ذكر لي أحد أصدقائي المسلمين ما جاء في سورة النساء 4:23 (وترجع إلى عام 5 أو 6 هـ ) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ (للزواج).. حَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ (بخلاف أبنائكم بالتبنّي). وقال لي إن هذه معرفة سابقة بعلوم الطب الحديث، فإن خصية الذكر تتدلى من منطقة الكلى أثناء التطور الجنيني.
ولا نستطيع منطقياً أن نرفض هذه الفكرة، ولكني كطبيب أتساءل: لماذا يشير الله إلى حقيقة مبهمة كهذه في آيةٍ لا تناقش علم التشريح كبرهان على قوة الله الخالقة! لا شك أن الآية تستخدم تعبيراً لغوياً، فالقول إن الأبناء من الأصلاب يشير إلى مكان القوة. ونحن نستخدم التعبير ابن صُلبه كاستعارة ومجاز.
وهناك آية قرآنية أخرى في سورة الأعراف 7:172 (من العهد المكي المتأخر) تقدم استعارة أخرى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ.. والظهور في سورة الأعراف، كالأصلاب في سورة النساء إشارة إلى مكان القوة. ويقول علماء اللغات إن هذين تعبيرين معروفان في الحضارات القديمة بالشرق الأوسط.
ولئن وجد المسلم في هذه الآية دليلاً على سبق القرآن العلمي، فليعلم أن الفكرة موجودة بالتوراة، فالكلمة العبرية chalats هي نفسها الكلمة العربية أصلاب بمعنى مكان القوة. يقول النبي إشعياء تَنَطَّقْنَ عَلَى الأَحْقَاءِ chalats (32:11) ويقول النبي إرميا كُلَّ رَجُلٍ يَدَاهُ عَلَى حَقَوَيْهِ chalats (30:6) (بمعنى ظَهْر، أو وسط). وقال الله ليعقوب مُلُوكٌ سَيَخْرُجُونَ مِنْ صُلْبِكَ chalats (تكوين 35:11) ويقول لداود ابْنُكَ الخَارِجُ مِنْ صُلْبِكَ chalats هُوَ يَبْنِي البَيْتَ لا ِسْمِي (1 ملوك 8:19).
وفي العهد الجديد نجد كلمة يونانية تحمل نفس المعنى هي osphus استخدمها الرسول بطرس وهو يقتبس وعد الله للملك داود حلف له بقَسَمٍ أنه من ثمرة صُلبه osphus يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه (أعمال 2:30).
وهناك مشكلة ثالثة: يستخدم القرآن (بخلاف الكتاب المقدس) كلمة صُلب في آية لا تسمح بتقديم تفسير يلطّف التعبير، وذلك في سورة الطارق 86:5-7 (وهي من العهد المكي المبكر) فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ .
وتتحدث هذه الآيات عن وقت التزاوج. فهي لا تتحدث عن زمن التطور الجنيني، بل عن خلق الإنسان من ماءٍ منصبّ باندفاع، يخرج من بين صلب الرجل (أي ظهره) وترائب المرأة (أي عظام صدرها) (التفسير لمحمد فريد وجدي، في كتابه المصحف المفسّر). والآية تقول إن المني يجيء من ظهر الرجل، أي منطقة الكلى، وليس من الخصية!
جاءت كلمة علقة (بصيغة المفرد) خمس مرات في القرآن، وجاءت بصيغة الجمع عَلَق مرة واحدة، في خمس آيات قرآنية، لتصف مرحلة من مراحل نمو الجنين.
تقول سورة القيامة 75:37-39 (من العهد المكي المبكر) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى . وتقول سورة غافر 40:67 (من العهد المكي المتأخر) هُوَ الذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .
وتضيف سورة الحج 22:5 (من العهد المكي والمتأخر والعهد المدني المبكر) بعض المعلومات، فتقول يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً.. ,
ولكن سورة المؤمنون 23:12-14 تقدم أكثر الآيات معالجة للموضوع (وهي من العهد المكي المتأخر) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ .
ويعرف كل دارس للأحياء أن لا وجود لمرحلة العلقة في تكوين الجنين، وهذا يخلق مشكلة علمية كبرى.
قال الراغب الأصفهاني في كتابه معجم مفردات ألفاظ القرآن عن علقة الدم الجامد، ومنه العلقة التي يتكون منها الولد، وعلِقت المرأة حبلت. والعَلَق التشبُّث بالشيء .
وكان أول ما أُنزل على محمد من القرآن في مكة سورة العلق 96:1 و2، وتقول فاتحتها ا قْرَأْ بِا سْمِ رَبِّكَ الذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ .
ويقول د. بوكاي: علق تشير إلى ما يعلُق (ما يتشبَّث بالشيء). ذلك هو المعنى الأول. وجلطة الدم معنى مشتق من هذا المعنى (ص 231).
وينتقد د. بوكاي مترجمي القرآن إلى الإنكليزية والفرنسية في ترجمتهم لكلمة علقة فيقول:
فأكثر ما يُضل الباحث هنا أيضاً هو مشكلة المفردات. فالواقع أن ترجمات وتفسيرات بعض الفقرات التي ما زالت منتشرة في عصرنا تعطي لرجال العلم الذين يقرأونها فكرة مغلوطة تماماً عن الآيات الخاصة بهذا الموضوع. على سبيل المثال تقول معظم هذه التفسيرات بتشكُّل الإنسان ابتداءً من جلطة دم أو ابتداءً من التحام . وهذه المقولة لا يقبلها مطلقاً العالِم المتخصص في هذا الميدان.. مثل هذه الملاحظة تجعلنا نتصوَّر الأهمية الكبرى لاقتران المعارف اللغوية والمعارف العلمية للوصول إلى إدراك معنى المقولات القرآنية عن التناسل (ص 226 و227).
فكيف يريد د. بوكاي أن يترجموا كلمة علقة للإنكليزية أو الفرنسية؟.. يريدهم أن يترجموها التحام أو ما يعلق أو ما يتشبَّث بالشيء . ويقول يتحقق استقرار البويضة بالرحم بواسطة امتدادات حقيقية، كما لو كانت بذوراً تضرب في الأرض.. وهذه الامتدادات هي التي تجعل البويضة تتعلق بالرحم (ص 230).
وهذا الكلام ممكن، وهو أقرب لحقائق العلم. ولكن أين ذِكر البويضة؟ إن ما يتشبث بالشيء لا يتكون من السائل المنوي وحده، بل من اندماج نواة المني ونواة البويضة. وبالطبع فإن إغفال ذكر أمرليس بالضبط ارتكاب خطإ، ولكنه ينتقص من الحقيقة.
وثانياً: إن ما يتشبث بالشيء لا يتوقف عن التعلُّق حتى يصبح مُضغة ، ولكنه يستمر عالقاً مدة ثمانية أشهر ونصف حتى يولد.
وثالثاً: تقول تلك الآيات إن المضغة تصبح عظاماً، ثم يغطيها اللحم (العضلات). وهذا ما يتكرر في سورة البقرة 2:259 وَانْظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً . ويتضح من هذا أن الهيكل العظمي يتكون أولاً، ثم يكسوه اللحم، والحقيقة أن العظام واللحم يأخذان في التكوُّن في وقت واحد، وفي نهاية الأسبوع الثامن يكون الجنين قادراً على الإتيان ببعض الحركات العضلية، لأن الضلوع تصبح غضروفية، وتتواجد العضلات، ويبدأ تكوين العظام عند أطراف الضلوع وتنتشر في العمود إلى أن تصل إلى أطراف الغضروف في الشهر الرابع. وتكون العضلات قادرة على الحركة ببداية الأسبوع الثامن، ولو أنها منذ الأسبوع العاشر إلى الثاني عشر تتطور وتنمو.
فلو قلنا إن العلقة تصبح مضغة في الأسبوع الرابع، فإن العضلات تكون موجودة مع العظام، ولا تكسو عظاماً كانت موجودة من قبل، كما يقول القرآن. وتبقى المشكلة بغير حل.
ونكرر سؤالنا: هل كانت فكرة العلقة ثم المضغة المخلّقة معروفة مفهومة عند أهل مكة والمدينة لتكون لهم آية ؟ إن المرء لا يرى الجنين عند الإجهاض المبكر، ولا يرى ما يشبه المضغة إلا المشيمة البالغة من العمر شهرين. ترى ماذا فهم أهل مكة والمدينة من كل هذا ليدفعهم ويقنعهم ليؤمنوا بالقيامة؟
حديثان يذكران العلقة
الحديث الأول: عن أنس بن مالك أن جبريل أتى رسول الله وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشقَّ عن قلبه، فاستخرج القلب واستخرج منه علقة سوداء، فقال: هذا حظ الشيطان. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمَه، ثم أعاده في مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعني مرضعته حليمة) فقالوا: إن محمداً قد قُتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنتُ أرى أثر ذلك المخيط في صدره (السيرة الحلبية 1:231).
ويظهر من هذا الحديث استعمالٌ مبكر لكلمة علقة استُخدمت لتعني كتلة دم سوداء، ولكنها لا تثبت المعاني المقترحة من د. تركي ولا د. بوكاي، ولا محمد أسعد.
أما الحديث الثاني فعن زيد بن وهب، قال عبد الله: حدّثنا رسول الله، وهو الصادق المصدوق، قال إن أحدكم يُجمَع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله مَلَكاً فيؤمر بأربع كلمات، ويُقال له: اكتُب عمله ورزقه وأَجَله وشقيٌّ أو سعيد، ثم يُنفخ فيه الروح. فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما تكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار. ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة (البخاري، كتاب بدء الخلق ج 4 ص 135 ط دار الشعب بالقاهرة - ومشكاة المصابيح حديث رقم 82 - متفق عليه).
وهذا الحديث عن محمد، وقد رواه البخاري ومسلم، وأخطاؤه واضحة في القول إن المني يبقى 40 يوماً، ثم العلقة 40 يوماً (ومجموعهما 80 يوماً). ثم المضغة 40 يوماً (ومجموعهم 120 يوماً). وقد أثبت العلم الحديث أن الجرثومة المنوية تبقى حية لمدة أقل من أسبوع داخل المرأة، وأن في مدة 70 يوماً تكون أعضاء الجنين قد نمت وتطورت، ما عدا المخ والعظام. ولكن هذا الحديث يقول إن الجنين لا يصير مضغة إلا بعد 80 يوماً، وهو خطأ علمي. ويذكر د. بوكاي هذا الحديث ويقول وصف تطور الجنين في هذا الحديث لا يتفق مع المعلومات العلمية الحديثة (ص 281).
ولا يساعدنا هذا الحديث في تحديد معنى كلمة علقة ولكنه يرينا ما كان العامة يؤمنون به في عصر محمد، ولو أنه يواجهنا بمشاكل فقهية متعددة.
المشكلة الفقهية
هل الأخطاء العلمية في حديث تضعف التعاليم الفقهية الواردة فيه؟ وإن كان حديث ما ضعيفاً أو مدسوساً، فكيف نضمن صدق أي حديث آخر؟ وكيف نتأكد أن النقل صحيح لأي حديث؟ وماذا نقبل من الحديث إن كان ذلك الحديث لا يقدم إلا معرفة محمد ومداركه العلمية؟؟
تقدم الآيات القرآنية التالية معلومات وأمراً بخصوص مدة الرضاعة:
سورة لقمان 31:14 (من العهد المكي المتأخر) وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ (فطامه) فِي عَامَيْنِ أَنِ ا شْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِليَّ المَصِيرُ .
سورة البقرة 2:233 (وتعود إلى عام 2 هـ ) وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ .
سورة الأحقاف 46:15 (من العهد المكي المتأخر) وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ (فطامه) ثَلاَثُونَ شَهْراً .
ولا مشكلة أن ترضع الأم طفلها مدة سنتين، إن استطاعت. والأطباء اليوم يوصون بالرضاعة الطبيعية ليحصل الطفل على غذائه نقياً. وتعطي سورة الأحقاف 15 مدة 30 شهراً للحمل والرضاعة. فهل يقصد أن مدة الحمل ستة شهور؟ وقد أحسَّ عبد الله يوسف علي بالمشكلة، فذكر أن أقل مدة للحمل هي ستة شهور ليكون المولود قابلاً للحياة والنمو.
وتمضي الأحقاف 46:15 لتقول وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي (ألهِمني) أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التِي أَنْعَمْتَ عَليَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ
ويبدو من الآية أن 40 سنة هي متوسط العمر العادي وقتها. فإن كانت مدة الرضاعة العادية (بحسب القرآن) سنتين، ومتوسط العمر وقتها 40 سنة، تكون مدة الحمل المذكورة (وهي ستة شهور) هي العادية، وليست تسعة شهور. مع أن الحمل الذي يستمر ستة شهور هو غير العادي!
كانت حضارات كثيرة ماضية تؤمن أن ما تراه الأم أو تفعله يؤثر في وليدها. ومنذ مئة سنة كان أهل الولايات المتحدة الأمريكية يعتقدون أن الأم التي ترى أرنباً أثناء حملها تلد طفلاً مشقوق الشفة كالأرنب! ولا زال تعبير شفة الأرنب مستخدماً في الكتب الطبية الأمريكية عن الشفة المشقوقة.
ويبدو أن القرآن يحوي أحد الأفكار القديمة، ففي سورة النساء 4:23 (وتعود إلى عام 5 أو6 هـ ) نقرأ قائمة بالنساء التي يُحرَّم على الرجل الزواج بهن، ومنهن حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ,,, أُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ,,, وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ (بخلاف زوجات الأبناء بالتبنّي المسموح بالزواج منهن في سورة الأحزاب 37).
ويؤكد د. بوكاي حقيقة علمية هي أن ما نرثه من صفات تحكمه الجينات فقط التي نأخذها من آبائنا وأمهاتنا. ولا تصلنا أية صفة وراثية من الرضاعة أو من المرضعات. ولا علاقة مطلقاً بين ولدٍ رضع من مرضعة والابنة الجسدية لتلك المرضعة، وعليه فلا يوجد سبب علمي يمنع زواج الولد الذي رضع من مرضعة أن يتزوج بابنة مرضعته.
يمكن أن يُقال إن في هذا المنع تكريمٌ للمرضِعة، ولكن لم يكن هذا هو السبب الذي جعل القرآن يحرم هذا الزواج، فالسبب الواضح أن الرضاعة تجعل الذي رضع قريباً للمرضعة. جاء في البخاري (كتاب النكاح، ج 7 ص12) أن النبي قال لعائشة الرضاعة تحرّم ما تحرم الولادة ولكنها تسمح بزيارة الأخت في الرضاعة وهي غير محجَّبة. ولله الحرية في التشريع، ولكن هذا لا يتوافق مع معرفتنا العلمية في الوراثة!
جاءت في سفر التكوين 30:32-31:13 قصة عن يعقوب، حفيد إبرهيم الخليل، تُظهر أن ما كان يعقوب يعتقده يخالف العلم الحديث. فقد كان يعتقد أن ما تراه الغنم يؤثر في نوعية وليدها. وتقول القصة إن لابان (خال يعقوب وحماه في الوقت نفسه) طلب من يعقوب أن يحدد أجرته، فطلب يعقوب أن يأخذ كل أرقط وأبلق من الغنم، فوافق خالُه.
وأخذ يعقوب قضبان حورٍ خُضراً ولوزٍ ودِلبٍ، وقشَّر فيها خطوطاً تكشف عن بياض القضبان، وأوقف القضبان المقشرة تجاه الغنم في أحواض مجاري الماء حيث كانت الغنم ترد لتشرب. فكانت الغنم تتوحم على القضبان .
كانت معلومة يعقوب العلمية خاطئة، ولكن الله لم يتركه لخطإ ظنونه، بل أوضح له حقيقة روحية، قال بعد معرفتها لزوجتيه: قال لي ملاك الله في الحلم: يا يعقوب، ارفع عينيك وانظر. جميع التيوس التي تشبّ على الغنم مخططة ورقطاء ونمراء، لأني رأيت كل ما يفعله لابان بك. أنا إله بيت إيل حيث نصبتَ عموداً ومسحتَه بالزيت لتكرّسه لي، ونذرتَ لي نذراً. والآن قم اخرُج من هذه الأرض وارجع إلى أرض مولدك .
ولكي ندرك عظمة هذه المعجزة، يجب أن نعرف أن العيون الزرقاء صفة وراثية ناشئة عن جين ذي فعالية أضعف من جين آخر. وهكذا الحال مع الغنم الرقطاء. ففي الظروف العادية من التزاوج المختلط تكون 25% من الغنم ذات جينين متشابهين لتنتج اللون الواحد، و25% من جينين متشابهين لتنتج الأرقط، بينما 50% تكون ذات جين واحد تنتج اللون الواحد، وجين آخر للأرقط. وهذه ال50% تكون أيضاً ذات لون واحد لأن جين اللون الواحد هو الغالب، تاركاً جين الأرقط في الظلال. والتزاوج العادي الذي يحدث مصادفة (25% - 50% - 25%) بين الكباش والنعاج يستمر في إنتاج 25% من الغنم الرقطاء.
وعندما استبعد لابان الأرقط (وعدده 25%) ترك قطيعاً ثلثه من لون واحد وثلثاه مختلط (أو ذو جين واحد). وكان يمكن أن هذا يُنتج عكس ما أراده يعقوب، فيعطيه نحو 17% فقط من الغنم الأرقط. وهنا تدخَّل الله بمعجزة ليعطي يعقوب ما لا تقدر الطبيعة أن تعطيه!
ولهذا التصنيف نتيجة تستمر وقتاً أطول، فكل الأغنام الوليدة من اللون الواحد تكون ذات جين واحد مع جين مختفٍ من الغنم الرقطاء التي لقَّحت الأنثى، مما يزيد عدد المواليد ذات اللون الواحد في موسم الولادة التالية بنسبة 75% فتكون نصف الخراف المولودة رقطاء، مما يضاعف أجر يعقوب.
وهكذا ترى أنه بالرغم من جهل يعقوب العلمي عام 1700 ق م، يظل ما جاء في الكتاب المقدس صحيح علمياً.
ويمكن أن نتحدث عن مشاكل أخرى جاءت في سورة النحل 1:66 (من العهد المكي المتأخر) حيث نقرأ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ . فهل يجيء اللبن من بين الفرث والدم؟
ومشكلة أخرى في السورة نفسها، الآية 69 يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا (النحل) شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ (العسل) فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ . فما معنى أن العسل يخرج من بطون النحل؟ وما هي الأمراض التي يشفي العسل منها؟
وتأمل سورة الأنعام 6:38 (وهي من العهد المكي المتأخر) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ.. . فما معنى أمم أمثالكم ؟ يقول د. بوكاي إن المقصود هو النحل، ولا شك أن النحل أمة، ولكن ماذا عن العنكبوت الذي تأكل أنثاه الذكر بعد التلقيح، فهل هذه أمة مثلي ومثلك؟
وخُذ ما جاء في سورة الفرقان 25:45 (وهي من العهد المكي المبكر) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً . فهل تتحرك الشمس لتدل على الظل؟ إن دوران الأرض هو الذي يطيل الظل أو يقصّره! إن ما يقوله د. بوكاي دفاعاً عن هذه الآيات لا يُقنع أحداً.
المشكلة الأخيرة التي أذكرها هي الحقائق التي أغفلها القرآن، مع أنه يقول إن فيه الهدى والنور للعالمين، ولكن لا يوجد إنسان في المنطقة القطبية الشمالية يمكن أن يكون مسلماً! وقد يعترضني معترض بأن كل من يشهد الشهادتين يصبح مسلماً، ولكني أجيبه إنه إلى جوار هذا يجب أن يصوم رمضان. والمسلم المقيم في المنطقة القطبية الشمالية سيموت جوعاً لو جاء رمضان صيفاً، لأن الشمس لا تغرب أبداً. فسيظل ينتظر غروب الشمس ليفطر فيموت قبل أن تغرب! وسيقول المعترض: إذاً فليصُم ويفطر بحسب التوقيت في مكة أو استكهولم. ومع أن هذا منطقي إلا أن معظم المسلمين سيعترضون عليه لأنه فكر غير أصولي. ولا زال المسلمون يعتمدون على رؤية الهلال بالعين المجردة لبدء شهر الصوم أو نهايته. ومع أن الحساب الفلكي لظهور القمر صحيح تماماً، إلا أن القرآن يقول فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (سورة البقرة 2:185).
وهناك مشكلة حديثة، فإن أحد رواد الفضاء السعوديين طار بارتفاع 200 كيلومتراً، بسرعة 29 ألف كيلو متر في الساعة، وكان يدور حول الأرض مرة كل 90 دقيقة. فكيف يؤدي صلواته اليومية الخمس والشمس تشرق وتغرب عليه 18 مرة كل 24 ساعة؟ وكيف يجعل مكة قبلته، والقبلة تتغير كل ثانية؟ وقد أفتى رجال الدين السعوديون بأن عليه أن يثبت قدميه في سفينة الفضاء ويصلي ثلاث مرات كل 24 ساعة، وهو قرار منطقي ولو أن ذكره لم يرد في القرآن.
ذكرت كل هذا لأن د. بوكاي كتب صفحتين يشرح فيهما كيف أن كلمة إنْ في سورة الرحمان 33 نبوة عن إمكان غزو الفضاء. ولكن قيمة هذا الشرح تتضاءل أمام الأسئلة التي أثرناها. أَمَا كان الأفضل أن تكون عندنا نبوة تجاوب على الأسئلة الأساسية!
ويقدم لنا الكتاب المقدس نبوات واضحة مفصَّلة، سنتأملها في فصلٍ قادم,
للاتصال بنا