شهادة علم الآثار
منذ القديم كانت الأسفار المقدسة عرضة لتهجُّمات الكفرة والملحدين، لأنها تتعارض مع أفكارهم، وتكشف مساوئهم, ولهذا حاول كثيرون منهم أن يجدوا في الآثار والنقوش القديمة ما يخالف النصوص المقدسة, ولكن الاكتشافات جاءت مخيبة لآمالهم، لأن النقوش التي عثر عليها الباحثون في فلسطين وما بين النهرين كلها تؤيد ما ورد في الكتب المقدسة، حتى أن كثيرين من الملاحدة رجعوا إلى الإيمان، لأن الآثار التي اكتُشفت شهدت بصحة النصوص الكتابية,
كان الاعتقاد السائد لدى الباحثين أن الكتابة لم تكن مستعملة في فلسطين قبل العام 540 قبل الميلاد, أي أن موسى وعدداً آخر من رجال العهد القديم لم يكتبوا أسفارهم بأيديهم, كما أن الملحدين ادَّعوا بأن كَتَبة التوراة قد بالغوا في وصف أحداث وحضارة الشرق إلى حد يفوق التصديق، نظراً لمغايرة هذه الأسفار لأقوال المؤرخين القدماء,
ولكن الاكتشافات الحديثة نقضت نظرياتهم تماماً، لأنها جاءت مؤيدة تماماً لصحة الأسفار الإلهية في كل ما ورد فيها عن حضارة مصر وبابل وأشور, وقد ثبتت كل ما ذكرته عن سنحاريب، وتغلث فلاسر، ونبوخذ نصر، وغيرهم,
وإنه ليبهجنا أن تتيح لنا هذه الاكتشافات أن نرى لوحات نُقشت فيها الحروف التي كان يكتب بها موسى ويشوع وعزرا وصموئيل وغيرهم, وأن نتأكد أن الكتابة كانت معروفة في عهد إبراهيم وموسى وأيوب ونحميا، كما في أيامنا,
ومما يسعدنا أنه تم في زمننا قول المسيح إن الحجارة تتكلم, والواقع أنها تكلمت بما حوته من نقوش سجل فيها معظم الحوادث المهمة التي جاء الكتاب المقدس على ذكرها,
ـ 1 ـ قصة التكوين: لقد جاء في النقوش البابلية والأشورية كتابات مذهلة عن رواية التكوين، لأنها جاءت متفقة مع ما جاء في الكتاب المقدس ولا تختلف عنها إلا ببعض الألفاظ, فمثلاً، يقول الكتاب المقدس إن الله عمل النورين العظيمين، النور الأكبر لحكم النهار، والنور الأصغر لحكم الليل والنجوم ـ تكوين 1: 16 ـ وتقول النقوش البابلية إن الله صنع السدوم والكواكب,
الكتاب المقدس يقول إن الله خلق البهائم والدبابات كأجناسها ـ تكوين 1: 24 ـ واللوحات البابلية تقول إن مجمع الآلهة خلق هذه الحيوانات,
الكتاب المقدس يقول إن الله خلق الإنسان من تراب الأرض ـ تكوين 2: 7 ـ , وقصة بابل تقول إن الإله مردوخ خلق الإنسان من اللحم والعظام,
ـ 2 ـ تعدد الآلهة: يقول الكتاب المقدس إن البشر ارتدوا عن الله الحي وعبدوا آلهة متعددة، مما حدا بالأنبياء إلى بذل المحاولات لإرجاع الناس إلى عبادة الإله الواحد, أما العلماء الملحدون فزعموا أن الإنسان منذ البداية يعتقد بتعدد الآلهة, وبقيت هذه النظرية سائدة لدى الكثيرين إلى أن دحضها الدكتور س, هربرت, وهو أحد أعلام الحفريات وأستاذ الدراسات الأشورية في جامعة أكسفورد فقد قال هذا العلامة إن عقيدة الوحدانية في الديانات السامية والسومرية قد سبقت العقيدة بتعدد الآلهة,
وكذلك الاكتشافات الحديثة دحضت الرأي الذي كان سائداً في بعض الأوساط العلمية، والذي مفاده أن عقيدة التوحيد في الديانة اليهودية لم تكن موجودة قبل أن ينادي بها أنبياء القرن السابع أو الثامن قبل المسيح, فأكدَّ عدد عديد من النقوش أن موسى نادى بعقيدة التوحيد قبل أن يدخل العبرانيون أرض كنعان,
ـ 3 ـ قصة الطوفان: قدَّم عِلم الآثار من الحفريات البابلية قصة رائعة للطوفان، تتفق مع ما جاء عنها في سفر التكوين، فقد ذكر في كل من النصين، التوراتي والبابلي، أن الطوفان وقع بترتيب إلهي, وفي كل من الروايتين، يحذر بطل القصة من كارثة مزمعة أن تقع على العالم, وبعد التحذير بنى فلكاً له ولعائلته, ثم أخذ معه حيوانات إلى الفلك، اثنين من كل جنس ذكراً وأنثى لاستبقائها, وحين هدأت العاصفة وانسدت ينابيع الغمر استقر الفلك على قمة جبل، فأرسل البطل طيوراً للاستكشاف, وفي نهاية الطوفان قدم قرباناً لله، فاستجاب الله له، وأكّد له الأمان,
ـ 4 ـ أور الكلدانيين: قبل التنقيب في أراضي العراق، لم يكن علماء الكتاب المقدس يعلمون مدى الحضارة التي وُجدت هناك، والتي دلت على أن تلك الأرض القفراء كانت يوماً جنة تجري من تحتها الأنهار, وقد قامت في وسطها عاصمة لأمة عريقة في الحضارة, ومما أكدته الحفريات هناك، أنه في أحقاب التاريخ البعيدة، وفد السومريون إلى تلك البقعة واستوطنوها، وأنشأوا فيها حضارة عظيمة,
أما عن ديانتهم فكانوا يؤمنون بتعدد الآلهة, وكان لكل عائلة صنمها الخاص, وهذا يفسر لنا تصرُّف راحيل حين سرقت آلهة لابان أبيها، قبل هربها مع زوجها يعقوب ـ تكوين 31: 27-32 ـ ,
وقد أثبتت لنا تلك الحفريات أن إبراهيم لم يكن مجرد شيخ قبيلة بدوية، من سكان الخيام، بل كان ينتسب إلى شعب عريق في مدنيته، كان يسكن في حاران, وهذا يتفق تماماً مع نص الكتاب المقدس ـ تكوين 11: 28-31 ـ ,
وإذا تأملنا في رحلة إبراهيم الطويلة، نرى أن أبا المؤمنين مر بدوثان وبيت إيل وشكيم, وهي مدن ورد ذكرها في الكتاب المقدس,
ودلَّت الآثار المكتشفة في فلسطين على صحة ما جاء في الكتاب المقدس عن المنطقة الواقعة جنوب البحر الميت، التي قضى فيها إبراهيم ردحاً من الزمن، والتي كانت مزدهرة ومزدحمة بالسكان، في عهد إبراهيم,
ـ 5 ـ قصة يوسف: كان يوسف فريسة لمكيدة قاسية دبرها إخوته، فقد باعوه إلى إحدى قوافل مصر, ولكن إذ كان باراً، جعل الله الأشياء تعمل معاً لخيره, فقد وجد نعمة في عيني فرعون، فرفعه وجعله وزيراً لخزانة مصر, وقد تأكدت هذه القصة، بتأييد لوحة اكتُشفت في مقبرة أحد عظماء مصر، المدعو ألقاب والذي كان معاصراً ليوسف, فقد قرأ العلماء في هذه اللوحة أن مجاعة رهيبة حدثت في أيامه وأن الدولة وزعت على الشعب الغلال التي اختزنها وزير الخزانة في سني الخصب, ومقابل ذلك، استولت الدولة على أملاكه, وهذه الرواية توافق تماماً ما جاء في ـ تكوين 47: 18-22 ـ ,
ـ 6 ـ عبودية العبرانيين في مصر: اكتشفت في مصر منحوتة، يعود تاريخها إلى تحتمس الثالث، تمثّل العبرانيين وهم يقومون ببناء هيكل لفرعون, وكذلك اكتُشفت عدة خرائب تبلغ سماكة جدران الأبنية فيها ثمانية أقدام, وهي مبنية باللبن الممزوج بالتبن، والمجفف بحرارة الشمس, وهذا الاكتشاف يؤيد ما جاء في خروج 5: 7,
ـ 7 ـ خروج العبرانيين من مصر: عثر في تل العمارنة عام 1888 على لوحة منقوشة بالخط المسماري، كان حكام فلسطين قد أرسلوها إلى فرعون مستنجدين به لمساعدتهم ضد غزوات شعب خطير، دُعي باسم عبيرو، الذي معناه العبرانيون,
ـ 8 ـ موسى والناموس: كان الاعتقاد السائد لدى بعض العلماء أن الناموس يعود إلى فترة لاحقة لزمن موسى, إلا أن التنقيب عن الآثار، الذي قام به العالم ده مورجان عام 1884 أيد الكتاب المقدس في قوله إن الناموس أُعطي بموسى, فقد اكتشف هذا الباحث كنزاً من المخطوطات في قصر شوشن، المذكور في سفر أستير، أيَّدت ما جاء في الكتاب المقدس عن ناموس موسى,
ـ 9 ـ قصص الكتاب عن بعض الشعوب القديمة: اكتُشف في رأس الشمرة، على بعد عشرة أميال شمال اللاذقية بقايا مدينة أوغاريت، التي تأسست عام 2000 قبل الميلاد, وعثر فيها على مئات من الألواح تؤيد قصص الكتاب المقدس عن الفرزيين والحيويين والحثيين,
ـ 10 ـ لوحات مصرية تثبت وجود الحثيين: إلى عهد قريب كان علماء التاريخ يشكون في وجود الحثيين، الذين اشترى إبراهيم منهم مغارة المكفيلة وجعلها مقبرة لزوجته سارة ـ تكوين 23: 8-9 ـ وبقي هذا الشك إلى أن عثر على أخبارهم في لوحات أثرية مصرية, وتذكر إحدى هذه اللوحات أن معركة دارت بينهم وبين قوات رمسيس الثاني بالقرب من قادش، عام 1287 قبل الميلاد,