وجوب إقامة الصور والأيقونات
المتنيح الأنبا غريغوريوس
جريدة وطنى 1/7/2007م السنة 49
الصور والأيقونات فى الكنيسة القبطية وحرب الأيقونات
الكنيسة الأثوذكسية تسمح بل توجب إقامة الصور,وإقامة الإيقونات,بكافة أنواعها سواء الرسم علي الحائط أو الرسم علي الورق أو الرسم علي الجلد أو الرسم علي الخشب أو الرسم علي أرضية من ذهب,أو الرسم علي أرضية من فضة.
وممكن أن تسمح الكنيسة بالصور البارزة سواء أكان بروزها إلي خارج أو كان بروزها إلي داخل. فالكنيسة إذا تسمح بإقامة الصور وإقامة الإيقونات بكافة أنواعها, ومهما كانت الأرضية التي تقام عليها هذه الصور,سواء أكانت حائطا أو ورقا أو خشبا أو جلدا أو ما إلي ذلك, وتسمح أيضا بالصور البارزة, علي أن يكون البروز لا يجعل منها تمثالا إنما بروز نسبي يبرز صورة المسيح له المجد, وصورة العذراء وصور القديسين, الذين تهتم الكنيسة بإبرازهم كنماذج أمام المؤمنين.
فالكنيسة الأرثوذكسية تسمح بل وتأمر بإقامة الصور, بل تري أن إقامة هذه الصور في غاية الأهمية, وأن لها فائدة بالنسبة للمؤمنين, فإذا كانت الكنيسة لاتبيح إقامة التماثيل, لكنها تري أن إقامة الصور والإيقونات مسألة نافعة, ولذلك لا تسمح فقط وإنما تأمر بإقامة هذه الصور, لذلك حتي في الطقس الكنسي يوجد الحجاب وهو الحاجز الذي يفصل ما بين أقدس مكان في الكنيسة وهو الهيكل, وما بين أجزاء أخري من الكنيسة كمكان وقوف الشعب, الذي يسمونه صحن الكنيسة.
هذا الحجاب تأمر الكنيسة بأن تقام عليه صور المسيح له المجد, وصور القديسين, لكي تكون ملهمة للمسيحي أثناء الصلاة, تثيره للعبادة, وتؤثر فيه وتفعل في روحه وتذكره بالحقائق الإيمانية, وتجعله قادرا علي أن يركز الانتباه في الفضيلة, وأيضا المعاني الخلاصية والإنجيلية التي تدعو الكنيسة إليها.
الصور إذن في مفهومنا الكنسي نداءات, الصور تتكلم بمعني أنها لها رسالة, رسالة إلي النفس البشرية كلما تطلع إليها الإنسان, الصورة تكلمه لأنها تنقل اليه معني عن طريق العين,تنقل إليه معاني, وهذه المعاني يجترها الإنسان ويفكر فيها ويتذكرها, ويقبلها علي أوضاعها المختلفة, وحينئذ تخلق فيه وهو واقف في الكنيسة تفكيرا ليس من السهل أن يتيسر له من غير هذه الصور, فهي تساعده علي الإثارة, إثارة التفكير في موضوعات الخلاص والحقائق الإنجيلية, وصور الفضيلة لمتمثلة في العذراء وفي القديسين الذين تصور صورهم أمام المؤمنين.
الصور كانت أمام المؤمنين من القديم:
ورأت الكنيسة منذ القدم أن كلمة الرسول بولس التي يقول فيها 'أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبا' (غلا3: 1), إشارة إلي أن وضع الصور أمام المؤمنين, كان وضعا قديما جدا منذ بدء المسيحية,أو منذ بدء تجسد المسيح,أنا الحقيقة أتحرج من كلمة بدء المسيحية لأن المسيحية لم تبدأ من التجسد, المسيحية تبدأ من آدم, من الخطأ أن يقال إن المسيحية بدأت من المسيح, إنما هذه نظرة اجتماعية أو نظرة خارجية سطحية, نظرة المؤرخين عندما يقسمون الديانة إلي فترات, فيقولون الفترة السابقة علي موسي ويسمونها باسم, ثم ابتداء من موسي النبي ويسموها الديانة الموسوية, ثم الفترة ابتداء من تجسد المسيح ويسموها الديانة المسيحية, هذا التقسيم الحقيقة التقسيم خارجي سطحي,تقسيم المؤرخ وتقسيم رجال الاجتماع, وهم ينظرون للموضوع من ناحية خارجية, إنما نحن في ديانتنا وفي تعاليمنا, من الخطأ أننا نظن أن المسيحية بدأت من تجسد المسيح, لأن المسيح نفسه قال لم آت لأنقض بل لأكمل, فلم يدعي المسيح أنه جاء بديانة جديدة, أو أنه ابتداء من مجيئه بدأ بدين جديد, لا... فالمسيح ربط نفسه دائما بالقديم, لدرجة ربط تعليمه بآدم, ولما كان يتكلم في موضوع الزواج قال 'من البدء لم يكن هكذا' (مت19: 8) فرجع بنا إلي آدم, فلا يوجد هذا الفصل الذي عمله رجال الاجتماع أو المؤرخين من أجل الدراسة, الذين فصلوا ما بين العهود الإنسانية وسموا مسيحية وسموا يهودية وسموا ما قبل اليهودية والمسيحية, ولذلك أتحفظ وأشير إلي هذا لكي نوضح الحقيقة,إنما الفترة المصطلح عليها أنها المسيحية, وهي ابتداء من تجسد المسيح أو ظهوره في الجسد, تمثل التعاليم المسيحية علي صورتها النهائية أو صورتها المبلورة, بعد أن صحح المسيح الأخطاء التي وقع فيها رجال الكهنة في العهد القديم في تفسير الوصية الإلهية.
يقرر المؤرخون وعلماء الآثار, أنه منذ ابتداء هذه الفترة والصور كانت تقام أمام المسيحيين, وعبارة الرسول التي يقول فيها أنتم الذين أمام أعينكم قد رسم يسوع المسيح وإياه مصلوبا, إنما تعتبر بالضبط عما كان قائما بالفعل, وأنه منذ الابتداء كانت صورة المسيح المصلوب دائما مرسومة أمام عيون المؤمنين.
حرب الصور والأيقونات:
ولا زلنا إلي اليوم نري في كنائسنا وفي جميع الكنائس في العالم, أرثوذكسية وغير أرثوذكسية, نري دائما صورة المسيح المصلوب أمام المؤمنين, سواء أكان الأرثوذكس أو الكاثوليك يضعون صورة المسيح المصلوب. وحتي البروتستانت الذين كانوا يدعون في وقت ما, أنهم ضد إقامة الصور اضطروا أنهم يفعلوا ذلك,وأيضا يقيموا الصليب علي المباني التي يقيمون فيها اجتماعاتهم, بعد أن تيقظوا أن هذه علامة المسيحي, وأنه لكي يميز مكان إقامة الصلاة في الأماكن الدينية يوضع الصليب, ليكون مرشدا للمسيحي لكي يقصد المكان, ويميز بينه وبين أي بيت عادي, وكان هذا بعد الحملة الشديدة التي قام بها البروتستانت وهي حرب الصور, وفي أواخر القرن التاسع عشر, والتي كانت واضحة في منطقة أسيوط, عندما قام البروتستانت بحملة شديدة جدا ضد إقامة الصور, في بلادنا المصرية وعملوا أمالا شنيعة جدا, ومن ضمنها أنهم دخلوا الكنائس في أسيوط وحرقوا الصور والأيقونات, ودخلت المسائل في اشتباكات باليد واشتباكات بالأرجل.
قلنا إن الرسول عندما قال: 'أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح وإياه مصلوبا' أن هذه الآية وهذا النص يشير إلي العادة الأولية جدا, التي بدأت منذ الابتداء في العصور الرسولية الأولي, أنه كان هناك فعلا المسيح يصور مصلوبا ويكون دائما أمام عيون المؤمنين يذكرهم بحقيقة الخلاص.
الصور علي الآثار المسيحية القديمة:
وأيضا عندما نري الصور المرسومة علي الآثار المسيحية القديمة في العصور المسيحية الأولي, نجد مبدأ الصور كان معمولا به.فمثلا في السراديب التي كان ينزل إليها المسيحيون تحت الأرض,الموجودة في روما, وفي بعض بلاد العالم المسيحي, يلاحظ عليها الرسوم القديمة, والناس الذين يذهبون اليوم ويزورون هذه السراديب, والمباني الأثرية القديمة في روما وغيرها يرون بأعينهم الصور أو بعض الصور مرسومة علي بعض الحوائط, وحتي في الأماكن التي كان يحبس فيها المسيحيون وأيضا أماكن دفنهم.
فموضوع الصور موضوع قديم, لكن حكمة إقامة الصور أنها تثير الانتباه, وتعدو بمثابة أ,ب بالنسبة للإنسان الذي لا يعرف القراءة والكتابة, كنوع من أنواع العلم, عندما نمسك كتاب نجد الحقائق الروحية معبرا عنها بحروف, والإنسان الذي لا يقرأ هذه الحروف يفهم المعاني التي تدل عليها هذه الحروف هكذا الصور نفس الحقيقة.
ما هي الصور؟ الصور عبارة عن خطوط لكن وراء هذه الخطوط معاني, وكما أن الواحد يقرأ الكلمات المسطورة في كتاب, ويكون منها صورة ذهنية عن القصة التاريخية للمسيح أو للقديسين أو لجهادهم.كذلك الصورة المرسومة علي حائط أو علي ورق أو غيره هي عبارة عن نفس الحقائق التاريخية, والحقائق الروحية مرسومة لكن بأسلوبا آخر. فكما أن هناك أسلوب للكتابة, هناك أسلوب الرسم أيضا, فهذا أسلوب آخر من الأساليب, وهنا دور الفن وخدمة الفن للدين.
كذلك مثلا الموسيقي نوع آخر من التعبير, قد تجد قطعة موسيقية تبلغك رسالة, تكون هذه الرسالة خشوعية, قد تكون هذه الرسالة حزينة, قد تكون هذه الرسالة مبهجة ومفرحة, وتجد للقطعة الموسيقية أثر انتقل اليك, فإذن الموسيقي أيضا فن من الفنون وهو وسيلة تبليغ,وإن كانت تختلف عن الكتابة.
أسلوب الوعظ أو الخطابة أو الكلام أسلوب آخر, إنما نفس المعني ونفس الخدمة التي تؤدي للإنسان هي رسالة تبلغ لكن هذه الرسالة تبلغ عن طريق كلمات مسموعة, في الكتابة تبلغ عن طريق حروف مكتوبة منقوشة علي ورق. والصور رسالة تبلغ عن طريق رسم بريشة علي لوحة, فكما أن الحروف المكتوبة علي ورق وراءها معني, تتحول في ذهنك إلي صورة ذهنية,وإن كان في أكثر الأحيان الصورة الحسية التي عن طريق العين,أو تراها العين تؤثر في الإنسان أضعاف أضعاف ما تؤثره أو ما تحدثه أثر الكلمة المكتوبة.
أهمية الصور وفائدتها
المتنيح الأنبا غريغوريوس
جريدة وطنى 15/7/2007م
إن فن التصوير لا يقل أبدا أهمية عن الوعظ والتعليم لأنه أسلوب آخر من الوعظ الديني، فكما أن الواعظ بالكلام أو الإرشاد أو الموعظة أو القصة التي يرويها، يحاول بتأثيرالكلمات أن يجعل الإنسان يأخذ صورة ذهنية، وهذه الصورة الذهنية هي التي تؤثر فيه، فالفنان يصل إلي هذا عن طريق التصوير فعليا علي الورق أو علي الحائط أو علي الخشب...فيحدث نفس الأثر وأعمق، ممكن أن نعتبر الصورة مثل العظة وأقوي منها، وأيضا مثل الصلاة، وفي بعض الأحيان تكون أقوي حتي من الصلاة، وأنا اعتبر أن عمل الصورة هو نوع من الصلاة، لأن في الصلاة نتأمل ونستحضر أفكارا، ثم نعبر عن مشاعرنا في ألفاظ في حضرة الله، والفنان يعمل نفس العملية بالضبط لأنه يدخل داخل نفسه أولانتيجة الدراسة، ثم يرسم التعبير نتيجة التأثير النفسي الذي بداخله، بالضبط مثل الصلاة تماما.فهو أسلوب آخر من أساليب الوعظ أو الصلاة، فالفن من هذه الوجهة ممكن أن يعتبر تعبيرا آخر من تعبيرات العبادة، من هنا كانت الكنيسة منذ الابتداء تحتم الصور وتري فيها وسيلة تعبير ووسيلة تأثير، والإنسان عندما يستخدم حواسه، وقد أعطي هذه الحواس من الله لكي يتوسل بها ويتضرع بها لما هو يفيده، لأن المعرفة في العالم الخارجي تصل إلينا عن طريق الحواس، والمعرفة التي ننقلها نحن إلي العالم الخارجي تخرج منا عن طريق الحواس، فأرواحنا مغلقة في وسط أجسامنا، ولكن الحواس تعتبر أبوابا أو منافذ من الخارج إلي الداخل ومن الداخل إلي الخارج، فالصور نوع من أنواع الطقوس التي هي وسيلة تعبير، وأيضا وسيلة تأثير، وهذه مسأله تتمشي جدا مع طبيعة الإنسان، لأن الإنسان بطبيعته موجود في الجسد وله حواس، والمعرفة تنتقل إليه عن طريق الحواس، وأيضا ينقل هو هذه المعرفة إلي الآخرين عن طريق هذه الحواس، فالديانة الناجحة هي الديانة التي تستغل هذه الحواس، ولا تتجاهلها لأننا لسنا عقولا مجردة وإنما نحن كائنات لنا عقول في أجساد، وهذا ما قاله يوحنا ذهبي الفم 'أيها المسيحي لو كنت عاريا عن الجسد لكانت عطايا الله تمنح لك علي هذا النمط، ولكن حيث أن نفسك متحدة بجسدك فلزم أن الله يعطيك بعلامات محسوسة الأمور التي لا تدرك إلا بالعقل'.
فوائد الصور:
فأمر موضوع الصور وفائدتها لا يمكن أن ننكره إلا إذا أنكرنا طبيعة الإنسان، ولذلك من ضمن الوسائل والوسائط التربوية لتعليم الأطفال ما يسمونه وسائل الإيضاح من مصورات أو خرائط، وأحيانا يأخذون الأطفال إلي الأماكن التي يرون فيها حيوانات مثل حديقة الحيوانات، وأحيانا تعرض علي الأطفال أفلام سينمائية تعبيرية، ونري أن كتب الأطفال كلها حسب الطريقة التربوية الحديثة كلها مصورات، وحتي الكتب التي تقدم اللغة للأطفال وللكبار أيضا في جميع اللغات، تجد فيها صورا، وجميع المجلات الآن مملوءة بالصور، وحتي الصحف العامة وإن كان لا يوجد صورة يضعون صورة صاحب المقال، فهذا شئ في طبيعة الإنسان، فكيف ننكر قيمة الصور وفائدتها وأثرها، وعملها في حياتنا، هذا كلام ضد طبيعة الإنسان.
لذلك منذ الابتداء موضوع الصور واحترام الصور وإجلال الصور، والإيمان بفائدة الصور، دائما كان عندنا منذ الابتداء.
المظاهر الروحية الرائعة للصور:
عندما يكون في مكان العبادة صور مقدسة طاهرة، نظرات عيونها كلها تثير الطهارة، فتجدها كأنها نداءات نحو الفضيلة، ويوجد كثيريون لا يكتفون بأن تكون هذه الصور موجودة في الكنائس، وإنما أيضا يضعوا هذه الصور في بيوتهم، لأنهم يشعرون أن هذه الصور لها بركة، وهناك إحساس أيضا أنها تحضر الملائكة، بينما تهرب الشياطين من الأماكن التي فيها الصور، وهذا الكلام يسمع أحيانا من السحرة فيقول الواحد منهم، هذا البيت لا أقدر أن أدخله لأن فيه أشياء كثيرة جدا مقدسة من الصور والكتب المقدسة، فوجود الصور حتي في البيوت لها فوائد وتحضر البركة، حتي يقال عن لص من اللصوص أنه دخل بيتا من البيوت لكي يسرق، فوجد صور قديسين، فشعر كأنها توبخه، فقلبها لكي يتمكن من السرقة، لأنه كان يحس أن عيونها توبخه وتزجره، وعندنا في تقليد الكنيسة أن هذه الصور المقدسة أحيانا تكون مجالا لمظاهر روحية رائعة، فمن ذلك المعروف أن في حادثة نقل جبل المقطم، عندما ظهرت السيدة العذراء للبطريرك الأنبا إبرآم الثاني والستين من بطاركة الكرسي المرقسي، الذي كان مطلوبا منه أن ينقل الجبل المقطم في أيام الخليفة المعز، وعندما عقد صوما ثلاثة أيام وكان واقفا يصلي ويبكي ويطلب تدخل الله، فالقصة تروي أن العذراء ظهرت له خارج أيقونتها وكلمته، وهذه القصة لها في نظائرها الكثير، أن القديسين يظهرون من صورهم، توجد قصة لطيفة للقديس أبي سيفين وهو مرقوريوس فيلوباتير، نعلم أن الملاك ميخائيل ظهر له وأعطاه سيفا وقال له بهذا تنتصر، وكان القائد الأعلي للقوات المسلحة في الإمبراطورية الرومانية أيام ديكيوس، بعد أن استشهد وأقاموا علي جسده كنيسة تخليدا لذكراه، أخذوا سيفه وهو غير سيف الملاك ميخائيل وعلقوه في الكنيسة، وفي أيام إمبراطور عرف في التاريخ باسم يوليانوس الجاحد، أو الكافر أو المرتد، هذا الرجل من كثرة كراهيته للمسيح كان لا يشاء أن ينطق أحيانا اسمه فكان يسميه الجليلي، فهذا الرجل دخل في حرب مع الفرس واستجابة لصلوات وتضرعات المسيحيين الذين عانوا في أيامه ما عانوا، هزم هذا الإمبراطور في حربه مع الفرس وقتل، وكانت العبارة الأخيرة التي قالها 'لقد غلبتني أيها الجليلي' ثم مات.أبو سيفين كان له دور في هذا، لأن القديس باسيليوس الكبير البطريرك المعروف المنسوب إليه القداس الباسيلي، والذي كان رجلا روحانيا، ورآه الأنبا إبرآم السرياني عمودا من نور بين الأرض والسماء، وقال 'هذا هو باسيليوس',القديس باسيليوس وجد أن سيف أبي سيفين غيرموجود في مكانه، اختفي السيف فتعجب، كان هذا الكلام في أيام الحرب، وبعد قليل رجع السيف في مكانه ثم جاءت الأخبار أن يوليانوس قتل وأنه هزم، فالقديس باسيليوس نظر لصورة أبوي سيفين وقال 'أنت الذي قتلته',ورأي أبي سيفين طأطأ برأسه في الصورة، ولذلك عملوا صورة أخري لأبي سيفين يظهر فيها مطأطئ رأسه ويقول نعم والقديس باسيليوس واقف، هذه الصورة رسمت تخليدا لهذه الواقعة.
فهذه الصور مباركة، وتظهر منها معجزات في بعض الأحيان، هذا مجال واسع جدا لا نريد أن نتكلم فيه لأنه ليس مجال الروحانيات، ومثلا في الأديرة يوجد في كل دير من الأديرة حصن، من أيام القديس زينون أبو القديسة إيلارية وكان الرهبان يدخلون فيه، ثم يشدون البكرة فيرتفع الكوبري ويغلق الحصن وينفصل عن الدير، فالرهبان يعتزلون في هذا الحصن، هربا من حروب البربر أو مايسمونهم عرب البدو، الذين كانوا يهجمون علي الأديرة ويقتلون الرهبان.وفي أعلي الحصن كنيسة لكي يصلي فيها الرهبان، ودائما تكون باسم الملاك ميخائيل باعتباره أنه رئيس جند الرب.وفي الحصن طاقات منحنية لكي يقدر الرهبان أن ينظروا منها إخوانهم الرهبان الذين لم يقدروا أن يصلوا إلي هذا الملجأ، ففي بعض المرات حدث أن أحد الآباء الرهبان الروحانيين رأي الرهبان الذين بالدير، الذين لم يستطيعوا أن يصلوا للحصن يقتلون، فأخذته الغيرة والحماسة والغضب، ونظر في الكنيسة فرأي صور مارجرجس وأبو سيفين والأمير تادرس وهولاء الناس العظماء الروحانيين، فقال في نبرة غضب: 'أنتم قاعدين هنا وتاركين الرهبان يقتلون، انصرف شوف شغلك أنت وهو'فوجد كل الصور انمحت من البراويز، فنظر من الفتحه فوجد ضباطا يحاربون هؤلاء الناس الذين يقتلون الرهبان وهم القديسون مارجرجس وأبي سيفين والأمير تادرس فاستعجب جدا، وبعد أن انتهت المعركة وجد الصور كما هي، ورجع القديسون إلي أماكنهم.من أجل ذلك الكنيسة تدهن الصور بالميرون، لكي يحل فيها الروح القدس وتكون مقدسة ومدشنة، لأجل ذلك تكون هذه الصور لها قداسة خاصة، ولها معان في نفوس المسيحيين، وتكون مجال الاحترام والتقدير والإكبار.
الاهتمام بالإيقونات في روسيا الملحدة:
وأيضا في الكنائس البيزنطية مبدأ احترام الإيقونات مبدأ سائد، وفي روسيا حاليا عدد من الكنائس، تحولت إلي متاحف، بمعني لا أحد يصلي فيها، إنما تدخل فتجد كنيسة كاملة وتجد الإيقونات فيها من أجمل ومن أروع الجمال الديني، والحكومة تحضر علي نفقتها الفنان المختص لكي يقوم بترميم للصور أو ترميم للمبني نفسه والقباب يطلوها بالذهب، وكل سنة يجددون هذا، فالحكومة تنفق حاليا ملايين الملايين علي ترميم الكنائس وعلي ترميم الإيقونات بمعرفة الفنانين.ليس تحت اسم الدين ولكن تحت اسم الآثار وحفظ الآثار وحفظ التراث، ومن أجل السياحة هذه الكنائس يسمونها متاحف، إنما هي كنائس كاملة لم تمسها يد التحطيم أبدا، مع الأسف البالغ نجد الفرق واضح بين بلد آخر مثل تركيا، كيف تحطم الموازييك الجميل وهو من القرن السادس للميلاد، تري في كنيسة 'تي آجيا صوفيا' كيف تحطمت أجزاء كبيرة منه، الأمر الذي يجعل الواحد كإنسان يحزن علي هذه العقلية التركية، وعلي هذه الهمجية التركية، لأن هذا الفن وهذاالجمال من الوجهة الإنسانية البحتة وليس الدينية، الإنسان لا يرضي أن هذا الجمال يتحطم بهذا الشكل، ولذلك تجد كل فرد يذهب ليري كنيسة تي أجيا صوفيا وهي الآن متحف، بلا شك يخرج ساخطا ويلعن هذا الشعب الذي في عقليته وتفكيره أنه يعادي الفن ويعادي قيم الإنسان، تجد صورا رائعة، العذراء كاملة وهي تحمل المسيح، حاجة جميلة جدا جدا، وتجد الكروبيم والسيرافيم، وتجد أجزاء كبيرة محطمة فتحزن وتأسف، وتجد في روسيا علي الرغم من الإلحاد أن هذه الكنائس باقية والصور باقية، ويقومون بالترميم سواء كان فيما يتصل بالعمارة نفسها، أو فيما يتصل بالديكور وهي الصور والإيقونات، وكل هذا يرجع إلي أن هناك خلفية روحية علي الرغم من أن الدولة ملحدة رسميا، لكن الخلفية الروحية الدينية الموجودة في روسيا، منعت من أن هذه الكنائس وهذه الصور والإيقونات تتحطم حتي الآن، وتجد الإيقونات في كل مكان حتي في قاعات الطعام، وعندما يصلون يتجهون نحو الإيقونة.لأن هناك تاريخا خلف هذا الإلحاد، هو تاريخ روسياالمتدينة، وهذا هو السبب أن روسيا علي الرغم من الإلحاد الرسمي هناك فرق ضخم جدا بين روسيا وبين الصين، وهذا مصدر الخلاف بين الشيوعية في الصين، والشيوعية في روسيا، فتجد أن الصين تتهم روسيا أنها خانت الماركسية، والحقيقة أن روسيا علي الرغم من الشيوعية الرسمية، فإنه نظرا للخلفية المسيحية الأرثوذكسية حدث نوع من التكيف، فالماركسية الموجودة الآن في روسيا ليست هي بعينها الماركسية في الصين، وذلك يرجع للخلفية الموجودة عند هذا الشعب.
الصور فى الكنيسة القبطية
المتنيح الأنبا غريغوريوس اسقف الدراسات العليا
جريدة وطنى بتاريخ 8/7/2007م السنة 49
يقول آباء الكنيسة إن هذه الصور هي رسالة تبلغ عن طريق الفن, وتخدم القضية الروحية وتخدم القضية التاريخية, بل تكون أبلغ خصوصا بالنسبة للإنسان الذي يجهل القراءة والكتابة, إنما الصورة تنجح أنها تبلغ هذا الإنسان الذي يجهل القراءة والكتابة, بل وأقول إنها تبلغ أعمق وأفضل وأحسن وأسرع مما تستطيع الكتابة, فنظرة واحدة إلي المسيح مصلوبا ويداه مسمرتان والدم يقطر من جنبه ومن يده, وأعصابه مشدودة علي الصليب, وإكليل الشوك علي رأسه, تؤثر في الإنسان خاصة إذا كانت صورة فنية جميلة, أكثر مما تؤثر 1000 عظة و1000 كتاب, من 1000 واعظ ومن 1000 مؤلف, وفي سرعة هائلة, أي في دقيقة واحدة تنظر إلي الصورة فتجد لها أثر, ربما عندما تقرأ تريد وقتا طويلا لكي تقرأ, وتريد أعصابا هادئة وتركيزا وانتباها, عندما تريد أن تقرأ قصة المسيح وصلب المسيح تجدها في عدد من الأصحاحات قد يحتاج الأمر إلي ساعات لكي تقدر أن تقرأ قصة المسيح كما هي جاء في الأناجيل, لكن نظرة واحدة إلي المسيح مصلوبا, تغنيك عن قراءة عدد كبير من الأصحاحات, بل وتحدث أثرا ربما لا تحدثه القراءة التي تقرأها في الأناجيل.
وهنا قيمة الفن وقيمة الفنان, إذا كان فنانا يجيد فنه, وقيمة أننا حينما نصور الحقائق الدينية, يجب أن تصور في أروع وأجمل ما يمكن أن يخدم به الفن, فهناك فرق بين أنك تري صورة ضعيفة للمسيح مصلوبا, رسمها فنان بطريقة سريعة, غير جميلة وغير مؤثرة, ولا يكون لها الوقع العميق في نفسك, وبين أنك أنت تنظر إلي صورة لفنان من الفنانين الكبار, استغرقت منه جهدا كبيرا في الدراسة والفن, لذلك الفنان يقول إنه لابد من الدراسة, الفنان الجيد لا يرسم دون دراسة, الموضوع الذي يرسمه يدرسه, وبعد أن يدرسه يأخذ وقتا طويلا لكي يدخل إلي ذهنه وإلي داخله قبل أن يخرج علي لوحة, فالفن دائما تعبير, لكن هذا التعبير لابد أن يكون مرحلة تالية للدراسة, وأيضا لدخول الموضوع في أعماق الفنان, نوع من الطبخ, لابد أن يدخل للداخل أولا ويعمل الإفراز والإخراج, لكن الأول لابد أن المعاني كلها تدخل لداخل أعماقه.
وبعد ذلك يعبر عن هذه الأعماق. أحيانا تكون الصور في منتهي الروعة والجمال والأثر, وأنا بهذا الصدد أذكر صورة رأيتها في فينيسيا في قصر اسمه قصر الطوقات بجوار كاتدرائية مارمرقس الرسول في فينيسيا, هناك لوحة جميلة للسيدة العذراء وهي في القبر المقدس, والمسيح بعد نزوله من علي الصليب, والعذراء واقفة في قمة المرارة وقمة الألم, والفنان نجح أن يصور العذراء وعيناها مهريتان من البكاء, وخدودها في حالة الألم الممض الذي ليس بعده ألم, الصورة الواقفة بها صورة رائعة, لم أر لها نظيرا علي قدر ما استطعت أن أري من صور في حياتي في أي بلد من البلاد. هذه الصورة من القرن الثالث عشر, والفنان كان فنانا عظيما جدا ورسم أشياء كثيرة جدا في هذا القصر, إنما هذه الصورة وقفنا أمامها ومعي بعض الآباء المطارنة في أبريل سنة 1969 ما لا يقل عن ثلث ساعة, ونحن صامتون أمام الجمال وأمام الأثر النفسي الذي لا يباري. الذي أحدثته هذه الصورة, لا يوجد صورة في العالم وصلت إلي القمة التي وصلت إليها هذه الصورة, كيف نجح الفنان في التعبير عن الأمومة, والأمومة في أشق لحظة من اللحظات التي فيها مطعونة في قلبها طعنة نجلاء, كما قال لها وأنت يجوز في نفسك سيف, الواحد عندما ينظر إلي هذه الصورة يحس بالعبادة وبالتقوي وبالخشوع وبالروحانية, كل المعاني الروحية تأتي للإنسان بتأثير هذه الصورة, وهنا خدمة الفن للكنيسة وخدمة الفن للإيمان وخدمة الفن للدين. فنحن الكنائس الأرثوذكسية والكنائس التقليدية عموما, كنائس تعلي من قيمة الفن, وتجعل للفن قيمة عظيمة, وتعترف بما للفن من خدمة يمكن أن يؤديها للحياة الروحية, بالضبط ما هي الصلاة؟ أنا عندما أصلي ماذا أعمل؟ أنا أتأمل ثم أكون صورة ذهنية, ثم أعبر عن عماقي بألفاظ وهي ما نسميها الصلاة. الفنان يعمل ذلك, فإذن الفن عبادة, لأن فيه دراسة يكونها, وهذه الدراسة تدخل إلي أعماقه, ثم يعبر عن هذه الدراسة وعن الأثر النفسي الموجود في أعماقه بالريشة, بالضبط كما أنا أصلي. فهو طريقة أخري وأسلوب آخر من أساليب العبادة, فلذلك يمكن أن يعتبر الفن عبادة, ويمكن أن تعتبر الصورة وسيلة تعبيرية وتأثيرية, أقوي مما تستطيع ربما العظة أن تحدثه من أثر, وكذلك الموسيقي وما إليها. فنحن لا يصح أبدا أن نقف ضد الفن أو نمنع الفن, بالعكس الفن خدمة عظيمة للإنسان, الله نفسه جمل الكون كله بالفن, عندما تسير في حقل وتري الورود والزهور والجمال والتوزيع, عندما تنظر للسماء وتري جمالها وتوزيع النجوم, عندما تري الأسماك وتوزيعها وأشكالها وألوانها, والحيوانات, والحشرات, الكون كله جميل, أنت نفسك كلك جمال, عندما تنظر لأي عضو من أعضائك تجده جميلا, لو نظرت للظفر الذي هو في يدك يمكن أن تحتقره, هذا الظفر جميل جدا عندما تري تكوينه, ولو فرضنا أنك أنت حاولت بأية طريقة صناعية أن تعمل ظفر مثله, لو اجتمع العالم كله لكي يعمل هذا الظفر بتكوينه وجماله لا يستطيع, أنت عندما تنظر للذبابة التي يتقزز من رؤيتها البصر, لو نظرت لها تجدها جميلة جدا في تكوينها, جميلة في الهندسة والتوزيع, والأرجل والأيدي والتقسيم, الهندسة العظيمة للعيون والسمع, امسك أية حشرة, لو مسكت الناموسة التي أنت تتأذي منها, تجدها جميلة, لو تضعها علي ورق, أو عندما يرسمها أحد علي ورق ويكبرها تري الهندسة التي فيها والجمال, كل شئ في الكون جميل, فالله جمل الكون لأن الله كله الجمال, هذا الكون سماه اليونان كوزموس, وكوزموس معناها الجمال. العالم في اللغة اليونانية اسمه الجمال, ما هو الجمال؟ تعريف الجمال هو النظام, فكل شئ فيه نظام هو جميل, الجمال هو التناسق. فالكون كله جمال, لا يوجد شئ بلا جمال, ولذلك قال الكتاب رأي الله كل شئ أنه حسن, كلمة حسن تعني جميل, فكل شئ جميل, الله عندما صنع الكون صنعه بالجمال, فالجمال هو الفن, فالله فنان, الله هو المهندس الأعظم والفنان الأكبر لهذا الكون, كل شئ في الكون, من أصغر شئ عندما تمسك فراشة صغيرة تأمل شكلها, تأمل توزيع الألوان, تأمل الأجنحة وهندسة الأجنحة وجسمها, تأمل كل هذا تجده في منتهي الجمال. فالله إله الجمال والله هو الفنان الأكبر الذي جعل الكون كله فنا.
فإذا كان إلهنا عمل الفن, وأكبر فنان, وهو الفنان الأعظم, وهو الملهم للفن, وجعل الكون كله فن, والكون كله جمال, إذن الكنيسة وهي المعبد الذي يعبد فيه الله لابد أن يظهر فيه الفن وأن الفن يخدم الدين, وفعلا الفن يستطيع أن يخدم عن طريق الصور وعن طريق الموسيقي, إنما نحن الآن لسنا في مجال الكلام عن الموسيقي وهي الألحان وما إليها, إنما نحن في مجال الكلام عن الصور.
فالصور لها رسالة فنية, وهذا الفن صناعة لها أثر ديني, يحدث في الإنسان تأثيرات دينية أبعد مدي من القراءة نفسها.
الصور في الكنيسة الأولي:
وجد في أقدم الأماكن وأقدم الآثار صور للمسيح له المجد, وصور للعذراء, ومأثور عن القديس لوقا الطبيب أنه أول من صور العذراء مريم حاملة الطفل الإلهي, ويروي في التقليد أن هناك ثلاث صور يؤثر أنها من رسم لوقا الطبيب نفسه, واحدة في القدس, والثانية في الحبشة, والثالثة يقال إنها التي أخذت عنها الصورة الموجودة بالعزباوية بجوار البطريركية بكلوت بك.
وكذلك ورد في التقليد أن سيدنا له المجد يسوع المسيح عندما كان موجودا في فلسطين, وقبل أن يصلب سمع عنه رجل كان حاكم مدينة اسمها الرها وهي أوديسا حاليا علي البحر الأسود وكان مريضا, فأرسل رسولا من قبله يطلب أن يأتي ليشفيه ويعرض عليه أن يعطيه مدينة يقيم فيها ويحميه من مؤامرات اليهود, فالمسيح له المجد اعتذر عن هذه الرحلة ووعده أن يرسل أحد تلاميذه فيما بعد ليشفيه ويهديه إلي الإيمان المسيحي. ووجد المسيح له المجد الرسول في يده منديلا, فأمسك المسيح له المجد بالمنديل ومسح به وجهه فانطبعت فيه صورته, وأراد بهذا أن يكون المنديل كبركة وكهدية مؤقتة إلي أن يذهب أحد تلاميذه, هذه القصة رواها تاريخ الكنيسة بقلم يوسابيوس القيصري, وتعد هذه الصورة مصدر أولي استعان به الفنانون, أو نقلوا عنه أو أخذوا عنه كنموذج في رسمهم لصورة المسيح.
وهناك أيضا تقليد آخر يقول إن سيدنا له المجد في رحلة الصليب وقع 3 مرات تحت الصليب, فكان العرق المتصبب من جنبه, والدم النازل نتيجة إكليل الشوك مع التراب, فأصبح وجه المسيح كله ملطخا بالطين نتيجة العرق والدم والتراب, فجاءت فتاة عفيفة عرفت في التاريخ باسم فبرونيا, كانت من أتباع المسيح, يقال إن هذه الفتاة عندما رأت المسيح في هذه الصورة أشفقت عليه, وكان معها منديل فتقدمت ومسحت وجه المسيح من الطين, فنالت مكافأة عن ذلك بأن صورة المسيح انطبعت علي المنديل, وأصبحت مصدرا آخر من مصادر صور المسيح, التي نقلها فيما بعد أو استوحاها الفنانون ليرسموا علي ضوئها صورة المسيح. وفي نفس الوقت ينطوي علي هذا رضا المسيح نفسه علي الصور لأنه هو بنفسه عمل هذه الصورة.
فبدأ الصور منذ الابتداء في الكنيسة اعتبر كوسيلة إيضاح, خصوصا بالنسبة للناس الذين يجهلون القراءة والكتابة.
فالصور لها فوائد, ليس للناس الجهلة الذين لا يعرفون القراءة والكتابة فقط بل لكل إنسان, فلا فرق بين كبير وصغير ولا فرق بين رجل وامرأة, لا فرق بين شيخ وشاب وطفل, كلنا نحب الصور وكلنا نتأثر بالصور, وكلنا نحمل طبيعيا وتلقائيا مبدأ احترام الصور, ولذلك نجد أي واحد فينا يحمل في جيبه أحيانا صورة أبيه أو صورة أمه, أو صورة ابنه, والمرأة تجد صورة زوجها أو صورة أبيها أو أخ إلي آخره, خصوصا عندما يكون الشخص مسافرا أو بعيدا تجده يحفظ الصورة في جيبه, ومن وقت إلي آخر يتذكر أحباءه وبها يروي أشواقه, حينما يكون مشتاقا إلي أبيه أو أمه أو قريب أو زوجه إلي آخره. فهذا شئ طبيعي. وعلي الرغم من أن إخواننا البروتستانت كانوا أكثر من الآن ضد مبدأ الصور, لكن تجد الواحد منهم في حياته الخاصة لا يكون أبدا غير طبيعي, فإذا أراد أن يكون طبيعيا مع نفسه, أو منطقيا مع نفسه, تجده هو نفسه يحمل صورة أمه أو صورة أبيه أو صورة أحد أقربائه, خصوصا إذا كان هذا الشخص مسافرا أو إذا كان ميتا تجده يعتز بهذه الصورة ويحترمها, ولا يسمح أبدا لأحد أن يبصق علي الصورة أو يهينها, لأنه يشعر أن هذه الإهانة ممثلة إلي الشخص نفسه, وإليه هو شخصيا.
ونجد البروتستانت أيضا يوزعوا علي الأولاد في مدارس الأحد الصور, لأنهم يعلموا أن هذه وسيلة إيضاح ومؤثرة في الأطفال وتفيدهم, فلماذا لا يكون الإنسان منطقيا مع نفسه. هذه عبارة عن نزعة تحطيمية, لأن فلسفة البروتستانت قائمة علي مبدأ أنهم يعيشون بلا طقوس, بهذه الطريقة يحطمون أنفسهم ويحطمون كل الديانة, وهذا ما قاله أحد زعماء البروتستانت إن إهمال الطقوس في الكنائس البروتستانية أدي إلي تفشي داء الكفر والإلحاد بين العالم, أي أن إهمال الطقوس أدي إلي قطع الروابط الدينية للناس, وجعلوا الناس من السهل عليهم أن ينتقلوا إلي الإلحاد. إنما الطقوس تعمل عملية ربط, تربط الإنسان ربطا قويا بالديانة, وهذا ما قاله العلامة دوركايم مؤسس علم الاجتماع في فرنسا في أوائل القرن العشرين: أن الديانات التي لها طقوس هي الديانات التي تثبتت علي مر الزمان, بينما الديانة التي ليس لها طقوس كانت تزول من المجتمعات.
وكما قال يوحنا ذهبي الفم: أيها المسيحي لو كنت عاريا عن الجسد, لكانت عطايا الله تمنح لك علي هذا النمط, ولكن حيث إن نفسك متحدة بجسدك, فلابد أن الله يعطيك بعلامات محسوسة ما لا يدرك, الأمور التي لا تدرك إلا بالعقل. فالديانة لابد أن يكون فيها أشياء محسوسة لكي تساعد علي تثبيت المدركات الدينية غير المحسوسة, لماذا؟ لأن الإنسان روح وجسد, فلابد أن الديانة يكون لها الناحيتان معا, لأن الناحية الإيمانية يقبلها الإنسان بالفكر وبالقلب, ولكن لابد من روابط حسية تتناسب مع أن الإنسان مركب من روح ومن جسد.
فالإنسان الذي ينكر أثر الطقوس في نفسه إنسان مغالط وغير طبيعي, والبروتستانت ينكرون الطقوس ومع ذلك يعملون الطقوس, فتجد في اجتماعاتهم لهم طقوس, حقا أنهم لا يتبعون طقوسنا, لكن يعملوا طقوس أخري علي الرغم منهم, فمثلا في بعض الأحيان يجلسون وفي بعض الأحيان يقفون, وأيضا فيه نظام معين مثلا يبدأ بالترتيل أو بالصلاة ثم الوعظ ثم ترتيل أي يوجد نظام, والطقوس هي عبارة عن نظام, كلمة الطقوس كلمة يونانية معناها ترتيب أو نظام. المسيح إلهنا عندما جاء يوزع الخيرات والبركات لمعجزة الخمس خبزات فقال: اتكئوهم فرقا خمسين خمسين (لو 9: 14), (مر 6: 39, 40) فأجلسوهم صفوفا صفوفا, مئة مئة وخمسين خمسين وهذا ساعدهم علي توزيع البركات, وعلي أن يعرفوا أنهم خمسة آلاف رجل ماعدا النساء والأطفال عن طريق هذا التقسيم.