التوبة والإعتراف عقائديا. روحيا. طقسيا

القمص مرقس عزيز خليل

الباب الأول:           مقدمه عن اهميه العقيده

الباب الثاني:          التوبه

الباب الثالث:          الإعتراف

الباب الرابع:          الإعتراف عقيده كتابيه في العهد القديم

الباب الخامس:        ضرورة الإعتراف على الأب الكاهن

الباب السادس:        شروط الإعتراف المقبول

الباب السابع:         طقس سر الإعتراف

الباب الثامن:          تساؤلات واعتراضات حول الإعتراف

الباب التاسع:         من اجل اعتراف صحيح

الباب العاشر:         توبه المرتدين

الباب الحادي عشر:  قوانين سر التوبه (التأديبات الكنسيه)

الباب الثاني عشر:    الطوائف المختلفه وموقفها من سر التوبه والإعتراف

المراجع

الباب الأول

مقدمه عن اهميه العقيده

الي الأغصان الحيه الناميه. في البيعه المقدسه

الي الأغصان الحديثه اليافعه في كرمه الله اليانعه. اولادنا وبناتنا. وفلذات اكبادنا. الذين نخشي عليهم زوابع الشكوك واعاصير الضلال التي تهب بشده في المدنيه والأزمنه الحاضره. الي الأغصان الحيه الناميه. في البيعه المقدسه الساميه. شباب الكنيسه الأرثوذكسيه النابهين الذين قد يحاول البعض دفعهم الي خلق تصادم في اذهانهم مع مباديء غريبه عن مباديء ايمانهم. الي ذوي الأفكار الشارده. والنفوس التائهه الحائره. التي تسأل في لهفه وحماسه عن جمال الحق والقداسه لتلج بابها وتمسك بأهدابها. الي العطاش الي الينبوع الفائض الحي. كلام الله القدير الأزلي يريدون فهمه وفهم عقائده في مواد يسهل فهمها ولغه يمكن هضمها. وايضا الي الذين أضناهم الدرس والفحص واتسع امامهم الزمام حتي ضاعت منهم روابط التماسك والأنسجام نتيجه اختلاف المباديء الأيمانيه والممارسات الدينيه. الي الذين خاضوا بحار الدين. واختلط عليهم الغث مع الثمين. ويرغبون خلاصه الحق المتين. وسرائر الأيمان الأقدس المكين. وايضا الي الذين قصدوا المنابر واعظين والي الخلاص بحراره مرشدين. ويريدون من الأقوال الألهيه سندا. ومن أقرب الحجج الروحيه عضدا. الي الذين قاموا عن الأيمان يدافعون. وللبدع والهرطقات يفندون. ويريدون لحججهم سجلا حاويا. سهل الحمل وافيا. يوفرعليهم الزمن ويؤمنهم العثار والزلل. الي الذين ضاقت عن الدراسه اوقاتهم. وازدحمت بالأشغال العالميه حياتهم. ومع ذلك يريدون ان يعرفوا من مواد الأيمان جوهرها ومن صالح الأعمال الواجبه اجدرها. وايضا الي الذين غشي الظلام حياتهم. فجهلوا الماضي. وما هو امامهم ويعوزهم عاجلا نور الأرشاد ليجمعوا زادهم ليوم الميعاد. الي كل هؤلاء أقدم هذا الكتاب لعل من له اذنان للسمع فليسمع

الكنيسه القبطيه الأرثوذكسيه تقف علي

أرض صلبه من صحه العقيده والأيمان

و لأننا في كنيستنا القبطيه الأرثوذكسيه نقف علي أرض صلبه من صحه العقيده والأيمان فلا نخشي مواجهه أحد فايماننا راسخ وقويم لذلك نتحدث وبصوت عال لا يخشي شيء. لقد ازداد للأسف في هذه الأيام من يعملون علي اختراق الكنيسه الأرثوذكسيه. سواء بالتعاليم المغلوطه أو الغريبه.أو بالهدايا أو الكتب والنشرات والنبذات المجانيه. لذلك ونظرا لأن الكتاب المقدس سبق واعلن لنا انه في الأزمنه الأخيره يرتد قوما عن الأيمان.. واعلن لنا (لا تساقوا بتعاليم متنوعه وغريبه) [عب 3] وقال (ايها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن انبياء كذبه كثيرين قد خرجوا الي العالم) [1 يو 4]

سيكون فيكم معلمون كذبه يدسون بدع هلاك

 قال القديس بطرس (لكن كان ايضا في الشعب أنبياء كذبه كما سيكون فيكم ايضا معلمون كذبه الذين يدسون بدع هلاك) [2 بط 2: 1]. وحذرنا القديس بولس قائلا (لأني اعلم هذا انه بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفه لا تشفق علي الرعيه ومنكم ايضا سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتويه ليجتذبوا التلاميذ وراءهم) [أع 2.]. وستظل الكنيسه القبطيه الأرثوذكسيه حافظه لبنيها من ذئاب الضلال الضاريه والثعالب المفسده للكروم. وقد نظر القديس بولس الرسول الي مثل هؤلاء الهراطقه الذين كانوا في عصره والذين سوف يقومون من بعده ويقلقون راحه الكنيسه فنبه سائر المسيحيين اليهم وحذرهم من خداعهم وتملقهم وتلبسهم بصوره الحق. فقال لأهل غلاطيه بقلب ملؤه الحراره والغيره الدينيه المقدسه علي حفظ التعاليم الألهيه. وشفقه وحنانا علي رعيه الله المقاتله بدم المخلص فقال (يوجد قوم يزعجونكم ويريدون ان يحولوا انجيل المسيح ولكن ان بشرناكم نحن او ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن اناثيما.) [غل 1].

الهراطقه والمعلمين الكذبه علي مر العصور

منذ العصر الرسولي حتي الآن لم يخل جيل من الأجيال من قيام كثيرين من الهراطقه والمعلمين الكذبه. الذين يرفضون ويخالفون التعاليم الصحيحه المقدسه المسلمه لنا من الرسل الأطهار والمحفوظه سالمه في الكنيسه منذ نشأتها حتي الآن. والكنيسه تدفن عدوا وتدحر الآخر بعد ان تحاربه بأسلحه الحق الي ان تلاحقه بسابقه في الخذلان. ويشهد التاريخ بأن الكنيسه المصريه قاست من الأهوال والأضطهادات والحروب الدمويه والأدبيه ما يزعزع الجبال. وبخاصه الحروب التي أثارها ابليس علي الكنيسه بواسطه الملوك الذين اضطهدوها وقتلوا رجالها وحرقوا كتبها وهدموا كنائسها. ولكن كانت الكنيسه تنمو وتزدهر وتزداد في وسط تلك الأضطهادات حتي ضرب المثل القائل ان (دم الشهداء زرع الكنيسه). لقد انتصرت الكنيسه علي الوثنيه وآمن الملوك وأمنت الممالك بالمسيحيه. وعاد الشيطان مجندلا صريعا. ولكنه حارب المسيحيه بالفلاسفه والهراطقه والعلماء الذين ضلوا عن الأيمان. وفي هذه الحروب انتصرت الكنيسه علي تلك البدع والأضاليل وها هو القديس بولس يوضح قليلا مما صادفته المسيحيه بقوله " لسنا نجعل عثره في شيء لئلا تلام الخدمه بل في كل شيء نظهر انفسنا كخدام الله في صبر كثير في شدائد في ضيقات ونحن معروفون كمائتين ونحن نحيا. كمؤدبين غير مقتولين. كحزاني ونحن دائما فرحون. كفقراء ونحن نغني كثيرين كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء" [2 كو]

أهمية العقيدة لحياتنا الروحية

يجب ان ندرك أهمية العقيدة لحياتنا الروحية، ولمستقبلنا الأبدي بعكس ذلك الفكر السلبي الذي تحاول بعض الطواءف ان تنشره بين الشباب، مناديه بعدم ضرورة إرهاق الذهن في معرفة العقيدة المسيحية والاكتفاء بالروحانية والفضائل، وكأن هناك إنفصال كياني بين العقيدة والروح، أو أننا يمكن أن نخلص بدون أن نتمسك بعقيدتنا، ويعتبرون دراسة العقيدة ومعرفتها، نوعاً من الترف الفكري الذي لا لزوم له، وتعصباً وتشدداً غير مرغوب فيه.إننا في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية تتشعب خدمتنا الروحية وعبادتنا إلى: تسابيح وألحان وترانيم وقداسات، ثم عظات وخدمة واجتماعات.. وعادة ما نتطرق لكافة الموضوعات الروحية والاجتماعية. كما أننا قد نجد في كنائسنا اجتماعات متخصصة، فهناك مثلاً: اجتماعات لدراسة الكتاب المقدس، وأخرى للحياة الكنسية واجتماعات روحية، وأخرى للتربية الأسرية.. وفي مختلف المجالات. ومع ذلك، وبالرغم من كل هذا العمل الروحي الضخم، فإننا إن تطرقنا في أحد الاجتماعات لموضوع عقيدي واحد يتساءل البعض: لماذا تضيعن وقت الناس في العقيدة واللاهوت والطقس، خصوصاً أن هذه الأمور تسبب خلافات وعدم توافق؟! كما أن التاريخ يشهد أن الخلافات بين الكنائس كانت بسبب العقيدة. وقد يظن البعض أن هذه المعلومات الجافة (هكذا يقولون) تعطل خلاص الإنسان وعلاقاته مع المسيح، ويطالبون بالاكتفاء بالتعليم الروحي عن التوبة والمحبة وسائر الفضائل.

خدعه اسمها اللاطائفيه

دخل أحدهم اجتماعاً غير أرثوذكسي.. وفوجئ بالمتكلم يقول: " يا إخوة.. يسوع واقف منتظر رجوعكم.. ليس بأحد غيره الخلاص.. ليس لنا إيليا ولا موسى ولكن لنا يسوع فقط.. ليس لنا مرقس ولا بولس لنا يسوع فقط، لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس يسوع المسيح. الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع ".

جمع الأخ شجاعته ووقف ليناقش المتكلم فيما يقول.. ولكن قبل أن يسترسل في سؤاله قاطعة المتكلم قائلاً: " نحن لا نتكلم في الفروق العقيدية.. ولا نتعرض للعقيدة.. نحن اجتماع لا طائفي.. ولا داع لأن تشغلنا بمناقشات عقيدية تضيع علينا زمن الفرح بيسوع وفرصة الصلاة والتوبة " وأنهي الواعظ المناقشة.

 سوف لا أناقش هنا قضية شفاعة القديسين فسوف اصدر عنها قريبا كتابا، ولكنني أود أن أكشف الرأي الخاطئ في هذا الرد: هل فعلاً المتكلم لا يتعرض لقضايا عقيدية؟ وهل إغفال شركة القديسين، وإلغاء الشفاعة أمر تقبله الكنيسه الأرثوذكسيه؟ لماذا نسمي مثل هذا الاجتماع لا طائفي؟

العقيدة ام بساطة الأيمان؟

كان نيافه الحبر الجليل جزيل الأحترام الأنبا رافائيل الأسقف العام حاضرا في احد المؤتمرات وقال احد الشباب المخدوعين: لماذا تركزون في هذا المؤتمر على العقيدة في كل كلامكم؟ أليست بساطة الإيمان أفضل من كل هذه الشروحات؟ هل سيعقد لي امتحان في فهم العقيدة ليكون شرطاً لدخول السماء؟ وهل العاميون والبسطاء من المؤمنين ليس لهم نصيب في السماء بسبب عدم معرفتهم؟ ألا يمكن أن نكتفي بمحبة المسيح، والصلاة والتمتع بشركته، دون الدخول في تفاصيل، خاصة وأن هذه التفاصيل سببت للكنيسة متاعب وانقسامات وحروب وتحزبات؟

وترك نيافه الأسقف صديقنا الشاب يعبر عما بداخله من الرفض للتعليم العقيدي، وتمسكه بفكرة أن تكون الروحانية بسيطة قوامها التوبة والصلاة ومحبة الآخرين وقبول الآخر بالرغم من اختلافنا. وأخذ يتجاذب أطراف الحديث حول لماذا العقيدة؟!! ثم اصدر نيافته كتابا رائعا بعنوان (ثبت اساس الكنيسه) لا غني لكل بيت ولكل مسيحي عنه

حوارات عقائديه

و قد آثرت أن يكون حوارنا العقيدي هو موضوع هذه السلسله من الكتب. وسوف نتطرق فيها الي قانونية تدريس العقيدة من جهة الكتاب المقدس، وما فعله آباؤنا الرسل، وآباؤنا القديسون بطول التاريخ، وهل العقيدة والمعرفة يؤثران علي خلاص الإنسان، أم هي مجرد سفسطة كلام؟! وهل تؤثر العقيدة في السلوك الروحي اليومي؟ بمعنى هل تتأثر روحانية الإنسان بعقيدته؟.إن النموذج الأعلى لنا هو السيد المسيح، فما قام به السيد المسيح هو مرجع لنا، ونموذج أعلى. فإذا وجد في تعليم السيد المسيح البعد العقيدي. فيجب ان تتشبه وتقتدي أنت يا عزيزي المسيحي بالسيد المسيح.

هل حقاالله لا تعنيه العقيده وانما تعنيه الحياه التقويه الخالصه؟

قال أحد الشباب المخدوعين: ان الحياه المسيحيه في جوهرها هي تقوي وعاطفه روحيه. وان الله لا تعنيه العقيده وانما تعنيه الحياه التقويه الخالصه. والحقيقه ان هذا الأتجاه نجده عند المخدوعين والذين كسلت عقولهم ونفوسهم عن البحث والدرس وظنوا في الناس جميعا أنهم مثلهم يستثقلون هذا البحث ويعدونه أمرا عسيرا يمكن للأنسان ان يخلص بدونه. وقد يتورطون احيانا فيضطرون الي المناداه بقصر هذه المباحث علي المتعمقين دون المبتدئين بحجه ان الطعام القوي يكون للبالغين، اما اللبن فيكون للأطفال أي المبتدئين.

الحياه الروحيه لا يمكن ان تقوم بغير عقيده دينيه

و نحن لا ننكر ان الهدف الأسمي من الديانه هو التقوي، وان غايه الأيمان هو خلاص النفس، وان غرض الحياه الدينيه بأسرها هو التشبه بالله ومعاينته معاينه دائمه، والشخوص فيه، والأتحاد به. ففي السير مع الله والتعلق بمحبته سعاده قصوي تبدأ في الحياه الدنيا وتتصل بالحياه الأخري في ابديه لا نهايه لها. ولكن من قال ان هذه الحياه الروحيه يمكن ان تقوم بغير عقيده دينيه؟ ان العقيده الدينيه هي الأساس الذي يقوم عليه بنيان الحياه الروحيه. والتفريق بين العقيده الدينيه والحياه الروحيه تفريق ظالم لا يتفق وطبيعه النفس البشريه التي لا يمكن ان تحيا أو تتصرف من غير عقيده تنعقد عليها النفس. كذلك فأن الحياه الروحيه في الديانه المسيحيه ليست هي العاطفه الروحيه خلوا من العقيده الدينيه. كما ان دراسه العقيده واجبه للتفريق بين الصحيح والخطأ، والحق من الباطل وكشف كل ما هو دخيل علي الأيمان الصحيح. والكتاب المقدس هو المصدر الذي نستقي منه عقائد الأيمان وضرورتها. كما نستقي منه مباديء التقوي واهميتها.

السيد المسيح هو المعلم ومرجع الكنيسه

إن السيد المسيح هو المعلم الصالح الذي منه نستمد كل تعليم. هو مرجع الكنيسه الوحيد في كل خدمتنا واتجاهاتنا في الحياة الروحية أو العملية. وعندما نبحث في قضية ما، يجب علينا أن نتساءل عن رأي السيد المسيح فيها، وموقفه منها وهذا بالطبع سيكون معلنا ً في الإنجيل المقدس. والآن ونحن نبحث في أهمية العقيدة للحياة الروحية وللخلاص الأبدي، يجب علينا أن نسأل هذا السؤال:

هل أهتم السيد المسيح بالفكر العقيدي في تعليمه؟

لقد اهتم السيد المسيح (المعلم الصالح) بأن يشرح العقيدة والفكر المسيحي ولم يحتقر أذهان العامة ولم يحجب عنهم المعرفة بل كان يشرح بالمثل وبالرمز وبالتصريح وبالمقارنة بآيات من العهد القديم وبالنموذج المعاش وبالقصة الرمزية وبالقصة الحقيقية.. وغير ذلك. لقد كان السيد المسيح عميقاً في تعليمه حتى قيل عنه: " بهتت الجموع من تعليمه لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة " (مت7: 28، 29). هذا التعليم العميق الجديد علي مسامع الشعب، لم يكن خالياً من العقيدة والفكر اللاهوتي. فهل يجوز لنا كمسيحيين أن نتبع منهجاً غير منهج السيد المسيح في التعليم حتى نتخيل أنه لا ضرورة للشرح العقيدي، بينما كان السيد المسيح نفسه يشرح العقيدة؟. تعالي معي لنبحر في الإنجيل المقدس ونكتشف منهج السيد المسيح في التعليم لنتبعه نحن المسيحيين.

لقد تحدث السيد المسيح وايضا رسله الأطهار، عن كافه العقائد المسيحيه. ولن يتسع هنا المجال للحديث عنها. بل سيكون مجاله كتاب آخر سيصدر قريبا (ايماننا المسيحي وعقيدتنا الأرثوذكسيه) ولكننا نتحدث عن مثال واحد هو (سر التوبه والإعتراف) ولكننا بايجاز نقول: لقد تحدث السيد المسيح ورسله الأطهار عن كافه العقائد ومن امثله ذلك

تعاليم السيد المسيح عن أهمية الأعمال الصالحة للخلاص

في الموعظة علي الجبل تحدث السيد المسيح عن عقيدة هامة جداً وهي: ضرورة ممارسة البر والأعمال الصالحة لنوال الخلاص ودخول ملكوت السماوات إذا قال: " إن لم يزد بركم علي الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات " (مت 5: 2.) فهنا يؤكد السيد المسيح علي عقيدة أرثوذكسية هامة وهي: ضرورة أن نمارس أعمال البر لنوال الخلاص. نحن نؤمن أنه لا خلاص إلا بدم السيد المسيح ولكننا أيضاً لن ندخل السماء إلا حينما يزيد برنا علي بر الكتبة والفريسيين وذلك حسب تعليم السيد المسيح نفسه في (مت 5: 2.).

مثل الوزنات وحتمية الأعمال الصالحة لنوال الخلاص

وحسب مثل الوزنات الذي علم فيه السيد المسيح أن العبد الذي لم يعمل ولم يتاجر بوزنته يستحق العقوبة " أيها العبد الشرير والكسلان، عرفت أني أحصد حيث لم أزرع، وأجمع من حيث لم أبذر، فكان ينبغي أن تضع فضتي عند الصيارفة، فعند مجيئي كنت آخذ الذي لي مع ربح. فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذي له العشر وزنات، لأن كل من له يعطي فيزداد، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه. والعبد البطال أطرحوه إلي الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان ".

في هذه الجزئية يتضح اهتمام الرب يسوع بحقيقة عقيدية، كما أنها أيضاً تؤكد إيمان كنيستنا الأرثوذكسية في حتمية الأعمال الصالحة لنوال الخلاص وهو الأمر الذي لا تقره بعض الطوائف. وقد أكد السيد المسيح هذه الحقيقة مرات عديدة، خاصة في تعليمه بخصوص المجئ الثاني والدينونة العامة وأنها حسب الأعمال عندما قال: " فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله " (مت 16: 27).

السيد المسيح يشرح أهمية الأعمال لدخول السماء

و في شرح الدينونة العامة الأخيرة قصد السيد المسيح أن يشرح أهمية الأعمال لدخول السماوات حينما قال: " ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس علي كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء، فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا إلي يا مباركي أبي، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم. لأني جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريباً فآويتموني. عرياناً فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم إلي فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك، أو عطشاناً فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريباً فآويناك أو عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم: بما إنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم. ثم يقول أيضاً للذين على اليسار: إذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لأبليس وملائكته لأني جعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوني. كنت غريباً فلم تأووني. عرياناً فلم تكسوني. مريضاً ومحبوساً فلم تزوروني. حينئذ يجيبونه هم أيضاً قائلين: يارب، متى رأيناك جائعاً أو عطشاناً أو غريباً أو عرياناً أو مريضاً أو محبوساً ولم نخدمك؟ فيجيبهم قائلاً: الحق أقول لكم: بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر، فبي لم تفعلوا. فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية. (مت 25).

 إن معيار ميراث ملكوت السموات بحسب شرح السيد المسيح هو خدمة الآخرين، أي العمل الصالح مع الآخرين.

إفعل هذا فتحيا

فإذا علم شخص بغير هذا سيكون مخالفاً لروح الإنجيل وتعاليمه، وكذلك إذا تجاهل أحدهم هذا الفكر، فيما يتجاهل كل تعليم بخصوص العقيدة، فإنه حتماً سيقود تابعيه إلى مفاهيم غريبة عن السيد المسيح، وعن الإنجيل. لقد أكد السيد المسيح على هذه المفاهيم مرة أخرى بقوله للشاب الناموسي: " إفعل هذا فتحيا " (لو 1.: 28)، وهي نفس الكلمة التي يقولها لكل منا: "إفعل هذا فتحيا "، أي أفعل الوصايا ومارس المحبة فتنال الحياة الأبدية. ليس الأمر هو الإيمان فقط كما يدعي البعض، بل لابد من الأعمال مع الإيمان، حسب قول معلمنا يعقوب الرسول إن: " الإيمان بدون أعمال ميت " (يع 2: 2.). فكيف يكون الإيمان وحده بدون أعمال صالحة، كافياً لميراث ملكوت السماوات؟

حقائق عقيدية اهتم السيد المسيح بإبرازها

 في مثل الغني ولعازر.. شرح السيد المسيح حقيقة الملكوت والعقوبة الأبدية للأشرار الذين لم يخدموا الآخرين (مثل هذا الغني البخيل الشرير). وكانت فرصة أيضاً للسيد المسيح أن يعلن حقائق عقيدية بخصوص: الفردوس والجحيم ومصير الأبرار والأشرار وأنه توجد هوة عظيمة بين هؤلاء وأولئك (لو 16: 19-31).

 وبالرغم من ضرورة الأعمال للخلاص حسب تعليم السيد المسيح، فإنه يجب ألا يفتخر الإنسان بأعماله بل " متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا: إننا عبيد بطالون لأننا أنما عملنا ما كان يجب علينا " (لو 17: 1.).إنها كلها حقائق عقيدية.. اهتم السيد المسيح بإبرازها، لنعرف فكره من جهة هذه الأمور.

 كما تحدث السيد المسيح عن كافه العقائد فتحدث عن ما هو الأيمان؟ وإمكانية هلاك المؤمن وأهمية الإيمان بالسيد االمسيح للخلاص والمعمودية وضرورتها للخلاص وفي (يو 6) لم يترك السيد المسيح شاردة أو واردة إلا وشرحها بخصوص (سر التناول) الإفخارستيا فهو: " الخبز الحقيقي من السماء " (يو 6: 32) و" خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم " (يو 6: 33) و" أنا هو خبز الحياة " (يو 6 ك 48) و" الخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم " (يو 6: 51). الحق الحق أقول لكم ك إن لم تأكلوا جسد أبن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير، لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق (يو 6: 53 55) وكذلك أهتم السيد المسيح أن يعلن السلطان الكهنوتي في الحل والربط. وأهتم بأن يشرح لهم طبيعة الصوم المسيحي" يجعلون خمراً جديدة (صوماً بمنهج جديد) في زقاق جديدة (في دين جديد) " (مت 9: 17)، ولم يترك الرب يسوع الأمر بدون شرح واهتمام ولم يقل عن الصوم أنه متروك لحرية كل شخص كما ينادي البعض بل قال" ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم، فحينئذ يصمون " (مت 9: 15).

 وهناك العديد من الأمثلة التي أوردها ربنا يسوع، ليشرح بها حقيقة ملكوت السماوات كما قدم شرحا عن مملكة الشيطان

 كما شرح أيضاً عقيدة قيامة الأموات باستفاضة في موضوع آخر حيث قال" الحق الحق أقول لكم انه تأتى ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت أبن الله والسامعون يحيون لأنه كما أن الأب له حياة في ذاته كذلك أعطي الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته وأعطاه سلطانا أن يدين أيضاً، لنه أبن الإنسان. لا تتعجبوا من هذا، فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة وفي حديث طويل تكلم الرب يسوع بكل التفاصيل، عن عقيدة مجيئه الثاني، وما يصاحبه من ظروف وملابسات (مت 24).

 كذلك حديثة عن الدينونة العامة، ومكافأة الأبرار، ومجازاة الشرار، وعلامات نهاية الزمان.. تارة بالمثل (العذارى، والوزنات، والعبد الأمين).. وتارة بالتصريح والشرح (مت 25).

- وفي حديث السيد المسيح مع مرثا أخت لعازر، كانت هناك اللمسة اللاهوتية الواضحة بخصوص قيامة الأموات.. " قالت له مرثا: أنه أعلم أنه سيقوم في القيامة، في اليوم الخير ". قال لها يسوع: " أنا هو القيامة والحياة من أمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حياً وأمن بي فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا؟ " قالت له" نعم يا سيد. أنا أمنت أنك أنت المسيح أبن الله الآتي إلى العالم " (يو 11: 24 27).

 طبيعة السيد المسيح " ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس سأل تلاميذه قائلاً: " من يقول الناس اني انا ابن الأنسان؟ " هل السؤال يهمك يا ربي يسوع؟ هل أنت تهتم بإدراك الناس للاهوتك، ومعرفة أنك ابن الله بالحقيقة؟

بالتأكيد كان السيد المسيح ينتظر أن ينطق بطرس بهذا الإعتراف المقدس، الذي هو صخرة الإيمان المسيحي " أنت هو المسيح ابن الله الحي!" (مت 16: 16).

لم يكن السيد المسيح هو يوحنا المعمدان ولا أيليا ولا ارميا ولا واحد من الأنبياء.. فلابد من التحديد الدقيق لشخص وطبيعة السيد المسيح.. " طوبي لك يا سمعان بن يونا، أن لحما ودما لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات " (مت 16: 17)، وأيضاً طوبي لمجمع نيقيه ولمجمع أفسس، لأنهم حددوا بقوانين طبيعة ربنا يسوع المسيح، وشرحوها حسب قصد الروح القدس.

هل نجرؤ ان نرفض ما مدحه السيد المسيح؟

لماذا إذا تغييب العقيدة عن الناس، والمناداة بالا طائفية؟ هل نجرؤ ان نرفض ما سبق أن مدحه السيد المسيح؟

- وقد سأل السيد المسيح الفريسيين سؤالاً لاهوتياً، احتاروا في إجابته: " ماذا تظنون في المسيح؟ أبن من هو؟ " قالوا له: ابن داود ". قال لهم: " فكيف يدعوه داود رباً؟ قائلاً: قال الرب لربي: أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. فإن كان داود يدعوه رباً، فكيف يكون أبنه؟ " فلم يستطيع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بته " (مت 22: 42 - 46).

وكان الرب يسوع بسؤال هذا، ينبه ذهن الفريسيون أنهم لم يدركوا بعد حقائق اللاهوت.. وكذلك ينبه به ذهننا أننا يجب أن نفهم أسرار لاهوتة. أن سؤال السيد المسيح " كيف يدعوه داود بالروح رباً؟ " يشير إلي أن الرب يسوع يريدنا أن نسأل في اللاهوت، ونبحث في العقيدة ونتعمق في المعرفة.

- وفي مجال الكلام عن المجيء الثاني أعلن لنا السيد المسيح عن حقيقة حيرت العقول وهي: " وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السماوات، إلا أبي وحدة " (مت 24: 36).. وكأن السيد المسيح الهنا الحقيقي، يعلن هنا أن صفاته الناسوتيه المساوية لنا بالكمال، لم تتغير بسبب اتحادها بلاهوتة المساوي للأب بالكمال.. فهو من جهة لأهوته عارف بكل شيء، ومن جهة ناسوته شابهنا في كل شيء حتى عدم معرفة اليوم الخير. إنها عقيدة لاهوتية اهتم السيد المسيح أن يعلنها لنا.

- وشرح السيد المسيح حقيقة وجودة اللاهوتي في كل مكان، وكذلك حقيقة اتحاد الطبيعيتين فيه، بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، وتبادل الخصائص بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الناسوتية عندما قال: " وليس أحد صعد إلي السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو 3: 13).

في هذه الجزئية قد يعترض البعض قائلاً: لماذا نتكلم عن أهمية الإيمان بلاهوت السيد المسيح، وهو موضوع ثابت ومحسوم، ولا ينكره جميع المسيحيين، وليس هو موضوع خلاف عقائدي بين الطوائف، وحتى اللا طائفيون لا ينكرونه، ولا يعلمون به، ولا يتجاهله أحد من المسيحيين؟ لماذا نتكلم في أمر ليس هو موضوع جدال؟

إنني هنا لا إقرر حقيقة لاهوت السيد المسيح، بل حقيقة اهتمام السيد المسيح نفسه بأمور لاهوتية، تخص طبيعته، وشخصه المبارك، تثبيتاً لقاعدة الاهتمام بالعقيدة واللاهوت عموماً، وإجابة عن سؤالي الأول: "لماذا نهتم بالعقيدة " بل أنني استخدم نفس الاعتراض السابق للرد على اللا طائفيين قائلاً لهم: لماذا تعيبون علينا الاهتمام بالعقيدة، وأنتم أنفسكم لابد أنكم تعلمون شعوبكم العقيدة الخاصة بلا هوت السيد المسيح؟

لماذا تنكرون علينا ما تفعلونه أنتم بأنفسكم؟

لماذا تنكرون علينا ما تفعلونه أنتم بأنفسكم؟ هل لأننا نتكلم بخصوص عقائد كثيرة؟

نعم.. نتكلم بعقائد كثيرة لأنها جميعاً مستمدة من الكتاب المقدس ونحن لا نستطيع أن نتجاهل ما يعلم به الكتاب المقدس.

إن السيد هو واضع الناموس الجديد والقديم، وهو مؤسس العقيدة المسيحية، ولا يستحق أن يدعي مسيحياً من استهان بتعليم السيد المسيح، ولم يتبع منهجه في التعليم.

و ما فعله السيد المسيح فعله تلاميذه الأطهار فلماذا يطل علينا عدو الخير واعوانه مناديين بالأبتعاد عن العقيده؟

الباب الثاني

التوبه

معاني التوبة

سر التوبة والإعتراف هو سر مقدس به يرجع الخاطئ إلى الله باعترافه بخطاياه أمام الأب الكاهن ليحصل على حل منه بالسلطان المعطي له من الله، وبهذا الحل ينال المعترف غفران خطاياه التي أعترف بها. وقد أسس الرب يسوع المسيح سر التوبة والإعتراف عندما قال لتلاميذه الرسل الأطهار " الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء " (مت 18: 18). وقوله لهم بعد القيامة " كما أرسلني الأب أرسلكم أنا، ولما قال لهم هذا نفخ وقال لهم أقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه غفرت له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت " (يو 2.: 21 23) وبذلك أعطاهم السلطان أن يربطوا الخطايا أو يحلوها بقوة وسلطان الروح القدس المعطي لهم وذلك حسب ظروف وتوبة المعترف.

التوبة هى رسالة المسيحية

فيوحنا المعمدان، الذى هيأ الطريق أمام المسيح دعا الناس إلى التوبة (مر4: 1). والرب يسوع نفسه كرز بإنجيل التوبة. وهكذا أوصى تلاميذه أن ينادوا فى الناس بالتوبة " توبوا لأنه قد اقترب منكم ملكوت الله ".

ما هو سر التوبة والإعتراف؟

هو السر الذي ننال به مغفرة خطايانا بعد أن نندم عليها ونتوب عنها ونتدرب بالأبوة الروحية وحياة التلمذة لأب الإعتراف في طريق الفضيلة والتقوي والورع والايمان والمحبة بلا رياء والرجاء الكامل حتي نصل إلي التوبة الحقيقية التي عندها نكون غرباء عن الخطية مثل مخلصنا الصالح الذي " لم يعرف خطيئة " لأنه ترك لنا مثالا لكي نتبع أثر خطواته.

التوبه هي الرجوع إلي الله والتصالح معه (1)

" ارجعوا إلي أرجع اليكم " (ملا 7: 3) وقد رجع الابن الضال إلي أبيه (لو 15: 18 – 2.)." أذن نسعي كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بن. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله " (2 كو 5: 2.).

التوبه هي يقظة روحية تنقلنا من الموت إلي الحياة

" أنها الآن ساعه لنستيقظ من النوم " (رو 11: 13)... " استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح " (اف 14: 5).

التوبه هي ترك الخطية بلا رجعة

التوبه هي ترك الخطية بلا رجعة من أجل محبة الله الذي يحررنا منها ومن عبودية الشيطان " أن حرركم الابن فبالحقيقة أنتم احرار " (يو 36: 8).

التوبة هى صدر الله الحنون

بالخطية نخسر كل المواهب والفضائل والنعم، والتوبة تعيدها إلينا. طريق التوبة طريق أمين. وهى باب مفتوح للخلاص لا يغلق إذ هو صدر الله الحنون " من يقبل إلى لا أخرجه خارجاً " (يو27: 6). التوبة تهدئ غضب الله. فقد رحمت أهل نينوى بعد أن ندم الملك والرعية. والآباء والأمهات والأبناء، ناثرين الرماد على رؤوسهم، لابسين المسوح، جالسين فى التراب.

التوبه هي استبدال شهوة بأخري

التوبه هي استبدال شهوة بأخري حيث تحل شهوة الحياة مع الله بدلاُ من شهوة الحياه مع العالم. ومع الجسد وذلك بتجديد الذهن" تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ماهي ارادة الله الصالحة " (رو 2: 12).

التوبه هي صرخة الضمير وثوره علي الماضي

التوبه هي صرخة الضمير وثوره علي الماضي وتغيير شامل لحياة الإنسان ليكون له حياة النصر وانشودة الغالبين.

(1) انظر كتابنا الخطيه والرجوع الي الله

التوبه هي غربه عن الخطيه

غاية التوبة ليس فقط أن نمتنع عن فعل الخطية أو التفكير فيها بل غايتها أن نكون غرباء عن الخطية، والخطية غريبة عنا إذ أن الانسان مخلوق علي صورة الله في القداسة ومحبة الحق ولأن الله قدوس هكذا نحن صورته ينبغي أن نكون قديسين وبلا لوم (أف 1: 4). كما أن آبانا الذي في السموات هو قدوس (1 بط 1: 15، 16)، وهذا يؤكد أن الخطية ليست من طبيعة الأنسان بل غريبة عنه. لهذا فالخطية تربك الانسان وتحطم طاقاته، ومعنوياته وتهدم اتزانه وتوازن عناصره الداخلية وتدخل إلي قلبه الخوف والشك والكآبة والبؤس والفراغ والاحساس باللا معني لكل شيء حتي لوجود الشخص نفسه وحياته، ولذلك يتساءل بمرارة لماذا خلقت وما معني الحياة؟!! إذ قد فقد طعم الحياة والاحساس بوجود الله ونعمة الوجود والخلود والملكوت.

 الرحمة والتوبة ومغفرة الخطايا

لولا رحمة الله ما كان غفران، وما أفلحت توبة. فنتيجه رحمه الله أنا احصول على غفران خطاياى بالتوبه، فلو لم يغفر الله لى خطاياى فما فائدة التوبة؟ فلنأكل ونشرب ونلهو لأننا غداً نموت.

هل يتناقض الغفران مع عدل الله؟

 كيف يغفر الله لى ذنوبى وآثامى؟ الا يكون فى الغفران تناقض مع وصايا الله التى نهت عن الخطية، وتوعدت فاعليها بالقصاص والعذاب؟! أو بعبارة أخرى، ألا يكون فى الغفران تناقض مع عدل الله الذى يقضى بأن "أجرة الخطية هى موت " (رو23: 6)؟!!

كان يمكن أن يكون كذلك لو لم يكن لرحمة الله دخل أو عمل. فالرحمة تظهر وتتقدم، وتتقابل مع عدل الله فى طريق القصاص. وهذا ما يصوره داود النبى تصويراً بديعاً بقوله: " لأن خلاصه قريب من خائفيه. ليسكن المجد فى أرضنا الرحمة والحق التقيا. البر والسلام تلائما " (مز85: 9، 1.). ورحمة الله لم تلغ عدله، ولم تبطل عمله، لكنها أوجت حلاً، وهذا الحل قائم فى أن الله يموت فداء عن الإنسان الذى أخطأ. الله غير المحدود يتخذ جسداً مثلنا ليفدى الإنسان الذى إستحق عقاباً غير محدود نتيجة تعديه وصية الله غير المحدود. ذلك الفداء الذى لم يكن ممكناً لملاك أو رئيس ملائكة أو نبى أن يتممه.

عصر الرحمة

نستطيع القول فى ثقة ويقين، أننا الآن فى عصر الرحمة، التى ما بعدها رحمة.. الرحمة التى احتملت الإهانات والتعييرات حتى الموت. فلنقبل إلي مسيحنا القدوس تائبين، نادمين، معترفين بخطايانا، مقرين بآثامنا، واثقين من صدق مواعيده، وأنه مازال فاتحاً أحضانه، منادياً الجميع " تعالوا.. وأنا أريحكم ".. " من يقبل إلىّ لا أخرجه خارجاً " (يو37: 6). هو مستعد أن ينسى خطايانا ويترك آثامنا، ويتغاضى عن جهالاتنا، ولا يعود يذكرها، بل يطرحها فى بحر النسيان " من هو إله مثلك غافر الإثام، وصافح عن الذنوب لبقية ميراثه. لا يحفظ إلى الأبد غضبه فإنه يسر بالرأفة. يعود يرحمنا، يدوس آثامنا وتطرح فى أعماق البحر جميع خطاياهم " (ميخا18: 7،19).

التوبه هي قلب منسحق وعذاب عظيم للشيطان

التوبه هي قلب منسحق وعذاب عظيم للشيطان مفادها أنها تجعل الزناة بتوليين. " وأرش عليكم ماء طاهر فتطهرون من كل نجاساتكم وأعطيكم قلباً جديداُ وأجعل روحاُ جديدة في داخلكم " (حز 36: 25 – 27).

التوبه هي يد الله الممدودة تناشدك الرجوع

التوبه هي يد الله الممدودة تناشدك الرجوع " فرجع إلي نفسه " (لو 17: 15).

الخطيه تجعل الخاطي ريشة في مهب الريح

الخطية تجعل الانسان مضطرباً كريشة في مهب الريح ويفقد سلامه أو كما قال أشيعاء النبي: " أما الاشرار فكالبحر المضطرب لأنه لا يستطيع أن يهدأ وتقذف مياهه حمأة وطينا (في رداءة تصرفه وكلامه وسوء علاقاته بالآخرين لفقدانه السلام).. لا سلام قال إلهي للإشرار" (اش 75: .2: 12).

هكذا قال أيضا القديس يهوذا عن الأشرار والسالكين في الضلال " غيوم بلا ماء (بلا ثمر) تحملها الريح (تحركها وتوجهها الشهوات والأهواء والتيارات المحيطة). أشجار خريفية بلا ثمر ميتة مضاعفا مقتلعة، أمواج بحر هائجة (من القلق) مزبدة بخزيهم، نجوم تائهة (أي كانو مخلوقين مثل الكواكب ولكنهم تاهوا وضلوا) محفوظ لها قتام الظلام إلي الأبد " (يه 21، 31) وعن غضب الله الذي تجلبه الخطية يكمل القديس يهوذا قائلا " وهوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة علي الجميع ويعاقب جميع فجارهم علي جميع أعمال فجورهم " (يه 31، 51)

التوبه هي استجابة الإنسان لدعوة الله

التوبه هي استجابة الإنسان لدعوة الله إليه فتفرح به السماء" هكذا يكون فرح في السماء بخاطيء واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراُ لا يحتاجون إلي توبة " (لو 7: 15).

الله الرحوم يقبل التوبة ويغفر الإثم

تستند فكرة التوبة على صفة الرحمة فى ذات الله. هذه الصفة التى اهتم الله بتثبيتها فى عقول البشر، الذين يعرف ضعف طبيعتهم، عن طريق مواعيده المتكررة الثابتة الأكيدة فى كتابه المقدس. وهكذا تغنى بالرحمة الأنبياء والرسل والقديسون، مبشرين البشر بها. فقال الله قديماً لشعبه " الرب إله رحيم ورؤوف، بطئ الغضب وكثير الإحسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف. غافر الإثم والمعصية والخطية " (خر34: 6، 7).

أما داود العظيم ذو القيثارة الملائكية فقد تغنى فى كثير من مزاميره بمراحم الله الواسعة الكثيرة. بل بلغ به التحمس فى أحدها أن أخذ يحث نفسه أن تشترك معه وهو يشدو لحنه العذب، بقوله " باركى يا نفسى الرب وكل ما فى باطنى ليبارك إسمه القدوس.. الذى يغفر جميع ذنوبك الذى يشفى كل أمراضك.. الذى يكللك بالرحمة والرأفة.. الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لا يحاكم إلى الأبد ولا يحقد إلى الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا، لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه. لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن " (مز1.3).

الخطيه والملائكه وسدوم وعموره

لكي نعرف مدي ما تصنعه الخطية وما تجلب من غضب إلهي فلننظر إلي الشيطان الذي كان رئيسا للملائكة وبخطية الكبرياء تحول إلي شيطان في قيود أبدية تحت الظلام (يه 6) وكيف جردت آدم من سلامه وثياب بره وأصبح عريانا مضطربا خائفا ساقطا تحت حكم الموت وسلطانه، وكيف أن الله أهلك بسبب الخطية العالم كله بالطوفان أيام نوح ماعدا ثمانية أنفس (2 بط: 5، 6) وكيف أن الله أهلك سدوم وعموره بالنار والكبريت وكيف أنه سقط 32 ألفا من بني اسرائيل بسبب الخطية أيضا (كو .1: 8).

التوبه هي طريق النجاة من الغضب الآتي

التوبه هي طريق النجاة من الغضب الآتي (يو 1.: 13، 13: 26، حز 18: 21).و هي الطريق الموصل الي استحقاقات الدم المسفوك علي الصليب لتكون بداية حياة طويلة الي حياة النقاوة.

الخطيه غريبه عن طبيعه الأنسان

الخطية لأنها غريبة عن طبيعة الانسان تكون فاصلا بينه وبين الله، عندما تفسد بساطة الانسان ولهذا قال أشعياء النبي أن اثامكم صارت فاصلة بينكم وبين الهكم والخطية تمنع الخيرات " خطاياكم منعت عنكم الخير" (أر 5: 25)

الخطية تسبب تمرد الطبيعة علي الانسان

الخطية تسبب تمرد الطبيعة علي الانسان الذي تمرد علي الله، فأصبح آدم بعد الخطية يخاف من الوحوش التي كانت خاضعة له تخدمه عندما كان آدم خاضعا لله وأصبح الانسان يخاف حتي الحشرات الضعيفة، والعقارب وأصغر المخلوقات مثل ميكروبات الأمراض التي لا تري بالعين واصبحت تهدد حياة الأنسان وأمنه وسلامه ولهذا قال مخلصنا لمريض بيت حسدا " ها أنت قد برئت فلا تعود تخطيء لئلا يكون لك أشر " (يو 5: 14).

التوبه هي جمرة نار يلتقطها أحد السارافيم من فوق المذبح

التوبه هي جمرة نار يلتقطها أحد السارافيم من فوق المذبح " لقد انتزع اثمك وكفر عن خطيئتك " (إش 5: 6).

التوبة اقتناع قلبى بالخطأ وأن أدين نفسى وأحكم عليها

التوبة فى اليونانية والقبطية (مطانية) (Metonia) وتعنى حرفياً تغير فكرالقلب وتغيير اتجاه الحياة (من اليسار لليمين) من الشر للخير، ويصير الإنسان جديداً فى كل شئ (2 كو5: 17).. وهكذا نجد أن التوبة فى المفهوم المسيحى تعنى الحياة الجديدة، أو جدة الحياة.. هكذا عبر بولس الرسول عن هذا المفهوم بقوله: " إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت, هوذا الكل قد صار جديدا ً" (2كو17: 5). فالمسيحية تنادى بالجدة فى كل شئ، وتعلم ألا يجعل أحد رقعة جديدة على ثوب عتيق، أو يجعل خمراً جديدة فى زقاق عتيقة (مت9: 16، 17). وكلمات رب المجد هذه تلقى ضوءاً على المفهوم السليم للتوبة.. إنه تغيير كامل شامل للحياة كلها، وليس مجرد وضع رقع على الثوب العتيق..

الخطيه تعطينا لذه مؤقته وتجردنا من السعاده الأبديه

لأن الله خلقنا في القداسة علي صورته المقدسه لذلك يؤكد لنا الكتاب أن القداسة ضرورية وحتمية لسلامنا وخلاصنا ومتعتنا في الأرض والسماء, وأن الخطية تعطينا لذة مؤقته لتجردنا من السعادة الأبدية الدائمة، وتعطينا فرحا خارجيا لتسلب منا أفراح القلب الداخلية العميقة، وتعدنا بالشبع فإذا هي تلقينا للجوع والعطش والجفاف حتي الموت، تبهر أبصارنا الحسية وتطفىء بصيرتنا الداخلية، تلهب الاهواء البهيمية وتطفيء لهيب الشوق الالهي في القلب، تفتح الذهن علي المعرفة الشريرة والشر لتتركنا فريسة للجهل الروحي والضلال بعيدا عن مصدر الحياة والحب والسلام تلقي لنا بفتات اللذة في فخ الشهوات الجسدية لكي تطوق عنقنا بسلاسل الموت والظلام والكآبة, تخدعنا بحرية جسدية زائفة وزائلة لتأسر قلوبنا للهوي وتتركنا عبيدا للشهوات والشيطان لأن من يفعل الخطية فهو عبد لها (يو 8: 34)، تستدرجنا لارضاء الجسد والناس لننال الغضب الآلهي المخيف، تغربنا عن الاحضان الآلهية البهية لتضعنا في أحضان ظلمة الشيطان الكريهة، وتجعلنا غرباء عن مجتمع الاتقياء والقديسين لتلقينا في أوكار الأشرار والنجسين حتي تذهب كرامتنا ونترجي طعام الخنازير ونعود للقيء مثل الكلاب.. من المستحيل بعد ان نعرف كل هذا ان لا نصحو بسرعة ونعود لأحضان الآب الذى يدعونا كل يوم للتوبة والقداسة!!

 التوبة هى باب معرفة يسوع المسيح

التوبة هى باب معرفة يسوع المسيح وبها نتلمس الحياة معه ونتذوق حلاوتها لذلك

فالتوبة ليست مجرد حزن، وإنما يلازمها الفرح والسلام القلبى.التوبة عدم يأس، وعدم الإحساس بنير الخطايا وعبئها الثقيل، بل الشعور بأن الله يحملها كلها، ويغسل الخاطئ فيبيض أكثر من الثلج (مز5.).

التوبة تحتاج إلى اتضاع قلب. فالذى يدافع بأستمرار عن أخطائه، ويبرر تصرفاته وأقواله، هو إنسان غير تائب، ويمنعه كبرياؤه عن التوبة.

التوبة هى شعور بعمل النعمة فى الإنسان، فتتغير أفكاره، ومعاييره وسلوكياته.

في سر التوبة والإعتراف يشتعل الروح القدس فينا، فيكشف الرب عن حبه. وبالإعتراف نتلاقى مع الرب فى حبه، وتتجاوب النفس مع عمله الخلاصى.

الله يشجعنا ويدعونا الى التوبة

الهنا الرحيم الطيب الحلو يعلن لنا عن مراحمة للخطاة علي لسان موسي النبي قائلا: " الرب إله رحيم ورؤوف، بطيء الغضب وكثير الاحسان والوفاء.. غافر الاثم والمعصية والخطية " (خر 34: 6، 7).. " لأن مراحمه لا تزول هي جديدة كل صباح. (مراثي 3: 23) فمهما كانت خطايانا متكررة كل يوم فمراحمه جديدة كل صباح. فهو يعرف ضعف طبيعتنا كما يقول داود النبي: " كما يتراءف الأب علي البنين يتراءف الرب علي خائفيه، لأنه يعرف جبلتنا (المادة التي خلقنا منها) يذكر أننا تراب نحن " (مز 1.3: 13، 14). وهذا ما دفع يونان النبي للهرب وعدم توبيخ أهل نينوي لأنه يعرف أن الله متحنن فقال يونان " لذلك بادرت إلي الهرب الي ترشيش، لأني علمت أنك إله رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة ونادم (سريعاً ما ترجع) عن الشر " (يونان 4: 2).. لذلك يدعونا الله إلي التوبة والقاء حمل خطايانا لنستريح فيقول: " تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم ". (مت 11: 28). وما أكثر مواعيد الله التى تشجعنا لنقبل إليه تائبين. لقد وعدنا بأن ينسى كل خطايانا الماضية لنصبح معه وبه وفيه خليقة جديدة. قال الرب بلسان حزقيال النبى " إذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التى فعلها وحفظ كل فرائضى، وفعل حقاً وعدلاً فحياة يحيا. لا يموت. كل معاصيه التى فعلها لا تذكر عليه. فى بره الذى عمل يحيا. هل مسرة أسر بموت الشرير يقول السيد الرب، إلا برجوعه عن طريقه فيحيا. وإذا رجع البار عن بره وعمل إثماً، وفعل مثل كل الرجاسات التى يفعلها الشرير. أفيحيا؟ كل مرة الذى عمله لا يذكر فى خيانته التى خانها، وفى خطيته التى أخطأ بها يموت " (حز21: 18 – 74).

الله يدعونا الي القداسه

" وهذه هي ارادة الله قداستكم، لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل للقداسة " (1 تس 4: 3، 7).. " فإذ لنا هذه المواعيد (الالهية) أيها الاحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله " (2 كو 7: 1).. " والرب ينميكم ويزيدكم في المحبة.. لكي يثبت قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله أبينا في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه (1 تس 3: 21، 31).." اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يري أحد الرب " (عب 13: 14).

حنان الله ومغفرة خطايانا

حنان الله يؤكد لنا قدرته على مغفرة خطايانا مهما كانت كبيرة وثقيلة قائلا: " هلم نتحاجج يقول الرب: ان كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج وان كانت حمراء كالدودى تصير كالصوف, ان شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض، وان أبيتم وتمردتم تؤكلون بالسيف " (أش 1: 18 2.).. وما أعظم حنان الله وهو يسوق لنا الأمثلة الدالة علي فرح قلبه بالخاطيء الذى يتوب في مثل الابن الضال والخروف الضال والدرهم المفقود فيعلن لنا عمل الآب والأبن والروح القدس لخلاصنا وأن السماء تفرح بخاطيء واحد يتوب أكثر من تسعه وتسعون بارا لا يحتاجون إلي توبة.. وفي حنانه قبل إليه الخطاة من كل نوع، فلقد قبل زكا وقبل الزانية التي امسكت في ذات الفعل ودافع عنها وغفر لها، وقبل المرأة التي سكبت الطيب علي قدميه ومسحتهما بشعر رأسها لأنها أحبت كثيراً لذلك غفر لها كثيرا (لو 7) إذ رجعت إلي الله بكل عواطفها واشواقها للبر (أحبت كثيرا) وقبل العشار الذى قرع علي صدره قائلا اللهم ارحمني أنا الخاطيء وقبل السامرية واللص اليمين في آخر لحظات حياته.. أنه رؤوف متحنن. لذلك فنحن نصلي كل يوم المزمور الخمسين " ارحمني يا الله كعظيم رحمتك ومثل كثرة رأفتك تمحو إثمي تغسلني كثيرا من اثمي ومن خطيتي تطهرني ".

أنواع التوبة

توبة شاملة

هي لمن سار في طريق الرزيلة طويلاُ، وشرد عن الإيمان، وعن الفضيلة ويعزم علي ترك كل الشرور والخطايا والعادات الردية.

توبة يومية

هي توبة السائرين في طريق السماء، بمحاسبة النفس كل يوم (قبل النوم مثلا) عن أخطائه. وممارسة وسائط الخلاص، من صوم وصلاة، واعتراف وقراءات وتناول من السر الأقدس، فينال الغفران باستحقاقات الدم بسر القربان، " لأن دم يسوع المسيح يطهرنّا من كل خطية " (1 يو 7: 1، عب 14: 9).

التوبة سر قائم بذاته

قد اعتاد الكثيرون في أوقات معينة أن يمروا علي سر التوبة عند اقترابهم إلي المائدة المقدسة الرهيبة لتناولهم سر الشكر (التناول) واعتقدوا أن التوبة هي عبارة عن قراءة التحليل من الآب الروحي في وقت التناول فقط. وقد طاش سهمهم عن اصابة المرمي كما اعتاد البعض من العامة تناول سر الشكر اسبوعياُ خصوصاً في أوقات الاصوام دون أن يقيموا لسر التوبة وزناُ ومما يؤسف له أن بعض الأباء الكهنة قد اعتبروا هذه العاده في المتناولين موجبة لاستحقاقهم التناول دون فحص أو استقصاء عن مساوئهم فيجارونهم علي هذا الخطاء مع أن هذه جراءة غير مغتفرة من الشعب كما أنه تساهل ممقوت من الآباء وبما أنه من المحتم علي كل متناول أن يؤدي اعترافاُ متمماُ لسر التوبة فليس كل معترف بمستحق في الحال للتقرب من المائدة المقدسة لما به من أمراض روحية ثقيلة كانت أو خفيفة تستدعي مداواته بما يكون من ضمنها تأجيل تناوله إلي أجل بعيد أو قريب.

استباحة ما لا يحل

لذلك يقال عن أولئك الذين جرياُ وراء عادتهم قد اقتحموا مائدة الرب بغير احتراس أنهم وقعوا تحت دينونة استباحة ما لا يحل لهم كما صرح القديس بولس الرسول قائلاُ: " لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب، من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضي وكثيرون يرقدون لأننا لو كنا حكمنا علي أنفسنا لما حكم علينا " (1 كو 11: 29 – 31).

انهم يريدون أن يأكلوا ما لا يحل حتي لمسه بالايدي فحيث أنهم يفعلون هذا فقد ثبت أنهم سيسلمون للهلاك (يهو 12: 11).

وكما أن لما مد عزه يده بغير احتراس ولمس تابوت الرب ضرب بالموت (2 صم 7: 6) هكذا بالاحري يعظم عقاب ومسؤولية من يجترئون علي التقدم إلي المائدة الرهيبة ويتناولون جسد ودم عمانوئيل بغير روية وتعقل وبدون اعترافهم بذنوبهم وخطاياهم واتمام التوبة عنه.

مادمت في الجسد فأنت لست مبرراً

مادمت في الجسد فأنت لست مبرراً من خطية، بل من خطايا لأنه " ليس بار ولا واحد " (رو 1.: 3) وان كانت من الصديقين فمادامت في الحياة الدنيا أي في ميدان الجهاد لا تسلم من أذي العدو أو من اصابتك بجرح دام أو خفيف كما تعلمنا بذلك شريعة الله " لأنه لا إنسان في الأرض يعمل صلاحاً ولا يخطيء" (جا 2.: 7) وقد أمن يوحنا الرسول علي هذه الحقيقة بقوله " أن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا أن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم أن قلنا أننا لم نخطيء نجعله كاذباُ وكلمته ليست فينا " (يو 1: 8 – 1.).

ولما ادعي ملاك (اسقف) كنيسة اللاودكيين بالقداسة والطهارة وعدم حاجته الي الإعتراف بالعجز والتقصير وبخه السيد المسيح بلسان يوحنا الرسول قائلاً: " هكذا لأنك فاتر ولست بارداُ ولا حاراُ أنا مزمع أن أتقيأك من فمي لأنك تقول أني غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلي شيء ولست تعلم أنك أنت الشقي والبئس وفقير وأعمي وعريان. أشير عليك أن تشتري ذهباُ مصفي بالنار لكي تستغني وثياباُ بيضا لكي تلبس فلا يظهر خزي عريتك وكحل عينيك بكحل لكي تبصر، أني كل من أحبه أوبخه وأودبه فكن غيوراُ وتب " (رؤ 3: 16 – 19).

المصباح والفراشات

أياك يا أخي أن تلهيك أمجاد العالم الزائلة وغروره الباطل عن الاهتمام بخلاص نفسك، فتهمل أمر خلاصك وتؤجل توبتك، أن أمجاد العالم الزائلة هي الفخ الذي ينصبه لك عدو الخير، فقد تجاسر أبليس وتقدم إلي رب المجد مجرباً " وأراه جميع ممالك العالم ومجدها. وقال له أعطيك هذه جميعها ".. أما الرب فقد أنتهره بقوله " أذهب يا شيطان " (مت 8: 4 – 1.). أن غرور العالم يشبه المصباح الذي يجذب اليه الفراشات الجميلة، فتحوم حوله وهي ترقص طربا ً، ثم ما تلبث أن تسقط في داخله فتحترق لوقتها.

ينظف حذائه ويترك نفسه ملوثه!!

اعرف قيمة نفسك. لو عرفت قيمة نفسك لما أهملت أمر خلاصها ولما توانيت عن توبتها، أن نفسك لهي أسمي وأثمن من العالم ومافيه. ألم يقل رب المجد " ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه " (مت 26: 16) فكأن ربح العالم كله لا يساوي خسران النفس، أن نفسك ثمنها دم المسيح الذي سفك علي الصليب لاجل خلاصك، ومن العجيب حقاً، أنه يوجد أناس، ليس أذل وأحقر لديهم من نفوسهم في نظرهم، فمتي تلوثت أحذيتهم بالطين حالاً يسرعون بتنظيفها، واذا أنشقت ثيابهم يبادرون برتقها، أما تنظيف نفوسهم، وتقويم طريقتهم، فأمر لا يأبهون له ولا يهتمون به. ماذا تنتظر يا اخي؟! أننا الآن في زمن الرحمة، وغدا – في السماء – سنصبح في زمن العدل – أن أنت أهنت العدل ههنا يمكنك الالتجاء إلي الرحمة، لكن أن أهنت الرحمة فالي من تلتجيْ حينئذ.

لضمير محكوماُ لا حاكماُ

أن تبجح البعض بالمجاهرة أن ضمائرهم مستريحة لهذه الجرأة ولم تبكتهم علي أي ذنب وبذلك يرون انفسهم مستحقين لنعمة تناول السرائر المقدسة دون توبه واعتراف نقول لهم ولأمثالهم أن ضمائر الناس ليست هي الشريعة العادلة اذ لو كان حكم الضمير عادلاُ في كل حين وفي كل شيء لما رأي الله لزوماُ لوجود وتنزيل الشريعة. أما وقد وجدت الشريعة فأصبح الضمير محكوماُ لا حاكماُ وبحكم الشريعة قد ظهر فساد احكام الضمير الذي لا تعتبر راحته حكماُ عادلاُ بنزاهة الإنسان من الخطأ بل الضمير تحت احكام شريعة الله التي فيها القول الفصل والحكم العادل " بأن القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه، أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلي لاعطي كل واحد حسب طرقه حسب ثمر اعماله " (أر 17: 9 – 1.) ولأن " طريق الإنسان تظهر نقية في عيني نفسه ولكن الرب وازن الارواح " (أم 1: 16)" ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطية فمت أنا " (رو 9: 7) فضلاُ عن أنه قد يكون الإنسان الذي يري بمقتضي حكم ضميره وراحته أنه مستحق لتناول جسد المسيح ودمه بغير اعتراف مخدوعاُ وضميره موسوم عديم الحس " في رياء اقوال كاذبة موسومة ضمائرهم " (1 تي 2: 4) " الذين اذ هم قد فقدوا الحس " (اف 19: 4) توهموا في أنفسهم أنهم بلا خطية فكرية أو قولية أو عملية تستوجب اعترافهم ولذا اقدموا بدون اعتراف علي المائدة المقدسة بغير خوف من الله لينالوا مديحاُ من الناس بطهارتهم وبرهم الذاتيين ولكنهم قد استوفوا أجرهم.

بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئأ

ضع في قلبك ان الخلاص من الخطيه ومن سلطانها انما هو بالمسيح وحده، بالايمان باسمه، والايقان بقوته ومعونته، والرجاء في رحمته،وباستخدام وسائط الخلاص التي رسمها لنا في كنيسته. اذ " ليس بأحد غيره الخلاص.لان ليس اسم اخر تحت السماء قد اعطي الناس به ينبغي ان نخلاص " (اع12: 4). فمهما جاهدنا بقوتنا الذاتية ضد الخطية، ومهما أحكمنا تفكيرنا للتخلص من ميولنا المنحرفة، وكبح جماح شهواتنا، فلن نستطيع ذلك بدون السيد المسيح الذي قال " بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً " (يو 5: 15). فأياك أن تتكل أذن علي ما تظن أنه قد ينفعك. أياك أن تعتمد علي ارادتك أو حكمتك أو معرفتك الروحية أن هذه كلها – دون الاتكال علي ذراع الله القوية – لا تنفعك.

أجعل الله كل شيْ في حياتك. وتذكر كلمات المرتل " أن لم يبن الرب البيت فباطلاً تعب البناؤون. أن لم يحفظ الرب المدينة فباطلاً يسهر الحارس " (مز 1: 127) حقاً أن لم يبن الرب بناء حياتي الروحية، وأن لم يحرس مدينة أورشليم الداخلية (القلب) فباطل هو كل جهادنا وسهرنا علي خلاص أنفسنا.

أستعمل العالم ولا تدعه يستعملك

تأمل في تفاهة العالم وبطلانه. أنظر يا أخي إلي العالم في تفاهته لا في غروره. وأعلم أنه باطل الاباطيل الكل باطل. أستعمل العالم ولا تدعه يستعملك. وأحيا في العالم ولا تدعه يحيا في قلبك، لقد سبقك إلي هذا العالم كثيرون، منهم ملوك ورؤساْ وعظماْ، لكن أين هم الآن؟ هل اذا ذهبت إلي المقابر تستطيع أن تميز عظام الملك من عظام رعيته، أو عظام السادة من عظام العبيد، أو عظام الحكماْء والفلاسفة من عظام السفهاء والجهلاء.

تساهل بعض رجال الدين فيما لا يجوز

واذا كان اولئك لغاية في نفوسهم قد استحلوا ما لا يحل لهم فما بال أباء الإعتراف ووكلاء الاسرار الذين يتساهلون معهم ويفتحون لهم الباب علي مصراعيه غير مقدرين خطورة المسؤلية الموضوعة في اعناقهم وما اؤتمنوا عليه من الاسرار الرهيبة وهل يعلمون أنهم بتساهلهم مع غير المعترفين واعطائهم الحل بالتناول يساعدونهم علي الاستهانة بكرامة الاسرار المقدسة وتحقيرها أو بالحري يمهدون لهم الطرق لاستباحة الخطاْ فضلاُ عن اعتقادهم ببرهم الذاتي دون حاجتهم الي بر المسيح والايمان به والرجاء برحمته ويخطيء أيضاً اباء الإعتراف من جهة هذا التساهل لأنهم يعطون القدس للكلاب ويطرحون الدرر قدام الخنازير.قال السيد المسيح له المجد " فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذي أقامه سيده علي خدمه ليعطيهم العلوفة في حينها " (مت 25: 24) أي في الزمن والظروف الملائمة لاستحقاقهم تعاطيه.

جاء في الدسقولية (ب 5 ص 157) ولا تهينوا كرامات الله كأنها غريبة منكم بل اقبلوها مثل خواصكم لأنكم قد اقمتم وكلاء صالحين لله وكأنه هو الذي تجيبونه عن التدبير الذي دفع اليكم ".

وجاء في قوانين الرسل، قانون 12 من المجمع الأول المسكوني و1.2 للمجمع السادس المسكوني انقرا و22 لمجمع قرطاجنة ما يأتي:

" يجب علي الذين نالوا من الله سلطان الحل والربط أن يفحصوا ماهية واستعداد الخاطيْ إلي الرجوع وهكذا يقدمون علاجاُ ملائماُ للمرض حتي لا يستعمل الافراط في كل من الأمرين فيخيبون من تخليص المريض. لأن سقم الخطية ليس بسيطاُ بل متنوعاُ وكثير الأشكال وله فروع كثيرة يمتد منها الشر امتداداُ عظيماُ بل متنوعاُ ويسري إلي قدام حتي أنه يقاوم قوة المعالج وأن تمام الكلام عند الله وعند من أوتمن علي الرئاسة الرعوية هو أن يرد الخروف الضال ويشفيه من الجرح الذي جرحه به الثعبان ولا يدفعه في هوة اليأس لئلا يهلك. ولا يرخي له العنان لئلا يزدري وتسترخي عيشته. وعلي كل حال يجب علي الراعي أن يحارب المرض كيفا كان بلا بد إما بالادوية الحارة والقابضة وأما باللينة واللطيفة وأن يجاهد في ختم الفرح باختباره أثمار التوبة ومداواته بالحكمة ذلك الإنسان المدعو إلي الاستنارة العلوية ".

زمن الرحمة وزمن العدل

إننا الآن فى زمن الرحمة وغداً سنكون فى زمن العدل، وشتان بين طريقتى الله فى معاملة البشر فى الحالتين!! فقد تجسد الرب الإله وأتى إلى عالمنا وصنع فداءاً أبدياً لبنى البشر، وسيأتى أيضاً دفعة ثانية فى مجده ليدين الأحياء والأموات ويعطى كل واحد كنحو أعماله..

فى مجيئه الأول " أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس.. ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب " (فى2: 7و8). ولم يكن أحد يعرفه. أتى كراع يطلب الخروف الضال.. لكن فى مجيئه الثانى سيأتى دياناً للأرض كلها. سيأتى فى مجده ومجد أبيه يحيط به ملائكته وقديسوه. سوف لا يكون فى مغارة حقيرة ومزود للبهائم، وسوف لا يكون محكوماً عليه كأحد الأثمة، مصلوباً بين لصين. بل سيأتى جالساً على منبر حكمه العادل..

فى مجيئه الأول كان لا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته، قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ. لكن حينما سيأتى فى مجده سيأتى بصوت البوق والرعود وتتساقط الكواكب وتتزعزع قوات السموات، وتنحل العناصر محترقة بضجيج.

فى مجيئه الأول كان طويل الروح، متأنياً على الخطاة، لا يدينهم وهو الديان، حتى أنه قال للزانية: " لا أنا أدينك " (يو 11: 8)، وقال لمن سأله أن يقول لأخيه أن يقاسمه الميراث " يا إنسان من أقامنى عليكما قاضياً أو مقسماً " (لو14: 12). إحتمل المجدفين وسمع الشاتمين وسامحهم، لكنه فى المجئ الثانى سيأتى دياناً عادلاً يعطى كل واحد حسب عمله.

فلنحذر.. هناك فرق بين المجئ الأول والثانى

فى مجيئه الأول جاء ختناً (عريساً)، خطبنا لذاته، وقال لكل نفس فى محبة ووداعة بلسان داود النبى " إسمعى يا ابنتى وانظرى وأميلى أذنك وإنسى شعبك وبيت أبيك، فإن الملك قد اشتهى حسنك " (مز45: 1.و11). شبهنا بالعذارى اللائى ينتظرن العريس، وقدم فى سبيل ذلك مهراً غالياً، دمه الذكى الكريم. لكن فى مجيئه الثانى سيأتى كملك غاز، فاتح منتقم من قوم عصاه متمردين، سبق أن أرسل لهم رسل خير وسفراء سلام، لكنهم طردوا كل هؤلاء ولم يسمعوا لهم بل قتلوا من قتلوا وأهلكوا من أهلكوا.. هذا هو المجئ الثانى، مجئ الرب للدينونة، يوم إعلان الحكم " تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة " (يو28: 5). فى ذلك اليوم لا يدرى ماذا يفعل فاعلوا الإثم " ملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد وكل حر أخفوا أنفسهم فى المغاير وفى صخور الجبال، وهم يقولون للجبال والصخور اسقطى علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف " (رؤ6: 15 – 17). لكن شكراً لله الذى أطال أناته علينا وأعطانا فرصة لنصنع أثماراً تليق بالتوبة، ورفع الفأس فى حنو عن أصل الشجرة، وتركها هذه السنة أيضا ً. فلنفتد الوقت لأن الأيام شريرة، ولننتبه إلى ذواتنا، ونستيقظ من غفلتنا، لأن نهار حياتنا قد بدأ يميل..

دور الروح القدس في سر التوبة والإعتراف

 من المؤكد أن الخاطيء يحتاج فعلاُ إلي قوة روحية تدفعه للكنيسة للتوبه والإعتراف بخطاياه، ويساعد الروح القدس علي جذبه نحو الرب المُحب وتحريك حواسه الميتة، ويفتح عينيه للحقائق الإلهية والأبدية، بعدما طمسها الشيطان (2 كو 4: 4) وأصدقاء السوء، وأفكار العالم (وسائل الإعلآم). ان ُ روح الله القدوس يحرك الخٌطاة والعُصاة ليتوبوا ويخلُصو. ويبكتهم باستمرار، مُظهراُ لهم شناعة الخطية ونتائجها الردَّية.

 من الملاحظ أن الخاطيء – المعتمد علي ذاته – كثيراُ ما يُردّد عبارة " أنا قرَّرت أتوب " ولكنه لا يتوب – في الواقع – بدون معونة الروح القدس (رو 7) وبدون معونة الله " لا نستطيع أن نفعل شيئاُ " (يو 5: 15). لقد طلب داود النبي تجديد الروح القدس له: " إغسلّني فأبيض أكثر من الثلج، وبروح رئاسي (ملاك قوي) عضدّني " (مز 5.)

 قال القديس أنطونيوس " إن الروح القدس يُسهل الدخول لتوبة ويُظهر طرقها (عظة 1) " ثم يحيط بالنفس بمعونات وتعزيات أكثر" (الرسالة الاولي).

 قال القديس أبو مقار الكبير: " بعد أن يدعو الروح القدس النفس، ويُسهل الدخول للتوبة (= الإعتراف) يقف حارساُ للنفس، حتي لا تجاذبها شهواتها الأولي، وتجرها للرجوع عن توبتها " (عظة 16).لذا نقول ان الروح القدس يبكت.. يعزي.. يغفر

اولا: الروح مبكتا

 يبكت الإنسان علي ما إقترفه من فضائح وآثام، وتشويه للصورة الإلهية، يذكره بحب المسيح له، كاشفاً للنفس مواضع الضعف وكسر الوصية. يبكت قلب الإنسان ويئن فيه بأنات لا ينطق بها ولا يعبر عنها ولا وصف لها سوي أنات التوبة والعودة إلي الله " وكان بعد ذلك أن قلب داود ضربه علي قطع طرف جبه شاول.. وضرب داود قلبه بعد ما عد الشعب، فقال داود للرب: لقد أخطأت جداً فيما فعلت، والآن يارب أزل إثم عبدك لأني إنحمقت جداً " (2 صم 24: 5،1.).

 يبكت الإنسان في قوة بل يهز القلب هزاً مذكراً بوصايا الرب " فتذكر بطرس كلام يسوع الذى قاله له.. فخرج إلي خارج وبكي بكاءً مراً " (مت 26: 75). آه ما أجمله تبكيتاً.. وما أقواه نداءاً للإستيقاظ " فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم " (أع 2: 37). انه تبكيت يستدر الدموع من مقلتها، ويوقظ النفس من غفوتها، ويصحح مسيرتها، وينزع القسوة والغلظة من القلب فيشعر الإنسان بجرم ما فعل، ويتذوق دموعه وإذ بطعمها ومذاقها أكثر حلاوة من شهد العسل بل شبعا ودسماً أكثر من التلذذ الوقتي بالخطية.. وتظل الدموع منهمرة، والقلب للرب مناجياً, والعين إلي المصلوب شاخصة, وحينما تسأل التائب ماذا تريد وبما تشعر؟. لا تجد علي شفتيه إجابة بل إنها حالة من التعزية.. لا مجال لتبرير ذاته من أخطائها، ولا لإلقاء اللوم علي الآخرين بل في إنكسار وخشوع يصرخ من أعماق قلبه مع منسي الملك التائب قائلاً: أنت يارب إله الأبرار لم تجعل التوبة للصديقين.. بل جعلت التوبة لمثلي أنا الخاطيء، لأني أخطأت أكثر من عدد رمل البحر، كثرت آثامي ولست مستحقاً أن أرفع عيني إلي السماء من أجل كثرة ظلمي، بل أنحني من أجل كثرة رباطاتي الحديدية ولا أرفع رأسي من خطاياي. والآن بالحقيقة قد أغضبتك ولا راحة لي، لأني أسخطت رجزك، والشر صنعت بين يديك، ولم أفعل مشيئتك ولا حفظت وصاياك بل: أقمت رجاساتي وأكثرت نجاساتي والآن أحني ركبتي قلبي وأطلب من صلاحك: أخطأت يارب أخطأت وآثامي أنا أعرفها، ولكني أسأل وأطلب إليك ياربي: إغفر لي ولا تهلكني بآثامي ولا تحقد علي إلي الدهر، ولا تمسك علي شروري ولا تطرحني في الدينونة لأنك أنت هو إله التائبين وفي إظهر صلاحك. إنه عمل الروح القدس في قلب الانسان

 يبكت ويويخ ويتوب وحينما يستجيب الإنسان لعمل الروح هذا ويحس بخطاياه وتقصيره يصير الإعتراف عنده سهلاً لذيذاً بل شهوة ورغبة، إذ يري فيه مصالحه مع الله، ومحواً للآثام وغفراناً لخطاياه.. لا يهدأ ولا يعطي لعينيه نوماً إلي أن يجد أب الإعتراف، ساكباً الدموع أمام الله في وجوده، هنا يتعزي القلب ويمسح الروح القدس دموع الإنسان المتساقطة مشجعاً إياه مرافقاً له خطوة بخطوة دافعاً إياه نحو جرأة الإعتراف أمام الأب الكاهن.

الروح معزيا

الروح القدس يدفع المعترف إلي أب الإعتراف ليقر بخطاياه ويجدد العهد بينه وبين الله وفي دفعه يكون له معزياً فيعطيه رجاءً وأملاً محارباً بقوة كل يأس وكل حرب تحاول أن ترجعه عن طريق الإعتراف.. ويظهر له أمثلة من التائبين وكيف أصبحوا الآن قديسين.

يذكره بالإبن الضال وكيف عاد إلي أبيه فقبله فرحاً مسروراً بعد أن سمع منه: " أخطأت يا أبتاه إلي السماء وقدامك ولست مستحقاً أن أدعي لك إبناً، بل إحسبني كأحد أجرائك " (لو 15: 19).

يرسم أمامه صور بعض القديسين مثل: القديس موسي الأسود ومريم المصرية يذكره بحنان الله الغالب وكيف قبل إليه زكا العشار وكيف كان محباً ومازال للخطاه التائبين " الذين أولهم أنا ".يعزي الإنسان ويملأ قلبه بالعزاء فيذهب إلي أب الإعتراف وينتابه شعوران:

شعور بالندم من أجل تعدياته.

وشعور بالتعزية من أجل قبول الله ما.

فرق شاسع بين أن تكون التوبة مظهرية روتينية لأغراض شخصية أو لأوقات وقتية، وأن تكون ثمرة من ثمار الروح القدس في داخل القلب.. أجل.. إن التوبة الحقيقية التي من ثمر الروح هي توبة مستديمة مشتعلة تحرق كل كسوف وخجل في الإنسان فتدفعه إلي أب الإعتراف دفعاً قوياً كشلالات المياه.. إنها توبة مستديمة تتجدد كل يوم وتنمو كل حين لذا نصلي كل يوم: " هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل.. فتوبي يا نفسي ما دمت في الأرض ساكنة.. " (قطع النوم).

صلاه: إعطني يارب ينابيع دموع كثيرة, كما أعطيت منذ القديم للمرأة الخاطئة وإجعلني مستحقاً أن أبل قدميك اللتين أعتقتاني من طريق الضلالة وأقدم لك طيباً فائقاً، وأقتني لي عمراً نقياً بالتوبة " صلاة نصف الليل ".

هنا تصير التوبة أنشودة النفس ورجاؤها.. يتطلع الإنسان إليها ويحياها ويشعل الروح القدس نار التوبة في القلب ويعزيه ويقويه.

الروح القدس غافرا

أمام الله وفي وجود أب الإعتراف يقف المعترف كمذنب ولكن كله رجاء، كملوث ولكنه واثق من الغفران، كعبد خان سيده ولكن قلبه يؤمن بالحب الذي له في قلب الله.. وتنكسب الدموع وينفتح الفم صارخاً من أعماق القلب مقراً بخطاياه وهنا يكون الروح القدس غافراً.. إذ كل كلمة تنطلق من القلب بتأوه وندم يمحوها الروح القدس ويعطي عنها عربون الغفران وإستحقاقات التناول من الأسرار فتغفر الخطايا ويحس الإنسان أن داخله بدأ يتطهر وحمله بدأ يخف فيستمر في إعترافاته بلا لف أو دوران أو تغليف للأخطاء أو دخول في حوار للهروب بل يكشف خطية خطية ملقياً اللوم علي نفسه، هو لا يبرر نفسه بسبب عثرة الآخرين، ولا يقحم الآخرين في إعترافاته لأن هدفه أولاً وأخيراً تصحيح المسار وإعادة شرايين الحياة بينه وبين الله، وسكني الله في القلب والإحساس بقوة الغفران.. وحينما ينتهي من سرد خطاياه ويسمع الغفران والحل من فم الروح القدس الناطق علي شفتي الكاهن يكون فرح في السماء به أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلي التوبة وحينما يتقدم إلي المائدة الملوكية يحس بفرح روحي لا يوصف وإشتياق بل يصرخ مع داود: " كما يشتاق الإيل إلي جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. "

اطلب من الله ان يغفر لك خطاياك

تعلمنا الكنيسه ان نطلب من الله ان يغفر لنا خطايانا فنقول

في قطع صلاة الساعة السادسة: " مزق صك خطايانا أيها المسيح الهنا وخلصنا " وأيضا " يايسوع المسيح الهنا الذى سمرت علي الصليب في الساعة السادسة وقتلت الخطيئة بالخشبة.. اقتل اوجاعنا (حروب الشهوة الرديئة) بالآمك الشافية المحيية ".

وفي قطع الساعة التاسعة: " يامن قبل إليه اعتراف اللص علي الصليب اقبلنا إليك أيها الصالح نحن المستوجبين حكم الموت ".

وفي صلاة الغروب: " لكن أنت يا الله الرحوم احسبني من أصحاب الساعة الحادية عشرة (الذين جاءوا إلي الله في آخر ساعة من نهار العمر).. فما أجسر أن أنظر إلى علو السماء لكني أتكل علي غني رحمتك ومحبتك للبشرية صارخا قائلا: اللهم اغفر لي أنا الخاطيء وارحمني.. فلا تتخل عن قلب خاشع مفتقر لرحمتك " ونطلب شفاعة السيدة العذراء لكي تهييء لنا أسباب التوبة.

وتحثنا الكنيسة في صلاة النوم كما اشرنا من قبل علي التوبة ونحن نصلي: " هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوبا ومرتعدا من كثرة ذنوبي.. لكن توبي يا نفسي مادمت في الأرض ساكنة.. انهضي من رقاد الكسل وتضرعي إلي المخلص بالتوبة ".

 وفي صلاة الستار " أية ادانة تكون ادانتي انا المضبوط بالخطايا، من يطفيء لهيب النار عني، من يضيء ظلمتي أن لم ترحمني انت يارب لانك متعطف علي البشر ".

و في الخدمة الثانية من صلاة نصف الليل: " اعطني يارب ينابيع دموع كثيرة.. واقتني لي عمرا نقيا بالتوبة،،..اذا ما تفطنت في كثرة أعمالي الردئية.. تأخذني رعدة فأهرب إليك يا الله محب البشر فلا تصرف وجهك عني ".

وما أكثر صلوات الاسترحام التي يحفل بها القداس الالهي من أوله إلي آخره في اسم ذبيحة الافخارسيا نبع الرحمة والخلاص المقدمة عن حياة العالم كله.

بولس البسيط يبكي والراهب يتوب

أتي القديس بولس البسيط تلميذ القديس أنطونيوس الكبير إلي برية الإسقيط لإفتقاد الأخوة كعادته. ولما دخلوا الكنيسة ليكملوا القداس كان يتأمل كل واحد من الداخليين ويعرف الحال التي عليها نفسه، وكان ينظر مناظرهم بهجة وملائكتهم تتبعهم مسرورة، وعاين أسوداُ آكلة وشياطين كثيرة محيطة بأحد الأخوة وملاكه يتبعه من بعيد عابساُ، فلما رأي ذلك بكي وقرع صدره مرات وخرج من الكنيسة باكياُ.. فخرج إليه الأخوة قائلين: لماذا تبكي يا أبانا؟! وطلبوا إليه أن يدخل معهم القداس. فإمتنع وجلس علي باب الكنيسة منتحباُ جداُ.

ولما كملت الصلاة وخرجوا كان يتطلع إليهم أيضاُ، فرأي ذلك الأخ الذي كان قد دخل علي تلك الحال المحارب وقد خرج بهي الوجه أبيض الجسم وملاكه ملاصق له مسرور والشياطين يتبعونه من بعيد وهم مكمدين. فصفق القديس بولس بيديه مسرواُ ووثب فرحاناُ، ونادي الأخوة بصوت عال: " تعالوا أنظروا أعمال إلهنا الصالح. ولما حضر الكل أخبرهم بما ظهر له وسأل ذلك الأخ أن يعرفه السبب الذي من أجله وهبة الله نقاوة، فقال الأخ بمحضر من الكل: " إني منذ زمان طويل أعيش في النجاسة إلي أبعد حد، فلما رأيت أبونا بولس باكياُ إبتدأ قلبي فيَ يأخذ إحساساُ فأنصت إلي قراءات القداس وسمعت قول أشعياء إغتسلوا صيروا أنقياء أزيلوا شروركم من امام عيني.. فلما سمعت أنا الخاطيء هذا الكلام ضعف قلبي وناديت الله بتوبة وتعهدت أمامه ألا أرجع إلي نجاستي وأن أخدمه كل أيامي بطهارة وعلي هذا العهد خرجت من الكنسة " فلما سمع الآباء هذا الكلام مجدوا الرب الذي بحكمه وضع قراءات القداس لتتوب من يطلب توبة.

في القسم المنظور من سر التوبه

بما أن حد وتعريف كل سر من الاسرار هو أن يحصل من يمارسه علي نعمة غير منظورة تحت علامات منظورة وهذه الحدود تشمل سر التوبة كغيره من الاسرار فوجب علي من يتقدم لاتمامه لكي يحصل باستحقاق علي تلك النعمة السرية أن يقوم بما يتحتم عليه أتمامه وهو يشمل أمرين:

الأول: الإعتراف الشفوي وهو يختص بالمعترف.

الثاني: الحل الروحي وهو يصدر من قبل معلم الإعتراف.

نتائج سر التوبة الغير المنظورة

عندما يتقدم المسيحي النادم علي ما فرط منه والتائب عما أرتكبه من الخطايا إلي طبيبه الروحي وهو منسحق قلبياُ وعازم عزماُ ثابتاُ علي اصلاح سيرته وتطهير سريرته في المستقبل ومملؤ ايماناُ حقيقياُ حياُ بربنا ومخلصنا يسوع المسيح ورجاء به ومحبة له تليق بمركزه البنوي ويعترف بجميع خطاياه يمنحه الاب الروحي ترك الخطايا باسم الرب اتباعاُ للأمر الالهي القائل " ما تحلونه علي الأرض يكون محلولاُ في السماء " (مت 18: 18) ومن غفرتم له خطاياه تغفر له" (يو 23: 2.) " إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون " (لو 1: 14 – 5). ولهذا تحدث الآباء عن التوبة وفوائدها كما يلي:

القديس مكاريوس الكبير: لا يمكن للأنفس أن تحيا إن لم تتقدّم روحياُ بالتوبة والإعتراف

القديس مرقس الناسك: لا نٌدان علي كثرة شرورنا، بل لإننا لا نريد أن نتوب.

القديس موسي الأسود: مادامت لك فرصة للتوبة (قبل الموت) فارجع وتقدَّم للمسيح بتوبة خالصة، سارع قبل أن يٌغلق الباب، فتبكي بكاءً مُراً، لأن المسيح إلهنا يريد خلاص كل الناس، وهو ينتظرك وسوف يقبلك.

الشيخ الروحاني: لا يدخل مدينة الروحانيين (أورشليم السماوية) من كانت له صلة بشهوة العالم.

مار إسحق: ليست خطية بلا مغفرة إلا التي بلا توبة.

القديس باسيليوس الكبير: جيد ألا تُخطيء... وأن أخطأت فجيد ألا تؤخر التوبة... وإن تُبت فجيد أن لا تُعاود الخطية بمعونة الله... وأن تشكره علي معونته ومراحمه

أنبا أنطونيوس: أوقد سراجك بدموع عينيك

ذهبي الفم: أي مقدرة للخطية حيث تكون التوبة.

أنبا إيليا: التوبة: صُلح مع الله + معمودية ثانية + رجوع إلي الله + تُجدد قلب الخاطيء + تُصلح ما أفسدته الخطية + تجذب الناس إلي العرس .

مار إفرام السرياني: الماء يُخمدِ لهيب النار، والدموع تطفيء شهوة الشر.

 مجاري المياه توقف الحريق، ومجاري الدموع تفيد في زمن التجربة.

 إن النفس وقت خروجها من العالم لا تجد ما يُعزيها وما يُشجعها إلا ما قدمته من التوبة والدموع.

 أطلب التوبة في كل لحظة، ولا تدع نفسك للكسل لحظة واحدة.

من بركات التوبه: محو الخطية

ومسحها تماماُ من سجل حياة المؤمن حتي لا يذكرها الله له حسب قول اشعياء النبي " قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك " (إش 22: 44) " أنا هو الماحي ذبوبك لأجل نفسي وخطاياك لا اذكرها " (إش 25: 43). وحسب قول أرميا النبي " لأني اصفح عن اثمهم ولا اذكر خطيتهم بعد " (أر 34: 31). وحسب قول حزقيال النبي " كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه " (حز 22: 18). " أستر وجهك عن خطاياي وامح كل آثامي " (مز 9: 51). " لاني سأكون صفوحاُ عن آثامهم ولا اذكر خطاياهم وتعدياتهم في ما بع " (عب 12: 8).

التطهير من نجاسة الخطية والتبرير منها

حسب قول داود النبي " طهرني بالزوفا فاطهر اغسلني أكثر من الثلج " (مز 7: 51). " أقول لكم أن هذا نزل إلي بيته مبرراُ دون ذاك " (لو 14: 18). " فاذا تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح " (رو 1: 5). " وأطهرهم من كل أثمهم الذي اخطأوا به والتي عصوا بها علي " (ار 8: 33). " وأرش عليكم ماء طاهراُ فتطهرون من كل نجاستكم ومن كل اصنامكم اطهركم " (حز 25: 36). " فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح ازلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من اعمال ميتة لتخدموا الله الحي " (عب 14: 9). " متبررين مجاناُ بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح " (رو 24: 3). " لكنه جعل التائبين مرجعاُ وعزي ضعفاء الصبر ورسم لهم نصيب الحق فتب إلي الرب واقلع عن الخطايا " (سيراخ 2.: 17 – 21).

خلاص النفس في يوم الرب

والتمتع برجاء الحياة الابدية في المسيح يسوع " اليوم حصل خلاص لهذا البيت " (لو 9: 19). " لانكم بالنعمة مخلصون بالايمان وذلك ليس منكم هو عطية الله " (اف 8: 2). " الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضي اعمالنا بل بمقتضي القصد والنعمة التي اعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الازمنة الازلية " .

رحيم لا يعجل وجواد لا يبخل

يا الله يا سيدي غفرت خطيتى وأنت عالم كل خفى غفلت وأنت مطلع على السراير. أشرقت على قبيح فعلى وشرى. ونظرت إلى سوء أفعالى ولم تعاجلنى بالعقوبة. ولم تهتك سترى عند وقعتى. يا رحيم لا يعجل. يا جواد لا يبخل، نظرت فضيحتي وأمهلتني، وطولت روحك علي منتظراُ توبتي وقد أنتبهت من هجعتي وبادرت إليك أطلب رحمتك. ثقة مني بوعدك أنك تقبل توبة التائب، وأنا أسالك يا سيدي أن ترفعني من صرعتي وتقيمني من سقطتي وتتجاوز عن ذنبي، وتغفر خطيتي وتقبل توبتي لئلا يفتخر العدو أنه قد طرحني من مرتبتي. يا من يجدد ولا يبخل ويعطي ولا يمنع ياربنا وإلهنا يسوع المسيح أنت قلت في أنجيلك المقدس, وقولك الحق اليقين، أطلبوا تجدوا إسلوا تعطوا إقرعوا يفتح لكم. وأنا الخاطيء المسكين قد قبلت وعدك بأمانة ووثقت بقولك ووقفت بين يديك أعترف بخطيئتي وأسألك أن لا تخيبني ولا تقطع رجائي يارب. يارب وأسألك أن ترحم ضعفي، وتغفر لي خطيتي ولا تضرب وجهي بصلاتي. ولا تردها خائبة. وأن كنت مجرمُ مذنباُ ولست أستأهل ما أطلب منك لأني نجس وسخ، ولكن من أجل كثرة نعمتك ورحمتك ومجيئك لخلاص خليقتك وسلامتهم إستجب دعائي. وإقبل بكائي يا سيدي وإلهي. ولا تخيب دموعي ولا تؤاخذني بشروري وسماجة أفعالي، وكثرة خطاياي. ولكن كمواعيدك الصادقة وأمانتي بإسك القدوس. لأني خليقتك وعمل يديل الطاهرة وأني علي صورتك ومثالك المقدس وأني من عبيدك الذين خلقتهم بحكمتك لذلك تجاسرت وفحت فمي النجس، وسلتك هذه، أن تغفر خطيتي وتقبل توبتي فيا من هو كريم. ويا من له القدرة والسلطان العظيم. برأفتك إشفيني أنا الشقي وخلصني من أجل رحمتك، تعطف علي. لا تحول وجك عني يارب في وقت طلبتي. ولا تمنعني رحمتك في وقت مسكنتي، يا ملك الملوك لأنك تهوي سلامة العباد، ةحب خلاص الأنفس. أسالك يا سيدي ان تهب لي رجعة حقانية وتوبة مسيحية، وامانة مستقيمة، وتنجيني في ساعة خروج نفسي من جسدي، ولا تجعل لغيرك عليَ قدرة ولا لسواك عليَ سلطان، لأنك أنت الرب الخالق والسيد المشفق معدن الرحمة وواهب الخلاص ومحب الخير نجيني من سوء الأعداء فإن نفسي مرتعدة منهم، وليس لي خلاص منهم إلا بك، من أجل أسمك القدوس يا سيدي إلي هر الداهرين آمين(السبع طلبات دير السريان 1951 ص1 5)

النجاة من دينونة المصريين علي معاصيهم

حسب قول يوحنا المعمدان للفريسيين والصدوقيين " يا اولاد الافاعي من اراكم أن تهربوا من الغضب الآتي " (مت 7: 3) وقول السيد المسيح " أن لم تتوبوا فكذلك جميكم تهلكون " (لو 3: 13) " وتنبأ عن هؤلاء ايضاُ اخنوخ السابع من آدم قائلاُ قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة علي الجميع ويعاقب جميع فجارهم علي جميع اعمال فجورهم التي فجروا بها وعلي جيمع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار" (يه 14 – 15)." اذاُ لا شي. من الدينونة الآن علي الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" .

المصالحة مع الله بربنا يسوع المسيح

" فاذ قد تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح " (رو 1: 5). " ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة أي أن الله كان في المسيح مصالحاُ العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعاُ فينا كلمة المصالحة اذا نسعي كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله " (2 كو 5: 18 – 2.). " ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاُ العداوة به فجاء وبشركم بسلام انتم البعيدين والقريبين لأنه به كنا لنا كلينا قدوماُ في روح واحد إلي الاب " (اف 2: 16 – 18). " وأن يصالح به الكل لنفسه عاملاُ الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما علي ارض أم مافي السموات وأنتم الذين كنتم قبلاُ اجنبين واعداء في الفكر وفي الأعمال الشريرة قد صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوي امامه ان ثبتم علي الايمان متأسسين وراسخين وغير منتقلين عن رجاء الانجيل الذي سمعتموه " (كو 1: 2. 23). أما كل الذين قبلوه اعطاهم سلطان أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه " (يو 1: 12). " اذ لست بعد عبداُ بل ابنا ُ" (غل 4: 7). وتكون اسماؤنا " في سفر الحيوة " (في 3: 4). " بل قد أتيتم إلي جبل صهيون وإلي مدينة الله الحي أورشليم السماوية وإلي ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة ابكار مكتوبين في السموات " (عب 12: 23). " رايت الاموات صغاراُ وكباراُ واقفين أمام الله وانفتحت اسفار وانفتح سفر آخر هو سفر الحيوة ودين الاموات مما هو مكتوب في الاسفار بحسب أعمالهم وكل من لم يوجد مكتوباُ في سفر الحياة طرح في بحيرة النار " (رؤ 12: 2. – 15).

مبارك ومطوب من غفرت آثامه ولم يحسب له الرب خطية وكان هذا ختام حياته السعيد والخلود مع الله في كل حين.

آتي إليك مقراُ بذنوبي

ربي وإلهي ومخلصي يسوع المسيح كنز الرحمة ونبع الخلاص: آتي إليك مقراُ بذنوبي. أعترف بأني بوقاحة تجاسرت ودنست هيكلك المقدس بخطاياي والآن ألجأ إلي رحمتك وتحننك لأن مراحمك لا تحصي وأنك لا ترد خاطئاُ أقبل إليك. فها أنا يارب معترف بأن اثامي قد طمت فوق رأسي كحمل ثقيل وقد فارقتني قوتي فلا تحجب يارب وجهك عني لئلا أرتاع. ولا توبخني بغضبك ولا تؤدبني بغيظك. ولا تحاكمني بحسب إسحقاقي. أرحمني يارب فأني ضعيف. أذكر يارب أني عمل يديك وإرأف بي. لا تدخل في المحاكمة مع عبدك لأنه لن يتبرر قدامك حي. عد وألبسني حلة جديدة تليق لمجدك، أغفر لي وسامحني لأترنم قائلا: " طوبي لمن غفر إثمه. وسترت خطيته. أعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي قلت أعترف للرب بذنبي وأنك رفعت آثام خطيتي آمين (من صلوات الأجبيه طبعه مكتبه المحبه بالقاهره عام 1972)

عجيبة أنت أيتها التوبة..

جميلة في جوهرك رغم منظرك، شافية في أعماقك رغم المرارة التي في مذاقك! فبك نستعد وبك نستحق.. وبك نصطلح ونجدد العهد للدخول إلي الأقداس!! لذا جيد أن يصلي الأب الكاهن التحليل أثناء القداس صارخاً والشعب كله سجود وإنصات: " اللهم يا حامل خطية العالم إقبل توبة عبيدك منهم: نوراً للمعرفة وغفراناً للخطايا لأنك أنت إله رؤوف ورحيم.. لقد دخلنا في دائرة النور فحباً وسجوداً، وشكراً وحمداً لذاك القدوس الذي يعلم ضعف طبيعتنا وعجز إرادتنا، فوضع لنا هذه الأسرار المقدسة التي بها وفيها نصحح ونقوم ونثبت في شركته وعمق محبته بل بها نصرخ ونقول: لا تشمتي بي يا عدوتي، لأني إن سقطت أقوم.

زمان التوبة

أن الرذائل والمعاصي أما أن تتعلق بالزمان الماضي وهذا ما فعله الإنسان في سائر ايامه ضد الله وضد ابناء جنسه وضد نفسه .أو تتعلق بالزمان الحاضر وهي الرزائل التي يباشرها في حيز ما خرج إلي الوجود وقبيح أن يقول الإنسان أني تائب عما أنا فاعله لانني اتعهد اليك يارب اني لا افعل ما انا فاعله. وأما أن تتعلق بالمستقبل وهي التي لم يفعل منها شيئاُ وفي امكانه فعلها وفي مثل هذه تقع التوبة بأن يعهد الإنسان عهداُ أن لا يفعلها مع قدرته علي فعله.

والتوبة تحسن مع وجود القدرة وأما مع عدمها فهي باطله فأنه قبيح بالاصم ان يقول أني تائب من سماع الاصوات المطربة المبهجة. وقبيح بالاعمي ان يقول اني تائب عن النظر إلي المناظر التي تنكر الشريعة النظر اليها.

من الضروري للتوبة

 معرفة الفضائل والرزائل. المحاسن والقبائح حتي يعلم الإنسان بماذا يتوب وبماذا يتمسك.

 أن تكون التوبة بالنية والعقيدة لا بمجرد اللفظ لأنها عهد مع من هو مطلع علي السريرة.

أن لا تتعلق بزمان مخصوص وأيام مخصوصة فأنها أن تعلقت بمدة معينة فالنية معقودة بعد علي معاودة فعلها

 أن لا تكون من رزيلة مخصوصة مع بقاء غيرها فإن البواقي تكون مدنسة للفعل.

 أن لا تكون بتأويل أو مشروطه من جهة لكن مطلقة من النية الخالصة فإن قرن الإنسان التوبة بشرط أو بتأويل يجوز معه فعلها فلا تكن صحيحة مثال ذلك أنه يعتقد أن لا يظلم الناس ولا يفجر إلا إن تدعو ضرورة إلي ذلك.

 أن لا تكون التوبه محدوده بمكان معين مثل الامتناع عن فعل الخطيه في مكان كالمذبح والهيكل ولكن يمكن فعلها في باقي الأماكن. فعلي هذا الوجه لا تكون هذه التوبة من نية خالصة لأنها معقودة علي معاودة الفعل

 أن لا تكون مخصوصة بإنسان ما دون إنسان مثال ذلك أن يقع العهد بأن لا يظلم فلآناُ دون غيره فهذا لا يصح لأن النية والفكرة معلقة بعد بالظلم.

 أن لا يكون الغرض فيها الظهور امام الناس بعدم فعل الخطيه بينما النية معقودة علي الفعل.

 أن تتم التوبه لأنها مستحسنة لذاتها لا لأجل مكافأه يكافي عليها.

 أن لا تقع خوفاُ من العقاب الذي يستحقه من يستمر في فعل الرزائل بل محبة في الله وكراهة للمعاصي التي تخالف شريعته.

ان علة هذه الشروط أن جنس الرزيلة باي نوع كان من أنواعه مدنس للعقل فأي نوع بقي منها مدنس للعقل باقي ببقائه سواء كان قليلاُ أو كثر.

غسل اليد والملابس البيضاء

عجيبة هي كنيستنا القبطية حينما تعلم الأب الكاهن، قبل البدء في صلاة القداس أن يغسل يديه بالماء ثلاث مرات ويقول: " انضح علي بزوفاك فأطهر، تغسلني فأبيض أكثر من الثلج. تسمعني سروراً وفرحاً فتبتهج العظام المتواضعة، أغسل يدي بالنقاوة وأطوف بمذبحك يارب لكيما أسمع صوت تسبحتك. "

إن غسل الماء يشير إلي النقاوة كما ترمز إليه الملابس البيضاء التي يرتديها الأب الكاهن أثناء الخدمة.. لقد غسل السيد المسيح أقدام تلاميذه قبل التناول وقال لهم: ها أنتم طاهرون. لذلك لا يليق بأحد أن يتقدم إلي الذبيحة المقدسة بدون طهارة ونقاوة.. " طهر إنساننا الداخلي كطهر إبنك الوحيد هذا الذى نريد أن نتناوله، فليهرب عني الزني وكل فكر نجس من أجل الله الذى من العذراء" " من صلاة الخضوع ".. لقد كان صموئيل النبي محقاً حينما قال " تقدسوا وتعالوا معي إلي الذبيحة " (1 صم 16: 5).

التوبة الحقيقيه وغير الحقيقيه

تنقسم التوبة إلي نوعين حقيقية وغير حقيقية. والتوبه الغير حقيقية هي التي تظهر للناس أنها حقيقية وهي ليست كذلك مثل التوبة باللفظ والفم من دون الفكرة. فكثيرون من الناس يرفعون ايديهم إلي السماء ويستغفرون ويتوبون باللفظ ولا يراجعون بذلك حقيقة افكارهم ويظنون أن هذا مقنع في التوبة.

أما التوبة الحقيقية فهي التي تكون بايمان ورغبه حقيقيه من الداخل وبضمير وتتم باستئصال الرزائل من العقل وغرس الفضائل المضادة لها عوضاُ عنها.

تذكر نتائج الخطية

فكر فى عواقب الخطية واعلم أنها تهين الله جداً. وتهيج غضبه غليك، وتفصلك عن إلهك، وتحرمك سلامك، وتورثك القلق. وان لم يكن الامرهكذا, فما الذي ابكي القديسين علي خطاياهم السالفه، ومن هؤلاء داود النبي، الذي هو ملك عظيم، كان يبكي بكاء كثيرا، بل بلغ به الامر الي حد انه تعب من تنهده ندما، وكان يعوم كل ليله سريره، وبدموعه يبل فراشه، وساخت من الغم عيناه (مز 6: 6، 7). كل ذلك فعله داود من اجل خطيه ارتكبها وهو المرنم الحلو,صاحب العود والقيثارة، وكان دائما يقول. " خطيتي امامي في كل حين " (مز 3: 51). اما نحن فمنا من لا يبالي بخطاه، وحينما نشعر بضيق نفسي نحاول ان نسري عن انفسنا بوسائل مصطنعه مسكنه، فنذهب الي اماكن اللهو والتسليه، وكان حريا بنا ان نفتش ذواتنا ونثوب الي رشدنا. ونكتشف الخطايا الرابضه عند باب قلبنا تذكر خطايانا وجهالات صبانا ونبك عليها ان امكننا ذلك، فدموعنا تغسل ذنوبنا.

نوعان من التائبين

الكنيسة تميز نوعين من التائبين: الأول: الذين يسقطون في خطايا الجهاد اليومي الذين. والثاني: يسقطون في خطايا إنكار المسيح وجحد نعمته

الذين يسقطون في خطايا الجهاد اليومي

التائبين الذين يسقطون في خطايا الجهاد اليومي، والذين بفعل التوبة ومحبتهم للرب يسوع يندمون عنها ويسرعون في طلب الإعتراف للإقرار بإثمهم هؤلاء تمارس الكنيسة لهم " سر الإعتراف" كطب روحي لازم لمرضي الخطية.

الذين يسقطون في خطايا إنكار المسيح وجحد نعمته

أما التائبين الذين يسقطون في خطايا إنكار المسيح وجحد نعمته، أو ينجسون أجسادهم بالزنا مع أشخاص لم تتقدس أجسادهم بفداء المسيح ومعموديته.. هؤلاء لا تكتفي معهم بممارسة سر الإعتراف فقط، بل وتباشر لهم " أوشية الجاحد " (1) طلباُ لغفران الرب فعلهم الرديء، ضده وضد الروح القدس الذي حزن فيهم.. هؤلاء أطفأوا عمله فيهم، فيستلزم من الكنيسة شفاعة خاصة فوق بركة سلطان الحل والغفران.

صفات التائبين

الشخص التائب يتصف بالعديد من الصفات الروحيه الهامه منها: الأتضاع، دموع حاضره، اتخاذ المتكأ الأخير، الاحتراس من السقوط

الاتضاع

هذا الإنسان المنسحق النفس، الشاعر بعدم استحقاقه، ويلوم نفسه باستمرار، طبيعى أن يسلك باتضاع. لا يستطيع أن ينتفخ فى شئ أو على أحد. ولا يكلم أحداً بسلطان. لا يمدح نفسه، ولا يتحدث عن أعمال حسنة له، لأنه يعرف ان لنفسه أعمالاً أخرى شنيعة، ولا يرى من العدل أن يعطى الناس فكرة غير صحيحة عن نفسه، وبأن يقص على الناس خبراته الروحية الجديدة، وتعزيات النعمة له، يقول" وهل أستطيع أيضاً أن أخبرهم عن باقى حياتى وأظهر لهم نجاساتى كلها؟

الزنا خطيه مدنسه سواء كانت بالفعل او بالفكر او بالحواس. سواء كانت مع من هم من الأيمان او خارجه. وهي تدنس الأنسان روحا وجسدا. وهي مرفوضه مع الجميع وخاصه مع من هم خارج الأيمان لأنها بجانب كل شرورها تشوه صوره الأيمان والمؤمنين عند غير المؤمنين. وليس معني هذا ان شر هذه الخطيه اذا تمت مع المؤمنين يكون أقل.

وكما أنه يرفض أن يمدح نفسه، كذلك لا يقبل مدحاً من أحد، ولا يسعى إلى ذلك. ويقول لنفسه " إن من كان مثلى خاطئاً لا يستحق مديحاً من أحد، وإلا فهو مرائى يظهر للناس بغير حقيقته ". وهكذا أيضاً لا يبرر ذاته فى شئ. ولا يدافع عن نفسه فى كل ما يوجه إليه، مهما كان مظلوماً. وإن حورب من الداخل يقول لنفسه " لماذا أحزن وأحتج إذ تسرب إلىّ هذا الشر الذى لم أعمله، بينما لم أحزن ولم أحتج عندما نسبت إلىّ فضائل ليست فىّ وأعمال حسنة لم أعملها؟ وماذا يكون هذا الشر – إن عرف عنى - إلى جوار الشرور الكثيرة التى اقترفتها فى حياتى؟ وإن كنت فى هذه المرة بالذات لم أرتكب هذه الخطية التى ينسبونها إلىّ، فقد ارتكبتها قبل ذلك مرات فى حياتى، فوصفى بها ليس ظلماً ولا تجنياً. حقاً إننى بعدل جوزيت ".

دموع حاضره

الإنسان التائب دموعه حاضرة باستمرار. كلما يقف أمام الله يبكى، وكلما يذكر خطاياه يبكى، بل إن رأى خطايا غيره يبكى أيضاً. فى وحدته، فى قراءته، فى مطانياته، فى مزاميره، وفى أحاديثه أحياناً.. فى كل ذلك دموعه منسكبة. إن داود النبى يرينا أن دموعه لم تفارقه حتى فى رقاده (مز6)، بل وفى طعامه أيضاً " لقد أكلت الرماد مثل الخبز، ومزجت شرابى بالدموع " (مز1.2).

ليست هى دموع الخوف، وإنما هى دموع الحساسية، دموع الندم والشعور بالنقص. دموع محب شعر أنه أهان حبيبه وأحزنه. ومع أن الخطية غفرت، إلا أن النفس الحساسة لا تستطيع أن تتصور كيف وصل بها الحد أن فعلت ذلك، ويعصرها الحزن والندم فتبكى.. يستطيع الإنسان أن يفكر قبل أن يعمل العمل، فإن لم يعجبه فهو مايزال حراً بإمكانه أن يرفضه ولا يعمله. أما إن كان قد عمل العمل وانتهى الأمر، وليست أمامه بعد حرية لا للتفكير ولا للإختيار، فليس أمامه إذن – إن كان العمل خاطئاً- إلا أن يبكى.. بكاء العاجز الذى لا يستطيع أن يرد عملاً قد عمل، يمكنه أن يعتذر، أو يطلب الصفح، أو يغطى الخطأ بعمل آخر فاضل، أو يعالج النتائج السيئة أو.. الخ، ولكن لا يمكنه أن يمنع ذلك العمل من أن يعمل، فقد عمل وانتهى الأمر. وحينما تنغلق جميع الأبواب هكذا أمام الإنسان، ينفتح حينئذ أمامه باب الدموع، فيدخل منه لعله يجد فيه بعض العزاء.

كثيرة هى الدموع التى سكبها القديسون. ان سيرتهم ممتلئه بها. بعضها دموع حب، وبعضها دموع فرح، وبعضها مشاركة وجدانية، وبعضها دموع توبة.

من أمثلة الحساسية الجميلة فى حياة التوبة ما رواه القديس العظيم الأنبا ببنوده عن نفسه، قال: " عندما كنت صغيراً، وجدت خيارة ملقاة على الأرض وقعت من الجمالين، فالتقطتها وأكلتها وكلما أذكر هذه الحادثة أبكى " حدث ذلك وهو طفل فى العالم، ثم كبر وترهب، وازداد فى النعمة جداً، وصار رجل معجزات، وخلف القديس العظيم أنبا مقار الكبير فى رعاية وأبوة الاسقيط، وصار شيخاً فى الفضيلة وأباً لكثيرين، ومع ذلك كلما يتذكر تلك الحادثة يبكى..

اتخاذ المتكأ الأخير

الإنسان المنسحق فى الداخل، هو منسحق فى الخارج أيضاً. لأن مشاعره الداخلية لابد أن تظهر فى تصرفاته. فى داخله يعرف يقيناً أنه خاطئ ونجس وأقل من الناس جميعاً. خطاياه – فى نظره - ثقيلة جداً، أثقل من خطايا الناس كلهم معاً لذلك فهو لا يدين أحداً، بل كلما يرى خطية الأنسان، يشتهى لو كانت خطاياه خفيفة هكذا وليست فى بشاعتها التى يقشعر منها ضميره. وإذ هو يدرك أنه أقل من الناس جميعاً، تراه يتخذ دائماً المتكأ الأخير بينهم شاعراً أنه لا يستحق أيضاً هذا المتكأ الأخير، لأنه لا يستحق الاتكاء إطلاقاً مع الناس، إذ لو عرفوا حقيقته لنبذوه من بينهم واشمئزوا منه. لذلك إذا دعى لأجتماع أو حفلة خاصة أو جلسة روحية لبعض من أولاد الله المباركين، يلبى الدعوة وهو خاجل من نفسه، يقول فى داخله " من أنا حتى أجلس مع هؤلاء القديسين؟! مبارك هو الرب الذى لم يكشف لهم خطاياى، وإلا كانوا يتحاشون مقابلتي ". وهكذا يدخل الاجتماع فلا يجلس فى المتكآت الأولى بل ينزوى فى مكان لا يطمع فيه أحد، ومع ذلك يشعر أنه يشوه جمال تلك الجلسة الروحية بوجوده، ويخيل اليه أنه نشاز أو شئ غريب، فيوبخ نفسه قائلاً: " أشاول أيضاُ بين الأنبياء؟!.

كيف يجرؤ أن يدخل إلى ههنا؟

وإن ذهب إلى الكنيسة يعتريه تردد كبير قبل أن يدخل، وأخيراً يدخل فى خوف كما يدخل السارق متسللاً إلى بيت. ويقف فى ركن غير ملحوظ وهو يصلى قائلاً " لا يحل غضبك يارب على هذا المكان المقدس بسببى. " ومع أنه لم يجلس فى الصفوف الأولى، ولم يصل إلى الجرأة التى تساعده على دخول المذبح، ومع أنه لا يخطر على باله أن يقف على منبر أو يرفع صوته بلحن، إلا أنه فى متكئه الأخير يظل خائفاً لئلا يراه أحد معارفه القدامى، فيتعجبوا من وجوده فى الكنيسة، ويهمس الواحد منهم فى أذن أخيه " كيف يجرؤ هذا الشرير أن يدخل إلى ههنا؟!"..

فى كل مكان وفى كل تصرف

هذا " المتكأ الأخير " صحبه فى كل مكان وفى كل تصرف. فمثلاً إذا تكلم الناس، يصمت هو كغير مستحق للتكلم. وإن دعى لإبداء رأيه أو أتاه فكر بهذا، يجيبه هاتف قوى من أعماقه قائلاً " كيف أتكلم عن الصالحات وأنا إنسان شرير؟ الصمت أفضل ". وإن اضطر للكلام، يكون آخر المتكلمين وهو يحتج على ذاته بقوله " من أنا حتى أتكلم؟ "، وتبدو معانى هذه العبارة واضحة فى حديثه وفى أسلوبه.. فى تصرفاته كلها، يقدم غيره على نفسه. ويبعد عن كل موقف فيه كرامة. ويعطى الكرامة لكل احد. ويحترم الكل، ويعامل الكل بتوقير، سواء فى ذلك الصغير أو الكبير جاعلاً نفسه آخرهم جميعاً.. يقول لنفسه فى تأكيد " كل هؤلاء سيدخلون ملكوت السموات قبلى وتكون درجتهم أعلى منى.. هذا لو وجدت مستحقاً أن أكون معهم هناك ". حتى الخطاة يحترمهم أيضاً. لا يدينهم بل يحنو عليهم مشفقاً، لأنه جرب الخطية وعرف شدتها وقسوتها ويشعر أن هؤلاء فى خطيتهم أفضل منه لأنهم لم ينحدروا إلى الدرك الذى انحدر إليه فى خطيته.

لا أستحق سوى هذا

قد يقول الناس عن هذا الشخص أنه متواضع ولكنه فى الواقع لا يفعل ذلك فى فضيلة التواضع، وإنما شعوراً منه بعدم الاستحقاق. ولذلك إن أهمله الناس أو تجاهلوه، قد لا يحس ذلك، وإن أحس لا يضطرب فى الداخل وإنما يقول لنفسه " عادل هو هذا التصرف وحسن، وأنا لا أستحق سوى هذ ا"..

ولذلك يحصل أيضاً على فضيلة الاحتمال لأن كل ما يأتيه من ضيقات أو ‘اساءات يشعر فى عمق قلبه أنه مستحق لها ومستحق لأكثر منها ويقول فى نفسه " هذا من أجل خطاياى ". وهكذا لا يستاء من شئ ولا يغضب من أحد. ودائماً يجلب الملامة على نفسه، واثقاً أن خطاياه هى السبب فى كل شئ..

الاحتراس من السقوط

إن الإنسان التائب، الذى جرب الخطية وعرف ضغوطها وعنفها، كما عرف أيضاً ضعفه إزاءها وعجزه كثيراً عن مقاومتها، تراه يحرص كثيراً فى سلوكه.. يخاف جداً من السقوط، لذلك يحترس من الصغائر التى تبدو لغيره توافه لا تعثر ولا تسقط، لئلا تقوده إلى الكبائر التى " كل قتلاها أقوياء ". إنه فى توبته لا يشعر أبداً بأنه أكبر من الخطية، بل على العكس يشعر أنه ضعيف عن مقاتلة أصغرها. لذلك يهرب من الخطية ومن كل طرقها وكل أسبابها. ومن كل الطرق المؤدية إلى طرقها. ولعل هذا الحرص الشديد كان أحد العوامل الأساسية التى جعلت قديسى التوبة المشهورين، لا يعودون إلى خطاياهم القديمة مرة أخرى بعد توبتهم.

كيف أتوب؟

إجلس مع نفسك

الخطوة الأولى فى طريق التوبة هى محاسبة النفس. إجلس مع نفسك وحاسبها على نحو ما فعل الإبن الضال. إستعرض حالات شقائك وتعبك وقلقك وفقدان سلامك، وقل لذاتك: " كم من أجر لأبى (السماوى) يفضل عنه الخبز (النعم الروحية)، وأنا أهلك جوعاً (روحياً).. ما الذى سلبنى سعادتى وراحتى وفرحى وسلامى..؟. ما الذى جنيته طوال ليل حياتى المظلمة نتيجة أفعالى الآثمة؟

إن كنت صريحاً مع نفسك، وأميناً فى محاسبتها فستكون الخاتمة، وقفة خاشعة أمام الله، وصلاة خارجة من قلب ملؤه الخجل، ووجهاً منكساً إلى أسفل، وعينين دامعتين، ويداً تقرع على الصدر فى ندم، وشفتين ترددان نفس كلمات ذلك الإبن الضال (يا أبى أخطأت إلى السماء..).

والحق أن حساب النفس يعتبر – ولاشك - من المقومات الأساسية للحياة الروحية. تكلم عنه قديسون وأفاضوا فى أهميته. فنحن قد نخجل من مكاشفة الآخرين بمكنونات دواخلنا ودقائقها، لكننا لا نخجل من أنفسنا. وقد لا نتقبل فى رضى تأنيب الآخرين ولومهم، أو علي الاقل توجيههم، لكن نفوسنا لن تتململ منا حين نلومها ونقرعها ونقسو عليها..

حاسب نفسك إذاً لتعرف أخطاءها وعيوبها ونقائصها، ومتى عرفتها ووقفت عليها، فلم نفسك وأنبها بقسوة. نحن نهدف من هذا العمل إلى التغلب بأنفسنا على عيوبنا والتخلص من أخطائنا التى نستعبد لها.

نجنا من تذكار الشر. الملبس الموت

إن تذكرنا لخطايانا أمر جيد يجلب لنفوسنا خشوعاً. لكن نريد أن ننبه إلى أمر قد يستغله عدو الخير لمضرتنا.. يحدث أحياناً حينما يتذكر الإنسان خطاياه ليندم عليها، أن إبليس يحاول اقتياده بالفكر ثانية إلى جو الخطية التى يريد تذكرها ليقدم عليها، ويستثير فيه المشاعر القديمة. وقد تحدث هذه الحالة بوضوح فى خطايا الشهوة الجنسية والغضب والحقد والمجد الباطل. ولذا تصلى الكنيسة المقدسة فى القداس الإلهى " طهرنا من كل دنس، ومن كل غش، ومن كل رياء، ومن كل فعل خبيث، ومن تذكار الشر الملبس الموت..". فبمجرد انتباهك إلى هذه الحرب الجديدة إقطع هذه الأفكار.. وإن كان الشيطان سيحاربك عن هذا الطريق فأتركه نهائياً واستخدم وسيلة أخرى تجلب لنفسك ندماً وخشوعاً..

متى تكون محاسبة النفس؟

أنسب الأوقات لحساب النفس من أجل نمونا الروحى هى:

 عقب الخطية مباشرة حتى نندم عليها ونتوب عنها.

 آخر كل يوم حتى نصفى الحساب اليومى ونبدأ فى اليوم التالى صفحة جديدة.

 قبل التوجه للأب الكاهن للإعتراف، حتى يكون إعترافنا كاملاً.

 فى نهاية كل أسبوع باعتباره وحدة زمنية، نأخذ عقبه يوم راحة للجسد. وحيذا أن تقترن راحة الجسد براحة الروح.

 فى نهاية كل عام. فإذا كنا بنعمة الرب قد سلكنا فى خوفه ذلك العام وشعرنا بمعونته فى حياتنا نهتف شاكرين: " كللت السنة بجودك وآثارك تقطر دسماً " (مز11: 65). وإذا كانت حياتنا غير مرضية، ونبت الشوك فى حقلنا الداخلى، وشجرة حياتنا حملت ورقاً ولم تعط ثمراً، نتذكر الصوت الصارخ فى البرية " والآن وضعت الفأس على أصل الشجرة، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلفى فى النار " (مت1.: 3) فنتضرع إلى الرب فى تذلل وانكسار قائلين: " يا سيد أتركها هذه السنة أيضاً " (لو8: 13).

مراحل التوبة

1 أول مرحلة في التوبة هي الشعور بأنني أغضبت قلب الله المحب والاحساس بالخطية أنها خاطئة جدا, فلقد أخطأ داود ولكنه لم يشعر بخطيئته إلا بعد أن أرسل الله له من يبكته عليها، وهكذا كثيرون لم يتنبهوا لخطيتهم إلا بعد أن يرسل لهم الله من يوقظ ضمائرهم مثل عخان بن كرمي، آخاب الملك، شاول الملك، أولاد عالي الكاهن، مريم النبيه، وبلعام بن بعور الذى وبخته الآتان، وبني اسرائيل في مراحل كثيرة من تاريخهم لم يشعروا ببعدهم عن الله إلا عن طريق الانبياء، والقديس بطرس ذكره الله بصياح الديك..

2 الندم علي الخطية والتفكير في عواقبها.

3 تقرير عن عدم العودة إلى الخطية مرة أخرى وقطع جميع ما يذكرنا بها فالسحرة الذين آمنوا حرقوا كتب السحر (أع 19: 19) والمرأة الخاطئة سكبت الطيب الذى اقتنته علي قدمي المخلص، ويقول السيد المسيح عن قطع العثرات والمعثرين ان اعثرتك عينك اقلعها " (مت 5: 1،2) فالمكان الذى أخطأت فيه للرب إلهك لا تذهب إليه ولا تقترب منه مرة أخرى ويقول القديس يهوذا " نبغض حتي الثوب المدنس من الجسد " (يه 23).

وهكذا من يقرر التوبة أى عدم الرجوع للخطية ينبغي أن يبتعد عن كل مسبباتها ويقطع كل فكرها عنه.

4 إزالة آثار الخطية مثل الاعتذار لمن أسأت إليه ورد نقود من سلبت منه وهكذا..

5 الانسحاق والتذلل أمام الله حتي يرحمنا ويقبلنا وذلك بالمسكنة الروحية الداخلية والخارجية أيضا في الملبس والمأكل والمتكأ الأخير وعدم إدانة الآخرين.. (القلب المنكسر والمنسحق لا يرزله الله).

6 التضرع إلي الله بدموع من أجل ان يقبلك ويرحمك مثلما فعل داود النبي قائلا " إرحمني يا الله كعظيم رحمتك..".

7 الإعتراف إلي الله علي يد خادم أسراره أب الإعتراف والمدبر الروحي المسئول عنا أمام الله

كل الخطايا قابلة للغفران

لا توجد خطية غير قابلة للمفغرة مهما بلغت شناعتها، طالما للإنسان نية للتوبة، قال رب المجد " الحق أقول لكم أن جميع الخطايا تغفر لبني البشر والتجاديف التي يجدفونها، ولكن من جدف علي الروح القدس فليس له مغفرة إلي الأبد بل هو مستوجب دينونة أبدية، لأنهم قالوا أن معه روحاُ نجساُِ (مر 28: 3 – 3.)

والتجديف علي الروح القدس، الذي لا يغفر، والذي ذكر في هذه الآية ليس هو خطية مجردة، بقدر ما هو حالة روحية معينة يصل فيها الإنسان إلي الفساد الطوعي والعناد والمقاومة المقصودة للمعرفة الصريحة وتأنيبات الضمير الشاهد بتأثير الروح القدس في القلب.. فهو والحال هذه ليس كخطيه الزني أو القتل أو السرقة مثل. فقد يرتكب الإنسان أبشع الخطايا، وقد يتكلم بجهالة ضد ابن الله، ويجدف عليه بعدم ايمان علي نحو ما كان عليه بولس الرسول قبل تغييره، لكن كل ذلك يغفر بفعل وتأثير الروح القدس الذي يقوده الي التوبة، أما الذي يعتاد رفض عمل الروح القدس وتأثيره، ويتعمد اخماد صوت ضميره الذي يؤنبه، فهو يحرم من الغفران حرماناً أبدياً، اذ يفقد كل وسيلة لآرشاده وتأنبيه، لأن مهمة الروح القدس اثارة القلوب وأرشادها ثم أقناعها بالحق.. " ومتي جاء ذاك الروح القس يبكت العالم علي خطية " (يو 8: 16) فالروح القدس هو الذي يبكتني علي خكاياي فأتوب، فأن أنا رفضت عمل الروح القدس في داخلي – أي جدفت عليه – فسوف لا أتوب، وبالتالي لا تكون لي مغفرة.

 قال مار اسحق السرياني: " ليست خطية بلا مغفرة إلا التي بلا توبة "

 الخطية التي لا يغفرها الله للخاطيء

الله يغفر كل ذنوب وشرور وآثام وسيئات وزلات الخاطيء الذي يأتي اليه نادماُ وتائباُ، وباكياُ ومستغفر. فقد قبل بطرس الرسول بعدما أخطأ أمامه؟ وقبل المرأة الزانية وأعطاها فرصة أخري، وقَبِل الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها، وقَبِل زكا العشار الظالم وقَبِل داود بعد سقطته وتوبته. كما قبل اللص اليمين (ديماس) وقبل الجندي الروماني الذي طعنه بالحربة (وصار لونجينوس أسقفاً وشهيداُ) وكان يمكنه ان يقبل يهوذا الإسخريوطي نفسه، لو جاء اليه نادماُ ولكنه يأس من رحمة الله وشنق نفسه وهلك.

الله لا يغفر الانتحار " المعنوي" أي يأس الشرير، وإصراره علي خطاياه حتي النفس الأخير، وترديده عبارة " مفيش فايدة.. ذنوبي أكبر من أن تُغتفر" وهي فكرة الشيطان الخبيث الذي يريد هلاك كل الناس، فالسيد المسيح له المجد " لم يأت ليهلك بل ليخلص ما قد هلك " وقد خلص الملايين ولا يزال باب رحمته مفتوحاً علي مصراعيه حتي ساعة مجيئه الثاني ". ويقول الرب يسوع بوضوح: " كل خطية وتجديف يُغفر للناس، وأما التجديف علي الروح القدس فلن يغفر للناس!! ومن قال كلمة علي الروح القدس (الذات الالهية) فلن يُغفر له لا في هذا الدهر ولا في الآتي " (مت 31: 12 – 32).

والمُراد بالتجديف علي الروح القدس (blasphemy against holy spirit)" التجديف علي اللاهوت أو الذات الالهية وإلأساءة اليه وإهانة لله، بدون ندم ولا توبة، لان المجدف هو شخص يقاوم حقيقة وجود الله ذاته (= انكاره أو نسب الضعف إليه، كأن الله لا يقدر علي خلاصه من خطاياه) والسقوط في الكفر (الإلحاد أو الإلتجاء للسحرة، وطلب مساعدة الشيطان)، بل ونسب معجزات السيد المسيح لبعلزبول (إبليس) كما فعل بعض اليهود.

والخطية " التي للموت " (للهلاك الأبدي) التي أشار اليها القديس يوحنا الحبيب في رسالته (1 يو 16: 5 – 17) هي رفض الحياة الأبدية التي أتي بها السيد المسيح، وقساوة القلب، وعدم قبول الحق، بغباوة وكبرياء.

القديس يوحنا ذهبي الفم في شرحه لخطية التجديف علي الروح القدس، المميتة للنفس والروح والجسد، يقول: إن اليهود كانوا يعرفون الروح القدس تمام المعرفة، أما المسيح (الله الظاهر في الجسد) فلم يكن معروفاُ جيداُ لهم، ولهذا كان من الممكن أن يسامحهم السيد المسيح فيما ينسبونه اليه كإبن للإنسان، ولكن الله لا يغفر من ينسب الضعف للروح القدس، وعدم القدرة علي الخلاص، واليأس من رحمة الله، خاصة لمن تأصل الشر في قلبه، وعدم رغبه تركه (بل يفتخر به أحياناُ) وصارت حالته شبيهة بحالة الشيطان نفسه، ويهوذا الاسخريوطي، الذي يأس من رحمة الله " (تفسير متي مقاله 3: 41) وطوباه من يسعي في طلب رحمة الله، قبل أن يغلق عليه باب القبر، فالآن زمن الرحمة وفي الأبدية زمن العدل، والحساب والعقاب الأبدي!!و لا ننسي ان المريض الذي يرفض الدواء لا ينال الشفاء.

نفس خاطئة ضلت وتاهت في أودية العصيان

أيها الآب القدوس الذي يحب رجوع الخطاة. وقد وعدت أنك مستعد لقبولهم. أنظر يارب الآن إلي نفس خاطئة قد ضلت وتاهت في أودية العصيان زماناُ طويلاُ، فيه تمردت وشعرت بشقاوتها، لبعدها عن ينبوع خلاصها، والآن تتقدم اليك تطلب منك تطهيرها من الأدناس والأقذار التي توحلت فيها. إقبلها ولا ترفضها فإنك إن نظرت إليها بحنوك وعاملتها برحمتك تنقت وخلصت وان اهملتها بادت وهلكت. امنحني يارب نعمة بها أتقوي علي الدنو منك بإيمان وطيد ورجاء تائب، لأعترف بذنوبي وأكره العودة إليها، وليبكتني روحك علي آثامي. أنر قلبي لأري كم أخطأت وأسأت وتركت وأهملت وإمنحني عزماُ علي عدم الرجوع إلي الأثم. لأثبت في حفظ وصاياك وأحيا لمجد إسمك القدوس. آمين. (من صلوات الأجبيه طبعه مكتبه المحبه بالقاهره عام 1972).

لا تيأس

يقول القديس يوحنا ذهبي الفم " أخطأت؟ فادخل الكنيسة وامسح خطيئتك كلما خطئت تب عن الخطية ولا تيأس من ذاتك وان خطئت ثانية فتب ثانية أيضا ولا تسقط من الرجاء بالخيرات الموعود بها ".

الباب الثالث

الإعتراف

التوبة تستلزم إقرار التائب بخطيته أمام الله وأمام من أخطأ في حقه وامام الأب الكاهن. الإقرار أمام الله مكانه المخدع، والإقرار أمام المخطئون في حقوقهم مواجهة معهم. أما الأقرار أمام الكنيسة، فمرتب ترتيباً دقيقاً يهدف إلي قداسة التوبة كسر إلهي.

انواع الإعتراف

أولاُ: اعتراف المخلوق للخالق

 يتضمن اعتراف المخلوق لخالقه فيما بينه وبين خالقه بما ارتكبه من المعاصي في سره وجهره وباطنه وظاهره وهواجس خاطره واختلاج ضميره وبما ارتكبه في حداثته وشبيبته وشيخوخته واقلاعه عن جميع ذلك وأمثاله ومعاهدته علي أن لا يرجع اليها ولا إلي شيء منها ولو أكره عليه. واستغفاره الله بالاصوام والصلوات والصدقات والتكليفات الشرعية جميعها المؤدبه لجسمه وميوله. عند ذلك يقبل الله توبته ويغفر له ويرضي عنه. كقول داود النبي " اعترف لك بخطيتي ولا اكتم أثمي قلت اعترف للرب بذنبي " (مز 5: 32).

ثانيا: اعتراف الإنسان لكل من اخطأ اليه

يتضمن الإعتراف لكل من اخطأنا اليه ولمن اساءنا اليه من سائر البشر وترجيته في أن يغفر لنا ويجعلنا في حل من كل ما اخطأنا به إليه وما ذكرناه واعترفنا له به فاذا غفر لك وجعلك في حل غفر الله لك بشرط أن لا ترجع وتسيء اليه لا في سرك ولا في جهرك ولا بنفسه ولا مع غيرك وهذا ماعلم به السيد المسيح له المجد " وان

اخطأ اليك اخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما ان سمع منك فقد ربحت اخاك " (مت 15: 18).

ثالثاُ: اعترافه للأب الكاهن

يتضمن الإعتراف للأب الكاهن المسلم اليه الإعتراف بجميع خطاياه التي اخطأها لله والناس المقدم ذكرها ولا ينبغي أن يخفي منها شيئاُ فكرياُ أو قولياُ أو عملي. فمتي أخفي شيئاُ من مرضه ادي به ذلك إلي هلاك نفسه وجسده لأن الأب الكاهن يداويه بما ذكره له فقط. اما باقيها فيقوي عليه ويثور ضده. واذا اعترف له بجميع امراضه امكنه مداواته ومعالجته وملاطفته بالصوم والصلاة والصدقة ورفع القرابين ومايفرضه عليه من القوانين بحسب حالته وقدرته وبما يطلبه من الله عنه فاذا اتبع ارشاداته الروحيه غفر الله له ذنوبه وسامحه بزلاته واستدامت له صحته الروحية وحفظها الله عليه " أن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم " (1 يو 1: 9).

الأب الكاهن في طقس سرالتوبة هو أب وقاض ومعلم

اولا: الأب الكاهن في طقس التوبه هو أب

الأب الكاهن في طقس سر التوبه هو الأب كما في مثل الإبن الضال، يتعطش إلي توبة كل إبن من أبنائه، بل وفي كل أنشطته الروحية للرعاية يهدف إلي تذكيرهم بالتوبة، لأن الكاهن يعرف جيداُ أن خطية أولاده خطيئته هو يحملها من خلال أبوته لهم فوق رأسه، وسيعطي حساباُ أمام الله عن مقدار سعيه لتحررهم منها. ويعرف أن توبة بنيه خلاصاُ لنفسه من دينونة محققة أمام الله فضلاُ عن فرحة السماء برجوعهم، ومن خلال أبوته، يقبل الأب الكاهن كل إبن يأتي تائباً، بل ويقبله بفرح وحب وتشجيع.

. وننصح أن يتخذ كل زوج وزوجة أب اعتراف واحد لكليهما حتى يكون التدبير الروحي لحياة الزوجيين تدبيرا واحدا وحتى يعرف الكاهن طباعهما ويرشدهما الإرشاد المناسب لسلامة الأسرة، كذلك إذا حدثت بينهما مشكلة يعطيهما الإرشاد المناسب لحلها دون تدخل أطراف أخري لها رأي مغاير قد يضر الأسرة أكثرمما ينفعها. ان أب الإعتراف الواحد للزوجين ضرورة حتمية لسلامة الأسرة.

الأب الكاهن في طقس التوبه هو قاض

الأب الكاهن في سر التوبة والإعتراف هو قاض، يقضي في خطايا أولاده من قبل الله. وهذا مظهر من مظاهر حب الله للإنسان الخاطيء. فمن منا يستطيع أن يدخل في المحاكمة مع الله، لأن أمامه " كل فم يستد ". وكما يقول القديس بولس الرسول " ونحن نعلم أن كل مايقوله الناموس فهو يكلم به الذين في الناموس لكي يستد كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله " (رو 19: 3)

وإختيار الله، وإرساليته للكاهن كقاض يفصل في خطايا الناس يعني تحويل الحكم من لدنه إلي أشخاص لهم طبيعة البشر يحكمون علي البشر من واقع بشريته(ولذلك جعل الله قضاء الكاهن في التوبة سلطان نافذ المفعول في الأرض وفي السماء معاً. " كل ماتحلونه علي الأرض يكون محلولاُ في السموات، وكل ما تربطونه علي الأرض يكون مربوطاً في السموات "

وقضاء الكاهن وحكمه يكون علي الخطايا التي يظهرها التائب، فالوضوح في عرض الإثم يتبعه شمول الحكم ونفاذه، لهذا قال القديس بولس الرسول للأسقف تيموثاوس " خطايا بعض الناس واضحة تتقدم إلي القضاء، وأما البعض فتتبعهم " (1 تي 5: 24). لذا فالكاهن في التوبة يحمل السلطان الكهنوتي لغفران الخطية ويؤتمن ألا يهبه إلا للتائبين فقط.

الصراف والشيك المزيف

هل يمكن لأمين خزينة في أحد المصارف، أن يصرف شيكاُ أو يصرف ولو جنيهااً واحداُ من البنك بدون مستند رسمي صحيح غير مزور؟! إن كان ذلك يعتبر إختلاساُ يعاقب عليه الصراف قانوناً، فكم وكم تكون دينونة الكاهن الذي يعطي الحل لمن لا يستحقه. وهذا يوبخ الأستعمال الخاطيْ للحل الكهنوتي أثناء صلاة القداس الإلهي، وربما قبل التناول بلحظات!!

إن الكنيسة تعلم بأن حلول الرب يسوع المسيح علي المذبح بعد صلاة إستدعاء الروح القدس في القداس الإلهي – يمنع من إستعمال الكاهن الحل في وجود رئيس الكهنة الأعظم، أفيليق أن يكون صاحب الحل قائم، ووكيله يعطي الحل؟!!!

التهاون والحل بالتليفون

نتيجة للتهاون في إستعمال الحل الكهنوتي في التوبة إستهتر بعض الناس بالحل، فنجد الآن من يطلب حلاُ بالتليفون، أو في كل وقت مناسب وغير مناسب نسمع عبارة " حاللني ".. إن الحل في التوبة نطق يخرج من فم الله، كالبراْة التي تخرج من فم القاضي، فهل ينطق القاضي بحكم – أي كان نوعه إلا في إنعقاد رسمي لهيئة المحكمة، وفي مواجهة وقورة مع المتهم؟!

لذلك فالأب الكاهن مع أبوته الكاملة وحبه الشديد لتوبة أولاده، يدقق في معرفة صدق توبتهم، ويمارس طقس التوبة داخل بيعة الله وأمام مذبح الله العلي في وقار وهيبة لحلول هبة الغفران علي كل تائب.

وربما لا يجد الأب الكاهن في المعترف صدق توبته، خاصة مع المبتدئين. فلا يزجر التائب أو يركله ركلة تجعله يخرج فاقد الثقة في إمكانيات خلاصه. لكنه يحتمل من كان غير صادقاُ في توبته كطبيب مداوي يختار من أدوية النجاة وسائل متعددة تساعده علي بلوغ صدق التوبة.

الأب الكاهن في طقس التوبه هو معلم

إحتمال المعترف غير الصادق في توبته لا يكفي، بل يلزم مداوته بالتلمذة. ولذا فالأب الكاهن في طقس التوبة معلم، يرشد بالأنجيل، ويتلمذ للمسيح، وهنا لا يصير للكاهن تلاميذ شخصيين له أو أتباع حزبيين وراءه، بل يصيروا بفعل عمله وعلومه تلاميذ للراعي الواحد ربنا يسوع.

فالكاهن المتتلمذ للمسيح علي يدي أب إعتراف، والذي من خلال عشرة المذبح الطاهر يأخذ التعليم الإنجيلي الدسم المشبع والمتزن ويختبره هو ويتلمذ أولاده تلمذة ناجحة للمسيح.

سر التوبه والإعتراف هو سر مقدس

بناء علي ذلك سر التوبه والإعتراف هوسر مقدس به يرجع الخاطئ إلى الله باعترافه بخطاياه أمام الأب الكاهن ليحصل على حل منه بالسلطان المعطي له من الله، وبهذا الحل ينال المعترف غفران خطاياه التي أعترف بها. وقد أسس الرب يسوع المسيح سر التوبة والإعتراف عندما قال لتلاميذه الرسل الأطهار " الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء " (مت 18: 18). وقوله لهم بعد القيامة " كما أرسلني الأب أرسلكم أنا، ولما قال لهم هذا نفخ وقال لهم أقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه غفرت له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت " (يو 2.: 21 23) وبذلك أعطاهم السلطان أن يربطوا الخطايا أو يحلوها بقوة وسلطان الروح القدس المعطي لهم وذلك حسب ظروف وتوبة المعترف.) وهنا يبرز سؤال هام وهو: كيف يمكن للأباء الكهنة أن يغفروا الخطايا أو يمسكوها دون أن يعرفوها ويفحصوها؟ وكيف يعرفوها بدون الإعتراف بها؟ كيف يمكن للقاضي أن يحكم في قضية لم تعرض عليه ولم يسمع تفاصيلها. لذلك نقول أن السلطان المعطي للرسل وخلفائهم بمسك الخطايا أو غفرانها يلزمنا بالإعتراف بهذه الخطايا بكل وضوح أمام من لهم سلطان الحل والربط.

في سر التوبه والإعتراف يرجع الخاطئ إلى الله ويتصالح معه باعترافه بذنوبه وآثامه وذلاته وشروره آمام كاهن الله، ليحصل منه على الحل، أى رحمة الله له بالسلطان الممنوح له من الرب يسوع (مت16: 19، 18: 17، يو2.: 21-23).

ويسميه العلامة ترتيليانوس (حلاً للخطايا) و(إنعتاقاً منها). ودعاه القديس ايريانوس "إعترافاً" (confession). وأطلق عليه القديس أغسطينوس تعريفاً آخر هو (المصالحة) (Reconciliation) بين الخاطئ التائب والله الرحوم. ودعاه مجمع قرطاجنة (معمودية ثانية). وهو السر المختص بفاعلية الروح القدس فى حياة الخاطئ التائب، فينال الغفران، بفعل الروح القدس، الذى يستدعيه الكاهن فى صلاة التحليل.

الباب الرابع

الإعتراف عقيده كتابيه

اولا: في العهد القديم

"من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم" (أم 13: 28)

 منذ دخول الخطية إلي العالم تجلت رحمة الله في مناقشة الخاطيْ بقصد استدراجه علي استدراك حالته السيئة ومعرفة سبب خوفه وابتعاده عن الله ووجوب اقراره بذنبه طلباُ للرحمة والاستغفار واعتناقه التوبة حتي يعود إلي مركزه الأول في ساحة رضا الله وتمتعه بعشرته المقدسة ولذا نري الله مع معرفته حالة ابينا آدم بعد السقوط يسأله قائلا "أين أنت"؟ "هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها"؟ (تك 3: 9 و11) كما سأل قايين أيضاُ "أين هابيل أخوك"؟. و"ماذا فعلت" (تك 4: 9 و1.)

و مع أن الله يصرح قائلاُ: "اذا أختبأ انسان في اماكن مستترة أفما اراه أنا يقول الرب" (أر 24: 23) "وأن اختباؤا في رأس الكرمل فمن هناك افتش وأخذهم وأن اختفوا من أمام عيني في قعر البحر فمن هناك أمر الحية فتلدغهم" (عا 3: 9) واذ عرف ذلك داود النبي والملك أعلن هذه الحقيقة هاتفاُ "أين اذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب أن صعدت إلي السموات فأنت هناك وأن فرشت في الهاوية فها أنت وأن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضاُ تهديني يدك وتمسكني يمينك فقلت انما الظلمة تغشاني فالليل يضيْ حولي. الظلمة أيضاُ لا تظلم لديك والليل مثل النهار يضيْ كالظلمة هكذا النور" (مز 139: 7 – 12) لذلك كان سؤال الله لآدم وقايين من تدبير الرحمة الالهية في استدراكهما للاعتراف بذنبيهما ومعرفة حقيقة ما وصلا إليه من علة الابتعاد عن الله فيقرعان باب الحنان والرحمة الالهيين ويعترفان بما ارتكباه من رزيلة عصيانه وتعديهما فيعتنقان التوبة عما اقترفاه من خطية. كل هذا في زمن الناموس ولذلك نتعلم مما تقدم وجوب وضرورة اعتراف الخاطيء واقراره بذنبه.

 "والباقون منكم يفنون بذنوبهم في أراضي اعدائكم وأيضاُ بذنوب أبائهم معهم يفنون لكن أن اقروا بذنوبهم وذنوب آبائهم في خيانتهم التي خانوني بها وسلوكهم معي الذي سلكوا بالخلاف اذكر ميثاقي مع يعقوب وأيضاُ ميثاقي مع اسحق وميثاقي مع ابراهيم واذكر الأرض" (لا 26: 39 – 42).

 "اذا عمل رجل أو امرأة شيئاُ من جميع خطايا الإنسان وخان خيانة بالرب فقد أذنبت تلك النفس بخطيتها التي عملت وترد ما أذنبت به بعينه" (عد 5: 6 – 7).

 "اعترف لك بخطيتي ولا أكتم أثمي قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي" (مز 5: 32).

 "فاعترفوا الآن للرب اله آبائكم واعملوا مرضاته" (مز 11: 1.)

 "يا بني ان خطئت فلا تزد بل استغفر عما سلف من الخطأ" (سيراخ 1: 31)

فمن جميع هذه النصوص نستدل علي أن الإعتراف مأمور به من الله وممارسته واجبة وان من يخالف اوامره لعدم الإقرار بخطاياه يقع تحت مسؤولية العصيان ولهذا سار شعب الله قديما يتبع هذه الاوامر. لأنهم راوا أن الإعتراف أمر واجب.

 يقول سليمان الحكيم " من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم " (أم 28: 13).

الإعتراف علي يد الأب الكاهن

عقيده كتابيه في العهد القديم

 كان الإعتراف جزءاً ضرورياً من توبة الخاطئ الذي يأتي بالذبيحة ويضع يده على رأسها ويعترف لله بخطاياه أمام الكاهن فيأخذ الكاهن الذبيحة ويذبحها ويقدمها على مذبح المحرقة للتكفير عن الخطايا. يقول الرب: " إذا أخطأ أحد أو إذا مس شيئاً نجساً أو إذا حلف.. يقر بما أخطأ به ويأتي إلى الرب بذبيحة لاثمة عن خطيته.. فيكفر عنه الكاهن من خطيته " (لا 5: 1 6).

 كان الإعتراف عند بني إسرائيل يقترن بالذبيحة وصلاة الكاهن، قال بن عزرا " إن الإعتراف لازم وأنهم عندما يقدمون الذبيحة إذا لم يتوجعوا ويعترفوا اعترافا علنيا لا تكون للذبائح قوة ولا فائدة ".

 جاء في التلمود " يظهر من التقليد أن الخاطئ يلزمه أن يوضح في الإعتراف جميع أعماله ".

 اعتراف شاول الملك أمام صموئيل بأنه خاطي إلى الله وإلى صموئيل أيضاً ولذلك طلب المغفرة من صموئيل كتائب إلى الله (9 صم 15)

وفي سفر التثنية (26: 4) " وتأتي إلى الكاهن الذي يكون في تلك الأيام وتقول له اعتراف اليوم للرب الملك " (وهذا يظهر أن الإعتراف للكاهن هو اعتراف لله).

 حينما خان عخان بن كرمي وسرق وغضب الله على كل الشعب بسببه وهزمهم أمام عاى أحضر يشوع عخان بن كرمي وقال له: " يا ابني أعط الآن مجدا للرب إله إسرائيل واعترف له وأخبرني الآن ماذا عملت لا تخف عني." فأجاب عخان يشوع وقال حقا أني أخطأت إلى الرب إله إسرائيل " (يش 7: 19، 2.).

 حينما أخطأ داود الملك بالزنى والقتل ولم يؤنبه ضميره أرسل له الرب ناثان النبي الذي استدرجه بالحديث حتى أعترف أمامه وقال " قد أخطأت إلى الرب " فقال له ناثان النبي " الرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك لا تموت " (2 صم 12) ثم أعلن له العقوبات الإلهية بسبب خطيته: الأبن المولود لك يموت، السيف لا يفارق بيتك وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك فيضطجع مع نساءك في عين الشمس (2 صم 12) وفعلا مات الطفل وعند ثورة ابشالوم على أبيه فعل ما قاله الرب تماما (2 صم 16: 2 22).

ثانيا: الإعتراف علي يد الأب الكاهن عقيده كتابيه في العهد الجديد

كان يوحنا المعمدان يكرز بالتوبة قائلاً " توبوا لأنه قد أقترب منكم ملكوت السموات.. حينئذ خرج إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكوره المحيطة بالأردن واعتمدوا منه معترفين بخطاياهم " (مت 3: 1 6).

 عندما احس الابن الضال بخطئه قال" أذهب إلى أبي وأقول: يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك " (لو 15)

 لم يعط الله سلطان، الحل من الخطايا إلا للرسل فقط وخلفائهم من بعدهم (مت18: 18) (يو 2.: 23) إذ هم وحدهم لهم التصرف في الكنيسة كخدام ووكلاء سرائر الله (كو 4: 1) حتى أن المخلص لما ظهر لشاول في الطريق لم يقل له ماذا يصنع بل أرسله للكنيسة لتقول له ماذا يصنع.

 يخبرنا سفر أعمال الرسل أن سر التوبة والإعتراف كان معمولا به أيام الرسل الأطهار قائلاً " وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون معترفين ومخبرين بأفعالهم " (أع 19: 18).

 يعلم القديس يوحنا الرسول بوجوب الإعتراف قائلاُ: "ان قلنا أنه ليس لنا خطية نضل انفسنا وليس الحق فين. ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم (1 يو 1: 8 – 9).

 من تعاليم السيد المسيح له المجد المشترع الحقيقي لهذا السر والذي كان الروح القدس عاملاُ في خدامه قديماُ وحديثاُ انبياء واباء ورسلاُ لأن الروح القدس يأخذ مما له ويخبرهم ويرشدهم الي جميع الحق (يو 16: 13 – 14) اذ عندما سأل تلاميذه قائلاُ: "من يقول الناس اني أنا ابن الإنسان فقالوا قوم يوحنا المعمان وآخرون ايليا وآخرون ارميا أو واحد من الانبياء" قال لهم وانتم من تقولون أني انا فأجاب سمعان بطرس وقال" أنت هو المسيح ابن الله الحي" فأجاب يسوع وقال له: "طوبي لك يا سمعان بن يونا ان لحماُ ودماُ لم يعلن لك لكن ابي الذي في السموات وأنا أقول لك أيضاُ أنت بطرس وعلي هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوي عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه علي الأرض يكون مربوطاُ في السموات وكل ماتحله علي الأرض يكون محلولاُ في السموات" (مت 16: 13 – 19) وقال هذا أيضاُ لعموم التلاميذ (مت 18: 18).

 بعد قيامه السيد المسيح من الأموات اذ كان جميع التلاميذ مجتمعين والابواب مغلقة لسبب الخوف من اليهود جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم "سلام لكم" ولما تأكدوا حقيقة قيامته قال لهم ايضاُ" سلام لكم كما أرسلني الآب ارسلكم أنا ولما قال هذا نفخ في وجوههم وقال لهم أقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له ومن امسكتم خطاياه امسكت" .يو 2.: 21 – 23).

هل السيد المسيح اعطي تلاميذه علم لاهوته؟

مما تقدم من هذه البيانات السيدية نسأل هذا السؤال: هل السيد المسيح له المجد اعطي رسله الاطهار علم لاهوته حتي يعلموا الغيب وما حوته صدور الناس من ذنوب تستدعي الحل أو الربط. والغفران أو المسك؟ الجواب كلا فهم بشر كسائر الناس لا يعلمون الغيب ولا يدرون مكنونات الصدور.

اذن كيف يسوغ لهم أن يحلوا الخطايا ويربطونها أو يغفروها ويمسكوها وتصادق عدالة السماء علي ما يفعلونه علي الأرض؟

الجواب علي ذلك بداهة بواسطة الاقرار والإعتراف الشفوي امامهم وهو الوسيلة الوحيدة والسبيل الخاص الذي يحكمون به في اصدار حكم الحل والغفران لمن كانت توبته صحيحة كما قال ناثان النبي لداود الملك والنبي "الرب أيضاُ قد نقل عنك خطيتك لا تموت" (2 صم 13: 12) أو الربط والمسك لمن كانت توبته كاذبة كما قال بطرس الرسول لسيمون " لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتني موهبة الله بدراهم ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الأمر لأن قلبك ليس مستقيماُ أمام الله من شرك هذا واطلب إلي الله عسي أن يغفر لك فكر قلبك لأني أراك في مرارة المر ورباط الظلم (1 ع 8: 2. – 23).

القاضي والإعتراف الشفوي

كيف يمكن للقاضي أن يحكم في قضية لم تعرض عليه ولم يسمع تفاصيلها. لذلك نقول أن السلطان المعطي للرسل وخلفائهم بمسك الخطايا أو غفرانها يلزمنا بالإعتراف بهذه الخطايا بكل وضوح أمام من لهم سلطان الحل والربط.

لهذا نتأكد أن السيد المسيح جعل رسله وخلفاءهم يباشرون حل الخطايا وربطها أو غفرانها ومسكها لشعبه عن طريق الاقرار لهم بذنوبهم والإعتراف امامهم بخطاياهم فقط وليس لسبب آخر سواه.

اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات

ينصحنا معلمنا يعقوب الرسول قائلاً: " اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات وصلوا بعضكم لأجل بعض لكي تشفوا " (يع 5: 16). أي أن المؤمن يعترف أمام الكاهن بخطاياه والكاهن يصلي من أجله صلوات التحليل وغيرها طالباً له غفران الخطية من الله وطالباً له أيضاً من الله المعونة والقوة حتى لا يعود إلى الخطية مرة أخري. وللكاهن أيضاً أب اعتراف يكون كاهنا آخر أكبر منه سنا وخبرة.. وهكذا. وحينما يقول الرسول " اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات " لا يعني أن يعترف الكهنة للعلمانيين كما يعترفوا العلمانيون للكهنة بل هو على حد القول " علموا بعضكم بعضاً أي المعلم يعلم التلميذ. عالجوا أحدكم أخاه، بمعني الطبيب يعالج المريض.وهكذا في قوله " اعترفوا بعضكم لبعض " أي فليعترف الشعب على أصحاب السلطان لغفران الخطايا. ويقول القديس يوحنا الرسول" إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم " (1 يو 1: 9).

لم يقل صريحاً اعترفوا على الكهنة لئلا..!!

 لم يقل صريحاً اعترفوا على الكهنة لئلا يتوهم أحد أن الإعتراف خاص بالعلمانيين على الكهنة ولا يشمل اعتراف الكهنة أيضاً على الكهنة الآخرين وقال القديس يعقوب هذا الكلام اعتمادا على أن الوضع المستقر في الكنيسة والذي يفهمه الجميع هو الإعتراف على الكهنة.

الباب الخامس

ضرورة الإعتراف على يدالأب الكاهن

في الحقيقة أن الإعتراف على يد الأب الكاهن هو اعتراف لله في نفس الوقت لأنه هو الذي نجرحه عندما نصنع الخطيئة.. ولذلك قال داود النبي " لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت " (مز 5.) وقال أيضاً " أعترف بخطيئتي ولا أكتم أثمي. قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت أثام خطيئتي " (مز 32) ولكن يتعذر علينا التحدث مع الله مباشرة إذ لما كلم الله شعبه قديماً من على جبل حوريب ارتعبوا وقالوا لموسى " كلمنا أنت فنسمع ولا يكلمنا الله لئلا نموت "(خر 2.: 19).

والإعتراف على الكاهن وأجب لأنه هو المؤتمن من قبل الله في توزيع نعمة السمائيه كقول القديس بولس الرسول." كخدام المسيح ووكلاء سرائر الله " (1 كو 4: 9) وقال أيضاً موضحا أن الكاهن يأخذ نعم الله ويقدمها للناس " لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس يقام لأجل الناس في ما لله أي فيما يتعلق بنعم الله وتعاليم الله (عب 5: 9). كما أن الإعتراف على الله مباشرة بدون الإعتراف على الكاهن لا يوافق الإنسان لأن الإنسان لا يستطيع أن يردع نفسه باعترافه على الله مباشرة لأنه لا يراه.. فلو كان الإنسان يهاب الله فلماذا يخطأ وهو يعلم بوجود الله في كل مكان وعيناه تخترقان أستار الظلام؟

لذلك لأبد من كاهن بشري منظور كوكيل عن الله للمحاسبة والردع. كما أنه من اللائق جداً للعدل الإلهي أن يجعل الذي يحاكم الإنسان على خطاياه هو إنسان مثله تحت الآلام يعرف بضعفه كقول القديس بولس الرسول " لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس.. فيما لله.. قادران يترفق بالجهال والضالين إذ هو أيضا محاط بالضعف"(عب5: 1 2).

والإعتراف على الكاهن ضروري حتى يعين الإنسان على توضيح الخطأ من الصواب لأنه كثيراً ما توجد بعض الأمور غير الواضحة وأحيانا يكون سبب عدم وضوح الخطأ هو الضمير الواسع الذي يستبيح كل شئ أو يستهين بالخطيئة وأحيانا يكون الضمير موسوسا يري الخطيئة في كل شئ.

أما الكاهن فمن فمه يطلبون الشريعة كقول حجي النبي: " هكذا قال رب الجنود أسأل الكهنة عن الشريعة " (حجي 2: 11) فالكاهن معلم يعلم الشريعة وهو أيضاً أب نكشف له أسرار النفس ليداويها بمراهم التعليم وبركات الصلوات وتقديم العلاجات النافعة.

يقول القديس غريغوريوس النيسي (سنة 335 394) موجها الكلام إلى التائبين: خذوا خادم الكنيسة (الكاهن) شريكا أميناً لكم في حزنكم على خطاياكم وأبا روحيا لأن الخادم يحزن على خطية أبنه كما حزن يعقوب عندما رأي ثوب ولده الحبيب، فينبغي إذن أن تعتبروا الذي ولدكم بالله (الكاهن) أعلى من الذين ولدوكم بالجسد فاكشفوا له أسراركم بجسارة أعظم. اكشفوا له أسرار نفوسكم كما يكشف المريض جراحه الخفية للطبيب لينال الشفاء "

لماذا نعترف علي يد الكاهن، ولا نعترف إلي الله مباشرة؟!

سؤال تردده الطوائف باستمرار، رغم أنهم يتناقشون مع رجال الدين التابعين لهم في مشاكلهم الروحية وغيرها، ويستمدون منهم المشورة والإرشاد الروحي.

لا شك فإن الكاهن " وكيل أسرار الله " (كو 1: 4) وهو في نفس الوقت طبيب واخصائي إجتماعي، ونفسي، لأمراض النفس، والجسد والروح، وعمله أن يكتشف المرض، ويقدّم الإرشاد والعلاج المناسب، بماله من خبرة طويلة.

والنفس أقدر علي خداع صاحبها ومن الصعب أن تعرف خطاهأ، فهي أشبه بالأم التي تحكم بأن إبنها جميل جداُ، مهما كان قبيحاُ، لذلك تحتاج إلي " مرآة " تري فيها ذاتها وعيوبها وقبحه. وفي إعترافها معالجة لمتاعب الكبت والكتمان.كما شهد أيوب وقال: " روح باطن تُضايقني.. أتكلم فأفرج " (أي 32: 18 2.) وقال داود النبي " لما سكت بليت عظامي من زفيري اليوم كله" (مز 3: 31).

ويقول قداسة البابا شنودة الثالث: "إن الأخطاء التي يقترفها الإنسان ويكتمها عن الناس تظل تعذّبه في فكره، ويضيق بها صدره، ويشعر بحاجته إلي إنسان يقاسمه أسراره الصعبة، حتي يخف حملّها.. ولكن الصديق مهما كان وفياُ لا يمكن أن نأتمنه علي أسرارنا الخاصة ولاسيما الخاص منها والبشع والدنيْ. كما لا نسلم من نقده".

ويضيف قداسته بقوله: " أما الكاهن فهو صديق حقيقي ولا يشمئز من سماع خطاياك لأنه قد تعود علي سماعها ولا يمكنه البوح بها، وإلا قُطع من الكنيسة "

ويقول أيضاُ: " إن من يُقّر بخطاياه ويستدعي له الكاهن الروح القدس، ليغفرها له، يشعر أن هذا الحمل الثقيل قد أزيل عن كاهله، وحمله المسيح نيابة عنه، فيستريح ويُحس بالسلام الداخلي، أما الذي لا يعترف علي يد كاهن الله، فتحاربه الأفكار والشكوك، ويظل مزعزع القلب، تارة يوقن بمغفرة خطاياه، وتارة تتضخم أمامه، فيظن أن ذنبه أعظم من أن يُغتفر.. وقد يحاول الإنسان أن ينسي الخطية، ولكنها تظل موجودة في اللاشعور (وتُسمَّي الكبت) ويؤدي الكبت إلي التبرم. وضيق نفسي لا يعرف سببه ويُجرّه الي مشاكل أخري، فإذا ما إحتّك به شخص في الأتوبيس بدون قصد – يثور، وهو في هذا التصرف يجهل حقيقة ودوافع تبرمه وثورته" لذلك يري علماء النفس أن الإعتراف مفيد من الناحية النفسية لسلامة النفس، وأن رغبته في التحرر من ثقل الإنسان العتيق هو في حد ذاته جزء كبير من العلاج. وبمجرد رؤية المريض للطبيب. يشعر براحة نفسية، وأن الشفاء قريب، ومثله المُعترُف الذي يتقابل مع أبيه الروحي".

الإعتراف علي يد الكاهن كما جاء بأقوال الأباء

الإعتراف هو اقرار التائب بخطاياه وذنوبه وأثامه وجرائره وكبائره وقبيح شهواته ومعاصيه وغفلاته وجميع ما صدر عنه من افكار ردية وامال كاذبة واقوال واعمال مخالفة للشريعة للبيعة المقدسة. وذلك علي يد كاهن الله ووكيل اسراره المؤتمن عليها ويتضح ذلك من تعاليم أباء الاجيال الاولي الذين استلموا هذا التعليم من رسل السيد المسيح الاطهار بل من السيد المسيح نفسه.

 جاء في أوامر الرسل قانون 52 مانصه:

 يلزمكم أن تكرموا الاباء الروحانيين... لأنهم أعطوا من الله سلطان الحياة والموت بأن يحاكموا الخطاة ويعاقبوا بدينونة لنار ابدية وأن يحلوا التائبين من خطاياهم ويحيوهم (ك 32: 2 وب 45: 42) للمجموع الصفوي.

 جاء في قوانين الرسل

" كل أسقف أو قس لا يقبل من يرجع عن خطيته بل يطرده فليقطع لأنه يحزن المسيح القائل " فرح يصير في السماء بخاطيء واحد يتوب " (ق 52).

 القديس ترتوليانوس من اباء الجيل الثاني

قال في كلامه عن التوبة (فصل 3 و1.) موبخاُ الذين لا يريدون أن يشهروا خطاياهم ويسمي ذلك خجلاُ مرزولاُ " يلاحظ عليهم أنهم وأن اختفوا عن البشر لا يمكنهم أن يختفوا عن الله مطلقاُ وانه خير لهم أن يشتهروا ويحلوا من أن يختفوا ويدانوا. ان الذي لا يعترف بخطاياه ويهلك بها كالمريض الذي يخفي داءه عن الطبيب المزمع أن يشفيه."

 القديس كبريانوس من اباء الجيل الثالث

قال (في الساقطين 28 و29) ما نصه: " أن هولاء قبل أن يتوبوا عن خطاياهم بانسحاق قلب وبساطة وقبل أن يعترفوا أمام كهنة الله العلي ويطهروا ضمائرهم ويطلبوا من الكهنة علاجات خلاصية لجراحهم الروحية ويستعطفوا الرب علي الاهانة التي اهانوا بها ايمانه القويم يتجاسرون بلا حياء ان يشتركوا بجسد الرب ودمه. فأطلب اليكم ايها الاحباء أن تعترفوا بخطاياكم مادمتم في الحياة الحاضرة حيث صفح الخطايا الممنوح من الكهنة مقبول ومرضي عند الله."

القديس باسيليوس الكبير

قال: "إن الإعتراف بالخطايا للمؤتمنين علي تدبير أسرار الله (الكهنة) ضرورة. وهو أمر قديم. فقد كان الناس يعترفون ليوحنا المعمدان " (إجابة السؤال رقم 288).

القديس أغسطينوس

 قال " إن الخطية التي فعلها موعوظ تٌغسل بالمعمودية، وإذا فعلها معتمد تُترك بالتوبة "

 وقال أيضاُ: " أن الإعتراف هو تحلُّل من الإنسان العتيق ونمو للإنسان الجديد ".

القديس جيروم

قال: "لما خجل المريض من كشف جراحاته (مرضه) للطبيب يصبح الطبيب غير نافع، لأنه لا يشفي (يعالج) ماهو جاهل له، (ما لا يعرفه عنه). وقال أيضاُ: العلاج لا يُفيد في المرض المجهول"

القديس موسي الأسود

قال: "الفكر الخاطيْ يضعُف بمجرد كشفه، والأفكار الشيطانية يكون لها سٌلطان بمقدار ما تختبيْ في قلوبنا".

فاذا عملنا هكذا وكشفنا خطايانا ليس لله فقط بل للذين يستطيعون أيضاُ أن يشفوا جراحنا ومآثمنا تمحي جهالاتنا من الله الذي قال: "قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك" (إش 22: 44) "لا تلبث في ضلال المنافقين. اعترف قبل الموت فإن الإعتراف يعدم من الميت اذ يعود كلا شيء" (سيراخ 26: 17).

والإعتراف على الكاهن يعين الإنسان على السير في طريق الفضيلة

والإعتراف على الكاهن المعتبر كأب يعين الإنسان على السير في طريق الفضيلة دون أن يسقط لأن الكاهن يكون دائماً منذرا ومشجعاً ولذلك قال سليمان الحكيم " ويل لمن هو وحده أن وقع إذا ليس ثان ليقيمه"(جا 4: 1.)

والكاهن أيضاً مؤتمن على تقديم جسد الرب ودمه للمستعدين المستحقين فقط فمن حقه أن نكشف له أنفسناً ليحكم باستحقاقنا. فالأب الكاهن هو الحارس المؤتمن على الشريعة وهو ملاك(رسول) رب الجنود. (ملا 2: 7)

والإعتراف على الأب الكاهن يريح النفس ولا سيما عندما يسمع المعترف صوت التحليل الممنوح له من الله. وبدون الإعتراف على الكاهن كيف تسمع هذا الصوت للحل عن خطاياك؟ كما سمع داود بعد اعترافه بخطيئته لناثان النبي صوت الحل منه قائلاً (الرب أيضاً قد نقل عنك خطيئتك لا تموت) (2 صم 12)

الإعتراف علي يد الكاهن هو فضح للشيطان!!

الإعتراف علي يد الأب الكاهن هو فضح للشيطان فنحن في حاله حرب مع ابليس من اليوم الذي جحدناه قبل المعموديه واعترفنا بمسيحنا القدوس. ان الإعتراف هو فضح للشيطان وليس للتائب. اما التائب فسيجد يد الله تظلل عليه وتستره من سهام ابليس المسمومه الملتهبه نارا. الإعتراف هو مسوغات الأبديه. فالإعتراف ليس جهاد خاص بغربتنا فحسب ولكنه من صميم مسوغات ابديتنا فكيف ندخل الي عرس الخروف وثيابنا ملطخه بدماء أثامنا. فكيف يمكنني كمذنب ان اقف امام ديان الأرض كلها؟!. انه أمر خطير جدا ومخيف جدا الوقوع بين يديه.

والإعتراف ضروري لإماتة الكبرياء

والإعتراف ضروري لإماتة الكبرياء التي هي أساس كل خطيئة فلنخذي ونحمل خجلنا كما يقول حزقيال النبي (16: 52) حتى نتضع ونقدم أعضائنا الخارجية والداخلية وباطننا أيضاً لله فيزيل الله آثار الخطيئة، وتمسح دموع التوبة والندامة ظلمة النفس فتستنير النفس ويعود الإنسان إلي صوابة وتستقيم أحكامه وتهدأ نفسه ويستريح ضميره ولا يعود للخوف والاضطراب بعد، ويصح المجتمع كله، ويرضي الله عنه ولا يتخلى عنه وتمتد الكنيسة علي الأرض ويتلألأ نورها في وسط ظلمة هذا العالم وتحمل من جديد لواء الكرازة والتبشير.

الإعتراف من أهم مظاهر حنان الله علينا

الإعتراف هو مظهر من مظاهر الحنان الأبوي فشكرا لفادينا الحنان الذي وضع لنا سر التوبه والإعتراف واعطي للأباء الكهنه سلطان الحل والربط فهذا من أهم مظاهر حنان الله علينا. الإعتراف حب للرب يسوع المسيح. وسعي في حبه فهو يعطينا كل يوم ما لا نستحقه من ينابيع حبه ونحن بأثامنا نجرحه كل يوم ونحتقر حبه. وما اروع قول الهنا عندما سئل عن الجراحات التي في يديه فأجاب (تلك التي جرحت بها في بيت احبائي) لذلك فلنهب اليه بدافع الحب. الحب الذي يخاف علي مشاعره المجروحه بسبب خطايانا، دون النظر الي العقاب الذي ينتظرنا ان لم نعترف. فلنجري نحوه بالإعتراف كلما نخطيء مثل الطفل الذي يسقط في قذارته فيجري نحو امه صاراخا طالبا النظافه.

الإعتراف تلمذه للسيد المسيح

 لقد صعد السيد المسيح الي السماء جسديا حوالي عام 29 ميلاديه. ولم تتوفر لنا الفرصه التي توفرت لأبائنا الرسل ان نجلس مع فادينا ونتتلمذ له مثلما توفرت لهم. لكن سر الإعتراف يحمل لنا في اصاله رسوليه تفردت بها الكنيسه الأرثوذكسيه تلمذه حقه للسيد المسيح شخصيا. فأنا حينما أخشع في سر التوبه والإعتراف لا أسمع فم الكاهن ولا انظر وجه الكاهن ولا لي علاقه بسيره الكاهن لأن الكاهن هنا هو الوعاء الألهي الرسولي الذي يحمل لي روح التلمذه للسيد المسيح فأسمع المسيح وأنظر وجه المسيح وتكون قدوتي سيره المسيح.

ضرورة الإعتراف لراحه النفس

الإعتراف على الأب الكاهن بجانب كونه ضروري لنيل الغفران إلا ان له فوائدة الأخرى الكثيرة فالإنسان بطبيعته يحتاج إلى من يشكو له همومه ومتاعبه ويفضفض له بما في صدره فيستريح وينفس عن نفسه ويتلقى المشورة الحكيمة أو النصيحة المخلصة أو المشاطرة الوجدانية التي تريحه وتسعده ويا حبذا لو كان هذا الإنسان الذي نشكو له متاعبنا هو كاهن وأب اعتراف ومعلم ومرشد ومختبر وكاتم للأسرار وعنده روح الأبوة الحانية.

و الإعتراف على يد الكاهن يفيد المعترف بأنه يأخذ من الكاهن وصايا ونصائح كلها حكمة وخبرة تفيده في جهاده ضد الخطية فلا يسقط فيها مرة أخري إذا كان مطيعاً وعمل بهذه الوصايا.

فوائد أخري للأعتراف

ذكر أحر الخدام فوائد كثيرة للإعتراف علي يد الأب الكاهن ومنها مثلاُ:

 لكي نحيا دائماُ تحت فحص نور الله، ملزمين الجسد المُدلل والذات المتعجرفة بالخضوع والإتضاع.

 لكي نأخذ كل يوم دفعة جديدة نحو النمو الروحي

 لكي نحصل من فم الرب علي الإرشاد المناسب لحالتنا وظروفنا واحتياجاتنا الروحية، وهو ما لا نحصل عليه بمفردنا بالطبع.

 لكي نسمع من فم الرب الحل من خطايانا، فتستريح ضمائرنا المثقلة ونستحق بنعمته الاتحاد به في سر الافخارستي.

وقال ذهبي الفم: " مايعمله الكاهن تحت (في الأرض) يُثبته الله فوق. وعندما نسمع " الحل " من الكاهن ننال بركتّي الطمأنينة والسلام"

 قال إرميا النبي: "هكذا قال الرب: إسالوا عن السبُل القديمة: اين هو الطريق الصالح، وسيروا فيه، فتجدوا راحة لنفوسكم " (إر 16: 6)

 قال الرب يسوع " إمض وأر نفسك للكاهن " (لو 14: 5).

 لا يكتفي المريض بكتب الطب لعلاج نفسه، بل لابد له من الذهاب إلي طبيب أخصائي، وهناك خطر من تناول الدواء بدون استشارة الأخصائي

الباب السادس

شروط الإعتراف المقبول

ليس كل اعتراف عن الخطية يعتبر مقبولاُ لدي الله أو يستجلب رضاءه وعفوه لأن فرعون اعترف بخطأه أمام موسي وهرون مرتين (خر 27: 9 – 28) وأخوة يوسف اعترفوا بخطئهم أمامه ووبخوا أنفسهم (تك 21: 42) وشاول الملك اعترف بخطيته أمام صموئل النبي وطلب منه الغفران (1 صم 24: 15 – 25) ويهوذا الاسخريوطي اعترف بخطيته وندم (مت 3: 27 – 4) ومع ذلك قد هلكوا جميعاُ ولم يجدهم اعترافهم نفعاُ لأنه لم يكن مصحوباُ بالندامة الحقيقية علي ما أرتكبوه أو بتوبة خالصة عما اعترفوا به ولهذا وجب علي كل معترف يطلب المغفرة ويشعر أنه في أشد الحاجة اليها أن تكون توبته مقترنة بالأتي:

أولاُ: انسحاق القلب أو الحزن علي الخطايا (1)

أولاُ: انسحاق القلب أو الحزن علي الخطايا التي تمرغ في حمأتها وهذا شرط أساسي وضروري لمن يشعر بثقل خطاياه قدام الله وبابتعاد الله عنه مادام ملوثاُ بها

ومن يفقد هذا الانسحاق لا يعتبر اعترافه توبة بل رياء ونفاق. وهذا ما يطلبه الله من شعبه في حالة رجوعهم اليه " ولكن الآن يقول الرب أرجعوا إليّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وأرجعوا إلي الرب الهكم لأنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم علي الشر" (يؤ 12: 2 و3) وهذا ما تقدم به داود الملك في توبته "استر وجهك عن خطاياي وأمح كل أثامي " (مز 9: 51) " لكنك ترحم الجميع لأنك قادر علي كل شيء وتتغاضي عن خطايا الناس لكي يتوبوا" (حك 24: 11).

 (1) أن مصادر أنسحاق القلب ثلاثة مهما كان الباعث لها واحداُ وعلها متفقة إلا أنها تختلف في النتيجة بالنسبة لحالة المؤمن عند نوال المكافأة وحصول الأجر وهذا

ما عبر عنه الرسول بقوله " لأن نجماُ يمتاز عن نجم في المجد " (1 كو 41: 15) وهو ما اقتبسه من تعليم السيد المسيح له المجد " في بيت أبي منازل كثيرة "(يو2: 14) بل هو ذلك الامتياز الذي تتبين به درجات المؤمنين عند نوال الجزاء يوم جلوس المسيح علي كرسي مجده

 اولا: عبد لم يعتنق التوبة إلا خوفاُ من العقاب

قد يكون انسحاق القلب صادراُ عن خوف من العقاب الذي تستوجبه نتائج الخطية المهلكة في العالم الحاضر والدهر الآتي وأن كان المبدأ هو عبارة عن توجع النفس ومقت الخطايا لسبب معروف بالأيمان الفائق الطبيعة كفقدان النعمة والنفي من السعادة وقباحة الخطية والشر ==

ولما أراد مخلصنا الحبيب أن يبين ماهية التوبة الحقيقية في عهد النعمة أوضح شروطها الاساسية بأمثال حية في سيرتي الابن الشاطر والعشار وشخص الأول حاكماُ عن نفسه حكماُ طوعياُ بمحض ارادته وصارماُ جداُ وراجعاُ إلي أبيه بقلب منسحق وتخشع عميق نتيجة خبرة واسعة بما لحقه من أدناس الرذيلة وما حاق به

=وأهانة الله ومع ذلك يسمي بالندامة الغير الكاملة لأن الباعث له هو خوف العقاب وعذاب جهنم ودرجة المؤمن في هذه الحالة بمثابة عبد لم يعتنق التوبة إلا خوفاُ من العقاب المرعب ولا يفعل مرضاة سيده إلا من رهبة الخوف " أو لا تخاف الله اذ أنت تحت هذا الحكم بعينه " (لو 4.: 23). " لا أعود اسميكم عبيداُ لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده لكني قد سيمتكم احباء لأني اعلمتكم بكل ما سمعته من أبي " (يو 15: 15) " إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاُ للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب " (رو 15: 8) ومع أن الانسحاق في هذه الحالة قد يوصل الخاطيء إلي بدء الاصلاح ويرجعه عن طريق الشر إلي طريق الفضيلة إلا أنه لا يمكن أن يكون ندامة حقيقية ولا تبرر إلا مع قبول السر بما أن مركز المؤمن أرقي من هذه الحالة

ثانياُ: الأجير الذي يقوم بعمله الأكمل طمعاُ في نوال الأجر

قد يكون الانسحاق ناتجاُ عن طموح إلي المجد العتيد وميراث القديسين ونوال السعادة الأبدية وغاية التائب فيه نوال رضا الله للوصول إلي هذه البركات. وفي هذه الحالة يكون التائب بمنزلة الأجير الذي يقوم بعمله الأكمل طمعاُ في نوال الأجر فقط " ولست مستحقاُ بعد أن ادعي لك أبناُ اجعلني كأحد أجراك " (لو 19: 15).

" قال صاحب الكرم لوكيله ادع الفعلة وأعطهم الأجرة مبتدئاُ من الآخرين إلي الأولين " (مت 8: 2.).. " إلي أن يسر كالاجير بانتهاء يومه " (أي 6: 14).. ومدعاة سروره نوال الاجرة التي يعمل لأجلها وأن كانت هذه الغاية توصل إلي توجع النفس ومقت الخطايا لغرض معروف بالإيمان الفائق الطبيعة كفقدان النعمة والنفي من السعادة وقباحة الخطية والشر وأهانة الله وقد يبعد التائب من كل ميل إلي الرزائل إلا أنه يعتبر في درجة متوسطة بالنسبة لما يجب أن يكون المركز الحقيقي لأبناء الله.

ثالثاُ: الابن العائد إلي أبيه لا خوفاُ من عقاب ولا طمعاُ في ثواب

قد يكون الأنسحاق ناتجاُ عن محبة الله من قلب يفيض بها قد خالف ارادته المقدسة واعترف ضميره داخلاُ بأنه أخطأ أمام الآب السماوي الصالح وقد شعر بعصيانه وعدم شكره ==

من الانحطاط الزريع وقائلاُ له " يا أبي اخطأت إلي السماء وقدامك ولست مستحقاُ أن أدعي لك بل أبناُ اجعلني كأحد اجراك " (لو 18: 15 – 19).وشخص العشار

مستغيثاُ بعطف الله ورحمته بتواضع عميق وحزن قلب وتنهدات ساحقة وواقفاُ من بعيد لم ير نفسه اهلاُ أن يرفع عينه إلي السماء وكان يقرع صدره قائلاُ: " اللهم أرحمني أنا الخاطي " (لو 17: 18).

ثانياُ: في العزم الثابت علي اصلاح السيرة

هذا هو الشرط الثاني لصحة الإعتراف وقبوله أمام الله، وهو في سر التوبة نتيجة ضرورية لانسحاق قلب النادم علي ما أرتكبه من المعاصي والذنوب، وكما أن الخاطيء لا يكون حزنه عميقاُ علي خطاياه وصادر من أعماق قلبه ليس عن خوف

== لاحسانات الله المحسن العظيم وأصبح بعيداُ عن استحقاقه لهذا الاحسان ويطلب بانسحاق قلبه عودته إلي مركزه الاول بنوال رضاء الله كأب له وفي هذه

الحالة يكون التائب في مركز الابن الذي يطلب العودة إلي أبيه لا خوفاُ من عقاب ولا طمعاُ في ثواب بل لأنه ابن يتمني أن يعيش في كنف أبيه ويتمتع بحنانه وعطفه ويظل مشمولاُ بالرعاية التي يقتضيها مقام النبوة " وأما كل الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله " (يو 12: 1 – 13)... "أنظروا أية محبة أعطانا الآب حتي ندعي أولاد الله" (1يو 1: 3)

" إذاُ لست بعد عبداُ بل ابناُ وأن كنت ابناُ فوراث لله بالمسيح " (غل 7: 4) " الروح نفسه أيضاُ يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله فإن كنا أولاداُ فأننا ورثة أيضاُ. ورثة الله ووارثون مع المسيح ان كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاُ معه " (رو 16: 8 – 17) فالابن يعمل مرضاة أبيه محبة فيه فقط واكراماُ وتقديراُ لهذه المحبة ينسحق قلبه اكتساباُ لرضاه فيضمن لنفسه الغفران وينال ميراثاُ مع المسيح في ملكوت الله الآب " لا خوف في المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلي خارج لأن الخوف له عذاب وأما من خاف فلم يتكمل في المحبة نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاُ " (1 يو 18: 4 – 19) فمتي عرف المؤمن مقامه وأنه ابن الله المحبوب من أبيه لا يري لنفسه راحة بعيداُ عن هذا المركز السامي والمقام الرفيع ومتي طوحت به الاهواء وابعدته عن مقامه يبذل ما استطاع من انسحاق قلب ومرارة نفس وندامة عميقة للوصول إلي ما يمتعه برؤية أبيه ونوال حنانه وعطفه وهذه الحالة تصالحه مع الله كابن وتورثه الامجاد كابن وهي منزلة ارفع من منزلة الأجير والعبد

العقاب ولا طمعاُ في الثواب فقط (كما سبق ان اوضحنا في هامش الفقره السابقه)، بل ناتجاُ عن محبة الله أيضا ولكراهته ومقته للخطية التي تغضب قداسته. هكذا لا يمكن التائب أن يكون انسحاق قلبه حقيقياُ ما لم يشعر في نفسه بشوق صادق وعزم ثابت علي اصلاح حياته والأقلاع عن سيرته الماضية بخلع الإنسان العتيق مع أعماله وان يلبس الإنسان الجديد الذي يتجدد بحسب صورة خالقه في البر وقداسة الحق (اف 9: 3 – 1. و23: 4 –24).

" ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ماهي أرادة الله الصالحة المرضية الكاملة " (رو 2: 12) وهذا التغيير يأمر به كلام الله في كرازة القديس يوحنا المعمدان عن التوبة الحقيقية وثمارها الطبيعية حيث قيل " فلما رأي كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون إلي معموديته قال لهم يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي فاصنعوا أثماراُ تليق بالتوبة وكل شجرة لا تصنع ثمراُ جيداُ تقطع وتلقي في النار " (مت 7: 3 – 1.) ويقول القديس بطرس الرسول في كرازته لليهود " توبوا وارجعوا لتمحي خطاياكم " (أع 19: 3) لأن هذا هو الذي اعلنه الوحي الألهي عن السيد المسيح له المجد " أن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم " (لو 47: 24) ويكتب القديس يوحنا الرائي إلي ملاك كنيسة أفسس قائلاُ: " فأذكر من أين سقطت وتب وأعمل الأعمال الأولي وإلا فأني أتيك عن قريب وأزحزح منارتك من مكانها أن لم تتب " (رؤ 5: 2) لأن من يتب إلي الرب يرحمه ويكثر له الغفران (إش 7: 55) وهذا ما جاهر وعلم به آباء الكنيسة الأولون حيث قال القديس أمبروسيوس (في التوبة ك2 – 35) يجب علي التائب أن يغسل بالدموع خطيته وأن يستر الهفوات السابقة بأعمال صالحة كي لا تحسب التوبة عليه خطية " أرجعوا الآن أيها الخطاة واصنعوا أمام الله براُ واثقين بأنه يصنع إليكم رحمة " (طو 8: 13).

ضع حداُ للأمور الماضية

كتب القديس باسيليوس القيصري من اباء الجيل الرابع (في ادبياته 4: 1) لأن ليس الذي يقول اخطأت ويلبث مصراً علي الخطية يعترف! لا! بل الذي يجد خطيته ويبغضها اذ ما هي الفائدة للمريض من اجتهاد الطبيب اذا كان هو يجلب ما يفسد حياته؟ هكذا لا فائدة من صفح الظلم لمن لم يكف عن ظلمه ولا من ترك الرجاسة لمن بقي في رجاسته .فبدون المسامحة من الله لا يمكن للإنسان أن يبتديء بالحياة الفاضلة ولهذا قد أراد مدبر حياتنا الحكيم من الذي امتحن ببعض الخطايا وعزم علي السلوك بالسيرة المنزهة أن يضع حداُ للأمور الماضية يحددها به ويجعل لنفسه بدءاُ جديداُ بعد الخطايا كأن حياته قد تجددت بالتوبة وأما الذي يعترف بخطاياه مراراُ متكررة ثم يسقط فيها بتكرار فإنه يغلق أمامه باب تعطف الله ويترك في اليأس إذ لا يكفي للتائبين غفران الخطايا وحده للحصول علي الخلاص بل من الضروري ان تكون لهم أثمار تليق بالتوبة "

وقال دانيال النبي لنبوخذ نصر " لذلك أيها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك وفارق خطاياك بالبر وآثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك " (دا 27: 4) ولذلك لا يجب أن تكون توبتنا عقيمة عديمة الثمر.

ثالثا: الأيمان والرجاء بيسوع

وهذا شرط لازم من شروط التوبة لأن الإعتراف بالخطايا المقرون بالندامة العميقة وانسحاق القلب لا ينفع التائب ما لم يكن ثمراُ للإيمان بيسوع المسيح ومفعماُ بالرجاء التام في رحمة الله وتحننه علي الخطاة وعظيم فرحه برجوعهم إليه وتوبتهم له لأن رحمة الله تسع جميع المعاصي والذنوب مهما كان ثقل جرمها " أما مراحمك فعظيمة جداُ، لأنه طيب هو الرب للذين يترجونه للنفس التي تطلبه فإنه ولو أحزن يرحم حسب كثرة مراحمه " (مرا 26: 3 – 32).

وكل اعتراف مهما شملته الندامة وانسحاق القلب خلواُ من الرجاء برحمة الله بنوال المغفرة يشبه خطية إبليس ويعتبر تجديفاُ عديم المغفرة في الدارين لأن إبليس مع إيمانه الوطيد بوجود الله والإعتراف بكمالاته وقدسية حنانه " إلا أنه اعتقد بحصر قدرة الله وحكمته في إيجاده وخلقته دون سواه ويتعذر عليه (له المجد) ان يخلق أحكم وأعظم منه. هذا " تصلف وكبرياء " (1 تي 6: 3).. " كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح كيف قطعت إلي الأرض يا قاهر الأمم وأنت قلت في قلبك أصعد الي السموات أرفع كرسي فوق كواكب الله وأجلس علي جبل الاجتماع في أقاصي الشمال أصعد فوق مرتفعات السحاب أصير مثل العلي لكنك أنحدرت إلي الهاوية إلي اسافل الجب " (إش 12: 14 – 15).. " والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلي دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام " (يه 6) وإذ حكم عليه بالسقوط مع كل أجناده قطع الرجاء من رحمة الله وعطفه فأصبحت خطيته تجديفاُ عديم المغفرة وهي الخطية التي قال عنها يوحنا الحبيب " توجد خطية للموت ليس لأجل هذه أقول أن يطلب " (يو 16: 5) ومن هذا النوع كان اعتراف يهوذا الاسخريوطي وندامته (مت 4: 27 – 5).

الرجاء وعدم اليأس

فلذا وجب على كل معترف بخطيته مهما كانت ثقيلة أن يضع أمام بصيرته الرجاء برحمة الله والتماس تعطفه وحنانه وعدم اليأس من نوال مغفرته عن أى ذنب اقترفه " ويقال فى ذلك اليوم هوذا هذا إلهنا انتظرناه فخلصنا " (اش25: 9) ولهذا السبب إستلفت الرسول بطرس أنظار الراجعين إلى الله والتائبين عن معاصيهم إلى التماس الرجاء بيسوع المسيح بقوله " له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن يه ينال باسمه غفران الخطايا " (أع1.: 43). " وليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغى أن نخلص " (أع4: 12). " فمن ثم يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حى فى كل حين ليشفع فيهم " (عب7: 25). " ويصالح الاثنين فى جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به فجاء وبشركم بسلام أنتم البعيدين والقريبين " (أف2: 16و 17). " وننتظر رحمتك إذا حكم علينا " (حك12: 13).

فمهما كان اعترافنا صريحاً وندامتنا ساحقة ومهما كان عزمنا على إصلاح سيرتنا صادقاً وتحسينها فى المستقبل ثابتاً لا يمكننا أن نستحق غفران الخطايا من الله بدون الإيمان بيسوع المسيح والرجاء يرحمة الله.

رابعا: الأستعداد الجيد وامتحان النفس

من كان بينه وبين صاحبه حقد، فليصطلح معه. من كانت سريرته توبخه علي الخطايا،فليعترف بها. من كان غريباً في أفكاره عن وصايا الرب فلينصرف. من هو في سيئة فلا يتواري فإنه لا يختفي. من هو مريض بمشورات مردودة فلا يدخل نفسه. من هو دنس ومن لم يثبت فلينصرف.

من رفض كتب الله..، فليذهب لينجي نفسه من غضب الوحيد. من إستحي آن يعترف بصلب المسيح، فليذهب هارباً من تهديد ربنا.

بحكمة الله فلنكن مستعدين لأن تأخذ بإستحقاق التي أنعم بها علينا " مقدمة قداس عهد ربنا ".

يمتحن أعماله وسلوكياته

" ولكن ليمتحن كل واحد عمله، وحينئذ يكون له الفخر من جهة نفسه فقط، لا من جهة غيره لأن كل واحد سيحمل حمل نفسه " (غل 6: 4).

 يمتحن ويفحص أفكاره وإنطباعاته وتطلعاته وأهدافه ومعاملاته وشهوات قلبه وأعماله، ويسأل نفسه بل يجيب علي سؤال يوجه إلي ضميره وقلبه:

 هل نحن في عمل المحبة نامون؟.. هل نحن في طريق التوبة سائرون؟.. هل نحن للأعداء غافرون؟.. هل نحن في الصلاة مداومون؟.. هل نحن في الأصوام زاهدون؟.. هل نحن في العطاء مغبوطون؟.. هل نحن في العبادة جادون؟.. هل نحن في البذل صادقون؟.. هل نحن في القدوة مزكون؟.. هل نحن للضعفاء متسعون؟.. هل نحن في الفضيلة نامون؟.. هل نحن في الكرازة نشيطون؟.. هل نحن في الأسرة متحابون ومترابطون؟.. هل نحن في العالم غير ملوثين؟.. هل نحن عن الخطية منفصلون؟.. هل نحن مع السمائيين مشتركون؟.. هل نحن في نور المسيح سالكون، أم في ظلمة إبليس قائمون ولاهون؟.. هل نحن للمسيح عائشون أم مع بليعال سائرون؟.. هل نحن من إبليس راضعون، طباعه وأفكاره وحيله، وإغراءاته؟

 يمتحن نفسه يقيمها ويقومها

يقيمها علي ضوء الإنجيل والوصية الإلهية

 لا تكونوا مديونين لأحد بشيء، إلا بأن يحب بعضكم بعضاً، لأن من أحب غيره فقد أكمل الناموس، لأنه لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشته وإن كانت وصية أخرى هي مجموعة في هذه الكلمة أن تحب قريبك كنفسك.. فالمحبة هي تكميل الناموس " رو 13: 8".

يمتحن فكره

" لا تنظروا كل واحد إلي ما هو لنفسه، بل كل واحد إلي ما هو لآخرين أيضاً، فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً " (في 2: 4).

 لتتغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم بل: يمتحن الإنسان نفسه لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة أي "إمتحنوت كل شيء، تمسكوا بالحسن.

 وإذا فحصت ذاتك وإختبرت إيمانياتك وسلوكك ووجدت نفسك غريباً فهناك الحل الوحيد ألا وهو: التوبة والإعتراف وتجديد العهد.

خامسا: تكون توبته صحيحة ومقبولة؟

أن تكون توبته صادقة حبا في الله وليس خوفا من عقاب، وأن تكون غايته من الإعتراف شفاء نفسه والحصول على نعمة الغفران من الله والحصول على الحياة الأبدية السعيدة. وأن يكون أمينا صريحاً مع نفسه لا يحابيها ولا يدللها لئلا ينطبق عليه قول الرب " من يحب نفسه يهلكها " (يو 12: 25). وأن يكون لديه النية الصادقة والعزم الأكيد على ترك الخطية ومسبباتها. وأن يفحص ضميره فحصا دقيقاً ويمتحن نفسه ويحصر خطاياه سواء بالفعل أو القول أو الفكر أو الحواس ويظهر الندامة عليها والانسحاق بسبب سقوطه فيها. وأن يكون صادقاً في الإعتراف عالما أن الكذب على أب الإعتراف هو كذب على الروح القدس نفسه كما قال القديس بطرس الرسول لحنانيا " لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس " (أع 5: 3). وأن لا يخفي شيئاً من أسراره وأفكاره بل يكشف قلبه بكل وضوح وصراحة أمام الأب الكاهن حتى يتمكن الكاهن من تقديم العلاج المناسب لبنيان حياة المعترف الروحية.

لا تخفي شيئا.. ماء وليس زيت

يقول ارميا النبي مخاطبا النفس البشرية " اسكبي كمياه قلبك قبالة وجه السيد " (مرا 2: 19). فحين نسكب الماء من الإناء لا يتبقى في الإناء أثر أو رائحة، أما إن سكبنا من الإناء زيتاً يتبقى فيه الأثر وإن سكبنا خلاً تبقت فيه الرائحة، أما الماء فلا يتبقى منه شئ.

كذلك المطلوب من الإنسان أن يفرغ نفسه في الإعتراف من كل خطاياه تفريغا كاملاً كسكب الماء من الإناء، ولا يتبقى في قلبه إي أثر للخطية كالزيت ولا أي رائحة للخطية كالخل. وأن لا ينتحل لنفسه الأعذار ولا يلقي اللوم على الظروف أو الناس الآخرين لأن الإعتراف هو شكوى النفس من النفس فعلي المعترف أن يعترف بخطاياه هو لا خطايا الآخرين والحكيم ينصح كل معترف قائلاً " لا تقل قدام الملاك (الكاهن) أنه سهو " (جا 5: 6). وعلى المعترف أن يكون عادلاً في محاسبة نفسه لا يعطف عليها أكثر من اللازم فيسلك الطريق الواسع ولا يقسو عليها أكثر من اللازم فيصل إلى الوسوسة والضمير الضيق بل يسلك باعتدال وضمير مستقيم سوي

اجماع الكنائس الرسوليه القديمه علي الإعتراف

اجمعت الكنائس الرسوليه القديمة على أن الإعتراف سر من أسرار الكنيسة مع أن بينها اختلافات أخري كثيرة ويعد هذا من أكبر الأدله على صحة وجوب الإعتراف للكاهن لأن أسرار الكنيسة لا يمارسها إلا الكاهن. والكاهن مؤتمن على سر التناول من جسد المسيح ودمه الأقدسين ومطالب إلا يناوله إلا للتائب حسن السيرة وإلا أصبح هو مسئولا ومدانا أمام الله عن إهماله في ذلك.

وصية سيامه الكاهن الجديد

 وفي وصية سيامه الكاهن الجديد يوصيه الأسقف قائلاً " أحرس هذه الذخيرة كحراسة الشاروبيم لشجرة الحياة، احترز على هذه السرائر احتراز يخلصك من الجرائر (المصائب والنكبات) ولا تناوله إلا للحسن السيرة الصالح السمعة الطاهرة السريرة، رد من كانت طريقته شريرة لئلا يقتل نفسه وتكون أنت السبب في الجريرة ".

كيف يتم التنفيذ؟

هنا نتساءل كيف يعرف الكاهن ان هذا الإنسان حسن السيرة طاهرة السريرة حتى يسمح له بالتناول، وكيف يعرف الإنسان الخاطئ غير المستحق ليمنعه من التناول؟ أليس عن طريق الإعتراف أمامه، من حق الكاهن أن يمنع الإنسان الذي لا يمارس سر الإعتراف من التناول من الأسرار المقدسة فالسيد المسيح له المجد لم يناول من جسده ودمه الأقدسين إلا تلاميذه الذين يعرفهم حق المعرفة ويعرف أنهم مستحقون لتناول هذه الأسرار الإلهية، ولم يتناول يهوذا الأسخريوطي من جسد ودم المسيح بسبب شره وخطيته.

الباب السابع

طقس سر الإعتراف

أولاً: اقرار التائب المعترف

 يقر التائب إقراراُ كاملاً، نابعاُ عن رغبة صادقة للتوبة وحرص شديد علي النمو والجهاد. وذلك في وقار الكلام، وبوقار في الجلوس، وبوقار في الإستيضاح والمناقشة فيما يشير به الأب الكاهن.

ثانياُ: وضع الكاهن الصليب فوق رأس التائب

يضع الكاهن الصليب علي رأس المعترف ويمسك رأس المعترف بإبهام يده اليمني وأصابع يده اليسري. ووضع الكاهن يديه فوق رأس المعترف يشير إلي أبوة الله الحنانة القابلة إليه التائبيين كما إنه إشارة إلي يد الله الماسك الكل والضابط الكل بيمينه. ضابط حركات الإنسان وأفكاره، وضابط لحركات إبليس وهياجه.. ضابط الكل يمسك برأس (أفكار) التائب.

أما وضع الصليب فوق رأس المعترف، فذلك لأن موهبة الغفران وقوته يستمدها الكاهن من دم ربنا المسفوك علي الصليب وهنا ضرورة يحتمها الطقس والفهم اللاهوتي الصحيح فالرأس المثقلة بالخطية تكون منحنية إلي أسفل بينما يصلي الكاهن بالصليب حيث يتم بفعله السري تقديس المعترف أولاُ لحلول الروح القدس، ثم يمنح بواسطة رمز الصليب الظاهرة قوة الدم الإلهي المطهرة لخطايا التائب سرياً وحينئذ تتم بالصليب الحل والمصالحة بين الله والتائب.

أما وضع إبهام يد الكاهن اليمني فوق رأس المعترف فلأنه خلال صلوات السر يرشمه ثلاث رشوم بالصليب المقدس باسم الأب والإبن والروح القدس إستدعاْء لسر اللاهوت للتقديس اي سر الثالوث وسر التجسد وسر الفداء.

ولأنه بواسطة هذا الإبهام يتم الرشم السري لروح المعترف كما يتم لجسده فيحمل بواسطتها إستحقاقات الغفران الإلهي.

ثالثاً: صلوات السر

وهذه الصلوات يرفعها التائب والمعرف معاً بقصد الإستعداد الروحي والذهني لملاقاة صفح الرب وحله. وتشمل هذه المقدمة ما يلي:

 الصلاة الربانية " أبنا الذي.. "

 مجموعة من صلوات المزامير وهي تشير إلي صوت التائئب الذاكر خطيئته العارف بمراحم الرب. وهي مزامير (5. – 31 – 37)

 صلاة منسي الملك: وهي الصلاة التي رفعها منسي الملك وهو مقيد بالسلاسل النحاس وفي أنفه خزامة حديد عندما ساقه ملك أشور مسبياُ إلي بابل. فرفعها في ضيقه " وتواضع جداُ أمام إله آبائه " (2 أي 11: 32 – 13).. وهذه الصلاة محفوظة في كتب الكنيسة وتقال ضمن صلوات الملوك والأنبياء في ليلة سبت الفرح (أبو غلامسيس) وهذا نصها:

صلاة منسي الملك

يارب، ياضابط الكل الذي في السماء، إله آبائنا إبراهيم وأسحق ويعقوب وزرعهم الصديق، الذي خلق السماْء الأرض وكل زينتهما.الذي ربط البحر بكلمة أمر وختم فمه بإسمه المخوف والمملوء مجداً. الذي يفزع ويرتعد كل شيء من قدام وجه قوته لأنها لا تحد عظمة مجدك ولا يدرك غضب رجزك علي الخطاة وغير محصاة ولا مدركة رحمة إرادتك. أنت الرب العلي الرحوم طويل الروح وكثير الرحمة وبار ومتأسف علي شر البشر. أنت أيضاً يارب علي قدر صلاحك رسمت توبة لمن أخطأ إليك، وبكثرة رحمتك بشرت بتوبة للخطاة لخلاصهم. أنت يارب لم تجعل التوبة للصديقين إبراهيم وأسحق ويعقوب (*) هؤلاء الذين لم يخطئوا إليك بل جعلت التوبة لمثلي أنا الخاطيء. لأني أخطأت أكثر من عدد رمل البحر.. كثرت آثامي ولست مستحقاً أن أرفع عيني إلي السماء من قبل كثرة ظلمي، ولست مستحقاُ أن أنحني من أجل كثرة رباطات الحديد ولا أرفع رأسي من خطاياي.

والآن بالحقيقة قد أغضبتك، ولا راحة لأتي أسخطت رجزك، والشر صنعت بين يديك، وأقمت رجاساتي، وأكثرت نجاساتي. والآن أحني ركبتي وقلبي، وأطلب من صلاحك: أخطأت يارب أخطأت، وآثامي أناعارفها. ولكن أسأل وأطلب إليك يارب أغفر لي ولا تهلكني بآثامي، ولا تحقد عليَ إلي الدهر، ولا تحفظ شروري، ولا تلقني في الديونة في قرار أسفل الأرض.لأنك أنت هو إله التائبين، وفيَ أظهر صلاحك لأني غير مستحق وخلصني بكثرة رحمتك، فأسبحك كل حين كل أيام حياتي. لأنك أنت هو الذي تسبحك كل قوات السموات ولك المجد إلي الأبد. أمين.

(*) قول منسي عن عدم خطأ ابراهيم واسحاق ويعقوب انما هو من قبيل الأتضاع فرغم اخطاء البطاركه الأوائل والمدونه في الكتاب المقدس الا انه يذكرهم كأنهم لم يخطئوا.

رابعاً: صلاه مبسطه أخطأت إليك ياربي يسوع

 يجاهر فيها المعترف بوقار ومسكنة مئة مرة هذه العبارة: أخطأت إليك ياربي يسوع المسيح فارحمني من أجل إسمك القدوس".

و تكرار هذه الصلاه القصيره يرفع احساس التائب ووجدانه الي حاله اليقظه الروحيه، يعترف فيها للسيد المسيح بخطأه فيطلب رحمته.

خامسا: صلاه الأب الكاهن لله عن ابليس وجنوده (*)

يصلي الأب الكاهن (**): نعم نسألك ايها الآب القدوس الصالح محب الصلاح، لا تدخلنا في التجارب، ولا يتسلط علينا أثم. لكن نجنا من الأعمال غير النافعه، ومن الأفتكار فيها وتطبيقها ورؤيتها وملامستها. والمجرب ابطله واطرده عنا، وانتهر ايضا حركاته المسلطه علينا، واقطع عنا الأسباب التي تسوقنا الي الخطيه المهلكه لنفوسنا وأبعد عنا مشوره الناس الأشرار وحصنا في كل حين بيمينك القوي المحي. فأنت معيننا وناصرنا وبك تبتهج قلوبنا. بنعمه ورأفه ابنك الوحيد ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح. هذا الذي من قبله يليق بك معه مع الروح القدس المحي المجد والأكرام والعز والسلطان والسجود الآن وكل اوان والي دهر الداهرين. آمين.

سادسا: صلوات التحاليل (Absolution)

بعد أن يعترف الخاطيء اعترافاُ كاملاُ بخطاياه، ويأخذ المشورة والإرشاد، والتداريب الروحية، يركع في خشوع وأتضاع – أمام الأب الكاهن – ويطلب منه "أن يحله من خطاياه" أي أن يستدعي الكاهن الروح القدس لكي يحل علي المعترف التائب، والذي يطلب الصفح والسماح من قبل الله، الذي يقبل التوبة التي من القلب، كما قبل توبة العشار، فيصلي له الأب الكاهن صلاة التحليل وهي ثلاثة تحاليل: وقد يردد التحليل الأول والثاني سرا، اما التحليل الثالث فيردده بصوت مسموع.

 (*) هذه الصلاه يرفعها الكاهن والمعترف بين يديه، لا لأجل المعترف فقط، بل فيها ايضاح للعدو المشترك وحيله واقراره الجماعي بذلك امام الله.

(**) راجع الخولاجي المقدس: صلاه الآب السريه بعد صلاه القسمه.

التحليل الأول

يقول الأب الكاهن: [نعم يا رب (1)، يا رب الذي اعطانا السلطان ان ندوس الحيات والعقارب وكل قوه العدو، اسحق رؤوسه (2) تحت اقدامنا سريعا، وبدد

 (1)عندما يقرأ الأب الكاهن التحليل الأول للمعترف يشعر بذهن متيقظ واع، منصت لنداء الروح القدس أن الله يناديه " أين أخوك؟ أين إبنك "

وحينما يقبل الأب الكاهن إعتراف التائب ويقف معه أمام الله يطلب لنفسه وله غفراناُ، وكأنه قد إستجاب لنداء الله السابق بالبحث عن الضال وإيجاد المفقود فيجاوب نداء الله " نعم يارب. نعم لقد بحثت عنه، وأطعت، وها أنا ههنا قائم أمامك ومعي أخي وإبنك، حاملاً إثمي وجهالات أخي..أراك واقف أمام عرشك.. لمجلس دينونتك أخشع، ولنور شعاع لاهوتك أجزع، أذكر الرهبة والرعب من أجل خطاياي وجهالة إبنك، نعم يارب، أن خطاياي وجهالة إبنك عظيمة جداُ، عالية فوق رأسينا.. ولئلا يصيبني الشيطان وإبنك باليأس من هول الشرور التي فينا، أذكر وعدك الحقيقي غير الكاذب الذي قلت فيه لتلاميذك: " دفع إليَ كل سلطان في السماء وعلي الرض " (مت 18: 28) " ها أنا أعطيكم سلطاناُ لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء " (لو 19: 1.). وعدك الإلهي بسلطان أعظم من سلطان الخطية علينا، يعزيني وابنك ويسندني وإياه في رجاء ثابت غير متزعزع أنك قادر أن تنقل عني وعنه كل آثامنا.

(2) من هذا الوعد الحقيقي أسألك " أسحق رؤوسه (رؤوس الشيطان) تحت أقدامنا سريعاُ " فالعدو القائم أمام كلينا ليس كالحية لها رأس واحدة فيمكن الإجهار عليها وقتلها. لكنه صاحب رؤوس كثيرة، فألاعيبه وخباثاته كثيرة كلما نظن أننا سحقنا رأس يظهر أمامنا برأس جديد. فإن حاربنا بالشهوات نظن أننا نسحقه بالصلاة، وعندما نصلي يحاربنا بالشرود، وأن جمعنا فكرنا فيك حاربنا بالملل وتعب الجسد! آه يارب رؤوسه كثيرة، لكن وعدك بالسلطان يجعلني أردد قول القديس بولس الرسول " إله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً " ونحن نثق في سرعة سحقه بقدر ماتعرف أنت عنه سرعته في تغيير رؤوسه التي يطل بها علينا آن بعد آخر. ولكن العدو حينما يشعر بقوتك تسحق رؤوسه سريعاُ أمامنا ويحس بزعزعة مكانه بالخطية فينا.. يفعل مثلما تفعل النباتات الصحراوية حينما تحس بالظمأ فتسرع بالإزهار والإثمار وتكوين بذور تلقيها ميكانيكياُ في التربة لتضمن لها خلوداُ متي توفر الماء الكافي.. تماماُ مثلما تفعل تلك، يفعل الشيطان بنا إذ يبذر في أفكارنا وفي أفكار من حولنا كل الحجج عنا كل معقولاته الشريره (3) المقاومه لنا. لأنك انت هو ملكنا ايها المسيح الهنا. وانت الذي نرسل لك الي فوق المجد والأكرام والعزه والسجود ايها الأب والأبن والروح القدس الآن وكل اوان والي دهر الداهرين كلها. آمين.

ثم يصلي الأب الكاهن التحليل الثاني:

المنطقية التي يقبلها العقل ويخدع بها ليجعل من ثمارها الشريرة في تفكيرنا جحوداُ للتوبة ونكراناُ لحبك..

(3) لذلك يامن نؤمن بسلطانك المعطي لنا كوعدك كما سحقت رؤوسه " بدد عنا كل معقولاته الشريرة المقاومة لنا ". مهما صنع الشرير، فلن يجدي فينا بحصانه سلطانك مكاناُ لعمله. أنت الذي سبق أن أشتريتنا بدمك السكيب وحررتنا من سلطان الموت والخطية، وملكت علي قلوبنا " أنت هو ملكنا أيها المسيح إلهنا ". وملكيتك لنا من دور إلي دور، نقدمها بكل مجد وكرامة لك ياربنا العزيز المحوط بالعزة والذي نقدم لك سجودنا علامة خضوعنا لملكك. أنا وإبنك ههنا منتظرين مواهب سلطانك للغفران، نعم يارب.

التحليل الثاني

أنت يارب الذي طأطأت السموات (1)، ونزلت وتأنست من أجل خلاص جنس البشر. أنت هو الجالس علي الشاروبيم والسيرافيم (2)، والناظر إلي المتواضعين. أنت أيضاُ يا سيدنا الذي نرفع قلوبنا إليك (3).

(1) هذا التحليل قطعة روحية رائعة ملوءة بالتأملات. هذيذ في الله الرحوم الذي نعبده. ففيه ندرك عظمة أقنوم الإبن، ربنا يسوع المسيح، إذ أنه له المجد " طأطأ السموات " وكلمة طأطأ تعني أحني. وكأن السموات بعظمتها وقعت في حيرة ودهشة عندما ظهرت فكرة التجسد الإلهي، لكن هذه الدهشة والحيرة لم تجد من الرب يسوع سوي أن يطأطها كمدبر وخالق. لعل لهذا المعني يطأطأ الأب الكاهن رأسه أثناء صلاة هذا التحليل بينما يكون المعترف راكعاً خاشعاً برأسه أيضاً.

(2) عظمة أقنوم الإبن لا تعرف في طأطأته السموات فقط بل وفي جلوسه علي الشاروبيم والسيرافيم أيضاُ (راجع 1 صم 4: 4، 2 صم 6: 2، مز 1: 8.، 99: 1). فالشاروبيم هم ذوات " ملْ المعرفة " والسيرافيم هم " المتوهجون " المسبحون للرب علي الدوام. هؤلاء وأولئك جلس الرب فوقهم. لماذا؟!

داود النبي يجيب قائلاُ "ركب علي الكاروبيم وطار" (مز 1.: 18) طار إلي أين، إلي الأرض. لعل هذا رمز إنتقال المعرفة الإلهية والتسبيح بغير فتور إلي الأرضيين.

ولكن ليست هذه المناظر المحفوفة بالبهاء هى كل الحقيقة فى كل عظمة أقنوم الإبن، فبقية الحقيقة أنه مع كونه عال فوق كل علو لكنه ليس كبنى البشر الذين فى جهلهم يتعظمون.

لكنه" نزل وتأنس " نزل، فهذا هبوط وتأنس، إذ أعقب النزول أخذ صورة الإنسان الكاملة فى اللحم والدم.. مجرب فى كل شئ مثلنا بلا خطية! كان هدفه التخلص من كل ذلك لا مجرد الصنيع لنوال المدح، بل " من أجل خلاص جنس البشر" " ينظر إلى المتواضعين" ليجعل فى نزوله وتأنسه خلاصاً لهم من خطاياهم.

(3) بهذا المقدار فى الرفعة ربنا تعظم واتضع!. هذه الرفعة لله، تستلزم بالتبعية رفعة لقلب الإنسان الطالب وجهه الساجد منتظر غفرانه. وهبة رفع القلب فى الإنسان تتم بالإيمان لتكمل نقصه وضعفه. لذا يقول الكاهن " يا سيدناالذى نرفع عيون قلوبنا إليك". فالإيمان وحده هو الذى يفسر للتائب تلك العظمة اللاهوتية الممتزجة بالإتضاع الصادق.==

أيها الرب الغافر آثامنا، ومخلص نفوسنا من الفساد (4). نسجد لتعطفك الذي لا ينطق به (5). ونسألك أن تعطينا سلامك، لأنك أعطيتنا كل شيء. إقتننا لك يا الله مخلصنا، لأننا لا نعرف آخر سواك. إسمك القدوس هو الذي نقوله ردنا يا الله إلي خوفك، وشوقك (6).

== وبداية الإيمان الحى لحظة إتمام طقس الإعتراف هو الإيمان بغفران الله آثامنا. وتعبير الصلاة هنا غاية فى الدقة الروحية، فلم تقل "أيها الرب الذى غفر آثامنا، أو الذى سيغفر خطايانا".. بل " أيها الرب غافر آثامنا " منذ بدء الخليقة وحتى نهايتها، باب التوبة يفتحه لكل قارع، وكل من يؤمن به ويجاهد بإسمه للخلاص.

(4) بالإيمان أيضاً ننادى الرب إلهنا " مخلص نفوسنا من الفساد "، إن إسمه يسوع "أى يخلص شعبه من خطاياهم" (مت21: 1)، بالإيمان والجهاد يخلص وينقذ التائب فيناجيه مع داود " لأنك لن تترك نفسى فى الهاوية. لن تدع تقيك يرى فساداً " (مز1.: 16).

(5) إن ما ينكشف بالإيمان أمام عيون قلب التائب يجعل حقيقة عظمة أقنوم الإبن كامل الوضوح أمامه، فيقدم علامة الإيمان الحقيقى " نسجد لتعطفك الذى لا ينطق به "، فالسجود هنا خشوع وحب للإله المتعطف الذى يغفر، والذى يخلص.. فعبادة التائب بالإيمان ليست عبودية بل حرية وحب " لا أعود أسميكم عبيداً " (يو15: 15).

(6) الأب الكاهن التائب شفيع التائب عقب هذا السجود التأملى ينهض فيطلب " نسألك أن تعطينا سلامك ".. لأن فعل الإثم لا يجعل للسلام مكاناً فى حياة الأنسان " لا سلام قال الرب للأشرار " (إش22: 48، 21: 57). وعطية السلام ثمرة من هبات الغفران الذى يناله التائب، يعود بها الإنسان مرة أخرى إلى قنية الله، لذا يعاود الأب الكاهن الطلبة " اقتننا لك يا الله مخلصنا، لأننا لا نعرف أخر سواك " والحصن الذى يحتمى فيه التائب المقتنى لله من هجمات إبليس هو إسم الله القدوس لأنه " برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع " (أم1.: 8). ولهذا نجد ترديد إسم الله مخلصنا " يسوع " محبب فى فم التائب، يأخذه كقانون أو تدريب يومى مستمر طيلة حياته وفى كل مواقف جهاده مع الخطية.

. مر أن نكون في تمتع بخيراتك وإبنك الذي أحني رأسه تحت يدي إرفعه في السيرة، زينه بالفضائل بمسرة أبيك الصالح (7)، هذا الذي أنت مبارك مع الروح القدس المحيي المساوي لك الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور. آمين. (8)]

ثم يصلي الأب الكاهن التحليل الثالث

(7) مع أن إسم الله مخلصنا قوة، لكن هذه القوة لا تعمل فى التائب إلا إذا أراد خوف الله وحفظ وصاياه، ونمى فى قلبه أشواق عرسه الإلهى فى الأبدية.. هذين الذين كانا قد هربا من حياته بسبب الخطية. لذلك يختم الأب الكاهن شفيع التائب طلباته " ردنا يا الله إلى خوفك، وشوقك ".. هذا الرب، وذلك الشوق يحتاجهما التائب حتى لو كان داخل قدس أقداس العلى.

(8) كل هذه الطلبات تطلب بصيغة الجمع مع أن الكاهن هو الذى يرفعها، فالكاهن ذاته فى كل مباشرة جديدة لطقس الإعتراف يحتاج إلى توبة دائمة وحفظ لذاته وشوق للخلاص.ماعدا طلبة واحدة فى هذه الصلاة التأملية ينحدر فيها الكاهن التائب من هذا العلو الشاهق رويداً رويداً ليطلب من أجل المعترف طلبة واحدة هى رفع السيرة، وزينة الفضائل التى تجعل التائب عروس مستعدة للقاء مخلصها فى أبهى حلة.

الرائع حقاً أن الكاهن يطلب ذلك من أجل " إبنك المنحنى برأسه تحت يدك ". فمع أن اليد هنا يد الكاهن المنظورة لكنها حقيقة تحت يد الله ذاته. وهذا يعنى ضمناً أن رفع السيرة وزينة الفضيلة يمكن أن تكون حقيقة فى حياة التائب إن خضع بطاعة لتدبير ومشورة هذه اليد العالية فوقه.

وبعد نهاية التحليل الثانى، يضع الأب الكاهن الصليب بيده اليمنى على رأس المعترف بينما يمسك بأصبعى السبابة والإبهام ليده اليسرى بجبهته ليصلى التحليل الثالث.

التحليل الثالث

فى هذا التحليل يصلى الأب الكاهن: " أيها السيد الرب يسوع (1) المسيح (2)، الإبن الوحيد (3)، وكلمة الله الأب (4)، الذى قطع كل رباطات خطايانا(5) من قبل ألامه المخلصة المحيية. الذى نفخ فى وجه تلاميذه القديسين ورسله الأطهار (6) قائلاً: إقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياهم غفرت لهم ومن أمسكتموها عليهم أمسكت.

(1)انظر كتابنا اسماء السيد المسيح الحسني ودلالاتها.

(2)فى هذا التحليل نعرف إلهنا الرب يسوع المسيح معرفة لاهوتية متكاملة:

فمن حيث طبيعته اللاهوتية: فهو الرب يسوع المسيح. يسوع هو الإسم المعبر عن تجسد المخلص، المسيح هو الإسم الوظيفى الذي يدل على عمل المخلص الكفارى. وهذين الإسمين للمخلص نجدهما متلازمين دائماً فى كل صلوات الكنيسة تأكيداً لإيمانها باتحاد اللاهوت والناسوت إتحاداً كاملاً فى طبيعة واحدة لأقنوم الإبن (راجع 1تى5: 2) بلا تغيير ولا إختلاط ولا إمتزاج للطبيعتين الإلهية والبشرية,

(3)هو الإبن الوحيد (راجع يو18: 1، 16: 3، 18، مت17: 3، 29: 8، لو35: 1، عب14: 4، 1يو2.: 5، يو14: 1، 1تى15: 6).هو وحيد لأبيه.ووحيد لأمه العذراء.

(4) هو أيضاً " كلمة الله الأب " التى أظهرها لنا حب الله الفائق الإدراك المتدفق للبشرية الساقطة (رؤ13: 19، عب2: 1، يو15: 15، يو1: 1، 1يو17: 5).

(5) من حيث عمله: " قطع كل رباطات خطايانا من قبل آلامه المخلصة المحيية " وعندما قال الرب على الصليب " قد أكمل " كان آخر رباط يربط المؤمنين بسلطان الموت عليهم قد تمزق، وقد أعلن ذلك بوضوح تمزق حجاب الهيكل وإنشقاقه من فوق إلى أسفل.

(6) من حيث سلطانه: يقول الأب الكاهن: " نفخ فى وجه تلاميذه القديسين وقال لهم: إقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتموها عليهم أمسكت" (يو22: 2.، 23، مت18: 18).

وهذا النوع من سلطان خدمة الأسرار الكهنوتية خاص بغفران الخطية الذى وهبه الرب بنفسه لتلاميذه الرسل الإثنى عشر. هذا السلطان ممتد عبر الأجيال.

أنت الآن أيضاً يا سيدنا: من قبل رسلك الأطهار أنعمت للذين يعملون فى الكهنوت فى كل زمان فى كنيستك المقدسة (7) أن يغفروا الخطايا على الأرض ويربطوا ويحلوا كل رباطات الظلم. (8)

الآن أيضاً نسأل ونطلب من صلاحك يا محب البشر عن عبدك (فلان) وضعفى، نحن المنحنيين برؤوسنا أمام مجدك المقدس: أرزقنا رحمتك، إقطع كل رباطات خطايانا. وإن كنا قد أخطأنا إليك فى شئ بعلم أو بغير علم أو بجزع القلب أو بالفعل أو بالقول أو بصغر القلب.

 (7) هذه النعمة لا تجعل حاملها فوق مستوى البشر أو تغير من طبيعتة البشرية فى شئ بدليل أن الكاهن بالرغم من السلطان المعطى له يطلب أيضاً لأجل " ضعفه ".

وتختص هذه النعمة بأمرين

أولهما: غفران الخطايا على الأرض وإن كان الغفران عمل الله وحده إلا أنه يفوض ذلك لوكلاء أسراره تفويضاً كاملاً يعطون عنه حساباً صارماً يوم الدينونة.

وثانيهما: ربط وحل كل رباطات الظلم – أي تفويض الكاهن ممثل الكنيسة الشرعى فى تشريع ما يجده صالحاً لحياة التائب وفق مقتضيات العصر الذى يعيشه.. لإيقاف تيار الشر وعمل عدو الخير وسط عروس المسيح المستضيئة بحبه.

أما فاعلية هذه النعمة فهى تمتد فى كل زمان فى الكنيسة المقدسة. إنها سمة كهنوتية لا تمحى بفناء جسد صاحبها، إذ تظل روحه حاملة لها تخدم بها الله فى ظل السماويات على الأرض. وفى السموات عينها فى الأبدية.

(8) إننا نؤمن أن الكنيسة المسيحية منظمة إلهية رسولية أسسها الإله بيمينه وبسكيب دمه الطاهر، وسلمها لإثنى عشر رسولاً عاشوا معه فى حياته كلها على الأرض ثلاث سنين تقريباً حتى امتصوا من إلهنا كل ما تحتويه الكنيسة الآن من نظم وترتيبات تسلمها من الرسل " أناس قديسين أكفاء " أساقفة وكهنة سلموها لأناس أمناء حفظوا الوديعة إلى جيلنا الحالى على أتم ما يكون حفظ الإيمان نقياً.

ومجرد النطق " من قبل رسلك الأطهار" تجعل التائب يشعر بالرهبة لأن حلول الآباء الرسل فى هذه اللحظة حلولاً روحياً حقيقياً ويأخذ منهم الكاهن التائب والمعترف التائب الحل. وهذا السلطان الممتد عبر الأجيال نعمة إلهية تعطى كهبة ليس لمن يطلب ولا لمن يشاء بل من الله الذى يرحم.

أنت أيها السيد العارف بضعف البشر، كصالح ومحب للبشر، اللهم أنعم لنا بغفران خطايانا. باركنى وباركه.. طهرنى وطهره.. حاللنى وحالله. إملأنا من خوفك، وقومنا إلى إرادتك المقدسة الصالحة لأنك أنت هو إلهنا. والمجد والكرامة والعز والسجود تليق بك مع أبيك الصالح والروح القدس المحيى المساوى لك الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين".

تأملات في صلوات التحليل التي يتلوها الأب الكاهن

الأب الكاهن إذ يعلن هذا الإيمان بالرب يسوع المسيح يقف على رأس المعترف كجراح، يقف أمام مريض يباشر له عملية جراحية بالغة الوقار والهيبة لتفريغ الإثم من التائب. فيمسك خلال هذه الجراحة بمشرط الرحمة الإلهية يقول: " أرزقنا رحمتك " فالرحمة هى التى تحدر حنان الله وغفرانها على التائب. (1) وبهذا المشرط (طلبة الرحمة) يتقدم الكاهن الجراح بقطع رباطات الخطية " إقطع كل رباطات خطايانا " كإمتداد طبيعى لذبيحة الصليب المقدسة والتى بها تقطع آخر قيد يربطنا بالموت الحقيقى أى السقوط فى الخطية والإنفصال عن الله. ثم ينظف الكاهن الجراح مكان هذه الرباطات المتسخة بغفران كامل للخطايا " اللهم إغفر لنا خطايانا " (2)

نعم الهيه تداوى جراحات التائب

وبعد هذه المعالجة الروحية للمعترف، يعرض الكاهن وضع التائب أمام الله ويطلب له نعم الهيه تداوى جراحاته وهى ثلاث:

البركة " باركه " الطهارة " طهره " الصفح والسماح " حالله ".

وهذه النعم يطلبها الكاهن لنفسه أيضاً كمحتاج لها إحتياجاً أشد، فالطبيب قد يصاب بالعدوى ما لم يكن قد تحصن بالدواء جيداً. ولكنه يطلبها فى تعبير ينم عن إختلاف وضعه عن وضع التائب من حيث إحتياجه الأشد والألزم فيقول: باركنى، وباركه.

و يعاود الكاهن الطلبة لنفسه وللتائب لإمتلاء جديد من الخوف المقدس " إملأنا من خوفك ". ليس الخوف من الله لأننا نحبه، ولكن أن نخاف لئلا نقع فريسة مرة ثانية للعدو فنسقط. " لا تستكبر بل خف " (رو2.: 11).

 (1) إن كنت راصداً للآثام يارب فمن يستطيع الثبوت أمامك".

(2) يحدد الأب الكاهن فى شمول رائع انواع الخطيايا فيطلب عن: الخطايا التى نصنعها بعلمنا، وإدراكنا العاقل والخطايا التى نسقط فيها لاشعورياً بغير علم من حواسنا البشرية الواقعة تحت الإرادة. والخطايا التى تنشأ عن إنفعال الخوف بأشكاله المتنوعة مثل الاهتمامات الباطلة، والقلق النفسى وتوابعه هذا ما أطلقت عليه الكنيسة عبارة " خطايا جزع القلب".

كما يطلب الأب الكاهن عن الخطايا حسب أسلوب تنفيذها فيطلب الكاهن عن: خطايا السقوط الفعلى مثل الزنا، السرقة وخطايا السقوط الفكرى التى تتولد فى الفكر ولا تخرج إلى حيز التنفيذ العملى. وخطايا صغر القلب، أى الضجر والملل والكسل وما ينتج عنها.

وهذا الخوف يكمل " بتقويم الإرادة " نحو القداسة وطلب الصلاح. إن حفظ الوصية للتائب يلزمها دائماً حفظ إرادته من ميل النفس وهواها للعصيان والسقوط.. بهذا يظل التائب يمارس التوبة بصدقها حتى النفس الأخير.

وعندما ينتهى الكاهن الجراح من هذه الطلبة يقدم لله الطبيب الحقيقى لنفوسنا وأجسادنا العبادة والخضوع عرفاناً بالحب الذى ملأ قلب التائب تجاه أبوة الله الحانية المعلنة خلال سلطان الغفران الكهنوتى.

سابعاً: ختام طقس الإعتراف

 يختم الكاهن طقس الإعتراف إذ ينفخ فى وجه المعترف ثلاثة نفخات على إسم الآب والإبن والروح القدس بينما يقول: " ربنا يسوع المسيح الذى ترك لكنيسته سلطاناً ليحلوا جميع التائبين المؤمنين به حقاً ليغفر لك خطاياك برحمته العظيمة، وأنا بسلطانه الذى فوض لى أحلك من جميع خطاياك باسم الآب والابن والروح القدس.

الباب الثامن

تساؤلات واعتراضات حول الإعتراف

سؤال: هل تغفر الخطيه اذا اعترفت بها لغير اب اعترافي لسبب الخجل منها؟

من الناحيه اللاهوتيه لابد ان تغفر الخطيه طالما أقر بها الأنسان لكاهن مشرطن وندم عليها وتركها. اما من ناحيه نمو المعترف روحيا فأعتقد انه لابد من معاوده المعترف لأب اعترافه وكشف ضعفاته له فيعاونه بذلك علي تجاوزها. اما الخجل فهو شيطان معروف لا تجهله خبره ابائنا القديسين واخبرونا ان عري النفس مخجل اكثر من عري الجسد. ولكنه لازم لمن يطلب خلاصه لزوم جسد المريض الذي يطلب من الطبيب الشفاء.

سؤال: يذكرالكهنه في عظاتهم مشاكل تقابلهم في الإعتراف اليس هذا افشاء للسر؟

الكاهن يدرك تماما ان الإعتراف سر لا يذاع علي الأطلاق يحاسب عنه امام الله يوم الدينونه وامام الكنيسه التي تقطع الكاهن الذي يفشي سر الإعتراف بقوانين صريحه وواضحه. انما الكاهن معلم، يعلم الشعب ويختار في تعليمه من الأمثال والأحداث والمواقف ما ينفع الشعب. وطالما ان الكاهن لا يذكر أسم ولا تفاصيل كاشفه للشخصيه فأعتقد ان هذا لا يدخل تحت بند افشاء السر. هذا من جهه الكاهن. اما من جهه من يشتكي افشاء سره فهو يدل علي انشغاله بأمور لا علاقه لها بتوبته. انه بالحري يفرح ان الله الذي سمع شكواه وقبل صراخه ودخلت اليه دموعه قد اختاره الله نموذجا ليعلم به شعبه.انه شرف للتائب الصادق ان يجد ضعفاته وجهاده مختاره من الله كنموذج لتعليم الآخرين مثلما فعل القديس بولس الرسول بعد توبته حيث كان يفتخر بضعفاته وقال عن نفسه انه كان قبلا مضطهدا للكنيسه. واتخذ من نفسه مثال للتعليم في الرسائل.

سؤال: ماذا افعل في سرحان اب اعترافي او نومه أثناء الإعتراف؟

لا شأن لك بوضع اب الإعتراف. أعترف لله في وجوده مهما كان وضعه. وأود ان تعرف ايها الحبيب وانت قد شخصت الموقف بأنه سرحان أو نوم لكنه غير ذلك. فهناك أمور في الإعتراف لا يكون لها رد حاضر عند أب الإعتراف فيستغرق في صلاه أثناء الإعتراف يطلب فيها الرد من الله. وربما يكون افضل رد هو الصمت فقط وهو ما تسميه سرحان ونوم بينما في الحقيقه هي صلاه حاره لأجلك لكي يعطيه الرب اجابه لأجلك.

سؤال: نعلم انه لا يجوز للرهبان أخذ اعترافات النساء فماذا نفعل وكاهن كنيستنا راهب؟

في الأصل كاهن الكنيسه متزوج يستطيع ان يحسم في امور الأسره بخبره وبلا تطرف. وعلي ذلك فأن وجود كنيسه يخدمها راهب هو أمر مؤقت الي حين سيامه كاهن متزوج لها. وتحت هذا الوضع المؤقت فليستفيد الشعب من الإعتراف بالخطايا للكاهن الراهب وأخذ الحل منه. اما المشوره او طلب الفصل في القضايا الزوجيه فليأخذ رأي أقرب كاهن متزوج لكنيستهم.

سؤال: ماذا أفعل لإنني أعمل في مناطق نائية وليس فيها كنيسة أو أب أعتراف؟

 إن لم يستطع المسيحي أن يعيش بالقرب من كنيسة، فليحاول أن يعترف خلال

أجازاته السنوية، وعودته لبلدته، وأن يستمر في غربته في مخاطبة الله وفي ممارسة باقي وسائط النعمة، مثل الصوم والصلآة (طلب معونة الله) والإحسان والترنيم والتسبيح والمزامير (صلاة الأجبية) والمطانيات (السجدات).. الخ.

 إن أمكن أن يتصل تليفونياُ، أو من خلال مراسلات منتظمة، مع أب إعترافه يوضح فيها حالته، ويطلب مشورته والصلاة من أجله في غٌربته.

 في كل مكان " خُذ الله معك " (ذهبي الفم). أي تذكره وتشكره، وتطلب مساندته باستمرار (مثل السواح الذين قضوا عشرات السنوات في خلوات مع الله في البراري والجبال فسندهم الله وباركهم).

 أن يتذكر ما ذكره أب الإعتراف، في لقاءاته السابقة معه (خاصة اذا ا كانت الخطية مكررة). ويقوم بتنفيذها بضمير، وأمانة أمام الله.

 أن يبتعد عن العثرات وأصدقاء السوء، ويقضي فراغه في التأملات والصلوات، والقراءات الروحية (الكتاب المقدس وأقوال الآباء وسير القديسين). وحبذا لو أخذ معه السنكسار وبعض الكتب الروحية والعظات المسجله والمكتوبه.. الخ والاشتراك في الصحف والمجلات الروحية

 الإحساس الدائم برقابة الله لنا، في كل مكان.. وأن يدرب نفسه علي هذا التدريب الذي ذكره قداسة البابا شنوده الثالث: " خاطب ذاتك باستمرار وقُل: " الله سامع – الله شايف – الله واخذ باله من كل حاجة) وهو وازع للضير، وحصن ضد أفكار إبليس وأفكار أهل السوء

 أن يكون المسيحي ذو شخصية إيجابية قوية، " يقود لا ينقاد ". أي أنه يقود الناس للخير والفضيلة، لا ينقاد بسهولة إلي الشر والرذيلة، وأن يكون " حكيماُ " في فهم طبيعة البشرية(وأن يبتعد عن الأشرار السلبين، ويتلصق بالأبرار، والحارين في الروح، حيث يجتمع الإخوة معاً للصلآة والتسابيح وقراءة الكلمة وسماع كلمات المنفعة، مقروءة أو مسموعة، وأن تكون مناقشته معهم حول خلاص نفوسهم وإرشادهم إلي طريق المسيح، فيربح نفسه وإخوته أيض.

اعتراضات والرد عليها

وان كان ما ذكرناه سابقاُ فيه الكفاية لاتمام هذا السر علمياُ وعملياُ إلا أننا لزيادة الاستفادة نثبت هنا بعض اعتراضات بروتستانتية والرد عليها

اعتراض: ألا يقبلني الله اذا اعترفت له مباشرة؟

الرد: " هكذا قال الرب قفوا علي الطرق وانظروا واسألوا عن السبل القديمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم ولكنهم قالوا لا نسير فيه " (أر 16: 6) أن الله يقبل كل تائب ولكنه اقام وكلاء له ونواباُ عنه ويريد أن تري نفسك لهم " امض وار نفسك للكاهن " (لو 14: 5) باعترافك عليهم

 أولاُ: لتأديبك علي الاهانة التي الحقتها بايمانه القويم كما يقول القديس كبريانوس. ثانياُ: لاذلال نفسك باشهار مرضها لانسان مثلك.

ثالثاُ: لنيل الشفاء ولانك في حاجة الي الارشاد والتعليم والتقويم قد جعل الرب الكهنة اطباء وقضاء ومرشدين وواجب الإعتراف لهم. فالذي يصدق تعليم المسيح يجب عليه ان يخضع له ويعمل به وإلا يكون عدم الاذعان لاوامره اهانة عظمي لجلاله الاقدس.

اعتراض: اذا كانت التوبة كافية لمحو الخطية فلا حاجة بنا الي الإعتراف للكاهن وهو انسان مثلنا معرض للخطأ والزلل.

الرد: "أن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم" (1 يو 9: 1).

حقيقة أن التوبة كافية لمحو الخطية إلا أن لها شروطاُ أخصها الإعتراف وهي خاصة لازمة لها ولا تتم إلا به. زد علي هذا أن الخاطيء في حاجة لأخذ الحل من الكاهن المنوط به تتميم سر التوبة واذا كان المريض جسدياُ لا يكتفي بكتب الطب لمعالجة نفسه بل لابد له من الذهاب الي الطبيب لمعالجته حتي لو كان ذلك المريض طبيباُ.

المرضى يحتاجون الي اطباء لعلاجهم

كما ان المريض اذا اخذ دواء بدون استشارة الطبيب ولو كان مقطوعاُ بصدق فائدته اضر نفسه كذلك من يهمل الإعتراف اعتماداُ علي توبته فأنه يكون عرضة للسقوط في خطايا أخري. قال القديس يوحنا فم الذهب " أن ناثان النبي قد مضي الي داود يعني أن نبياُ مضي الي نبي فلما لم يداو داود نفسه؟ أن داود كان نبياُ ولكن كما أن الأطباء يحتاجون الي اطباء مثلهم اذا مرضوا كذلك هنا ذهب ناثان الي داود فاعترف هذا له بما اجترمه وتاب عنه وناح عليه وقبل من النبي دواء جرحه وشفي من المه فاذهب انت الي الكاهن لأنك محتاج الي تضميد جراحك" (مز 51).

هل يرفض المريض معالجة الاطباء له لأنهم معرضون للمرض مثله؟

أما القول أن الكاهن معرض للزلل مثل كل إنسان فهذا صحيح إلا أن هذا لا يسلبه حقوق وظيفته الممنوحة له من الله ولا يمنع وجوب الإعتراف عليه مادام كاهناُ ومعيناُ من الرب طبيباُ روحياُ لشفاء امراض النفس. وهل يرفض المريض معالجة الاطباء له لأنهم معرضون للمرض مثله؟

قال أحد الاباء ان القائلين بعدم لزوم الإعتراف وعدم منفعته لأن المعرف انسان مثلهم واقع تحت الآلام يريدون ان يخفوا قبيح افعالهم كأنهم لم يسمعوا قول الرب لرسله " من غفرتم له خطاياه غفرت " (يو 32: 2.).

أن المعمودية وسائر الاسرار الالهية تقام من البشر والله يفعل بواستطهم اذ قد اعتاد له المجد ان يصنع خلاص الناس لا بواسطة ملائكة فقط بل بواسطة اناس قديسين هم الآباء الروحيون كما فعل قديماُ بواسطة الانبياء والرسل وهو الي الانقضاء معهم. فسامع الإعتراف هو إنسان ولكن الله يرد بواسطته ويؤدب ويصفح كما فعل مع داود بواسطة ناثان. فالإعتراف كان من داود والانعطاف كان من ناثان. فالكهنة هم خُدام الله وموأزرون ومدبرون لخلاص من يريد الخلاص. فضلاُ عن أن الكاهن يساعد الإنسان في التوبة ويخدمه ويدبره ويؤدبه لخلاص نفسه والله هو الذي يمحص خطايا المعترف قائلاُ " أنا هو الماحي ذنوبك وكسحابة خطاياك " (أش 22: 44).

عمل الروح القدس في الكاهن لا يتوقف على قداستة

الشخصية بل على استحقاقات المسيح رأساً

لا تقل أن الكاهن إنسان مثلي فلماذا اعترف عليه؟ فهو إنسان وإنسان خاطئ وضعيف ولكن عمل الروح القدس في الكاهن لا يتوقف على قداستة الشخصية بل على استحقاقات المسيح رأساً وأن كان ينبغي في سر الإعتراف بالذات أن تختار الكاهن الذي تستريح له وتثق فيه. وجاء في سفر (العدد 5: 6 7) أي رجل أو أمراه فعل شيئا من جميع خطايا البشر.. ليعترف بخطيئته التي فعلها. وكان الذين يعتمدون من يوحنا يعترفون عليه بخطاياهم (مت 3: 5) وكذلك كان يعترف المؤمنون على الرسل (أع 19: 18) ولم يعط الله سلطان الحل من الخطايا إلا للرسل فقط وخلفائهم من بعدهم (مت18: 18و يو 2.: 23) إذ هم وحدهم لهم التصرف في الكنيسة كخدام ووكلاء سرائر الله (كو 4: 1) حتى أن المخلص لما ظهر لشاول في الطريق لم يقل له ماذا يصنع بل أرسله للكنيسة لتقول له ماذا يصنع

وقال أيضاً القديس يعقوب الرسول " امريض أحد بينكم فليدع كهنة الكنيسة وأن كان فعل خطيئة تغفر له اعترفوا: بعضكم على بعض بالزلات " (يو 5: 14 16) فكان لابد من الإعتراف على الأباء الكهنة حتى تغفر الخطيئة.فالله يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من آثامنا حينما نعترف بها في حضرة الكاهن بكل أتضاع وانسحاق وبدون كبرياء أو خجل مريض

القديس اثناسيوس الرسولي يقول: " كما أن المعمد يستنير بنعمة الروح القدس بواسطة الكاهن، وهكذا أيضاً بواسطة الكاهن ينال التائب مغفرة خطاياه بنعمة المسيح "، والقديس اغسطينوس يقول: (الرب يسوع هو أقام لعازر والذين حوله (الرسل) حلوه من الأربطة ". الذي وهب الحياة ألم يكن قادراً على حل الأربطة. حل أربطة لعازر بواسطة الرسل هو إشارة لسلطان حل وغفران الخطايا الذي وهبه لهم ولخلفائهم من بعدهم.

اعتراض: أن وصية الإعتراف ثقيلة لأن الإنسان

 طبعاُ يخجل أن يعترف لغيره بخطاياه

الرد: ما أوهن هذا الاعتراض لأن الكنيسة قد تنازلت كأم حنون مراعاة للضعف البشري وعينت لبنيها الإعتراف السري أمام شخص واحد فقط بدلاُ من الإعتراف العلني أمام كثيرين.

كان الإعتراف في الكنيسة جارياُ علي وجهين احدهما علني والآخر سري وعلي كلا الوجهين كان غفران الخطايا يعطي من كاهن الكنيسة الذي له الحق في اعطائه وهكذا في كل من الحالتين حفظ جوهر سر التوبة في كماله ومع الأيام الغت الكنيسة الإعتراف العلني وقصرته علي الإعتراف السري

اليس غريبا ان يخجل الخاطيء من اعترافه بخطاياه للكاهن بينما انه عندما فعل الخطية لم يخش الله؟ وكيف يمكنه الحصول علي الشفاء وهو لا يقر بمرضه للطبيب؟ كان الأولي به أن يخجل من ارتكاب الخطية لا من التوبة والإعتراف بخطيته. علي أن الكتاب المقدس قد نهي عن ذلك اذ قال " لا تستح في أمر نفسك فأن من الحياء ما يجلب الخطية ومنه ماهو مجد ونعمة. لا تستح أن تعترف بخطاياك " (ابن سيراخ 4: 24 – 31). ويوبخ الاباء اولئك الذين يخجلون من الإعتراف بخطاياهم اذ يقول القديس ترتليانوس " أن كثيرين يتنبهون الي الخجل اكثر من الخلاص فيهربون من هذا الإعتراف سترة لهم أو يؤخرونه من يوم الي يوم كمن اصابه مرض في الاعضاء المستحي منها فاخفي مرضه علي الاطباء فيباد بخجله (في التوبة راس 1.).

يقول القديس يوحنا فم الذهب (في مقالته عن السامرية): فلنتشبه نحن بالمرأة السامرية ولا نخجل من ان نعترف بخطايانا لأن الذي يستحي ان يعترف بخطاياه ليخلص ففي ذلك اليوم ليس قدام واحد تشهر بل قدام المسكونة كلها".

ويقول القديس غريغوريوس الكبير (في ميمره علي الغطاس): لا تستح ولا تستنكف من أن تعترف بخطاياك لكي تُفلت من الخزي الذي هناك الذي تعترف به هن.

هذا ولا يخفي ان الكاهن بشر ويخطيء مثل كل إنسان وربما وقع في خطايا مثل التي فعلها المعترف، كما يقول القديس اغسطينوس "ما من خطية ارتكبها الإنسان إلا ويقدر غيره أن يرتكبها أن نقصه العون من خالقه" واذ ذاك فلا تخجل أن تقر أمامه بخطاياك لاسيما وهو للنفوس الخاطئة كالطبيب للاجسام المريضة فضلاُ عن أنه مؤتمن من الله نفسه.لقد أخطأ داود خطيتين مميتتين وكان ملكاُ ونبياُ ومع ذلك لم يخجل من الإعتراف لناثان بل قال اعترفت بخطيتي ولم اكتم اثمي ولما اعترف بها غفرت له فتمثل به ان كنت غنياُ أو فقير.

اعتراض: ان الإعتراف للكاهن موجب لاساءة

 الظن وفقد الثقة بالمعترف؟

الرد: هذا اعتراض غير صحيح لأنه فضلاُ عن أن الكاهن محاط بالضعف." ايها الاخوة ان انسبق إنسان فاخذ في زلة ما فاصلحوا انتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظراُ الي نفسك لئلا تجرب انت ايضاُ " (غل 1: 6). " لا تعير المرتد عن الخطية اذكر اننا جميعنا نستوجب المؤاخذة " (سيراخ 6: 8). انه أب روحي وعلي مثال سيده يرثي الضغفاء ويسر برجوعهم ومن ثم يعانقهم معانقة الاب لابنه الشاطر (لو 2.: 15). وبصفته ملاك الكنيسة يفرح بتوبة الخاطيء تمثلا بشركائه العلويين الذين يفرحون بخاطيء واحد يتوب اكثر من تسعه وتسعون باراُ لا يحتاجون الي توبة. عدا ذلك فهو احسن الناس ظناُ بالمعترفين واكثرهم ثقة بهم لاسيما لما يراهم وقد خلعوا الإنسان العتيق مع أعماله ولبسوا الجديد كما قال يوحنا الرسول " ليس لي فرح اعظم من هذا ان اسمع عن أولادي انهم يسلكون في الحق " (3 يو 3). " اذ جعلوك رئيساُ فلا تتكبر بل كن بينهم كواحد منهم " (سيراخ 1: 32). وقد كتب أرمياء بطريرك القسطنطينية في جوابه للاهوتيين البروتستانت باسم الكنيسة الجامعة الرسلولية (في التوبة جواب 1 فصل 12) ما ياتي:

" أما رفضكم التأديبات القانونية للتائبيين رفضاُ تاماُ فنقول فيه اذا كانت تلك التأديبات تفرض من الرجال الروحيين بلا بيع وشراء بل مجاناُ بمثابة عقاقير للمتكبرين أو الطماعين أو الشرهين أو المفسدين في خطايا غير هذه فانها تنفع وتساعد الراجعين النادمين اذا فرضت كما أمر الاباء الروحيون ان تفرض واما اذا استعملت لربح وجمع مال للذين يفرضونها لا للغاية المستقيمة النافعة ولا كما فرضت وكتبت لشفاء كل واحدة من الخطايا حينئذ نحن أيضاُ نرفضها ونقول أنها رديئة في ذاتها وفي فعلها وهذا لا شك فيه"

الباب التاسع

من اجل اعتراف صحيح

الشروط التي يجب ان تتوفر في أب الإعتراف النافع للمعترف

 أن يكون إيمانه حقاُ، وتعاليمه تتوافق مع عقيده الكنيسة الأرثوذكسية.

 أن تكون أعماله وأخلاقه مطابقة لصحة عقيدته.

 أن يكون تعليمه صحيحاُ ومفيداُ ومنتجاُ وقد عُرف بذلك وشهد له به.

 أن يكون كتوماُ للسر وكذلك عدم ذكر الأسرار الخاصة في عظاته، ولو أباح بها (حتي بعد موت المعترف) لزم أسقفه إسقاطه من كهنوته.

 أن يكون له نشاط وقوة علي الصوم والصلاة عمن يقبل اعترافه، واستمرار الاستغفار عنه ليلاُ ونهاراُ بالبكاء والدموع والتضرعات.

 أن تكون له خبره بالزمان (أحوال العصر) وأهله، وبظروفهم ووقائعهم وتقلباتهم وأن تكون له خبرة بالدراسات النفسية والإجتماعية لفهم طبيعة النفس البشرية.

 أن تكون له فراسة جيدة (ذكاء) لفهم حركات المعترف وكلماته، وتغيير حياته.

 أن يكون ماهراُ في علاج مرضي الروح، وأن يراعي ملكاتهم وأحوالهم، وما تحتمله نفوسهم (وأن تكون له خبرة طويلة في التعامل مع المعترفين ولهذا تحدد قوانين الرسل ألا يقل عمره عن خمسين سنة).

 أن يقبل علاج المريض (الخاطيء) مجاناُ ولا يقبل منه هدية.

 أن لا يُحابي من يعالجه، ولا يستحي منه، وأن يوضح له الحقيقة كاملة، ونتائج أعماله الشريرة (مهما كان مركزه الاجتماعي) وتوجيهه بالوعظ، أو بالتأنيب إن كان محتملاُ لذلك التوبيخ أو لا يريد الاقلاع عن شره.

 أن يكون له وقت (محدد) وكافُ للإعتراف (قبل او بعد صلوات عشية او كلاهما معا وليس أثناء القداسات).

 يجب ألا تسرع في اختيار أب اعترافك، بل ابحث جيداُ عن ذاك الطبيب (الحكيم والخبير) الذي يغير حياتك، بما فيه من تأثير روحي عميق، ومما له من علم وصلته بالله، لتستمد منه ما يفيدك ويساعد علي خلاصك.

 ان يكون الأب الذي تأخذ من حياته كما تأخذ من تعليمه، والذي عندما تراه تزداد حرارتك الروحية ومحبتك لله.

 لا ينبغي أن يُفرّض عليك أب معين، بل أنت الذي تختاره بنفسك، ويمكنك أن تُغيره إذا لم تسترح إليه، (و يفضل إستذانه في الإنتقال لأب آخر)، وأن تكون صريحاُ معه، ولا تهرب منه طلباُ لأب أكثر شفقة عليك، أو لكي يفرض عليك تداريب روحية أقل، أو تأديبات أقل، مما لا يكون في صالحك.

 أن يشرح أب الإعتراف ماهي التوبة وشروط الإعتراف الصحيح وفحص الضمير.

 أن يقبل المرضي في وداعة وصبر، ويقود اليأس إلي ميناء الخلاص.

 أن يكون واضحاُ وصريحاُ وغير مجامل في شيء، ويواظب علي زيارة المعترف وإرشاده وتقدمه.

 ألا يقبل معترفاُ جديداُ إلا بعد التأكد من أنه ليس هارباُ من أب اعترافه بدون وجه حق.

 أن يتدرج في علاج المعترف حسب طاقته وحياته الرحية وعمره ومعرفته لئلا يصدم ويتعقد، لعدم مقدرته علي التنفيذ، دفعة واحدة، بل يأخذ بيده خطوة خطوة، حتي يترك الخطية، وينمو تدريجاُ في النعمة والقامة الروحية.

شروط الإعتراف السليم

 اختيار الأب الروحي المتوفر فيه الشروط السابقة.

 أن يكون صادقاُ فيما يدلي به لمعلمه، ولا يخفي عنه شيئاُ من الأمور والشرور الصغيرة والكبيرة.

 أن يكون صبوراُ علي تناول الأدوية المرة (التأديبات) ليتخلص من الخطية نهائياُ

 أن يكون مُطيعاُ لطبيبه الروحي، قابلاُ لأقواله ومنفذاُ له.

 أن يكون حسن الظن به (يثق فيه تماماُ).

 أن يسبق الإعتراف جلوس مع النفس، للوقوف علي حالته. وتحديد أسباب فشلها وسقوطها، والعزم علي تركه. والذهاب إلي رجل الله فوراُ، دون إلتماس أي عذر بوجود عمل أو بقضاء مصلحة.. الخ، فخلآص النفس هم أهم شيء في العالم.

 عند ذهابي لأب اعترافي أنسي إني فلان الذي أعرفه، بل أجلس أمامه " كمريض " لا يخفي شيئاُ عن طبيبه، حتي لا يجلب ضرراُ لنفسه.

 أجلس أمامه كإبن يقبل توبيخات أبيه (كمهتم بي) ولا أحزن منها، بل أشكره علي إرشاده وتعبه معي.أجلس أمامه " كتلميذ " يتقبل كل تعاليمه (ولا تفرض عليه أرائك أو إرادتك).أجلس أمامه " كمتهم " أمام القاضي، مهما كانت رتُبتك أو كرامتك (كان أحد الآباء البطاركة يرفض الجلوس بجوار أب اعترافه بل علي الأرض).

 إبحث مع أب اعترافك عن سبب عدم نموك روحياُ، وعالج أسبابه

 الإعتراف بجميع النواحي الروحية والاجتماعية.. الخ (الأمانة في الدراسة أو في العمل أو الأسرة..الخ)

 أن تُصارح أب إعترافك، بكل مافي نفسك، ولو من جهته، ومن جهة تداريبه لك.. الخ فلو أن عدو الخير أعثرك في تصرف معين لأبيك الروحي، عليك أن تذكره له، في لهجة مؤدبة وتستفسر منه عنه، وعن طريقة علاجه ه؟ إن كان لا يريحك.

 اختر وقتاُ مناسباُ " لك ولأب الإعتراف " ليتمكن من الاصغاء بتركيز، وايجاد الحلول والاختبارات النافعة لك.

 عندما يقول لك أبونا " الله يحالك " فالمقصود الخطايا التي اعترفت بها فعلاُ.

 لا داعي لإضاعة وقت الكاهن، بل اذكر تفصيلات مركزة، ومراعاة ظروف المنتظرين بالخارج لدورهم في الدخول إليه.

 لا تعترف عن آخرين، بل عن نفسك، وعن خطاياك وحدك.

 لا تبرر ثورتك في المنزل، لتصرفات أقربائك، وإنما تدين ذاتك (أنت السبب في غضب الغير منك).

 أن يعترف باتضاع واحتشام (بالخجل من عمله والحُزن العميق والندامة علي الشر) وليس بالشكوي من الغير (القريب أو الغريب) أو أن يلتمس العُذر لخطاياه ولا ينسبها لغيره (فلان هو السبب، الشيطان ضحك علي).أو يهون منها " فمن أخطأ في واحدة صار مجرماُ في الكل " (ولا توجد في المسيحية ما يُسمي بكبائر وصغائر)

 أن يعترف بكل ما صنعه، حتي ولو كان يعرف علاج خطاياه.

 إذكر له هل الخطية هي لأول مرة؟ أم أنها مستمرة؟ واذكر مشاعرك هل كنت تعملها بلذة؟ أم بنفور وضيق؟ وهل عندك نية لتركها فوراُ؟

 لا مانع من ذكر مقارنة بما سبق: هل هناك نمو أم تأخر أم توقف أم فتور؟

 أعطُ أهمية للإعتراف بالخطايا المتكررة وقاومها بوسائط النعمة

 من يفعل خطية في وقت الاصوام والأعياد المقدسة ليس كمن يفعلها في أيام عادية

 اذكر هل فعلت الخطية حُراُ مُختاراُ؟ أم مدفوعاُ أو مخدوعاُ من غيرك؟ أو هل سقطت ودفعت غيرك، ليشترك معك في خطاياك؟ هل لجأت إلي الحيلة والتغرير والخداع في سبيل تحقيقها، أو فعلتها مسروراُ وبغير ضيق، أم كنت متضايقاُ منها؟!

 اهتم بالنواحي الايجابية اعترف بالتقصير في الفضائل، وفي عمل الخير للغير " من يعرف أن يعمل حسناُ ولا يعمل فذاك خطية له" (يع 17: 4)

 إن كنت تعاني من النسيان، سجل خطاياك في ورقة لتتذكرها أمامه.

 علي الخادم أن يعترف بالتقصير في التحضير، وفي الافتقاد، أو في الصلاة من أجل المخدومين.. الخ

 بعد الإعتراف ونوال الحل انصرف بمفردك، وتأمل كم صنع الرب بك ورحمك، واشكره من قلبك باستمرار

 سماع النصيحة وتنفيذها مُقتنعاُ بأنها لفائدتك من كافة النواحي.

 حدد موقفك من وسائط النعمة، وهل تمارسها بأمانة أم لا؟ استعمل كراسة التدريب الروحي)

 لا تشكو من أب اعترافك، أو تذكر ما يقوله لك أمام الآخرين

 أعترف بظروف الخطية تفصيلياُ، ومكانها وأشخاصها (دون ذكر اسماء). وأنوي كسر حلقاتها الثلاثة: " المكان – الظروف – الأشخاص "

قال أنبا أنطونيوس " لا تَعٌد إلي القرية (المكان) التي أخطأت فيها" (لأن إبليس ينسج خطته مع الخاطيء علي أساس جذبه لظروف الخطية المكررة، وإلي نقاط الضعف عنده) وأكشفها لأب الإعتراف فذلك أمر مهم. مع التأكد علي عدم إعطاء الشيطان فرصة ليجرّبه (سواء بوجود فراغ طويل، أو السير مع اصدقاء السوء أو مداومة القراْة أو سماع ومشاهدة وسائل الإعلام المعثرة).

 التعهد بعدم الرجوع إلي الخطية

 الاستعانة بباقي وسائط النعمة، ليستمد بها القوة، للتغلٌّب علي الشهوات والخطايا المحبوبة (مضادات حيوية روحية وفيتامينات لتقوية النفس الضعيفة وتدعيم قوة الإرادة).

معوقات ومُعطلات التوبة والإعتراف

اولا: التأجيل

 إن عملت النعمة في قلبك وشعرت باشتياق إلي التوبة فلا تؤجل، لأنه ربما يزول الدافع، وتعطي للشيطان فُرصة لمحاربتك، وجعل الطريق يبدو صعباُ أمامك.

 عنصر السرعة مهم في التوبة، فقد يموت الإنسان فجأة. ويقول أيوب الصدّيق " أيامي أسرع من عداء (متسابق) تفر ولا تري خيراُ" (أي 25: 9). ولأن مجيء الرب الثاني للدينونة سريع أيضاُ (رؤ 2.: 22)

 وأن التأجيل استهتار بعدم سماع صوت الله وبعمل النعمة. وأنك ترفض المصالحة مع الله (مخاصمته) وأنك تُفضل الإستمرار في مقاومته، والإضرار بنفسك روحياُ ونفسياُ وجسدياُ (ضياع المستقبل الأبدي والأرضي).

لا تؤجل التوبة

لا تؤخر التوبة أو تؤجلها، فكثيرون ممن هم في الجحيم الآن، أنتقلوا من هذا العالم علي أمل التوبة في مستقبل حياتهم، ولكن الموت عاجلهم وباغتهم ولم يمهلهم. أحذر أن تشابه الخمس العذاري الجاهلات اللائي جاء العريس ولم يكن مستعدات، فأغلق الباب وبقين خارجاُ، وعبثاُ صحن وصرخن وقرعن الباب قائلات: " ياسيد افتح لنا ". فقد كان الجواب: " الحق أقول لكم أني ما أعرفكن " (مت 11: 25 – 12). وذلك الغني الذي أخصبت كورته، فلم يفكر في أمر خلاصه بل فكر في توسيع مخازنه.. " أقول لنفسي يا نفسي لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة.. أستريحي وكلي وأشربي وأفرحي " (لو 16: 12 – 2.). نعم كان لهذا الغني خيرات كثيرة. لكن لم تكن له سنون كثيرة، فقد كان صوت الله له في نفس تلك الليلة مفزعاً " يا غبي، هذه الليلة تطلب نفسك منك ". أن ذلك الإنسان لم يستحق أن يسمع من الله سوي كلمة " يا غبي ".

الملح واللحم النتن

يقول الحكيم: " لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماء وقت " فما هو وقت التوبة يا تري؟ ليس هو زمان الشيخوخة علي أي حال.. فالملح يوضح علي اللحم لكي يحفظه من النتن، لكن ماذا ينفع الملح اللحم بعد أن يكون قد أنتن؟ ربما لا يجدي تأجيل التوبة إلي زمن الشيخوخة بعد أن تكون قد فاحت من الإنسان رائحة الخطية؟

ذكر عن أحد المصورين أنه علي الرغم من مهارته، كان يبدأ في رسم صورة الإنسان مبتدئا من القدمين. فكان يحدث احيانا ان المساحه التي يرسم عليها لا تكفي لحجم الصورة، فتظهر الصورة بغير رأس، أو برأس غير متكاملة، هكذا يوجد كثيرون عظماء وأذكياء، لكنهم يؤجلون التوبه وهي الرأس. فها تصبح الصوره بغير رأس معبره؟ وهكذا الحياه بغير توبة غير مقبولة قال أحد الآباء: " التوبة هي الأم، أهتم بالأم تلد لك بنين " والمقصود بالبنين هنا الفضائل.

لماذا لا اؤجل التوبة

لا تؤجل التوبة لأنه ربما تحدث في الفترة التي أجلت فيها التوبة، أن تنكشف أمامك صور لذيذة للخطية، فتتعلق بها اكثر، ويفتر حماسك للحياة المقدسة.. وقد تحدث انحرافات في طريق حياتك، اذ من يدريك أن الشعور بالاشتياق الي حياة فاضلة مقدسة سيظل ملازماً لك في مستقبل ايامك وحياتك.. ربما في هذه الفترة تحدث انحرافات في أفكارك وتتغير نظرتك للحياة الروحية عامة، ويصعب في رأيك امكان تنفيذ المباديْ الروحية في هذا العالم، وربما يحدث أيضاً في فترة التأجيل أن تضعف أرادتك ونيتك للتوبة والحياة المستقيمة، أضف إلي هذا أن فرصة التوبة اذا تهيأت لك ولم تستجب لها، فقد تتعقد أمامك المسائل والظروف فلا تؤجل التوبة وتؤخرها أذن.

ثانياً: اليأس

 الله يستطيع أن يغيّر النفس مهما فعلت من شرور، ويقبل كل من يُقيل إليه (يو 37: 6) وهو الذي قبل السامرية وزكا وبطرس والمرأة الخاطئة، وكذلك رحم أغسطينوس وموسي الأسود وبلاجية... الخ وكانوا من أكثر الناس شر.

 " من يسلم نفسه لليأس يقتل نفسه بنفسه" (يوحنا الدرجي)

 يجب أن تؤمن وتثق أن الله يحبك ويريد خلاصك ويهبك الرحمة دائم.

تذكر محبة سيدك وأحذر من اليأس

حينما تتذكر خطاياك وتضعها أمامك، ربما يحاول إبليس أن يقودك إلي الياس وقطع الرجاء، فاحترس منه. أنظر إلي سيدك في محبته للخطاة ولترتسم صورته في مخيلتك وأمام عينيك وهو فاتح احضانه داعياً الجيع اليه لكي يريحهم من نير الخطية ويحررهم من عبودية أبليس. لا تخف فنحن لم نأخذ من الله روح العبودية للخوف، بل أخذنا روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب" (رو 15: 8). أطلب من الله فيهبك توبة وغفراناً " توبني فأتوب لانك أنت الرب الهي " (أر 18: 31).

الطلبة المقبولة دائماً

ليست طلبة مقبولة لدي الله مثل الطلبة التي لأجل خلاص النفس، ففيها نطابق أرادة الله بل نفعل ما يسره، حسبما يقول معلمنا بولس: " لأن هذا حسن ومقبول لدي الله، الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون " (1 تي 2: 3 – 4). وقد تطلب من الله طلبات خاصة فلا تحظي باستجابتها، لأنه يري أنها ليست لخلاص نفسك، حتي لو كانت تلك الطلبات للحصول علي فضائل معينة مثلا، فقد يكون طلبك للفضائل قبل الاوان في وقت يري الله فيه أنك في حالة روحية لا تسمح لك باقتبالها، فتكون النتيحة وقوعك في الغرور والمجد الباطل، وهذا ما لا يشاؤه الله. أما الطلبة التي من أجل خلاص النفس فلن يرفضها الله أبداً، اذ هي ارادته

قال القديس مار اسحق " ليس شيئاُمحبوباً لدي الله، وسريعاُ في استجابته، مثل إنسان يطلب من أجل زلاته وغفرانها ".

الطريق ليس مفروش بالورود

قد يأتي الشيطان الينا باليأس في بدء طريق التوبة والجهاد، بأن يصعب لنا الطريق ويضع أمامنا العراقيل، ويحاربنا بالملل والضجر.. كل ذلك حتي نيأس من أول الطريق.. لكن لنعلم جيداً أن طريق الملكوت ليس مفروشاُ بالورود والرياحين. يكفي وصف المسيح له أن بابه ضيق ومسلكه شاق وكرب (مت 14: 7). في بداية طريق التوبة والحياة مع الله يرجع كثيرون إلي الوراء. لقد أخرج الرب بني اسرئيل بذراع قوية من مصر، ولكن ما أن وصلوا إلي البرية حتي عاودهم الحنين إلي أرض العبودية بما فيها من متع جسدية، ففضلوا الثوم والكرات في ظل العبودية، عن طعام الملائكة في ظل الحرية في البرية.

ثالثاُ: الخجل

 يحجم البعض عن الإعتراف خجلاُ من الآباء، وينسي هؤلاء أن الله وملآئكته وقديسيه يرونهم في شرهم وسوء أفعالهم.

 يجب أن يخجل الخاطيء من الخطية، وليس من أب الإعتراف. فلماذا لا يخجل المريض من كشف أعضائه المستورة للطبيب، ليعرف أعراض مرضه، ويصف له الدواء.

 أن المرأة الخاطئة لم تخجل من يسوع ولا من الموجودين، في بيت سمعان الفريسي.

 يقول الحكيم بن سيراخ: " لا تستح أن تعترف بخطاياك " (24: 4)

 يجب أن يستحي المعترف من الله وهو يقر بخطاياه، دون أن يخجل من أب إعترافه، كأب وطبيب ومُعلم ومرشد صالح .

 أن الخجل يُشعرني ببشاعة الخطية وعارها، ويشجعني علي عدم العودة إليه.

 إن كنت أخجل من كشف خطيتي لأب إعترافي، فماذا يكون حالي عندما تُعلن أمام الملايين، يوم الدينونة؟!

 الشيطان يستفيد من الخجل، فيجعل الخاطيء يحجم عن أخذ الغفران والنعمة، ويحرم المسيحي من البركات التي تنتج عن التحرُّر من الخطية واالاقرار بها ونوال الحل من الله بصلوات الكاهن.

رابعا: عدم الأهتمام بالحياه الروحيه

 قد يكون تأخير الإعتراف بسبب عدم اهتمام الشخص بحياته الروحية وانهماكه في المشغوليات إما بسبب غرور الغنى او بسبب هموم العالم وكلاهما يخنقان الكلمة، أو بسبب التهاون والكسل أو بسبب الضمير الواسع الذي يستبيح صاحبه كل شئ دون أن يشعر بأنه عمل شيئاً. وقد يكون العائق هو عدم معرفة فوائد سر الإعتراف وقد يكون أيضاً هو التعلل بعدم وجود كاهن مناسب ويؤخر الإنسان توبته واعترافه من يوم إلي يوم حتى آخر الأيام.

خامسا: الأرتباط بالشهوات

أحياناً يكون سبب عدم الإعتراف هو ارتباط الشخص بشهواته ومحبته لها فلا يريد تركها ويقول أنني متأكد أنني سأرجع إلي خطاياي مرة أخرى لأنني ضعيف. فالأفضل أن لا أعترف حتى لا أضحك علي الله.. وهذا هو ما يريده منا الشيطان أن لا نستخدم الأدوية التي أعطاها الله لنا للخلاص.. فإنه ينبغي لنا أن نتوب مهما كانت خطايانا " فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا ويطهرنا من كل إثم " إن اعترفنا بها (1يو 1: 9) ولا تخف من السقوط مرة أخرى بل ثق أن الله سيقويك حتى تقول مع القديس بولس الرسول: " أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني " (في 4: 13) وتعتمد علي قوة الله ومعونته كوعده للقديس بولس الرسول " تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل " (2كو 12: 9).

لا تيأس إذا سقطت بعد الإعتراف " لأن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم " (أم24: 26) بل قم وقل مع ميخا النبي: " لا تشمتي بي يا عدوتي، اذا سقطت اقوم، اذا جلست في الظلمه فالرب نور لي " (مي 7: 8).

سادسا: الكسل وعدم الرغبه في الجهاد

هناك مبدأ هام في الحياة الروحية هو مبدأ " التغصب " ويقصد به أن لا يترك الإنسان ذاته إلي راحتها وحريتها، فلو خلدت ذواتنا إلي الراحة لما صلت ولا صامت ولا جاهدت في أي ميدان روحي.

 قال السيد المسيح " ملكوت السموات يغصب والغاصبون يختطفونه " (مت 12: 11). وأكد هذا المعني القديس بولس الرسول في قوله " لم تقاوموا بعد حتي الدم مجاهدين ضد الخطية " (عب 4: 12) وبقدر ما نغصب أنفسنا لحياة التوبة والصلاح والجهاد بقدر ما تأتينا معونة الله.

قال القديس مار اسحق: " بقدر ما يشقي الإنسان ويجاهد ويغصب نفسه من أجل الله، هكذا معونة الهية ترسل اليه وتحيط به، وتسهل عليه جهاده وتصلح الطريق قدامه ".

الرب يرفع عنا الحروب

لا يستمر الامر هكذا شاقاً في كل طريق الملكوت، بل أن مواعيد الله تشجعنا، وتعزياته الخفية، وصوته الصادر من داخلنا يؤازرنا ويقوينا، بل يأتي الوقت حينما يري الرب تمسكنا به وقهر ميولنا من أجل حبه، ويرفع عنا الحروب والقتالات.

قال القديس مكاريوس الكبير " الإنسان الذي يرغب أن يأتي إلي الرب.. كل ما يغصب نفسه لاجله ويعمله وهو متألم بقلب نافر غير راض، سوف يأتي عليه يوم يعمله برضي وقبول.

في البداية النار تدخن ثم تنال المطلوب

وما أروع التشبيه الذي أوردته القديسة سفرنيكي " جهاد عظيم وتعب يلقي المتقدمين إلي الله في البداية، وبعد ذلك فرح لا ينطق به، كمثل الذين يلتمسون أن يوقدوا ناراً، ففي أولها تدخن وتدمع عيونهم، وفيما بعد ينالون المطلوب، ولأنه قد قيل أن الهنا نار آكلة، فلنسكب دهن العبرات لتشتعل النار الالهية داخلنا"

أحذر التهاون وتذكر الدينونة

إياك أن تفهم خطأ مراحم الله الواسعة.. إياك أن تطمع فى مراحمه أكثر من اللازم وتقول أنه محب للبشر وشفوق ولن يعاقب أولاده، لئلا تصبح نظرتك وفكرتك عن رحمة الله حافزاً لك على التهاون، ودافعاً للتمادى فى حياة التراخى والشر. فكما أن الله رحوم فهو عادل أيضاً وإن كانت " مراحمه على كل أعماله " كما يقول داود النبى (مز9: 145). ولن يكون الله رحوماً وليس عادلاً، فإن هذا يتنافى مع كماله الإلهى.

قل لي من فعل هذا؟

قل لى يا من لا تؤمن بالعقاب العتيد، ما الذى جلب الطوفان المخوف فى زمان نوح البار، وأغرق ساكنى الدنيا قاطبة.. من أرسل البروق والصواعق على أرض سدوم وعمورة وأحرق سبع مدن مع أولئك القتلة مضاجعى الذكور وأبادهم جميعاً.. من أغرق فرعون وجنوده فى البحر الأحمر. من أباد الستمائة ألف من اليهود فى البرية، من أغرق محلة ابيرام، من أمر الأرض أن تفتح فاها وتبتلع قورح وداثان وابيرام أحياء، من قتل فى أيام داود سبعين ألف نفس، من قتل من الأشوريين خمسة وثمانين ألفاً فى ليلة واحدة، فأى جواب لك ترد به على هذه كلها؟.

إياك أن تطمع فى مراحم أكثر مما يجب

إياك أن تطمع فى رحمة الله بتطرف وبفهم خاطئ. إستمع إلى قول السيد المسيح وهو يخاطب أولئك الذين أخبروه عن الجليليين الذين خلط هيرودس دماءهم بذبائحهم والثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج فى سلوام " إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لو15: 13).

ملاحظات من اجل اعتراف صحيح

اولا: ملاحظات قبل مباشرة الإعتراف

الأختلاء بالنفس

يجب ان يختلي المعترف بنفسه ويراجع ماضي حياته وما هو عليه ويحاسب نفسه الحساب الدقيق ويتذكر خطاياه ولا يقول هذه كبائر والأخري صغائر ويكشف قلبه أمام مرآة الحقائق الالهية " فرجع إلي نفسه" (لو 17: 15) وعندئذ يعرف ما له وما عليه وما يجب أن يقلع عنه ويتركه من الرزائل وما يبقي معه ويقيم عليه من صالح العادات وفضائل الاعمال وأن يندم عما ارتكبه من المعاصي ندامة عميقة كاملة واضعا امام عينيه بشاعه الخطيه ونتانة رائحتها لأن " الخطية خاطئة جداُ " ويتعهد في نفسه وأمام ضميره وأمام الله بالتوبة عما ارتكبه توبة صادقة لا تشوبها غاية قائلاُ في نفسه " لأن زمان الحيوة الذي مضي يكفينا لنكون قد عملنا فيه شهوات الأمم ". وهذه الندامة العميقة والتوبة الصادقة يطلبها الله دائماُ من شعبه ويطالبهم بها بقوله "أرجعوا إليّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم" (يؤ 12: 2 – 13).

تشخيص الحاله

وهو ضروري لمن رأي نفسه خاطئاً وشعر بحاجته إلي غفران خطاياه كما فعل داود في تشخيص حالته بقوله: " تعبت في تنهدي اعوم في كل ليلة سريري بدموعي اذوب فراشي ساخت من الغم عيني شاخت من كل مضايقي" (مز 6: 6 – 7) وكما فعل أهل نينوي اذ " نادوا بصوم ولبسوا مسوحاُ من كبيرهم إلي صغيرهم " (يو 5: 3) وكما فعلت المرأة الخاطئة حيث " وقفت عند قدميه من ورائه باكية وابتدات تبل قدميه بالدموع وكانت تمسحهما بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدههنما بالطيب " (لو 38: 7) وكذلك فعل بطرس اذ " خرج إلي خارج وبكي بكاءُ مراُ " (لو 63: 22). " لأنه ما اعظم رحمة الرب وعفوه للذين يتوبون اليه" (سيراخ 28: 17).

الأنسحاق ونخس القلب ولوم الضمير

حالة المعترف هذه تسمي انسحاقاُ قلبياُ كما عبر داود النبي عن ذلك بقوله ذبائح الله هي روح منكسرة. " القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره" (مز 17: 51) وأيد ذلك أشعياء ايضاُ بقوله " في الموضع المرتفع المقدس اسكن ومع المنسحق والمتواضع الروح لأحيي روح المتواضعين ولاحيي قلب المنسحقين" (إش 15: 57 و2: 62)

أو تسمي نخس القلب ولوم الضمير وتأنيبه كما حصل لمن رجعوا عن خطاياهم وأنضموا إلي عضوية الكنيسة المسيحية في يوم الخمسين من اليهود إذ قيل عنهم " فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم " (اع 37: 2) " لأنه أن لامتنا قلوبنا فالله أعظم من قلوبنا ويعلم كل شيء " (1 يو 2.: 3).

رفض التأجيل

ان يعزم نهائياُ علي ترك الخطية ويغادر اماكنها وان يعزم عزماُ صادقاُ وينفذه حالاُ بدون تسويف أو امهال " لا تؤخر التوبة إلي الرب وتتباطأ من يوم إلي يوم" (سيراخ 8: 5) ويقول مع الابن الشاطر أقوم وأذهب إلي أبي" (لو 18: 15).

الهروب من اسباب الخطيه

 علي التائب المعترف ان يهرب من الاسباب التي توقعه في الخطيه وتجذبه اليها هروبه من الافعي القاتلة مثل " من ينظر إلي امرأة ليشتهيها" (مت 28: 5) ويقول مع أيوب " عهداُ قطعت لعيني فيكف أتطلع في عذراء " (أي 1: 31) ومثل " لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم " (اف 29: 4).. ويقول مع النبي " قلت أتحفظ لسبيلي من الخطأ بلساني احفظ لفمي كمامة فيما الشرير مقابلي" (مز 1: 39) ويسمع قول الحكيم "احفظ قدمك حين تذهب إلي بيت الله " (جا 1: 5) وغير ذلك من الاسباب التي تسهل له ارتكاب المعاصي.

التعهد بعدم العوده الي الخطيه

أن يعاهد نفسه عهداُ جازماُ بأن لا يعود إلي ما ارتكبه سابقاُ وهذا ما يسمي بالتوبة الحقيقية لأن العودة خصوصاُ إذاُ كانت بالقصد والعمد أصعب وقعاُ واسواْ نتيجة ولأن وقع المضاعفات أشد خطراُ من المرض الاصلي والنكسه أشر من العلة السابقة لهذا حذر مخلصنا له المجد ذلك المخلع الذي ابرأه بقوله " فلا تخطيء أيضاُ لئلا يكون لك أشر" (يو 14: 5)، كما نصح اللمرأة التي قدموها إليه متلبسة بجريمتها ليحاكمها بقوله " أذهبي ولا تخطئي أيضاُ " (يو 11: 8).. " لكنه جعل للتائبين مرجعاُ وعزي ضعفاء الصبر ورسم لهم نصيب الحق فتب إلي الرب واقلع عن الخطايا" (سيراخ 2.: 17 – 21).

ولأن الوحي الألهي أشبه من يتوب عن الخطية ثم يعود إلي ارتكابها باقبح الصور حيث قيل " لأنه إذا كانوا بعدما هربوا من نجاسات العالم بمعرفة الرب والمخلص يسوع المسيح يرتبكون أيضاُ فيها فينغلبون فقد صارت لهم الأواخر أشر من الأوائل لأنه كان خيراُ لهم لو لم يعرفوا طريق البر من أنهم بعدما عرفوا يرتدون عن الوصية المقدسة المسلمة لهم قد أصابهم ما في المثل الصادق كلب قد عاد إلي قيئه وخنزيرة مغتسلة في مراغة الحمأة " (بط 2.: 2 – 22).

تسويه الحسابات

أن يسوي حسابه ويستخلص منه نتيجة ظاهرة واضحة لا تشوبها مغالطة ولا يتخللها ريب أو شك ويتحقق جلياُ من خطاياه سواء كانت، في حق الله أو في حق القريب أو في حق نفسه وسواء كانت بالقول أو بالفكر أو بالفعل

لذلك وجب عليه أن ينقي يديه ويطهر قلبه منها (يع 8: 4) وأن كانت في حق القريب " أن تذكرت أن لأخيك شيئاُ عليك فأذهب واصطلح معه" (مت 23: 5 – 24) " وأن كان له علي أحد شيء فيغفر ه " (مت 18: 33، مر 25: 11) وأن كان اغتصب من أحد شيئاُ فيرده اليه (لو 8: 19) وغير ذلك مما يجول بخاطره ويتذكره ويتحقق من صحته وعندئذ تتجلي أمامه امراضه ويعرفها بأنواعها ويشعر بثقلها وخطرها فلا يري مندوحة من الأقبال إلي الطبيب فيقوم حالاُ ويذهب إليه.

اختيار الطبيب الروحي (أب الإعتراف)

أن يفكر بروية وتعقل في اختيار الطبيب الذي يذهب إليه لأن ليس كل الأطباء يفحصون المرضي ويعالجونهم جيدا، فضلاُ عن أن البعض منهم قد لا يفيد المرضي وربما يتسببون في موتهم عوضاُ عن تخفيف ألامهم والعناية بشفائهم وكما يحدث في الأمراض الجسدية هكذا يحدث في الامراض الروحية. أيضاُ لذلك وجب علي المعترف أن يتخير له طبيباُ حاذقاُ توفرت فيه الخبرة التامة والعناية الشاملة ودقة الفحص وصحة الوصف حتي يحسن الظن به ويطيعة وينفذ نصائحه ويقبل علاجه واثقا بنفعه وفائدته ومتي وجده يقدم نفسه حالاُ لمثل هذا الطبيب بغير توان ولا أمهال.

ثانيا: ملاحظات أثناء مباشرة الإعتراف

قدم نفسك كمريض في أشد الحاجة إلي العلاج

يجب أن يتقدم المعترف ويجلس أمام طبيبه ناسياُ وجاهته ومركزه العالمي منكراُ ذاته فلا يضع أمام فكره غناه أو ثروته أو درجته أو رتبته كما كان عالقاُ بذهن نعمان السرياني عندما حضر إلي إليشع النبي (مل 11: 5) بل يقدم نفسه كمريض في أشد الحاجة إلي العلاج شاعراُ بثقل وطأة مرضه لأن المرض طويل يثقل علي الطبيب فيحسم الطبيب المرض قبل أن يطول فيعترف به وبتذلل وأنسحاق قلب وهذه نتيجة طبيعة لازمة للشعور بشدة الخطر الذي عاقبته الهلاك فيستجلب عطف وحنان الطبيب السماوي " والي هذا أنظر إلي المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي" (إش 2: 66).

أن يوقن أنه يعترف أمام الله الفاحص القلوب والكلي

 يجب أن يكون صريحاُ في اعترافه صادقاُ في اقراره ليس كأنه أمام شخص بشري مثله يمكنه ان يخفي عنه ما أستر من عيوبه وما لا يعمله من خطاياه مثل يربعام ملك اسرائيل الذي اوصي زوجته أن تذهب متنكرة إلي اخيا النبي وتستر عنه ماخفي من خطاياها وخطايا زوجها الذي تضامنت معه علي ارتكابها والانغماس فيها مرتكنين علي استعطاف وجهه والتأثير عليه بالهدايا فطاش سهمها وأنكشف ما خفي من أمرها وسمعت ماكانت تخشي سماعه وتكرهه (1 مل 1: 14 – 2.).بل يجب علي المعترف أن يوقن محققاُ أنه يعترف أمام الله الفاحص القلوب والكلي (أر 9: 17 ورو 27: 8) والذي لا تخفي عليه خافية وعيناه كلهيب نار فيشهد عياناُ ما يعترف به أن كان صادقاُ فيشمله برحمته وأن كذباُ يجعله مع حنانيا وسفيرة الذين كذبا علي رسول الحق في اختلاسهما جزءاُ من ثمن الحقل وانكرا علي القديس بطرس الرسول حقيقة الأمر فاستحق حنانيا سماع التوبيخ الصارم " لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب علي الروح القدس... أنت لم تكذب علي الناس بل علي الله " (أع 3: 5 – 4) أو مثل امرأة يربعام التي تنكرت أمام اخيا النبي فأرعدها الله علي فمه انذارات مريعة مدي الحياة (1 مل 1: 14 – 2.).

هذا حال المعترف الذي يتنكر أو ينكر أمام طبيبه شيئاُ من أمراضه اما الذي يعترف بصراحة مقرونة بالصدق كما أمام الله فيرجع إلي بيته مبرراُ (لو 14: 18).

يجب أن تكون غايته العظمي وقصده الوحيد شفاء نفسه

يجب أن تكون غايته من الإعتراف ليس النجاة من تجربة واقعة مثل اعتراف فرعون أمام موسي وهرون (خر 27: 9 – 28) أو طلب الحل والصفح لهذه الغاية (خر 16: 1. – 17) أو أن يكون الباعث للآعتراف هو حب التظاهر وطلب المديح من الناس وذر الرماد في عيونهم حتي يثقوا به ويعتمدوا عليه ويأتمنوه علي ودائعهم وأسرارهم لحسن ظنهم به كما فعل ذلك شاول ملك اسرائيل أمام صموئيل النبي مع بقائه علي سيرته الرديئة طلباُ لحفظ مركزه أمام عظماء ووجوه شعب اسرائيل (1صم 2.: 15). بل يجب أن تكون غايته العظمي وقصده الوحيد شفاء نفسه وخلاص روحه في يوم الرب (1 كو 5: 5) ونوال نعمة الغفران من الله (إش 7: 57).

المكاشفه والوضوح

 يجب علي المعترف أن يكاشف طبيبه بجميع خطاياه ما ظهر منها وما خفي ولا يترك منها شيئاُ في قلبه بدون العلاج الذي يصفه الطبيب ملائماُ ومناسباُ لحالة الأمراض وبذلك ينال البرء منها لأن الخطية تشبه القرح الذي اذا لم يشفه الطبيب سرت مادته المهلكة رويداُ رويداُ وبها يسمم جسم المريض فيستعصي الداء ويتعذر الشفاء ويحتم الفناء. وقال القديس ترتليانوس (في التوبة 1.) أن أخفينا نفوسنا عن معرفة الناس هل تخفي علي الله؟ وهل الاولي أن نهلك وذنوبنا مخفية أو نحل وهي مكشوفة؟" وهو إنما يخاف من عيون البشر ولا يعلم أن عيني الرب أضوأ من الشمس تبصران جميع طرق البشر وتتطلعان علي الخفايا" (سيراخ 7: 23 – 8).

الا ينسب علة فعلها أو المحرض عليها لغيره

يجب أن لا يعتذر عن ذكر أي خطية بل يناقشها ويجب الا ينسب علة فعلها أو المحرض عليها غيره لئلا يستوجب لنفسه ما اصاب آدم وحواء عندما سأل الله كلا منهما عن خطيته فأعتذر ناسباُ أن المحرض له علي ارتكابها غيره. إذ اعتذر آدم بأن حواء حرضته علي الوقوع فيها واعتذرت حواء بأن الحية اغرتها علي المخالفة فاستحقا بهذا الاعتذار قصاص الله العادل والوقوع تحت طائلة غضبه" (تك 12: 3 – 13).بل يجب عليه أن يتأكد أن الإعتراف هو شكوي ضد النفس أمام الله مع الرغبة في تأديبها لهذا يجب أن يشكو نفسه لا غيره ويعترف بخطيته مردداُ اعتراف المرنم " أعترف لك بخطيتي ولا أكتم أثمي، قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي " (مز 5: 32) لا بخطية غيره وإلا يكون مثله كمن يستذنب خلافه لكي يبرر نفسه ولمثل هذا دينونة أعظم.

قال أحد الآباء " لا تخدعنك العظمة فتعترف بخطاياك كأنها فعلت من غيرك. أكشف أمراضك للطبيب وقل ولا تخجل " يا أبي أن الخطية خطيتي وأنا سببها لا غيري" أن من عادة الشيطان التلاعب بنا فيقنعنا أولاُ بعدم الإعتراف وإذا اعترفنا يوسوس لنا باحالة الخطية علي غيرنا كأنهم هم السبب والعلة فين. أما أنت فقاومه ليهرب منك واعترف للرب بخطيتك وأطلب المعالجة فتستريح وتربح نفسك ".

عدم اساءه الظن بالطبيب

 يجب علي المعترف أن لا يسيء الظن بطبيبه أو معلمه خصوصاُ إذا شعر بثقل الانويه أو مرارة طعم العلاج ولا يخامر قلبه ان يستعطف وجه طبيبه بالهدايا أو يعمي بصيرته بالمال أو القنايا طمعاُ في نوال الحظوي لديه وتخفيف القانون وتقصير مدة العلاج مع سهولته لأن الطبيب اذا كان خبيراُ حاذقاُ ورأي ثقل المرض وشدة الخطر المحدق بصاحبه لا يسعه إلا وصف الدواء الملائم مهما كانت مرارة طعمه وكراهة رائحته وعندئذ يجب علي المعترف أن يحسن الظن به ويعتقد أن المر الذي يختاره له الطبيب خير من الحلو الذي يختاره هو لنفسه ويقول " لنحسب أن هذه العقوبات هي دون خطايانا ونعتقد أن ضربات الرب التي نؤدب بها كالعبيد إنما هي للآصلآح لا للهلاك " (يهو 7: 8).

لا تحاول تغيير ذمه الطبيب

أما إذا شاء المعترف أن يعمي بصيرة طبيبه أو يغير ذمة معلمه بالهدايا أو بحب المال أو حطام العالم الزائل فاما أن يكون الطبيب نزيهاُ أبي النفس شريف المبدأ فيقول مع اليشع النبي " حي هو الرب الذي أنا واقف أمامه أني لا أخذ وألح عليه أن يأخذ فأبي" (مل 16: 5) وعندئذ يضيف المعترف ثقلاُ علي خطاياه وجريرة ‘لي معاصيه تزيد عليه مرارة الدواء وتطيل مدة العلاج ويخشي أن يري فيه الطبيب ما يستدعي قصاصه بالحكم الآتي " لتكن فضتك معك للهلاك لانك ظننت أن تقتني موهبة الله بدراهم" (اع 2.: 8) .وأما أن يكون الطبيب محباُ للمال طامعاُ بالربح القبيح مثل " بلعام بن بعور الذي احب اجرة الاثم فحصل علي توبيخ تعديه (2 بط 15: 2 16) ووضع عثرة أمام بني اسرائيل أن يأكلوا ما ذبح للاصنام ويزنوا فيطوح المعترف بنفسه وبطبيبه إلي هوة ساحقة فيهلكان معاُ وبئس المصير.

الخجل الذي يعتري النفس عند الإعتراف بالخطايا

ان الخجل الذي يعتري النفس عند الإعتراف بالخطايا هو العقاب الذي يجب أن تتحمله النفس بسبب سقوطها في الخطية، أما القانون الذي يفرضه الأب الكاهن أحيانا على المعترف فهو التأديب الكنسي للجسد الذي أشترك مع الروح في الخطية. حقا ان للاعتراف على يد الكاهن مرارة يهرب منها بعض الناس أحياناً بزعم أنهم يعترفون على الله لكن هذه المرارة نافعة للخاطئ التائب نفعا جزيلاً، لا يمكن أن يحصل عليه بمجرد الصلاة الانفرادية والإعتراف لله في المخدع، وذلك أن ما يعانيه الخاطئ التائب من شعور بالخجل والخزى قد لا يتوافر للخاطئ أمام الله الذي لا يراه لكنه يتواجد لديه في حضرة الكاهن الذي يراه بعينه جالسا امامه وهو نافع ومفيد له.

الكبرياء وليس الخجل

الهروب من الإعتراف على الكاهن مرجعه الأصلي هو الكبرياء والكرامة الزائقه إذ يستصعب المتكبر أن يكشف نفسه وخطاياه أمام الكاهن في أتضاع وانسحاق لأن كبرياءه يمنعه من ذلك.

يجب أن يعترف الخاطيء بخطيته بشجاعة دون خجل وأن يذكر بعض الظروف المتعلقة بالخطية بتفصيل غير ممل وإذا سأله الكاهن لمعرفة بعض الجوانب عن هذه الخطية لا يتضايق ولا يخفي شيئاً بل يجاوب بكل صراحة لأن ذلك نافع له في وصف العلاج المناسب وإعطاء النصيحة النافعة أو القانون أو التدريب المفيد. وعلى المعترف أن يدخل في صراع مع الله في الصلاة واللجاجة حسب قول الرب " هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف النقي " (إش 1: 18).

لا تقل أنني أخجل من الإعتراف على الكاهن

لا تقل أنني أخجل من الإعتراف على الكاهن، فأيهما أهون أن تتحمل مرارة الخجل فيردعك الخجل عن تكرار الخطيئة وصنعها مرة أخري فتخلص نفسك باعترافك أم أن تهرب من مرارة الخجل وتهلك بخطاياك في يوم الدين.. يوم أن تظهر خطاياك مكشوفة ليس للكاهن فقط بل لله والملائكة ولجميع البشر؟

ولقد قال أبن سيراخ في سفر الحكمة (4: 24 31) لا تستح (لا تخجل) من أمر نفسك فإن من الحياء ما يجلب الخطيئة ومنه ما هو مجد ونعمة ولا تستح أن تعترف بخطاياك ولا تغالب مجري النهر (أي الشعور الجارف بالإعتراف)

في أنواع المعترفين

كل الناس في حاجة ضرورية إلي الإعتراف والتوبة مهما اختلفت مشاربهم وهيئاتهم ومداركهم لأن الكل متساوون في ارتكاب المعاصي ومخالفة شريعة الله التي سجلت حالة جميع بني آدم النفسية تسجيلاُ رسمياُ يتفق مع علم الله الكامل بنقائص البشر الطبيعية والغريزية كما جاء بالوحي الألهي.

" ورأي الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وأن كل تصور افكار قلبه إنما هو شرير كل يوم " (تك 5: 6).. " لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته " (تك 21: 8).. " قال الجاهل في قلبه ليس إله، فسدوا، ورجسوا بافعالهم ليس من يعمل صلاحاُ الكل قد زاغوا معاُ فسدوا ليس من يعمل صلاحاُ ليس ولا واحد" (مز 1: 14 – 3).. " القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس" (أر 9: 17).. " لأن من القلب تخرج افكار شريرة قتل زني فسق سرقة شهادة زور تجديف هذه هي التي تنجس الإنسان " (مت 19: 15 – 2.).. " كم عصوه في البرية واحزنوه في القفر" (مز 4.: 78).. " لكنهم تمردوا واحزنوا روح قدسه فتحول لهم عدواُ " (اش 1.: 63).. " كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلي طريقه " (اش 6: 53) هذا هو الوصف العام لجميع البشر لا يستثني أحد منه وأمام هذه الحالة الطبيعية ينقسم المسيحيون إلي قسمين رئيسيين.

اولا: الذين ابتعدوا عن ينبوع مياه الحياة

هم الذين ابتعدوا عن ينبوع مياه الحياة واستمرأوا مرعي بغيهم فتحجرت قلوبهم لاعتزالهم سماع الوعظ والتعليم لدرجة الصلابة المتناهية والقساوة الشديدة حتي أنطبق عليهم القول الالهي " لذلك كما يقول الروح القدس ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم كما في الاسخاط يوم التجربة في القفر... أنظروا أيها الأخوة أن لا يكون في أحدكم قلب شرير بعدم أيمان في الارتداد عن الله الحي بل عظوا أنفسكم كل يوم مادام الوقت يدعي اليوم لكي لا يقسي احد منكم بغرور الخطية " (عب 7: 3 – 13).فالقلب أصبح شريراُ وارتد عن طريق الايمان وتقسي كالحجر الجلمود ولذلك مات وفقد الحس والشعور الروحي ولا يرضيه من الوعظ ويسره إلا كل ما يوافق هواه وأمياله البشرية. " بل هم الذين يسمعون الكلمة وحالاُ يقبلونها بفرح ولكن ليس لها أصل في ذواتهم بل هي إلي حين فإذا حصل ضيق أو أضطهاد من أجل الكلمة فحالاُ يعثرون " (مت 21: 13). " في رياء اقوال كاذبة موسومة ضمائرهم " (1 تي 2: 4). " الذين اذهم قد فقدوا الحس أسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع " (اف 19: 4).

المسيحيون بالاسم فقط

هؤلاء عدد عظيم في الأمة وهم المسيحيون بالاسم فقط في الكنيسة وأكبر عثرة في طريق نموها وتقدمها وانتشار ملكوت المسيح لأن أكثرهم من الأغنياء الذين لا يرعون بالنصح والإرشاد وساعدتهم أموالهم علي ارتكاب المعاصي فمثل هؤلاء في حاجة شديدة إلي التأثير عليهم وأقناعهم بسوء المغبة بواسطة رعاة مقتدرين تحيط بهم المهابة شكلاُ والورع والكفاءة في العلم موضوعاُ ليقتادوهم إلي حيث تحطم مطرقة التعليم المؤثرة صخور قلوبهم ". ويكون كلامي كمطرقة تحطم الصخر" (أر 29: 23)، فكيف يكون كلامه كمطرقة وأي صخر تحطم ومن يستعملها؟ طبعاُ هذه المطرقة هي الطب الروحاني وعقاقيره الشافية بالوعظ المقنع لنفس الخاطيء بمرضها المهلك فتحطم صخور القلوب القاسية أو القلوب الموسومة التي فقدت الحس وسلمت نفسها في الدعارة للأرتداد عن الله الحي والذي يحسن استعمالها هو الطبيب البارع الخبير في صناعته الغيور علي شفاء النفوس من أمراضها بشدة تأثيره واقناعه لذويها بوجوب الاقلاع عنها ومغادرة مسارحها الموبؤة " فتب إلي الرب واقلع عن الخطايا" (سيراخ 21: 17).

ثانيا: أصحاب الضمائر الحية

انهم أصحاب الضمائر الحية علي اختلاف انواعها الآتي بيانها: وأمراضهم الروحية ليست عضالة عديمة الشفاء مثل القسم الأول ولكن بعضها مستعصي يحتاج إلي دقة الفحص وطول مدة العلاج والحمية الواقية من شر النكسه وهذا يتوقف علي حرص وسهر الطبيب وعنايته وطاعة المتطبب وحسن ثقته بطببيه وكلا الأمرين ضروريان للشفاء ونوال الصحة الروحية تماماُ ومن هؤلاء:

معاود الخطية

وهو من تعود التناول في أوقات معينة مثل يوم خميس العهد أو سبت النور أو في الأعياد فيكون اعترافه علي سبيل سلم يرقي به ثم يعود إلي ما كان عليه أولاُ " يا بني اذا خطئت فلا تزد بل استغفر عما سلف من الخطأ " (سيراخ 21: 1).

والمؤثر الفعال في اقترابه إلي المائدة السماوية هو عادته فقط لأنه يعتقد أن عدم أتمامها شؤم عليه وليس الغرض كراهة الخطية أو عزمه الثابت علي أصلاح السيرة والحصول علي المصالحة مع الله وهذا النوع هو السواد الأعظم بين المتناولين ولكنهم ينطبق عليهم ما قاله الرسول " مثل كلب عاد إلي قيئه وخنزيرة مغتسلة في مراغة الحمأة " (2 بط 22: 2)، ومثل هؤلاء كان يجب تأخير الحل عنهم حتي يتغلبوا علي عاداتهم ويتطبعوا بطبائع ثابتة تأتي بأثمار تليق بالتوبة المستديمة والعيشة التقوية المستمرة".. " كذلك الإنسان الذي يصوم عن خطاياه ثم يعود يفعلها من يستجيب لصلاته وماذا ينفعه اتضاعه " (سيراخ 1.: 31).

ذو العادة

وهو من اقتبس عادة أو ملكة لإحدي الخطايا تملكت عليه حتي أصبحت غريزة ملازمة من تكراره افعالها وعدم عنايته بازالتها كأن يتعود الإنسان علي الحلف أو النميمة أو يتعود علي نظرات رديئة مجلبة للشهوة أو تجسس اسرار الغير وأحوالهم وغير ذلك. فمثل هذا يجب تأخير الحل عنه ايضاُ حتي يتغلب علي عادته الرديئة اطاعة للامر الألهي " ان اعثرتك عينك فاقلعها وان اعثرتك يدك أو رجلك فاقطعها لأنه لأنه خير لك أن تدخل الحياة اعور أو اقطع أو أعرج من أن تطرح في جهنم ولك عينان أو يدان أو رجلان ". فيقطع تلك العادة حتي ولو كان له من بقائها ربح مادي أو منزلة عالية رفيعة وهذا ما يجب أن يلاحظه الطبيب الروحاني كما أن المعترف من هذا النوع يجب عليه ان يقنع محققاُ أنه مادام في هذه الحالة ويتاجسر علي الدنو من المائدة المقدسة فهو مجرم في جسد الرب ودمه.

الأبرار في عيون أنفسهم

الأبرار في عيون أنفسهم والقديسون حسب حكم ذواتهم وهذا النوع يظهر في مدة الاصوام فقط ويختفي ويزول عنه البر والقداسة في مدة الفطر لأننا نراهم مدة الصوم يتناولون سر الشكر اسبوعياُ وبعضهم في وسط الاسبوع ايضاُ وبدون اعتراف اذ لا حاجة لهم إلي التوبة كما يزعمون ولا يشعرون بأي مرض روحاني ولو كان خفيفاُ فلا يلزمهم قانون أيضاُ " ولكن بما أن الرب طويل الاناة فلنندم علي هذا ونلتمس غفرانه بالدموع المسكوبة " (يهو 14: 8).

فريسيين في طوابير المتناولين

وطبعاُ نحن نتمثل هؤلاء وقوفاُ أمام الاسرار النورانية يرددون صلاة الفريسي وكل منهم يقول معه " اللهم أني أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار اصوم مرتين في الاسبوع واعشر كل ما أقتنيه " (لو 11: 18 – 12) مفتخرين باستحقاقهم الشخصي ولا نكيل هذا القول جزافاُ أو نقوله تثبيطاُ للعزائم الناشطة، كلا وحاشا بل نحن نفرح الفرح الجزيل ونغتبط كثيراُ اذا رأينا جميع المؤمنين بقلب واحد ونفس واحدة يتقدمون الي السرائر المقدسة باستحقاق لأن هذا مبدأ الديانة المسيحية وعليه تأسست منذ نشأتها " وكانوا يواظبون علي تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات " (اع 42: 2). وكل ما نقصده أن لا يدخل هؤلاء الي الوليمه وهم عراه من لباس العرس (مت 22: 12). أعني به استعداد التوبه والإعتراف الواجب لأننا اذا كنا نحاسب علي كل كلمه بطاله (أف 4: 29 و5: 4) وعلي كل فكر شرير رديء (مت 15: 19)، وعلي كل نظره سيئه (مت 5: 28) فهل من المعقول ان يمضي علي هؤلاء نحو اسبوع من الزمن وهم مختلطون بأهل العالم في المعاملات ومجالسات ومجانسات ولا يلصق بهم أو بأفكارهم من الأمراض الروحيه ما يستدعي علاجهم ومداواتهم بقانون التوبه؟ ولهم خير برهان قول القديس بولس الرسول " فأني اعلم انه ليس ساكن في (أي في جسدي) شيء صالح لأن الأراده حاضره عندي واما ان افعل الحسني فلست أجد لأني لست افعل الصالح الذي اريده بل الشر الذي لست اريده فأياه افعل فأن كنت ما لست اريده اياه افعل فلست بعد افعله انا بل الخطيه الساكنه في " (رو 7: 18 2.).

و لو انحصرت هفواتهم في عدم اعتزال مضاجعهم الشرعيه احتراما واستعدادا لقبول الأسرار فكفي بها عائقا عن الأستحقاق التام اللائق بكرامتها الألهيه لذلك وجب علي هؤلاء الأخوه ان يتريثوا ويفحصوا ذواتهم ويعرضوا نفوسهم علي الطبيب الروحاني حتي يذكرهم بما يجب عليهم ولو من نوع السهوات " السهوات من يشعر بها، من الخطايا المستتره ابرئني " (مز 18: 12).

كما يجب علي الأطباء الروحانيين عدم التساهل والتفريط مع هؤلاء لئلا يكون ذلك مدعاه لهم علي الأستهانه بالأمراض النفسانيه وعدم الأهتمام بمداواتها كما ينبغي. فضلا عن تعرض انفسهم لما يوقعهم تحت مسؤليه رهيبه لعدم رعايه الأمانه التي أؤتمنوا عليها.

اصحاب الضمائر الحيه والقلوب اليقظه

هؤلاء الذين لا يستريحون بعيدا عن عشره الله بل لذتهم وتعزيتهم في دوام مصالحتهم معه. ان قلوبهم تهتف دائما " تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوه لحلقي " .(نش 2: 3) ومهما طوح بهم العدو وابعدهم قليلا عن الأتصال بعرش النعمه لا يهدأ لهم بال الا اذا عادوا الي مركزهم الأمين وهم بذلك كحمامه نوح التي عندما اطلقها من الفلك لم تجد مقرا لرجلها في الأوحال العامه او بين الجثث الطافيه علي وجه المياه لذلك رجعت اليه وفي فمها غصن زيتون. لذلك فأن اصحاب الضمائر الحيه مهما زلقت اقدامهم يقومون بنشاط ويعودون سريعا وفي افواههم غصن زيتون الترنم والتسبيح لمن انتشلهم من سقطات الخطايا ويلهجون بالإعتراف والتوبه والباعث لهم علي ذلك امران:

الأول: ضمائرهم الحيه " بهذا نعرف أننا من الحق ونسكن قلوبنا قدامه لأنه ان لامتنا قلوبنا فالله اعظم من قلوبنا ويعلم كل شيء. ايها الأحباء ان لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقه من نحو الله ومهما سألنا ننال منه لأننا نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضيه امامه " (1 يوحنا 3: 19 22) لأن الضمير نائب عن الله في الأنسان ولا يمكنه ان يستريح الا في عشرته. " طوبي لمن لم يقض عليه ضميره ولم يسقط من رجائه " (سيراخ 14: 2).

والثاني: لأن الروح القدس الذي اتخذ القلوب النيرة مسكناُ له لا يرضي لذويها الابتعاد عن الله أو دوام البقاء في مهاوي الرزائل بل يجذبهم ويرجعهم إلي دائرة النعمة الالهية " ومتي جاء ذاك يبكت العالم علي خطية وعلي بر وعلي دينونة أما علي خطية فلانهم لا يؤمنون بي وأما علي بر فلأني ذاهب إلي أبي ولا ترونني أيضاُ وأما علي دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين" (يو 8: 16 – 11) وبعمل الروح القدس في هؤلاء يجعلهم يهتفون دائماُ مع المرنم " قلباُ نقياُ أخلق فيّ يا الله وروحاً مستقيماُ جدد في داخلي لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني رد لي بهجة خلاصك وبروح منتدبة اعضدني" (مز 1.: 51 – 12).

ولأن الروح يوفق طلبات المؤمن مع مقاصد الله العلي. في خلاص الإنسان " الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون" (1 تي 4: 2). " وقد طهر بالأيمان قلوبهم" (اع 9: 15) حسب وعده الأقدس " وأرش عليكم ماءاُ طاهراُ فتطهرون من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم وأعطيكم قلباُ جديداُ وأجعل روحاُ جديدة في داخلكم وانزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم واجعل روحي في داخلكم وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون احكامي وتعملون بها " (حز 25: 36 – 27).

وحينذاك يخلق الإنسان الجديد الذي بحسب صورة خالقه في البر وقداسة الحق ويبقي ضميره حياُ ويترنم تسبيحة الغلبة والظفر " لا تشمتي بي يا عدوتي اذا سقطت اقوم " (مي 8: 7)

مثل هذا الإنسان هو الذي يفحص ضميره كل يوم ويحاسب نفسه ويكون مجموع الخسارة أو الربح الروحي امام عينيه قبل أقدامه علي سر الإعتراف والتوبة ليتحقق ماهو في احتياج اليه من علاج.

ثالثا: ملاحظات بعد تأدية الإعتراف

تنفيذ وصية الطبيب الروحي

يجب علي المعترف ان يستعمل ما يوصف له من الأدوية الروحية ويحتمل بصبر ما يوقع عليه من التأديبات موقناُ أنه كلما نفذ وصية الطبيب الروحي وبالغ في الحمية كلما تقارب جرحه للشفاء وتماثل الي نوال الصحة الكاملة.

قال القديس يوحنا فم الذهب (في الكهنوت 5: 3) يجب علي المعترفين أن يخضعوا طوعاُ للعلاجات المعينة لهم من الكهنة ويعترفوا لهم بالمنة علي المعالجة لأن المعترف أن هرب بعد الربط " وهو حر في ذلك " يجعل الشر ارداء مما كان وأن أعرض عن الأقوال القاطعة مثل السيف يضيف باحتقاره إياها جرحاُ علي جراحه ويمسي أمر المعالجة علة لعلة اردأ حيث ليس من يستطيع ان يداويه كرهاُ " قبل المرض استطب وقبل القضاء افحص نفسك فتنال العفو ساعة الافتقاد. قبل المرض كن متواضعاُ وعند ارتكاب الخطايا ار توبتك " (سيراخ 2.: 18 – 21).

احتمال الأدويه المعالجه بصبر

أن يحتمل بصبر ولا يضجر من أستعمال تلك الأدوية قابلاُ اياها من يد أبيه المحب ومعتبراُ لها من انفع الوسائل لخيره ونجاحه روحياُ " أن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين" (عب 7: 12) اذ يخاطبه الله علي لسان معلم التوبة " يا أبني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر اذا وبخك " (عب 12: 5 أم 11: 3) لأنه " هوذا طوبي لرجل يؤدبه الله " (أي 17: 5). لأن هذا التأديب هو مراهم الشفاء كما قال ارميا النبي " حذوا بلساناُ لجرحها لعلها تشفي " (أر 8: 51).

قال القديس باسيليوس في نسكياته " كما أننا نحتمل في معالجة الجسد آلام الكي ومرارة الادوية لننال الشفاء كذلك يجب أن نحتمل في مداواة النفس الزجر والتوبيخ والتأديب لتصح النفس وتشفي فإن العدل الإلهي يوبخ الذين يرفضون التوبيخ ويرذلون التأديب بقوله علي لسان سليمان الحكيم " لأني دعوت فأبيتم ومددت يدي وليس من يبالي بل رفضتم كل مشورتي ولم ترضوا توبيخي فأنا أيضاُ أضحك عند بليتكم اشمت عند مجيء خوفكم اذا جاء خوفكم كعاصفة وأتت بليتكم كالزوبعة اذا جاءت عليكم شدة وضيق حينئذ يدعونني فلا استجيب يبكرون إلي فلا يجدونني لأنهم ابغضوا العلم ولم يختاروا مخافة الرب لم يرضوا مشورتي رزلوا كل توبيخي" (أم 24: 1 – 3.)

لذلك وجب علي المعترف ان يحتمل بصبر ويجعل الصبر شعاره في الرضوخ للتأديبات الأبوية واستعمال العلاجات الروحية لأنه بصبره يقتني نفسه.

العزم علي اصلاح السيره وصنع اثمار تليق بالتوبه

أن يبرهن علي انتفاعه بما استعمله من الأدوية وما تألم منه من احتمال التأديبات وما اختبره من ثقل جرم الخطية وكراهة رزائلها بعزمه الثابت علي إصلاح سيرته في مستأنف حياته وأن يقضي زمان غربته بخوف الله في البر والطهارة وقداسة الحق وأن يلاحظ قول المرنم " حد عن الشر واصنع البر اطلب السلامة واسع وراءها " (مز 14: 34) ويسمع لقول ارميا النبي " هكذا قال الرب قفوا علي الطرق وانظروا واسألوا عن السبل القديمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم ولكنهم قالوا لا نسير فيه" (ار 16: 6)." قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح وماذا يطلب منك الرب ألا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاُ مع ألهك " (مي 8: 6).

وهوذا يوحنا المعمدان ينصح المعتمدين منه بقوله " فاصنعوا أثماراُ تليق بالتوبة " (مت 8: 3) فوجب عل المعترف التائب أن يظهر أثمار التوبة بحياته الجديدة ويقول أن زمان الحيوة الذي مضي في شهوات الجسد وضاع بلا ربح يكفي وينبغي أن أعيش لله عيشة صالحة.

الثبات في التوبه

ينصحنا معلمنا بولس الرسول قائلاً " وبعد أن تتمموا كل شئ أن تثبتوا " (أف 6: 13) " فعلي التائب بعد أن يسير في طريق التوبة الطاهر أن يثبت في توبته بكل تدقيق ولا يرجع إلى طريق الخطية الإرادية مرة أخري "

عدم ترك اب اعترافه بدون سبب منطقي

يجب على المعترف إلا ينتقل كثيراً بين آباء الإعتراف لأن هذه يؤخر نموه الروحي فيجب ألا يترك طبيبه بدون سبب منطقي ما دام علي قيد الحياة وقريباُ منه لأنه صار خبيراُ بأمراضه وأحواله وتقلباته من سواه واصبح قادرا علي وصف الدواء الناجح لشفائه أما إن أراد المعترف التهرب منه لأن الطبيب الجديد لا يقرعه ولا يوبخه علي ما اقترفه أو يقدم له علاجاُ خفيفاُ لأمراضه الثقيلة كل هذه الأوهام يجني بها علي نفسه حيث يتمكن المرض منه ولا يرضي باستئصاله ويكون علاجه عديم الجدوي.

كما يجب علي كل أب اعتراف أن يسأل المعترف عن أب اعترافه السابق ولماذا تركه وإذا لم يجد منه عذراُ مقبولاُ فلا يقبل اعترافه وينصحه بوجوب العودة إلي إبيه الأول.فضلاُ عن أن القوانين الرسولية منعت بتاتاُ انتقال المعترفين من كاهن إلي آخر بدون عذر شرعي لاسيما إذا كان تحت تبعة القانون وفعل ذلك تخلصاُ من القصاص (ق 12).

ولكنه يباح للمعترف تغيير أب اعترافه في حالة ابتعاد أحدهما عن الآخر في سفر أو انتقال الأب إلي بيته الأبدي او في حاله شعور المعترف بعدم امكانيه مقابله اب اعترافه بسهوله نظرا لكثره عدد المعترفين عنده أو الأحساس بعدم الأستفاده من اب الإعتراف كما يجب والأفضل عند تغيير اب الإعتراف الأتصال به لأخذ الحل منه حتي يطمأن الأب علي ابنه.

الألتصاق بالله وتقديم الشكر له لأنقاذه لنفوسنا

بعد تقديم التوبة ونيل الحل والغفران يجب على التائب أن يشكر الله الذي فتح له باب التوبة وأنقذه من طريق الموت والهلاك عالماً أن طريق الخطية خطير كقول إشعياء النبي " الإثم (الخطية) يحرق كالنار يأكل الشوك والحسك ويشتعل في أغصان الغابة فيأكل كل ما يحيط به " (إش 9: 18) وكقول معلمنا بطرس الرسول " يعلم الله أن ينجي الأتقياء من التجربة ويحفظ الآثمة إلى يوم الدين معاقبين ولا سيما الذين يذهبون وراء الجسد في شهوة النجاسة " (21 بط 2: 9 1.). حينما يعلم التائب أنه بتوبته سينجو من هذا كله حينئذ يتعمق في محبة الله والالتصاق به حتى ينال منه قوة تساعده في جهاده ضد الخطية وكل مسبباتها وينصره على الشيطان وكل حيله وأساليب خداعه، والجسد بكل ضعفاته وشهواته وميوله.

الجهاد بثقه ورجاء

واخيراُ يجب علي المعترف أن يجاهد جهاد الأبطال في إتمام قانونه واستعمال علاجه مملوءاُ من الرجاء المبارك في رحمة الله بغفران خطاياه وان لا يجعل اليأس يتسرب إلي قلبه بل يتمسك بحبال الرجاء القوية مهما رأي قصاص خطاياه السابقة ثقيلاُ واستكر طعم الأدوية الشافية ومتي عبر هذه المرحلة واثمار التوبة ناضجة في شجرة حياته الجديدة يتقدم إلي السرائر المقدسة باستحقاق فيأكل الطيب وتتلذذ بالدسم نفسه (اش 2: 55) ويحيا مع المسيح ثابتاُ فيه ويتغني دائماُ " تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي " (نش 3: 2) مواظباً علي الصلوات فيها بالشكر علي ما نال من نعمة الله.

سر التوبة يلازم جميع الأسرار

سر التوبة يلازم جميع الأسرار الباقية لأنه يجب أن تكون ضمائرنا صافية بالتوبة قبل نوال نعم الله المختفية في الأسرار الكنسية، ولأننا في الاسرار نتقابل مع الله فلذلك يجب الاستعداد لهذا اللقاء الروحي كما أمر الله موسي قديما أن يوصي الشعب " فقال الرب لموسي أذهب إلي الشعب وقدسهم اليوم وغدا وليغسلوا ثيابهم ويكونوا مستعدين لليوم الثالث لانه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب علي جبل سيناء " (خر 91: .1، 11).

 

في واجبات المعترف نحو التناول

أن المعترف بإتمامه سر الإعتراف والتوبة علي أكمل وجه يكون قد قطع مرحلة كبيرة من وادي الخطر والهلاك سائراُ في طريق النجاة والحياة نحو المائدة المقدسة التي يعتبرالتناول منها أقوي برهان وأعظم دليل علي اتحاده بالرب يسوع المسيح مخلصنا اتحاداُ كاملاُ وأصبح عضواُ حياُ في جسد المسيح ولكي يتأهل إلي هذا الختام الحسن يجب عليه ملاحظة الأمور الآتية:

الصوم عن الأكل والعلاقات الزوجيه

الصوم " جلست وبكيت ونحت أياماُ وصمت وصليت أمام إله السماء " (نح 4: 1) " فوجهت وجهي إلي الله السيد طالباُ بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد" (دا 3: 9) وهذا ما يطلبه الله بقوله " ولكن الآن يقول الرب أرجعوا إلي بكل قلوبكم بالصوم والبكاء والنوح" (يؤ 12: 2) فالصوم نحو استحقاق المائدة المقدسة أمر لازم ويكون بالانقطاع عن الطعام تسع ساعات قبل التناول.

جاء في المجموع الصفوي (باب 17: 13 ص 147): " لا يتناول أحد القربان إلا وهو صائم ومن افطر من المؤمنين والمؤمنات ثم تقرب أن كان فعل ذلك تهاوناُ به فليفرز" وفي (م. 18 درس 28 و43) " كل مؤمن فليجعل دابة أن يتناول من الأسرار من قبل أن يذوق شيئاُ ولاسيما أيام الصوم وأن كان له أيمان فليتناوله وإذا دفع له سم الموت فلا يؤلمه ".

اعتزال المضجع لمن كان متزوجاُ

اعتزال المضجع لمن كان متزوجاُ ثلاثه ايام او علي الأقل الليله التي تسبق التناول لمن يتناول عده مرات اسبوعيا قبل الاقتراب من السر ومع أن الرسول بولس صرح قائلاُ: "ليكن الزواج مكرماُ عند كل واحد والمضجع غير نجس" (عب 4: 13) ولكن لأن ناموس الآداب والوقار والاحتشام يقضي أن يكون عفيفاُ أولاُ ولأن الله أمر به قائلاُ " قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الأطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها " (يؤ 16: 2).

الله حافظ علي حرمة الجبل فهل نهين ذاته

وقد حافظ علي حرمة الجبل الذي خاطب إسرائيل منه وحذر كل من لم يصم عن الاجتماع بزوجته ثلاثة أيام أن يدنو من ذلك الجبل حيث قال الرب لموسي أذهب إلي الشعب وقدسهم اليوم وغداُ وليغسلوا ثيابهم ففعل موسي كما أمره الرب وقال للشعب كونوا مستعدين لليوم الثالث لا تقربوا امرأة " (خر 1.: 19 – 15)

ونري في تاريخ داود أيضاُ لما جاع وأراد أن يأكل من خبز التقدمة قال له ابيمالك الكاهن لا يوجد خبز محلل تحت يدي ولكن يوجد خبز مقدس اذا كان الغلمان قد حفظوا أنفسهم ولاسيما من النساء فأجاب داود أن النساء قد منعت عنا منذ أمس وماقبله عند خروجي وأمتعة الغلمان مقدسة " (1 صم 4: 21 – 5) فإذا كان الله أمر شعبه بالمحافظة علي حرمة الجبل وابيمالك الكاهن شدد في المحافظة علي احترام خبز الوجوه مع داود فكم بالحري سر الافخارستيا جسد ودم عمانوئيل الذي هو أعظم بما لا يقاس من الجبل وخبز الوجوه وجميع المخلوقات ولأجل هذا تطلب الكنيسة من المتقدمين لتناول هذا السر الأقدس عدم الاقتراب من الزوجة قبل تناوله.

إهانة للرب وانقياد وراء الشهوات الجسدية

ولأن الرسول بولس استحسن ذلك وأشار اليه بقوله " لا يسلب احدكم الآخر ‘لا أن يكون علي موافقة إلي حين لكي تتفرغوا للصوم والصلوة ثم تجتمعوا أيضاُ معاُ لكي لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم" (1 كو 5: 7).

لقد أمر الله بذلك في القديم (خر 15: 19). " لا تقربوا امرأة " (راجع 1 صم 4: 21 – 5) وصرح به القديس بولس الرسول (1 كو 5: 7) وقد اعتاد الناس منذ العصور الخالية أن يمتنعوا عن نسائهم عند الشروع في الأعمال المقدسة علي ما ثبت من أقوال المؤرخين الأقدمين وكانت الشريعة اللاوية كذلك (لا 18: 15) وهذه السنة لا تزال بين الهنود والمجوس والمسلمين في القرآن (سورة 5.: 4). فكم احري يجب أن يكون ذلك في شريعة الفضل والكمال التي تأمرنا أن نكون متفرغين إلي ما أسمي وأفضل ونفوسنا مهيئة لاستقبال الرب لا علي جبل سيناء بل في قلوبنا ولا يكلمنا بواسطة موسي بل بنفسه رأس.

أن القول بعدم الاهتمام بذلك إهانة للرب وانقياد وراء الشهوات الجسدية التي تحارب النفس والتي يجب أن نهرب منه. وتفضيلاُ للجسد علي الروح واهتماماُ للجسد دون الروح مع أنه يجب أن نسمع قول الرسول لنكون نزيهين وليفرض المتزوج كأنه غير متزوج وليهتم للرب .

وما جاء في (1 صم 4: 21 – 5) يعلمنا كيف نستعد لنتناول القربان المقدس ويحذرنا كل الحذر من الاقتراب إلي مناولة جسد الرب ودمه بغير استعداد فإنه أن كان محظوراُ علي اليهود وهم غير صائمين ومبتعدين عن زوجاتهم أكل ذلك الخبز المتقدم قرباناُ للرب الذي لم يخرج عن حد البساطة ولم يفرق عن الخبز الذي نأكله كل يوم إلا في كونه دعي عليه باسم الرب وتخصص له فكم بالحري محظور علينا ونحن غير أطهار في أنفسنا وأجسادنا الاقتراب إلي مناولة هذا الخبز الذي هو جسد ابن الله الحي المحيي والمغذي لأنفسنا وأرواحنا وأجسادنا.

الزواج طاهر والصوم أطهر والجسد المقدس كلي الطهارة

لا يعترض احد بأن الزواج طاهر لأن الصوم أطهر والخبز الذي نود أن نتغذي به هو كلي الطهارة فاحذر الاقتراب إليه لأنك تجد من يناجيك في سريرتك قائلاُ: هل منعت نفسك ولاسيما من النساء؟ فتضطر أن تجيب إما كما أجاب داود وإما بالعكس فتقع في شر أعمالك وتأخذ اللعنة عوض البركة فتقتل نفسك وتهلك ذاتك كما أهلك يهوذا ذاته. " اقلع عن ذنوبك وقوم أعمالك ونق قلبك من كل خطية " (سيراخ 38: 1.) " وخلصوا البعض بالخوف مختطفين من النار مبغضين حتي الثوب المدنس من الجسد " (يه 23) " لا تكن بلا خوف من قبل الخطية المغفورة لتزيد خطية علي خطية " (سيراخ 2: 5).

وجوب تناول المعترف وواجباته بعد التناول

تناول سر الشكر (جسد الرب ودمه) هو الغاية العظمي التي يسعي كل مؤمن ويركض في ميدان الجهاد للوصول اليها لأنها باب السماء وسر الاتحاد بيسوع المسيح مخلصنا وضمان الميراث الابدي والحياة السعيدة الدائمة طالما يتناول باستحقاق وواثقاُ بالرجاء التام في رحمه مخلصه.لأن ربنا يسوع المسيح سلم هذا السر الأقدس لتلاميذه في ليلة آلامه إذ أخذ خبزاُ وبارك وكسر وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي وعن الكأس قال أشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا (1) " (مت 26: 26 – 28) وأمرهم بأن يصنعوه لذكره (لو 19: 22) وهكذا اقتضتت أرادته السامية وجوده الإلهي وسخاؤه العظيم وحبه ورحمته لنا نحن الخطاة أن يعطينا ذاته قوتاُ وغذاء لخلاصنا تحت أعراض الخبز والخمر.

حرص الكنيسه علي ممارسه المعترف لسر التناول

ان عظمة سر التناول تقتضي طهارة واستعداد من يتقدم إليه خوفاُ مما يلحق المجرمين فيه من قصاص " من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضي وكثيرون يرقدون" (1 كو 3.: 11) وقد ذكر القديس كبريانوس (في الاستعداد للشركة وجه 1.) ما يأتي:

"أن بعضاُ من الذين أكلوا ذبائح الأوثان ثم تقدموا إلي الأفخارستيا اغتالتهم يد النعمة الإلهية فمنهم من بلي بالخرس ومنهم من أكل لسانه إلي غير ذلك من البلايا والمصائب"

وقال القديس يوحنا فم الذهب " وكثيرون كانوا يعذبون من الشياطين " لأجل ذلك فعلي المسيحي أن يهييْ نفسه ويصلح قلبه لأن الرب مزمع أن يصنع الفصح مع

(1)          انظر كتابنا جسد ودم عمانوئيل الهنا

تلاميذه عنده (مت 18: 26) فاستعد للقاء الرب الهك ولا تنس ان الله يديننا لا عن الأمور التي نرتكبها فقط بل عن الفرص التي نهمله. فأهل اليسار يدانون يوم الحساب ليس لأنهم ارتكبوا جرائم بل لأنهم أخفوا وزناتهم وما تاجروا بها ممتنعين عن فعل أعمال الرحمة والشفقة والخدمة والمحبة فأمتحن نفسك بهذا الاعتبار أيضاُ" فتقدم بعزم ثابت في يقين الأيمان مرشوشاُ قلبك من ضمير شرير ومغتسلاُ جسدك بماء نقي (عب 22: 1.).

شكر المعترف لله قبل وبعد التناول

يجب علي المعترف التائب المتقدم إلي السرائر أن يقدم الشكر من أعماق قلبه لله قبل وبعد التناول لأنه برحمته حسبه مستحقاُ للتمتع بهذه النعمة السماوية وقد أحسن إليه بنفسه عوض أساءة المعترف إليه إذ قربه من المائدة الإلهية ومحي صك الذنوب عنه. كما يجب علي المعترف أيضاُأن يبتهل الي الله أن يجعل له هذه السرائر نوراُ لا ناراُ وحياة لا موتاُ وبركة لا لعنة وخلاصاُ لا هلآكاُ.

تجنب المحادثات والنظرات السيئة

يجب علي المعترف بعد التناول أن يجتنب المحادثات الباطلة " لا تخرج كلمة رديئة من أفواكم بل كل ما كان صالحاُ للبنيان حسب الحاجة لكي يعطي نعمة للسامعين".. " ولا القباحة ولا كلام السفاهة والهزل التي لا تليق بل بالحري الشكر" (اف 29: 3 و4: 5).. " لأن كل كلمة بطالة يعطي عنها حساباُ في يوم الدين ويتحفظ علي وجه العموم من الخطاء باللسان " (مز 1: 39).كما يحاذر من النظرات السيئة " أن كل من ينظر إلي امرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه " (مت 28: 5). كما يحفظ الحواس الظاهرة والنفس من دنس العالم (يع 27: 1).

مطالعة الكتب المقدسة

يجب عليه مطالعة الكتب المقدسة والمواعظ الدينية ليشغل بها حواسه الظاهرة والباطنة لأنها أفضل واق له من الاشتغال بالأمور الجسدانية الفاسدة. بل خير مرشد إلي الطريق الصالح الذي إذا سار فيه يجد راحة لنفسه وليكون خير قدوة لغيره حتي يرشدهم إلي الحياة المسيحية بسيرته وأعماله وأن يجذبهم إلي المسيح ليشتركوا معه في مائدة نعمته ليفوزوا ببركات الوليمة المقدسة.

الباب العاشر

توبه المرتدين

أوشية الجاحد (المرتد او الزاني)

هناك صلاه لم تعد تستعمل منذ فتره طويله وتسمي (اوشيه الجاحد). هذه الصلاة الطقسية كانت تباشرها الكنيسة للتائبين الذين سقطوا فى أنواع خاصة من الخطايا مثل: خطية جحد الإيمان ونكران المسيح أى الإرتداد، أو خطية تدنيس الجسد للروح أو الزوجة بالزنا مع شخص آخر غير مؤمن (في حاله قبول الشريك الإستمرار فى الحياة الزوجية وغفر للآخر خطأه.)

مثل هؤلاء التائبين لا تعيد لهم الكنيسة موهبة سر المعمودية، لكنها تصلي من أجلهم لكي لا يكون خطأهم حرمهم من بعض نعمها الفياضة في أحشائهم.

ولذلك خلال مباشرة الصلاة لا نسمع إلا عن خلع ثياب التائب ثم نضح الماء عليها ورسم جسده بالزيت، ثم أعادة ثيابه إلي وضعها الطبيعي. والكنيسة بهذا النظام تشير إلي أن الخطية المرة التي سقط فيها جعلته عرياناُ عن النعمة مثل آدم وحواء الذان أخطئا فتعرا.. وإذ يتعري الجسد يحتاج إلي تقديس بالزيت المصلي عليه، ثم التوبة تعيد للإنسان سر الله الذي فقده بسقوطه.

ومما يلاحظ أيضاُ في مباشرة الصلاة أن الأب الكاهن الشفيع عن التائب يطلب من الله غفراناُ لأن هذا التائب " تجرب " أي وقع تحت ضغط تجربة من عدو الخير. فالكنيسة تعتبر أمثال هؤلاء المؤمنين " أخوة مجربون " لم يحتملوا التجربة فسقطوا بالضعف أو الجهل، ولذلك هي تشفع فيهم كضعفاء أقروا بضعفهم وطلبوا التوبة والغفران. وتطلب حلول الروح القدس عليهم كمرشد ومتوب وملهب للقلب بالغيرة نحو الخلاص والقداسة.

والرائع في هذه الصلاة أن الكاهن يطلب أثناءها كل الطلبات لا بصيغة المفرد التائب فقط، بل يطلبها بصيغة الجمع: للتائب ولنفسه ولبقية الشعب.. إنها شركة في الضعف وشركة في الشفاعة وشركة في النصرة مع.

وإن كانت مباشرة هذه الأوشية قد إندثرت لعوامل عديدة منذ فتره طويله، لكننا آثرنا أن نضعها هنا ليست كتراث خالد للكنيسة المحبة لأولادها التائبين المقرين بخطئهم فقط.. لكن لكي كما إستخدامها روح الله القدس في بركة تائبين كثيرين قديما، يستخدمها الأن أيضاُ حيث كثرت حالات الأرتداد بصوره المختلفه. وكما كان هكذا يكون..

طقس أوشية الجاحد

تجهز آنية جديدة من الفخار (قدر) وتملأ ماء حلواُ. يصب فيها الكاهن زيتاُ ساذجاُ ثلاث مرات ويرسم علامة الصليب.

يقول الكاهن صلاة الشكر. وفي نهايتها يقول الشعب: أرباع الناقوس. وخلالها يرفع الأب الكاهن البخور ويتلو سر البولس: " يا الله العظيم الأبدي الذي بلا بداية ولا نهاية، العظيم في مشورته، والقوي في افعاله، الذي هو في كل مكان، وكائن مع كل أحد، كن معنا أيضاُ ياسيدنا في هذه الساعة وقف في وسطنا كلنا. طهر قلوبنا، وقدس أنفسنا، ونقنا من كل الخطايا التي صنعناها بإرادتنا، وأمنحنا أن نقدم أمامك ذبائح ناطقة وصعائد للبركة وبخوراُ روحياُ يدخل إلي الحجاب في موضع أقداسك "

ثم يبخر ثلاث أيادي في الأربعة جهات. وبعدما ينتهي الشعب من أرباع الناقوس يكملون: ذو كصابتري كي أيوكي آجيو إبنفاتي، كانين كي آي أي كي إستوس إي أونا استون أونون. آمين. ألليلويا.

يقول الشعب: أبانا الذي في السموات والمزمور الخمسين: "أرحمني يا الله كعظيم رحمتك". ثم يختمون بالسجود لله الآب والإبن والروح القدس " تين أوشت أيموكو بي إخرستوس نيم بيك يوت إن آغاثوس نيم بي أبنفما أثؤواب جيه آك إي سوتي أممون ناي نان"

يقرأ الشماس البولس 1 تي 1: 3 – 17

" كما طلبت اليك أن تمكث في أفسس إذ كنت أنا ذاهباُ إلي مكدونية لكي توصي قوماُ ان لا يعلموا تعليماُ آخر. ولا يصغوا إلي خرافات وأنساب لا حد لها تسبب مباحثاث دون بنيان الله الذي في الإيمان. وأما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء، الأمور التي إذ زاع عنها إنحرافوا إلي كلام باطل. يريدون أن يكونوا معلمي الناموس وهم لا يفهمون ما يقولون، ولا ما يقررونه. لكننا نعلم ان الناموس صالح إن كان أحد يستعمله ناموسياُ، عالماُ هذا أن الناموس لم يوضع للبار بل للأثمة والمتمردين، للفجار والخطاة الدنسين والمستبيحين، لقاتلي الآباء وقاتلي الأمهات وقتلي الناس. للزناة لمضاجعي الذكور، لسارقي الناس، للكذابين للحانثين. وإن كان شيْ آخر يقاوم التعليم الصحيح حسب إنجيل مجد الله المبارك الذي أؤتمنت أنا عليه، وأنا أشكر المسيح يسوع ربنا الذي قواني أنه حسبني ميناُ إذ جعلني للخدمة. أنا الذي كنت قبلاُ مجدفاُ ومضطهاُ ومفترياُ ولكنني رحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان، وتفاضلت نعمة ربنا جداُ مع الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع. صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلي العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا. لكنني لهذا رحمت ليظهر يسوع المسيح في أنا أولاُ كل أناة مثالاُ للعتيدين أن يؤمنوا به للحياة الأبية. وملك الدهور الذي لا يفني ولا يري الإله الحكيم وحد ه له الكرامة والمجد إلي دهر الدهور، آمين. نعمة الله الآب تحل علي جميعنا مين

 ثم يقول الشعب الثلاثة تقديسات " آجيوس " ويقول الكاهن " أشية الأنجيل ". ثم يقرأ الأب الكاهن المزمور والإنجيل

(مز 6: 24، 7، 1.) " خطايا صباي وجهالاتي لا تذكرها يارب. أذكرني من أجل صلاحك. يارب من أجل إسمك يارب تغفر لي خطيئتي. هللويا ".

(لو 15: 3 – 1.) " فقال لهم هذا المثل مخاطباُ. أي رجل منكم له مئة خروف ويضيع واحد منها أليس يترك التسعة والتسعين في البرية ويمضي فيطلب الضال حتي يجده، فإذا وجده وضعه علي منكبيه فرحاُ، وإذا أتي إلي البيت فيدعو أصدقاءه وجيرانه قائلاُ لهم إفرحوا معي لأني وجدت خروفي الضل. أقول لكم إنه يكون فرح في السماء بخاطيء واحد يتوب أكثر من التسعة والتسعين صديقاُ لا يحتاجون إلي توبة، أو أي إمرأة لها عشرة دراهم إن أضاعت درهماُ واحداُ ألا توقد سراجاُ وتكنس البيت مجتهدة حتي تجده. فإذا وجدته دعت أحباءها وجيرانها قائلة إفرحن معي لأني وجدت درهمي التالف – هكذا اقول لكم إنه يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطيء واحد يتوب " والمجد لله دائماُ.

 يقول الشعب مرد الأجيل: " أيرنوفي أيرنوفي إيسوس كوني ايفول جي امون فوك ان آت أيروفي ذي أممون شويس أن آت كو ايفول" وترجمتها " أخطأت أخطأت ياربي يسوع إغفر لي – لأنه ليس عبد بلا خطية ولا سيد بلا غفران، أعطني يارب توبة لكي أتوب قبل أن يسد الموت فمي في أبواب الجحيم. إشفع فينا يا رئيس الملائكة الطاهر ميخائيل رئيس السمائيين ليغفر لنا خطايانا.أطلبوا يا سادتي الآباء الرسل وبقية التلاميذ ليغفر لنا الرب خطايانا. لأنه مبارك إسمك ايها الآب والإبن والروح القدس لك السجود ان وكل أوان آمين "

بعد ذلك يقول الأب الكاهن الأواشي الكبار السلامة والآباء والإجتماعات وفي نهاية أوشية الإجتماعات يقول الشخص التائب مع الشعب بصوت جهوري قانون الإيمان.

بعد ذلك يقول الأب الكاهن هذه الأوشية للجاحد التائب " السيد الرب الإله ضابط الكل ابا ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي يريد أن يحيا جميع الناس، وأن يقبل كل منهم الي معرفة الحق.. أنت يا سيدنا نسألك عن عبدك (فلان) الذي أحني رأسه وإلتجأ إليك لتحله من رباطات إبليس ومن كل أمانة رديئة للهاجرين هذه التي رفضك بسببها.. نسأل ونطلب منك يا محب البشر أرسل روحك القدوس وقوتك علي عبدك (فلان) في هذه الساعة، إنزع من قلبه كل إعتراف رديء باطل. طهر قلبه من جميع أفكاره الشريرة. وإن كان قد تنجس جسده مع غير مؤمن فسامحه وإجعله مستحقاُ أن يختص بالدخول في الأمانة المستقيمة التي للتقوي والتي كرز بها الأنبياء والرسل ومعلموا البيعة.

عبدك (فلان) عده مع شعبك وخراف ميراثك. هب له مغفرة جميع خطاياه التي صنعها منذ ولادته إلي هذه الساعة وذلك بحلول روحك القدس عليه فلا ينقص شيء من نعم المعموديةى التي قبلها أولاً.. باركه، طهره، قدسه، إملأه من خوفك، قومه نحو إرادتك المقدسة الصالحة. بشفاعة سيدتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم وكل مصاف قديسيك، بالنعمة والرأفة ومحبة البشر التي لإبنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح هذا الذي يليق بك معه مع الروح القدس المحي المساوي لك الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور آمين

 ثم يقول الشعب أبنا الذي في السوات. بعدها يتلو الكاهن هذه الطلبة

" نعم نسألك ايها الرب إلهنا الذي لا يدع أحد منا يجرب أكثر من طاقته بسبب ضعفنا. أعطنا أن نخرج من هذه التجارب لنستطيع أن نطفيء السهام المتقدة ناراُ التي للعدو. ونجنا من الشرير وأعماله بالمسيح يسوع ربنا هذا الذي.."

 يقول الشماس: " احئوا رؤوسكم للرب "

 يقول الكاهن: " نعم يارب الذي قلت لا أدعكم تجربون فوق ما تستطيعون ولكني أرسل مع التجربة المنفذ. أرسل من العلا نعمتك لنستطيع أن نحتمل. نجنا أيها الرب إلهنا من كل تجربة متعبة وأخرجنا منها ومن كل أفعال الخبيث بالمسيح يسوع ربنا.. هذا الذي.. "

– يقول الشماس: " إنصوا بخوف من الله "

 يقول الكاهن التحليل الآتي: " أيها الشافي نفوسنا وأرواحنا أنت الذي قلت لأبينا بطرس من فم ابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخصنا يسوع المسيح (أنت بطرس وعلي هذه الصخرة أبني بيعتي وابواب الجحيم لن تقوي عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات وما تربطه علي الأرض يكون مربوطاُ في السموات وما تحله علي الأرض يكون محلولاُ في السموات. فليكن إذن عبدك هذا (فلان) محاللاُ من فمي من كل خطية ومن كل لعنة ومن كل جحود ومن كل يمين كاذب ومن كل مصادمات الهراطقة والهاجرين والوثنيين بروحك القدوس ايها الصالح محب البشر. اللهم يا حامل خطية العالم أسبق بقبول توبة عبدك منه نوراُ للمعرفة وغفراناُ لخطاياه لأنك إله رؤوف ومتحنن طويل الأناة كثير الرحمة بار. سامح وأغفر له بما أنك صالح ومحب البشر

– يصرخ الشماس قائلاً: " حقاُ خلصت حقاً مع روحك "

– يرسم الكاهن الماء ثلاثة رسوم بالصليب ويقول: " ايفلوجيتوس كيريوس ايسوس اخرستوس ايوس ثيئو آجيا اسموس ابنفما آجيون آمين. مبارك الرب يسوع المسيح إبن الله وقدوس الروح القدس آمين "

– ويرد الشعب: " آمين. اسباير آجيوس أيس أوس آجيوس إن إبنفما آجيون آمين.حقاُ واحد هو الآب القدوس واحد هو الإبن القدوس واحد هو الروح القدس. آمين "

– يقول الشعب " المزمور 15." سبحوا الله في أثناء ذلك يخلع التائب ثيابه فينضح الأب الكاهن الماء عليه ثلاث مرت، بعد أن يعمل ستاراُ بينه وبين الشعب وهو يقول: " أحميك يافلان بإسم الأب والإبن والروح القدس إله واحد أمين"

وبعد أن ينتهي الكاهن من صب الماء علي رأسه وغسله يأخذ الكاهن الزيت ويرشم جبهته وقلبه ووسط منكبيه، ويديه، وهو يقول: " مبارك الله الآب ضابط الكل. آمين. مبارك إبنه الوحيد يسوع المسيح ربنا آمين. مبارك هو الروح القدس البارقليط آمين ". وبعد أتمام الرسم يلبسه ثيابه، ويدعه يحني رأسه، ثم يصلي الكاهن عليه هذه الصلاة:

" ايها السيد الرب الإله الوحيد كلمة الله الآب الذي أتي الي العالم ليدعوا الخطاة إلي التوبة، الذي لا يشاء موت الخاطيء مثلما يرجع ويحيا. الذي قال إذا أخطأ إليك أخوك سبع مرات في اليوم ويرجع إليك سبع مرات قائلاُ قد أخطأت إغفر له.أنت الآن يا ملكنا أنظر إلي إنحنائنا أمامك نحن الخطاة عبيدك – أطرد كل فكر شرير من قلب عبدك " فلان " أغفر جميع خطاياه وجهالاته، أعتقه من كل ظلمة إبليس لينظر إلي مجد عظم بهاءك.

أنعم لنا يارب بسعي وتوبة وعتق من خطايانا وزلاتنا وآثامنا ولا تدعنا نعود إليها مرة أخري بل إنهضنا من عثراتنا وسر معنا بقوتك وانقذنا من مخانق إبليس وردنا اليك برجعة حقيقية، ودبرنا في سيرة حسنة، ونقنا من كل فكر نجس، وأعتقنا من كل نية دنسة، وأمح كتاب خطايانا. وأنقذنا الآن فنسطيع أن نتقوي بمعونتك ضد قوات الشرير وصوره، فيرجعوا مغلوبين في حربنا الثانية، ونأتي أيضاُ إلي سبيل العبادة الإلهية. احسبنا مع كل المجاهدين الحقيقين الذين خلصوا بمسرة الله هذا الذي أنت مبارك معه والروح القس المحي المساوي معك الآن وكل أوان "

بعد هذا يقول الكاهن تحليل الإبن " وهو التحليل الثالث من أواشي التحليل الثلاثة " ثم يناول الكاهن التائب من اسرار المقدسة. ويأمره ألا يعود يخطيء فيما بعد، ويتلو البركة ويختمها بالصلاة الربانية.

الباب الحادي عشر

قوانين سر التوبه (التأديبات الكنسيه)

في قوانين سر التوبة والغاية منها

بما أن الخطايا منذ ارتكبها الإنسان من بدء الخليقة كانت له بمثابة علل وأمراض روحية لابد من علاجها ومداواتها كالامراض الجسدية أصبح من الضروري وجود اطباء روحيين يفحصون أمراضها ويصفون لها العلاجات المناسبة لشفائها وإلا هلك الإنسان نهائياُ لذلك كان من تدبير الرحمة الالهية توقيع القصاص علي آدم اب الجنس البشري جزاء لمخالفته كدواء لمرضه الروحي حتي بمقتضاه يشعر بمرارة الخطية ويدرك أنها أسقمت نفسه واماتت روحه وأنه لابد له من علاج يوصله الي الصحة والحياة وقد توارث نسله أيضاُ الشركة في تدبير الرحمة الالهية علي توالي الاجيال كما ورثوا خطيته بطريق التناسل الطبيعي ولهذا كما باشر الله له المجد بنفسه أمر علاج النفوس ومداواتها أناب عنه بين شعبه من الاباء والانبياء والرسل وخلفائهم من يقومون بفحص النفوس والوقوف علي امراضها المختلفة ومعرفة عللها وأسبابها ووصف ما يقوم بشفائها في كل زمن لذلك قد اعتبرت الكنيسة الرسولية قوانين واحكام سر التوبة التي توقع علي المعترفين بمثابة تأديب ابوي أو عقاقير روحية حسب قول الرسول بولس " لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله ان كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأي ابن لا يؤدبه ابوه " (عب 12: 6 – 7).. " ولكن اذ قد حكم علينا نؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم " (1 كو 32: 11).. " هو ادبنا لأجل أثامنا وهو يخلصنا لأجل رحمته " (طو 5: 13).

ويتضح من هذا البيان الالهي أن القديس الرسول بولس قد علم أن هذا التأديب هو لشفاء النفس حينما استعمل سلطانه فيه كطبيب روحي مع المختلط بالدم في كنيسة كورنثوس وقدم له علاجاُ اذ قال " فاني أنا كأني غائب بالجسد ولكن حاضر بالروح قد حكمت كأني حاضر في الذي فعل هذا هكذ. باسم ربنا يسوع المسيح اذ انتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع المسيح ان يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع " (1كو 5: 3 – 5) ولما رأي الرسول ان هذا الحكم اثمر حزناً عميقاُ وندامة قلبية أمر حالاُ برفع القصاص عنه حيث قال " حتي تكونوا بالعكس تسامحونه بالحري وتعزونه لئلا يبتلع مثل هذا من الحزن المفرط " (2 كو 7: 2) " مودباُ بالوداعةالمقاومين عسي أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق فيستفيقوا من فخ ابليس اذ ق اقتنصهم لأرادته" (2 تي 2: 25 – 26) هذا هو الغرض الاساسي الاسمي من وضع القوانين في الكنيسة منذ تأسيسها

نماذج من قوانين سر التوبه

 معاقبة المذنب بالتأديبات الكنسية حسب ما تقضيه ذنوبه مثل

 الحرمان من التناول لفترة معينة

 الصوم الإنقطاعى

 دفع بعض العطايا والتقدمات للفقراء والمحتاجين

 رد مال الظلم أو المال المسروق

 الاعتذار لمن أساء في حقه

 بعض الصلوات الزائدة عن القانون المعتاد طلبا لرحمة الله.

 عدم منح الحل للمعترف حالاُ أو تأخيره عنه إلي أجل ما لعدم استحقاقه له وذلك لعدم صدق نيته في التوبة وظهور اثمارها منه.

 وضع القانون علي المعترف مع منح الحل له عند اعترافه فقط قد يصاحبه منعه من التقرب الي الاسرار الاهلية حتي يوفي قانونه.

 ضرورة الزام التائبين بوصايا أو شرائع كمباشرة الصلوات الفردية والاجتماعية وتوزيع الصدقات والقيام بأصوام سواء كانت عمومية أو خاصة وركعات (مطانيات) وغير ذلك حسب حالة المرض واحتمال المريض لدفعه للتوبة والانسحاق والتذلل

 الزام المؤمنين بدراسة وحفظ عقائد وقوانين الايمان للثبات فيه والرسوخ والتضلع في معرفته والتسلح بحقائقه لصد هجمات المخالفين

أهداف التأديبات الكنسية التي يفرضها الكاهن علي المعترف

 كانت الكنيسة الأولي تفرض بعض التأديبات علي الخاطيء لإصلاح سيرته وتقويم إنحرافاته وقد تم تقنينها (قانون 12 من قوانين مجمع نيقية، القانون الخامس لمجمع أنقرة، قانون رقم 22 من قوانين مجمع قرطاجنة).

 قد قال القديس بولس: " إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين، فأي ابن لا يؤدبه أبوه؟ والذي يحبه الرب يؤدبه " (عب 12) " وقد حُكم علينا أن نؤدب من الرب، لكي لا نُدان من العالم" (كو 32: 11). وقد حكم الرسول علي شخص ارتكب عملاُ شائناُ في كنيسة كورنثوس، ثم اكتفي الرسول بالعقاب الروحي وسامحه (2 كو 6: 2 8).

 ومن هذه التدريبات – علاوة علي ما سبق ذكره العطف علي المساكين، والانتظار فترات في صفوف الباكين والسامعين والراكعين، حسب طقس الكنيسة في العصر المسيحي الأول. وذلك لحين التأكد من إصلاح سلوكه، وطاعته لوصايا الله.

 وليست هذه التأديبات وفاءً للعدل الإلهي علي إهانة الخاطيء لقداسة الخالق، بل هي " رياضة روحية " (تداريب مختلفة) لتقوية عزيمة الخاطيء، وضبط الحواس الخمس (عب 5) وهي بمثابة أدوية روحية، لمعالجة النفس البشرية المريضة بالخطية فتلين قساوة القلب، وتُحرك الخاطيء للشعور بذنبه والإعتراف به.أنها تداريب روحية (Spiritual Exercises) ضد شهوات النفس. فهي تدعو للنمو في الفضيلة، فيتدرب الشره في الطعام والشراب علي الصوم، واللص علي فعل الرحمة والصدقة. والبعيد عن الله لكي يرتبط بالكنيسة وقراءة كتبها وممارسة صلواتها والمشاركة في قداساته.

 من أهم أهدافها إنسحاق الخاطيء أمام الله، ورجوعه عن خطاياه وشروره.

 يجب أن يتقبلها الخاطيء بروح الطاعة والوداعة، حتي تأتي بثمارها المُرجوة.

قوانين سر التوبه في الكتاب المقدس وتعاليم الرسل

 ويعبر عن هذه القوانين في الكتاب المقدس وتعاليم الرسل بما يأتي:

الربط أو مسك الخطية

" الحق اقول لكم كل ما تربطونه علي الأرض يكون مربوطاُ في السماْ " (مت 18: 18). " من امسكتم خطاياه أمسكت" (يو 23: 2.).

القصاص

" مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الأكثرين: (2 كو 2: 6).

 

تأديب

" أن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأي ابن لا يؤدبه ابوه" (عب 7: 12). " لذلك ضلت النفوس التي لا تأديب لها" (حك 1: 17).

فرز من عضوية الكنيسة وتناول الشركة المقدسة

" يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع " (1 كو 5: 5). " الذين منهم هيمينايس والاسكندر اللذان اسلمتهما للشيطان لكي يؤدبا حتي لا يجدفا " (1 تي 2.: 1).

القوانين بمثابة ادوية روحية تعطي

للمرضي بحسب ما يلائم حالتهم

وتعتبر هذه القوانين بمثابة ادوية روحية تعطي للمرضي بحسب ما يلائم حالتهم ودرجة أمراضهم فمن كان مرضه ثقيلاُ وجرائره كبيرة أو من لازال مصراُ علي البقاء فيها واستمرأ مرعي بغيها وعاد كالكلب الي قيئه أو كالخنزيرة الي مراغه الحمأة (2 بط 22: 2) يفرض عليه منها ما يناسب حالتة ونوع مرضه من ثقل القوانين واتمامها أما لمن كانت توبته مقترنة بالندامة الكاملة وانسحاق القلب فغير لازمة له أو يفرض عليه منها ما كان خفيفاُ حسب ما يراه الطبيب الروحي المؤتمن علي مداومة النفوس.

االغرض من القوانين تأديب الخاطيْ وتقويمه

وتهذيبه واصلاح حاله وخلاص نفسه

وهذه القوانين حسب تعاليم الكنيسة القويم الرأي الغرض منها تأديب الخاطيْ وتقويمه وتهذيبه واصلاح حاله وخلاص نفسه.

قال القديس الرسول بولس " لأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته واخيراُ فيعطي الذين يتدربون به ثمر بر السلام" (عب 12: 1. – 11) وبالتالي لخلاص نفوسهم في يوم الرب (1 كو 6: 5)

وفي هذا الصدد يقول القديس يوحنا فم الذهب (علي 1 كو . م 2: 28) " أن هذا الأمر نصيحة لا حكم. ودواء لا قصاص. وتقويم لا تعذيب ".

الكنيسة احياناُ تختصر قانون التوبة

أو تلغيه اذا تحققت من توبة الخاطيء

 قال القديس غريغوريوس في القانون السادس " أن الكنيسة احياناُ تختصر قانون التوبة أو تلغيه اذا تحققت من توبة الخاطيء ورأت اثمار هذه التوبة ظاهرة في أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته ومن ثم تسمح له بالاشتراك في الافخارستيا (سر التناول) فضلاُ عن ان القوانين لم تفرض علي جميع الخطايا بدرجة واحدة بل علي أثقله. وقال أيضاُ أن الضد يعالج بضده فيفرض علي النهم والشره الصوم والصلاة

و علي السارق ردُ ما أختلس سواء كان لصاحبه مباشرة أو عن طريق الصدقة وعلي البخيل والطماع التصدق علي المساكين وعلي الساقط في الشهوات والملاهي المواظبة علي العبادة بالكنيسة ومطالعة الكتب المقدسة والمثابرة علي الصلوات.

وعلي المرتكب بالصوم الانقطاعي والمنع من الشركة المقدسة وان كان شاباُ قوي الجسم سمين بالمطانيات وغير ذلك مما يراه الاب الروحي ملائماُ لشفاء المريض.

 قال القديس كيرلس الاسكندري (علي لو 23: 2.) أن الموشحين بالروح الكلي قدسه يمسكون الخطاي... بقصاصهم ابناء الكنيسة عندما يخطئون.

إذا افاد الدواء في قليل من الزمن فلتحل

الرباطات وإلا فلتوضع ثانية

قال القديس فم الذهب: " أربطه هنا حتي يستعطف الله. لا تدعه محلولاُ لئلا يشتد عليه رباط غضب الله. لأنك أن ربطته هنا فالله لا يربطه هناك وإلا فالربطات الدهرية التي لا تحل تنتظره مذخرة له. لا يفتكرن أحد أن ذلك قساوة كلا بل هو عين المحبة. تقول يكفي الزمان الذي عوقب به. ولكني لا أكلب كثرة السنين ولا أبغي طول رباط الجرح بل اطلب تقويم النفس واصلاحه. فأرني تهذيب نفوسهم فقط. فأني أريد أن اعرف أن كانوا ندموا وتغيروا وتخشعوا عما كانو. فان كانوا تابوا ورجعوا حقاُ فقد كمل المطلوب وإلا فلا منفعة من طول الزمان لأننا لا نطلب أن كان الجرح قد عصب مراراُ كثيرة بل أن كان الدواء افاد والاربطة نفعت. فإذا افاد الدواء في قليل من الزمن فلتحل الرباطات وإلا فلتوضع ثانية... ولكن هذا حد الحل ابراء المربوط وحصوله علي التوبة (علي فيليبي). " ما أعظم رحمة الرب وعفوه للذين يتوبون اليه " (سيراخ 28: 17)

اختبار توبة التائب وطاعته

تعتبر هذه القوانين محك لاختبار توبة التائب وطاعته للقيام بما فرض عليه وظهور عما اذا كانت نيته متجهة الي الصلاح واصلاح السيرة أو مازال مصراُ علي البقاء في اثامه وعدم الارعواء عن غيه.انها رياضات تقوية واختبارات ترشد المعترفين الي الوجه والواسطة اللذين بهما يجب ان يختبروا ذواتهم ويعترفوا أمام الله باخلاص نية وصراحة تامة ويظهروا قوه توبتهم التي بها وحدها يرضي الله عنهم " لا تعد إلي الخطية ثانية فانك لا تكون مزكي من الاولي " (سيراخ 8: 7).

المساعده علي تضميد قروح الخطاة وشفاء نفوسهم

تساعد هذه القوانين علي تضميد قروح الخطاة وشفاء نفوسهم من امراض الخطية بنعمة الله.انها تحيي في التائبين عاطفة الشوق الي الفضائل ومحبة الصلاح وتعودهم علي ممارسة الاعمال الصالحة والعادات الحسنة وعبادة الله بخشوع وتقوي فتملاءهم رجاء وعزاء دائم.

تولد في التائب روح الانسحاق القلبي

تولد هذه القوانين في التائب روح الانسحاق القلبي وتبث فيه الشعور بالخطية ونتائجها المريعة ووضعها علي الدوام في ذكراته وهذا ما يشفي اسقام النفس.

رادعاُ وذماماُ للنفس حتي لا تجنح الي الخطية

تعتبر هذه القوانين رادعاُ وذماماُ للنفس حتي لا تجنح الي الخطية ثانية. أن الخاطيء التائب ياتي الي الكاهن الذي علي يده يتم سر المعمودية ويعترف له بخطاياه ليأخذ عنها الحل أو ليعطي له قانون يعاقب به جسده الذي تلذذ بالخطية وجذب النفس الي اللذة فتكون فضيحة الإعتراف تأديباُ للنفس عن اتيان الشر خوفاُ من الفضيحة ولجاماُ للجسد به تضبط الاميال والاهواء غير المرتبة فيخضع للروح ولا يعود يتمرد عليها ويجذبها الي التهلكة ويكون ذلك الخوف لجاماُ للنفس والجسد معاُ يحول دون ارتكاب الخطية التي حصل بها السقوط أولاُ ومن ثم يستمران حافظين للوصاية.

كراهة الخطية وبغضتها

هذه القوانين تنشيء في التائب كراهية للخطية وبغضة لها فيشمئز منها ويحترس من الوقوع فيها ثانية وهذا لا يحصل غالباُ إلا من اهماله وعدم تحرزه.

تحفظ بقية المؤمنين من السقوط

هذه القوانين تحفظ بقية المؤمنين من السقوط في خطايا التائبين وتساعد علي اصلاح اعضاء الكنيسة علي وجه العموم وتزود عن شرائعها ونظاماتها ضد تصرفات المسيئين والعصاة من ابنائه.

هل تعتبر التأديبات قصاصاً عن الخطايا؟

تعلم الكنيسة الرومانية أن القوانين التي تفرضها الكنيسة علي المعترف هي بمثابة قصاص له وعقوبة علي خطاياه ليغفرها له الله وليست للعلاج فقط. وهذا رأي خاطيء وخطير للاسباب الآتية:

1 إذا كان الله يغفر الخطايا بالقصاص المادي الزمني علي الأرض فلماذا لم يفعل ذلك لكل البشر دون أن يتجسد ويصلب؟ فهذا الاعتقاد الخاطيء بأن القانون هو قصاص لا يتفق مع عقيدة الفداء.

2 الله غير محدود لذلك فعقاب الخطايا (التي هي مخالفة لوصايا الله) غير محدودة أيضا فلا يوفيه مبلغ من المال ولا صوم عن الطعام ولا.. ولذلك نزل الله نفسه وتجسد ليكفر بدم نفسه عن خطايانا. " وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا ". (أش 53: 4 6) كما قال عنه القديس يوحنا المعمدان " هوذا حمل الله الذي يرفع خطايا العالم " (يو 1: 29) وقال القديس بطرس الرسول " بلا عيب ولا دنس دم المسيح ".

3 أن الاعتقاد الخاطيء بأن القوانين الكنسية للمعترف هي قصاص من الخطيئة يجعلها أمرا بسيطا يمكن ازالةآثاره ببعض المال أو.. وهذا قد يشجع علي التمادي في الخطايا. خاصة إذا كان الخاطيء غنيا. بل نحن نثق أن دم المسيح الذي يغفر ويطهر: " ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية " (1 يو 1: 7).

 في التعليم الصحيح عن وفاء عدل الله

لو استطاع الإنسان مهما كان عمق توبته وانسحاق قلبه واخلاص طويته باحتماله وتنفيذه قوانين التوبة ان يفي بها عدل الله ويكفر عن ذنوبه امام محكمة العدالة الالهية لما كان من داع الي تجسد ابن الله واحتماله الام الصلب والموت عن الجنس البشري وبالتالي اذا كان احتمال التائب قوانين توبته كقصاص وكفارة لوفاء عدل الله عن معاصيه لكانت كفارة المسيح ناقصة لم تف حق العدالة وكل من هذين القولين باطل ومناقض لتعاليم الكتاب المقدس ومضاد لقدسية الوحي الطاهر ولذلك لكي نوضح صحة هذا المبدأ يجب أن نقرر:

أولاُ: حالة الإنسان وعما اذا كان في امكانه وفاء عدل الله باعماله.

ثانياُ: كفاءة وكمال كفارة المسيح وحدها لوفاء حقوق العدل الالهي.

ثالثاُ: عدم مشاركة اي مخلوق كائاُ من كان للمسيح في تكميل كفارته؟

(1) حالة وطبيعة الإنسان

حالة وطبيعة الإنسان كتب عنها " كل تصور افكار قلبه انما هو شرير كل يوم " (تك 5: 6).. " الكل قد زاغوا معاُ فسدوا.. ليس من يعمل صلاحاُ ليس ولا واحد.. حنجرتهم قبر مفتوح بألسنتهم قد مكروا سم الاصلال تحت شفاهم وفمهم مملوء لعنة ومرارة.. ارجلهم سريعة الي سفك الدم في طرقهم اغتصاب وسحق وطريق السلام لم يعرفوه وليس خوف الله قُدام عيونهم" (مز 3: 14 ورو 3: 12 – 18).. " وقد صرنا كلنا كنجس وكثوب عدة كل اعمال برنا " (إش 6: 64).

" القلب اخدع من كل شيء وهو نجيس" (ار 8: 17).

فإذاُ ليس ممكناُ لبشر هذه صفاتهم واعمالهم ان يقوموا بأي نوع كان منها بوفاء عدل الله حقه لأنهم ناقصون وهو كامل وقدوس.

(2) كمال كفارة المسيح لوفاء حقوق العدل الالهي

 كمال كفارة المسيح لوفاء حقوق العدل الالهي دون حاجة الي بر الانسان في حالة توفره مع انه معدوم او تداخله في هذا الوفاء وهذا ما تنبأ عنه اشعياء النبي بقوله " مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الي طريقه والرب وضع عليه اثم جميعن... أنه ضرب من اجل ذنب شعبي... أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن " (إش 53).. " وقد صار لنا رئيس كهنة قادراُ أن يخلص إلي التمام الذين يتقربون به إلي الله اذ هو حي كل حين ليشفع فيهم " (عب 25: 7).. " لأنه بقربان واحد قد أكمل إلي الأبد المقدسين" (عب 14: 1.).. " بل بدم نفسه دخل مرة واحدة الي الاقداس فوجد فداء ابديا ُ" (عب 12: 9). وهذه الكفارة قد اكملها علي الصليب عندما شرب كأس الآلام حتي نهايتها وكانت الكلمة الاخيرة التي نطق بها تأييداُ لذلك " قد أكمل ".. أي أن العدل الالهي قد استوفي حقوقه كاملة من الابن الوحيد وأصبحت هذه الكفارة هي الوحيدة فقط وفيها الكفاية لوفاء العدل اذا وجد بها فداءُ ابدياُ واكمل بها المقدسين الي الابد

كيف يستحق الخاطيء التبرير من خطاياه بكفارة المسيح؟

 ولم يبق علي الخاطيء لاستحقاقه التبرير من خطاياه بكفارة المسيح الكاملة الابدية إلا أن يتمم امرين.

الأول: التوبة عن خطاياه والايمان بيسوع المسيح اتماماُ لقوله له المجد " توبوا وارجعوا وآمنوا بالانجيل" (مر 15: 1 وأع 38: 15).. لاننا بدون ايمان لا يمكننا ارضاءه (عب 6: 11).

والثاني: ان يقرن التوبة والايمان باعمال صالحة تعتبر ثمراُ للايمان الصحيح " ترون اذا انه بالاعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده" (يع 24: 2).

وباتمام هذين الامرين يستطيع الإنسان أن ينال استحقاقه في كفارة المسيح ويستعطف الله ويُوفي عدله الالهي لا عن طريق توبة الخاطيء ووفائه قانون توبته أو لأن ايمان التائب واعماله لها قوة واستحقاق ذبيحة الكفارة التي تفي عدل الله وتبرر الخاطيء بل تحت هذا المعني فقط وهو أن التائب بقيامه بهذين الامرين يحصل علي استحقاق مخلصنا الذي وفي العدل الالهي حقه وفاء كاملاُ.

ينتج اذن ان الخلاص معد والعدل موفي ولكن لكي يناله الإنسان يعوزه القيام بالتوبة والايمان والاعمال الصالحة.

(3) لا يمكن لأي إنسان أن يشارك المسيح في كفارته

لا يمكن لأي إنسان أن يشارك المسيح في كفارته وفاء للعدل الالهي لأن جميع البشر خطاة والوفاء يقدم من كامل قدوس ليس فيه خطية " فرأي أنه ليس انسان وتحير من أنه ليس شفيع فخلصت ذراعه لنفسه وبره هو عضده... قد دست المعصرة وحدي.ومن الشعوب لم يكن معي أحد فدستهم بغضبي ووطئتم بغيظي فرش عصيرهم علي ثيابي فلطخت كل ملابسي" (إش 16: 59 و3: 63).. بل يسوع المسيح وحده هو الذي حمل خطايان. وحتي لا يوجد أي التباس في هذا الموضوع أوضحه القديس الرسول بولس بقوله " لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح " (1 تي 5: 2)..

لا حق للكاثوليك أن يتشبثوا بان قوانين التائبين تعتبر قصاصات وفاء عدل الله

اذن لا حق للكاثوليك بعد هذا أن يتشبثوا بالقول بان قوانين التائبين وما يتحملونه من علاجات أمراضهم الروحية تعتبر قصاصات وفاء عدل الله مادامت كفارة المسيح كاملة ووفاءه حقوق العدل الالهي تاماُ واصبح للتائبين نوال حق التبرير من خطاياهم باستحقاق هذه الكفارة بالتوبة والايمان والاعمال الصاحة لأن عكس هذا التعليم ينقض أساس الخلاص الذي تجسد المسيح من أجل اتمامه واقامة صرح بنيانه.

وتعليم يوحنا المعمدان "اصنعوا اثماراُ تليق بالتوبة" تؤيد أن هذه الاثمار لم تكن قصاصاُ لوفاء عدل الله بل شاهداُ علي رجوع الخطاة وقبول توبتهم اذ لم يفرض عليهم عقاباُ للوفاء بل رجوعاُ للتقويم واصلاح السيرة وعيشة مرضية بها ينالون تحنن الله ورحمته ولهذا نجد دانيال النبي يشير علي نبوخذ نصر الملك قائلاُ: " فارق خطاياك بالبر وآثامك بالرحمة للمساكين" (دا 27: 4)، لان " الرحمة تنجي من الموت ولا تترك احداُ يدخل الظلمة" (طو 1.: 4) ولما طلب الله من شعبه القديم قبل تقديم الكفارة الكاملة بذبيحة الصليب علي لسان يوئيل النبي " ولكن الآن يقول الرب ارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلي الرب الهكم لأنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم علي الشر" (يؤ 12: 2 – 13) لم يكن الغرض من هذه الاثمار التقوية التي يطلب بها توبة الخطاة ورجوعهم وفاء لعدل الله وقصاصاُ عن خطاياهم بل كانت عقاقير روحية وعلاجات خلاصية تكسبهم نوال رضائه له المجد وازدياد رجائهم في واسع رحمته التي تسع جميع الخطايا وتمحو كل المعاصي.

السيد المسيح افتدي جميع الخطاة من الخطايا ومن لعنة الناموس بضحيته الكاملة

إن الكتاب المقدس يعلمنا صريحاُ أن المسيح افتدي جميع الخطاة من الخطايا ومن لعنة الناموس بضحيته الكاملة التي وفي بها حقوق العدل الالهي فإذا كان الله لا يرتضي بتوبة الخطاة وايمانهم واعمالهم الصالحة كعلاجات روحية فقط بل يطلب منهم وفاء لعدله الغير المتناهي فكأنه بذلك أما أن يري عدم كفاءة وكمال كفارة المسيح التي قيل عنها " لانه بقربان واحد قد اكمل الي الابد المقدسين" وأما انه يطلب وفاء عدله مرتين وهذا باطل وتجديف لا يقول به أي مسيحي كما أنه لو كان هذا الرأي صحيحاُ لكان يطلب الوفاء من جميع الخطاة علي السواء الامر الذي لا يرضاه الكاثوليك لأنهم يقولون أن هذه القصاصات الوفائية لا تفرض إلا علي ذوي الخطايا الثقيلة المميتة دون غيرهم وبذلك يقوم البعض بالوفاء دون البعض وبقيامهم بذلك ينالون الرحمة والمغفرة بينما يحرم منهما من لم يقم بهذا الوفاء وبالتالي فإن قيام البعض به يكون عن ذنوبهم ومعاصيهم فقط وتبقي خطايا الآخرين عبئاُ ثقيلاُ وحملاُ باهظاُ علي عواتقهم ولا غفران ولا رحمة لهم وهذا يناقض عمل رحمة الله في موت مخلصنا يسوع المسيح وكمال استحقاقاته لفداء جميع البشر " أن المسيح يسوع جاء إلي العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا " (1 تي 15: 1).

وهذا ما حدده المجمع الثالث المكاني الذي انعقد في القرن الثالث برومية حيث قال " وأما ناواتس والذين تشامخوا معه والذين اختاروا أن يتبعوا رأيه في بغض الاخوة والقساوة يجب أن يعتبروا من الخارجين عن الكنيسة والذين اصيبوا بمصيبة الاخوة فيجب أن نعالجهم ونطببهم بعقاقير التوبة" (تاريخ يوسابيوس 43: 6).

ادعاء الكاثوليك والرد عليه

يتشبث البابايون بالتمسك برأيهم في هذا التعليم الغريب لزعمهم أن ما أوقعه الله علي آدم وموسي وهرون وداود يعتبر قصاصاُ لوفاء عدله وكفارة عن معاصيهم لايفاء حقه بتلك العقوبات الوقتية التي عاقب بها كلا منهم عند ارتكابه مخالفة شريعته له المجد أو عدم الامتثال لها ويقولون أن الله ظهر في هذه الحوادث دياناُ مخيفاُ يطلب الوفاء لعدله المهان أكثر مما يظهر انه أب حنون يصفح عن ذنوب ابنه المذنب ويقاصه لقصد التقويم في الحاضر ولحفظه من جرائم اخري في المستقبل وصيرورته لسائر بنيه.

بطلان وفساد هذا الرأي

قبل اظهار بطلان وفساد هذا الرأي يجب أن نذكر النصوص التي توضح ما أوقعه الله من القصاص علي آدم وموسي وهرون وداود وغيرهم من أولاد الله وعما اذا كانت قصاصات لوفاء عدله أو تأديبات للتقويم والاصلاح وعما اذا كان الله ظهر فيها دياناُ مخيفاُ طالباُ وفاء عدله المهان أو أباُ حنوناُ يصفح عن ذنوب أولاده ويفتح أمامهم أبواب الرحمة ويملآ قلوبهم من الرج.

(1) ماذا قال الله لأدم؟

 قال الله لأدم: " ملعونة الارض بسببك بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكاُ وحسكاُ تنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزاُ حتي تعود إلي الأرض التي أخذت منها لانك تراب وإلي تراب تعود" (تك 17: 3 – 19).

(2) ماذا قال الله لموسي؟

 قال الله لموسي: " اصعد الي جبل عباريم هذا جبل بنو ... وأنظر أرض كنعان التي أنا اعطيها لبني اسرائيل ملكاُ ومت في الجبل التي تصعد اليه وانضم الي قومك كما مات هرون أخوك في جبل هور وضم الي قومه لانكما خنتماني في وسط بني اسرائيل عند ماء مريب.. اذ لم تقدساني في وسط اسرائيل" (تث 49: 32 – 51).

(3) ماذا قال الله لداود بفم ناثان؟

قال الله لداود بفم ناثان: " هانذا اقيم عليك الشرمن بيتك وآخذ نساءك أمام عينيك واعطيهن لقريبك فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس لانك انت فعلت بالسر وانا أفعل هذا الامر قدام جميع اسرائيل وقدام الشمس. فقال داود لناثان قد أخطأت إلي الرب. فقال ناثان لداود الرب أيضاُ قد نقل عنك خطيتك لا تموت" (2 صم 11: 12 – 13).

النصوص تعلن غضب الله كأب حنون يريد تقويم اولاده

فهذه النصوص تثبت غيظ الله من أعوجاج أولاده واعلنت غضبه عليهم كأنه أب حنون يريد تقويم اخلاقهم ورجوعهم الي ظل حنانه وعطفه حتي ان كان أوقع عليهم قصاصاُ لمعاصيهم والدليل علي ذلك.

أولاُ: مع العقاب رجاء ومع التجربة منفذاُ

الله لم يرد بتوقيع العقاب تركهم في الياس يرزحون تحت وطأته الثقيلة بل جعل مع العقاب رجاء ومع التجربة منفذاُ اذ اسمع آدم " أن نسل المرأة يسحق رأس الحية ".

ومع قصاصه لموسي جدد بصر عينيه كما في ايام شبابه ومع انه قضي بحرمانه من الدخول إلي أرض كنعان إلا انه " أراه اياها" تجديداُ لرجائه بميراث أورشليم السماوية وأرض الميعاد العلوية " حاسباُ عار المسيح غني اعظم من خزائن مصر لأنه كان ينظر الي المجازاة" (عب 26: 11).

 ومع أنه غضب علي داود واوقع عليه قصاصاُ إلا انه اسمعه بفم ناثان " الرب نقل عنك خطيتك لا تموت " لذلك سري هذا الرجاء الي قلوبهم وتعمقت بركاته فيها حتي امتلاوا به وعاشوا في ضياء نوره حتي قالت حواء عندما ولدت قايين " أقنتيت رجلآُ من عند الرب ". وقال موسي تحقيقاُ لهذا الرجاء " الاله القديم ملجأ والاذرع الابدية من تحت" (تث 27: 33) وقال داود ايضاُ: " أدباُ ادبني الرب وإلي الموت لم يسلمني ".. كل هذه بيانات تبرهن علي أنهم عند توقيع العقاب عليهم راوا الههم اباُ رحوماُ يضرب باليد الواحدة وبالاخري يعصب ويشفي " لأنك تجرح وتشفي وتحدر إلي الجحيم وتصعد منه ليس من يفر من يدك" (طو 2: 13).

ثانياُ: لازالت الارض منذ ابتداء الخليقة والي نهاية الدهر تنبت شوكاُ وحسكاُ ويأكل الإنسان خبزه بعرق وجهه إلي أن يعود إلي الأرض!

أن ما اوقعه علي آدم لم يكن كقصاص يوفي به عدله أو يكفر عن حقوق العدل محواً لهذا الخطية بل مع وقوع القصاص علي ادم وقيامه بالتوبة والتكفير عن الذنب وبالاعظم والأكمل تقديم كفارة المسيح له المجد عن جميع خطايا العالم ووفاء حقوق العدل الالهي وفاء كاملاُ لازالت الارض منذ ابتداء الخليقة والي نهاية الدهر تنبت شوكاُ وحسكاُ ويأكل الإنسان خبزه بعرق وجهه إلي أن يعود إلي الأرض التي اخذ منها" فإن كان هذا قصاص لوفاء عدل الله فكيف يكون آدم قام بوفائه وهو لا يزال باقياُ ومن آدم الي مجي المسيح وقيامه بالوفاء الكامل لحقوق العدل الالهي لا يزال باقياُ أيضاُ فاذن من يؤدي هذا الوفاء ومن يقوم به حتي يزول هذا القصاص عن العالم؟

 واذا كان لا يسع الكاثوليك الذين يعتقدون ان هذا قصاصاُ لوفاء العدل أن يجيبوا علي هذا السؤال يجب اذاُ ان يقتنعوا ويؤمنوا معنا بلا ريب ان هذا الحكم لم يكن قصاصاُ بل هو خاصة طبيعية ملازمة للحياة الدنيا وبياناُ ناطقاُ لاقناع شعب الله انهم لم يخلقوا للبقاء في الحياة المتعبة ولا يتعلقوا بأذيال اباطيلها بل يتجدد رجاؤهم من يوم إلي آخر بالرغبة الي مفارقتها غير آسفين وتوطيد الشوق الي الحياة السعيدة الدائمة في العالم الاخر الذي يغاير من جميع الوجوه هذه الحياة الحاضرة حيث لا يوجد فيه شيء من متاعبها وآلامه.

عجز البشر جميعاُ عن الوفاء الكامل لانهم كلهم خطاة

ومما تقدم يتبين لنا أن ما اوقعه الله علي هؤلاء الاباء لم يكن قصاصاُ لوفاء عدله حيث يعجز البشر جميعاُ عن الوفاء الكامل لانهم كلهم خطاة وعاجزون بل كان تأديباُ غايته اصلاحهم وارجاعهم عن الشرالي الخير بواسطة الخوف " فانك بامتحانك لهم وان كان تأديب رحمة فهموا كيف كان عذاب المنافقين المقضي عليهم بالغضب لانك جربت هؤلاء كاب انذاراُ لهم واولئك ابتليتهم كملك قاس قضاء عليهم " (حك 1.: 11 – 11) وحسب قول المخلص " أني كل من احبه اوبخه واؤدبه فكن غيوراُ وتب " (رؤ 19: 3).. وقول القديس بولس الرسول " يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر اذا وبخك " (عب 5: 12) أما ما يوقعه الله علي الاشرار من القصاص فهو اعلان لغضبه علي شرورهم وفجورهم وكفرهم وهذا ضد ما يفعله له المجد مع اولاده المؤمنين به " لانه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله فان كان اولاُ منا فما هي نهاية الذين لا يطيعون انجيل الله" (1 بط 17: 4).. ولهذا قال القديس يوحنا فم الذهب في التوبة (مقالة 4: 1) فاذ قد علمنا ان الله فضلاُ عن انه لا يأنف من الراجعين اليه يقبلهم الي درجة ليست ادني من درجة المقومين وانه لا يطلب قصاصاُ بل هو يأتي ويطلب الضالين ويفرح بوجوده اياهم اكثر من المخلصين فلا نيأس اذا كنا من الاشرار ولا نتهامل واثقين بانفسنا اذ كنا من الابرار. وينبغي ان نخاف من السقوط اذ كنا من المقومين وان نندم ان كنا من الخاطئين. وأقول أن الثقة بالذات لمن كان مقوماُ والياس لمن كان ساقطاُ كلاهما خيانة في امر خلاصنا ولهذا يقول بولس الرسول صيانة للمقومين " من يظن فيكم انه قائم فلينظر كي لا يسقط " (1 كو 12: 1.)

الباب الثاني عشر

الطوائف المختلفه وموقفها من سر التوبه والإعتراف

اولا: الكاثوليك

خطأ الكنيسة الكاثوليكية في تطبيق القوانين

ان الكنيسة البابوية قد جنحت في تطبيق قوانين سر التوبة شأنها في كثير من مبادئها وتعاليمها مناقضة بذلك نصوص الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة الجامعة الرسولية وارشادات الآباء الرسل وخلفائهم القديسين اذ قررت وعلمت ان هذه القوانين التي تفرض علي المعترف التائب هي بمثابة كفارة عن خطاياه وفاء لعدل الله وليست بمثابة علاجات روحية وتأديبات كنسية الغرض منها اصلاح حال التائب وشفاء جراحاته وتهذيب اخلاقه وتقويم نفوس الآخرين من المؤمنين.

 يتضح بطلان مبدأ الكنيسة الكاثوليكية ومناقضته للتعليم الالهي ومخالفة آراء آباء الكنيسة من القرار الذي وضعه (مجمع تريدنتي جلسة 14 فصل 8) وهذا نصه

"انها تعتبر القوانين قصاصات حقيقية غايتها وفاء عدل الله" فتعتقد أن التائب يتكبد تلك القصاصات لكي يفي عدل الله الذي أهانه بخطاياه".

الكنيسة الارثوذكسية ترفض هذا التعليم

غير أن الكنيسة الجامعة الرسولية ترفض هذا التعليم وتعتبر القوانين بمثابة أدوية روحية لشفاء امراض الخطايا ولا تسلم بانها قصاص لوفاء عدل الله والبراهين علي صحة هذه التعاليم وخطأ الكنيسة البابوية كثيرة نذكر منها:

أولاُ: تعاليم الكتاب المقدس

 تعاليم الكتاب المقدس تعلن ان هذه القوانين تاديبات ابوية وعقاقير روحية حسب قول الرسول بولس " لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله ان كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فاي ابن لا يؤدبه ابوه" (عب 12: 6 – 7) " ولكن اذ قد حكم علينا نؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم " (1 كو 32: 11) ويتضح من هذا البيان وبمقتضاه ان الرسول بولس قد أوقع الحكم علي الزاني من أهل كورنثوس كتوبيخ حيث قال " فأني أنا كائن بالجسد ولكن حاضر بالروح قد حكمت كأني حاضر في الذي فعل هذا هكذ. باسم ربنا يسوع المسيح ان يسلم مثل هذا للشيطان اذ أنتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع المسيح ان يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع " (1 كو 5: 3 – 5) ولما تحقق الرسول ان هذا التوبيخ قد أثمر حزناُ عميقاُ وندامة قلبية أمر برفع القصاص عنه حالاُ حيث قال " حتي تكونوا بالعكس تسامحونه بالحري وتعزونه لئلا يُبتلع مثل هذا الحزن المفرط " (2 كو 7: 2) " مؤدباُ بالوداعة المقاومين عسي أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق فيستفيقوا من فخ ابليس اذ قد اقتنصهم لارادته" (2 تي 25: 2 -26) هذا هو الغرض الاسمي من فرض التأديبات الكنسية علي المعترف بخطاياه وهي بمثابة علاجات روحية لشفاء النفس من امراضه.

ان الرسول بولس لما وضع هذا الحكم لم يقصد به ان ذلك المحكوم عليه يقوم به كفارة عن خطاياه وفاء لعدل الله بل الغرض منه خلاصه " لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع " وقد أوقعه بحكمة وتؤدة وروية واحتراس تام وحنو أبوي لئلا يكون بالتشديد فيه سبباُ لزيادة مرض الخاطيء عوضاُ عن الشفاء والخلاص فكتب الي الكورنثيين قائلاُ: " تسامحونه بالحري وتعزونه لئلا يبتلع مثل هذا من الحزن المفرط "

ثانياً: تعاليم المجامع المسكونية والمكانية وقوانين اباء الكنيسة الاولين

 تعاليم المجامع المسكونية والمكانية وقوانين اباء الكنيسة الاولين تبين بكل وضوح أن قوانين التوبة لا تفرض علي المعترف كفارة لوفاء عدل الله من الخاطيء بل قصاصاُ للتقويم وعلاجاُ روحياُ للشفاء حيث ورد في القانون الثاني عشر للمجمع الاول المسكوني ما نصه " يجب علي الذين نالوا من الله سلطان الحل والربط أن يفحصوا ماهية الخطية واستعداد الخاطيء الي الرجوع وهكذا يقدمون علاجاُ ملائماُ للمرض حتي لا يستعمل الافراط في كل من الامرين فيخيبون من تخليص المريض لان سقم الخطية ليس بسيطاُ بل متنوعاُ وكثير الاشكال وله فروع كثيرة يمتد منها الشر امتداداُ عظيماُ ويسري الي قدام حتي انه يقاوم قوة المعالج"

ثالثاُ: اختلاف القوانين وامكانيه الحل من الخطايا

لو كان وضع القوانين كفارة لوفاء عدل الله حسب تعليم الكنيسة الرومانية لما وضعوا قصاصاُ أعظم أو اقل كما يقتضيه ثقل الخطية أو خفتها بحسب درجات الذنوب. وبالتالي لما أمكنهم التداخل في حل التائب أو رفع باقي القانون عنه وتقصير مدته لعدم امكانهم معرفة استيفاء حقوق العدل الالهي ولعدم اعلان الله لهم ذلك. غير أن الله الذي جعل قصاص التوبة ليس وفاء لعدله بل بمثابة علاج للتائب خول للطبيب الروحي ذلك الحق لانه مما عرفه من مرض النفس استطاع ان يصف لها عقاقير العلاج للشفاء كما أيد ذلك القديس باسيليوس في القانون الثالث من قوانينه بقوله: " يجب علي الذي يتعاطي الطب الروحي ان يلاحظ أولاُ فكر الخاطيء وينظر هل هو مائل الي الصحة أو بالعكس انه يدعو المرض الي نفسه بسؤ اخلاقه وان يلاحظ تصرفه وسلوكه ومدة معالجته حتي اذا كان لا يقاوم الطبيب ويزيد قروح النفس بالعقاقير التي تعطي له يعامله بالمعاملة التي يستحقها".

رابعاُ: حفظ التائبين من الوقوع في خطايا جديدة وليس لوفاء العدل الالهي

أن الغاية من وضع القوانين حسب تعاليم الآباء هي حفظ التائبين من الوقوع في خطايا جديدة وليس لوفاء العدل الالهي كما قال القديس باسيليوس (في قوانينه 3): أن تمام الكلام عند الله وعند من أؤتمن علي السياسة الرعوية هو أن يرد الخروف الضال ويشفيه من الجرح الذي جرحه اياه الثعبان ولا يدفعه إلي هوة اليأس لئلا يهلك ولا يرخي له العنان لئلا يزدري وتسترخي عيشته وعلي كل حال يجب علي الراعي أن يحارب المرض كيفما كان بلا بد أما بالادوية الحارة والقابضة وأما بالمينة واللطيفة وان يجاهد في ختم الفرح باختباره اثمار التوبة ومداراته بحكمة ذلك الإسان المعو الي الاستنارة العلوية.

خامساُ: عدم الأنتظار علي التائب لتتميم القانون

 لو كانت الغاية من وضع القوانين وفاء عدل الله كما تعلم الكنيسة الكاثوليكية لكان يجب علي المعترف لآن يتمم قانونه كله بلا نقص ولكننا نري الاباء لم ينتظروا علي التائب الي نهاية قانونه بل عندما يرون اثمار التوبة مؤكدة يختصرون له القانون وهذا ما نراه واضحاُفي القانون الرابع من قوانين القديس غريغوريوس النيسي حيث قال: "أما الذين يندمون ندامة اكثر حرارة ويظهرون بسيرتهم رجوعاُ الي الصلاح فمسموح للمعلم الروحي ان يختصر هذا الزمان ايضاُ ويمنحهم الشركة بسرعة اكثر بحسب ما يري ذلك موافقاُ من اختباره حالة المتطبب.

(وفي قانون 12 من المجمع الاول المسكوني وقانون 74 للقديس باسيليوس) ما يأتي: ولتقتصر مدة القانون بحسب ما تقتضي مدة التوبة حتي تعوض السنوات التسع بثمان أو بسبع أو بست أو بخمس فقط اذا كانت التوبة عظيمة تغلب الزمان وتجعل التائب في التقويم يسبق الذين يطهرون انفسهم من الاوساخ بتهاون في مدة طويلة... اعني انه ينبغي هنا أيضاُ أن يفحص عزم التائب وميله وان لا يحافظ علي عدد السنين بالتدقيق متي كانت توبته حقيقية بل يؤتي به بالطريق القصيرة الي رتبته في الكنيسة ليشترك بالصلاح أي بالاسرار المقدسة.

سادساُ: القوانين لم تفرض إلا علي أثقل الخطايا واكبرها

لو كانت القوانين تفرض لوفاء عدل الله لكان يجب أن تفرض علي جميع الخطايا صغيرها وكبيرها علي السواء لأن كل خطية هي مغاضبة لله وتعتبر مخالفة لشريعته المقدسة ولكننا نري ان القوانين لم تفرض إلا علي أثقل الخطايا واكبرها ولذا ورد (في قانون 12 من قوانين المجمع الاول المسكوني) ما نصه: " لما كانت الافعال المفعولة خطأ من تلقاء التهيج كثيرة وكلها رديئة فقد رأي اباؤنا أن لا يدققوا في جميع انواعها تدقيقاُ زائداُ ولا يعتبروا كل الزلات الحاصلة من الغيظ محتاجة الي علاج علي ان الكتاب ينهي لا عن الضرب البسيط فقط بل عن كل خصام وتجديف أيضاُ وعن كل ما ينجم عن الغيظ من أمثال ذلك لكن الاباء جعلوا التحفظ من خطية القتل وحدها بالتأديبات".

سابعاُ: القوانين تلين عجرفة الخاطيء وتحركه ليشعر بزلاته ويعترف بها

أن الغرض من قوانين سر التوبة بصفتها عقاقير روحية لشفاء النفس يمكنها أن تلين عجرفة الخاطيء وتحركه الي أن يشعر بزلاته من أعماق قلبه ويعترف بها امام الله واب اعترافه فتولد فيه كراهة الخطية وتشوقه الي الاصلاح والتقويم وتفسح مجالاُ للتائبين لمباشرة جميع الفضائل التقوية والنيات المستقيمة فيحصلون علي تعزية ورجاء حين توبتهم وهذا ما أوضحه القديس غريغوريوس النيسي (في ق 8) فقال: في كل نوع من انواع الزلات يجب قبل كل شيء ان يلاحظ ماهو ميل التائب ولا يظن الزمان كافياُ للشفاء (اذ اي شفاء يمكن ان يحصل من الزمان، بل النية الحسنة من الذي يعالج نفسه بالتوبة).

ثامناُ: أن القوانين تقوم برياضات روحية تقوية

أن القوانين تقوم غالباُ برياضات روحية تقوية تساعد علي قلع الخطايا من الخاطيء الذي بخضوعه للقانون وطاعته وصبره علي القيام به بطوية صالحة تعينه علي مقاومة الخطأ واستئصل المرض القديم واقتناء عادات صالحة وخصال حميدة مثال ذلك ان يداوي الشره المنغمس في اللذت بالامساك والصوم ومحب المال والمغتصب والسارق والطامع بالرحمة وبتوزيع الصدقات وعلي المسرف والميال الي التمتعات العالمية بحضور الصلاة والعبادة يومياُ وقراءة الكتب المقدسة باستمرا وممارسة الصلاة الانفرادية وهكذا يعالج كل مرض روحي بضده مما يساعد علي الاقلاع عن العادات الذيمة والتحلي بالخصال الحميدة.

صكوك الغفران

ابتدعت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية هذه البدعة في أواخر القرن الخامس عشر حيث شرع سكمتينوس الرابع بابا روما أن يوزعها للصفح التام عما ارتكبه شعبه من الخطايا في الماضي وما يرتكبه في المستقبل أيضا. للذين علي الأرض وللراقدين أيضا. ليعتقوا من النار المطهرية (في المطهر).

وهذه الصكوك (أو الاوراق) تشترى بالمال وحسب قولهم أن من يتلو صلاة صغيرة للقديس يوسف يصير له غفران (3.. يوم) ومن يتلو الوردية الباباوية يصير له غفران 1.. سنة مقدما ومن زار كنائس رهبنة القديس فرنسيس في اليوم الثاني في شهر آب يربح غفرانا كاملا متعددا بعدد مرات دخوله فيها.

كما يمنح صفح تام في يوم اليوبيل البابوي لكل الذين يمرون خلف البابا من الباب المقدس. ولا يمكن مطلقا تصديق هذا الكلام إذا ليس له سند، لا من الكتاب المقدس ولا من التقليد الكنسي ولا من المنطق أو العقل البشري. لأن غفران الخطيئة لا يمكن أن يكون إلا بالتوبة والإعتراف والانسحاق والتذلل علي اساس استحقاقات دم المسيح فقط. فكيف يمنح البابا الروماني سلطان الغفران بدون توبة وانسحاق؟. وهل من العدل أن يغفر الله خطايا الاغنياء القادرين علي شراء هذه الصكوك ويمسكها علي الفقراء؟!

في خطأ الكاثوليك ببيع أوراق الغفرانات

ان خطأ الكنيسة الكاثوليكية في اعتقادها بأن قوانين سر التوبة التي تفرض علي التائبين هي وفاء لعدل الله وانها قصاصات غضب وليست علاجات رحمة كما تعلم الكنيسة الأرثوذكسيه لم يكفها ذلك بل تطرفت ايضاُ وألحقته بخطأ آخر أشد منه خطأ وأخطر منه لمناقضته لحق الله الموحي به ومغايرته لتعليم المجامع المسكونية والآباء القديسين واغراء وتحريضاُ للمؤمنين علي ارتكاب الشرور واستمراء مرعي الفساد:

أولاُ

تقول الكنيسه الكاثوليكيه " أن الله في سر التوبة يصفح عن خطايا التائبين ويعتقهم من العذاب الابدي الذي تستوجبه خطاياهم ولكنه لا يتركهم بدون قصاص وقتي لوفاء عدله الالهي أما في الدنيا وأما بعد الموت في نار المطهر سواء فرض عليهم ذلك القصاص من الكاهن قانوناُ لتوبتهم أو لم يفرض ".

وعند مناقشة هذا الرأي يتضح الأتي:

(1) الأدعاء بعدم كمال كفاره السيد المسيح

اذا كانت القصاصات الوقتية واجب علي التائب المفروضه عليه القيام بها وفاءً لعدل الله يقوم بها بنفسه الا ان الكنيسة الكاثوليكية اثبتت امكان عجزه عن هذا القيام بها كلها أو بعضها لأي سبب.وفي هذه الحالة يعوض عنها من استحقاقات مخلصنا أو من فضائل القديسين. لقد أصبح هذا الرأي منقوضاُ من أساسه مادام الخاطيء لا يتكبد في شخصه مايفي به عدل الله وحقه ولا يتحمل القصاص أو يقوم به وفاء عن خطاياه. لقد اضافوا علي حاجته لأستحقاق المخلص نقص هذا الاستحقاق وعدم كمال وكفاية كفارة يسوع المسيح لوفاء العدل الالهي واعتبروه ناقصاُ فاشركوا معه فضائل القديسين لأنه ان كان وفاء المسيح لحقوق العدل كاملاُ لا حاجة به الي فضائل القديسين وان كان هذا أو ذاك فلا تكون قوانين التوبة قصاصاُ للوفاء بل علاجات روحية للشفاء ومن ثم يكون مبدأ بيع أوراق الغفرانات مؤسساُ علي غرض فاسد.

(2) تعليم مناف لقداسة الله ويعود بالضرور علي الخطاة

واذا كانت القوانين هي تأديبات أبوية يقصد بها شفاء الامراض النفسانية فحينئذ يمكن رفعها أو تخفيفها أو تعويضها بغيرها أشد مناسبة لحالة الخاطيء التائب فلا داعي لاوراق الغفرانات وهذا ما جرت عليه الكنيسة في بدايتها الي اليوم وتستمر عليه الي الابد كما يعلمنا الكتاب المقدس والمجامع المقدسة واقطاب وعلماء الكنيسة. أما عتق الخطاة من قصاصات خطاياهم بدون توبة ولا علاج ومع بقائهم علي حالتهم بواسطة أوراق الغفرانات فهو تعليم مناف لقداسة الله ويعود بالضرور والوبال علي الخطاة انفسهم اذ يرخي لهم العنان للاستمرار في الفساد ارتكاناُ علي سهولة الحصول علي الوفاء ولا حاجة لهم الي اصلاح حال او تقويم.

(3) الغقرانات عن المتوفين تعليم فاسد لم

 يبتدع إلا للولوع بالربح القبيح

 لما كانت قوانين التوبة علاجات روحية لشفاء نفوس الخطاة أصبحت فائدتها وفرصة استعمالها محصورة في الحياة الدنيا فقط ولا يمتد وقت العلاج بها إلي مابعد القبر وهذا ما تعلمناه اياه قوانين الآباء والمجامع "أن التائبين يرجعون ويصلحون بتأديبات كنائسية لا تتجاوز الحياة الحاضرة ومن ثم فالذين نمنعهم عن المناولة الإلهية وقتاُ ما ليقوموا فيه بتوبتهم نسمح لهم بأن يتنالوا الاسرار قبل تتميمهم وقت توبتهم اذا اشرفوا علي الموت ولا يطلب منهم قصاصاُ بعده " (مجمع انقرا قانون 9 و22 ومجمع قيصرية قانون 2 والنيقاوي قانون 1 و13 وقرطاجنة قانون 7 وباسيليوس الكبير قانون 73 وغريغوريوس النيسي قانون 2) فيكون اعطاء اوراق الغقرانات عن المتوفين ليعتقوا بها من نيران المطهر أمر عديم النفع وتعليم فاسد لم يبتدع إلا للولوع بالربح القبيح.

أن الخاطيء يعتق من القصاصات التي تفرض عليه في هذه الحياة فقط حتي اذا خرج من هذا العالم لا ينظر الي عتق أو قيام بوفاء لأنه قد أكمل د حقبل مبارحته العالم ولهذا قال الرسول "اذ قد حكم علينا نؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم" (1 كو 32: 11).

ثانياُ:

تقول الكنيسه الكاثوليكيه: " لما كان التائب عاجزاُ عن القيام بالاعمال التي يوفي بها عدل الله اذ كثيراُ ما يهمل القصاصات الوقتية المفروضة عليه ويعرض عنها ولا يتممها كلها أو بعضها وحينئذ ينبغي ان يعوض العدل الالهي عنها أو عما ينقص منها من استحقاق يسوع المسيح الغير المحدود ومن فضائل القديسين التي تؤلف كنز الكنيسة ".

عند مناقشه هذا الرأي يتضح:

(1)          تعد غير مشروع خارج عن الشريعة

من الحقائق المقررة شرعاُ أن استحقاق مخلصنا يسوع المسيح هو غير محدود وانه الكنز الوحيد المملوء من نعمة التبرير لخلاص الخطاة غير ان هذه النعمة التي تفيض علي الدوام تبريراُ وخلاصاُ لا ينالها المؤمن وتوهب له إلا تحت شروط يتحتم القيام بها وهي الايمان والتوبة الحقيقة المثمرة اعمالاُ صالحة او العزم الوطيد علي اصلاح السيرة وعلي العيشة بالبر والقداسة وفقاُ للتعليم القويم في سر التوبة.

أما منح هذه الاستحقاقات قبل أن يتمم المؤمن شروط التوبة المذكورة وعتقه من القصاصات التي وضعت عليه بموجب قانون عدل الله بسبب خطاياه واعطاؤه اوراق غفران عنها هو تعد غير مشروع خارج عن الشريعة.

(2)          فضائل القديسين لا تزيد عن الواجب عليهم

ولا تفضل عنهم حتي يوزعوها علي غيرهم

 ان فضائل القديسين مهما كانت عظيمة لا تزيد عن الواجب عليهم ولا تفضل عنهم حتي يوزعوها علي غيرهم ويمنحوها لسواهم لينالوا بها نعمة التبرير من قصاص العدل الالهي ويوفوا له من فضائل غيرهم عما هم مطابون به شخصي.

أولاُ: فضائل القديسين ليست كامله بذاتها

لأن فضائل القديسين ليست كاملة بذاتها بل بقوة النعمة الالهية " لانكم بالنعمة مخلصون بالايمان. وذلك ليس منكم هو عطية الله" (اف 8: 2) ومع ذلك يكافا المؤمن لأجلها امام منبر العدل الالهي باستحقاق المخلص فقط.

ثانياُ: الشريعه واسعه النطاق مهما قام المؤمن بطاعتها لا يمكنه اتمامها كلها

ان الشريعة واسعة النطاق كثيرة المطالب كما اعلن ذلك داود النبي قائلاُ " لكل كمال رأيت حداُ أما وصيتك فواسعة جداُ" (مز 96: 119).

لذلك مهما قام المؤمن بطاعته لها لا يمكنه اتمامها كلها فكم بالحري الاستحالة عن أن يزيد عليها ولا يمكنه أن يصل إلي الكمال المطلوب في هذه الشريعة " كونوا أنتم كاملين كما أن اباكم الذي في السموات هو كامل " (مت 48: 5).

وهذا الكمال هو الغاية العظمي التي دُعي اليها الإنسان ويجب أن يسعي اليها دائماُ ومهما جاهد في سبيل الوصول اليها لا يصل الي نهايتها حسب شهادة القديس الرسول بولس " ليس اني قد نلت أو صرت كاملاُ ولكن اسعي لعلي ادرك الذي لأجله ادركني ايضاُ المسيح يسوع" (في 12: 3) فالذي يعمل عملاُ ممتازاُ من اعمال الفضيلة والبر انما يصل به الي درجة ممتازة ولكنها ليست درجة الكمال المقرر شرع.

ثالثاُ: درجات المكافأة والثواب مختلفة ومتنوعة بقدر اختلاف مجهودات المؤمنين

يتضح من قول السيد " في بيت أبي منازل كثيرة " (يو 2: 14) وقول القديس الرسول بولس " لأن نجماُ يمتاز عن نجم في المجد " (1 كو 41: 15) ان درجات المكافأة والثواب مختلفة ومتنوعة بقدر اختلاف مجهودات المؤمنين وتباين مساعيهم في طريق الفضيلة في هذه الحياة الدنيا ولذلك مهما كانت أعمال المؤمن وفضائله علي الأرض فأنه يكافأ عليها ولا تزيد عنه حتي يمنحها لغيره أو ينتفع بها سواه كأنها غير نافعة له ومع ذلك فأن الله يجازي الإنسان حسب اعماله وليس حسب اعمال غيره فإن أمكن لشخص ان تزيد فضائله وهذا محال عن حاجة نفسه وأمكنه أن يهبها لآخر وهذا محال أيضاُ يكون الواهب قد خسر ما وهب والموهب اليه لم ينتفع بما وهب له.

رابعاُ: الله لا يريد هلاك الخطاة وأنه يشفق عليهم دائماُ

نتعلم من الكتاب المقدس ان الله لا يريد هلاك الخطاة وأنه يشفق عليهم دائماُ ويطلب توبتهم ورجوعهم ومن اجل محبته لقديسيه يسمع صلواتهم ويقبلها شفاعة في الخطاة وهذا ما يتسعطف اشفاق الله عليهم ويرحمهم لأجله وليس بفضائلهم الزائدة عنهم أو باوراق غفرانات تمنح لهم كما يزعم الكاثوليك.

ضلالات ومخالفت لكل عدل

 اليك ما زادوا به ضلالتهم ومخالفاتهم لكل عدل نذكر منه جزءاُ طفيفاُ

(1)ارباح زيارة كنائس رهبنة القديس فرنسيس

في اليوم الثاني من شهر آب!

سؤال اجابت عنه الجمعيه المقدسه: ما القول في زيارة كنائس رهبنة القديس مار فرنسيس في اليوم الثاني من شهر آب؟! هل يربح زائرها في هذا اليوم غفراناُ كاملاُ متعدداُ بحسب تعدد دخوله الكنيسة حيث يصلي فيها ولو قليلاٌ؟

فاجابت الجمعية المقدسة بالايجاب في 22 شباط سنة 1874 (صحيفة 49: 1 عد 1.91) من كتاب مختصر اللاهوت الادبي جزء ثاني صحيفة 1..5).

(2) غفران اربعون يوما أو سنه واحده في يوم تكريس كنيسه

أن للاساقفة منح الغفرانات لرعاياهم بناء علي رسم الناموس العام ولكن بحسب ترتيب المجمع اللاتراني الرابع قانون 62 قد حصر سلطانهم بحيث لم يبق لهم حق مألوف ان يمنحوا سوي غفران اربعين يوماُ وأما يوم يكرسون كنيسة فيمنحون غفران سنة واحدة.

(3) غفران مائة يوم أو مائتين أو ثلاثة مائة بل أقل من سنه

 يسوغ للكرادلة منح غفران مائة يوم من الكنائس التي أضيفت الي مراتبهم وأما مبعوثوا البابا أي سفراؤه فلهم ان يمنحوا مرؤوسهم غفران مائة يوم أو مائتين أو ثلاثة مائة بل أقل من سنة.

(4) غفرانات شهر قلب يسوع

غفرانات ممنوحة من لاون ال 13 في 3. مايو سنة 19.2 ينال غفران سبع سنوات وسبع اربعينيات وغفراناُ كاملاُ من يحضر شهر قلب يسوع علي الاقل عشر مرات في كنيسة أو بيت ويزور كنيسة أو معبداُ عمومياُ في يونيو أو في الاسبوع الاول من يوليو.

غفرانات ممنوحة من بيوس العاشر في 8 أغسطس سنة 19.6 و26 يناير سنة 19.8، ينال غفراناُ كاملاُ من يزور الكنائس التي يحتفل فيها بشهر قلب يسوع وذلك في آخر أحد من يونيو.

كل محرض لاقامة مثل هذه الاحتفالات ينال

أولاُ: غفران 5.. يوم لاجل كل عمل صالح مآله انتشارها أو اتقانه.

ثانيا: يربح غفراناُ كاملاُ كل مرة يتناول القربان المقدس في شهر يونيو.

(5) يمكنك ان تحول من رصيد غفراناتك زكاه لغيرك

قد حكم البابا ليون الرابع والبابا باسكال 2 بمنح غفران كامل لتسع سنين في كل درجة من درجات السلم المعبود وعدها 28 درجة لكل من يصعد عليها جاثياُ غفران كامل لمدة 252 سنة فاذا لم يكن هو نفسه محتاجاُ الي غفران هذا مقداره فيمكنه ان يحول ما زاد منه الي حساب او دين نفس اخري في المطهر يريد خلاصها بالزكاة وبذا حكم البابا بيوس السابع سنة 1817م.

فهل مثل هؤلاء في حاجة إلي توبة إتماماُ لقوله " توبوا وارجعوا لتمحي خطاياكم "

ثالثاُ

تقول الكنيسه الكاثوليكيه: أن الحق في عمل التعويض من استحقاق يسوع المسيح ومن فضائل القديسين لوفاء العدل الالهي وعتق الخطاة احياء كانوا ام أموات من القصاصات الوقتية اي الحق في اعطاء الغفرن هو مختص بالكنيسة.

و عن مناقشه هذا الراي نقول: ان هذا الرأي يعني ان للكنيسة الكاثوليكيه الحق في اعطاء الغفران للمؤمنين في الدنيا والآخرة لتساعدهم في وفاء عدل الله. ونحن نترك للكنيسه الكاثوليكيه تفعل ما تشاء وهنيئاُ لهم بهذه المساعدة الزائفه. أما نحن فنقرع باب الرحمة الالهية فقط بملء الرجاء طالبين مغفرة خطايان.

ثانيا: موقف البروتستانت من سر التوبه والإعتراف

لا يسع البروتستانت انكار سلطان الحل والربط (مت 16: 16 و18: 18) أو غفران الخطايا ومسكها (يو23: 2.) المسلم من السيد المسيح له المجد الي رسله القديسين لأنه قد وردت عنه نصوص صريحة في الانجيل المقدس الذي يقولون انه شعارهم وقانون ايمانهم ويلقبون به.

غير انهم مع اعترافهم بوجود هذه النصوص ومعرفتهم أياها حاولوا وجاهدوا كثيراُ في تفسيرها علي غير مجراها الحقيقي حتي يبرروا بذلك غايتهم من كراهة الكنيسة الكاثوليكية وبيعها أوراق الغفرانات ولكنهم لم ينصفوا أنفسهم ولم ينصفوا الأبرياء من هذه المباديء المغايرة فضلا عن ركوبهم متن الشطط في التفسير وارتكابهم جريرة الانتقام من اخوتهم بانكارهم عليهم ما تسلموه امانة غالية من السيد المسيح واحتفظوا به الي اليوم. واعتبروه في نظرهم انه من اختراعات البشر مع أن زعماء مذهبهم مثل لوثر وكلفينوس قبلاُ سر التوبة أسوة بالمعمودية والعشاء الرباني في مقدمة العقائد التي اقاموا عليها مباديء عقيدتهم.

ومع أنهم يعترفون بوجود تسليم سر التوبة في الآيات المذكورة إلا أنهم يحاولون التخلص والهروب من مسؤولية عدم استعماله والرضوخ له بتقديم بعض اعتذارات او اعتراضات زعموا ان لها من القوة ما يبرر مخالفتهم لهذه النصوص المقدسة ولذلك يقولون

اعتراض (1): يقولون ان سلطان الحل والربط أو غفران الخطايا ومسكها كان قاصرا علي جيل رسل السيد المسيح.

يقول البروتستانت: أن كنا لا ننكر أن السيد المسيح سلم رسله سلطان الحل والربط أو غفران الخطايا ومسكه. إلا أننا نقول ان ذلك التسليم وحق استعماله كان محصوراُ في جيلهم فقط كامتياز خاص وبعد موتهم بطل مفعوله.

التعليق: ماداموا يقرون أن السيد المسيح أعطي للرسل سلطان حل الخطايا وربطها أو غفرانها ومسكها ويقولون ان ذلك كان محصوراُ في جيلهم فقط فيلزمهم أن يقرروا واحد من ثلاث.

أولاُ: أما أن يكون اهل الجيل الرسولي هم خطاة دون بقية الناس.

ثانياُ: أما أن يكون السيد له المجد حصر الحل والمغفرة في الجيل الرسولي وحرم منها بقية الاجيال مع احاطتها بالخطية وحاجتهم الشديدة الي غفرانها.

ثالثاُ: وأما أن يكون هذا السلطان معطي للرسل ولخلفائهم من بعدهم في جميع اجيال الكنيسة الي منتهي الدهر لأن اناس هذه الاجيال جميعهم محاطين بالخطية.

 

أولاُ: هل كان اهل الجيل الرسولي خطاة دون بقية الناس وكانوا في حاجة الي الغفران والحل ولذلك حصر المسيح هذا السلطان في زمانهم

هل كان اهل الجيل الرسولي خطاة دون بقية الناس وكانوا في حاجة الي الغفران والحل ولذلك حصر المسيح هذا السلطان في زمانهم وجعله قاصراُ عليه دون بقية الازمنة وهذا محال ولا يمكنهم القول به لانه مخالف لتعليم الكتاب المقدس الذي ينادون بتعاليمه لأن المسيح صرح لتلاميذه قائلاُ: ها أنا معكم كل الايام الي انقضاء الدهر" (مت 2.: 28) والرسل لم يعيشوا في الارض الي انقضاء الدهر فيكون هذا الوعد لهم ولخلفائهم في جميع اجيال الكنيسة وتمتد بركات مواعيده لشعبه التي وعد الرسل بها الي سائر الاجيال القادمة حسب قول القديس الرسول بولس " وهو أعطي البعض أن يكون رسلاُ والبعض انبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلمين لاجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح الي ان ننتهي جميعاُ الي وحدانية الايمان ومعرفة ابن الله الي انسان كامل الي قياس قامة ملْ المسيح" (اف 11: 4 – 13) وبما أن هذه العطية الرسولية لم تنحصر في جيلهم بل توارثها الخلف عنهم في جميع الاجيال ولا تزال كذلك الي ان ننته الي وحدانية الايمان وتكميل القدسين.

كذلك الخطية ايضاُ التي من اجلها أعطي هذا السلطان فانها محيطة بالبشر في جميع اجيالهم كطبيعة المرض للاجساد وملازمته لها وقد عبر الرسول بولس عن حالة الطبيعة البشرية وملازمة الخطية لها في جميع الاجيال بقوله " فاننا نعلم أن الناموس روحي واما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية لأني لست أعرف ما أنا أفعله اذ لست افعل ما اريده بل ما أرفضه فاياه افعل فالآن لست بعد أفعل ذلك بل الخطية الساكنة في لأني لست افعل الصالح الذي اريده بل الشر الذي لست اريده فاياه افعل فأن كنت ما لست اريده اياه افعل فلست بعد افعله انا بل الخطية الساكنة في. ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو 7: 14 – 24).

اذن مادامت الخطية محيطة بالبشر في جميع اجيالهم يكون محالاُ حصر هذا السلطان في الجيل الرسولي فقط وجعله وقفاُعليه دون سواه.

ثانياُ: هل حصرالسيد المسيح له المجد الحل والمغفرة في الجيل الرسولي وحرم منها بقية الاجيال مع احاطتها بالخطية وحاجتهم الشديدة الي غفرانها؟

هل حصرالسيد له المجد الحل والمغفرة في الجيل الرسولي وحرم منها بقية الاجيال مع احاطتها بالخطية وحاجتهم الشديدة الي غفرانها وهذا محال أيضاُ لأن القول به يناقض مشيئة الله ومحبته لخلاص جميع الناس حسب تصريحه تعالي "حي انا يقول السيد الرب أني لا اسر بموت الشرير بل بان يرجع الشرير عن طريقه ويحي. ارجعوا ارجعوا عن طرقكم الرديئة فلماذا تموتون يا بيت اسرائيل" (حز 11: 33) "ليترك الشرير طريقه ورجل الاثم افكاره وليتب الي الرب فيرحمه واليالهنا لأنه يكثر الغفران" (إش 7: 55) " لأن هذا حسن ومقبول لدي مخلصنا الله الذي يريد أ جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون" (1 تي 2: 3 – 4) ومادام الكتاب المقدس يعلن لنا محبة الله للخطاة وانه يريد خلاصهم ويفرح بتوبتهم ورجوعهم يكون القول بحصر سلطان حل خطاياهم وغفرانها علي الجيل الرسولي فقط مجاهرة بمقاومة مشيئة الله ومناوأة ارادته الصالحة وانكار محبته للخطاة في جميع الاجيال وينطبق عليه القول "من لا يجمع معي فهو يفرق" (مت 3: 12) واخواننا البروتستانت لا يرغبون طبعاُ في تطبيق هذا القول عليهم.

ثالثاُ: البشر في جميع الأجيال محاطين بالخطية علي السواء وفي حاجة ماسة الي غفرانها اتماماُ لمشيئة الله

 لابد أن يكون هذا السلطان معطي للرسل ولخلفائهم من بعدهم في جميع اجيال الكنيسة الي منتهي الدهر لأن اناس هذه الاجيال جميعهم محاطين بالخطية علي السواء وفي حاجة ماسة الي غفرانها اتماماُ لمشيئة الله ووفقاُ لمحبته له المجد في توبة الخطاة ورجوعهم اليه وهو ما نقول به ولا نخالفه لأننا تسلمناه هكذا وننادي بصحته المقدسة ونتحذر من اتباع من يخالفه اطاعة للقول " ولكن ان بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن محروماُ" (غل 8: 1)

اعتراض (2): ايقولون ان التوبة تقدم لله كذلك يجب أن يكون الإعتراف لله وحده

 يقول البروتستانت كما أن التوبة تقدم لله كذلك يجب أن يكون الإعتراف لله وحده وليس لبشر مثل الرعاة أو الآباء.

التعليق: اما اعتراضهم بأنه مادامت التوبة تقدم له كذلك يجب ان يكون الإعتراف لله وحده فنقول لهم عنه انهم مادموا معترفين بأن السيد المسيح أعطي رسله الاطهار سلطان الحل والربط وظهر لنا ان هذا السلطان لم يكن محصوراُ في الجيل الرسولي بل متواتراُ في جميع الاجيال كما تقتضيه محبة الله للخطاة ورغبته في خلاصهم.وبالتالي بما أنه لم يجعلهم الهة يعلمون الغيب ويحيطون بمكنونات الصدور أصبح من الضرور لكي يباشروا سلطان الحل والربط أو المغفرة والمسك ان يسمعوا اعترافات الخطاة بخطاياهم كما أن من الزم واجبات الخطاة التائبين والراغبين نوال الصفح عن معاصيهم الاقرار بذنوبهم والإعتراف بها أمام خلفاء رسل المسيح ووكلاء اسراره حتي يقوم اتمام سر التوبة علي اكمل نواحيه واقدس وجوهه وبذلك تتم الغاية المقصودة من وضعه وهذا وجدناه كما اشرنا مباشراُ في كرازة يوحنا المعمدان " اعتمدوا منه في نهر الاردن معترفين بخطاياهم" (مت 6: 3) وفعله الخطاة التائبين في الجيل الرسولي " وكان كثيرين من الذين آمنوا يأتون مقرين ومخبرين بافعالهم" (أع 18: 19) فالإعتراف نتيجة طبيعية تستلزمها وظيفة الكاهن المنوط به حل الخطايا وربطها في سر التوبة بموجب السلطان المعطي له. اذ من المقرر الثابت ان الإنسان لا يصح له الحكم علي الشيء قبل تصوره أو معرفته بما أن الخطايا غالباُ تكون مجهولة وترتكب سراُ لا جهراُ وفي الخفاء لا في العلانية. وإلا كيف يمكنه التصرف في ما يجهله وفي ما لا يعرفه.

اعتراض (3): يقولون ان جاز الإعتراف علي البشر فيكون متبادلاُ بين الاخ واخيه

يقول البروتستانت أن جاز الإعتراف علي البشر فيكون متبادلاُ بين الاخ واخيه فقط وليس فئة مخصوصة المعروفة بالرعاة.

التعليق: أولاً: أن هذا الاعتراض مناقض لتعليم السيد المسيح الذي ميز تلاميذه فقط بسلطان الحل والربط مع وجود كثيرين من المؤمنين الاتقياء وقت هذا التسليم وثبت لنا أن هذا السطان لا يؤدي علي وجهه الاتم إلا باعتراف الخطاة امامهم فالقول بان الإعتراف يكون من الاخ الي اخيه موجب لبطلان الغفران الذي يحتاجه المعترف ولا يناله إلا من افواه خلفاء الرسل الذين هم الكهنة والرعاة الشرعيين.

ثانياً: من قول القديس يعقوب الرسول " اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات" (يع 16: 5) لأن هذا القول أعقب صدور الأمر للمريض بأن يدعو قسوس الكنيسة ليدهنوه بزيت ويصلوا عليه باسم الرب. وبينما يكون المريض في حضرة القسوس صدر اليه الأمر بالإعتراف ومهما حاول المعترض ان يراوغ في انكاره فالبرهان قائم علي صحته واثباته.

ثالثاُ: سبق ان اشرنا الي ان القديس اغسطسنوس قد فسر هذا القول" اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات " بما يأتي: ليس المقصود منه ان يعترف الكهنة للعلمانيين كما يعترف هؤلاء لهم فان هذه الجملة لا توجب دائماُ حصول المشاركة بين كل من الطرفين اي لا يلزم منها اعتراف الكهنة للشعب واعتراف الشعب للكهنة بل هي علي حد قولك علموا بعضكم بعضاُ وعالجوا أحدكم اخاه وليسعف الواحد منكم صاحبه بمعني ان المعلم يعلم الطالب والطبيب يعالج المريض والقوي يأخذ بناصر الضعيف وقس علي هذا قول الرسول اعترفوا بعضكم لبعض أي فليعترف يعضكم علي البعض الذين اعطوا سلطاناُ أن يغفروا ويمسكوا الخطايا: والقديس اغسطينوس صاحب هذا التفسير هو من آباء الجيل الرابع (354 – 43.م) وكان قبل ظهور البروتستانت بأثني عشر جيلاُ فيكون تفسيره ليس رداُ علي اعتراض بل أثباتاُ لحقيقة كانت عامة ومجمعاُ بصحتها.

في استعمال البروتستانت سلطان الحل والربط واقرارهم بوجوب الإعتراف

لا يعدم الحق انصاراُ حتي من نفس اعدائه كما ان الله لم يترك نفسه بلا شاهد في كل الاجيال ولذلك فالحقائق الالهية المعلنة في كتاب الله المقدس مهما حاول ذوو الاغراض انكارها وسدلوا عليها ستار التمويه عنوة فانها لابد ان يشع نورها ويظهر ضياؤها مخترقاُ تلك الحجب رغم مقاصدهم ويسطرون بأيديهم تلك الحقائق شهادة بصدقها وعصمة تنزيلها رغم انكارهم اياها عملاُ وقولاُ واليك ما دونه زعماء البروتستانت واقطابهم عن حقيقة الإعتراف علي الكهنة واقرارهم بسلطان الحل والربط الذي ينكرونه.

(1) قال لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي (في كتابه سبي بابل في التوبة) أن الإعتراف السري كما يصنع يعجبني كثيراُ وهو نافع بل لازم. وقال ان الإعتراف جلاء الضمائر.

وشهد كلفينوس نفسه بوجوب الإعتراف (في الرسومات ك 3 رأس 3) بقوله من كان ضميره معرقلاُ في شيء جني من الإعتراف احسن ثمرة.

(2) في قانون الايمان الذي سنوه في اوغسطا قالوا " ان الإعتراف في الكنائس لم يبطل عندنا ".

(3) وجاء في كتاب نظام التعليم (ص 117) مانصه: " الانجيليون يقبلون الحل الكهنوتي بمثابة تصريح قانوني للتائبين. وان الكنائس اللوثرية والاسقفية تستحسن الإعتراف السري للراعي في بعض الاحوال.

وقد اثبت موسيهم المؤرخ البروتستانتي في تاريخه (قرن ا ف قسم 4) " أن المسيحيين الاولين لما مرضوا مرضاُ مخطراُ كانوا يدعون شيوخ الكنيسة (أي القسوس والاساقفة " (1 بط 1: 5) حسب قول يعقوب الرسول (يع 5: 14 – 15) وبعد أن يعترف المريض بخطاياه يستودعه الشيوخ لله بالتضرعات الخشوعية ويدهنونه بزيت ".

وجاء في كتاب الصلاة العامة للكنيسة الاسقفية ما نصه: " وهنا يحث القس المريض علي الاقرار بخطاياه وبعد الاقرار يحله القس علي هذا الوجه (ربنا يسوع المسيح الذي ترك لكنيسته سلطاناُ علي أن يحلوا جميع التائبين المؤمنين به حقاُ ليغفر لك خطاياك برحمته العظيمة. وأنا بسلطانه الذي فوض الي احلك من جميع خطاياك باسم الاب والابن والروح القدس امين) {صحيفة 279). فهل بعد ذلك من ينكر علي الكنيسة الجامعة الرسولية هذا الحق المخول لها من الله رأس.

(3) جاء في تفسير الانجيل للبروتستانت في (2 كو 7: 8 – 9) ما يأتي: " لم يكف ان نعلن عموماُ شر الخطية التي ورثناها من آدم واشترك فيها كل جنس البشري بل يجب فوق ذلك ان نذكر الخطايا الخاصة التي أرتكبها المخاطب وكيف يكرهها الله ويعاقب عليها لان الإعتراف بخطية آدم وخطايا كل نسله ليس بالتوبة الكاملة الواجب علي كل خاطيء.ويعسر التمييز بين الذنوب والخطايا وهما يعمان التعدي وعدم الامتثال والاثام الباطنة والظاهرة واثام العمد والسهو والاعمال الشريرة والمباديء الفاسدة التي ادت الي تلك الاعمال.وان المقصود من التأديب الكنائسي هو نفع الكنيسة كلها حفظاُ لطهارتها وصيتها لا مجرد اثبات خطية هذا وبر ذاك.

ان البروتستانت مهما انكروا الإعتراف موضوعاُ ولكنهم يتمموه شكلاُ فهم يقاصون الاثمة ويوقعون عليهم التأديبات اللازمة عندما يخطئون أما بالفرز من الجماعة أو بالمنع من العشاء الرباني علناً ثم يعطونهم الحل الكهنوتي متي اظهروا اثماراُ تليق بالتوبة (تفسيرهم علي 1 كو 5: 1 -6 ص 54 و55)

المراجع

الكتاب المقدس

حياة التوبة والنقاوة قداسة البابا شنودة الثالث

ذبيحه الإعتراف القديس الأنبا ساويرس بن المقفع

سر التوبه والإعتراف نيافه الأنبا ابراهام

علم اللاهوت القمص ميخائيل مينا

اللآلي النفيسه القمص يوحنا سلامه

كيف نتناول باستحقاق القمص فليمون الأنبا بيشوي

توبني يا رب فأتوب القمص يوسف اسعد

اسئلة الشباب حول التوبة والإعتراف القس اثناسيوس بطرس

اسرار الكنيسه السبعه الأرشيذياكون حبيب جرجس

الصخره الأرثوذكسيه الأرشيذياكون حبيب جرجس

سر التوبة الشماس ميخائيل شحاته

عودة للصفحة الرئيسية