الباب السابع
إن أقوالاً إسلامية عديدة تُعلن بكل بساطة ووضوح أن الذبيح المُفْتَدى من الله بالكبش هو إسحق وليس إسماعيل بناء على ما جاء في التوارة وما ورد في القرآن
1-جاء في سورة الصافات37 :101-107مايلي :.{فبشَّرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أنى أذبحنك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر به ستجدني إن شاء الله من الصابرين ..... وفديناهُ بذبح عظيم}. ومما تقدم ينتج أن الغلام الذي بشَّر الله به إبراهيم هو الذبيح، ولم يُبشَّر إبراهيم إلاَّ بإسحاق بناء على ما جاء في القرآن في سورة الصافات112:37 {وبشَّرناه بإسحاق نبياً من الصالحين}. وكذلك في سورة هود 71:11{فبشَّرناه بإسحاق ومن وراء إسحق يعقوب}. وكذلك في سورة الأنعام 84:6 {ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا}. وقد تكررت الآية السابقة في عدة مواضع منها 1-(سورة مريم 49:19). (سورةالعنكبوت27:29). (سورة الأنبياء 71:21).
2- جاء في »دائرة المعارف« الجزء الثالث، صفحة 615 ما يلي:.{عن ابن خلدون : أن الذبيح هو إسحق بن إبراهيم؛ لأن النص القرآني يقتضي أن الذبيح هو المُبشَّر به، ولم يُبشَّر إبراهيم بولد إلاَّ من زوجته سارة (وسارة والدة إسحق)}.
3- جاء في كتاب » قصص الأنبياء« المُسمَّى بعرائس المجالس للثعلبي ص46: {قال الشعبي أُلقي إبراهيم في النار وهو ابن ستة عشرة سنة، وذُبِحَ إسحق (والأصح قُدِّم للذبح) وهو ابن سبع سنين وكان مذبحه على بعد ميلين من بيت المقدس}.
4- وفي صفحة 71 من نفس المرجع السابق {قال ابن عباس ضحكت سارة تعجُّباً من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها. قال السدى: قالت سارة لجبريل لما بشَّرها بالولد على حالة الكبر، ما آية ذلك فأخذ بيده عوداً يابساً فلواه بين إصبعه فاهتز أخضر فقال إبراهيم هو الله إذا ذبيح}.
5- وفي صفحة “73” من نفس المرجع: {قيل سُجِنَ يوسف بسبب وشاية امرأة سيده وكان عزاء لأُولى البلاد من المسجونين، قيل له:"من أنت؟" قال :" أنا ابن يعقوب صفيُ الله، بن إسحق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله}.
6- وفي صفحة 79 من نفس المرجع:.{ومن حديث روبيل بين يعقوب مع أخيه يوسف وهو متنكِّر لهم حين أُرجِعوا بسبب الطاس الذي وُجِدَ في عدل بنيامين: أيها الملك لا تذكر يعقوب فإنه إسرائيل الله ابن إسحق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله}.
7-وفي صفحة 81 من نفس المرجع السابق:.{وقيل إن يعقوب بعث بكتاب إلى ابنه يوسف وهو في مصر قبل أن يعرفه : إلى عزيز مصر مظهر العدل وموفي الكيل، أما بعد فأنا أهل بيت موكل بنا البلاء، فأما جدِّي فابتلى بالنمرود، فشدَّت يداه ورجلاه وأُلقي في النار، فجعله الله علية برداً وسلاماً. وأما أبي فشدَّت يداه ورجلاه ووضِعَ السكين على قفاه، ففداه الله بذبح}.
8-وفي صفحة 156 من نفس المرجع: {من قصة داود حين أبتلى بالخطية أنه قال:ربِّ أرى الخير قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي، فأوحى الله تعالى إلية أنهم ابتلوا ببلايا لم يبتل بها أحدٌ. فأبتلى إبراهيم بنار النمرود، و أبتلى إسحق بالذبح، ويعقوب بالحزن على وليه وفقدان بصره على يوسف}.
9-من تفسير »الفخر الرازي« لسورة الصافات 37 :101-102، المجلد السابع، صفحة 154،100.{قال إني ذاهب إلى ربي (أي مهاجر إلى أرض الشام) هب لي من الصالحين (يعنى بعض الصالحين، يريد الولد فوهب له إسحق كما قال تعالى :ووهبنا له إسحاق الأنعام 84:6 ، مريم 49:19 ، الأنبياء72:21 ، الغنكبوت27:29. وقيل إن هذا اشتمل على ثلاثة أشياء، على أن الولد غلام ذكر، أنه يبلغ الحلم، إنه يكون حليماً -وأي حلم يكون أعظم من حلم ولد عرض عليه أبوه الذبح فقال ستجدني إن شاء الله من الصابرين}.
10-من تفسير »الفخر الرازي« لسورة ص45:38-47 المجلد السابع صفحة 209،210: {"واذكر عبدنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولى الأيدي والأبصار إذ أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وأنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار “ قال اذكر يا محمد عبدنا إبراهيم صبر إبراهيم حين أُلقي في النار وصبر إسحق للذبح وصبر يعقوب حين فقد ولده وذهب بصره}.
ثانياً : التعليق على ما سبق.
نتائج لابد منها .
كل منصف يرى أن مثل هذه الروايات العديدة المتنوعة، المبينة بكل وضوح وبساطة أن الله أمر خليله إبراهيم بذبح ولده إسحق، مع بيان ذلك في سورة الصافات 101:37-112 وشرحه للفخر الرازي، وكذلك في سورة ص 45:38-47 كما رأيت لا تبقي للمسلم سبيلاً إلى الزعم بكون الذبيح هو إسماعيل. وقد قال ذلك كبار أصحاب محمد كعمر بن الخطاب، والعباس بن عبد المطلب، وعليٌّ بن أبى طالب، وابن مسعود، وكعب الأحبار، وغيرهم أن الذبيح من ولديّ إبراهيم هو إسحق باعتبار سياق النص وصراحته في سورة الصافات، و بيانه إلى حدٍّ لا يُحتمل أن يكون الذبيح غير إسحق[1]
هل يخفي أن المسلم الذي لا يعتمد على هذه الحيثية صراحة القرآن، وفكر كبار صحابة محمد والراويات العديدة المرصَّع بها أُمهات كتب الإسلام، المبينة بكل استيفاء وجلاء كون الذبيح هو إسحق، بل ينساق بالغرض الأعمى والتعصُّب إلى القول بأن الذبيح هو إسماعيل لا إسحق. ضارباً بهذه البيِّنات الراهنات عرض الحائط، يجلب عن القرآن أكبر إهانة، ويحتقر أعمدة الإسلام وأئمَّتهم، وبالتالي يهدم بنفسه أركان الثقة بأصحاب محمد كخارج عن الدين. وليس بخافٍ عليك أيها القارئ العزيز أن عدم الأخذ بأقوال كبار الصحابة، ونبلاء الإسلام، ولا سيما عمر بن الخطاب، وعليّ، والعبَّاس، يؤدي بالضرورة إلى رفع الثقة عن القرآن الذين هم شهودٌ له، وكتبته والمعوَّلُ عليهم في جمعه، ونشره. فأي المسلمين العقلاء يرضى لنفسه بذلك؟!
مكانه إسحق عند إبراهيم.
وعدا ذلك فإن في المسألة أيضاً أمرٌ معقول لا يقل اعتباراً لدى العقلاء، غير الأدلَّة السالف ذكرها، وهو إذا كان إبراهيم حسب نص القرآن سأل ربه غلاماً صالحاً: {رب هب لي من الصالحين} (الصافات 100:37). وأجابه لدعائه، ووهب له إسحق من امرأته سارة (الأنعام، مريم، الأنبياء، العنكبوت). ومعلوم أن الهبة للعبد بسابق وعدٍ يؤكد له أن الهبة تكون ذات قيمة عظمى في عيني الموهوب له، وعليه فإنه كان لإسحاق اعتبار عظيم في عيني أبيه إبراهيم كغلام صالح وُهِبَ له من الله، ومعلوم أن إبراهيم كان متعلِّقاً بإسحاق تعلُّقاً خاصاً؛ لأنه ابن شيخوخته، وحسب نص التوارة:"كان يحبه حبَّاً شديداً، وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم فقال له : يا إبراهيم فقال هاأنذا فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق واذهب إلى أرض المريا، واصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك " تك22 :1،2 فقد أمره تعالى بأن يضحّي له بأفضل بنيه، وأحب الناس إليه، وأعظمهم اعتباراً في عينيه، ووارث الأرض الموعود بها ليكون الامتحان أتمُّ، وأكملُ، وأوفى. والذي يُعْقَلُ أن الله تعالى إذا امتحن العبد بأمر تقديم شيء مما له إليه يأمره بتقديم ما هو أعلق قلباً فيه، وإذ طلب منه أحد أبنائه يطلب أفضلهم وأكرمهم في عينه؛ ولما لم يكن عند إبراهيم من هو أفضل وأكرم وأعزُّ من ابنه إسحق ابن الوعد، فحقَّ في عينيِّ العزيز الحكيم أن يمتحنه بأمر ذبحه له؛ حتى إذا فعل بدون تردد و لا مراجعة ولا استعلام يكون بذلك أفضل مثالاً في الطاعة لله على مرِّ الأزمان. ومع ذلك تجد مسلمين يضربون بكل هذه الأدلَّة عرض الحائط.[2]
بيت المقدس لا مكة.
فإن كان بهذا المقدار وضوحاً في الإسلام أن الذبيح هو إسحق وأن تقديمه بيد إبراهيم أبيه كان في أرض الشام على مقربةٍ من بيت المقدس، فذلك يبعثنا إلى أمرٍ ذي شأن. هل تعلم ما هو؟! وجوب التضحية السنوية لله في بيت المقدس، أو على أحد الجبال المحيطة به، لا على أحد جبال مكة؛ لأنه إذا كان المراد بتلك الضحايا السنوية من الأنعام التي يقدِّمها المسلمون مثالاً تذكارياً لافتداء الله ابن إبراهيم بالكبش، ومكانه بيت المقدس، وجب على المسلمين إذا رأوا وجوب ذكرى ذلك سنوياً بضحايا حيوانية لله، أن يأتوا ذلك على نحو ذات المكان الذي فيه قُدِّمَ إسحق للذبح؛ فيكون التذكار ألأم وأتم، وهذا بالطبع يقود المفكِّر إلى شأن آخر ذي شأن كبير سنأتي على ذكره في الباب القادم إن شاء الله.