خطيرة
الأمور التي بينتها وأكدتها لنا روايات قصة
جمع القران .
لا
يمكن للباحث بصدق عن الحق ان يتغاضى عنها بحال
من الأحوال نذكر منها:
1}
ان النبي قد قبض - مات- دون ان يجمع القران كله
بين السطور.
لم
يجمع النبي القران بل اكتفى
بتدوين القرآن على الجلود والعظام والعسب
وغير ذلك، ولم يجمعه في مصاحف، بل كان مفرقا
بين الصحابة.
بدليل
قول زيد لعمر {كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول
الله}؟
وهذا
أيضا ما يؤكده كاتب الوحي للنبي، وحاضر
العرضة الأخيرة للقران زيد بن ثابت حين قال:
قبض النبي ولم يكن القران جمع في شيء. راجع:
إتقان 1/76.
وقد
قيل ان أبو بكر هو اول من جمع القران .
روى
ابن أبي داود بسند حسنٍ عن عبْدِ خَيْرٍ
عن علِيٍّ قال:
رحمةُ اللهِ على أبي بكرٍ؛ كانَ أعظمَ الناسِ
أجرًا في جمع المصاحفِ، وهو أوَّل من جمع بين
اللَّوْحَيْنِ. رواه ابن أبي داود في كتاب
المصاحف، باب جمع القرآن. ص 11-12.
قال
الحافظ ابن حجر: أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف"
بإسنادٍ حسنٍ. فتح الباري بشرح صحيح البخاري
(8/628) والإتقان في علوم القرآن (1/165).
2}
إن الكثير من آيات القرآن لم يكن لها قيد سوى
حفظ الصحابة، وأن بعضهم قد قتل في المغازي،
وذهب معهم ما كانوا يحفظونه من القرآن قبل أن
يأمر أبو بكر بجمع القرآن.
قال
الشيخ الزرقاني في كتابه مناهل العرفان في
علوم القران 1/239 : ان همة الرسول واصحابه كانت
منصرفة في أول الأمر إلى جمع القران في القلوب
000لانه النبي الأمي الذي بعث في الأميين 000 من
هنا كان التعويل على الحفظ في الصدور يفوق
التعويل على الحفظ بين السطور على عادة العرب
من جعل صفحات صدورهم وقلوبهم دواوين لاشعارهم.
وهذا
من أسباب خوف عمر حين قتل
القراء الذين كانوا يحفظون
القران، فلو كان القران قد جمع آي كتب كما
يدعي المسلمين لما
كان هناك مبرر لخوف
عمر وآبو بكر من ان يذهب كثيراً من القران
بمقتل القراء اي حفظة القران .
3}
خوف وفزع ابو بكر وعمر من ان يذهب الكثير من
القران بمقتل القراء حفظة
القران ؟ يقودنا الى سؤال مهم وهو : هل كان
عمر وأبو بكر يحفظون القران ؟
ان
كان ابو بكر وعمر يحفظون القران . فهل من داعي
لخوفهما من ان يضيع القران بمقتل الحفظة ؟ (
وأني أخشى ان يستحر القتل بالقراء في المواطن
فيذهب كثيرا من القران )
من
الواضح ان حفظ القران كان مقتصرا على فئة
قليلة من الصحابة وليس على كل الصحابة آو
أكثريتهم كما يدعي
المسلمين . وهذا ما يبرر خوف وفزع ابو بكر وعمر
بمقتل الحفاظ والا
بماذا نعلل خوفهم وفزعهم
هذا ؟؟.
قال
محمد صبيح: في كتابه {عن القران}ص 87-88"ولا بد
لنا هنا من ان نسأل سؤال آخر: هل كان الصحابة
جميعا يحفظون القرآن كله؟ - المرجح انهم لم
يكونوا يحفظون كل القرآن.
وورد
في (فجر الإسلام) للأستاذ احمد أمين: " ولم
يكن شائعا في عهد النبي ص. حفظ القرآن جميعه
كما شاع بعد. إنما كانوا يحفظون السورة آو
جملة آيات ويتفهمون معانيها فإذا حذقوا ذلك
انتقلوا إلى غيرها. فكان حفظ القرآن موزعا على
الصحابة. قال ابو عبد الرحمن السلمي حدثنا
الذين يقرأون القرآن كعثمان بن عفان وعبد
الله بن مسعود انهم كانوا، إذا تعلموا من
النبي عشر آيات لم
يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم
والعمل.
عن
انس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وال عمران ، جد
في أعيننا.
واقام
ابن عمر على حفظ البقرة ثماني سنين ، واخرج
الخطيب في رواية مالك والبيهقي في شعب
الأيمان والقرطبي في
تفسيره بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر قال:
تعلم عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة
سنة فلما ختمها نحر جزوراً راجع
تفسير القرطبي1/34. وسيرة عمر لابن القيم
الجوزي 165.شرح ابن ابي الحديد 3/111 والدر
المنثور 1/21.
اعتقد
ان الفاروق الذي انزل له القران كان بحاجة إلى
ضعفى عمره لحفظ نصف سور القران!.
وقيل
: لم يختمه أحد من الخلفاء غير عثمان. تأويل
مشكل القران لابن قتيبة 181.
وقيل:
كانت وفود العرب ترد على رسول الله للإسلام،
فيقرئهم المسلمون شيئا من القران ، فيكون ذلك
كافيا لهم. تأويل مشكل القران لابن قتيبة 181 .
يقول
ابن ابي الحديد : واما قراءته القران
والاشتغال به فهو المنظور إليه في هذا الباب،
اتفق الكل على انه - آي علي - انه كان يحفظ
القران على عهد رسول الله ولم يكن غيره يحفظه،
ثم هو أول من جمعه، نقلوا كلهم انه قد تأخر عن
بيعة ابي بكر 000وتشاغل بجمع القران، فهذا يدل
على انه أول من جمع القران ، لانه لو كان
مجموعاً في حياة النبي لما احتاج إلى ان
يتشاغل بجمعه بعد وفاته ص . راجع: ابن ابي
الحديد شرح النهج 1/279 وسبط بن الجوزي تذكرة
الخواص148 انساب الاشراف للبلاذري 1/586 - 587
والقندوزي ينابيع المودة 1/149 والفهرست لابن
النديم 47 - 48 .
4)
احتمال أن بعض الآيات لم يتوفر لها شاهدان
أو لم يلتفت لها أصلا ، وهذا الاحتمال وارد
وفي محله لأن هذا هو المعتاد في مثل هذا النوع
من الجمع العشوائي للآيات ، خاصة أن عمر بن
الخطاب جاء شاهدا على جملة ادعى قرآنيتها
فرفض زيد بن ثابت دمجها في المصحف لأن ابن
الخطاب كان وحده ولم يشهد معه رجلٌ آخر !.
اخرج
ابن اشته في المصاحف عن الليث بن سعد قال: أول
من جمع القران ابو بكر، وكتبه زيد، وكان الناس
يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية آلا
بشاهدي عدل، وان آخر سورة براءة لم توجد آلا
مع آبى خزيمة بن ثابت فقال:اكتبوها، فان رسول
الله جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب، وان عمر
بن الخطاب أتي بآية الرجم
فلم يكتبها لانه كان لوحده. راجع السيوطي
1/78 .
سؤال:
أين نجد الرواية التي جعل فيها رسول الله
شهادة خزيمة بشهادة رجلين في آي مصدر إسلامي
نجد هذه الرواية؟ وفي اي سورة نجد آية الرجم ؟
.
أليس
غريباً بان لا تؤخذ بشهادة الرجل الذي جعل
الله الحق في قلبه وعلى لسانه؟
ولماذا لم يشهد ابو بكر آو حتى زيد مع عمر
على صحة آية الرجم ؟ هل يعقل بان يكون عمر وحده
قد سمع آية الرجم من النبي دون الآخرين؟.
جلس
عمر بن الخطاب على منبر النبي،
فلما سكت المؤذنون قام فأثنى علة الله ثم
قال: أما بعد: فاني قائل لكم مقالة قد
قدر لي ان أقولها، لا ادري لعلها بين
اجلي، فمن عقلها، ووعاها، فليحدث بها حيث
انتهت إليه راحلته، ومن اخشى ان لا يعقلها فلا
أحل لاحد ان يكذب علي: ان الله قد بعث محمد
بالحق ، وانزل عليه الكتاب، فكان مما انزل آية
الرجم فقرأناها، ووعيناها ، رجم رسول الله
ورجمنا بعده فأخشى ان طال بالناس زمان ان يقول
قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله
فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله
والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا
أحصن من الرجال، والنساء إذا قامت البينة، آو
كان الحبل ، آو الاعتراف.
واخرج
الزمخشري عن ذر بن حبيش قال: قال لي ابي بن كعب:
كم تعدون سورة الأحزاب؟.قلت: ثلاثاً وسبعين
آية قال: فوالدي
يحلف به ابي بن كعب ان كانت لتعدل سورة
البقرة ، أو أطول،ولقد قرأنا منها آية
الرجم .(الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما
البتة نكالاً من
الله والله عزيز الإتقان للسيوطي 2/3.
وكذا حدث مع حفصة بنت عمر حين جاءت تدعي
قرآنية مقطع ولكن أباها رفض دعواها لأنـها
امرأة وليس لديها بينة على ذلك ، وكذلك الحال
بالنسبة لابن مسعود الذي جاء بمقطع أراد دمجه
في القرآن فرُفض طلبه ، مع العلم أن ابن مسعود
هذا هو رأس الذين أمر رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم الصحابة أن يستقرئوهم القرآن !
فقد أخرج ابن الأنباري في المصاحف : " من
طريق سليمان بن أرقم عن الحسن وابن سيرين وابن
شهاب الزهري وكان الزهري أشبعهم حديثا قالوا :
لما أسرع القتل في قراء القرآن يوم اليمامة
قتل معهم يومئذ أربعمائة رجل لقي زيد بن ثابت
عمر بن الخطاب فقال له : إن هذا القرآن هو
الجامع لديننا فإن ذهب القرآن ذهب ديننا وقد
عزمت على أن أجمع القرآن في كتاب ، فقال له :
انتظر حتى نسأل أبا بكر ، فمضيا إلى أبى بكر
فأخبراه بذلك ، فقال : لا تعجل حتى أشاور
المسلمين ثم قام خطيبا في الناس فأخبرهم بذلك
، فقالوا : أصبت فجمعوا القرآن وأمر أبو بكر
مناديا فنادى في الناس من كان عنده من القرآن
شيء فليجئ به ، قالت حفصة : إذا انتهيتم إلى
هذه الآية فاخبروني {حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى
وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}(البقرة/238). فلما
بلغوا إليها قالت : اكتبوا ( والصلاة الوسطى
وهي صلاة العصر ) ، فقال لها عمر : ألك بـهذا
بينة ؟ قالت : لا ، قال: فوالله لا ندخل في
القرآن ما تشهد به امرأة بلا إقامة بينة ،
وقال عبد الله بن مسعود : اكتبوا ( والعصر إن
الإنسان ليخسر وانه فيه إلى آخر الدهر ) فقال
عمر : نحوا عنا هذه الأعرابية "[1].الدر المنثور ج 1 ص 302 طبعة دار
المعرفة .
وهذه الرواية يؤيدها كثير من الروايات
التي تحكي إصرار حفصة بنت عمر على زيادة هذا
المقطع في الآية وقد أيد أبي بن كعب قولها ،
حتى أنـها أمرت كاتب مصحفها بذلك وبقي مصحفها
بـهذه الزيادة إلى أن ماتت وهو فعل عائشة أيضا
وكذا روي عن أم سلمة.
فلا أدري على
جمعهم المزعوم كيف يوثق باشتمال المصحف على
كل آيات القرآن ؟ وهل توفر لكل آية شاهدان
ليشهدا على كل قرآنيتها ؟!
ومنها : سقوط آيات
عن ذلك الجمع فلم تدمج فيه حتى وجدت بعد ثلاث
عشرة سنة تقريبا ! ، لأن جمع القرآن في زمن أبي
بكر كان بعد واقعة اليمامة وكانت في السنة
الحادية عشرة بعد الهجرة وكان الجمع الثاني
للقرآن في سنة خمس وعشرين للهجرة زمن تأمر ابن
عفان على الناس ، وهذا ما ذكره ابن أبي داود :
خطب عثمان –بدء قيامه
بجمع القرآن- فقال : إنما قبض نبيّكم منذ خمس
عشرة سنة وقد اختلفتم في القرآن عزمت على من
عنده شيء من القرآن سمعه من رسول الله لمّا
أتاني به. المصاحف للجستستاني ص 28 وتلخيص
التمهيد ص 168-169.
فالفترة الفاصلة بين الجمعين – مع مراعاة ما بين بدء الجمع وانتهائه في
زمن أبي بكر- تقرب إلى ثلاث عشرة سنة.
ولا بأس بالتنبيه هنا على نقطتين وهما :
الأولى : قرر كثير
من علماء المسلمين أن
المصحف الذي جمع في زمن أبي بكر كان أكبر حجما
من حجم مصحفنا بستة أضعاف ، وذلك لاشتماله على
الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن
وهذا قد نص عليه عدّة ممن تطرق لذكر
الفروق بين الجمعين الأول في زمن أبي بكر
والثاني في زمن عثمان ، قال في الإتقان :
قال القاضي الباقلاني في الانتصار لم
يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين
لوحين وإنما قصد جمعهم على القراءات
الثابتة المعروفة عن وإلغاء ما ليس كذلك
وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا
تأويل أثبت مع تنـزيل ولا منسوخ تلاوته كتب مع
مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشية دخول
الفساد والشبهة على من يأتي بعد ، وذكر كلام
المحاسبي مثله ومن قبل القاضي ذكر كلام ابن
تين وغيره وكلهم سواء في المعنى.
الاتقان 1/60.
وقال صاحب كتاب ( تاريخ القرآن ) : " وجاء
في إرشاد القراء والكاتبين : أن زيدا كتب
القرآن كله بجميع أجزائه وأوجهه المعبر عنها
بالأحرف السبعة الواردة في حديث : " هذا
القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر
منه " ، وكان أولا أتاه جبريل فقال له إن
الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف واحد
ثم راجعه إلى السابعة فقال : إن
الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف
فأيما حرف قرؤوا عليه أصابوا .
فأبو
بكر هو أول من جمع القرآن بالأحرف السبعة
التي نزل بـها واليه تنسب الصحف البكرية وكان
ذلك بعد وقعة اليمامة التي كان انتهاؤها سنة
اثنتي عشرة للهجرة ، فجمعه للقرآن كان في سنة
واحدة تقريبا ولولا همة الصحابة الذين بذلوا
أنفسهم لله لما تم في مدة سنة واحدة كتابة
المصحف بالأحرف السبعة كلها وجمعه من الأحجار
والعظام والجلود ونحوها "[2].تاريخ
القران ص 28
الثانية : أن
هذا المجموع بقي عند أبي بكر ومن ثم عند عمر
وبعده عند حفصة ، وطيلة ثلاث عشرة سنة لم
يستفد منه المسلمون شيئا بصريح رواية البخاري
.
قال في المصحف المرتّل :" واللافت أن
المحافظة على هذه الصحف كانت بالغة ، فقد
كانت عند أبي بكر لم تفارقه في حياته ، ثم عند
عمر أيامه ثم كانت عند حفصة لا تُمكّن منها
كما أوضحنا . المصحف المرتّل بواعثه
ومخططاته ص 57 لمؤلفه
لبيب السعيد طبعة دار الكتاب العربي .
5}
أن آيات القرآن جمعت ودمجت في هذا المصحف
بشهادة رجلين، أي بخبر الآحاد ، فلا تواتر !
كيف
يكون القرآن متواترًا كله مع ما يروى من وجود
بعض الآيات عند الواحد من الصحابة.
عن
زَيْدِ بْنَ ثَابِتٍ أنه
قال: نَسَخْتُ الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ،
فَفَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ،
كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ
يَقْرَأُ بِهَا، فَلَمْ أَجِدْهَا
إِلاَّ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ
الأَنْصَارِيِّ، الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ
اللهِ شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ.
رواه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسير،
باب قول الله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ
صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ .
(6/26-27) ح 280.
وحديث
زَيْدِ بْنَ ثَابِتٍ أيضًا السابق وفيه قوله:
حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ
آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ
لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِه: }
لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ{ إِلَى آخِرِهِمَا. هل تتماشى هذه
الاخبار الصحيحة مع تواتر المنسوب للقران؟.
6)
وسائل حفظ القران والحفاظ عليه
يلاحظ
القارئ من هذه القصة
ان الإهمال قد بلغ مبلغاً كبيرا في وسائل حفظ
وضبط القران وذلك نظراً لكتابته على وسائل
خشنة ولتفرقة في الأمصار وبين الأمة بطريقة
وصفها زيد بقوله{فوالله لو كلفوني نقل جبل من
الجبال ما كان اثقل علي مما امرني به من جمع
القران}.راجع اتقان 1/76.
وقد
نقل البخارى وغيره حديث زيد عن كيفية جمعه
للقران لما كلفه ابو بكر وعمر بذلك، قال (فتتبعت
القران اجمعه من العسب والقحاف وصدور الرجال).
وفي
حديث لزيد انه جمع
القران من العسب واللخاف. وفي رواية: والرقاع،
وفي أخرى : وقطع الاديم ، وفي أخرى الاقتاب،
وفي أخرى الكرانيف .
وقد
علق الأستاذ محمد عزت دروزة على هذه الحالة
قائلا: ان هناك اقوالاً وروايات تفيد ان النبي
توفي ولم يكن القران قد جمع في شئ
وان جمعه وترتيبه إنما تما بعد وفاته. وان
ما كان يدون منه في حياته كان يدون على الأكثر
على الوسائل البدائية مثل
اضلاع النخيل ورقائق الحجارة واكتاف العظام
وقطع الاديم والنسيج. وان المدونات منه على
هذه المواد لم تكن مضبوطة، ولا مجموعة. وكانت
على الاكثر متفرقة عند المسلمين وان المعول
في القران كان على القراء وصدور الرجال. راجع:
القران المجيد لدروزة 52.
وقد
علق محمد صبيح على هذه الوسائل البدائية في
حفظ القران فقال: كتابة القران المكي على هذه
الأدوات الخشنة كان مصحفاً يحتاج إلى عشرين
بعيراً لحمله. ولم نعلم من أنباء الهجرة ان
قافلة من الأحجار فرت قبل النبي ، آو مع
النبي، ومعها هذا الحمل الغريب. راجع محمد
صبيح عن القران 87 - 88 .
عن
عائشة قالت: ان آية الرجم والرضاعة نزلتا ن 000
وكان القرطاس المكتوبتان فيه تحت فراشي . ومات
رسول الله حينئذ. وفيما انا منشغلة بموته دخلت
بهيمة واكلت القرطاس .راجع المحاضرات 2/250 سنن
ابن ماجة باب إرضاع الكبير مسند احمد 6/269
وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة .210.
إذا
كانت سيدة بيت النبوة آم المؤمنين عائشة
صاحبة أول حب في الإسلام زوجة المصطفى التي
جيئة بصورتها من الجنة قد أهملت في الحفاظ على
{القران} فكم بالأحرى الآخرين الذي لا يعنيهم
من الإسلام ألا غنائمه وسراريه؟؟.
7}
هناك آمر خطير ملفت للنظر تكرر حدوثه مرتين في
قصة جمع القران على أيام أبو بكر وأيام عثمان
،وهذا الأمر هو عدم مشاركة علي في جمع القران
رغم إجماع الأمة على
ان علياً عنده علوم القران وليس عند غيره ما
عنده.
لابدّ قبل الورود في البحث من أن نقول :
لقد كان \ علي أعلم الناس بكتاب الله ـ عزّ
وجلّ ـ عند المخالف والمؤالف ، وهو القائل : «
والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت
وأين نزلت » حلية الأولياء 1 : 67 ، أنساب
الأشراف 1 : 99 .
والقائل : «
سلوني عن كتاب الله ، فإنّه ليس آية إلاّ وقد
عرفت أبليل نزلت أن بنهار ، في سهل أو جبل ».
أنساب الأشراف 1 : 99 ، الاستيعاب 3 : 1107 .
وهو الذي قال النبي في حقّه : « علي مع
القرآن والقرآن مع علي » . المستدرك 3 : 124 ،
الصواعق : 76 و 77 ، كفاية الطاب : 254 .
وناهيك بحديث : « أنا مدينة العلم وعلي
بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها » .
من الأحاديث المتواترة بين المسلمين .
وعلي استاذ ابن عبّاس في التفسير ، وقد
ذكر القوم أنّ « أعلم الناس بالتفسير أهل مكّة
لأنّهم أصحاب ابن عبّاس » . الإتقان 2 : 385 .
فلماذا لم يعدّه أنس بن مالك ـ ولا غيره ـ
من حفّاظ القرآن ، ومن الّذين أم الرسول
بتعلّمه منهم والرجوع إليهم فيه ، فيما رواه
البخاري في صحيحه ؟!
ثمّ إنّه رتّب القرآن
ودوّنه بعيد وفاة النبي من القراطيس التي
كان مكتوباً عليها ، فكان له مصحف تامّ مرتّب
يختصّ به كما لعدّة من الصحابة في الأيام
اللاحقة ، وهذا من الامور المسلّمة تاريخياً
عند جميع المسلمين . فتح الباري 9 : 9 ،
الاستيعاب ـ ترجمة أبي بكر ـ ، الصواعق : 78 ،
الإتقان 1 : 99 ، حلية الأولياء 1 : 67 ، التسهيل
لعلوم التنزيل 1 : 4 المصنّف لابن أبي شيب 1 : 545 ،
طبقات ابن سعد 2 : 338 .
اخرج
ابو نعيم في الحلية عن عبد الله بن مسعود قال:
ان القران انزل على سبعة أتحرف ما منها حرف
آلا وله ظهر وبطن ، وان علي بن ابي طالب عنده
علم الظاهر والباطن. راجع 1/67 - 68 ابن حجر
الصواعق المحرقة 125 - 126 والرياض النضرة 3/166 - 167
وتاريخ الخلفاء للسيوطي 185.
سؤال لماذا لم يدعوا علي ولم يشركوه في
جمع القرآن ؟! فإنّا لا نجد ذكراً له فيمن عهد
إليهم أمر جمع القرآن في شيء من أخبار القضية
، لا في عهد أبي بكر ولا في عهد عثمان .. فلماذا
؟! ألا ، إنّ هذه امور توجب الحيرة وتستوقف
الفكر !!
يقول
الشيخ محمود ابو رية في كتابه أضواء على السنة
المحمدية ص 251 قائلاً:( من اغرب الأمور، ومما
يدعوا إلى الحيرة انهم لم يذكروا اسم علي فيمن
عهد إليهم بجمع القران،وكتابته، لا في عهد
ابي بكر، ولا في عهد عمر ولا في عهد عثمان : ويذكرون غيره
ممن هم اقل منه درجة في العلم، والفقه، فهل
كان على لا يحسن شيئاً من هذا الأمر؟؟آو من
غير الموثوق بهم؟ آو ممن لا يصح استشارتهم؟ آو
إشراكهم في هذا الأمر؟؟؟.
اللهم
ان العقل، والمنطق،
ليقضيان بان يكون على أول من يعهد إليه
بهذا الآمر، واعظم من يشارك فيه، وذلك لما
اتيح له من صفات، ومزايا لم تتهيا لغيره من
بين الصحابة- فقد رباه النبي على عينه، وعاش
زمناً طويلا تحت كنفه ، وشهد الوحي من أول
نزوله إلى يوم انقطاعه، بحيث لم يند عنه آية
من آياته !! فإذا لم يدع إلى هذا الآمر الخطير
فالى آي شئ يدعى؟؟!.
فبآي
شئ يتعذرون من عدم دعوته لامر كتابة القران
؟ فبماذا تعلل ذلك؟ وبماذا يحكم القاضي
العادل فيه ؟ حقاً ان الآمر لعجيب).
لماذا
لم يأخذ خليفة رسول الله القران عن عليّ الذي
استودعه رسول الله القرآن ، وطلب منه جمعه عقب
وفاته فجمعه وجاء به إليهم ، فلم يقبلوه منه .
راجع : الاحتجاج 1 : 383 ، البحار 92 : 40 .
وما
من آيةٍ إلاّ وهي عنده بخطّ يده وإملاء رسول
الله، قال أبو عبد الرحمن السلمي : « ما رأيت
ابن أنثى أقرأ لكتاب الله تعالى من عليّ» .
راجع : الغدير 6 : 308 عن مفتاح السعادة 1 : 351 ،
وطبقات القراء 1 : 546 .
سؤال
خطير نجد الإجابة عليه في رواية آبى ذر
الغفاري حين قال: {لما توفى رسول الله جمع علي
القران وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه
عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله فلما فتحه
ابو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم،
فوثب عمر فقال: ياعلي اردده
فلا حاجة لنا
فيه، فأخذه علي وانصرف ثم احضر زيد بن ثابت
وكان قارئاً للقران فقال له عمر: جاءنا
بالقران وفيه فضائح المهاجرين
والأنصار، وقد رأينا ان نؤلف قران ونسقط منه
ما كان فيه من فضيحة وهتك للمهاجرين
والأنصار فجاوبه زيد
إلى ذلك ثم قال: فان انا فرغت من القران على ما
سألتم واظهر علي كل ما فعلتم ، قال عمر فما
الحيلة؟ قال زيد انتم اعلم بالحيلة ، قال عمر
ما الحلية دون ان نقتله ونستريح منه فدبر في
قتله على يد خالد بن
الوليد فلم يقدر على ذلك. راجع الاحتجاج
للطبرسي باب جمع
القران.
رواية
آبى ذر هذه تؤيدها وتؤكدها حادثة محاولة قتل
علي على يد خالد بن الوليد بآمر من ابو بكر
الصديق والتي
ذكرتها كتب الفريقين -السنة والشيعة-
روى
سفيان بن عيينة والحسن بن صالح بن حي وآبو بكر
بن عياش وشريك بن عبد الله وجماعة من الفقهاء
ان آبا بكر الصديق آمر خالد بن الوليد فقال:
إذا انا فرغت من صلاة الفجر وسلمت فاضرب عنق
علي فلما صلى بالناس في آخر صلاته ندم على ما كان منه فجلس في صلاته
مفكراً حتى كادت الشمس ان تطلع ثم قال: يا خالد
لا تفعل ما امرتك. راجع الاستغاثة 19-21والايضاح
للنيسابوري 80-83.
هذه
هي بعض الأمور التي بينتها وأكدتها لنا قصة
جمع القران على أيام أبو بكر وعمر وكما
أوردتها وبينتها المصادر الإسلامية الصحيحة
الآثار والمروية عن ثقاة المسلمين .
فهل
يحق لنا ان ننسب للمسلمين ولقرانهم ما نسبوه
للإنجيل المقدس؟.
8) مقتضى الجمع بين الأدلة أن الجمع الأول
لم ينته في عصر أبي بكر لأن جمعهم هذا الذي
ابتدأ في زمن أبي بكر ، بل استمر إلى زمن عمر ،
ومات عمر ولم يتمه ، وقد جاءت روايات ظاهرة في
ما ندعيه حتى أن ابن أبي داود السجستاني بوب
في كتابه المصاحف باب بعنوان: جمع عمر ابن
الخطاب القرآن في المصحف ، فقال بسنده عن
الحسن : أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب
الله فقيل : كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة ،
فقال : إنا لله ، وأمر بالقرآن فجمع وكان أول
من جمعه في المصحف "[3]. راجع كتاب المصاحف لابن أبو داود
الجستستاني ص 181 .
وكذا عن عبد الله بن فضالة قال :" لما
أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفرا من
أصحابه وقال : إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها
بلغة مضر فإن القرآن نزل على رجل من مضر . المصحف. ص 16. انظر
تهذيب الكمال (6/95-97) والإتقان في علوم القرآن
(1/166).
وعن يحيى بن عبد الله بن حاطب قال :" أراد
عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن فقام في الناس
فقال : من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه
(وآله) وسلم شيئاً من القرآن فليأتنا به
وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح ، والعسب
وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان ، فقتل
وهو يجمع ذلك إليه ، فقام عثمان فقال : من
كان عنده من كتاب الله شيئا فليأتنا به ، وكان
لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان.
وهذا يعني أن جمع أبي بكر لم ينتج مصحفا أو
ملزمة بأوراق مرتّبة كما أُدّعي وإنما هو
شتات مبعثر قد جمع في مكان واحد عند أبي بكر ،
وما يؤكد أن ابن الخطاب لم يجمع القرآن في
حياته ولم يتم ما ابتدئ به في زمن أبي بكر
بجعله في ملزمة أو مصحف مرتب رواية ابن سعد في
طبقاته عن ابن سيرين قال : " مات أبو بكر ولم
يجمع القرآن "، وكذلك عنه في طبقاته قال :
" قتل عمر ولم يجمع القرآن ". طبقات ابن
سعد3/93 و3/274 .
وينص ابن شبة في تاريخ المدينة على أن أبا
بكر وعمر بن الخطاب لم يجمعا المصحف بل جمع
أول مرة في زمن عثمان :
عن
ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة
قال : إن أول من جمع القرآن في مصحف وكتبه
عثمان ابن عفان ، ثم وضعه في المسجد فأمر به
يقرأ كل غداة. تاريخ المدينة 1/7 .
وما يؤكد هذا الرأي أكثر فأكثر هو بقاء
تلك الصحف عند أبي بكر وانتقالها إلى عمر ومن
ثم إلى حفصة كما في رواية البخاري ، فهذا
المصحف لم ير النور ولم يطلع عليه أحد من
المسلمين إلى يومنا هذا ، وهذا ليس له وجه
مقبول سوى أنه لم يفرغ زيد من جمعه لو قلنا أنه
مصحف قد جمع للناس ، وبما قرّبناه يتضح تسرع
البعض في رد الروايات التي تحكي جمع القرآن في
زمن تأمر عمر على الناس بدعوى أن ذلك قد فرغ
منه في زمن أبي بكر .
وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر . صحيح البخاري باب جمع القران ج 4 ص 1720 حديث 4402ومجلد 4 ص 1907حديث 4701