تعليقات على الإسلام

 

الفصل الثالث

جمع القرآن

 

دع التاريخ يقلِّب صفحاته!!

لا يخفي أن القرآن بعد موت محمد ظلَّ محفوظاً في صدور الناس مدة طويلة، وكانوا يتلونه بقراءات مختلفة، ولما وقعت حرب اليمامة قُتِلَ الكثيرون من حفظة القرآن؛ فخشي عمر أن تحدث حربٌ أُخرى يموت فيها من بقى منهم. فذهب عمر بن الخطاب إلى أبي بكر واستأذنه في جمع القرآن، فرفض أبو بكر هذا العرض قائلا : كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟ فلم يزل عمر يراجعه ويلحُّ عليه في ذلك حتى أذن له، فأمر زيد بن ثابت أن يبحث عن السور ويجمعها. فقام زيد بالأمر وجمع الآيات من العسب (جمع عسيب وهي جريدة النخيل)، واللخاف (جمع لخفة وهي الحجارة الرقاق)، و الرقاع (جمع رقعة وهي من جلد أو ورق أو كاغد)، والأكتاف (جمع كتف وهو عظم عريض للبعير)، و الأقتاب (جمع قتب وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ويُركَبُ عليه)، ومن صدور الناس. ودفع ما جمعه إلى أبي بكر ثم انتقلت إلى عمر ثم إلى حفصة إحدى أرامل النبي.

جاء في كتاب »الإتقان في علوم القرآن« :"قال الحاكم في المستدرك :جُمِعَ القرآن ثلاث مرات، إحداها بحضرة النبي (وهذا ليس صحيحاً باعتبار الجمع الحقيقي إذ لم تُجْمَعُ الآيات في كتاب)، الثانية بحضرة أبي بكر (وهي في الحقيقة المرة الأولى(.[1]

جاء في »صحيح البخاري« {عن زيد بين ثابت قال : أُرْسِلَ إلى أبي بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده. فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال القتل قد استمر يوم اليمامة بقرَّاءِ القرآن، وإني أخشى أن يستمر القتل بالقرَّأ في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله e قال عمر هو الله خير فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد : قال أبو بكر إنك شابٌ عاقلٌ لا تنهمك وقد كنت الوحي لرسول اللهe . فتتبع القرآن اجمعه فوالله.لو كلَّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني من جمع القران. قلت كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله، قال :"هو والله خير" فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر««« {أخرج بن أبى داود من طريق الحسن : أن عمر سأل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان قُتِلَ يوم اليمامة فقال إنَّا لله وأمر بجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف}.

وللتعليق نقول : »لاحظ أن فقدان هذه الآية وحدها كافِ لإثبات ما قد طرأ على القرآن من النقص والحذف، فهل بعد ذلك ينكر إخواننا المسلمين أن شيئاً قد ذهب من القرآن ‍‍‍‍‍‍‍‍!‍؟ «

هل يحتاج القرآن إلى شاهد عدل؟!

{أخرج ابن أبي داود من طريق يحي بن عبد الرحمن بن حاطب قال : قال عمر: من كان تلقَّى من رسول الله e شيئاً من القرآن فليأتِ به، وكانوا يكتبون ذلك في المصحف والألواح والسعف، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شهيدان وهذا يدل على أن زيداً كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوباً حتى يشهد به من تلقَّاه سماعاً مع كون زيد كان يحفظ فكان يفعل ذلك مبالغه في الاحتياط.

أخرج ابن اشته في »المصاحف «{عن الليث بن سعد قال : أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد. وكان الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلاَّ بشاهدي، على أن آخر سورة براءة لم توجد إلاَّ مع أبى خزيمة بن ثابت. فقال اكتبوها فإن رسول الله جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب. و إن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه وحده، والجمع الثالث وهو ترتيب السور في زمن عثمان.

روى »البخاري« :{ عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية و أذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراء فقال:" أدْرِك الأمَّة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى" . فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردّها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة:" إذا اختلفتم أنتم وزيد ابن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلغة قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواهُ من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحْرَق. قال زيد فُقِدَت آية من سورة الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله يقرأ بها. فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فألحقناها في سورتها في المصحف ".... إلى هنا انتهى دور التوثيق والمراجع، ويتبقى لنا في هذا الفصل أن نورد تعليقنا على حسب ما يتطلبه النقد والبحث العلمي.

التعليق على ما ورد في هذا الفصل

 

نرى مما تقدم أن الخليفة كان يسعى جهدهُ لحفظ القرآن بلغة قريش. قيل إن علياً أراد أن يكتب "تابوت" بالتا المربوطة، فخالفه القوم في ذلك فأمر عثمان أن تكتب بالتاء الطويلة المفتوحة اتباعاً للغة قريش. ومما يستحق الذكر أن لفظة تابوت أساساً ليست عربية، بل إن محمداً عرَّبها مع غيرها من الألفاظ العبرية، والفارسية، والآشورية، واليونانية، والفينيقية، و البهلوية، والآرامية، والسريانية، والحبشية([2])ومعناها الأصلي "فُلْكٌ". وهذا يدل على مبلغ تدقيق الذين جمعوا القرآن وسعيهم لحفظه بكلام عربي مبين. ولا استطيع أن أغفل رأي الأستاذ الدكتور نصر حامد أبو زيد في هذا الموضوع إذ يقول :"إن تثبيت القرآن في قراءة قريش كان لتحقيق السيادة القريشية التي سعى الإسلام لتحقيقها، لأن قريش كانت حريصة على نزع صفات البشرية عن محمد وإلباسه قدسية إلهية تجعل منه مشترعاً، وإن القرآن لم ينزل إلاَّ لتحقيق هذه السيادة  بما يتمشى مع عجرفة وغطرسة الشخصية العربية المتمردة".

بقي لنا أن نورد تعليقنا على الطريقة التي اتبعوها في جمع القرآن لم يكن ليؤمن من العثار، فإن إثبات كل ما يجئ به شاهدان ورفض كل من كان بلسان شاهدٍ واحد جعل في القرآن نقصاً وزيادة، إذ من المؤكد أنهم رفضوا جانباً من الآيات لمجرد عدم وجود شاهدين يشهدان بصحتها. فعُمر نفسهُ كما رأينا أتى بآية الرجم فلم يثبتها لأنه لم يجد شاهداً آخر يشهد معه لها، ومع أن الأحاديث تقول إنه كان هناك كثيرون ممن كانوا يقدرون أن يشهدوا لهذه الآية؛ ولكنهم سكتوا لأن هذه الآية لم تكن محبوبة عند الناس وهذا مما يزيد الشك والريبة في صدق ونزاهة الشهود وأيضاً في عصمة القرآن!!.هذا وقد رأينا أن الكثيرين من حفظة القرآن قُتِلُوا في حرب اليمامة، وإنهُ ذهب معهم آيات من القرآن[3].

نستنتج أيضاً مما تقدم أن نسخة عثمان التي يتداولها المسلمون حتى اليوم تختلف كثيراً عن القراءات التي كانت معروفة في شبه الجزيرة أيامئذٍ. وإلاَّ فلماذا أحرق عثمان تلك النسخ؟! فالمسلمون اليوم إذاً لا يعلمون مقدار الخلاف بين نسخة أبي بكر ونسخة عثمان، ولا نصيب هذه من الصحة. هذا ولا يخفي أن الشيعة يتهمون عثمان بتحريف القرآن وحذف بعض آيات القرآن التي كانت في صالح عليّ وعائلته. ويعززون دعواهم بشواهد كثيرة لا مجال هنا لذكرها. راجع ما كتبهُ على بن إبراهيم القومي، ومحمد يعقوب القلينى، ومحمد مال الله... وغيرهم. فدعوى الشيعة إذاً وحديث البخاري لا يتركان مجالاً للشك بل يؤيدان بوجه لا يقبل النقض أن القرآن الحالي غير سالم من التحريف والنقص!!

وفضلاً عن ذلك فإن عثمان بحرقه المصاحف المذكورة آنفاً أثبت عدم تصديقه أو على الأقل احترامه لقول محمد إن القرآن نزل على سبع قراءات مختلفة، بل أراد حصر القرآن في قراءة واحدة. ومهما كان فإن حرق عثمان المصاحف قد أعدم ثقتنا بصحة الكتاب الحالي؛ لأنه جعل مطابقته بالأصل أمراً مستحيلاً إلى الأبد. وفضلاً عن ذلك أن تطابق نسخ القرآن الموجودة تزول أهميتهُ متى علمنا أن النسخ السابقة أُحْرِقَتْ؛ لأنه ليس لدينا برهان على أن نسخة عثمان الأصلية كانت صحيحة. أما نحن المسيحيين فإن نسخ كتابنا الخطية موجودة إلى يومنا هذا، وقد جُمعت من كل أنحاء العالم قديماً ولم يخف شئ منها وبمقابلة هذه النسخ يمكننا الوصول إلى الجوهر الأصلي.

فلنفرض مثلاً أن أستاذين أمليا كلاهما من رأسيهما قصة على فصليْن من التلاميذ، ثم أحرق أحد الأستاذين النسخ التي كتبها صفهُ عدا نسخة واحدة أهمل تصليحها. أما الثاني فحفظ جميع نسخ صفةُ، وهو أيضاً أهمل تصحيحها. فمن أين المصدرين نستقي الحقيقة؟! الجواب : من المصدر الثاني طبعاً وذلك بمقابلة جميع النسخ طبعاً ومطابقتها على بعضها، فإننا بالرغم من وجود أخطاء في كل نسخة نصل إلى الأصل في مقابلتها. أما المصدر الأول (أي النسخة الواحدة) فلا ينكر أنها خالية من خلاف وذلك لأنها لا شبيه لها. ولكن كيف نثق بصحتها وأسباب الثقة قد فُقِدَتْ، وكل نسخة منقولة عنها تكون مثلها؟! فلا يصح الاعتماد عليها ومهما يكن تطابقها عظيماً!!


 

[1] كتاب »الإتقان في علوم القرآن« السيوطي، الجزء الأول، صفحة 58.

[2] انظر كتاب »هل القرآن معصوم« مرجع سابق ص176 و177.

[3]  »الإتقان في علوم القرآن«، الجزء الأول صفحة 59

الصفحة الرئيسية