تعليقات على الإسلام

 

الفصل الثاني

استغفار محمد ربه

أولاً : مصادر البحث

1.              جاء في »صحيح مسلم« الجزء الثاني ص 68{اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه، وجله، أوله وآخره، سرَّه وعلانيته}.

2.      وجاء في كتاب»الأنوار المحمدية« ص 574 ما يلي:{أخرج النسائي عن ابن عمر انه سمع النبي e استغفر الله الذي لا إله إلاَّ هو الحي القيوم، وأتوب إليك في المجلس قبل أن يقوم مائة مرة}، وله عنه أيضاً{كنا لنعد لرسول اللهe في المجلس رب اغفر لي وتب عليَّ أنت التوَّاب الغفور مائة مرة}،{وأخرج النسائي عن أبى هريرة أن رسول الله e جمع الناس فقال:يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة}.

3.      وجاء في »صحيح البخاري« الجزء الرابع ص 585 ما يلي:{أن عائشة أصغت إلى النبي قبل أن يموت وهو مستند إلى ظهره يقول:"اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى"}.

ثانياً : التعليق على ما سبق

إن استغفار الله الذنوب شأن كل مؤمن بالله متيقّظ الضمير، عارف ذاته كخاطٍ أثيم مذنب إلى ربه، وعلى قدر الشعور بسماجة الخطية تكون حرارة الاستغفار. فلك أيها القارئ مما تقدم أعلاه أمران خطران وهما:

الأمر الأول:محمد أم المسيح؟!

إن نبي الإسلام كان شديد الشعور بخطاياه وبعظم مسئوليته إلى الله من جراها، وذلك واضح من النص الذي فاه به محمد عن فم الله {ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك} (سورة الشرح 96 :2،3) فمن لا يرى هذا النص إلاَّ كجواب إجابة لاستغفار حار مكرّر عن أوزار أثقلت محمد، مع أن الاستغفار لا يشين محمد كإنسان قد ثقلت على قلبه وطأة الخطية، فهو غير خافٍ على القاريء يسقطه في عين كلِّ خبير من مقام كبار أنبياء الله، كإبراهيم وموسى وأليشع والسيّد المسيح الذي ما جاء قط في الكتاب المقدّس عن أحد منهم أنه أتى مثل هذا الاستغفار، ولا أنه تعالى أوحى إليه أنه غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ولا وضع عنه وزره الذي أنقض ظهره. مع أنهم جميعاً ما كانوا بلا خطية إلاَّ المسيح ابن مريم. أما السيد المسيح البار الذي فضلاً عن شهادة الكتاب لكماله وبرارته من كلّ إثم، لم يُذكر له في القرآن ذنب أو استغفار أو توبة، ولا كلمة أن الله غفر له، وتاب عليه. لماذا يا صاحبي؟! وما سرُّ ذلك؟! وعلام يدل؟!. وما أعظم الفرق بين قول محمد:{اللهم اغفر لي ذنبي كلّه، دقه وجله، سرَّه وعلانيته} وبين قول ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح:»الذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الآب وحدي، لأنني في كلِّ حين أفعل ما يرضيه«((يو 8: 29)).وقوله أيضاً:»من منكم يبكِّتني على خطيَّة« ((يو46:8)). عزيزي القارئ:إن السيد المسيح لم يكن له ذنب ولا إثم بينما محمد مثقل الظهر بالأوزار و الآثام.

الأمر الثاني:أسئلة لا بد من جوابها.

يظهر لك جلياً أيها القارئ العزيز من رواية عائشة المتقدم ذكرها، أن تلك النصوص القرآنية قد "غفر لك"... "لقد تاب الله على النبي"... "ووضعنا عنك وزرك" ... الخ ما كانت إلاَّ وسيلة لتريح نفس محمد من حمل أوزاره التي كان لم يزل في حالة احتضاره يشعر بها و بثقلها على قلبه؛ حتى سأل الله الغفران والرحمة. لماذا يا تُرى؟! كيف يمكن أن يكون الرحمن وضع عن محمد وزره وهو لم يزل يشعر بثقلها على ظهر نفسه حتى الدقيقة الأخيرة من حياته؟! أليس ذلك إشكالا في عيني المسلم لا يرى له حلاًّ؟! وألا يدل ذلك على ريب في نفس رسول الإسلام بكون تلك النصوص من عند الله!؟ وإلاَّ ما دعاه يا تُرى إلى مداومة الاستغفار وسؤاله الرحمن حتى لحظة احتضاره؛ ولأنه إن كان هو مؤكِّداً نزول تلك النصوص عليه من الله فلا داع له إلى دوام طلب المغفرة الدال على عدم تصديقه تلك الأقوال. وما مثل نبي الإسلام بذلك إلاَّ مثل شخص مديون بمبلغ من المال إلى إنسان ما، يسألهُ أن يترك له ما عليه من الدَّيْن بداعي فقره وعدم مقدرته على الوفاء. وذلك الدائن قد أجابه إلى طلبه وصرَّح له أكثر من مرَّةٍ أنه ترك له ما عليه وسامحه، فيعود المديون بعد ذلك يسترحمه ويسأله أن يسامحه بما له عليه من المال، كغير فاهم كلامه أو غير مصدِّقه. والخلاصة إن نبي الإسلام إما أن يكون مصدقاً لنصوص الغفران له أنه من عند الله أو غير مصدق. فإن كان مصدقاً أنها تنزيل السميع العليم فلزم أن يستريح كمن قد سقط عنه حمله الثقيل ويكُفُّ عن الاستغفار. وإن كان غير مصدقاً أنها تنزيل الله دلَّ ذلك على أنه تعلم القرآن من الناس، وقال لهم إنه من الله إليه، لذلك لم يتأكد غفران الله ذنوبه، ثم أنه بقوله حين دنو أجله{اللهم اغفر لي وارحمني} دلاله على معرفته أن الإنسان الخاطئ لا يدخل الجنة بعمله، بل برحمة الله كما روى أنه قال يوماً ما لأصحابه{ما من أحدٍ يُدخله عمله الجنة، فقيل ولا أنت يا رسول الله. قال ولا أنا إن لم يتغمدني أو يتداركني ربى برحمته} [1]

لزوم كفَّارة المسيح.

حسنا غير أنه في المسألة أمر لا يغنى عنه، وهو إن الله عادل كما هو رحوم، فإذا رَحِمَ فإن ذلك يكون بعدلٍ. إذ يستحيل في الله تعالى أن يدع رحمته تضاد حق عدله، وهنا إشكالٌ لا حلَّ له إلا الفداء بيسوع المسيح البار الذي مات مرَّة لأجل الخطاة  حمل الله الوديع المشار إليه بفداء ابن إبراهيم بالكبش الموجد من لدن الله، الأمر المنبأ عنه كثيراً في التوراة والمُعلن عنه صريحاً في إنجيل الله المبارك، هدى لمن اهتدى، فبيسوع المسيح وفاق العدل والرحمة، وبه نعمة الحياة الأبدية.لكل من يؤمن بقلبه.


 

[1] رواه البهيقي في الدعوات الكبيرات، »مشكاة المصابيح«، تحقيق الألباني حديث رقم 1305

الصفحة الرئيسية