاء على أرض اليبوسيين وتأسيس أورشليم عاصمة قومية، كانت رغبة داود الكبرى هي أن يكرم الرب بإحضار تابوت العهد - الذي يرمز إلى الملك الحقيقي لإسرائيل - إلى أورشليم، التي أصبحت العاصمة الدينية والسياسية لإسرائيل. كان في إمكانه أن يستأجر أي شخص لإحضار تابوت العهد إلى أورشليم. لكنه على العكس، فقد جمع داود جميع المنتخبين في إسرائيل ثلاثين ألفا. وقام داود وذهب هو وجميع الشعب الذي معه من بعلة يهوذا [قرية يعاريم] ليصعدوا من هناك تابوت الله الذي يدعى عليه بالاسم اسم رب الجنود الجالس على الكروبيم (2 صموئيل 1:6-2) وقاد المسيرة بنفسه - جاعلا منها مناسبة قومية لكي يطبع في أذهان جميع الإسرائيليين أهمية حضور الله بينهم. وقد اختاروا أن يضعوا تابوت العهد على عربة جديدة كما فعل الفلسطينيون منذ عدة سنوات. وهكذا تقدموا بفرح عظيم نحو أورشليم. لكنهم نسوا وصيتين : يجب على اللاويين أن يحملوا التابوت على أكتافهم، وأن الذي يلمس التابوت يكون عقابه الموت (عدد 15:4).

فحدث أن عزة، وهو أحد أبناء أبيناداب، مد يده إلى تابوت الله وأمسكه لأن الثيران انشمصت [أي تعثرت] (6:6)، فحاول أن يسند التابوت لئلا يقع من فوق العربة، فمات في الحال. وقد أدى ذلك بلا شك إلى اتضاع داود؛ لكنه أيضا شعر بالغيظ والإهانة (8:6). لماذا سمح الله بحدوث ذلك في الوقت الذي كان فيه الجميع يسعون إلى تكريمه؟ ولكن هذه الحادثة من شأنها أن تعلمنا جميعا أن الإكرام الحقيقي لله هو بإطاعة كلمته. وهذا يعلمنا أيضا أنه من الغباء أن نعتقد أنه طالما أن الشخص مخلِصٌ فلا فرق من جهة معتقداته أو الطريقة التي بها يعبد الرب.

قال يسوع: لماذا تدعونني يا رب يا رب وأنتم لا تفعلون ما أقوله؟ (لوقا 46:6). وقال لتلاميذه الجدد: إنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي، وتعرفون الحق والحق يحرركم (يوحنا 31:8-32).

إعلان عن المسيح: من خلال إحسان داود إلى مفيبوشث (2 صموئيل 7:9). هذا يعطينا صورة للخلاص الذي منحته لنا نعمة الله في المسيح. فإن النعمة تتجه إلى الضعفاء المباعين تحت عبودية الخطية (رومية 14:7).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يكشف لك أي خطايا قد لا تكون مدركا لها وأن يطهرك منها (مزمور 12:19).

اقرأ 2 صموئيل 10 -- 12

كان داود أقوى شخصية في المملكة، واعتاد أن يحصل على كل ما يريد. كان ملكاً بلا منازع، والمسيطر على كل شيء. لم ينهزم في أي حرب، فاتسعت جدا حدود مملكته خلال العشرين سنة التي ملك فيها، وعم الرخاء البلاد (2 صموئيل 1:8-15).

وكان عند تمام السنة [أي في الربيع] ، في وقت خروج الملوك [للحرب] أن داود أرسل يوآب ، في حين أنه كان ينبغي أن يشترك بنفسه في الاستيلاء على عاصمة العمونيين. على ما يبدو أنه قرر أن يسترخي ويتمتع بانتصاراته (1:11). ودائما يكون الشيطان جاهزا بشيء ما أو شخص ما لكي يجذب انتباهك عندما تقرر أن تتحرر من المسئوليات. وهو دائما يقدم الخطية في شكل انغماس جذاب في مطالب الذات.

بدأ الأمر بمجرد نظرة إلى الجميلة بثشبع. ولكن كانت هناك تحذيرات طول الطريق من شأنها أن تلفت انتباه داود. فعندما سأل عن هذه المرأة (3:11) وقالوا لها أنها زوجة لرجل آخر، كان ينبغي أن يتذكر وصية الرب - أن الزنى هو خطية بغيضة في نظر الرب وعقوبتها الموت (لاويين 10:20). وتعلمون خطيتكم التي تصيبكم [أي تتأكدون أن خطيتكم ستلاحقكم ولن تهربوا منها] (عدد 23:32). ولكن داود تجاهل كلمة الرب التي كان يعرفها جيدا،واستغل منصبه المعطى له من الله لكي يشبع شهواته. ومنذ اللحظة التي فيها اشتهى داود بثشبع إلى أن تزوّج منها لم يحدث أي شيء يعوق متعتهما. فإن موت أوريا في ساحة القتال، ربما بدا بالنسبة لداود نهاية سعيدة؛ ولكنه دون أن يدري، غرس بذرة للعديد من الآلام والمآسي.

بعد حوالي سنة تلقى داود أكبر صدمة في حياته حتى ذاك الحين، إذ واجهه ناثان النبي وقال: لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر في عينيه؟ (2 صموئيل 9:12).

وقد غفر الرب لداود عندما اعترف بشره وتاب عنه؛ ولكن الغفران لا يبطل مفعول قانون الطبيعة أن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا (غلاطية 7:6).

وكم كان حصاد الأحزان كبيرا بسبب متعة ليلة واحدة! لقد اعترف داود اعترافا صادقا بخطيته كما هو مدون في المزمور 51، ولذلك غفر له الله خطيته. ولكن على مدى العشرين سنة التالية - أي النصف الأخير من ملك داود - كان هناك العديد من الأحزان والآلام التي لا يمكن تجنبها. أولا مات طفله المولود من هذه الخطية. ثم تعرضت ابنته الجميلة ثامار، للاغتصاب من أمنون أخيها غير الشقيق والوارث الظاهري للعرش. وبعد سنتين انتقم أبشالوم من أمنون بسبب أخته فقتله، ظنا منه أنه سرعان ما سيرث العرش.

بعد ذلك تخلى عن داود أفضل مشيريه، أخيتوفل، ثم جاء انقلاب أبشالوم وملكه القصير المدى. وقد انتهت هذه الخيانة بموت أبشالوم على يد يوآب قائد الجيش. وبعد ذلك قام رجل اسمه شبع من سبط شاول، وانتهز فرصة الاضطراب الذي حدث على مستوى الأمة بسبب أبشالوم، فقاد ثورة أخرى. ثم إن أدونيا، وهو الابن الأكبر لداود والوريث المفترض استقطب إلى صفه يوآب رئيس الجيش، وأبياثار الذي كان رئيسا للكهنة. وإذ تشدد بسبب مساندتهما له، نادى أدونيا بنفسه ملكا. فاضطر داود أن ينصب سليمان في الحال على العرش مناديا به ملكا.

من يتبصر الأحزان والآلام والنتائج المريرة التي يجلبها الإنسان على نفسه عندما يستسلم للشهوات؟ لا أحد يريد ذلك. وكم عدد الذين استسلموا للتجربة في لحظة شهوة وصرفوا باقي حياتهم يقاسون النتائج؟ حقاً علينا أن ننذر كل شخص مجرّب بالقول: الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتا (يعقوب 15:1).

إعلان عن المسيح: من خلال النبي الذي أعطى سليمان اسم يديديا، ومعناه "المحبوب من الرب" (2 صموئيل 25:12). كان المسيح هو المحبوب من الآب (يوحنا 24:17).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب الرب في وقت الضيق؛ فإنه سوف يحميك (مزمور 5:27).

اقرأ 2 صموئيل 13 -- 14

أورشليم، مدينة السلام، أصبحت مسرحا للفسق. فإن أمنون، الابن البكر لداود، كان قد ولد في حبرون من أخينوعم اليزرعيلية التي كان داود قد تزوجها أثناء فترة نفيه. وكان عمر أمنون عندئذ حوالي عشرين سنة (2 صموئيل 43:25؛ 2 صموئيل 2:3؛ 1 أخبار 1:3).

وكانت ثامار - ابنة داود من معكة بنت تلماي ملك جشور [سوريا] (2 صموئيل 3:3) - هي أخت أبشالوم. ومن الواضح أن أمنون لم يكن لديه حب حقيقي لثامار لأنه خدعها مدعيا بأنه مريض. وعندما أحضرت له الطعام، استغل عطفها عليه وحاول أن يغتصبها. فبكت وتوسلت إليه قائلة: لا يا أخي، لا تذلني، لأنه لا يفعل هكذا في إسرائيل! ... أما أنا فأين أذهب بعاري؟ وأما أنت فتكون كواحد من السفهاء في إسرائيل (12:13-13). ولكن أمنون قرر أن يكون واحدا من السفهاء في إسرائيل، فاغتصبها بدون رأفة.

وبعد أن أشبع شهوته، طردها خارج الغرفة وأغلق الباب في وجهها. ولم تكن لدى أمنون أدنى مبالاة بأنه حطم حياتها، فطردها خارجا قائلا أنه قد أبغضها بغضة شديدة (15:13).

وعندما علم داود بالشر الذي فعله أمنون بأخته، اغتاظ جدا (21:13). ولكن أمنون كان ابن الملك - بكره والوريث لعرشه - لذلك لم يتخذ ضده أي إجراء قضائي. ولكن في ناموس موسى كانت العقوبة الحتمية على الاغتصاب هي الموت (لاويين 17:20). ومرة أخرى، صار داود مستعبدا لخطيته القديمة. فإن تقصير داود في توقيع العقوبة لم توبخ في الحال، ولكن العدالة أخذت حقها. فبعد سنتين خطط أبشالوم لقتل أخيه أمنون. ومهما ألقينا اللوم على أبشالوم من أجل قتل أمنون، فإن أمنون كان شرعا يستحق الموت.

والسبب الذي تذرع به أبشالوم لقتل أمنون كان الانتقام من أجل إذلاله لأخته. ولكن لم يكن أحد يجهل أن أمنون كان الشخص الوحيد الذي يقف في طريق تولي أبشالوم العرش.

يرجح أن أبشالوم كان في العشرين من عمره حين قتل أمنون. ثم هرب بعد ذلك إلى جشور [سوريا] حيث أقام مع جده لمدة ثلاث سنوات.

ليس هناك ألم أعظم بالنسبة للآباء من أن يروا خطيتهم تظهر مرة أخرى في أبنائهم، أو يتحقق أنه مع كون الله طويل الروح وكثير الرحمة، يغفر الإثم والتعديات لكنه إله قدوس وغيور. فقد أنذر الرب بني إسرائيل أن ذنوب الآباء يفتقدها في الجيل الثالث والرابع (خروج 5:20؛ 7:34؛ عدد 18:14، تثنية 9:5). لذلك لا نحصد ما زرعناه بمفردنا بل أيضاً يحصده أيضاً أولادنا وأحفادنا من بعدنا. هذا يشير إلى أن كل قرار نتخذه هو هام جداً بالنسبة لنتائجه البعيدة على حياتنا وحياة الآخرين.

ولكن الاستمرار في النوح على ما لا يمكن تغييره - مثلما رأيناه في حياة داود - يعتبر أيضا خطية (2 صموئيل 39:13؛ 23:12؛ 14:14). فالخطايا الماضية، عندما يتركها الإنسان ويتوب عنها تماما، تُغفر تماما. ومن هذا المنطلق،يعلمنا الكتاب المقدس: أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام، أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع (فيلبي 13:3-14).

إعلان عن المسيح: من خلال رد داود لأبشالوم (2 صموئيل 33:14). فإذا كان عطف الأب الأرضي يجعله يتصالح مع ابنه المنشق عليه، فكم بالحري أبونا السماوي المحب يصالحنا مع نفسه عندما نعترف بخطايانا.

أفكار من جهة الصلاة: ادع الرب وهو ينقذك (مزمور 16:55).

اقرأ 2 صموئيل 15 -- 16

بعد حوالي سنتين من رجوع أبشالوم من منفاه، بدأ يخطط للاستيلاء على عرش أبيه. فادعى الاهتمام بجميع المتضايقين وقال: من يجعلني قاضيا في الأرض فيأتي إلي كل إنسان له خصومة ودعوى فأنصفه! (2 صموئيل 4:15). ومن خلال شخصيته الجذابة استطاع أن يجذب ولاء الأمة من وراء داود. وكم هو مؤسف أن نقرأ: إن قلوب رجال إسرائيل صارت وراء أبشالوم (13:15).

وقد انكشف غش أبشالوم وشره عندما استأذن من أبيه داود قائلا أنه قد نذر نذرا وهو في سوريا قائلا إن أرجعني الرب إلى أورشليم فإني أعبد الرب مقدما له ذبيحة (8:15). فإن هدفه الحقيقي كان أن يقوم بثورة ضد الرجل الذي بحسب قلب الله (1 صموئيل 14:13؛ أعمال 22:13). لقد كانت خططه محكمة وسرعان ما أصبح معروفا في جميع الأسباط أن أبشالوم قد ملك في حبرون (2 صموئيل 10:15). وكان أخيتوفل، أفضل مستشاري داود، من بين المنشقين، مما أضاف قوة إلى مركز أبشالوم.

قد نُعجب بالفهم الروحي والإيمان العظيم الذي أبداه داود في هذه الساعة الحرجة. لقد ظهرت ثقته في محبة وعطف الله وفي سلطانه وهيمنته على أمور الحياة، في قوله لصادوق الكاهن: إن وجدت نعمة في عيني الرب فإنه يرجعني ... فليفعل بي حسبما يحسن في عينيه (25:15-26). لم يطالب بحقوقه، ولم يفكر أن يرثي لنفسه. فكل الأِشياء هي تحت سلطان الرب وما يسمح به يكون هو الأفضل.

لم يستسلم داود لقدره، بل أخضع نفسه لرعاية الله، فصلى وخطط. بدأ أولا بالصلاة: حمق يا رب مشورة أخيتوفل (31:15). بعدئذ، أرسل حوشاي إلى أورشليم وأعطاه التعليمات بحيث يصبح مشيرا لأبشالوم وبذلك يبطل مشورة أخيتوفل لأبشالوم (33:15-35).

إنه منظر يكسر القلب أن نرى ملكا مسنا، في الخامسة والستين من عمره، يهرب من أورشليم - وينزل على الطريق الصخري إلى وادي قدرون ثم يصعد إلى جبل الزيتون حافي القدمين.. مغطى الرأس.. باكيا (30:15)؛ ثم ينزل على سفح جبل الزيتون نحو الشرق، ويعبر نهر الأردن إلى أرض جدته راعوث.

إننا في وقت الأزمات نعرف من هم أصدقاؤنا الحقيقيون. فإن المرائين مثل صيبا يزعمون أنهم أصدقاء. أما شمعي، وهو ذو قرابة لشاول، فقد اعتبر أن محنة داود هي عقاب من الله له وأنه يستحق ذلك. من ناحية أخرى، أراد أبيشاي أن يستأذن من داود ليقتل شمعي. لكن داود كان يعرف أن الله هو المسيطر على أمور حياتنا - فأجابه قائلا: دعوه يسب، لأن الرب قال له سب داود (8:16-11).

وخلال المحنة كلها، لم تظهر على داود أي مرارة. ولم يوجِّه لوما لابنه ولا لجميع الذين تخلوا عنه. لقد أبصر يد الله في التأديب، بينما لم يبصر الآخرون سوى خيانة البشر. فالأمناء يعرفون أن الأشرار هم في كثير من الأحيان أدوات مستخدمة من الآب السماوي المحب لأجل تأديب أحبائه.

قبل أن أذلل أنا ضللت، أما الآن فحفظت قولك (مزمور 67:119).

إعلان عن المسيح: من خلال داود الذي وبخ ذويه عندما أرادوا أن يقتلوا أعداءهم (2 صموئيل 10:16-11؛ قارن مع 1 صموئيل 8:26-9؛ لوقا 54:9-56).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب حكمة وتمييزا (أمثال 1:2-6).

اقرأ 2 صموئيل 17 -- 18

كان تقدير داود لأخيتوفل عظيما جدا حتى أن مشورته كانت كمن يسأل بكلام الله (2 صموئيل 23:16). ولكن الأزمات تكشف لنا من هم أصدقاؤنا الحقيقيون. كان أخيتوفل متهما بالخيانة العظمى ضد الله وكان أبعد ما يكون عن التقوى حسبما افتكره داود. اكتشف ذلك عندما أوشك أبشالوم أن يصبح ملكاً جديداً على إسرائيل. فلم يضيّع أخيتوفل الوقت بل انضم حالا إلى ثورة أبشالوم. لقد كان فخورا جدا بشعبيته وطموحا جدا من جهة تأمين وضعه المستقبلي حتى أنه كان مستعدا أن يقتل داود لكي يدعم مكانته. وقد كشف أخيتوفل عن طبعه الحقيقي من خلال تكرار ضمير المتكلم "أنا" خمس مرات في اقتراحه المختصر على أبشالوم بأن يقتل داود. دعني أنتخب 12000 رجل وأقوم وأسعى وراء داود هذه الليلة، فآتي عليه ... وأضرب الملك وحده، وأرد جميع الشعب (1:17-3). كان يطلب أن يوضع 12000 رجلا تحت أمرته. وبذلك يصبح أبشالوم وعماسا والقادة الآخرون في المركز الثاني على أفضل تقدير. لقد أراد أخيتوفل أن يجعل من نفسه بطلا.

أقنعهم أخيتوفل بأنه لا توجد مشورة تضمن لهم النجاح مثل مشورته ومثل وجوده معهم. ولكن أسلوبه جرح كبرياء أبشالوم وعماسا وجعلهما راغبين في الاستماع إلى أي مشورة أخرى غير مشورته.

لقد صلى داود قائلا: حمق يا رب مشورة أخيتوفل (31:15)؛ ثم أرسل حوشاي إلى أبشالوم. وبلا شك أن وجود حوشاي جعل أبشالوم يشعر بالفخر إذ أصبح الآن في صفه أفضل مشيري داود. وقد أدى ذلك إلى انقياد أبشالوم وراء مشورة حوشاي، لأنها كانت متوافقة مع كبرياء أبشالوم ومع مخاوفه. فقد ذكّر حوشاي أبشالوم بأن أباه لم ينهزم ولا مرة في الحرب: أن أباك جبار والذين معه ذوو بأس (10:17).

فإن احتمال هزيمة أبشالوم في أولى معاركه وفقدان عدد كبير من جيشه الصغير الذي يتكون من 12000 رجلا سيؤدي إلى الارتباك وتحول أتباعه عنه. لذلك نصحه حوشاي بأن يجمع أبشالوم كل قوات إسرائيل وأن يتقدم هو بنفسه على رأس هذا الجيش الكبير فيستحق أن يكون الغالب المنتصر، والملك الحقيقي. فلا يمكن لأحد أن يأخذ مكانه - بل يجب على الأمير بنفسه أن يقود المسيرة ويحتفظ بزمام الأمور في يده. لذلك أشير بأن يجتمع إليك كل إسرائيل من دان إلى بئر سبع (8:17-11). وبهذه الطريقة أرسل أبشالوم في رحلة الكبرياء التي أدت إلى موته. وكما سبق الكتاب وأنبأ بكل وضوح أنه قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح (أمثال 18:16).

كانت مشورة حوشاي، التي بلا شك كانت بقيادة من الرب، هي الإجابة لصلاة داود. فقد توافقت مع مخاوف أبشالوم وكبريائه وشكوكه أيضا، من جهة أخيتوفل وإلى أي مدى ينوي أن يذهب بدوره القيادي الجديد. ولبضعة أيام كان يبدو بحسب الظاهر أنه قد نجح التمرد الذي اشترك فيه "جميع إسرائيل". وجدير بنا أن نلاحظ أن أبشالوم لم يستشر نبيا ولا كاهنا ولا اتجه إلى الرب. إن غير المؤمنين مخدوعون مثل أبشالوم، وأعينهم معصوبة من جهة تلك "الحضرة غير المرئية" التي من خلالها يلاحظ الله جميع الأمور الأرضية ويوجهها ويتحكم فيها، فهو لا يتوانى أبدا عن إنقاذ شعبه (عبرانيين 13:4).

الرب أبطل مؤامرة الأمم، لاشى أفكار الشعوب (مزمور 10:33).

إعلان عن المسيح: من خلال محنايم، مدينة الملجأ التي احتمى بها داود عندما كان هاربا من أمام أبشالوم (2 صموئيل 27:17). إن المسيح هو ملجأنا (عبرانيين 18:6).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب الإرشاد اليومي (أمثال 6:3).

اقرأ 2 صموئيل 19 -- 20

كان داود قلقا من جهة شيء واحد فقط في هذه اللحظة المأسوية عندما كان أبشالوم وجنوده يطلبون قتله: أسلام للفتى أبشالوم؟ (2 صموئيل 29:18،32). طبقا للكتاب المقدس ليس هناك سلام لمن يعيش كما عاش أبشالوم. فقد كان مستهترا، وشريرا، وخائنا، ومخادعا، ومتجردا من المبادئ الأخلاقية. ولكي يصير ملكا، كان مستعدا أن يدمر المملكة ويقتل أباه - الممسوح من الرب. وإذا بكوشي [أي إثيوبي] قد أتى، وقال كوشي: ليبشر سيدي الملك! لأن الرب قد انتقم لك اليوم من جميع القائمين عليك (31:18).

رجع جنود داود من المعركة متوقعين استقبالا حافلا ومجيدا من أجل انتصارهم؛ ولكنهم على عكس ذلك وجدوا الملك منتحبا، يبكي ويصرخ بصوت عظيم: يا ابني أبشالوم، يا أبشالوم ابني، يا ابني! (4:19). ولأن داود تجاهل أتباعه الأمناء وانتصارهم العظيم، تسلل الشعب في ذلك اليوم للدخول إلى المدينة كما يتسلل القوم الخجلون عندما يهربون من القتال (3:19).

لم يكن العنف والموت أمرا غريبا على داود - حتى موت أولاده. فعندما مرض الابن الأول لبثشبع، صام داود سبعة أيام واعتزل مصليا ؛ ولكن عندما أخبروه أن الولد قد مات، تقبل الأمر بهدوء قائلا: أنا ذاهب إليه (16:12-23). من بين الأمور التي ستجعل السماء ثمينة للغاية هو أننا سنلتقي فيها بأحبائنا الذين سبقونا إلى هناك. ولكن داود لم يكن لديه أدنى رجاء بأنه سيرى أبشالوم مرة أخرى، فإنه سوف يطرح في جهنم حيث يكون البكاء وصرير الأسنان (متى 42:13،50).

ربما كانت معاناة داود مزيجا من الحزن والشعور بالذنب. أو ربما كان أيضا يبكي لأنه لم يحسن تربية ابنه كما ينبغي، وكان شاعرا بالذنب من جهة شر ابنه. وربما أيضا شعر بالخيانة من جانب يوآب الذي كان في استطاعته أن يعطي أبشالوم فرصة واحدة أخيرة على أمل أن يرجع عن طرقه الشريرة. أما يوآب فقد واجه الملك بغضب لأن موقف داود خذل أصدقاءه وجنوده الأمناء وسائر الأمة. لقد نسى داود للحظة الشعب الموالي الذي جازف بحياته له - بأنه ناح على شيء لا يمكن استعادته.

إن الأحداث المأساوية التي تحدث للمؤمنين الأتقياء ليست حوادث سيئة الحظ. ولسنا مجرد لعبة في أيدي الناس أو الظروف. إن حياتنا هي دائما تحت رعاية أبينا السماوي المحب، في كل وقت وفي كل مكان بلا استثناء. لكننا جميعا في بعض الأحيان نكون مسئولين عن الظروف المناوئة والأحزان التي تمر بنا - ونحن ندرك هذا تماما. وربما يبدو من الطبيعي أن ندين أنفسنا من أجل أخطائنا وتقصيراتنا ومخاوفنا، بل وأيضا نلوم الآخرين من أجل "الأمور" التي تحدث لنا. ولكن هناك أمور كثيرة تقع خارج نطاق سيطرتنا - ربما وفاة مأساوية، حادث سيارة، مرض، إعاقة جسمانية، خسارة مادية. وأيا كان الأمر، فإما أن نستمر نائحين في حزن مستمر، وإما أن ندع الروح القدس الساكن فينا يستخدم هذه التجارب لكي يعمق إيماننا بحكمة الله ويأتي بنا إلى علاقة أقرب مع المسيح.

في وقت من الأوقات عندما كان الرسول بولس مكتئبا في كل شيء، من خارج خصومات ومن داخل مخاوف ، قاده الروح القدس أن يكتب قائلا: قد امتلأت تعزية وازددت فرحا جدا في جميع ضيقاتنا (2 كورنثوس 4:7-5).

إعلان عن المسيح: من خلال داود الذي كان يريد أن يدعوه الشعب من جديد ليملك عليهم (2 صموئيل 11:19). إن ربنا يسوع يريد أن جميع الناس يدعونه ليملك على قلوبهم. إنه لن يفرض نفسه على أحد، فهو يأتي فقط بناء على دعوة.

أفكار من جهة الصلاة: صل في الخفاء أمام الله، غير طالب مدحا من الناس (متى 6:6).

اقرأ 2 صموئيل 21 -- 22

جاء يوم الحصاد، ولكن لم يكن هناك طعام، كما سبق وأنبأ الرب: ولكن إن لم تسمع لصوت الرب إلهك ...تكون سماؤك التي فوق رأسك نحاسا والأرض التي تحتك حديدا (تثنية 15:28،23). كان الجوع دليلا على دينونة الله. وبعد ثلاث سنين، طلب داود وجه الرب (2 صموئيل 1:21).

وعلى الأرجح أن المجاعة قد حدثت في أوائل ملك داود، على الرغم من أن الكتاب يسجلها هنا، بعد حوالي 40 سنة، لكي يشير إلى أن إسرائيل قد جنى الكثير من الحزن والألم بسبب خطية داود، ولكن شاول أيضا كان مسئولا عن آلام الشعب. وقد ازداد داود اقترابا من الله بسبب أخطائه، أما شاول فتحول بعيدا عن الله.

عندما يصطدم داود بمشكلة ما، كان يطلب الرب في العديد من المناسبات (1 صموئيل 2:23،4؛ 2 صموئيل 1:2؛ 19:5،23؛ 1:21). وفي هذه المناسبة أعلن الرب أن سبب غضبه هو أن شاول قتل الجبعونيين ... لأجل غيرته على بني إسرائيل ويهوذا (2:21). كان هذا بمثابة كسر للعهد الذي صنعه معهم يشوع وشيوخ إسرائيل (يشوع 3:9،15-27). ويبدو أن شاول قد قتل بدون شفقة جميع هؤلاء القوم الأذلاء بنفس الحماس الذي قتل به جميع الكهنة في نوب.

ويشير الكتاب المقدس إلى أن أبناء شاول كانوا متورطين في هذه المذبحة وكذلك أبيهم: هو لأجل شاول و لأجل بيت الدماء لأنه قتل الجبعونيين (2 صموئيل 1:21). وعلى الأرجح أيضا أنهم قد استفادوا من الممتلكات والأملاك التي اغتنموها لأنفسهم.

ولم يطالب الجبعونيون الباقون بأن يميتوا أحدا في إسرائيل ، ولا بأن يأخذوا منهم فضة أو ذهبا تعويضا عن قتل ذويهم ونهب أملاكهم (4:21). فمن خلال تعاملهم لسنين عديدة مع بني إسرائيل، عرفوا أن وصية الرب تتطلب بأن القاتل يجب أن يموت لئلا تتدنس الأرض. لذلك طلبوا بشنق سبعة من أبناء شاول في جبعة لكي تعود بركة الرب على الأرض.

مضت 400 سنة، منذ أن عقدت الاتفاقية مع الجبعونيين؛ ولكنها في نظر الرب كانت سارية كما لو كانت قد عقدت بالأمس.

وحيث أن الرب كان هو الملك على إسرائيل، فقد كان الأمر الذي عمله شاول مهينا لمجده وكرامته، وكان داود مدركا حجم الخطأ الذي ارتكبه شاول بانتهاك معاهدة دولية صنعها يشوع وشيوخ إسرائيل. وكان داود مسئولا عن تسليم أبناء شاول إلى الجبعونيين، باستثناء مفيبوشت المشلول، بحسب وعده ليوناثان (1 صموئيل 14:20-17؛ 16:23-18).

دعونا ندرك خطورة تجاهل مسئولياتنا الأخلاقية والروحية، وأيضا النتائج البعيدة المدى التي سببتها الخطية. فإن حتى ملك البلاد ليس فوق القانون.

وأما الظالم فسينال ما ظلم به وليس محاباة [أي أن الله لا يحابي أحدا، مهما كانت مكانة الشخص، سواء كان عبدا أم سيدا] (كولوسي 25:3).

إعلان عن المسيح: المسيح هو الشخص الذي ندعو باسمه لننال الخلاص (2 صموئيل 4:22). ليس بأحد غير الخلاص: لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص (أعمال 12:4).

أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يقودك في كل ما تعمله (متى 13:6).

اقرأ 2 صموئيل 23 -- 24

قرب انتهاء ملك داود، ضرب داود قلبه بعدما عد الشعب. فقال داود للرب: لقد أخطأت جدا في ما فعلت (2 صموئيل 10:24). لقد أخطأ داود بعمل تعداد، وقد أدت هذه الخطية إلى حدوث وبأ انتشر بسرعة في البلاد وقتل 70.000 شخصا (2 صموئيل 15:24؛ 1 أخبار 1:21-14).

ربما نستغرب عندما نقرأ أن غضب الرب قد حمي على إسرائيل، فأهاج عليهم داود قائلا امض وأحص إسرائيل ويهوذا (2 صموئيل 1:24). فمن منطلق سلطان الله المطلق على جميع الأشياء، بما فيها الشيطان نفسه، يكون هذا صحيحا. ولكن المحرض الحقيقي على هذه الخطية كان هو الشيطان الذي وقف ضد إسرائيل وأغوى داود ليحصي إسرائيل (1 أخبار 1:21). يبدو أنه لم يكتمل الإحصاء (1 أخبار 6:21) عندما أظهر الله عن عدم رضاه تجاه هذا العمل. ثم، ضرب داود قلبه بعدما عد الشعب. فقال داود للرب: لقد أخطأت جدا في ما فعلت. والآن يا رب أزِل إثم عبدك لأني انحمقت جداً (2 صموئيل 10:24).

فمن غير المعقول أن يكون الرب هو الذي دفع داود لارتكاب هذه الخطية ثم أمات 70.000 شخصا بسبب هذه الخطية. لكن الروح القدس قاد كاتب سفر صموئيل الثاني ليرينا أن كل أنشطة الناس هي تحت سلطان الله الذي في سيادته المطلقة يسمح لنا بأن نسلك بعناد في طرقنا الخاصة. ويرينا أيضا، كم مهم جداً أن نقرأ كل الكتاب المقدس لنكتسب مفهوما أعمق عن الله. فإن تخلفنا عن القراءة نكوّن مفهوما خاطئاً عن الله من خلال هذه الحادثة.

إن قرار داود، الذي اتخذه بدافع من كبريائه، يذكرنا كيف يقع الإنسان بسهولة فريسة لنجاحه فيفقد اعتماده اليومي على الله. عندما كان داود أصغر سنا، كان معترفا باعتماده الكامل على الرب في الإرشاد الخاص. وكانت إحدى صفاته البارزة هي أنه كان دائما يسأل الرب (1 صموئيل 2:23،4؛ 6:28؛ 8:30؛ 2 صموئيل 1:2؛ 19:5،23؛ 1:21؛ 1 أخبار 10:14،14). لقد أثبت في بداية حياته أن الرب لا يحقق النصرة من خلال الأعداد المتفوقة. إنما بواسطة قوته؛ومع ذلك ففي لحظة الضعف هذه، وعلى الرغم من أنه لم يكن مهددا من الأعداء، إلا أن داود أصر أن يعرف عدد جيشه ليتباهى به.

ومع أن يوآب، قائد الجيش الشجاع، كان أقل خبرة من داود بالمبادئ الدينية والأخلاقية، إلا أنه كان يعرف أنه من الخطأ أن يعد الشعب، فحاول ولكن بلا جدوى أن يثني داود عن عزمه. فاضطر على مضض أن ينفذ أوامر الملك، وقد أتم المهمة ببطء شديد حتى أن الأمر استغرق منه حوالي 10 شهور. ولكن في لحظة إعلان النتائج، علم داود في قلبه أنه قد أخطأ؛ وإذ أدرك شره، تواضع أمام الرب قائلا: لقد أخطأت جدا في ما فعلت، والآن يا رب أزل إثم عبدك لأني انحمقت جدا (2 صموئيل 10:24).

بعد ذلك أرشده الرب من خلال جاد النبي بالقول: أقم للرب مذبحا ... وبنى داود هناك مذبحا للرب وأصعد محرقات وذبائح سلامة، واستجاب الرب من أجل الأرض فكفت الضربة عن إسرائيل (18:24،25).

وبلا أدنى شك، فإن الرب قد غفر له وقبل توبته في الحال. ولكن يجب أن نحصد ما زرعناه. فهذا هو قانون الطبيعة، وأيضا قانون العالم الروحي.

إن الزهو بإنجازاتنا وانتصاراتنا هو عدو ماكر يظهر في حياتنا العامة والاجتماعية، وأيضا في دوائرنا الدينية المعروفة اليوم. فحتى استجابة صلواتنا قد تصبح استعراضا مثيرا نرجع من خلاله الفضل لأنفسنا على إيماننا "العظيم" وقوتنا في الصلاة. آه، كم ينبغي أن نكون حساسين في اللحظة التي تتحقق لنا فيها بركة خاصة من الرب، أن نقول من قلوبنا: حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم (غلاطية 14:6).

إعلان عن المسيح: من خلال المذبح الذي بناه داود (2 صموئيل 25:24). إن المسيح هو ذبيحتنا. ومن خلاله فقط يمكننا أن ننال القبول لدى الله وننجو من غضبه بسبب خطايانا.

أفكار من جهة الصلاة: صلوا كعائلة بثقة وإيمان، لأن المسيح وعد بأن يكون حاضرا (متى 20:18).

 

عودة للفهرس