تعليقات على الإسلام

 

الفصل الرابع

ابن مسعود

 

إن من درس رواية جمع ابن مسعود للقرآن لا يسعهُ إلاَّ التسليم بما قد طرأ على القرآن من التغيير. وكان ابن مسعود هذا من أخلص أصدقاء محمد. جاء في كتاب »مشكاة المصابيح« للسيوطي نقلاً عن الصحاح الستة عن مسلم وغيره، حديث عن عبد الله بن عمر أن رسول الله e قال :{استقرئوا القرآن من أربعة، من عبد الله بن مسعود، وسالم مولي بن حذيفة، وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل}.  فهذا الحديث وغيره يدل على أن عبد الله بن مسعود كان المرجع الأول لقراءة القرآن، وإنهُ قد تعلَّم القرآن من محمد.

جاء في »صحيح مسلم«[1]، 252 ما يلي.{عن عبد الله بن مسعود قال :"والله الذي لا إله إلاَّ هو ما من كتاب الله سورة إلاَّ وأنا أعلم حيث نزلت، وما من آية إلاَّ وأنا أعلم فيما أُنْزِلت. ولو أعلم أحداً هو أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لركبت إليه} { قال عمر قال رسول الله e:"من أحبَّ أن يقرأ القرآن غضاً كما أُنْزِلَ فليقرأهُ على قراءه ابن أبي أم" أي عبد الله بن مسعود}.

وللتعليق نقول : يتضح من هذا أن قراءة ابن مسعود كانت الفصحى، ومع هذا فإنه كان مخالفاً لنسخة عثمان، وإنه رفض أن يسلِّم نسخته إلى الخليفة عثمان بن عفان. وإن أمر عثمان بإحراق سائر النسخ ما عدا نسخة ابن مسعود حتى تمكن منها أخيراً وأحرقها؛ لذلك أرسل ابن مسعود إلى أهل العراق يقول لهم :"يا أهل العراق اكتموا المصاحف التي عندكم"، على أن الخليفة عثمان تمكَّن من نسخته وأحرقها واضطهدهُ حتى مات ابن مسعود من ألم الضرب بعد أيام قلائل[2]. وهذا أفصح برهان على أن قراءة عثمان غير قراءة ابن مسعود. وماذا يقول القارئ الكريم إذا قلنا له إن نسخة ابن مسعود لم تشمل الفاتحة ولا المعوذتين؟![3].

قد صح عن ابن مسعود إنكار ذلك، {فأخرج أحمد، وابن حيان عنه إنه كان لا يكتب المعوذتين في مصحفهُ}. وعلى رغم الوسائل التي اتخذها عثمان لإحراق نسخ القرآن ما عدا نسختهُ، ظلت قراءة ابن مسعود شائعة لعدة سنين ولا سيما بين أهل العراق. وقد جاء في أحد التواريخ الفارسية أنهم وجدوا في سنة 378هـ نسخة من قرآن ابن مسعود تختلف كل الاختلاف عن النسخ المتداولة فأحرقوها وسط هتاف الشعب!! ولم تختلف نسخة عثمان عن نسخة ابن مسعود فقط بل عن نسخة أبي بكر أيضاً، وقد جاء إنه لما توفى أبي بكر انتقلت نسختهُ إلى ابنته حفصة فلما توفيت أرسل مروان حاكم المدينة إلى أخيها بطلب منه نسخة أبي بكر، فأرسلها إليه فأحرقها- فجميع هذه أدلَّة ناصعة على ما قد طرأ على القرآن من زيادة ونقصان »تحريف«. وقد أخرج ابن خزيمة و البهيقي في المعرفة بسندٍ صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:" استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن وهي »بسم الله الرحمن الرحيم «[4].

قلنا إن الفاتحة والمعوذتين سقطتا من نسخة ابن مسعود، أو أنها أُزيدت إلى النسخة الحالية. هذا بالإضافة إلى سورتين قد سقطتا بتماميها وهما سورتا "الحفد والخلع [5]"

جاء في كتاب »الإتقان في علوم القرآن«[6] ما يلي: {نقل صاحب »الإقناع« أن البسملة ثابتة لبراءة في مصحف ابن مسعود. قال لا يؤخذ بهذا. وأخرج القشيري أن التسمية لم تكن فيها لأن جبريل لم ينزل بها فيها. وفي المستدرك عن ابن عباس قال سألت عليّ بن أبي طالب لِمَ لمْ تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟! قال لأنها أمان وبراءة نزلت بالسيف. وعن مالك أن أولها لما سقط سقطت معه البسملة، فقد ثبت أنها كانت تعدل سورة البقرة في طولها، وفي مصحف ابن مسعود مائة واثنتا عشرة سورة، لأنه لم يكتب المعوذتين. وفي مصحف أبيّ ست عشرة، لأنه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع.

وللتعليق نقول : »فجميع ما تقدم يبّين لنا بوجه لا يقبل التأويل أن دعوى القائلين بسلامة القرآن من الزيادة والنقصان إنما هي دعوة لا طائل تحتها، لأن أئمة المسلمين أنفسهم يشهدون شهادة واضحة لا تقبل التأويل أنه قد طرأ على القرآن زيادة ونقصان. والحمد لله إن هذا الكلام مأخوذ من أقوال علماء الإسلام ومن أمهات الكتب والمراجع الإسلامية الشهيرة المعترف بها، لا عن كتب مسيحيين. فنحن أبرياء والله أعلم«.


 

[1] »صحيح مسلم «، الجزء الثاني، كتاب فضائل الصحابة، صفحة 252

[2] (جمع الترمذي، أبواب التفسير في آخر سورة التوبة).

[3] »الإتقان في علوم القرآن«، وابن حجر العسقلاني في »فتح الباري بشرح صحيح البخاري«

[4]  »الإتقان في علوم القرآن« الجزء الأول، النوع 22-27 ، صفحة 80

[5] يمكنك الاطلاع على نصوص السور الساقطة من القرآن في كتاب »هل القرآن معصوم« صفحة 84"

[6] كتاب »الإتقان في علوم القرآن« الجزء الأول، النوع التاسع عشر

الصفحة الرئيسية