إن الشاب الذي ركض إلى يسوع، وسجد له قائلا : ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ (لوقا 18:18) لم يكن مرائيا، وإنما كان يشعر فعلا بالاحتياج الملحّ بدليل أنه سجد أمام يسوع غير عابئ بما قد يظنه الآخرون. ومن الواضح أنه كان يفهم أن يسوع هو المسيا وأنه توجد أبدية بعد هذه الحياة الجسدية بوجود شخصي وحقيقي. ففي الحياة بأكملها لا يوجد سؤال أهم من هذا، وهو أن يخطئ الفرد بشأن مصير نفسه، يعني أنه يفقد أسمى هدف في الحياة طوال الأبدية.
وقد كتب لوقا أن هذا الشاب كان رئيسا - ربما عضوا في السنهدريم. ويقول متى أنه شاب. والأناجيل الثلاثة تشير إلى ثروته الكبيرة (متى 20:19-22؛ مرقس 22:10؛ لوقا 18:18-23). ويدل سؤاله عن الحياة الأبدية على أنه كان فريسيا، لأن الحياة الآخرة هي من المعتقدات الرئيسية للفريسيين على عكس الصدوقيين الذين لم يكونوا يؤمنون بوجود حياة بعد الموت.
وردا على هذا السؤال الحيوي، قال له يسوع: يعوزك أيضا شيء. بع كل مالك ووزع على الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني. فلما سمع ذلك حزن لأنه كان غنيا جدا . وكم أُحزن قلب الرب أن يرى شخصا أحبه يتحول عنه مفضلا الأشياء الزمنية على التلمذة له. لقد رفض أن يتخلى عن الحياة الممتعة التي كان متعلقا بها والأشياء التي كانت ثمينة في نظره - مثل أمانه المالي، ومركزه كرئيس، والامتياز الذي كانت الثروة تحققه له. لقد كان متدينا جدا وصادقا جدا، ولكنه كان أيضا شهوانيا جدا، والأخطر من هذا كله، أنه أضاع حياته إلى الأبد.
لاحظ جيدا أن السؤال لم يكن: بماذا "أؤمن"؟ بل: ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ ولكن يسوع لم ينتقد السؤال، وإنما أجاب عليه.
إلا أن هذا السؤال لا ينبغي أن يحوّر بحيث يعني أن الحياة الأبدية يمكن الحصول عليها بالمجهود الذاتي، إذ أنه لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس (تيطس 5:3). ولكن كما أشار يسوع إلى نفس هذا الرجل الصادق الذي جثا على ركبتيه أمامه، فمن المهم أن نعرف أن الإيمان بدون أعمال ميت (يعقوب 17:2). فيجب أن نسأل أنفسنا نفس السؤال الذي طرحه هذا الرئيس الشاب: "ما هو الشيء الذي يعوزني؟" هل قلوبنا وأذهاننا منشغلة بالأمور المادية أم بالأمور الأبدية؟ فإننا يجب أن نكون عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسنا (يعقوب 22:1).
يتضمن الخلاص أكثر من مجرد أن نؤمن ونجثو ونعترف بأن يسوع هو المسيا، فإنه حتى الشياطين يؤمنون (يعقوب 19:2). أما بشأن اكتناز الثروة، فإن يعقوب أخا الرب كتب قائلا: هلم الآن أيها الأغنياء ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة (يعقوب 1:5). إن ما قاله يسوع بشأن الثروة نادرا ما يُقال في أمريكا.
ولكن يسوع قال: ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله! لأن دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله (لوقا 24:18-25).
شواهد مرجعية: لوقا 20:18 (انظر خروج 12:20-16؛ تثنية 16:5-20).
أفكار من جهة الصلاة: صل لأجل الذين يسيئون إليك (أعمال 59:7-60).