مقدمة لسفر الملوك الأول
يغطي ملك سليمان الأصحاحات الإحدى عشر الأولى من سفر الملوك الأول. أما الأصحاحات 12-22 فتغطي حوالي 80 سنة من المملكة المنقسمة. خلال هذه المدة ملك أربعة ملوك على يهوذا وثمانية ملوك على إسرائيل.
بافتتاح سفر الملوك الأول كان داود قد ملك حوالي 40 سنة. وكان قد تقدم في السن وضعفت صحته. وكان أدونيا ابنه الأكبر قد تآمر مع يوآب رئيس الجيش، وأبياثار رئيس الكهنة، ليجعل من نفسه ملكا. ولكن النبي ناثان حذر داود من هذه المؤامرة؛ فتم في الحال تنصيب سليمان ملكا.
وكانت كلمات داود الأخيرة لسليمان شبيهة بكلمات موسى ليشوع: احفظ شعائر الرب إلهك إذ تسير في طرقه وتحفظ فرائضه وصاياه وأحكامه وشهاداته ... لكي تفلح في كل ما تفعل وحيثما توجهت (1 ملوك 3:2).
وقد أطاع يشوع النصيحة، ولكن سليمان لم يأخذها على محمل الجد.
لقد تكلم الرب مع سليمان في حلم، إذ رأى سليمان نفسه طالبا حكمة؛ وأجابه الرب: إن سلكت في طريقي وحفظت فرائضي ووصاياي كما سلك داود أبوك فإني أطيل أيامك. فاستيقظ سليمان وإذا هو حلم (14:3-15).
وبعد بناء الهيكل، كلم الرب سليمان مرة أخرى قائلا: إن سلكت في فرائضي وعملت أحكامي وحفظت كل وصاياي للسلوك بها، فإني أقيم معك كلامي الذي تكلمت به إلى داود أبيك (12:6).
وفيما بعد ظهر الرب مرة أخرى لسليمان وحذره بهذا التحذير: إن كنتم ... لا تحفظون وصاياي ... فإني أقطع إسرائيل عن وجه الأرض ... والبيت الذي قدسته لاسمي أنفيه من أمامي (6:9-7). ولكن يا للأسف! فإن سليمان لم يأخذ هذا التحذير على محمل الجد. وقرب انتهاء ملكه الذي دام 40 سنة نقرأ هذا القول: فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب . وبعد ذلك صدر الحكم: من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي ...فإني أمزق المملكة عنك (9:11،11).
وبعد موته بأيام قليلة، تم تقسيم المملكة. فملك رحبعام ابن سليمان على يهوذا وبنيامين. وقد استمرت المملكة الجنوبية لمدة 345 سنة تقريبا إلى أن دمرها نبوخذنصر. أما الأسباط العشرة الباقية فاتحدت تحت حكم يربعام وكونت المملكة الشمالية. وأسس يربعام مركزين جديدين للعبادة - الواحد في دان شمالا والآخر في بيت إيل جنوبا. وقد اشتهر باسم يربعام ابن ناباط الذي جعل إسرائيل يخطئ (2 ملوك 3:3؛ 29:10).
عند هذه النقطة، ظهر إيليا فجأة في المشهد (1 ملوك 1:17-22- 2 ملوك 2). وتبعه أليشع (1 ملوك 16:19 - 2 ملوك 15:13-20). وقد اشتهرا كليهما بنبواتهما إلى المملكة الشمالية
كانت كلمات داود الأخيرة لسليمان تدل على رغبته الشديدة من نحو ابنه - أن يعيش لإرضاء الرب. فهو لم يقل لسليمان شيئا عن الثروة المادية، أو النفوذ والشهرة، أو توسيع مملكته. ولكنه أكد على أهمية الحياة بالتوافق مع ملك إسرائيل الحقيقي، قائلا: احفظ شعائر الرب إلهك إذ تسير في طرقه وتحفظ فرائضه وصاياه وأحكامه وشهاداته ... لكي تفلح في كل ما تفعل وحيثما توجهت (1 ملوك 3:2).
وبعد أن وضح داود هذا المبدأ، استمر في كلامه قائلا: تشدد وكن رجلا (2:2). لم يكن سليمان طفلا وإنما ربما كان في حوالي العشرين من عمره، إذ أنه كان قد ولد من بثشبع في حوالي منتصف ملك داود الذي امتد 40 سنة. ولم يطلب داود من سليمان أن يكون رجلا بمعنى أن يقهر المزيد من الممالك، بل بأن يحافظ هو شخصيا على المبادئ الإلهية في مملكته، بغض النظر عن الذين يقاومونه.
كان داود قد رأى "الطاعة الجزئية" التي أبداها شاول، الملك السابق له، والنتائج المأسوية التي أتت بسببها على حياته وأيضا على المملكة. كان على سليمان أن يتذكر أنه يوجد ملك فوقه وأنه يجب أن يخضع له بكل أمانة - هو ديان كل الأرض والملك الحقيقي على إسرائيل (تكوين 25:18).
ولم يكن داود يكرر الكلمات هباء بقوله شعائر الرب، وفرائضه، ووصاياه، وأحكامه، وشهاداته، لأنه ينبغي أن يحفظ الناموس كله - وليس فقط الجزء الذي قد يبدو مرضيا لمصالحه. إننا جميعا مجربون بأن نطيع "طاعة جزئية" - التي هي في الواقع عصيان؛ ولكن أن تكون رجلا اليوم فهذا يعني أن تصمد ضد كل ضغوط الأقران، وضد المفاهيم الجنسية الشائعة، والتدخين، وشرب الخمر، والمخدرات، وكل الممارسات الخاطئة، وأيضا الاندماج مع "الأصدقاء" الذين لا يحبون أن يعبدوا وأن يرضوا المسيح. من السهل أن نطيع بعض الوصايا؛ ولكن الطاعة الجزئية كانت هي خطية شاول - التي جعلت النبي يقول له: التمرد كخطية العرافة، والعناد كالوثن والترافيم. لأنك رفضت كلام الرب، رفضك من الملك (1 صموئيل 23:15). إننا لا نستطيع أن نحفظ وصايا الرب (1 ملوك 3:2) ما لم نقرأ ونفهم وصايا الرب.
إذا كنا نؤمن حقا أننا نمتلك الإعلان الوحيد عن الله الواحد الحقيقي، خالق جميع الأشياء - أي الكتاب المقدس - يجب أن نتشدد ... لنقرأه من أجل قيمته الفائقة لكي نكرم الله الواحد الحقيقي الذي أعطانا إياه. إنه المرشد الوحيد الموثوق به- من أجل إعدادنا لنصبح الشخص الذي يريدنا الرب أن نكون متممين مقاصده التي من أجلها خلقنا. إنه حقا لمن الجهل واللامبالاة أن نمتلك كتابا مقدسا وفي نفس الوقت نهمل قراءته كما لو كان لا يستحق الوقت الذي نقضيه في قراءته.
إن الآباء الأتقياء يهتمون أكثر كثيرا بأن يكون أولادهم ناجحين روحيا وفي علاقة وثيقة مع الرب من أن يكونوا ناجحين ماديا. وعلى عكس ذلك، فإن ذوي الذهن العالمي يفخرون عندما يحصل أبناؤهم على ترقية أو ممتلكات مادية أو يتقدمون في المجال الاجتماعي، ولكنهم لا يفرحون بنفس الطريقة بتكريسهم أو خدمتهم للرب.
ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى، لأن التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية (2 كورنثوس 18:4).
إعلان عن المسيح: من خلال سليمان، الذي كانت حياته مهددة من أولئك الذين كانوا يخافون من أن يصبح ملكا (1 ملوك 11:1-12؛ قارن مع متى 13:2-18).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب تعليم الرب؛ اسع نحو النمو والنضج في حياة الصلاة (لوقا 1:11).
كان تابوت عهد الرب ومذبح المحرقة موجودين في جبعون، على بعد خمسة أميال تقريبا شمال غرب أورشليم (1 أخبار 37:16-40؛ 29:21). وكانت آخر حادثة جوهرية قد حدثت هناك هي خدمة التدشين العظيمة التي قام بها سليمان (2 أخبار 1:1-13). في تلك الليلة حلم سليمان حلما مميزا فيه رأى نفسه يطلب من الرب حكمة وقلبا فهيما ليميز بين الخير والشر (1 ملوك 9:3). فإن "الفهم" يعني حرفيا أن نسمع بغرض أن نعمل. إن طلب الفهم والتمييز هو من أعظم المسئوليات الموضوعة علينا.
كان سليمان بحاجة إلى المشورة الروحية التي لم يكن يطلبها، لذلك حاول الله يشدّ انتباهه من خلال حلم، موجها إياه نحو الأمور التي ينبغي أن يطلبها. كان هدف الرب من الحلم أن يذكر سليمان بأنه هو مصدر كل حكمة وأنه يجب على سليمان أن يعترف بنفسه كطفل صغير يحتاج إلى حكمة من الله لكي يميز بين الخير والشر (7:3-9). وقد كشف الحلم عن البركات الغزيرة التي كان الرب مستعدا أن يمنحها له إذا سلك في طريقه وحفظ فرائضه ووصاياه (14:3). كان الهدف من الحلم بلا شك هو أن يخلق في سليمان الرغبة في الأمانة للرب، ولكن في الواقع، لم يؤثر الحلم كثيرا على حياته.
كان سليمان غنيا وذائع الصيت. وقد قدم ذبائح أكثر من جميع الآخرين وبنى الهيكل الشهير. ولكن زواجه بنساء غريبات وعبادته على المرتفعات الكنعانية كانت من العوامل التي أدت إلى سقوطه وتقسيم المملكة (7:11-11؛ قارن مع تثنية 1:12-4). وكانت أولى زوجات سليمان عمونية، واسمها نعمة (1 ملوك 21:14) وابنها الوحيد هو رحبعام. وكانت زوجته الثانية ابنة فرعون. ولم تكن أي منهما مؤهلة لتقديم التشجيع الروحي لزوجها أو التربية الروحية لأبنائها. وبعد زواجه مباشرة من ابنة فرعون، قال الكتاب عنه: وأحب سليمان الرب ... إلا أنه كان يذبح ويوقد في المرتفعات (3:3) أي حيث كان الوثنيون يقدمون الذبائح لأوثانهم. وربما كانت تبدو زيجاته وذبائحه المشبوهة غير ذات شأن في ذلك الوقت، ولكنها أدت في النهاية إلى نتائج مأسوية.
إن التساهل هو بمثابة موطئ قدم صغير للخطية، وهو عاجلا أم آجلا لابد أن يتسع ويتحول إلى وحش يدمر كل نفع روحي في حياة الإنسان. لقد فتح سليمان الباب أمام الشيطان من خلال تنازلات ربما بدت له أنها ذات طابع دبلوماسي ليس له عواقب. كان عليه أن يقرأ الكلمات التي قالها صموئيل النبي لشاول: هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة (1 صموئيل 22:15).
وكانت النتيجة أن قلبه قد مال عن الرب (1 ملوك 9:11) لأنه كان يريد أن يشبع رغبات زوجاته الغريبات والكثيرات.
إن سليمان هو مثال للشخص الشديد الثقة بذاته، والذي يكون عادة موهوبا للغاية، حتى أنه يظن أنه يستطيع أن يساير الجموع المخطئة، وأن يشرب الخمر من وقت لآخر، وفي نفس الوقت لا يفقد صلته بالرب - فهو لديه الذكاء الكافي للتعامل مع هذا الأمر. إنه لا يحتاج أن يكون ضيق الأفق مثل أبيه الذي عفا عليه الزمن. وهكذا لم يلتفت سليمان إلى نصيحة أبيه (2:2-3)، ولا إلى الحلم الذي أعطاه له الرب، ولا حتى إلى كلمة الوحي التي قاده الروح القدس أن يكتبها:
اتق الله واحفظ وصاياه، لأن هذا هو الإنسان كله [أي هو الهدف من خلقه، وهو الأساس لسعادته، وهو الواجب على كل إنسان] (جامعة 13:12).
إعلان عن المسيح: من خلال سليمان، الذي يشير إلى المسيح المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم (1 ملوك 12:3؛ أيضا كولوسي 3:2).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب في الصلاة روح التواضع والخضوع أمام الرب (يوحنا 30:3-31).
كان داود قد جمع مخزونا كبيرا من المواد الثمينة وأعدها لسليمان لكي يبني بها الهيكل. ويبدو أنه كان قد أعد الترتيبات مع الملك الأممي حيرام ملك صور لكي يساهم هو أيضا: فأرسل سليمان إلى حيرام يقول: أنت تعلم داود أبي أنه لم يستطع أن يبني بيتا لاسم الرب إلهه بسبب الحروب التي أحاطت به حتى جعلهم الرب تحت بطن قدميه (1 ملوك 2:5-3).
وقد استخدمت عمالة ضخمة تتكون مما يقرب من 183.000 يهوديا وأمميا لأكثر من سبع سنوات لبناء هذا الهيكل (38:6). وكان الخشب للبناء مقطوعا من غابات لبنان، وتم تشييد الهيكل على جبل المريا في نفس الموضع الذي فيه قدم إبراهيم إسحق والذي فيه اشترى داود البيدر من أرونة. وكانت حجارة أساس الهيكل مستخرجة من أسفل الجبل الذي كانت أورشليم القديمة مبنية عليه، وهذه المغارة الكبيرة يمكن لأي شخص اليوم أن يدخلها.
وكان الهيكل نفسه ضعف حجم خيمة الاجتماع بالضبط، ولكنه كان لا يزال صغيرا نسبيا، إذ كان طوله فقط 90 قدما، وعرضه 30 قدما، وارتفاعه 45 قدما. وكان مقسما من الداخل إلى غرفتين. الغرفة الأولى تسمى القدس وكانت 60 × 30 قدما. والغرفة الثانية تسمى قدس الأقداس وكانت 30 قدما مربعة.
وكانت الإضافات الجانبية ذات الثلاثة طوابق تمثل جزءا من الجدران الخارجية على الجانب الشمالي والغربي والجنوبي للهيكل. وكانت الغرف مخصصة للكهنة الذين يخدمون العبادة في الهيكل. وجميع أثاثات الهيكل كانت مشابهة لتلك الموجودة في خيمة الاجتماع، وكذلك ترتيب العبادة.
لم يكن هناك على وجه الأرض أي مبنى يقارن بهيكل سليمان. فلقد استخدمت فيه أثمن الخامات وأغلى الكنوز. ولكن العالم كان يبصر فقط الجمال الخارجي للهيكل؛أما مجده الحقيقي فكان يتمثل في حضور الله الذي كان يسكن في قدس الأقداس.
وقد بني الهيكل بلا ضوضاء من العاملين حيث أنهم كانوا يشكلون الحجارة في المحجر وكانوا يعدونها بحيث تكون جاهزة للتركيب على جبل المريا. ولم يسمع في البيت عند بنائه منحت ولا معول ولا أداة من حديد (7:6). وهذا يذكرنا ألا نخلط بين الضوضاء وبين التقدم الروحي. فإننا نميل أن نقيس أهمية الأشياء بالإثارة التي تنتج عنها. ولكننا نتحول إلى صورة الرب المجيدة ليس بالمجهودات البشرية المسببة للضوضاء، ولكن في هدوء بقوة الروح القدس، الذي يعمل يوما فيوما على إكمال الهيكل- أي المؤمن. إن كل واحد من أولاد الله أثمن في نظر أبينا السماوي من هيكل سليمان. فنحن هيكلا لله وصنعة يديه، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها (1 كورنثوس 16:3-17؛ أفسس 10:2).
إن معجزة الولادة الجديدة وسكنى الروح القدس هي التي تصنع الفرق بين المسيحي الحقيقي وبين "العالم المتدين". فإن الذين يدركون أنهم خطاة هالكون، ويتوبون عن خطاياهم، ويقبلون إلى المسيح ليخلصهم، هؤلاء يختبرون حضور الله في حياتهم. ما أعجب هذا الأمر! أن إله السماء يسكن في كل مؤمن.
لأنكم قد اشتريتم بثمن، فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله (1 كورنثوس 20:6).
إعلان عن المسيح: من خلال الهيكل (1 ملوك 6). المسيح هو الهيكل الحقيقي (يوحنا 21:2). الله نفسه أعد المسيح (عبرانيين 5:10). من خلاله يمكن للجميع أن يقبلوا إلى الله.
أفكار من جهة الصلاة: صل بنفس واحدة مع سائر المؤمنين (أعمال 14:1).
وجاء اليوم العظيم لتدشين الهيكل على جبل المريا. وفي السنة الحادية عشرة في شهر بول وهو الشهر الثامن أكمل البيت.. فبناه في سبع سنين (1 ملوك 38:6). وقبل تدشين الهيكل، أتوا بتابوت عهد الرب ووضعوه في قدس الأقداس (1:8-9). كان تابوت العهد يرمز إلى حضور الله. وكان يحتوي على الوصايا العشر التي وضعها فيه موسى منذ قرون مضت. كان حجرا الناموس يمثلان حكمة وقداسة الله الواحد الحقيقي.
وبعد أن وضعوا تابوت العهد داخل قدس الأقداس، يقول الكتاب أن مجد الرب ملأ بيت الرب (10:8-11).
ووقف الشعب في الفناء وعبدوا الرب عند تدشين هذا الهيكل المجيد، مثلما فعلوا عند تشييد خيمة الاجتماع. ووقف سليمان على منصة في وسط الشعب وبسط يديه إلى السماء وصلى أطول صلاة مسجلة في العهد القديم (22:8). وكانت صلاة سليمان متفقة تماما مع وعود وتحذيرات الناموس (لاويين 40:26-44؛ تثنية 1:30-5). وقد عبرت عن العديد من الحقائق الروحية ابتداء من: أيها الرب إله إسرائيل، ليس إله مثلك في السماء من فوق ولا على الأرض من أسفل، حافظ العهد والرحمة لعبيدك السائرين أمامك بكل قلوبهم (1 ملوك 23:8).
كان شعب إسرائيل مختارا من الله الواحد الحقيقي - ليس لأنه كان صالحا أو عظيما، ولكنه لأنه كان قليل الشأن. كان عليهم أن يجعلوا العالم يعرف أن حماية الله وإمداداته مقدمة بوفرة لكل من يحفظ وصاياه (25:8).ولكن يجب أن يعرفوا أيضا أنهم إذا أخطأوا فلابد أن ينكسروا أمام أعدائهم (33:8). لأن الرب هو إله جميع الشعوب، وهو يعمل ويعطي كل إنسان حسب كل طرقه (39:8-43؛ قارن مع خروج 21:22؛ لاويين 35:25؛ عدد 14:15-16؛ تثنية 19:10؛ 12:31).
كان الهدف الأسمى لدى الله هو أن يعلم كل شعوب الأرض أن الرب هو الله وليس آخر (1 ملوك 60:8). لذلك صلى سليمان أن تكون قلوبهم كاملة لدى الرب إلههم ... وأن يحفظوا وصاياه (61:8). ولكن من المحزن أن نقرأ عن سليمان بعد 40 سنة أن قلبه لم يكن كاملا مع الرب (4:11).
وبعد صلاة التدشين، ذبحوا آلاف الثيران والأغنام وقدموها للرب. ولكن أغلبية الذبائح أعيدت إلى مقدمها، لكي يحتفل بها هو وأسرته.
إن كلمة "ذبيحة" لا تعني فقدان الشيء أو الحرمان منه، بل تعني تخصيص الشيء للرب. فالعطاء للرب لا يتضمن خسارة. والحالة الوحيدة التي تكون فيها تقدماتنا خسارة هي عندما نقدمها من أجل دافع آخر مثل خدمة الذات أو طلبا لمدح الناس. قال يسوع: الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم (متى 2:6). لقد أقر سيدنا هذا المبدأ: أعطوا تعطوا (لوقا 38:6). فهو يكافئ بمائة ضعف. وقد قال أيضا: إن من يزرع بالشح فبالشح أيضا يحصد (2 كورنثوس 6:9)؛ وأثمن ذبيحة هي بأن نقدم أجسادنا ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتنا العقلية (رومية 1:12).
إعلان عن المسيح: في صلاة سليمان عند تدشين الهيكل مثالا لصلاة المسيح كرئيس الكهنة (1 ملوك 22:8-54؛ يوحنا 17).
أفكار من جهة الصلاة: اعتمد على الروح القدس لكي يعينك في صلواتك (رومية 26:8-27).
أعطى الرب لسليمان امتيازات خاصة تفوق بكثير تلك التي لجميع الملوك الآخرين، وقد نال التكريم والإعجاب من كل العالم. ولكن استمرار بركات الله مشروط بالأمانة كما قال لسليمان: إن سلكت أمامي كما سلك داود أبوك بسلامة قلب واستقامة وعملت حسب كل ما أوصيتك ... فإني أقيم كرسي ملكك على إسرائيل إلى الأبد (1 ملوك 4:9-8). وعلى ما يبدو أن سليمان قد افترض أنه لكونه ملكا فهذا يجعله فوق القانون، وقد دفعه طموحه إلى أن يحيط عرشه بفخامة لا مثيل لها. كانت كل لحظة في حياته هي موكب انتصار. كان لديه آلاف الخيول والمركبات والفرسان. لقد عاش في جو من الترف، تحيط به ألف ملكة. ولكن لم يظهر ولا نبي واحد في فترة ملكه التي امتدت 40 سنة.
لقد بدأ انحدار سليمان عندما اتخذ بنات الملوك الغرباء زوجات له. والخطوة الثانية في الابتعاد عن الله تمثلت في قراره بالسماح لزوجاته بأن يمارسن عباداتهن الوثنية بكل حرية. ولقد أبهج أيضا الملوك الغرباء أن يروا مدى الاحترام الذي منحه سليمان لبناتهم، وكيف أنه كان متسع الذهن ببنائه المذابح لأوثانهن على جبل الزيتون، في مقابل هيكل إلهه مباشرة. وربما فكر سليمان بأن هذا لصالح الحرية الدينية، والتسامح، والأهداف السياسية، ولكنه في النهاية أدى إلى تدمير علاقته بالرب، فذهب سليمان وراء عشتروث (4:11-5).
لم يكن لأحد بداية أفضل من تلك التي كانت لسليمان، ولكنه انتهى إلى سقوط مريع. وها نحن اليوم نرى خطاياه تظهر من جديد بين المؤمنين الذين أصبحوا ناجحين ومستقلين ماليا. والذي ينذر بالخطر هو أن نرى نفس روح الترف والتمييز الاجتماعي تتخلل مجتمعنا المسيحي، مؤدية إلى الإسراف في مظاهر اللهو، والمنازل الفخمة التي تشبه القصور، والسعي لأجل مجاراة العالم. إن هؤلاء الناس قد ضاع من أمام عيونهم الهدف الذي من أجله أنعم الله عليهم بهذه البركات. وما حدث لسليمان يحدث لأولئك الذين يسمحون للممتلكات والملذات والشهوات بل وحتى الأشياء الجيدة أن تزاحم تكريسهم للرب. ولا بد أن يختبر جيلنا خيبة الأمل التي اختبرها سليمان حين عبر عن عدم رضاه بالمرة عن جميع إنجازاته قائلا أن الكل باطل وقبض الريح (جامعة 14:1).
إن الرب لابد أن يعلمنا أن الحكمة البشرية، والثقافة، والشهرة، والثروة، كل هذه لا تصلح أن تكون طريقا للنجاح والسعادة الحقيقية. إن ما يحتاجه العالم، ليس التمدّن، بل المسيح. فلا التدريب الأخلاقي، ولا القوانين الصارمة، ولا الرعاية الصحية، ولا توفير فرص العمل، ولا مقاومة الفقر، ولا الحد من التسلح سينفع بشيء- فهذه الطرق كلها ستفشل فشلا ذريعا. لم يكن هناك مستوى أخلاقي أسمى من ناموس الله في العهد القديم، ومع ذلك فشل في تقويم الإنسان. إن رجاءنا الوحيد هو في "الولادة الجديدة" وسكنى المسيح فينا لكي يحيا فينا بقوة الروح القدس.
عندما تستولي محبة المال أو الممتلكات أو الشهرة على القلب، تصبح إلها يطالب بالأولوية على حياتنا. فما أخطر التحذير: لأن محبة المال أصل لكل الشرور؛ الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة (1 تيموثاوس 10:6).
إعلان عن المسيح: من خلال الملك سليمان الذي صار أعظم من كل ملوك الأرض (1 ملوك 23:10-25). المسيح سيملك كملك الملوك ورب الأرباب (رؤيا 16:19).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يجعلك معطيا له بسخاء وسرور (2 كورنثوس 6:9-7)
دفن الملك سليمان في مدينة داود أبيه (1 ملوك 43:11). وصار ابنه الوحيد رحبعام وارثا لعرش المملكة التي كان صيتها قد ذاع في العالم كله. وكان قد ورث أيضا خزانة مليئة بالكنوز، وأساطيل من السفن، وحصونا منيعة لحماية حدوده. ولكن على عكس داود أبيه الذي عاش ليخدم الرب، فإن سليمان عاش لكي يرضي نفسه وترك المملكة على شفا الحرب الأهلية والتمزق.
كم اختلفت الأمور لو أن سليمان قد اتبع نصيحة داود أبيه - أن يسير في طرق الرب ويحفظ وصاياه (1:2-4) - أو لو سار رحبعام بموجب صلاة أبيه المسجلة التي رفعها في بداية ملكه (1:8-66). ولكن سليمان ابتعد بعيدا عن الرب؛ وكذلك ابنه سار في خطوات خطايا أبيه وديانة أمه العمونية (21:14،31). ونتيجة لذلك حلت اللعنة على المملكة الموحدة كما قال الرب لسليمان: أمزق المملكة عنك تمزيقا وأعطيها لعبدك! (11:11).
وكان أخيا النبي قد أخبر يربعام، أحد مديري أعمال سليمان، أنه سيصبح ملكا على العشرة أسباط. وهرب يربعام إلى مصر خوفا من سليمان (26:11-40). وبعد موت سليمان، أخذ رحبعام بمشورة مشيريه الشباب فأضاف ضرائب وأحمال جديدة. ولكن الشعب تمرد عليه، ولما سمع جميع إسرائيل بأن يربعام رجع أرسلوا فدعوه إلى الجماعة وملكوه على جميع إسرائيل (20:12).
وظل سبطان فقط - يهوذا وبنيامين - أمينين لمملكة داود وللعبادة في الهيكل.
وقام يربعام، وهو من سبط أفرايم، بإعادة بناء شكيم لتكون مقرا ملكيا له. وأول أعمال هرطقته كانت أنه أضاف مكانين آخرين للعبادة، على الرغم من أن الرب كان قد اختار جبل المريا لإقامة هيكله وليكون هو المكان الوحيد لتقديم الذبائح (10:8-11؛ 2 أخبار 2:7،12،16). وعلى الرغم من أن الناموس حدد أن أبناء هارون وحدهم هم الذين يقدمون الذبائح، إلا أن يربعام صير كهنة من أطراف الشعب لم يكونوا من بني لاوي (1 ملوك 31:12). وكان ينبغي أن يقام عيد المظال في اليوم الخامس عشر من الشهر السابع (لاويين 34:23،39)؛ ولكن يربعام اختار بدلا منه الشهر الثامن (1 ملوك 33:12).
كانت خطايا يربعام خادعة لأنه لم يترك عبادة الرب تماما وإنما عدلها فقط. إن أعمال يربعام هي صورة نموذجية للهرطقة - أي الابتعاد عن المكتوب. وبالطبع لم يكن الابتعاد كاملا وإنما فقط قام بتعديل كلمة الله لصالحه الشخصي. واشتهر مركزا العبادة الجديدان ولقيا قبولاً من الأسباط العشرة، ذلك لأن الأمر يتعلق بجيل جديد، وبعض الآراء القديمة لم تعد تناسب العصر. وبهذه الطريقة أصبح يربعام معروفا بأنه الشخص الذي جعل إسرائيل يخطئ (52:22).
إننا نواجه نفس التشويش في أيامنا. فالعديد من تعاليم الكتاب الأساسية، لم يعد القادة يؤمنون بها أو يعلمون بها اليوم. والأخطر من ذلك هو ظهور بعض الترجمات الحديثة التي تستبعد كلمات مثل التبرير والكفارة والخلاص والتقديس والتوبة - وهي كلمات أساسية وجوهرية في الكتاب المقدس. هذا لأنه لم يعد يناسب العصر أن ننادي بالتوبة كما كان يفعل يسوع (متى 17:4)، أو أن نعلم عن القداسة التي بدونها لن ير أحد الرب (عبرانيين 14:12). ومعظم المنابر اليوم أصبحت تتحاشى الكلام عن الزنى والشذوذ الجنسي وغيرها من الشرور.
ولكن بولس سبق وأنبأنا أنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح ... فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات (2 تيموثاوس 2:4-4).
إعلان عن المسيح: من خلال "رجل الله" الذي تكلم بكلمة الله (1 ملوك 1:13-5). إنه رمز للمسيح الذي هو كلمة الله (يوحنا 1:1،14؛ رؤيا 13:19).
أفكار من جهة الصلاة: صل وقدم الشكر للرب من أجل إخوتك وأخواتك في المسيح (كولوسي 2:1-3).
أثناء الثلاث سنوات الأولى بعد انقسام المملكة، اتجهت المملكة الجنوبية بقوة إلى عبادة الرب، ربما لأن الكهنة واللاويين من الأسباط العشرة هاجروا إلى أورشليم اعتراضا على مركزَي العبادة "الحديثين" في دان وبيت إيل في المملكة الشمالية. ولكن في السنة الخامسة من ملك رحبعام على يهوذا، هو أيضا ترك شريعة الرب (2 أخبار 1:12).
ونتيجة لذلك، حجب الرب بركته وحمايته. وبعد ذلك، صعد شيشق ملك مصر [نسيب يربعام] إلى أورشليم وأخذ خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك؛ وأخذ كل شيء وأخذ جميع أتراس الذهب التي عملها سليمان (1 ملوك 25:14-26). ولم تكن هناك على ما يبدو أي مقاومة من العاصمة التي كانت في يوم من الأيام عاصمة قوية.
ولعدم وجود ذهب، صنع رحبعام أتراساً من نحاس بدلا من أتراس الذهب. يا لها من مفارقة - بين سليمان بكل حكمته وغناه وقوته - وبين الهيكل والمملكة التي فرغت من جميع كنوزها. لقد كان سليمان قد أعد المسرح لسقوط الأمة.
ربما اعتقد شعب يهوذا أن الرب لن يسمح بسرقة هيكله ومدينته المقدسة. ولكن الله لا يخطئ أبدا. وهذه المأساة هي بمثابة تحذير عظيم لجميع المؤمنين من جهة نتيجة المهادنة. فإن الله لا يقبل منافسين. كانت تعتبر الأمة عروسا ليهوه، ويقول الكتاب أن بني إسرائيل أغاظوا الرب وأغاروه بوثنيتهم (1 ملوك 22:14).
كان سليمان قد شجع عبادة البعل - إله الطبيعة، وعشتاروث - إلهة الخصوبة والحب الجنسي، والعديد من الآلهة الأخرى. وظل هذا الأسلوب مقبولا أثناء حكم ابنه رحبعام. فبمجرد أن تصبح البدع والعبادات الكاذبة شائعة، سرعان ما يتبعها قبول شذوذ جنسي. فلا عجب أن نقرأ: وكان أيضا مأبونون في الأرض [أي كان هناك شواذ من الذكور والإناث] (1 ملوك 24:14؛ تثنية 17:23)، فعلوا حسب كل أرجاس الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل (1 ملوك 24:14).
ويقال أن رحبعام ترك شريعة الرب (2 أخبار 1:12) - ولكن هذا لا يعني أنه لم يعد يذهب للعبادة الطقسية في بيت الرب. وكان إذا دخل الملك بيت الرب يأتي السعاة ويحملونها [أي أتراس النحاس] (2 أخبار 11:12). وهذه الأتراس النحاسية الزهيدة كانت بمثابة تذكرة لبني إسرائيل أنهم بسبب خيانتهم للرب لم يعد لهم سوى صورة مقلدة للمجد والعظمة اللذين كانا موجودين قبلا في إسرائيل. وترمز أتراس النحاس أيضا للأنشطة الدينية الضحلة التي يمارسها من لا يعيشون في رضى المسيح.
كان الهيكل لا يزال قائما، وكذلك العبادة فيه. ولكن رحبعام سمح للشواذ - من الذكور والإناث - أن يمارسوا طقوس عباداتهم على كل تل مرتفع حيث كانت توجد مذابح وتماثيل آلهتهم الكاذبة (1 ملوك 23:14-24). وقد اتبع سياسة والده في كونه واسع الأفق ومتهادنا مع الديانات الأخرى، لأنه لم يكن لديه ولاء حقيقي للرب.
لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم (رومية 18:1).
إعلان عن المسيح: من خلال آسا الذي طهر الأرض (1 ملوك 11:15-14). لقد طهر المسيح الهيكل (متى 12:21-13؛ يوحنا 13:2-16). وكمسيحيين حقيقيين نحن هيكل الله (1 كورنثوس 19:6-20؛ 2 كورنثوس 16:6-17).
أفكار من جهة الصلاة: صل بلا غضب أو تذمر في قلبك (1 تيموثاوس 8:2).
في وقت ما عندما كانت طاعة الرب "موضة قديمة"، وقف إيليا التشبي أمام الملك الشرير آخاب في المملكة الشمالية ليخبره بنتائج تجاهله لكلمة الله. وكان قد وضع ثقته في الرب القائل: احترزوا من أن تنغوي قلوبكم فتزيغوا وتعبدوا آلهة أخرى وتسجدوا لها، فيحمى غضب الرب عليكم ويغلق السماء فلا يكون مطر (تثنية 16:11-17).
قدم إيليا نفسه للملك آخاب قائلا: حي هو الرب إله إسرائيل الذي وقفت أمامه إنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي (1 ملوك 1:17).
عندما قال إيليا " هذه السنين " كان يعني أنها "مدة غير محددة" - أي حتى تصبح مستعدا للتوبة، لن يكون هناك مطر. "إلا عند قولي" معناها "لا يستطيع أي شخص آخر على الأرض أن يعلن متى سينتهي الجفاف وينزل المطر". ومرت ثلاث سنين ونصف (لوقا 25:4؛ يعقوب 17:5). وكما ظهر إيليا فجأة في المرة الأولى، هكذا في المرة الثانية رفع إصبعه في وجه آخاب صائحا: لم أكدر إسرائيل، بل أنت وبيت أبيك بترككم وصايا الرب وبسيرك وراء البعليم (1 ملوك 17:18-18). وبعد نطقه بالاتهام على الملك، أمره قائلا: أرسل واجمع إليّ كل إسرائيل إلى جبل الكرمل - أي شيوخ وقادة إسرائيل. وطلب إيليا أيضا من الملك أن يحضر أنبياء البعل الـ 450 وأنبياء السواري الـ 400 الذين يأكلون على مائدة إيزابل . وهذا يعني أن الملكة هي التي كانت تعطيهم مرتباتهم. ولا بد أن آخاب كان مضطرا للاستجابة لأنه نفذ في الحال أوامر إيليا.
قصد إيليا أن يزيل كل شك من جهة أن الرب هو الله وأن البعل إله كاذب. وقد استخدم السلاحين الوحيدين اللذين ينبغي أن نستخدمهما في محاربتنا - كلمة الله والصلاة المقتدرة (يعقوب 16:5) قائلا: بأمرك قد فعلت كل هذه الأمور ... فسقطت نار الرب (1 ملوك 36:18،38). أمر النبي أن تنزل نار من السماء يتبعها مطر، وبذلك أثبت أن الرب هو الله الحقيقي القدير.
إن الله لا يستجيب دائما في الحال كما حدث عند نزول النار. فعندما صلى إيليا من أجل المطر، استمر في صلاة حارة أمام الرب - وأرسل غلامه سبع مرات ليبحث عن أي علامة لنزول المطر، حتى أبصر أخيرا سحابة صغيرة في السماء (43:18-44).
إن الصلاة الحارة هي "السؤال، والطلب، والقرع على الباب" بشدة - مثل الأرملة التي كانت تأتي أمام قاضي الظلم نهارا وليلا، ومثل الشخص الذي قام في منتصف الليل ليقرع على باب جاره قائلا: لي صديق محتاج (متى 7:7-8؛ لوقا 5:11-10؛ 1:18-8). هذا لا يعني أن الرب يصعب إقناعه، بل إنه يريدنا أن نعني حقا ما نقول. ينبغي أن نصلي ولا نمل [أي لا نيأس ولا نفقد حماسنا ولا نستسلم] - وهذا يعني أننا لا نترك الصلاة إلا بعد أن نحصل على الإجابة (لوقا 1:18؛ أفسس 18:6؛ كولوسي 2:4).
طلبة البار تقتدر كثيرا في فعلها. كان إيليا إنسانا تحت الآلام مثلنا [أي له مشاعر وعواطف وتركيبة مثلنا] وصلى صلاة أن لا تمطر فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلى أيضا فأعطت السماء مطرا (يعقوب 16:5-18).
إعلان عن المسيح: من خلال إيليا الذي أوجد دقيقا وزيتا لأرملة صرفة (1 ملوك 13:17-16). إن المسيح هو الذي يسدد جميع أعوازنا بحسب غناه في المجد (فيلبي 19:4).
أفكار من جهة الصلاة: صل من أجل الذين يمرون بظروف صعبة (عبرانيين 3:13).
يبدو أن إيليا ظن أن النار المعجزية النازلة من السماء وأن قتل أنبياء البعل الـ 450 وأنبياء السواري الـ 400 الذين يأكلون على مائدة إيزابل (1 ملوك 19:18) سيؤدي إلى رجوع الأمة بأكملها إلى عبادة الله الحقيقي. وهذا يعني أن يهوذا وإسرائيل سيصبحا مرة أخرى أمة موحدة. إن الاثني عشر حجرا المستخدمين في بناء المذبح والاثني عشر جرة المستخدمة لسكب الماء على الذبيحة يرمزون إلى الاثني عشر سبطا (31:18-34). فإذا أراد بنو إسرائيل أن يعبدوا الله الحقيقي الوحيد، عليهم أن يرجعوا إلى أورشليم - لأنها المكان الوحيد الذي حدده الله لتقديم الذبائح. وهذا ما حدث ظاهريا، لأن الشعب هتفوا في الحال قائلين: الرب هو الله! (39:18).
وشاهد آخاب مشهد قتل الأنبياء الكذبة بأكمله. ثم ترك إيليا وتوجّه إلى قصره في يزرعيل. ويبدو أن إيليا توقع أن تكف إيزابل عن حملتها ضد عبادة الرب، وتكف عن عبادة البعل،وتتحول إلى عبادة الله الحقيقي الوحيد.
ولكن النبي صدم إذ أرسلت إيزابل رسلها لإلقاء القبض عليه فنقرأ أنه قام ومضى لأجل نفسه (3:19). والخوف هنا ليس ضعفا بل حكمة. وسار إيليا حوالي 110 ميلا إلى أقصى مدينة في جنوب مملكة يهوذا، بعيدا عن تهديدات إيزابل.
وترك غلامه في بئر سبع وتوغل أكثر نحو الجنوب في الصحراء. وهناك جلس - شاعرا بالهزيمة واليأس - وصرخ إلى الرب طالبا الموت. ومع أن إيليا كان يريد أن يموت إلا أنه لا يوجد ما يدل على أنه فكر في الانتحار؛ لقد كان يؤمن أن الله هو رب الحياة وأن له وحده الحق في إنهائها. وإنما كان فقط يريد أن يقول: "لقد فشلت، ولم أحقق أهدافي، وليس لدي أي أمل في تحقيقها في المستقبل". لذلك قال: كفى الآن يا رب خذ نفسي (4:19). ولم يوجه الرب اللوم لإيليا، وإنما سدد احتياجاته الجسدية بأن أعد له وجبة شهية.
وبدون علمه، حقق إيليا ما طلبه الرب منه. فمن بين إنجازاته العظيمة أن جميع القادة من عشرة أسباط إسرائيل رجعوا إلى بيوتهم وقد تجدد لديهم الاقتناع بأن الرب هو الله . والأكثر من ذلك أنه على مدى 2000 عام قدم إيليا التشجيع والإرشاد للمسيحيين أن يكونوا حارين في الصلاة عالمين أن الصلاة الفعالة لها قدرة هائلة. كان إيليا إنسانا تحت الآلام مثلنا وصلى صلاة أن لا تمطر فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر، ثم صلى أيضا فأعطت السماء مطرا (يعقوب 16:5-18).
جميعنا نمر بأوقات من الإحباط ولحظات من اليأس مثل إيليا عندما نجد أن توقعاتنا لم تتحقق. وغالبا يكون تصورنا عما يجب تحقيقه مختلفا تماما عن تصور الله. فلا ننسى أبدا - أننا لسنا مدعوين أن نكون ناجحين بل أن نظل أمناء.
في ذلك اليوم عندما نقف أمام الرب، سيقاس عمل كل إنسان ليس بحجمه بل بقيمته الحقيقية. فعمل كل واحد سيصير ظاهرا لأن اليوم سيبينه، لأنه بنار يستعلن وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو (1 كورنثوس 13:3).
إعلان عن المسيح: من خلال النبي الذي أتى إلى الملك آخاب (1 ملوك 13:20). حتى عندما نخطئ كمؤمنين، فإن محبة الله لنا في المسيح لا تتغير (رومية 38:8-39)؛ إنه يمنحنا على الدوام محبته ويعلن لنا يسوع.
أفكار من جهة الصلاة: إذا كانت تنقصك الحكمة، فاطلب من الرب أن يعطيها لك (يعقوب 5:1).
لا يزال التركيز على آخاب في قراءة اليوم: ولم يكن كآخاب الذي باع نفسه لعمل الشر في عيني الرب الذي أغوته إيزابل امرأته، ورجس جدا بذهابه وراء الأصنام (1 ملوك 25:21-26). وقرب نهاية ملك آخاب، نجد أصحاحا كاملا - 40 عددا - يتكلم عن الأحداث التي أدت إلى موته. كان أحد الأنبياء قد أعلن لآخاب أن الله سيعطيه انتصارا معجزيا على الملك الآرامي (السوري) بنهدد في أفيق (28:20). ولكن آخاب لم يقدم اعترافا علنيا برحمة الرب، ولم نجد منه أي اعتراف بالخطية أو تغير في موقفه تجاه الرب. وبدلا من أن يصنع عهدا مع الرب نجده يصنع عهدا مع بنهدد بعد أن هزمه، حتى أنه يدعوه أخي (32:20). وهكذا أطلق آخاب سراح بنهدد على اتفاق بأن بنهدد سيتنازل عن راموت جلعاد، وهي مدينة حصينة ذات موقع استراتيجي بالقرب من حدود إسرائيل مع سوريا. إلا أنه مرت ثلاث سنوات وكانت راموت لا تزال تحت سيطرة سوريا.
بعد ذلك دعا آخاب يهوشافاط، ملك يهوذا، إلى وليمة فاخرة حيث طلب من يهوشافاط أن ينضم إليه في الحرب من أجل استرداد راموت جلعاد. ووافق يهوشافاط في الحال، ولكنه عاد فتردد قائلا: اسأل اليوم عن كلام الرب (5:22). وبالإجماع رأى أربعمائة من أشهر أنبياء آخاب أن النصرة أكيدة. ولكن يهوشافاط ظل غير مستريح فسأل آخاب: أما يوجد هنا بعد نبي للرب فنسأل منه؟ (7:22). فأجاب آخاب على مضض: يوجد بعد رجل واحد لسؤال الرب به ولكني أبغضه لأنه لا يتنبأ عليّ خيرا بل شرا (8:22) - ربما هو نفس الرجل الذي اغتاظ منه آخاب منذ ثلاث سنوات، بعد أن تنبأ على آخاب بالموت بسبب عدم قضائه على بنهدد. كان اسمه ميخا، ولو كان أبدى تعاونا لكان هذا هو "يوم الحظ" بالنسبة له الذي فيه يحصل على الشهرة والحرية. ولكن ميخا تكلم بكل شجاعة قائلا: رأيت كل إسرائيل مشتتين على الجبال كخراف لا راعي لها (17:22). وفي الحال فهم آخاب ما هو المقصود، فأمر بأن يوضع النبي في السجن.
بدلا من أن يحمد الرب من أجل وجود نبي حقيقي يخبره بالحق، فإن آخاب احتقر هذا النبي الضيق الذهن. ولكن خوفا من أن تتحقق كلمات ميخا، خلع ملابسه الملكية وتنكر في ثياب جندي عادي، مفترضا أنه بهذه الطريقة لن يعرفه الآراميون. وقد شجع يهوشافاط أن يظل مرتديا ثيابه الملكية على أمل أن تتجه المعركة نحو يهوشافاط. وهكذا كان آخاب متأكدا من أنه سيقدر أن يختبئ من الآراميين، ولكنه لم يعلم أنه لا يقدر أن يختبئ من الله. ومات آخاب بالقرب من راموت جلعاد في أول يوم من المعركة بواسطة سهم طائش ضرب ملك إسرائيل بين أوصال الدرع (34:22).
إن النتائج المأسوية التي نتجت عن تجاهل آخاب لكلمة الرب تحذر جميع الذين يرتكبون نفس هذا الخطأ القاتل. لقد سبق الرب يسوع وأنبأنا أنه في الأيام الأخيرة سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة (متى 11:24،24).
ومثلما كان آخاب ويهوشافاط في حرب ضد أعداء الرب، كذلك فإن كل مسيحي اليوم يواجه القوى الشيطانية. فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل ... مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات (أفسس 12:6).
إعلان عن المسيح: من خلال ميخا، الذي كان يتكلم فقط بما يقوله له الرب (1 ملوك 14:22). لقد نقل يسوع للناس بكل أمانة كل ما أخبره الآب أن يقوله (يوحنا 28:8).
أفكار من جهة الصلاة: اطلب من الرب أن يعطيك قدرة على تحمل التجربة (يعقوب 12:1).
باستثناء شاول، فإن كل ملوك يهوذا وإسرائيل مذكورون في سفري الملوك. فإن هذين السفرين يحكيان قصة الانحدار الخطير في مملكتي إسرائيل ويهوذا.
وتركز الأصحاحات السبعة عشر الأولى من سفر الملوك الثاني على مملكة إسرائيل الشمالية، أما الأصحاحات الباقية فهي مخصصة لمملكة يهوذا الجنوبية. وقد ظل رحبعام ملكا على المملكة الجنوبية مع سبطي يهوذا وبنيامين. وترك أغلبية اللاويين المملكة الشمالية وظلوا أمناء للعبادة التي حددها الله في الهيكل في أورشليم (1 ملوك 20:12-21).
وفي الأصحاح الأخير، تعرضت أورشليم للدمار وأحرق الهيكل. وتم سبي السكان وتشتيتهم في كل أنحاء بابل؛ أما الطبقات الفقيرة الذين سُمح لهم بالبقاء في وطنهم فقد هربوا إلى مصر آخذين معهم إرميا كرهينة.
وكان الأنبياء من العلامات المميزة لفترة حكم الملوك. فقد كانوا يكشفون للأمة خطاياها ويناشدون الشعب بأن يرجعوا إلى الرب وإلا فإنهم سيواجهون الهزيمة والدينونة. وأشهر نبيين في سفر الملوك الثاني هما إيليا وأليشع. وأخذ أليشع رداء إيليا ونال بركة مضاعفة من روح إيليا فأجرى 16 معجزة بينما أجرى إيليا ثمان معجزات.
وقد حكم 19 ملكا على إسرائيل خلال تاريخه الذي استمر 210 سنوات كمملكة منقسمة، ولكن لم يكن أي منهم عابدا حقيقيا للرب.
وكان سبطا رأوبين وجاد ونصف سبط منسى يشغلان الأرض على الجانب الشرقي من نهر الأردن على حدود أرض الموعد وكانوا أول من انهزم أمام الأشوريين (1 أخبار 25:5-26).
وقد حكم ستة ملوك على إسرائيل خلال الـ 18 سنة الأخيرة قبل سقوط السامرة. وأصبح بنو إسرائيل بالفعل تحت سيطرة الدولة الأشورية وكانوا يدفعون جزية ثقيلة لكي يستمروا في البقاء. وعندما قام هوشع بقتل فقح أصبح هو الملك التاسع عشر والأخير على إسرائيل (2 ملوك 30:15).
وفي السنة التاسعة لهوشع، مات الملك الأشوري تغلث فلاسر، وملك من بعده شملنأسر الخامس. وانتهز هوشع هذه الفرصة ليعلن استقلاله ويوقف الجزية التي كان يدفعها للأشوريين. وفي نفس الوقت كان يتوقع أن تسانده مصر للحفاظ على استقلاله. ولكن الملك الأشوري شلمنأسر صعد على إسرائيل، وبعد حصار دام ثلاث سنوات، سقطت السامرة، وألقي بهوشع في السجن (2 ملوك 4:17).
وقد تم سبي معظم الشعب إلى مختلف أنحاء الإمبراطورية الأشورية. وجيء بأسرى آخرين إلى السامرة، حيث تزاوجوا مع القلة الباقية من الإسرائيليين، وأصبحوا يعرفون بالسامريين. وكان اليهود يحتقرونهم (يوحنا 9:4).
وقد حكم مملكة يهوذا الصغرى في الجنوب (2 ملوك 18-25) أيضا 19 ملكا - بالإضافة إلى الملكة عثليا التي اغتصبت العرش، وجدليا الذي تم تعيينه حاكما ولكنه قتل بعد بضعة شهور (1:11-16؛ 22:25-25). وقد استمرت كأمة لمدة حوالي 136 سنة بعد سقوط المملكة الشمالية. أضف إلى ذلك الفترة التي ملك فيها شاول وداود وسليمان، كل منهم 40 سنة، وبذلك تكون الأمة اليهودية قد استمرت حوالي 466 سنة.
وقد كان بعض الملوك المتميزين - مثل داود، ويهوشافاط، وحزقيا، ويوشيا - رجالا أتقياء وكانوا أمناء لكلمة الله. ولكن الارتداد وعبادة الأوثان التي أدخلها سليمان استمرت في الانتشار وسط الأمة. وفي النهاية، أصبح نبوخذنصر هو الأداة التي استخدمها الله لتوقيع قضائه بتخريب أورشليم، والهيكل، وأرض يهوذا (1:25-13؛ إرميا 12:52-17). وبذلك تحققت نبوات الرب