الفصل الثاني
مبلغ القرآن من الوحي
قلنا إن المسلمين يعتقدون بوحي القرآن، وإنه كلمة الله المنزَّلة، ولكن العاقل المنصف يعلم يقيناً أن معظم مواد القران وقصصه مأخوذة ومستعارة من اعتقادات بعض يهود ونصارى شبه الجزيرة العربية، والمجال لا يسمع لنا بإيراد جميع الأدلَّة المؤيِّدة لذلك، ولكن إن شاء القاريء الكريم الدراسة في هذا الموضوع عليه بالمراجع المنوَّه عنها في الحاشية.[1]
ولكنني أكتفي بإيراد بعض الأدلَّة التي جاءت في كتب المسلمين أنفسهم وأشهر مفسر يهم. روى الرازي في شرح آية {ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} (سورة المؤمنون 14:23). عن الكلبي عن ابن عباس أن عبد الله بن سعد بن أبى سرح كان يكتب هذه الأقوال لرسول الله"e" فلما انتهى إلى قوله تعالى:{خلقاً آخر} عجب من ذلك فقال:{فتبارك الله أحسن الخالقين}، فقال رسول الله:{اكتب فهكذا نزلت}، فشك عبد الله وقال:"إن كان محمد صادقاً فيما يقوله، فإنه يوحي إليَّ كما يوحي إليه، وإن كان كاذباً فلا خير في دينه" فهرب إلى مكة. فقيل إنه مات على الكفر، وقيل أيضاً إنه أسلم يوم فتح مكة. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطاب {فتبارك الله أحسن الخالقين} فقال رسول الله "e" هكذا نزلت يا عمر. قال العارفون إن هذه الواقعة كانت سبب السعادة لعمر وسبب الشقاوة لعبد الله انتهى.[2]
جاء في »مسند أحمد« ما نصه:{حدثنا عبد الله . عن أنس أن رجلاً كان يكتب للنبيe وكان قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا [يعنى عظم] فكان النبيe يملى عليه {غفوراً رحيماً} فيكتب {عليماً حكيماً} فيقول له النبي اكتب كذا وكذا اكتب كيف شئت ! و يملي عليه {عليماً حكيماً} فيقول أكتب {سميعاً بصيراً} فيقول النبي اكتب كيف شئت؟! فارتد ذلك الرجل عن الإسلام فلحق بالمشركين. وقال أنا أُعلمكم بمحمد، كنت أكتب ما شئت. فمات ذلك الرجل فقال محمدe "إن الأرض لم تقبله"}.[3]
وللتعليق نقول :»لعل حضرات الأحداث الذين اتخذوا الإنكار سلاحاً يقيهم مسؤلية النقائص وعناء المباحث، يقومون الآن وينكرون هذه القصة؛ على أن غرابة هذه القصة هي دليلٌ قويٌ على صحتها، إذا لم يمكن أن يخترع مسلم قصة كهذه ضد دينه ما لم تكن حقيقة ظاهرة، وإلاَّ فكيف يروى لنا صحة ما يقول؟!
فهاتات القصتان تثبتان بوجه لا يقبل التأويل أن الكُتَّاب الذين كان محمد على يملى عليهم آياته كانوا أحياناً يتلاعبون بها كما يشاءون، وكان محمد يتسامح معهم ويقول لهم إن تلك الآيات كانت تنزل كما كانوا يكتبون. فهو إذاً لم يستأثر وحده بحق استنزال الآيات، بل ساعده في ذلك بعض الصحابة ولا يخفي أن هذه ضربة قاضية على إعجاز القرآن. فإما أن يكون أولئك الكُتَّاب قد أتوا بآية من مثل آياته فبلغوا حده من الإعجاز -على فرض أنه معجزة- وإما أن يكونوا قد كذبوا وتلاعبوا بآيات القرآن. ورب معترض يقول:"إنه كان في الحقيقة يوحي إليهم". نقول:"إن هذا يقتضي إقامة الدليل، وهو مالا طاقة لا حد به، وإن محمداً استاء من قول عبد الله إنه أُوحي إليه كما أُوحي إلى محمد، وإلى هذا يشر بقوله {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً وقال أُوحى إليَّ وهو لم يوح إليه شيء} (سورة الأنعام 93:6)«.
آيات بحسب الرغبات!!
جاء في »مسند أحمد« ما يلي:» قال عمر:"وافقت ربِّي في ثلاث، فقلت:"يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى" فنزلت:{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} وقلت:"يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب"، واجتمع على رسول الله"e" نساؤه في الغيرة فقلت لهن:"عسى ربه أن طلَّقكن أن يبدله أزواجا خيراً منكن قال فنزلت كذلك"«.[4]
ملحوظة : مقام إبراهيم مصلى (البقرة125:2) آية الحجاب (سورة الأحزاب 59:33) وعسى ربه أن طلقكن ..... الخ (سورة التحريم5:66).
جاء في كتاب »الإتقان في علوم القرآن« ما نصه {النوع العاشر فيما نزل من القرآن على لسان بعض الصحابة} وهو في الحقيقة نوع من أسباب النزول والأصل فيه موافقات عمر وقد أفردها بالتصنيف جماعه«««أخرج الترمذي.عن ابن عمر أن رسول الله e قال إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه قال ابن عمر وما نزل بالناس أمر قط فقالوا وقال الإنزال القرآن على نحو ما قال عمر ««« أخرج ابن مردوية عن مجاهد قال كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن ««« أخرج البخاري وغيره قال عمر:وافقت ربى في ثلاث انظر الحديث الذي مرَّ بك ««« أخرج مسلم عن ابن عمر قال:وافقت ربى في ثلاث في الحجاب ،وفى أسرى بدر، وفى فقام إبراهيم««« أخرج ابن أبى حاتم قال عمر وافقت ربِّي أو وافقني ربِّي في أربع الأولى:آيه {فتبارك الله أحسن الخالقين} (سورة المؤمنون 23: 14) ..الثانية: أن يهودياً لقي عمر بن الخطاب، فقال إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدوّ لنا. فقال عمر ":{من كان عدواّ لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}(سورة البقرة 2: 98) . قال فنزلت على لسان عمر .الثالثة : أخرج اسنيد في تفسيره عن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في أمر عائشة قال سبحانك هذا بهتان عظيم. فنزلت كذلك وقيل إنها لم تنزل إلاَّ عندما نطق بها عمر .«««أخرج بن أبى حاتم عن عكرمة قال لما أبطأ على النساء الخبر في أُحُدٍ خرجن يستخبرن فإذا رجلان مقبلان على بعير. فقالت امرأة :"ما فعل رسول الله" قال حيُّ قالت: “فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء” فنزلت على ما قالت:"ويتخذ منكم شهداء"[5]
قال ابن سعد في »الطبقات« ما يلي:»"أخبرنا الواقدي حدثني إبراهيم بن محمد بن شرجيل العبدوي عن أبيه قال حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فقطعت يده اليمنى، فانحنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول:"وما محمد إلا رسول الخ" ثم قُتِلَ فسقط اللواء. فقال محمد بين شرجيل وما نزلت هذه الآية يوميذٍ حتى نزلت بعد ذلك" انتهى«
وللتعليق نقول :» فما تقدم يظهر لنا جلياً أن بالقرآن آيات لم تنزل على لسان النبي محمد، بل نطق بها بعض صحابته. وإذا أعجبته فصاحتها ضمهَّا إلى القرآن وقال إنها وحيٌ من الله إليه. والناقد المنصف يرى أن ذلك يفند دعوى الإعجاز، ويُبطل حجة الذين يقولون فأتوا بسورة من مثلهِ«.
· [1] »تنوير الأفهام في مصادر الإسلام«، للدكتور:سنكلير تسدل
· »علم الأعلام في حقيقة الإسلام«،خادم للرب.
· «THE SOURCES OF ISLAM». BY MUIR AND TISDALL.
· «THE ORIGINAL SOURCES OF THE QURAN» .BY, CLAIR TISDALL.
· »الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية«، للدكتور:خليل عبد الكريم،.دار سيناء القاهرة.
»بلوغ الأرب في أحوال العرب« محمد الألوسي البغدادي.
[2] »الفخر الرازي«، مجلد 6 صفحة 217،218، طبعة المطبعة العامرة الشرقية بمصر 1308هـ
[3] »مسند أحمد«، الجزء الثالث، صفحة 120،121.
[4] »مسند أحمد«، الجزء الأول، صفحة 23،24.
[5] كتاب» الإتقان في علوم القرآن«لجلال الدين السيوطي، الجزء الأول.