كان سليمان واحدا من أعظم الملوك في زمنه - سواء من جهة القدرات أو الممتلكات. وكان بهاء مدينته وقصره يخلب أنظار العالم. وكان العالم مبهورا بحكمته، ولكنه قال عن ذلك: في كثرة الحكمة كثرة الغم والذي يزيد علما يزيد حزنا (جامعة 18:1).
من السهل أن نشعر بالغيرة من المشاريع المثيرة التي حققها سليمان: فعظمت عملي، بنيت لنفسي بيوتا، غرست لنفسي كروما ... جنات وفراديس ... أشجارا من كل نوع ثمر... برك مياه ... عبيدا وجواري ... بقر وغنم ... فضة وذهبا وخصوصيات الملوك ... مغنين ومغنيات ... سيدة وسيدات. فعظمت وازددت أكثر من جميع الذين كانوا قبلي في أورشليم ... ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما ... ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس (جامعة 4:2-11). استطاع في وقتها أن يقول: قلبي فرح بكل تعبي (جامعة 10:2). استطاع حقا أن يقول: مهما اشتهته عيناي فعلته، لم أنكر على نفسي أي متعة. ولكنه كان متضايقا حقا عندما قال: فكرهت كل تعبي الذي تعبت فيه تحت الشمس حيث أتركه للإنسان الذي يكون بعدي (جامعة 18:2). وبعد موته بلحظات، صار الجزء الأكبر من مملكته العظيمة تحت سيطرة أحد عبيده، وبعد زمن قصير كانت الثروة والبهاء التي ورثها ابنه قد وقعت في حوزة ملك مصر.
إن قصة سليمان تذكرنا بكثيرين ممن باركهم الرب بنجاح مادي وتركوا أغلب ثروتهم لأبنائه أو لمنظمات خيرية لا تضيف شيئا إلى ملكوت المسيح. هؤلاء، شأنهم شأن سليمان، قد تعلموا بعد فوات الأوان أن يفكروا بجدية في السؤال: أي منفعة لمن يتعب مما يتعب به (جامعة 9:3). لقد اضطر سليمان أن يجيب: "لا شيء". ومع أن سليمان كان مدركا تماما أن الله سيدين الصديق والشرير (جامعة 17:3)، فلقد فات الأوان للتخلص من نتائج طموحاته الأنانية. لقد بدأ سليمان ملكه بقلب منقسم. كان يحب الرب ولكن قلبه كان متجها أيضا إلى الأهداف المادية. ومع تطور كل من هذه المشروعات، أصبحت فلسفته أكثر تأثر بالمبادئ الإنسانية التي أخرجت الله تدريجيا من حياته.
يوجد فراغ داخل الإنسان لا يستطيع أي شيء وأي شخص آخر أن يملأه. وبلا جدوى يحاول الإنسان، وفي النهاية يموت. المال والشهرة والجنس والمخدرات - جميعها لا تقدر أن تملأ المكان المعد خصيصا لكي يملأه الله وحده. فلم يفكر الملك سليمان الطموح أن الله قد جعل الأبدية في قلبهم [أي وضع إحساسا بوجود غرض مستمر عبر العصور لا يستطيع أحد تحت الشمس أن يشبعه سوى الله وحده] التي بلاها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية (جامعة 11:3).
لم يظهر نبي خلال حكم سليمان الذي امتد 40 عاما. فلقد كان يفكر بمنطق غير المؤمنين ذوي الاهتمامات العالمية. ولذلك فإننا نقرأ العديد من الآراء المشوهة مثل: من يعلم روح بني البشر هل هي تصعد إلى فوق؟ (جامعة 21:3). هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. ولكن هذا كان أسلوبه في الحياة أثناء السنوات الأولى من ملكه إذ كان يبحث عن السعادة متجاهلا الله وكلمته. فمن ذا الذي يحب أن يفكر في يوم الدينونة أو الكنوز الأبدية إذا كان يعيش لمصالحه الذاتية؟
إن كل واحد منا يحتاج أن يواجه بجدية هذا السؤال: "ما هو الغرض والقيمة من وجودنا؟" - ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه [أي خسر حياته الأبدية في ملكوت الله]؟ (مرقس 36:8).
إعلان عن المسيح: في جامعة 11:2 يقول: "ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي وإلى التعب الذي تعبته في عمله فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس". هذا يذكرنا بما قاله المسيح: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟" (متى 26:16).
أفكار من جهة الصلاة: افرح لأن مخلصنا حي (يوحنا 15:20-18).