الفصل الأول
"استعاذته من عذاب القبر"
أولاً:مصادر البحث
1. جاء في »صحيح البخاري« الجزء الأول صفحة 179 ما يلي:]روى عن ابنة خالد بن سعيد بن العاص كان الرسولe يتعوَّذ بالله من عذاب القبر وعذاب جهنم. "وروى عن مالك أن محمداً كان يقول:اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر[.
2. وجاء أيضاً في »صحيح البخاري« الجزء الرابع صفحة 89 ما يلي:]روى عن عائشة زوجة محمد أنها قالت:دخل عليَّ عجوزان من عجز اليهود، فقالتا إن أهل القبور يعذَّبون في قبورهم، فكذبتهما ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا ودخل عليَّ e فقلت لهُ:"يا رسول الله إن عجوزين... وذكرت له ما حدث، فقال e:صدقتا إنهم يعذَّبون عذاباً لتسمعه البهائم كلها فما رأيته بعد ذلك في صلاة إلاَّ وتعوَّذ من عذاب القبر[.
3. وجاء في كتاب »الأنوار المحمّديَّة« صفحة 568 ما يلي:]كان e يتعوَّذ فيقول:اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر[.(رواه الشيخان من حديث أنس).
4. وجاء في »صحيح مسلم« الجزء الثاني 621 ما يلي:]عن يحي عن عمر أن يهودية أتت عائشة تسألها فقالت:"أعاذك الله من عذاب القبر". قالت عائشة:"فقلت يا رسول الله أيُعذب الناس في القبور؟ فقالت عائشة قال رسول الله e عائذاً بالله"(.
5. وجاء أيضاً في نفس الحديث السابق صفحة 622)قالت عمرة فسمعت عائشة تقول:"فكنت أسمع رسول الله e بعد ذلك يتعوَّذ من عذاب النار والقبر[.
6. جاء في »صحيح البخاري« الجزء الأول صفحة173 ما يلي:]روى أن رسول e قال:"إذا وُضِعَ العبد في قبره وتولى أصحابه حتى أنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملاكان فأقعداه. فيقولا له ماذا كنت تقول في هذا الرجل (محمد)e فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيُقَالُ له انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة. قال النبي “e” فيراهما معاًَ، وأما الكافر والمنافق فيقول لا أدرى كنت أقول ما يقول الناس، فيُقَال له لا دريت ولا تليت ثم يضربانه بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلاَّ الثقلين[.
ثانياً:التعليق على ما سبق
(1) مصادر الإسلام:
نستنتج من هذه القصة أمرين خطرين وهما:
الأول : إن مصدر هذه القصة يهوديتان، الأمر الباعث طبعاً إلى التفكير إذا كان النبي حقيقة اتخذ كلام هاتين العجوزتن -إن أهل القبور يعذَّبون في قبورهم- على محمل الصدق والصحة، حتى جعله من أساسات دينه، وأصبح يتعوَّذ منه كثيراً، فذلك يعضدد تهمة المشركين إِيَّاهُ تأليف القرآن بمساعدة أهل الكتاب{افتراه وأعانه عليه قوم آخرون}(الفرقان 4:25) )أساطير الأولين اكتتبها في تملى عليه بكرة وأصيلا( (الفرقان 5:25) لأنه إن حلَّ حديث بعض العجائز في ذهنه محل اليقين-وعقول العجائز في الغالب هي مخازن للخرافات والأوهام- فبالأولى من ذلك قصص وأحاديث معاشريه ومجاوريه من رجال اليهود وبعض المسيحيين.[1]
الثاني:إن ذلك يقدح في نبوَّته، ويرفع الأمان عن شرعه وسُنَّتِهِ لاحتمال وقوع كثير منها،أو ما هو أكثر أهمية مسنداً إلى ذلك الحديث أو مأخوذ عن جهلاء القوم الخرافيين المحيطين به.
ورب معترض يقول:"إن النبي لم يعتقد بذلك بناء على قول العجوز تين، إنما أُوحى إليه ذلك من الله.
وللردِّ نقول:"إن الذين يقولون ذلك لم يستخدموا عقولهم، لأن هذا الكلام مرفوض لسببين:
السبب الأول: «لو كان إلى النبي نبأ ذلك من قبل ما خفي على عائشة، بل أن عائشة كذَّبت كلام العجوز تين، فلو كان ذلك لكانت إجابتها للعجوز تين:نعم إني أعلم ذلك من رسول الله فلم تنعم أن تصدقهما وقصَّت حديثها على زوجها محمد كأمر لا يجدر تصديقه، وهذا يدل على أن نبي الإسلام لم يقل ذلك من قبل، ولعل لم يخطر على باله».
السبب الثاني: «إنه ما سُمِعَ محمد يتعوَّذ من عذاب القبر إلاَّ بعد أن قصَّت عائشة حديث العجوز تين إذ قالت:"فما رأيته بعد ذلك في صلاة إلاَّ و تعوَّذ بالله من عذاب القبر"».
وسأبرهن لكم الآن أن هذا الحديث مناف للعقل والنقل
أولاً منافاته للنقل :
لا توجد أي إشارة إلى ذلك في الكتاب المقدس، فإذا طالعت التوارة والإنجيل لا تجد أقل إشارة إلى أن الأموات يعذَّبون في قبورهم، إنما يُشَارُ إلى القبر في الكتاب المقدس كمكان راحة للأجساد كما في (إش 2:57)، (دا 13:12)، (رؤ 3:14).كما أنه يعلن أن أرواح الصالحين تنطلق حال انفصالها من الجسد إلى ربها في سماء المجد كما في (جا 7:12)، (لو43:23)، (اكو 6:5-7)، (في 23:1) هذا وإن القرآن في قصة قصص بعض الأنبياء كآدم ونوح وإبراهيم ويوسف وموسى لا يشير أبداً أن أحدهم كان يخاف عذاب القبر أو تعوَّذ.منة، حتى أنه لم يُسمَع بوجود هذه العقيدة عند الأمم الوثنية ولا رُأى على ظني أنه مدوَّن في كتبهم الدينية. وإن قيل من أين جاءت هاتان العجوزتان بذلك الكلام؟! قلنا لا نعلم، ولكن يُحتمل أنه قديماً في الأقوام الجهلة كانوا يعجِّلون بدفن موتاهم، ولما لم يكن لهم إلمام بالطب الحديث كانوا يدفنون من هو حيٌ بصورة ميت، ويظنه القوم أنه ميت، وبعد حين من إغمائه رأى نفسه في القبر فأخذ يئنُّ ويستغيث. وكثيراً يحدث بين الأقوام الجهلاء ببعض الذين يُعجَّل بدفنهم، لظنهم أنهم ماتوا حالة كونهم فيهم رمق الحياة تحت ظل ما يشبه الموت؛ وللجهل بالحقيقة توهَّم السامعون أن الميت يُعذَّب في قبره؛ وهكذا تأصَّل هذا الموت في عقول السُّذَّج ولاسيما النساء. وأيضاً لعل هاتين العجوز تين وهما من المكر والدهاء بمكان أرسلتا إلى بيت نبي الإسلام بقصد تزرعان فيه بذرة الخرافة ليكون ذلك سهماً قادحاً في دعواه النبوة والرسالة.
ثانياً:منافاته للعقل: فذلك من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : لو وضعنا الميت في غرفة ذات نافذة صغيرة بحيث يُرى ويُسمع إذا أنَّ أو تكلَّم وحرسناه ليال إلى أن تحلل، لا نراه ينتبه أو يستغيث، وكثيراً ما يؤخر دفن الميت مدة طويلة فيبقى يومين أو ثلاثة أيام لا يُرى عليه شيء من ذلك ولا تبدو منه حركة، وقدماء المصريين كانوا يحنطون جثث موتاهم وكانت مدة التحنيط تستغرق أربعين يوماً، ولا خبر في التاريخ ولا إشارة إلى حدوث شيء مما ذكر لتلك الجثث، وقيل إن بعضهم كانوا يبقون جثث موتاهم في بيوتهم بعد تحنيطها أياماً طويلة حتى تساعدهم الظروف على الاحتفاء بدفنها كما يرغبون، ولم يُذكر أنها كانت تئن أو تصرخ من عذاب القبر.
الوجه الثاني : معلوم أن جثة الميت يأخذ فيها الفساد تدريجيا بعد الموت، وكثيراً ما أُعيق دفن الميت أكثر من المقتضى ولاسيما في فصل الصيف حيث تتحلل جثة الميت بحيث لا تُحتمل رائحتها، وذلك دليل على عدم صلاحتيها بعد لسكن الروح ما لم يعيدها القدير إلى حالتها الأولى، وهو مختص بيوم البعث والنشور، ولا بعث في مسألة عذاب القبر.
الوجه الثالث : شاعت العادة منذ قرون عديدة حتى اليوم عند كثير من الأمم أن يحرقوا جثث موتاهم إلى أن تصير رماداً. فما قولك أيها القارئ المسلم هل يُعذَّب الرماد؟! وكثيراً تأكلهم السباع وتبتلعهم الحيتان فهل بعد موتهم هكذا يُعذَّبون في بطون السباع والحيتان؟! وقد صارت أبدانهم نتفاً وهُضِمَت، وبعض الناس يموتون بتقطيع أجسادهم إرباً إرباً وتُفرُّق تلك القطع على وجه الصحراء، ويؤكل بعضها كل يوم من الكلاب والجوارح، فهل ترى تجمع تلك القطع إلى بعضها على أثر ذلك، ويُعاد كل إلى مكانه ويوصَّل بالبقية الباقية فيعود الجسد إلى نظامه وتعود إليه الروح فيُعذَّب!! هل سُمع مثل ذلك أو نُظر؟!
نتائج تفرض نفسها :
إذاً عقيدة عذاب الميت في قبره خرافة من أسخف الخرافات لمنافاتها للعقل والنقل والخبرة، ومن هو الإنسان الذي لا يستغرب من قبول نبي الإسلام خرافة عجائزية عديمة الاعتبار. وعلى افتراض المحال أن الأموات حسب خرافة هاتين العجوز تين يُعذَّبون في قبورهم، فهم على ما يذهب محمد في أمر الملاكين ناكر ونكير (أو منكر ونكير على ظن البعض) اللذان يأتيان الميت حديث العهد في قبره ويستنطقانه، وهم الأموات غير المؤمنين والتائبين، فأي داع إذا لخوفه من ذلك خوفاً يدفعه إلى التعوُّذ بالله منه. وهو على دعواه نبي الله الأعظم ورسوله الأكرم. هل داخله الشك بدعواه (يونس 10: 94) ورجع في قلبه عما رواه عن نفسه حتى أرعبه بهذا المقدار حديث خرافة بعض العجائز؟!
ولعل القارئ العزيز استخشن كلامي بشأن محمد، وإن رآها بجانب الحق فأرجو منه المعذرة، وأقول له:يا عزيزي القارئ أأنت متحرر الفكر؟ تدبر وانصف إذا كان الميت بشهادته لمحمد أنه عبد الله ورسوله، ينجو من عذاب القبر، ويرى لطيبة نفسه مقعداً في الجنة فكم بالأولى محمد نفسه، فإذا كان لا يجوز على الشاهد لمحمد في قبره عذاب القبر، فكم بالأولى لا يجوز على محمد، فلم إذا تعوُّذة الدائم بالله منه، وهل يكون الخوف والاحتساب من العذاب عقيب الموت إلاَّ من قبيل فقدان السلام مع الله، وفقدان السلام ناتج عن ضعف الإيمان وإن لم نقل عدمه. فهل كان نبي الإسلام كذلك؟! وإلاَّ فكيف نعلل تعوُّذة الدائم بالله من عذاب القبر، الأمر الذي كما ذكرتُ من قبل لا يُرى مثله في الكتاب المقدس، فهل تجول هذه المسألة بفروعها وأطرافها في أذهان العقلاء، وكيف تتقطع في عقولهم؟وماذا يعلِّلون عنها؟ هل يمكن ألاَّ يرونها نكتة مشئومة بحق محمد لا تقل شؤماً عن إلقاء الشيطان على لسانه؟ وإذا رأوا ذلك فماذا يحكمون؟! وكيف يتصرفون؟