تعليقات على الإسلام

 

الباب العاشر

الدُّعاء إلى محمد

أولاً مصادر البحث

جاء في صحيح البخاري الجزء الثاني صفحة 191 } رُوي أن أصحاب محمد قالوا:"يا رسول الله كيف نصلِّي عليك؟". فقال:"قولوا اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته كما صلَّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ{.

وفي رواية أُخرى قال:} اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ{.

جاء في كتاب »العقد الفريد« الجزء الثاني، صفحة 168، 169 }من دعاء علي بن أبي طالب اللهم خص محمداً بالذكر المحمود الحوض المورود، اللهم إيت محمداً الوسيلة والرفعة والفضيلة، اللهم أعط محمداً من كل كرامةٍ أفضلها، ومن كل نعيمٍ أكمله، ومن كل عطاء أجزله، ومن كل قسم أتمه، حتى لا يكون أحداً من خلقك أقرب منك مكاناً، ولا أحظى عندك منزلة، ولا أعظم عليك حقاً، ولا شفاعة من محمد {.

جاء في كتاب »الأنوار المحمدية« الجزء الثاني، صفحة 424، 426 } عن أبي مسعود الأنصاري قال :"أتانا رسول الله r ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد :"أمَرَنا الله أن نصلّي عليك، فكيف نصلّي عليك؟". فسكت رسول الله r حتى تمنينا أنه لم يسأل ثم قال رسول الله r:"قولوا اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ"{.

وعن ابن مسعود قال :}إن رسول الله r قال إذا تشهَّد أحدكم في الصلاة فليقل :" اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وارحم محمد وآل محمد كما صلّيت وباركت وترحَّمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ"{.

ثانياً : التعليق على ما سبق

شذوذ محمد عن أنبياء الله ومرسليه!!

لقد خالف محمد أنبياء الله ومرسليه بطلبه من أتباعه وأصحابه أن يُصلُّوا عليه، داعين له ولأجله إلى الله بعد موته أن يباركه بركتهُ لإبراهيم ويرحمه. لأنه لم يجيء في الكتاب المقدس أن أحداً من أنبياء الله من آدم حتى المسيح وتلاميذه سأل أصحابه أو غيْرهم أن يصلّوا عليه ويدعون له بعد موته لأنهم لم يروا من داعٍ إلى ذلك وهم عالمون أنهم منطلقون إلى مكان الراحة الأبدية والسعادة عند ربهم. وما الصلاة والدعاء إلى الله لأجل أحبَّائه الذين نقلهم من دار الفناء إلى دار البقاء والمجد والهناء إلاَّ كطلب تحصيل الحاصل مما لا لزوم له ولا داعٍ له بوجه من الوجوه.

فلك عزيزي القارئ من الروايات المتقدِّم ذكرها والجاري عليها عامة المسلمين أربعة تعليقات:

التعليق الأول

شُبهاتٌ حول مصدر القصة!

ما يقرب إلى الظن أن سبب طلب محمد من أتباعه أن يطلبوا من الله دائما الصلاة عليه وبركته كما صلّى على إبراهيم وباركه هي دسيسة من دسائس اليهود الذين أسلموا وتقرّبوا إليه كعبد الله بن سلاَّم، وكعب الأحبار، وتميم الداري، ووهب بن منبه وغيرهم من يهود يثرب الذين يُرجَّح أن بعضهم كانوا مسلمين في الظاهر فقط فبذلوا كل ما في وسعهم لتبيان فضل إبراهيم خليل الله، وما خصّه الله من الدرجات الرفيعة والبركات والهبات، وذريته أيضاً حيث أنه وهبه إسحاق ويعقوب وجعل في ذريته النبوَّة والكتاب. ولعلهم قصدوا بذلك بيان فضل بني إسرائيل على كافة الأمم ليميلوا بمحمد نحوهم، وهكذا جعلوه يتمنى من الله أن يباركه كما بارك إبراهيم ويبارك ذريته كما بارك ذرية إبراهيم، ولا يخفي ما في ذلك من رفعة شأن إبراهيم على محمد، وذرية إبراهيم على ذرية محمد. ومما لا يقبل جدال أن ذرية إبراهيم المُباركة من الله هي التي جعل سبحانه فيها النبوَّة والكتاب (سورة غافر) وما هي إلاَّ بني إسرائيل الذي فضَّلهم على العالمين. وعليه مما تقدَّم ذكره إن محمد أمر أصحابه كافة وعلى مدار الأيام يدعون إلى الله جماعات وأفراداً أن يصلُّوا عليه وعلى آله ويبارك عليه وعلى آله وذريته. وهكذا نالوا غرضهم وقام لهم في الإسلام أعظم حُجَّة يحتجون بها على فضل بني إسرائيل أو نسل يعقوب حفيد إبراهيم على المسلمين.

التعليق الثاني

عدم ثقة محمد في مثواهُ الأخير

يظهر من ذلك أن محمد لم يكن على ثقة تامة بالدخول إلى جنة الله بعد الموت، والفوز بالبركات التي بارك الله بها خليله إبراهيم، وإلاَّ لما أوصى أصحابه أن يداوموا مثل هذا الدعاء لأجله في حياته ومماته، بل كان أجابهم على الفور حين سألوه :"يا رسول الله، لقد أمرنا الله أن نصلِّي عليك، فكيف نصلِّي عليك؟!"، “لا يا أعزّائي، لستُ أنا مفتقر إلى صلواتكم عليَّ، وأدعيتكم لأجلي بعد موتي؛ لأني ما موتي إلاَّ بداية حياة جديدة لي، حياة سعادة ومجد لا يُوصفان، فهجري هذا الجسد والدار الفانية توطن عند الله في الدار الباقية مقام النعيم والهناء، فلا حاجة لي بعد إلى الصلاة عليَّ والدُّعاء لأجلي، وما أمْر الله بالصلاة عليَّ فذلك لأجلي وأنا حيٌّ في الدنيا لا بعد مماتي”.

وعجباً لأُلئك الصحابة وخصوصاً أبي بكر وعُمَر وعليّ، كيف سكتوا هكذا حين علَّمهم كيف يصلُّون لأجله طالبين له من الله البركة التي باركها لإبراهيم، ولم يقل له أحدهم :"ألم يصلِّ الله ويبارك عليك كما صلَّى وبارك على إبراهيم وأنت تقول إنك سيِّد الأنبياء والمرسلين وحبيب ربّ العالمين، أليْس ذلك يُقلِّل من شأنك في عيون المسلمين، ويكون ذريعة للشك بما تدَّعي من المقام الأسنى عند الله، أمثلك يا رسول الله مفتقر إلى صلواتنا وأدعيتنا في حياتك ومماتك، وإننا نجهل الباعث إليه، فهل لك أن تُعلمنا إيَّاه؟. ومما يؤيد أن محمداً كان قليل الثقة بنوال ما ذكره بعد موته هو (كما رأيت في الباب الثاني) مداومته الاستعاذة بالله من عذاب القبر وعذاب جهنم واستغفاره الكثير حتى مماته؛ لأنه لو كان على ثقة تامة أنهُ حبيب الله ورسوله الأكرم، ومؤكِّداً أن انطلاقه من الجسد توطن في جنات النعيم والمجد لما كان على مثل هذه الحالة من مداومة الاستعاذة بالله من عذاب القبر وعذاب جهنم وإكثار الاستغفار، وعليه فإنه كان يشعر بعظم افتقاره إلى أدعية أتباعه، وهكذا كان الباعث إلى النص القرآني الآمر بالصلاة والتسليم على النبي، وإلى تعليم أصحابه كيف يصلُّون عليه ويدعون له بعد موته ؛ لذلك ترى كافة المسلمين عُلماء وجهلاء كلَّما ذكروا اسم محمد أردفوهُ بجملة }صلّى الله عليه وسلَّم{ وكأنه لم ينل بعد ما ناله إبراهيم وهو نوع من الإقرار بأنه ما حظي بمثل ما حظي إبراهيم من ربه.

التعليق الثالث

شك الصحابة في مصير محمد

يظهر لنا من دعاء عليّ بن أبي طالب لأجل محمد أنه هو أيضاً ما كان متيقّناً من حصول محمد على حسن الوسيلة والرفعة والفضيلة وسموّ الكرامة عند الله وإلاَّ ما طلبها له من الله! وعجباً لمن يرجو شفاعة إنسان به عند الله وهو يرى حاجة ذلك الإنسان إلى صلاته ودعائه!! عزيزي القارئ أترجو شفاعة من تراهُ محتاجاً إلى أدعيتك وصلواتك؟! ذلك من أغرب الأمور وأبعدها عن حُكْم العقل. ثم نقول لعلي لا لزوم ولا محل لأدعيتك إلى محمد، فإن كان هو نبي الله الأعظم ورسوله الأكرم فهو نائل ما أنت طالب له، وإن لم ينل دلَّ ذلك على بطلان دعوته، فلا فائدة البتة من دعائك يا علي.

لمن المنزلة الأولى؟!

وعجباً لنبالة علي، كيف يقول:}حتى لا يكون أحداً من خلقك أقرب منك مكاناً، ولا أحظى عندك منزلة، ولا أعظم عليك حقاً، ولا شفاعة من محمد { إنه يطلب له المنزلة الأولى عند الله مع علمه أن المنزلة الأولى عند الله هي لعيسى المسيح، ذلك الشخص الفريد في ولادته من عذراء وعدم مس الشيطان له، وحياته على الأرض التي أجرى خلالها الكثير من المعجزات وتأييد الله له بالروح القدس، ورفعته إلى السماء تمَّت بصورة فريدة. كل هذا دال على كون عيسى المسيح هو أكرم الناس عند الله والشفيع الوحيد عنده، فلماذا طلبه عليّ لابن عمه وحميه؟ وهل يمكن أن يكون أقرب إلى الله مكاناً وأحظى منزلةً وكرامةً وأحق شفاعة ممَّن هو كلمة الله وروحه؟!

التعليق الرابع

الدعاء لأجل الأموات عادة وثنية الأصل

ثم إذا كان محمد هكذا في خوف ورهبة مما وراء حجاب الموت –حتى شعر هكذا بافتقار إلى صلوات وأدعية أصحابه على ممر الزمان، الأمر الذي ما ذُكر عن نبي من أنبياء الله- فبأي حق يُعتبر محمد سيد المرسلين أو مساوياً لهم في الرتبة والمنزلة؟! فإن الصلاة والدعاء لأجل الأموات لا أصل له ولا فصل في كتاب الله التوراة والإنجيل، بل أن الكتاب يُعلن بأوفى بيان أن الله سيجازي في اليوم الأخير كلاًّ بحسب أعماله، وإن ما يزرعه الإنسان إيَّاه يحصد. وما الصلوات لأجل الأموات إلا عادة وثنية لم تزل تُمارس بين الأمم الوثنية، وإذا كانت جارية عند بعض الطوائف المسيحية فإنما هي مُقتبسة ومُستعارة من عادات الأمم، لأن لا أحد يستطيع أن يأتي بآية واحدة من الكتاب المقدس تجيز ذلك أو تشير إليه. وإذا كان محمد جاء مصدِّقاً للكتاب الذي مع اليهود والنصارى وجب أن لا يطلب شيئاً ولا يأمر بشيء لا يوافق نَص الكتاب

الصفحة الرئيسية